وقعة صفّين

مؤلف: نصر بن مزاحم المنقري
المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 690
مؤلف: نصر بن مزاحم المنقري
المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 690
أحمس(١) شهدها منهم سبعمائة رجل ، وخرج عليٌّ إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه ، وخرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال : أصلحك الله ، إن فيها أرضا لغير جرير. فخرج علي منها إلي دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها ، وكان ثوير رجلا شريفا ، وكان قد لحق بجرير.
وقال الأشتر فيما كان من تخويف جرير إياه بعمرو ، وحوشب ذي ظليم ، وذي الكلاع(٢) :
لعمرك يا جرير لقول عمرو |
وصاحبه معاوية الشامي |
|
وذي كلع وحوشب ذي ظليم |
أخف على من زف النعام(٣) |
|
ذا اجتمعوا علي فخل عنهم |
وعن باز مخالبه دوام(٤) |
|
فلست بخائف ما خوفوني |
وكيف أخاف أحلام النيام |
|
وهمهم الذين حاموا عليه |
من الدنيا وهمي ما أمامي(٥) |
|
فإن أسلم أعمهم بحرب |
يشيب لهولها رأس الغلام |
|
وإن أهلك فقد قدمت أمرا |
أفوز بفلجه يوم الخصام(٦) |
|
وقد زأروا إلى وأوعدوني |
ومن ذا مات من خوف الكلام |
__________________
(١) بنو أحمس ، هم من بطون بجيلة بن أنمار بن نزار. وكانت بجيلة في اليمن. انظر المعارف ٢٩ ، ٤٦.
(٢) انظر ما سبق في ص ٦٠.
(٣) أي قول هؤلاء أخف من زف النعام. والزف ، بالكسر : صغار ريش النعام.
(٤) دوام : داميات. وقد عني بالبازي نفسه.
(٥) حاموا ، من الحوم ، وهو الدوران ، يقال لكل من رام أمرا : حام عليه حوما وحياما وحؤوما وحومانا. وحاموا ، بفتح الميم ، من المحاماة والمدامعة.
(٦) الفلج : الظفر والنصر. وعني بيوم الخصام اليوم الآخر.
وقال السكوني :
تطاول ليلى يا لحب السكاسك |
لقول أتانا عن جرير ومالك(١) |
|
أجر عليه ذيل عمرو عداوة |
وما هكذا فعل الرجال الحأوانك(٢) |
|
فأعظم بها حري عليك مصيبة |
وهل يهلك الأقوام غير التماحك(٣) |
|
فإن تبقيا تبق العراق بغبطة |
وفي الناس مأوى للرجال الصعالك |
|
وإلا فليت الأرض يوما بأهلها |
تميل إذا ما أصبحا في الهوالك |
|
فإن جريرا ناصح لإمامه |
حريص على غسل الوجوه الحوالك |
|
ولكن أمر الله في الناس بالغ |
يحل منايا بالنفوس الشوارك |
قال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة قال : لما أراد معاوية السير إلى صفين قال لعمرو بن العاص : إني قد رأيت أن نلقى إلى أهل مكة وأهل
__________________
(١) السكاسك : حي من اليمن ، أبوهم سكسك بن أشرس بن ثور بن كندي. انظر اللسان ( ١٢ : ٣٢٧ ) والاشتقاق ٢٢١.
(٢) الحوانك : جمع حانك على غير قياس ، فهو من إخوان الفوارس. واشتقاق الحانك من قولهم : « حنكت الشيء فهمته ». انظر اللسان ( ١٢ : ٢٩٩ س ١٩ ـ ٢٠ ).
(٣) أراد : أعظم بها مصيبة حري. والحري : الحارة. والتماحك : اللجاج والمشارة.
المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان ، فاما أن ندرك حاجتنا ، وإما أن يكف القوم عنا. قال عمرو : إنما نكتب إلى ثلاثة نفر : راض بعلي فلا يزيده ذلك إلا بصيرة ، أو رجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه ، أو رجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي. قال : على ذلك. فكتبا :
« أما بعد فإنه مهما غابت عنا من الأمور فلن يغيب عنا أن عليا قتل عثمان. والدليل على ذلك مكان قتلنه منه. وإنما نطلب بدمه حتى يدفعوا إلينا قتلته فنقتلهم بكتاب الله ، فإن دفعهم على إلينا كففنا عنه ، وجعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عليه عمر بن الخطاب. وأما الخلافة فلسنا نطلبها ، فأعينونا على أمرنا هذا وانهضوا من ناحيتكم ، فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد ، هاب على ما هو فيه.
قال : فكتب إليهما عبد الله بن عمر(١) :
أما بعد فلعمري لقد أخطأتما موضع البصيرة ، وتناولتماها من مكان بعيد وما زاد الله من شاك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا. وما أنتما والخلافة؟ وأما أنت يا معاوية فطليق(٢) ، وأما أنت يا عمرو فظنون(٣) . ألا فكفا عني أنفسكما ، فليس لكما ولا لي نصير.
وكتب رجل من الأنصار مع كتاب عبد الله بن عمر :
معاوي إن الحق أبلج واضح |
وليس بما ربصت أنت ولا عمرو |
__________________
(١) في الإمامة والسياسة ( ١ : ٨٥ ) أن صاحب الكتاب هو المسور بن مخرمة.
(٢) الطليق : واحد الطلقاء ، وهم « اللين »؟ أطلقهم الرسول يوم الفتح. انظر ص ٢٩. وزاد في الإمامة والسياسة : « وأبوك من الأحزاب ».
(٣) الظنون ، بالفتح : المتهم ومن لا يوثق به. ومثله الظنين. ح : « فظنين ».
