بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184237 / تحميل: 7015
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

حسوا في ارتغاء(١) من بغضه أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومع الإضراب عن هذا فسوف يأتي الكلام(٢) في نصرة أمير المؤمنين رسول الله ونصرة غيره له.

وادعى أن أبا بكر ضرب على إسلامه وليس المفتون كالوادع قال الله تعالى( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) (٣) .

وبنى الناصب على أن المراد بالفتنة العنت والأذى متعرضا بأمير المؤمنينعليه‌السلام (٤) .

والجواب عن ذلك بما أن هذا شيء لا تعلق له بتقدم الإسلام ولا بشرف إسلام هذا من إسلام ذاك إذ الذي يدعي وقوعه من الضرب كان بعد الإسلام لا معه وما ثبت أيضا وهو متهم في حكايته وروايته فإذن هذا من باب المفاخرة خاصة مقطوع عما نحن وهو فيه.

والجواب عنه مع ثبوته وثبوت مرتبة له بذلك بما أن إسلام أبي بكر رضوان الله عليه كان فرعا لإسلام أمير المؤمنينعليه‌السلام وليس ببعيد أن يحث المقتبل الكهل على فعل المحاسن واعتماد الفضائل إذ يقول الشيخ كيف يصلح لي أن أسبق وأنا ذو سن وأغلب وأنا(٥) ذو حنكة يغلبني الأحداث ويتقدمني الناشئون.

__________________

(١) الحسو: الشرب شيئا فشيئا، الارتغاء: شرب الرغوة وهي زبد اللبن وهو مثل يضرب لمن يظهر طلب القليل ويسر أخذ الكثير.

(٢) ص: (٥٩).

(٣) البقرة: ١٩١.

(٤) العثمانية: ٢٩.

(٥) أضفنا الكلمة ليستقيم الكلام، وفي ن: وكان هو ذا حنكة يأبى أن يغلبه الأحداث ويتقدمه الناشئون.

٨١

وإذا كان الأمر كذا فمناسب أن يكون لإسلام أمير المؤمنينعليه‌السلام حصة في إسلام أبي بكر رضوان الله عليه ومهما حصل به من ثواب الإسلام وتوابع ذلك كان له فيه النصيب الأوفر اعتبارا بما أنه كان الأصل بما وصل إليه.

ومن المنقول: من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة(١) وكذا نقول في إسلام غيره من الصحابة والتابعين ومن يتلوهم من المسلمين.

وأرى كلام الجاحظ حاصله أن أبا بكر رضوان الله عليه ذو ثواب فيما وصل إليه من الضرب أو بكونه لم يرجع عن الإسلام ولم يحد عنه.

والأول غير مفضل له على أمير المؤمنين وغيره من الهاشميين إذ حصل لهم من المتاعب وحصر قريش لهم في الشعب والترهيب ما يرجح على ذلك إذ كانوا معرضين للموت جوعا أو غير جوع وهو من أشد المجاهدات.

وقد بذل أمير المؤمنين صلوات الله عليه نفسه في مرضاة الله وأثنى عليه في قوله تعالى( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (٢) رواه من لا يتهم للإمامية بل هو إلى التهمة عليهم أقرب أبو إسحاق الثعلبي(٣) في كتابه

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل: ٤ / ٣٦٢، سنن ابن ماجة ١ / ٩٠ سنن الدارمي: ١ / ١٣٠ باختلاف في اللفظ يسير.

(٢) البقرة: ٢٠٧.

(٣) أبو اسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي النيسابوري، المفسر المشهور، كان أوحد زمانه في علم التفسير، حدث عن أبي طاهر بن خزيمة والامام أبي بكر بن مهران المقريء، وكان كثير الحديث، كثير الشيوخ، توفى سنة سبع وعشرين وأربعمائة وقيل غير ذلك، انظر: وفيات الأعيان: ١ / ٧٩، معجم الأدباء: ٥ / ٣٦، النجوم الزاهرة: ٤ / ٢٨٣.

٨٢

كشف البيان(١) وأن أمير المؤمنين آثر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعمره وما ثبت ذلك لغيره عند ضربه مثبتا له ثوابا يشهد له(٢) لسان كلام(٣) الكتاب العزيز وإن كان يريد بالفضيلة كونه لم يرجع عن الإسلام فلا ينبغي أن يوصف عين من أعيان الصحابة بالمبالغة في أنه ما ارتد عند ضرب وقد صبر على ذلك غيره أو أشد منه ممن صبر.

وأما تفسير مبغض أمير المؤمنينعليه‌السلام الفتنة بالأذى والعنت فإنه إن كان ما عرف ما ذكر أهل التفسير في ذلك فهو ناقص جدا إذ كان بمقام الغفلة عن اعتبار معاني كتاب الله تعالى خائضا في تفسيره برأيه بانيا له على غير أسه وملعون على ما روي(٤) من فسر القرآن برأيه.

وروى الواحدي(٥) بإسناده المتصل عن ابن عباس عن رسول الله ص

__________________

(١) الكشف والبيان في تفسير القرآن: مخطوط.

ولقد روى نزول هذه الآية في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام جماعة من أعلام القوم غير الثعلبي ونحن نذكر قسما منهم بذكر مصادرها:

تفسير الطبري: ٩ / ١٤٠، مسند احمد بن حنبل: ١ / ٣٣١ ضمن حديث ساقه عن ابن عباس، مستدرك الصحيحين: ٣ / ٤، تلخيص المستدرك ٣ / ٤، مناقب الخوارزمي: ٧٤ تفسير الفخر الرازي: ٥ / ٢٢٣ اسد الغابة: ٤ / ٢٥ تذكرة الخواص: ص ٢٠٨ كفاية الطالب: ص ١١٤، الجامع لأحكام القرآن: ٢ / ٣٧٧، تفسير النيشابوري ( المطبوع بهامش تفسير الطبري: ٢ / ٢٠٨، البحر المحيط: ٢ / ١١٨ الفصول المهمّة: ص ٣٠، حبيب السّير: ٢ / ١٢ تفسير روح المعاني: ٢ / ٨٣، ينابيع المودّة: ص ٩٢.

(٢) ن: به.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٥) هو ابو الحسن علي بن احمد بن محمد بن علي بن متويه الواحدي المتوي، صاحب التفاسير المشهورة: كان استاذ عصره في النحو والتفسير، منها: « البسيط » في تفسير القرآن الكريم، وكذلك « الوسيط » و « الوجيز »، و « اسباب النزول » وغيرها من الكتب.

وكان الواحدي المذكور تلميذ الثعلبي صاحب تفسير « الكشف والبيان »، وعنه اخذ علم

٨٣

قال من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار(١) .

وإن ادعى فيه عن المفسرين النقل فهو بعيد إذ المفسرون فسروا الآية بأن المراد من الفتنة الكفر. فسره الثعلبي(٢) والواحدي(٣) إذ الكفار عيروا المسلمين بالقتل في الشهر الحرام فقال الله تعالى( وَالْفِتْنَةُ ) التي أنتم عليها من الكفر( أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) في الشهر الحرام في قصة معروفة جرت وكيف يتقدر أن يقول إله العالم إن شيئا مما كان يجري من أذى المسلمين أعظم من القتل.

قال مبغض أمير المؤمنين صلوات الله عليه فلو كان علي بن أبي طالب قد ساوى أبا بكر في الإسلام لقد كان فضله أبو بكر بأن أعتق من المعذبين المفتونين بمكة وأنه كان يلقى الأذى مدة المقام بمكة وعلي وادع(٤) .