نصبت ابن عفان لنا اليوم خدعة |
كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر(١) |
|
فهذا كهذاك البلا حذو نعله |
سواء كرقراق يغر به السفر(٢) |
|
رميتم عليا بالذي لا يضره(٣) |
وإن عظمت فيه المكيدة والمكر |
|
وما ذنبه أن نال عثمان معشر |
أتوه من الأحياء يجمعهم مصر |
|
فصار إليه المسلمون ببيته |
علانية ما كان فيها لهم قسر |
|
فبايعه الشيخان ثم تحملا |
إلى العمرة العظمى وباطنها الغدر |
|
فكان الذي قد كان مما اقتصاصه |
رجيع فيالله ما أحدث الدهر(٤) |
|
فما أنتما والنصر منا وأنتما |
بعيثا حروب ما يبوخ لها الجمر(٥) |
|
وما أنتما لله در أبيكما |
وذكر كما الشورى وقد فلج الفجر |
قال : وقال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : قام عدي بن حاتم إلى عليعليهالسلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عندي رجلا من قومي لا يجاري به(٦) ، وهو يريد أن يزور ابن عم له ، حابس بن سعد(٧) الطائي ، بالشام ـ فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل
__________________
(١) يعني بالشيخين طلحة والزبير. انظر ح ( ١ : ٢٥٨ ).
(٢) يعني بالرقراق السراب ، ترقرق : تلألأ ، وجاء وذهب.
(٣) ح : « لا يضيره ».
(٤) اقتصاصه : روايته وحكايته. والرجيع : المكرر المعاد من القول. ح : « مما اقتصاصه يطول ».
(٥) فما أنتما والنصر ، يجوز في نحو هذا التركيب الرفع على العطف ، والنصب على أنه مفعول معه انظر همع الهوامع ( ١ : ٢٢١ ).
(٦) ح : « لا يوازي به رجل ».
(٧) حابس بن سعد ، قيل كانت له صحبة ، وقتل بصفين. انظر تهذيب التهذيب ( ٢ : ١٢٧ ). وقال ابن دريد في الاشتقاق ٢٣٥ : « كان علي طيئ الشام مع معاوية ، وقتل. وكان عمر رضي الله عنه ولاه قضاء مصر ثم عزله ». ح : « حابس بن سعيد » محرف.
الشام. فقال له علي : نعم ، فمره بذلك ـ وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله ـ فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام ، وكان حابس سيد طيئ فحدث خفاف حابسا أنه شهد عثمان بالمدينة ، وسار مع علي إلى الكوفة. وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر. فغدا حابس وخفاف إلى معاوية فقال حابس : هذا ابن عمي قدم الكوفة مع علي ، وشهد عثمان بالمدينة ، وهو ثقة. فقال له معاوية : هات يا أخا طيئ ، حدثنا عن عثمان. قال : حصره المكشوح ، وحكم فيه حكيم ، ووليه محمد وعمار(١) ، وتجرد في أمره ثلاثة نفر : عدي بن حاتم ، والأشتر النخعي ، وعمرو بن الحمق ؛ وجد في أمره رجلان ، طلحة والزبير(٢) وأبرأ الناس منه علي. قال : ثم مه؟ قال : ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش ، حتى ضلت النعل(٣) وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ ، ولم يذكر عثمان ولم يذكر له ، ثم تهيأ للمسير وخف معه المهاجرون والأنصار ، وكره القتال معه ثلاثة نفر : سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة. فلم يستكره أحدا ، واستغنى بمن خف معه عمن ثقل. ثم سار حتى أتى جبل طيئ ، فأتاه منا جماعة كان ضاربا بهم الناس ، حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ، فسرح رجالا إلى الكوفة فأجابوا دعوته ، فسار إلى البصرة فهي في كفه(٤) ، ثم قدم إلى الكوفة ، فحمل إليه الصبي ، ودبت(٥)
__________________
(١) انظر التنبيه الرابع من ص ٥٤.
(٢) ح : « حصره المكشوح والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق ، وجد في أمره طلحة والزبير ». وفيه سقط كما ترى.
(٣) ح : « ضاعت النعل ».
(٤) ح : « فإذا هي في كفه ».
(٥) في الأصل : « دنت » والوجه ما أثبت من ح. والدبيب : المشى على هينة.
إليه العجوز ، وخرجت إليه العروس فرحا به ، وشوقا إليه ، فتركته وليس همه إلا الشام ».
فذعر معاوية من قوله ، وقال حابس : أيها الأمير لقد أسمعني شعرا غير به حالى في عثمان ، وعظم به عليا عندي. قال معاوية : أسمعنيه يا خفاف. فأسمعه قوله شعرا :
قلت والليل ساقط الأكناف |
ولجنبي عن الفراش تجاف |
|
أرقب النجم مائلا ومتى الغمـ |
ـض بعين طويلة التذارف |
|
ليت شعري وإنني لسؤول |
هل لي اليوم بالمدينة شاف |
|
من صحاب النبي إذ عظم الخط |
ـب وفيهم من البرية كاف |
|
أحلال دم الإمام بذنب |
أم حرام بسنة الوقاف(٢) |
|
قال لي القوم لا سبيل إلى ما |
تطلب اليوم قلت حسب خفاف |
|
عند قوم ليسوا بأوعية العلـ |
ـم ولا أهل صحة وعفاف |
|
قلت لما سمعت قولا دعوني |
إن قلبي من القلوب الضعاف |
|
قد مضى ما مضى ومر به الده |
ـر كما مر ذاهب الأسلاف |
|
إنني والذي يحج له النا |
س على لحق البطون العجاف(٣) |
__________________
(١) مائلا ، أي إلى الغيب. والغمض ، بالضم : النوم. في الأصل : « راقب الليل » تحريف. هذا والبيت والستة الأبيات التي بعده لم ترو في ح.
(٢) الوقاف : المتأني الذي لا يعجل. وفي حديث الحسن : « إن المؤمن وقاف متأن ، وليس كحاطب الليل ». والوقاف أيضا : المحجم عن القتال.
(٣) لحق البطون ، عني بها الإبل. ولحق : جمع لاحق ولاحقة ، واللاحق : الضامر. وفي ح : « لحق البطون عجاف ».
تتبارى مثل القسى من النبـ |
ـع بشعث مثل الرصاف نحاف(١) |
|
ارهب اليوم ، إن أتاك علي ، |
صيحة مثل صيحة الأحقاف(٢) |
|
إنه الليث عاديا وشجاع |
مطرق نافث بسم زعاف(٣) |
|
فارس الخيل كل يوم نزال |
ونزال الفتي من الإنصاف |
|
واضع السيف فوق عاتقه الأيـ |
من يذرى به شؤون القحاف(٤) |
|
لا يرى القتل في الخلاف عليه |
ألف ألف كانوا من الإسراف |
|
سوم الخيل ثم قال لقوم |
تابعوه إلى الطعان خفاف : |
|
استعدوا لحرب طاغيه الشا |
م ، فلبوه كالبنين اللطاف |
|
ثم قالوا أنت الجناح لك الريـ |
ش القدامى ونحن منه الخوافى |
|
أنت وال وأنت والدنا البـ |
ر ونحن الغداة كالأضياف |
|
وقرى الضيف في الديار قليل |
قد تركنا العراق للإتحاف(٥) |
__________________
(١) شبه الإبل بالقسى في تقوسها. والشعث ، عنى بهم الحجاج الذين قد شعثت رؤوسهم أي تلبد شعرها واغبر. والرصاف : العقبة التي تلوى فوق رعظ السهم إذا انكسر. ورعظ السهم : مدخل سنخ النصل. وفي ح : « مثل السهام ».
(٢) الصيحة : العذاب والهلكة. وقوم الأحقاف هم عاد قوم هود. انظر الآيات ٢١ ـ ٢٦ من سورة الأحقاف. والأحقاف : رمل فيما بين عمان إلى حضر موت. ح : « إن أتاكم علي * صبحة مثل صبحة ». والصبحة : المرة من صبح القوم شرا : جاءهم به صباحا.
(٣) عاديا ، ينظر فيه إلى قوم عبد يغوث بن وقاص في المفضليات ( ١ : ١٥٦ ) : « أنا الليث معدوا عليه وعاديا ». وعدا الليث : وثب. وفي الأصل : « غازيا » وفي ح : « غاديا ». والشجاع ، بالضم والكسر : الحية الذكر.
(٤) يذرى : يطيح ويلقي ويطير. والشؤون : مواصل قبائل الرأس. ح : « يفري به ».
(٥) الإتحاف : أن يتحفه بتحفة ، وهي ما تتحف به الرجل من البر واللطف. في الأصل : « للانحاف » ، تحريف. والبيت لم يرو في ح.
وهم ما هم إذا نشب البأ |
س ذووالفضل والأمور الكوافي |
|
وانظر اليوم قبل نادية القوم |
بسلم أردت أم بخلاف(١) |
|
إن هذا رأي الشفيق على الشا |
م ولولاه ما خشيت مشاف |
فانكسر معاوية وقال : يا حابس ، إني لا أظن هذا إلا عينا لعلي ، أخرجه عنك لا يفسد أهل الشام ـ وكنى معاوية بقوله ـ ثم بعث إليه بعد فقال : يا خفاف ، أخبرني عن أمور الناس. فأعاد عليه الحديث ، فعجب معاوية من عقله وحسن وصفه للامور.
آخر الجزء الأول من الأصل ، والحمد لله وصلواته على رسوله
سيدنا محمد النبي وآله وسلم
ويتلوه الجزء الثاني
__________________
(١) نادية القوم : دعوتهم. وفي الحديث : « فبينما هم كذلك إذ نودوا نادية ». في الأصل : « نادبة » بالباء الموحدة ، تحريف. وفي ح : « قبل بادرة القوم ». والبادرة : ما يبدر حين النضب من قول أو فعل. ح : « بسلم تهم ».
الجزء الثاني
من كتاب صفين
لنصر بن مزاحم
رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز
رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد
رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي
رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري
رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
رواية أبي البركات عبد الواهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي
سماع مظفر بن علي بن محمد المعروف بابن المعجم ـ غفر الله له
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم ، عن عطية بن غنى(١) ، عن زياد بن رسم قال :
كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب خاصة ، وإلى سعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، دون كتابه إلى أهل المدينة ، فكان في كتابه إلي ابن عمر :
أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى أن يجتمع عليه الأمة(٢) بعد قتل عثمان منك. ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك ، وقد هون ذلك علي خلافك على علي ، ومحا عنك بعض ما كان منك(٣) فأعنا ـ رحمك الله ـ على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإني لست أريد
__________________
(١) ح ( ١ : ٢٥٩ ) : « عطية بن غناء ».
(٢) ح : « الناس ».
(٣) في الأصل : « وجزني إليك بعض ما كانت منك » ، وأثبت ما في ح.
الإمارة عليك ، ولكني أريدها لك. فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين ».