أقول إنا قد بينا ما جرى لبني هاشم من الأذى الشديد والخوف القاهر وبذل أمير المؤمنين نفسه فكيف يكون وادعا من هذا سبيله هذا بغض صريح من أبي عثمان لأمير المؤمنينعليه‌السلام فالوعيد المناط

__________________

التفسير، وتوفي عن مرض طويل في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة بمدينة نيسابور.

انظر: وفيات الاعيان: ٣ / ٣٠٣ وأنباه الرواة: ٢ / ٢٢٣.

(١) ما ورد في المصدر هو:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -: اتقوا الحديث الا ما علمتم، فانه من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار، انظر أسباب النزول: ٤.

(٢) الكشف والبيان: مخطوط.

(٣) اسباب النزول: ٣٥، ٣٦.

(٤) العثمانية: ٣٠.

٨٤

بالكافرين(١) لاحق به لا محالة إذ بغضته(٢) بما ثبت في الصحيح عند القوم كفر(٣) .

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه أعتق من المعذبين من أعتق فمما لم يثبت برهانه ولو ثبت فإنه فرق بين من أعتق شخصا أو شخصين من الأذى الدنيوي وبين من أعتق من لا يحصى من العذاب الأخروي الأبدي إذ بأمير المؤمنين قامت دعائم الإسلام وقعدت قوائم الشرك وقد تأتي الرواية بك يهتدي المهتدون بعدي وتقرير المعنى منها(٤) .

وذكر شانئ أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث الغار(٥) وهذا غير ما نحن فيه وقد سلف تقرير ذلك وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

وادعى أن جماعة أسلموا على يده منهم خمسة من أصحاب الشورى وكلهم يفي بالخلافة وهم أكفاء علي ومنازعوه الرئاسة والإمامة فقد أسلم على يده أكثر ممن أسلم بالسيف لأن هؤلاء أكثر من جميع الناس(٦) .

والذي أقول على شانئ أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثم عدو الله إنه شرع معظما الجماعة المشار إليهم من أصحاب الشورى وإن كلهم يفون بالخلافة فإن الذي يقال عليه إن الشورى ليست فخرا دينيا لمن كان داخلا فيها.

__________________

(١) اشارة الى قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) الاحزاب: ٦٤ وغيره المتضمن لهذا المعنى.

(٢) ن: بغضه.

(٣) تقدمت الاشارة الى قسم منها ص: (١٩).

(٤) ص: (٧٠).

(٥) العثمانية: ٤٣.

(٦) العثمانية: ٣٢.

٨٥

فإن قيل لو لم يكونوا أرباب خصائص ما عول عمر عليهم قلنا هذا ليس دالا على فضيلة باطنة توازي فضيلة(١) من شهد له الخصم بصلاح الباطن وشهد له النبيعليه‌السلام بأن الشاك فيه بائر وسوف يأتي الحديث في هذا(٢) بفصه(٣) عند الحاجة إليه(٤) .

ويقول لسان الجارودية(٥) إن إدخال من أدخل في الشورى إنما يثبت فضلهم لو كان المدخل لهم رسول الله أو من لا يتهم في تدبيره بوجه من الوجوه وأين ذاك أضربنا عن هذا فإن المدخل لهم في الشورى عابهم وتنقصهم(٦) .

__________________

(١) لا توجد في: ق.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٣) ن: نقصّه.

(٤) ص: (٣٩).

(٥) الجارودية اصحاب أبي الجارود، يذهبون الى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على عليعليه‌السلام بالوصف دون التسمية والامام بعده علي والناس قصّروا حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف وانما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك. واختلفت الجارودية فساق بعضهم الامامة من عليعليه‌السلام الى الحسن ثم الى الحسين ثم الى علي بن الحسين ثم الى زيد بن علي ثم منه الى الامام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين وقالوا بامامته ثم اختلفوا فمنهم من قال انه لم يقتل وهو بعد حي وسيخرج فيملأ الأرض عدلا ومنهم من أقر بموته وساق الامامة الى محمد بن القاسم بن علي بن الحسين بن علي بن صاحب الطالقان ومنهم من قال بامامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة وقد قتل في أيام المستعين، الملل والنحل ١ / ١٦٣ و ١٦٤.

(٦) ذكر ابن ابي الحديد في شرح النهج: ١ / ١٨٥.

ان عمر لما طعنه ابو لؤلؤة، وعلم انه ميت، استشار فيمن يولّيه الأمر بعده فأشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لاها الله اذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب، حسب عمر ما حمّل، حسب عمر ما احتقب، لاها الله لا اتحملها حيا وميتا.

ثم قال: ان رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم.

ثم قال: ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وان أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله -.

٨٦

__________________

ثم قال: ادعوهم لي، فدعوهم فدخلوا عليه وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه، فنظر اليهم فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي! فوجموا، فقال لهم ثانية، فأجابه الزبير وقال: وما الذي يبعدنا منها؟ ولّيتها انت فقمت بها ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة.

فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم؟ قال: قل: فانّا لو استعفيناك لم تعفنا. فقال: أما أنت يا زبير فوعق لقس ( أ ) مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوما انسان ويوما شيطان، ولعلها لو أفضت اليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من شعير، أفرأيت أن افضت اليك فليت شعري، من يكون للناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب؟ وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الامة وأنت على هذه الصفة.

ثم أقبل على طلحة - وكان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر - فقال له: أقول أم أسكت؟ قال: قل، فانك لا تقول من الخير شيئا قال: أما اني أعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم أحد والبأو ( ب ) الذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب.

قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: الكلمة المذكورة، ان طلحة لما انزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه الى رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - ما الذي يغنيه حجابهن اليوم، وسيموت غدا فننكحهنّ، قال ابو عثمان أيضا: لو قال لعمر قائل: انت قلت: ان رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - مات وهو راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة انه مات عليه‌السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها؟ لكان قد رماه بمشاقصة ولكن من الذي كان يجسر على عمر ان يقول له ما دون هذا. فكيف هذا.

قال: ثم اقبل على سعد بن ابي وقاص فقال: انما أنت صاحب مقنب ( ج ) من هذه المقانب، تقاتل به وصاحب قنص وقوس واسهم وما زهرة والخلافة وامور الناس.

ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: وأما أنت يا عبد الرحمن فلو وزن نصف ايمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر.

ثم اقبل على علي عليه‌السلام فقال: لله انت لو لا دعابة فيك، أما والله لأن ولّيتهم لتحملنّهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء.

ثم اقبل على عثمان، فقال: هيها اليك، كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها اياك، فحملت بني امية وبني أبي معيط على رقاب الناس وآثرتهم بالفيء، فسارت اليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا، والله لان فعلوا لتفعلن، ولأن فعلت ليفعلن ثم أخذ بناصيته فقال: فاذا كان ذلك فاذكر قولي، فانه كائن.

٨٧

أضربنا عن هذا(١) فإن الذي نحن فيه حال الإسلام وتقدمه

__________________

ثم قال ابن أبي الحديد: ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب ( السفيانية ) وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر.

وايضا ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ١٢ / ٢٥٨ عن محمد بن سعد عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: قال عمر: لا أدري ما اصنع بامة محمد - صلى الله عليه ( وآله ) وسلم -؟ وذلك قبل أن يطعن، فقلت: ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه عليهم؟ قال: أصاحبكم؟ - يعني عليا قلت نعم هو لها أهل، في قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصهره وسابقته وبلاءه، قال: ان فيه بطالة وفكاهة، فقلت: فأين أنت من طلحة؟ قال: فاين الزهو والنخوة! قلت: عبد الرحمن؟ قال: هو رجل صالح على ضعف فيه، قلت: فسعد؟ قال: ذاك صاحب مقنب وقتال لا يقوم بقرية لو حمل أمرها، قلت: فالزبير؟ قال: وعقة لقس ( د )، مؤمن الرضا كافر الغضب، شحيح، وأن هذا الأمر لا يصلح الا لقوي في غير عنف، رفيق في غير ضعف، وجواد في غير سرف، قلت: فأين أنت عن عثمان؟ قال: لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.

( ثم قال ابن ابي الحديد ) وقد يروى من غير هذا الطريق أن عمر قال لأصحاب الشورى: روحوا اليّ، فلما نظر اليهم قال: قد جاءني كل واحد منهم يهز عفريته، يرجو أن يكون خليفة. أما أنت يا طلحة، أفلست القائل: ان قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انكح أزواجه من بعده! فما جعل الله محمدا أحق ببنات أعمامنا منا فأنزل الله تعالى فيك: ( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) وأما أنت يا زبير فو الله ما لآن قلبك يوما ولا ليلة، وما زلت جلفا جافيا وأما أنت يا عثمان، فو الله لروثة خير منك، وأما أنت يا عبد الرحمن فانك رجل عاجز تحب قومك جميعا، وأما انت يا سعد، فصاحب عصبية وفتنة، وأما انت يا علي فو الله لو وزن ايمانك بايمان أهل الأرض لرجحهم، فقام عليّ مولّيا يخرج، فقال عمر: والله اني لاعلم مكان رجل لو وليتموه امركم لحملكم على المحجة البيضاء، قالوا: من هو؟ قال: هذا المولّي من بينكم، قالوا: فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليس الى ذلك سبيل.

أ - الوعق: الضجر المتبرم، واللقس: من لا يستقيم على وجه.

ب - البأو: الكبر والفخر.

ج - المقنب: صاحب الخيل.

د - رجل وعقة ولعقة: اذا كان فيه حرص ووقوع في الأمر.

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

٨٨

وأي الإسلامين وقع حين ما وقع سريعا لا فيما(١) عقب من الفضائل والخصائص إذ ذلك له باب مفتوح جدا ولأمير المؤمنينعليه‌السلام فيه الفضل المتعين(٢) الذي لا يشاركه فيه غيره ولا يدانيه فيه سواه والسير تكشف عنه من طرق القوم ليس هذا موضع الإبانة عنه.

أضربنا عن هذا فإن شانئ أمير المؤمنينعليه‌السلام حاد عن الطريق اللاحب(٣) في بحثه إما نقصا في قريحته أو بغضا لأمير المؤمنينعليه‌السلام متباعدا عن موالاته وموازرته إذ علماء القوم وكتبهم محشوة من كون الفتنة العظمى كانت بين طلحة والزبير وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين فكان فرع ذلك قتله رضوان الله عليه ثم كان فرع ذلك وقعة الجمل فقتل طلحة والزبير وقتل من الفريقين أمة كبيره.

ذكر الروحي(٤) أن المقتولين من أصحاب طلحة والزبير ثمانية آلاف وقيل سبعة عشر ألفا وقتل من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام نحو من ألف وذكر أنه قطع على زمام الجمل سبعون يدا.

ثم كان فرع قتل عثمان بعد ذلك حرب صفين فقتل من أصحاب

__________________

(١) لا توجد في: ق.

(٢) ن: المتفنن.

(٣) اللاحب: الواضح ( المنجد ).

(٤) هو ابو الحسن علي بن أبي عبد الله محمد بن أبي السرور بن عبد الرحمن الروحي فقيه مؤرخ.

كان الروحي معاصرا للخليفة المستعصم بالله كما قال في تاريخه ولقد طبع تاريخه في القاهرة عام ١٩٠٩ باسم « بلغة الظرفاء في ذكرى تاريخ الخلفاء » والذي في كشف الظنون: ١ / ٢٥٢ « بلغة الظرفاء إلى معرفة الخلفاء ». وصحف الى الدوحي ولعله غلط مطبعي نقل عنه ابن خلكان في ترجمة الوزير « شاور » وكذلك في ترجمة نزار الفاطمي الملقب بالعزيز بالله، وفيات الأعيان: ٢ / ٤٤٠ و ٥ / ٣٧٢.

وكذلك نقل عنه ابن الفوطي في تلخيص مجمع الآداب: ٢ / ١٢٢٦ وذكره السخاوي في الاعلان بالتوبيخ: ٩٥ وعده في مؤرخي الخلفاء وصحف الى السروجي.

٨٩

أمير المؤمنينعليه‌السلام خمسة وعشرون ألفا ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا.

وفشا الضلال وولي عتاة بني أمية وضربت المصاحف بالسهام من عتاتهم وسم الحسنعليه‌السلام وقتل الحسينعليه‌السلام سيدا شباب أهل الجنة صلّى الله عليهما وجرى غير ذلك من فنون الفتن.

هذه كانت العاقبة بالجماعة الذين من بهم أبو عثمان على الإسلام.

وأما أنهم كانوا يفون بالخلافة فبهت محض إذ طلحة والزبير رضوان الله عليهما كذباه بطعنهما على عثمان رضوان الله عليه وبطعن عثمان عليهما ومحاربته(١) ومجاذبته.

قال لسان الجارودية ولقد أحسن سعيد(٢) بن زيد بن عمرو بن نفيل(٣) في جوابه لطلحة إذ قال له إن عمك أدخلني في الشورى ولم يدخلك فقال له إنه خافك على الإسلام أو على المسلمين ولم يخفني.

ثم بيان كونهما غير صالحين للخلافة بما أنهما خرجا على الخليفة علي بن أبي طالب والخروج على الإمام فسق عند قوم وعند آخرين كفر.

أضربنا عن ذلك فهو تدبير غير مقترن بالحكمة التي تليق بمن يستحق

__________________

(١) ن: بمحاربته.

(٢) ج وق: سعد بن زيد بن هارون بن نفيل.

(٣) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي، أسلم قبل دخول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار الأرقم، وهاجر وشهد احدا والمشاهد بعدها ولم يكن بالمدينة زمان بدر فلذلك لم يشهدها. وضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسهمه يوم بدر لانه كان غائبا بالشام وكان اسلامه قديما قبل عمر وكان اسلام عمر عنده في بيته لانه كان زوج اخته فاطمة، توفي بالعقيق فحمل الى المدينة في سنة خمسين وقيل احدى وخمسين وقيل غير ذلك وعاش بضعا وسبعين سنة وقيل غير ذلك انظر: الاصابة: ٢ / ٤٦ المغازي: ١ / ١٩ و ٢٠ و ١٥٦ و ٢ / ٧٧٠ و ١١١٨.

٩٠

الخلافة وهو واف بها إذ الرواية رويت بأنهما كانا يختصمان على الخلافة وليس أحدهما أظهر من صاحبه ويتجافيان أمير المؤمنينعليه‌السلام ومفارقته مفارقة الله(١) وحربه حرب الرسول بما روي من طريق القوم وسوف أثبته بفصه(٢) ومن يكون بهذه الصفات كيف يفي بتدبير الخلافة أو يكون أهلا لها.

وأما أمير المؤمنينعليه‌السلام فإنه مهد قواعد الإسلام بإسلامه أولا وبكونه وقى رسول الله بمهجته وهو أصل الإسلام فكل المسلمين حقا في ضيافة أمير المؤمنينعليه‌السلام لأنه وقى لهم بنفسه أصل الإسلام وتعرض للحمام(٣) ثم بعد ذلك حطم قرون الشرك بصولته وبدد جمعهم بمنازلته حتى ذلت صعاب الشرك وخامت(٤) عزة الكفر ولو لا سيوفه البواتر وغروبها(٥) القواطر ما الذي كان يغني إسلام من(٦) أشار إليه وقد جرى لهما يوم أحد أعني عثمان وطلحة رضوان الله عليهما ما رواه السدي(٧) مما لا أرى حكايته إذ متعين على الإنسان قطع لسانه عن

__________________

(١) تقدمت الاشارة الى الأحاديث الواردة بشأن ذلك ص: (٢١).