وكتب في أسفل كتابه :
ألا قل لعبد الله واخصص محمدا |
وفارسنا المأمون سعد بن مالك(١) |
|
ثلاثة رهط من صحاب محمد |
نجوم ومأوى للرجال الصعالك(٢) |
|
ألا تخبرونا والحوادث جمة |
وما الناس إلا بين ناج وهالك |
|
أحل لكم قتل الإمام بذنبه |
فلستم لأهل الجور أول تارك |
|
وإلا يكن ذنبا أحاط بقتله |
ففي تركه والله إحدى المهالك |
|
وإما وقفتم بين حق وباطل |
توقف نسوان إماء عوارك(٣) |
|
وما القول إلا نصره أو قتاله |
أمانة قوم بدلت غير ذلك |
|
فإن تنصرونا تنصروا أهل حرمة |
وفي خذلنا يا قوم جب الحوارك(٤) |
قال : فأجابه ابن عمر :
« أما بعد فإن الرأي الذي أطمعك في هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه. أني تركت عليا في المهاجرين والأنصار ، وطلحة والزبير ، وعائشة أم المؤمنين ، واتبعتك(٥) . أما زعمك أني طعنت علي على فلعمري ما أنا
__________________
(١) هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، واسمه سعد بن مالك بن أهيب ـ وقيل وهيب ـ بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري. وهو أحد الستة أهل الشورى ، وولي الكوفة لعمر ، وهو الذي بناها ، ثم عزل ووليها لعثمان. توفى سنة ٥٥. الإصابة ٣١٨٧.
(٢) الصعالك : جمع صعلوك. وحذف الياء في مثله جائز. والصعلوك : الفقير الذي لا مال له.
(٣) العوارك : الحوائض من النساء ، جمع عارك.
(٤) الحوارك : جمع حارك ، وهو أعلى الكاهل.
(٥) ح : « أترك » مع إسقاط كلمة : « أني » قبلها. وفي ح أيضا « وأتبعك » بدل : « واتبعتك ».
كعلي في الإيمان والهجرة ، ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكايته في المشركين. ولكن حدث أمر لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه عهد ، ففزعت فيه إلى الوقوف(١) ، وقلت : إن كان هدى ففضل تركته ، وإن كان ضلالة فشر نجوت منه. فأغن عنا نفسك(٢) ».
ثم قال لابن أبي غزية : أجب الرجل ـ وكان أبوه ناسكا ، وكان أشعر قريش ـ فقال :
معاوي لا ترج الذي لست نائلا |
وحاول نصيرا غير سعد بن مالك(٣) |
|
ولا ترج عبد الله واترك محمدا |
ففي ما تريد اليوم جب الحوارك |
|
تركنا عليا في صحاب محمد |
وكان لما يرجى له غير تارك |
|
نصير رسول الله في كل موطن |
وفارسه المامون عند المعارك |
|
وقد خفت الأنصار معه وعصبة |
مهاجرة مثل الليوث الشوابك(٤) |
__________________
(١) ح : « ولكن عهد إلى في هذا الأمر عهد ففرغت فيه الوقوف » ، تحريف ونقص.
(٢) أغن نفسك : اصرفها وكفها. ومنه قول الله :( لن يغنوا عنك من الله شيئا ) . وفي الأصل : « فاعزل عنا نفسك » ، صوابه من ح.
(٣) انظر ما مضى في الصفحة السابقة.
(٤) أسد شابك : مشتبك الأنياب مختلفها. والشابك أيضا من أسماء الأسد. وفي الأصل : « الشوائك » تحريف.
وطلحة يدعو والزبير وأمنا |
فقلنا لها قولي لنا ما بدا لك |
|
حذار أمور شبهت ولعلها |
موانع في الأخطار إحدى المهالك |
|
وتطمع فينا يا ابن هند سفاهة |
عليك بعليا حمير والسكاسك(١) |
|
وقوم يمانيون يعطوك نصرهم |
بصم العوالي والسيوف البواتك |
قال : وكان من كتاب معاوية إلى سعد :
« أما بعد فإن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش ، الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره ، وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الأمر ، ونظيراك في الإسلام ، وخفت لذلك أم المؤمنين. فلا تكرهن ما رضوا ، ولا تردن ما قبلوا ، فإنا نردها شورى بين المسلمين ».
وقال شعرا :
يا سعد قد أظهرت شكا |
وشك المرء في الأحداث داء |
|
على أي الأمور وقفت حقا |
يرى أو باطلا فله دواء |
|
وقد قال النبي وحد حدا |
يحل به من الناس الدماء |
|
ثلاث : قاتل نفسا ، وزان |
ومرتد مضى فيه القضاء |
|
فإن يكن الإمام يلم منها |
بواحدة فليس له ولاء |
__________________
(١) انظر ما سبق في ص ٦٢.
وإلا فالتي جئتم حرام(١) |
وقاتله وخاذله سواء |
|
وهذا حكمه لا شك فيه |
كما أن السماء هي السماء |
|
وخير القول ما أوجزت فيه |
وفي إكثارك الداء العياء |
|
أبا عمرو دعوتك في رجال |
فجاز عراقي الدلو الرشاء(٢) |
|
فأما إذ أبيت فليس بيني |
وبينك حرمة ، ذهب الرجاء |
|
سوى قولي ، إذا اجتمعت قريش : |
على سعد من الله العفاء |
فأجابه سعد :
« أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من يحل له الخلافة من قريش ، فلم يكن أحد منا أحق بها(٣) من صاحبه [ إلا ] باجتماعنا عليه ، غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يك فينا ما فيه. وهذا أمر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره(٤) . فأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما. والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت ».
ثم أجابه في الشعر :
معاوي داؤك الداء العياء |
فليس لما تجئ به دواء |
|
طمعت اليوم في يا ابن هند |
فلا تطمع فقد ذهب الرجاء |
|
عليك اليوم ما أصبحت فيه |
فما يكفيك من مثلي الإباء(٥) |
__________________
(١) في الأصل : « حراما ».
(٢) أراد انقطع الأمل. وعراقي الدلو : جمع عرقوة ، قال الأصمعي : يقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب : العرقوتان ، وهي العراقي. وفي الأصل : « عوالي الدلو » ولا وجه له. وهذه القصيدة وسابقتها لم أجدهما في كتاب ابن أبي الحديد.
(٣) في الأصل : « به » صوابه في ح ( ١ : ٢٦٠ ).
(٤) ح : « قد كرهت أوله وكرهت آخره ».
(٥) أي الذي يكفيك مني الإباء.
فما الدنيا بباقية لحي |
ولا حي له فيها بقاء |
|
وكل سرورها فيها غرور |
وكل متاعها فيها هباء |
|
أيدعوني أبو حسن علي |
فلم أردد عليه بما يشاء |
|
وقلت له اعطني سيفا بصيرا |
تمر به العداوة والولاء |
|
فإن الشر أصغره كبير |
وإن الظهر تثقله الدماء |
|
أتطمع في الذي أعيا عليا |
على ما قد طمعت به العفاء |
|
ليوم منه خير منك حيا |
وميتا ، أنت للمرء الفداء |
|
فأما أمر عثمان فدعه |
فإن الرأي أذهبه البلاء |
وكان كتاب معاوية إلى محمد بن مسلمة :
« أما بعد فإني لم أكتب إليك وأنا أرجو متابعتك(١) ، ولكني أردت أن أذكرك النعمة التي خرجت منها والشك الذي صرت إليه. إنك فارس الأنصار ، وعدة المهاجرين ، ادعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا لم تستطع إلا أن تمضي عليه ، فهذا نهاك عن قتال أهل الصلاة ، فهلا نهيت أهل الصلاة عن قتال بعضهم بعضا. وقد كان عليك أن تكره لهم ما كره لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو لم تر عثمان وأهل الدار من أهل الصلاة(٢) ؟ فأما قومك فقد عصوا الله وخذلوا عثمان ، والله سائلك وسائلهم عن الذي كان ، يوم القيامة ».
فكتب إليه محمد [ بن مسلمة ] :
« أما بعد فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول الله صلى الله
__________________
(١) ح : « مبايعتك ».
(٢) ح : « أهل القبلة » في المواضع الثلاثة.
عليه وآله وسلم مثل الذي في يدي. فقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن قبل أن يكون ، فلما كان كسرت سيفي ، وجلست في بيتي(١) واتهمت الرأي على الدين ، إذ لم يصح لي معروف آمر به ، ولا منكر أنهى عنه. وأما أنت فلعمري ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى. فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا(٢) . فما أخرجني الله من نعمة ولا صيرني إلى شك. إن كنت أبصرت خلاف ما تحبني به ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار ، فنحن أولى بالصواب منك ».
ثم دعا محمد بن مسلمة رجلا من الأنصار ، وكان فيمن يرى رأي محمد في الوقوف ، فقال : أجب يا مروان بجوابه فقد تركت الشعر. فقال مروان. لم يكن عند ابن عقبة الشعر(٣) .
وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : ضربت الركبان إلى الشام بقتل عثمان ، فبينما معاوية [ يوما ] إذ أقبل رجل متلفف ، فكشف عن وجهه فقال : يا أمير المؤمنين ، أتعرفني؟ قال : نعم ، أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة فأين تريد؟ قال : إليك القربان(٤) ، أنعى إليك ابن عفان. ثم قال :
إن بني عمك عبد المطلب |
هم قتلوا شيخكم غير الكذب |
|
وأنت أولى الناس بالوثب فثب |
واغضب معاوي للإله واحتسب |
__________________
(١) يروى عن محمد بن مسلمة أنه قال : « أعطاني رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم سيفا فقال : قاتل به المشركين ما قوتلوا ، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا فائت به أحدا فاضرب به حتى ينكسر ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية خاطئة. انظر الإصابة ٧٨٠٠.
(٢) ح : « فقد خذلته حيا. والسلام » وبذلك تنتهي هذه الرسالة في ح.
(٣) يفهم من هذا أن اسم هذا الأنصاري مروان بن عقبة.
(٤) القربان ، بالضم والكسر : الدنو.
وسر بنا سير الجرئ المتلئب(١) |
وانهض بأهل الشام ترشد وتصب(٢) |
ثم اهزز الصعدة للشأس الكلب(٣)
يعني « عليا ». فقال له : عندك مهز(٤) ؟ قال : نعم. ثم أقبل الحجاج بن الصمة على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين(٥) ، إني كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد [ القسري ] مغيثا لعثمان ، فقدمنا أنا وزفر بن الحارث فلقينا رجلا زعم أنه ممن قتل عثمان ، فقتلناه. وإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنك تقوي على علي بدون ما يقوي به عليك ، لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت ، ولا يسألون إذا أمرت. وإن مع علي قوما يقولون إذا قال ، ويسألون إذا أمر ؛ فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه. واعلم أنه لا يرضى علي إلا بالرضا ، وإن رضاه سخطك. ولست وعلي سواء(٦) : لا يرضى علي بالعراق دون الشام ، ورضاك الشام دون العراق.
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في ( ١ : ٢٥٣ ) : « المتلئب : المستقيم المطرد ». وفي اللسان أيضا : اتلأب : أقام صدره ورأسه. وفي الأصل : « الملتبب » ولا وجه له.
(٢) في الأصل : « وجمع أهل الشام » ، صوابه من ح.