(٢) يأتي: ص (١١٤) فانتظر.

(٣) الحمام: الموت.

(٤) خام: جبن ونكص.

(٥) غروب: مفردة غرب ( بالفتح فالسكون ) حد كل شيء، وغرب السيف حده الذي يقطع به ( المنجد ).

(٦) ن: الاسلام ممن.

(٧) هو اسماعيل، بن عبد الرحمن، بن ابي كريمة، السدّي، أبو محمد القرشي الكوفي، الاعور، مولى زينب بنت قيس بن محزمة، وقيل مولى بني هاشم، اصله حجازي، سكن الكوفة، وكان يقعد في سدة باب الجامع بالكوفة فسمي السّدي، مات سنة ١٢٧ ه‍. انظر: تهذيب الكمال: ٣ / ١٣٢ ( طبعة بيروت مؤسسة الرسالة )، الجرح والتعديل: ٢ / ١٨٤ ( حيدر أباد الدكن ) سير اعلام النبلاء: ٥ / ٢٦٤.

٩١

القدح(١) فيمن يجب تعظيمه ولا تحل مسبته فلا مسلم على وجه الأرض إلا ولأمير المؤمنينعليه‌السلام عليه حق السيد المحسن على عبده ولا نسبة إذ فرق بين مخلص من معاطب الغضب الإلهي والعذاب الأبدي موقع في سعادات الثواب الأبدي وبين سيد أحسن إلى عبد إحسانا منقطع المدة داثر الجدة.

ثم أي نسبة بين من أعتق نفرا من العذاب الدنيوي وبين من أعتق من لا يحصي عددهم إلا الله من العذاب الأبدي هذا القسم الأخير حلية أمير المؤمنينعليه‌السلام الواضحة براهينها اللائح يقينها والقسم الأول دعوى ومع ثبوتها فهي مقصرة عن مجد أمير المؤمنينعليه‌السلام الشامخ وشرفه الباذخ(٢) الذي تعدى ذرى الأفلاك وزاحم شرف الأملاك بل كان له الشرف عليهم والسبق الأعظم لأخصهم وهذا تأكيد لكلام سلف سؤالا وجوابا.

وأما(٣) أن إسلام من ذكر أكثر من جميع الناس فإنه قول غير مستند إلى أصل ولا مبني على قاعدة بل قد سلف عن قرب تقرير الضرر بجماعة ممن ذكر.

وتعلق(٤) شانئ أمير المؤمنين صلوات الله عليه في فضل من أشار إليه بقوله تعالى( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) إلى قوله( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (٥) وذكر أنه أنفق أربعين

__________________

(١) لا توجد في: ق.

(٢) الباذخ: العالي ( المنجد ).

(٣) ن: فأما.

(٤) العثمانية: ٣٥.

(٥) الليل: ٥ - ١٩ وهي:( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى * وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى* إِنَ

٩٢

ألفا على نوائب الإسلام(١) .

والذي يقال على هذا إن شانئ أمير المؤمنينعليه‌السلام شرع في تنقص أمير المؤمنين ثم أتبع ذلك بتنقص الكتاب المجيد نجاة العبيد إذ الآية( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ) (٢) فأسقط من الكتاب المجيد حرفا إما عمدا أو جهلا وادعى أن سبب نزول الآية صنع من صنع وصدقة(٣) من تصدق وقال بعض الشيعة عند ذلك:

روى(٤) أبو إسحاق الثعلبي(٥) وهو ممن لا يتهم أنها نزلت في أبي الدحداح وإن كان قد روى ما ادعى الشانئ روايته وهو مرجوح إذ هو ملتحف بالتهمة مشتمل بالشك بخلاف غيره إذ المحكي أن أبا بكر رضوان الله عليه كان خياطا وقيل معلما وهذا حال بعيد عن ضم الأموال النزرة فكيف عن الجمة الدثرة.

وسوف يأتي الإيراد التام على ما(٦) ادعاه من نزول الآية فيمن ذكر(٧) وأما الصدقة بأربعين ألفا فإن الجارودية تبعد(٨) .

فضل شانئ أمير المؤمنينعليه‌السلام غيره عليه بأنه لم يكن للنبي

__________________

عَلَيْنا لَلْهُدى * وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى * فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى* لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى* وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى* وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) .

(١) العثمانية: ٣٥ و ٣٦.

(٢) لا توجد في: ق.

(٣) ق: تصدّق.

(٤) في ن بزيادة: و.

(٥) الكشف والبيان: مخطوط.

(٦) في: ن.

(٧) ن: ذكره.

(٨) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

٩٣

عليه‌السلام عنده يد بخلاف علي في كونه تحت عناية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقرير هذا كون إسلام ذاك لألحق بخلاف إسلام علي ومتابعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يخشى العار في مخالفته(١) .

والذي يقال على هذا.

إن شانئ أمير المؤمنين صلوات الله عليه تعدى حدود الخوارج المارقين شر الخلق والخليقة بما ثبت من الرواية عن الرسول صلوات الله عليه(٢) فهو لذلك أخفض وأخفض من اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفار رتبة.

قوله إنه(٣) لم يكن على من أشار إليه يد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول بغير علم وما يدريه بذلك حتى يدعيه.

سلمنا أنه أراد ما عرف أن له عليه يدا وعرف أن له على أمير المؤمنينعليه‌السلام يدا لكن قوله إن أمير المؤمنينعليه‌السلام أسلم خوف العار أو يجوز أن يكون أسلم خوف العار فإن أراد الأول

__________________

(١) العثمانية: ٣٦.

(٢) روى احمد بن حنبل في مسنده: ٣ / ٢٢٤ والحاكم في مستدركه: ٢ / ١٤٧ بسندهما عن أنس بن مالك، ان رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - قال:

سيكون في امتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجع حتى يرد السهم على فوقه ( فوق، بالضم فالسكون: فوق السهم موضع الوتر منه. ) وهم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون الى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق.

(٣) ن: اذ.

٩٤

فإن اللعن متوجه إليه إذ هو ساب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن السمعاني(١) في كتابه وحدثني أبي قال حدثنا يحيى بن أبي بكر قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله الجدلي قال دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فقالت أيسب رسول الله فيكم فقلت لها معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها قالت سمعت رسول الله يقول من سب عليا فقد سبني

ورواه ابن المغازلي(٢) من طريق ابن عباسرضي‌الله‌عنه (٣) فأشهد على

__________________

(١) هو منصور بن محمد بن عبد الجبار بن احمد بن محمد، أبو المظفر ابن الامام أبي منصور بن السمعاني، ولد في ذي الحجة سنة ٤٢٦، وهو أحد الأئمة في الحديث، قد سمع من أبيه وجماعة، منهم: احمد بن علي بن الحسين الكراعي، ومحمد بن عبد الصمد، ومحمد بن اسماعيل الاسترآبادي.

انظر: البداية والنهاية: ١٢ / ١٥٣ وشذرات الذهب: ٣ / ٣٩٣ والنجوم الزاهرة: ٥ / ١٦٠ وطبقات الشافعية: ٥ / ٣٣٥ والكتاب الذي ينقل عنه هو مناقب الصحابة: مخطوط.