(٣) الصعدة ، بالفتح : القناة المستوية. والشأس ، أصل معناه المكان الغليظ الخشن. قال ابن أبي الحديد : « ومن رواه : للشاسي ، بالياء فأصله الشاصي بالصاد ، وهو المرتفع ، يقال شصا السحاب إذا ارتفع ، فأبدل الصاد سينا. ومراده هنا نسبة عليعليهالسلام إلى التيه والرفع عن الناس ». قلت : قد أبعد ابن أبي الحديد في التخريج ، إنما يكون : « الشاسي » مخفف « الشاسيء » وهو من المقلوب. وفي اللسان ( مادة شأس ) : « ويقال مقلوبا : مكان شاسيء وجاسيء : غليظ ».
(٤) مهز : مصدر ميمي من الهز. يقال هززت فلانا لخير فاهتز. ح : « أفيك مهز ».
(٥) زاد ابن أبي الحديد : « ولم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها » أي قبل هذه الزيارة. وهذه العبارة تعليق من ابن أبي الحديد. وتقرأ بفتح الطاء من « يخاطب » وإلا فإن الحجاج خاطبه قبلها بأمير المؤمنين في أول الحديث. وانظر ص ٨٠ س ٦.
(٦) كذا وردت العبارة في الأصل ، وح. وهو وجه ضعيف في العربية ، إذ لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد توكيده بالضمير المنفصل ، أو وجود فاصل بين المتبوع والتابع.
فضاق معاوية [ صدرا ] بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان(١) .
وقال معاوية حين أتاه قتل عثمان :
أتاني أمر فيه للنفس غمة |
وفيه بكاء للعيون طويل |
|
وفيه فناء شامل وخزاية |
وفيه اجتداع للأنوف أصيل |
|
مصاب أمير المؤمنين وهدة |
تكاد لها صم الجبال تزول(٢) |
|
فلله عينا من رأي مثل هالك |
أصيب بلا ذنب وذاك جليل |
|
تداعت عليه بالمدينة عصبة |
فريقان منها قاتل وخذول(٣) |
|
دعاهم فصموا عنه عند جوابه |
وذاكم على ما في النفوس دليل(٤) |
|
ندمت على ما كان من تبعي الهوى |
وقصري فيه حسرة وعويل(٥) |
|
سأنعى أبا عمرو بكل مثقف |
وبيض لها في الدار عين صليل(٦) |
|
تركتك للقوم الذين هم هم |
شجاك فماذا بعد ذاك أقول |
|
فلست مقيما ما حييت ببلدة |
أجر بها ذيلي وأنت قتيل |
__________________
(١) في الأصل : « وهذه » ، صوابها من ح.
(٢) ح : « على خذلان عثمان ».
(٣) ح : « منهم قاتل ».
(٤) أي عند طلبه الجواب. وفي ح : « عند دعائه ».
(٥) يقال : قصرك أن تفعل كذا ، أي حسبك وكفايتك وغايتك ، كما تقول : قصارك وقصاراك. الأولى بفتح القاف والأخريان بضمها.
(٦) أبو عمرو : كنية عثمان بن عفان. وفي رثائه تقول زوجه نائلة بنت الفرافصة :
ومالي لا أبكي وتبكي قرابتي |
وقد غيبوا عنا فضول أبي عمرو |
ح : « سأبغي » أي سأطلب ثاره. والبيض ، بالكسر : السيوف ، جمع أبيض. والدارع : لابس الدرع.
فلا نوم حتى تشجر الخيل بالقنا |
ويشفى من القوم الغواة غليل(١) |
|
ونطحنهم طحن الرحى بثفالها |
وذاك بما أسدوا إليك قليل(٢) |
|
فأما التي فيها مودة بيننا |
فليس إليها ما حييت سبيل |
|
سألقحها حربا عوانا ملحة |
وإني بها من عامنا لكفيل(٣) |
نصر : وافتخر الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بإمرة المؤمنين.
نصر : صالح بن صدقة ، عن إسماعيل بن زياد ، عن الشعبي ، أن عليا قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة ، وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص.
قال : وفي حديث عثمان بن عبيد الله الجرجاني قال :
بويع معاوية على الخلاف ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة نبيه ، فأقبل مالك بن هبيرة الكندي ـ وهو يومئذ رجل من أهل الشام ـ فقام خطيبا وكان غائبا من البيعة ، فقال : « يا أمير المؤمنين ، أخدجت هذا الملك(٤) ، وأفسدت الناس ، وجعلت للسفهاء مقالا. وقد علمت العرب أنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ، وإنا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا. فابسط
__________________
(١) الشجر : الطعن بالرمح. وفي حديث الشراة : « فشجرناهم بالرماح ، أي طعناهم بها حتى اشتبكت فيهم ». وعنى بالخيل الفرسان.
(٢) الثفال ، بالكسر ، جلد يبسط تحت الرحى ليقي الطحين من التراب ، ولا تثفل الرحى إلا عند الطحن. في الأصل : « وأطحنهم » وأثبت ما في ح ، وفي الأصل أيضا : « بما أسدى إلي » ، والوجه ما أثبت من ح.
(٣) في الأصل : « من عامها ».
(٤) الإخداج : النقص ، وفي الأصل : « أخرجت » بالراء ، تحريف.
جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليهالسلام ، إذ دخل الحسينعليهالسلام فأخذه النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليهالسلام ست سنين. فقال عليعليهالسلام : يا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليهالسلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليهالسلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم للحسينعليهالسلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليهالسلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليهالسلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليهالسلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.
١٤٤ ـ قول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :
روي أنه لما ثقل رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليهالسلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليهالسلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم . ففتح النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».
١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بمقتل الحسينعليهالسلام :
(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)
في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليهالسلام قال : بينا رسول
اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في منزل فاطمةعليهاالسلام ، والحسينعليهالسلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليهالسلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.
١٤٦ ـ محبة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم للحسينعليهالسلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)
في (البحار) سئل النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.
أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».
ولنعم ما قال القائل :
أخذ النبي يد الحسين وصنوه |
يوما ، وقال وصحبه في مجمع |
|
من ودّني يا قوم أو هذين أو |
أبويهما ، فالخلد مسكنه معي |
وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهماالسلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».
وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهماالسلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.
وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.
١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)
عن الإمام الصادقعليهالسلام قال : كان الحسين بن عليعليهماالسلام ذات يوم في حجر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».
١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم الحسينعليهالسلام بابنه إبراهيمعليهالسلام :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)
عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهماالسلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.
قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى الحسينعليهالسلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.
* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.
١٤٩ ـ مجلس الحسينعليهالسلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)
قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليهالسلام : وكان مجلس الحسينعليهالسلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.
١٥٠ ـ خطابة الحسينعليهالسلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)
وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليهالسلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.
١٥١ ـ عبادتهعليهالسلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)
روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليهالسلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.
وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليهالسلام بعد وفاة أخيه الحسنعليهالسلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.
وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليهالسلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.
وكانعليهالسلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.
وحسبهعليهالسلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.
١٥٢ ـ كرم الحسينعليهالسلام وحسن معاملته :
(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)
قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح
منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليهالسلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليهالسلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.
عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليهالسلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.
وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليهالسلام وبين أخيه الحسنعليهالسلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليهالسلام : سمعت جدي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليهالسلام فأتاه وترضّاه.
١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليهالسلام :
مرّ الحسينعليهالسلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :
ولقد وجد على ظهر الحسينعليهالسلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليهالسلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.
١٥٥ ـ إباء الحسينعليهالسلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)
أما إباؤهعليهالسلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.
فأول ذلك ما قاله الحسينعليهالسلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :
«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».
فقد أبىعليهالسلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليهالسلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.
ولما أحاط القوم بالحسينعليهالسلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.
وقالعليهالسلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
١٥٦ ـ شجاعتهعليهالسلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)
أما شجاعة الحسينعليهالسلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.
وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليهالسلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.
١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)
قال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليهالسلام الشجاعة من أبيه عليعليهالسلام وجده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم وجده أبو طالبعليهالسلام . وعليعليهالسلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو
أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.
وقد ظهرت شجاعة الحسينعليهالسلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليهالسلام في غزواته وجولاته.
وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.
٦ ـ الذريّة والإمامة
إن من أكبر فضائل الإمام عليعليهالسلام أن الله جعل ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليهاالسلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليهالسلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليهالسلام .
قال النبي الأعظمصلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليهالسلام ».
١٥٨ ـ النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهماالسلام :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)
أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهمالسلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».
وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».
ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهماالسلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.
وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليهاالسلام قالت : قال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».
وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».
تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهمالسلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمةعليهمالسلام .
١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليهالسلام وفي صلبه :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)
روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليهالسلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.
* الاحتجاج على الحجّاج :
وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهماالسلام أبناء رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.
ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.
يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :
ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهمالسلام من فاطمةعليهمالسلام أنهم أولاد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.
١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)
قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث
إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].
وعيسىعليهالسلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليهالسلام .
قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.
ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهمالسلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.
١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :
(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)
يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليهالسلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليهالسلام من ذرية محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ؟!.
فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.
١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :
(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)
حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.
قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.
فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليهالسلام ولدا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.
قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.
ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.
قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل
عيسىعليهالسلام في صلب نوحعليهالسلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليهالسلام دخلا في صلب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليهالسلام .
قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».
فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.
وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.
ترجمة الحجّاج
(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)
قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.
قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.
وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :
ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان
تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.
* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليهالسلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليهالسلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).
* قصيدة حاقدة ومعارضتها :
والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليهالسلام من فاطمة هم ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليهالسلام .
١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :
قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليهالسلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :
ألا من لعين وتسكابها |
تشكّى القذا وبكاها بها |
|
ترامت بنا حادثات الزمان |
ترامي القسيّ بنشّابها |
|
ويا ربّ ألسنة كالسيوف |
تقطّع أرقاب أصحابها |
ويقول فيها :
ونحن ورثنا ثياب النّبيّ |
فكم تجذبون بأهدابها |
|
لكم رحم يا بني بنته |
ولكن بنو العمّ أولى بها |
إلى أن يقول :
قتلنا أميّة في دارها |
ونحن أحقّ بأسلابها |
|
إذا ما دنوتم تلقّيتم |
زبونا(١) أقرّت بجلّابها |
١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :
فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :
[القصيدة]
ألا قل لشرّ عبيد الإله |
وطاغي قريش وكذّابها |
|
وباغي العباد وباغي العناد |
وهاجي الكرام ومغتابها |
|
أأنت تفاخر آل النّبيّ |
وتجحدها فضل أحسابها؟ |
|
بكم باهل المصطفى أم بهم |
فردّ العداة بأوصابها؟ |
|
أعنكم نفي الرجس أم عنهم |
لطهر النفوس وألبابها؟ |
|
أما الرجس والخمر من دأبكم |
وفرط العبادة من دأبها؟ |
* * *
وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ |
فكم تجذبون بأهدابها؟ |
|
وعندك لا يورث الأنبياء |
فكيف حظيتم بأثوابها؟ |
|
فكذّبت نفسك في الحالتين |
ولم تعلم الشّهد من صابها(٢) |
|
أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟ |
وما كان يوما بمرتابها |
|
وكان بصفين من حزبهم |
لحرب الطغاة وأحزابها |
|
وقد شمرّ الموت عن ساقه |
وكشّرت الحرب عن نابها |
|
فأقبل يدعو إلى «حيدر» |
بإرغابها وبإرهابها |
|
وآثر أن ترتضيه الأنام |
من الحكمين لأسبابها |
|
ليعطي الخلافة أهلا لها |
فلم يرتضوه لإيجابها |
|
وصليمع الناس طول الحياة |
وحيدر في صدر محرابها |
|
فهلا تقمّصها جدّكم |
إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟ |
|
إذا جعل الأمر شورى لهم |
فهل كان من بعض أربابها؟ |
__________________
(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.