(٢) هو الحافظ ابو الحسن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الواسطي الشهير بابن المغازلي ( ووجه الاشتهار به لأن أحد اسلافه كان نزيلا بمحلة المغازليين في واسط ) من أجلّة حفاظ الحديث والتاريخ وقد اعتمد عليه ونقل عنه جماعة كثيرة من رواة الأحاديث منهم السمعاني والذهبي وابن حجر العسقلاني ومن الخاصة يحيى بن محمد البطريق الاسدي الحلي، ومولانا القاضي نور الله التستري وغيرهم له مؤلفات كثيرة منها ذيل تاريخ واسط وشرح الجامع الصحيح للبخاري وكتاب مناقب علي بن أبي طالب وغيرها من الكتب، مات سنة ٥٣٤ وقيل ٤٨٣ غرقا في دجلة ببغداد انظر: تاج العروس: ١ / ١٨٦ الانساب ١٤٦.

(٣) أول الحديث: عن يعقوب بن جعفر بن سليمان بن علي، قال: حدثني ابي عن أبيه عن أبيه قال: كنت مع عبد الله بن العباس، وسعيد بن جبير يقوده، فمر على ضفة زمزم، فاذا بقوم من أهل الشام يسبون عليا، فقال لسعيد: ردّني اليهم فوقف عليهم فقال: ايّكم الساب لله عز وجل؟ قالوا: سبحان الله ما فينا أحد يسب الله عز وجل، قال: فأيكم الساب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالوا: سبحان الله ما فينا أحد يسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: فأيكم الساب علي بن ابي طالب؟ قالوا: أما هذا فقد كان! قال: فاشهد على رسول الله الى آخر الحديث. انظر مناقب ابن المغازلي: ٣٩٤ و ٣٩٥.

٩٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمعته أذناي(١) ووعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام يا علي من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله عز وجل ومن سب الله عز وجل أكبه(٢) الله على منكبيه(٣) في النار(٤) .

__________________

وأورده ايضا الحاكم في المستدرك: ١ / ١٢١، واحمد بن حنبل في مسنده: ٦ / ٣٢٣، والنسائي في خصائصه ص ٢٤.

وجاء في مستدرك الحاكم أيضا: ٣ / ١٢١ بسنده عن أبي عبد الله الجدلي يقول:

حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة واذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم فسمعتها تقول: يا شبيب بن ربعي فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا أماه، قالت: يسب رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم في ناديكم؟ قال وانّى ذلك فقالت: فعلي بن ابي طالب قال: أنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا، قالت: فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله.

وذكر هذا أيضا المتقي في كنز العمال: ٦ / ٤٠١.

وأيضا ذكر الحديث عن ام سلمة رضي الله عنها آخرون منهم: التبريزي في مشكاة المصابيح: ٥٦٥ والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ٦٧ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ١٧٤ والقندوزي في ينابيع المودة: ٤٨.

(١) ن: نادى.

(٢) المصدر: كبه.

(٣) المصدر: منخريه.

(٤) تمام الحديث: ثم ولّى عنهم ثم قال: يا بنيّ ماذا رأيتهم صنعوا؟ فقلت له: يا أبه.

نظروا اليك بأعين محمّرة

نظر التيوس الى شفار الجازر

فقال: زدني فداك أبوك، فقلت:

خزر العيون نواكس ابصارهم

نظر الذليل الى العزيز القاهر

قال: زدني، فداك ابوك، قلت: ليس عندي مزيد، فقال: لكن عندي فداك ابوك:

احياءهم عار على أمواتهم

والميتون مسبة للغابر

ورواه ايضا الخوارزمي في مناقبه: ٨١، ٨٢.

وأورده في الرياض النضرة بألفاظ متقاربة: ٢ / ١٦٦.

وروى المحب الطبري في ذخائر العقبى ص ٦٦ عن ابن عباس قال:

اشهد بالله لسمعته من رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله عز وجل اكبه الله على منخريه.

٩٦

 وإن قال أردت يجوز أن يكون أسلم خوف العار قلت فقد روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري(١) قال حدثنا محمد بن عبيد الزيات(٢) قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا داود بن سليمان قال حدثنا عبد الله بن محمد القرشي عن أبي علي الخراساني عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحشر الشاك في علي من قبره وفي عنقه طوق من نار فيه ثلاثمائة شعبة على كل شعبة شيطان يكلح في وجهه حتى يوقفه موقف القيامة.

ويتعلق في فضل من أشار إليه على عليعليه‌السلام بقوله تعالى( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) (٣) الآية قال فما ظنك بمن قاتل وأنفق قبل الهجرة(٤) .

والجواب عن هذا بما أنا ما عرفنا أن أحدا قاتل قبل الهجرة وإذا عرفت هذا بان لك أن الرجل مدغل(٥) في الدين ويبين ذلك نصرته لمذهب

__________________

(١) لم ترد ترجمة له ولو مختصرة في كتب التراجم مع انهم ترجموا لشيوخه امثال عمر بن شبه ومحمد بن زكريا الغلابي ويعقوب بن شيبة واحمد بن منصور الرمادي وغيرهم وكذلك ترجموا لمن يروون عنه امثال أبو الفرج الأصفهاني وأبو عبيد الله المرزباني وأبو القاسم الطبراني وأبو احمد العسكري نعم ورد ذكر اسمه فقط في مقاتل الطالبيين وفي شرح ما يقع فيه التصحيف للحسن بن عبد الله العسكري وفي المعجم الصغير للطبراني وفي الأوراق لأبي بكر الصولي في اخبار الراضي بالله: ٦٤ قال في احداث سنة ٣٢٣: وتوفى احمد بن عبد العزيز الجوهري صاحب عمر بن شبه بالبصرة لخمس بقين من شهر ربيع الآخر، ولعل هناك تعمد في اخفاء اسم الجوهري المذكور والله العالم.

(٢) ن: عبد.

(٣) الحديد: ١٠،( وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) .

(٤) العثمانية: ٣٨.

(٥) ادغل الشيء: ادخل فيه ما يخالفه ويفسده. ( المنجد ).

٩٧

ثم خذلانه له ونصرته لمذهب يخالفه قاعدة من لا يتقيد بقيد ولا يرتبط برباط.

قال الناصب فإن قالوا(١) عرفنا أن أبا بكر أنفق قبل الهجرة فلا نعرفه قاتل قبل الهجرة فقتال علي بعد الهجرة أفضل من إنفاق أبي بكر قبل الهجرة(٢) .

قلنا إن أبا بكر وإن لم يقاتل(٣) فقد قتل مرارا قبل الهجرة(٤) وإن لم يمت(٥) .

والجواب بما أن خصمه لا يوافقه على أن المشار إليه أنفق درهما واحدا(٦) ولأن كان أنفق ما قيل من المال الجم وما ورد فيه ما ورد في

__________________

(١) ن: قيل.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٣) المصدر بزيادة: قبل الهجرة.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المصدر.

(٥) العثمانية: ٣٩.

(٦) يعجبني رد الاسكافي عليه ( المطبوع آخر العثمانية ص ٣١٧ ) حيث قال:

اخبرونا على أي نوائب الاسلام انفق هذا المال؟ وفي أي وجه وضعه؟ فانه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويدرس حتى يفوت حفظه، وينسى ذكره.

وانتم فلم تقفوا على شيء أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب، لعلها يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم، وكيف يدعى له الانفاق الجليل، وقد باع من رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله بعيرين عند خروجه الى يثرب وأخذ منه الثمن في تلك الحال، روى ذلك جميع المحدثين.

وقد رويتم أيضا انه كان حيث كان بالمدينة موسرا، ورويتم عن عائشة انها قالت: هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم ان الله تعالى انزل فيه: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ) . قلتم: هي في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم انه انفق حتى تخلل بالعباءة؟.

ورويتم ان لله تعالى في سماءه ملائكة تخلّلوا بالعباء وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رآهم ليلة الاسراء فسأل جبريل عنهم فقال: هؤلاء ملائكة تأسّوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في

٩٨

جانب أمير المؤمنينعليه‌السلام من الممادح عند صدقته بالخاتم على ما رواه الخصم(١) وعند مناجاته على ما رواه المخالف(٢) وعند صدقته بأربعة

__________________

الأرض، فانه سينفق عليك ماله حتى يخل عباءته في عنقه.

وانتم رويتم أيضا ان الله تعالى لما أنزل آية النجوى فقال: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ ) الآية لم يعمل بها الاّ علي بن ابي طالب وحده، مع اقراركم بفقره وقلة ذات يده، وأبو بكر في الذي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك فقال: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه. وهو امساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بانفاق اربعين ألفا وامسك عن مناجاة الرسول؟ وانما كان يحتاج الى اخراج درهمين.

واما ما ذكرتم من كثرة عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل على تفضيله لأن نفقته على عياله واجبة، مع أن أرباب السير ذكروا انه لم يكن ينفق على ابيه شيئا وانه كان أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذباب.

(١) تأتي الاشارة الى ذلك عما قريب ان شاء الله تعالى.

(٢) روى ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره: ٢٨ / ١٤ بسنده عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) قال: نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم حتى يتصدقوا فلم يناجه احد الاّ علي بن ابي طالبعليه‌السلام قدم دينارا صدقة تصدق به ثم انزلت الرخصة.

وذكر السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير الآية المذكورة، والمتقي أيضا في كنز العمال: ١ / ٢٦٨ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٠٠ كلهم بسندهم عن علي عليه‌السلام قال:

ان في كتاب الله لآية ما عمل بها احد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى، ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) ، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قدمت بين يدي درهما، ثم نسخت فلم يعمل بها احد، فنزلت: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) ، الآية.

وذكر ايضا الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية المذكورة:

انها نزلت بشأن علي عليه‌السلام وساق الحديث وكذلك الواحدي ايضا في أسباب النزول: ص ٣٠٨.

وقد أورد جماعة كثيرة حديث المناجاة نذكر منهم: النسائي في الخصائص: ٥٦ والحاكم في

٩٩

دراهم على ما رووه(١) عند صدقته المذكورة عند سورة هل أتى(٢) فإنه يشكل الحال فيه على منصور أبي عثمان.

وأما أن من أشار إليه قتل قبل الهجرة مرارا فإنه قول لا يستند إلى

__________________

مستدركه: ٢ / ٤٨١ والخازن في تفسيره: ٧ / ٤٤ وابن الاثير في جامع الاصول: ٢ / ٤٥٢ والرازي في تفسيره: ٢٩ / ٢٧١ وسبط ابن الجوزي في التذكرة: ٢١ والشافعي في كفاية الطالب: ١٢٠ والقرطبي في تفسيره: ١٧ / ٣٠٢ وابن الصباغ في الفصول المهمة: ١٠٥ والقندوزي في الينابيع: ١٠٠.

(١) ن: رواه.

(٢) ان آية( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة: ٢٧٤، هي التي نزلت في شأن تصدق المولى أمير المؤمنين -عليه‌السلام - بأربعة دراهم، وليست سورة هل أتى وان كان لها شأن نزول في حقه سلام الله عليه سيأتي تفصيل ذلك ان شاء الله تعالى فلاحظ.

وأما ما رواه القوم بشأن الآية المذكورة فهو:

اسد الغابة: ٤ / ٢٥ روى بطريقين عن مجاهد، عن ابن عباس قال: نزلت في علي بن ابي طالب - عليه‌السلام - كان عنده أربعة دراهم، فانفق بالليل واحدا، وبالنهار واحدا، وفي السر واحدا، وفي العلانية واحدا. وكذلك رواه الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية المذكورة والسيوطي في الدر المنثور في ذيلها وابن عساكر في تاريخه: ٢ / ٤١٣ من ترجمة الامام عليه‌السلام والهيثمي في مجمع الزوائد: ٦ / ٣٢٤.

وأما المحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٠٦ فقد قال:

عن ابن عباس في قوله تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ ) الآية قال: نزلت في علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، كانت معه أربعة دراهم، فأنفق في الليل درهما، وفي النهار درهما، ودرهما في السر، ودرهما في العلانية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلم -: ما حملك على هذا؟ فقال: ان استوجب على الله ما ( وعدني )، فقال: الا أن لك ذلك فنزلت الآية.

وذكر هذا أيضا الفخر الرازي في تفسيره في ذيل الآية المذكورة.

وأما ابن حجر فقد روى في صواعقه: ص ٧٨، قال: وأخرج الواقدي عن ابن عباس قال: كان مع علي عليه‌السلام أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية، فنزل فيه: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ) الآية.

وذكره ايضا الشبلنجي في نور الأبصار: ص ٧٠. والواحدي في أسباب النزول: ص ٦٤.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

.. إلى غير ذلك من الكتاب والسنّة.

وأمّا ما ذكره من أنّ المراد بهذا التجويز نفي وجوب شيء عليه ، فلا يرفع الإشكال ؛ لأنّه إذا لم يجب عليه بعدله وحكمته أن يرسل الرسل بالحكمة والموعظة الحسنة ، فقد جاز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبّه ومدح إبليس ـ إلى غير ذلك ممّا بيّنه المصنّف ـ ، وتجويزهم مثل ذلك على الله سبحانه دليل على عدم معرفتهم به ، وأنّهم ما قدروه حقّ قدره.

ولو جوّزت أشباه هذه الأمور على أحد منهم لعدّها من أكبر النقص عليه ، والذنب إليه ، فكيف تجوز في حقّ الملك الجامع لصفات الكمال؟!

* * *

٣٦١

قال المصنّف ـ قدّس الله سرّه ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد الله الطاعات وأحبّها ورضيها واختارها ، ولم يكرهها ولم يسخطها ، وأنّه كره المعاصي والفواحش ولم يحبّها ولا رضيها ولا اختارها(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أراد الله من الكافر أن يسبّه ويعصيه ، واختار ذلك ، وكره أن يمدحه(٣) .

وقال بعضهم : أحبّ وجود الفساد ، ورضي وجود الكفر(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٦.

(٢) النكت الاعتقادية : ٢٦ ـ ٢٧ ، تصحيح الاعتقاد : ٤٩ ـ ٥٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة في أصول الديانة : ١٢٧ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٩ ، المسائل الخمسون : ٦٠ المسألة ٣٥ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤ و ١٧٨ و ١٧٩ ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد : ٤٢ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١٣٠.

(٤) المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

٣٦٢

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة ـ كما سبق ـ : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، فهو يريد الطاعات ويرضى بها للعبد ، ويريد المعاصي بمعنى التقدير ؛ لأنّ الله تعالى مريد للكائنات.

فلا بدّ أن يكون كلّ شيء بتقديره وإرادته ، ولكن لا يرضى بالمعاصي ، والإرادة غير الرضا ، وهذا الرجل يحسب أنّ الإرادة هي عين الرضا ، وهذا باطل.

وأمّا قوله : « كره أن يمدحه » فهذا عين الافتراء.

وكذا قوله : « أحبّ الفساد ورضي بوجود الكفر » ولا عجب هذا من الشيعة ، فإنّ الكذب والافتراء طبيعتهم ، وبه خلقت غريزتهم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٠.

٣٦٣

وأقول :

قوله : « يريد الطاعات ويرضى بها » ليس بصحيح على عمومه ، فإنّ الطاعات التي لم تقع ليست مرادة ولا مرضية له ، وإلّا لوقعت.

وقوله : « ويريد المعاصي بمعنى التقدير » ، ليس بصحيح أيضا ، فإنّ الإرادة سبب التقدير لا نفسه.

ولو سلّم ، فلا بدّ من إرادة المعاصي ؛ لأنّ التقدير بدون إرادة غير ممكن ؛ لأنّها هي المخصّصة.