(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.
(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.
أخامسهم كان أم سادسا؟ |
وقد جلّيت بين خطّابها |
|
وقولك : أنتم بنو بنته |
ولكن بنو العم أولى بها |
|
بنو البنت أيضا بنو عمّه |
وذلك أدنى لأنسابها |
|
فدع في الخلافة فصل الخلاف |
فليست ذلولا لركّابها |
|
وما أنت والفحص عن شأنها |
وما قمصّوك بأثوابها |
|
وما ساورتك سوى ساعة |
فما كنت أهلا لأسبابها |
|
وكيف يخصّوك يوما بها؟ |
ولم تتأدّب بآدابها |
* * *
وقلت : بأنكم القاتلون |
أسود أميّة في غابها |
|
كذبت وأسرفت فيما ادّعيت |
ولم تنه نفسك عن عابها |
|
فكم حاولتها سراة لكم |
فردّت على نكص أعقابها |
|
ولو لا سيوف أبي مسلم(١) |
لعزّت على جهد طلّابها |
|
وذلك عبد لهم لا لكم |
رعى فيكم قرب أنسابها |
|
وكنتم أسارى ببطن الحبوس |
وقد شفّكم لثم أعتابها |
|
فأخرجكم وحباكم بها |
وألبسكم فضل جلبابها |
|
فجازيتموه بشرّ الجزاء |
لطغوى النفوس وإعجابها |
* * *
فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف |
وجاؤوا الخلافة من بابها |
|
هم الزاهدون هم العابدون |
هم الساجدون بمحرابها |
|
هم الصائمون هم القائمون |
هم العالمون بآدابها |
|
هم قطب ملّة دين الإله |
ودور الرحى حول أقطابها |
|
عليك بلهوك بالغانيات |
وخلّ المعالي لأصحابها |
|
ووصف العذارى وذات الخمار |
ونعت العقار(٢) بألقابها |
|
وشعرك في مدح ترك الصلاة |
وسعي السّقاة بأكوابها |
|
فذلك شأنك لا شأنهم |
وجري الجياد بأحسابها |
(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)
__________________
(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.
(٢) العقار : الخمر.
الفصل الخامس
أنباء باستشهاد الحسينعليهالسلام قبل وقوعه
١ ـ أنباء شهادة الحسينعليهالسلام في الكتب السماوية السابقة :
التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا
ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليهالسلام
ـ تشابه محنة يحيىعليهالسلام مع محنة الحسينعليهالسلام
٢ ـ إخبار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بما يجري على أهل بيتهعليهالسلام من بعده
ـ علم أهل البيتعليهالسلام بالمغيبات :
ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليهالسلام
ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم
٣ ـ إخبار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم باستشهاد الحسينعليهالسلام
ـ روايات الإمام عليعليهالسلام
ـ روايات أم سلمة وعائشة
ـ روايات الحسينعليهالسلام والأئمةعليهالسلام
ـ روايات ابن عباس
ـ إخبار الإمام عليعليهالسلام
ـ إخبار الحسنينعليهالسلام
ـ إخبار سلمان الفارسي
ـ إخبار أبي ذر الغفاري
٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليهالسلام
الفصل الخامس :
أنباء باستشهاد الحسينعليهالسلام قبل وقوعه
تعريف بالفصل :
قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليهالسلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليهالسلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليهالسلام أو على لسان النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم .
وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليهالسلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).
وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليهالسلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.
وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليهالسلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليهالسلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.
وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليهالسلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.
وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليهالسلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليهالسلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليهالسلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليهالسلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.
ثم إخبار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهمالسلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة الحسينعليهالسلام . ثم إخبار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليهالسلام . ثم إخبار الإمام عليعليهالسلام وأم سلمة والأئمةعليهمالسلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.
وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليهالسلام .
١ ـ أنباء شهادة الحسينعليهالسلام في الكتب السماوية السابقة :
١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليهالسلام ومنزلة أصحابه :
(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)
عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.
فمر بنا الحسنعليهالسلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليهالسلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.
١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليهالسلام :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)
قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.
فلما قتل الحسينعليهالسلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.
١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليهالسلام :
(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)
جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.
١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)
وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :
أترجو أمة قتلت حسينا |
شفاعة جده يوم الحساب |
وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :
لا بد أن ترد القيامة فاطم |
وقميصها بدم الحسين ملطخ |
|
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه |
والصور في يوم القيامة ينفخ |
وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.
١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :
(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)
عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :
أترجوا أمة قتلت حسينا |
شفاعة جده يوم الحساب! |
قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.
وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.
وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).
١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليهالسلام :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)
أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :
أترجو أمة قتلت حسينا |
شفاعة جده يوم الحساب! |
كتب إبراهيم خليل الله.
فجاء باللوح إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.
١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليهالسلام بالفساد الكبير :
حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.
فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليهالسلام .
* * *
إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليهالسلام
١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليهالسلام حين مرّوا بكربلاء :
(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)
جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهمالسلام من آدم إلى محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين بن عليعليهالسلام ويأمرهم بلعن قاتليه.
حصل ذلك لآدمعليهالسلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليهالسلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليهالسلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليهالسلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.