قوله : « ولكن لا يرضى بالمعاصي » باطل ، إذ لو لم يرض بها فما الذي ألزمه بفعلها.

قوله : « والإرادة غير الرضا » مسلّم ، لكنّ إرادة الفعل تتوقّف على الرضا به ، كما إنّ إرادة الترك تتوقّف على كراهة الفعل ومرجوحيّته من جهة.

وعلى هذا يبتني كلام المصنّف ، لا على إنّ الإرادة نفس الرضا ، كما زعمه الخصم.

وبالجملة : الفعل بالاختيار يستلزم الرضا به ، وتركه بالاختيار يستلزم كراهته ، وإلّا لخرج العمل عن كونه عقلائيا ، فيكون الله سبحانه ـ بناء على تقديره وتكوينه لأفعال العباد ـ راضيا ومحبّا لسبّه والفساد الواقعين ، كارها لمدحه والصلاح المتروكين ؛ وهذا ما قاله المصنّف.

وأمّا ما رمى به الخصم الشيعة من الكذب والافتراء ، فنحن نكله إلى المصنف إذا عرف أحوال رجالنا ورجالهم ، ونظر إلى ما كتبناه في المقدّمة.

٣٦٤

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد النبيّ ٦ من الطاعات ما أراد الله تعالى ، وكره من المعاصي ما كرهه الله تعالى(٢) .

وقالت الأشاعرة : بل أراد النبيّ كثيرا ممّا كرهه الله تعالى ، وكره كثيرا ممّا أراده الله تعالى(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٦.

(٢) إنقاذ البشر من الجبر والقدر ـ المطبوع ضمن رسائل الشريف المرتضى ـ ٢ / ٢٣٦ ، مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٨٥.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٣١٠ ـ ٣١١.

٣٦٥

وقال الفضل(١) :

غرضه من هذا الكلام ـ كما سيأتي ـ أنّ الله تعالى يريد كفر الكافر ، والنبيّ يريد إيمانه وطاعته ، فوقعت المخالفة بين الإرادتين ، وإذا لم يكن أحدهما مريدا لشيء يكون كارها له ؛ هكذا زعم.

وقد علمت أنّ معنى الإرادة من الله ها هنا هو : التقدير ، ومعنى الإرادة من النبيّ : ميله إلى إيمانهم ورضاه به.

والرضا والميل غير الإرادة بمعنى التقدير ، فالله تعالى يريد كفر الكافر بمعنى : يقدّر له في الأزل هكذا ، والنبيّ لا يريد كفره ، بمعنى أنّه لا يرضى به ولا يستحسنه ، فهذا جمع بين إرادة الله وعدم إرادة النبيّ ولا محذور فيه.

نعم ، لو رضي الله بشيء ، ولم يرض رسوله بذلك الشيء وسخطه ، كان ذلك محذورا ، وليس هذا مذهبا لأحد.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٥.

٣٦٦

وأقول :

أيصحّ في العقل أن يقال : إنّ الله تعالى يقدّر شيئا ويفعله ، ولا يرضى به النبيّ ولا يستحسنه؟!

مضافا إلى ما عرفت من أنّ تقدير الفعل يستلزم الرضا به ، وتقدير الترك يستلزم الكراهة له.

فيكون الله سبحانه بتقديره للكفر والمعصية ، راضيا بهما وقد كرههما النبيّ

وبتقديره لترك الإيمان والطاعة ، كارها لهما وقد رضي النبيّ بهما وأرادهما ، فاختلف الله ورسوله.

* * *

٣٦٧

قال المصنّف ـ أعزّ الله منزلته ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد الله من الطاعات ما أراده أنبياؤه ، وكره ما كرهوه ، وأراد ما كره الشياطين من الطاعات ، وكره ما أرادوه من الفواحش(٢) .

وقالت الأشاعرة : بل قد أراد الله ما أرادته الشياطين من الفواحش ، وكره ما كرهوه من كثير من الطاعات ، ولم يرد ما أرادته الأنبياء من كثير من الطاعات ، بل كره ما أرادته منها(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٨٢ ـ ١٨٥.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢١ ، المواقف : ٣١٥ ـ ٣١٦.

٣٦٨

وقال الفضل(١) :

هذا يرجع إلى معنى الإرادة التي ذكرناها في الفصل السابق(٢) ، وهذا الرجل لم يفرّق بين الإرادة والرضا ، وجلّ تشنيعاته ناش من عدم هذا الفرق.

وأمّا قوله : « كره الله ما كره الشياطين من الطاعات » فهذا افتراء على الأشاعرة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٦.

(٢) انظر الصفحة ٣٦٣.

٣٦٩

وأقول :

قد عرفت أنّ المختار لا يفعل شيئا إلّا لإرادته له ورضاه به ، ولا يترك أمرا إلّا لكراهته له ، وإلّا لخرج العمل عن كونه عقلائيا.

فإذا فرض أنّ الله تعالى هو الفاعل لأفعال البشر ، فلا بدّ أن يكون مريدا لما يقع من الفواحش كما هو مراد للشياطين ، وأن يكون كارها لما يقع من الطاعات كما هو مكروه للشياطين ؛ فتمّ ما ذكره المصنّف.

* * *

٣٧٠

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أمر الله عزّ وجلّ بما أراده ونهى عمّا كرهه(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أمر الله بكثير ممّا كره ونهى عن كثير ممّا أراد(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) النكت الاعتقادية : ٢٥ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ، المنقذ من التقليد ١ / ٨٥ و ١٧٩ ـ ١٨٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢٠ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ وما بعدها ، المسائل الخمسون : ٦٠ و ٦١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ وما بعدها ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٣٧١

وقال الفضل(١) :

قد عرفت ممّا سلف أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، فله أن يأمر بما شاء وينهى عمّا يشاء(٢) .

فأخذ المخالفون من هذا أنّه يلزم على هذا التقدير أن يأمر بما يكرهه وينهى عمّا يريده ؛ وقد عرفت جوابه.

وإنّ المراد بهذا : عدم وجوب شيء عليه ، وهذا التجويز لنفي الوجوب وإن لم يقع شيء من الأمور المذكورة في الوجود.

فالأمر بالمكروه والنهي عن المراد جائز ، ولا يكون واقعا ، فهو محال عادة وإن جاز عقلا بالنسبة إليه ـ كما مرّ غير مرّة ـ ، وسيجيء تفاصيل هذه الأجوبة عند مقالاته في ما سيأتي.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٧.

(٢) انظر الصفحة ٣٤٩ من هذا الجزء.

٣٧٢

وأقول :

لم نأخذ ذلك ممّا ذكره وإن كان صالحا للأخذ منه ، بل أخذناه من قولهم : إنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى(١) ؛ لأنّ خلق الشيء وتقديره يستلزم الإرادة له والرضا به ، وتقدير عدم الشيء يستلزم كراهته ـ كما سبق ـ ، فإذا أمر الله سبحانه بما قدّر عدمه ، فقد أمر بما لا يريده وكرهه ، وإذا نهى عمّا قدّر وجوده ، فقد نهى عمّا أراده ورضيه ـ كما ذكره المصنّف ـ ، وهذا على مذهبهم واقع جار على العادة.

ولو سلّم أنّا أخذناه ممّا ذكره ، فمن أين أحرز عادة الله تعالى في عدم وقوع شيء من الأمور المذكورة وهي غيب؟!

على إنّ تجويز ذلك على الله سبحانه نقص في حقّه وأيّ نقص!! لأنّه من الجهل أو العجز ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون.

* * *

__________________

(١) خلق أفعال العباد ـ للبخاري ـ : ٢٥ ، الإبانة عن أصول الديانة : ٤٦ ، الإنصاف ـ للباقلّاني ـ : ٢٨ و ٤٣ ، تمهيد الأوائل : ٣١٨ و ٣٤١ وما بعدها ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣١٩ وما بعدها و ٣٤٣ ، المواقف : ٣١١ ـ ٣١٥.

٣٧٣

قال المصنّف ـ شرّف الله قدره ـ(١) :

فهذا خلاصة أقاويل الفريقين في عدل الله عزّ وجلّ.

وقول الإمامية في التوحيد يضاهي قولهم في العدل ، فإنّهم يقولون :

إنّ الله تعالى واحد لا قديم سواه ، ولا إله غيره ، ولا يشبه الأشياء ، ولا يجوز عليه ما يصحّ عليها من التحرّك والسكون ، وإنّه لم يزل ولا يزال حيّا قادرا عالما مدركا ، لا يحتاج إلى أشياء يعلم بها ، ويقدّر ويحيي ، وإنّه لمّا خلق الخلق أمرهم ونهاهم ، ولم يكن آمرا ولا ناهيا قبل خلقه لهم(٢) .

وقالت المشبّهة : إنّه يشبه خلقه ؛ فوصفوه بالأعضاء والجوارح ، وإنّه لم يزل آمرا وناهيا إلى ما بعد خراب العالم وبعد الحشر والنشر ، دائما بدوام ذاته(٣) .

وهذه المقالة في الأمر والنهي ودوامهما مقالة الأشعرية أيضا(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) أوائل المقالات : ٥١ ـ ٥٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ٧٨ ـ ٧٩ ، تقريب المعارف : ٨٨ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٧٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٣١ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) الملل والنحل ١ / ٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٤) التقريب والإرشاد ـ للباقلّاني ـ ٢ / ٣٠٦ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٣٦ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٠٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٦ ، إرشاد الفحول : ٣١.

٣٧٤

وقالت الأشاعرة أيضا : إنّه تعالى قادر ، عالم ، حيّ إلى غير ذلك من الصفات بذوات قديمة ، ليست هي الله ولا غيره ولا بعضه ، ولولاها لم يكن قادرا ، عالما ، حيّا(١) .

تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٢٥ ـ ٣٢ ، تمهيد الأوائل : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ و ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، الإنصاف : ٣٨ ـ ٣٩ ، الملل والنحل ١ / ٨٢ ، المسائل الخمسون : ٤٣ وما بعدها.

٣٧٥

وقال الفضل(١) :

أكثر ما في هذا الفصل قد مرّ جوابه في ما سبق من الفصول على أبلغ الوجوه بحيث لم يبق للمرتاب ريب.

وما لم يذكر جوابه من كلام هذا الفصل ـ في ما سبق ـ هو ما قال في الأمر والنهي ، وأنّ الأشاعرة يقولون : بدوامهما.

فالجواب : إنّهم لمّا قالوا بالكلام النفسي ، وإنّه صفة لذات الله تعالى ، فيلزم أن تكون هذه الصفة أزلية وأبدية

والكلام لمّا اشتمل على الأمر والنهي يكون الأمر في الكلام النفسي أزلا وأبدا ، ولكن لا يلزم أن يكون آمرا وناهيا بالفعل قبل وجود الخطاب والمخاطبين حتّى يلزم السفه ـ كما سبق ـ ، بل الكلام بحيث لو تعلّق الخطاب عند التلفّظ به يكون المتكلّم آمرا وناهيا ، وهذا فرع لإثبات الكلام النفساني ، فأيّ غرابة في هذا الكلام؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٩.

٣٧٦

وأقول :

قد عرفت بطلان أجوبته ، ومنه تعرف بطلان جوابه هنا ، ولا أدري لم التزم بعدم الخطاب في القدم والأزل ، وقد أجازوا خطاب المعدوم(١) وقالوا : لا يقبح منه شيء؟!(٢) .

نعم ، لمّا علم أنّ خطاب المعدوم سفه بالضرورة ، التزم بعدم الخطاب غفلة عن مذهبه!

ولو التفت لكابر في نفي السفه ، كما كابر في نفي الأمر والنهي الفعليّين ، مع الالتزام بثبوت الأمر والنهي النفسيّين ، والحال أنّ النفسي مدلول الفعلي ، وكابر في ثبوت الأمر والنهي النفسيّين بدون الخطاب ، مع إنّهما لا يحصلان بدونه.

* * *

__________________

(١) التقريب والإرشاد ـ للباقلّاني ـ ٢ / ٢٩٨ وما بعدها ، المستصفى من علم الأصول ١ / ٨٥ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٠٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٦.

(٢) انظر : المسائل الخمسون : ٦١ المسألة ٣٦ ، المواقف : ٣٢٨.

٣٧٧

قال المصنّف ١(١) :

وقالت الإمامية : إنّ أنبياء الله وأئمّته منزّهون عن المعاصي ، وعمّا يستخفّ وينفّر(٢) .

ودانوا بتعظيم أهل البيت الّذين أمر الله بمودّتهم وجعلها أجر الرسالة ، فقال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )(٣) .

وقال أهل السنّة كافّة : إنّه يجوز عليهم الصغائر(٤) .

وجوّزتالأشاعرة عليهم الكبائر(٥) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٨.

(٢) أوائل المقالات ٤ / ٦٢ و ٦٥ ، تصحيح الاعتقاد : ١٢٩ ، الذخيرة في علم الكلام : ٣٣٧ و ٤٢٩ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٩٢ ، تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ١٥ ، المنقذ من التقليد ١ / ٤٢٤ ، تجريد الاعتقاد : ٢١٣ و ٢٢٢.

(٣) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٤) التقريب والإرشاد ١ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢١ وقال : « وأمّا أنّه هل يجب كونهم معصومين عن الصغائر قبل البعثة وبعدها؟

فالروافض أوجبوا ذلك ومن عداهم جوّزوا ذلك » ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٧٩ وج ٢ / ١١٦ و ١١٧ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٥ وقال : « أمّا الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلّا الجبّائي ».

(٥) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢٠ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

٣٧٨

وقال الفضل(١) :

أجمع أهل الملل والشرائع كلّها على وجوب عصمة الأنبياء عن تعمّد الكذب في ما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فيه ، كدعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله وأمّا سائر الذنوب فأجمعت الأمّة على عصمتهم من الكفر(٢) .

وجوّز الشيعة إظهار الكفر تقيّة عند خوف الهلاك ؛ لأنّ إظهار الإسلام حينئذ إلقاء للنفس في التهلكة ، وذلك باطل ؛ لأنّه يقضي إلى إخفاء الدعوة بالكلّيّة وترك تبليغ الرسالة ، إذ أولى الأوقات بالتقيّة وقت الدعوة ، للضعف بسبب قلّة الموافق وكثرة المخالفين(٣) .

وأمّا غير الكفر من الكبائر ، فمنعه الجمهور من الأشاعرة والمحقّقين.

وأمّا الصغائر عمدا ، فجوّزه الجمهور إلّا الصغائر الخسيسة كسرقة حبّة أو لقمة(٤) ، للزوم المخالفة لمنصب النبوّة.

هذا مذهبهم ، فنسبة تجويز الكبائر إلى الأشاعرة افتراء محض.

وأمّا ما ذكر من تعظيم أنبياء الله وأهل بيت النبوّة ، فهو شعار أهل السنّة ، والتعظيم ليس عداوة الصحابة ، كما زعمه الشيعة والروافض ، بل

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣١٢.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.

(٤) انظر : شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.

٣٧٩

التعظيم أداء حقوق عظم قدرهم في المتابعة ، وذكرهم بالتفخيم ، واعتقاد قربهم من الله ورسوله ، وهذه خصلة اتّصف بها أهل السنّة والجماعة.

* * *

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534