الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب8%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202076 / تحميل: 7970
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

رسول الله (ص)، فقرّب ورحّب، ثمّ قال: « إنّ لي في الدلالة دليلاً على ما تريدين، أفتريدين مني دلالة الإمامة؟ » فقلت: نعم.

فقال: « هاتي ما معك ». فناولته الحصاة، فطبع لي فيها.

قالت ثمّ أتيت عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، وقد بلغني(١) الكبر إلى أن عييت، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة فأومى إلي بالسبابة، وعاد إلي شبابي.

قالت: فقلت: يا سيّدي كم مضى من الدنيا وكم بقي؟

فقال: « أمّا ما مضى، فنعم، وأما ما بقي، فلا ».

ثم قال: « هاتي ما معك »، فأعطيته الحصاة، فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا جعفرعليه‌السلام ، فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا عبد الله جعفراً الصادقعليه‌السلام فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا الحسن موسىعليه‌السلام فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت الرضاعليه‌السلام فطبع لي فيها.

وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام.

ولخليل الله إبراهيمعليه‌السلام قصة أخرى في القرآن، وهى قوله تعالى:( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٢) .

__________________

(١) في ص: بلغ بي.

(٢) سورة الأنعام / الآية: ٧٥.

١٤١

١٣٣ / ٥ - فروى عمران، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « كشط له عن السموات حتّى نظر إلى العرش والكرسي والسموات والأرض ».

وقد أعطى الله تبارك وتعالى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يحاكي ذلك.

١٣٤ / ٦ - وهو ما روي عن الطاهرينعليهم‌السلام في تفسير قوله تعالى:( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) (١) أنّ رسول الله (ص) لمّا عرج به إلى السماء، رفع الله تعالى الحجاب بينه وبين عليّ، حتّى نظر إلى حيث وضع (ص) قدمه. وبيان ذلك.

١٣٥ / ٧ - ما حدّث المعلى بن هلال عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه أنه، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: « أعطاني الله تعالى خمساً، وأعطى عليّاً خمساً.

أعطاني جوامع الكلم، وأعطى عليّاً جوامع العلم، وجعلني نبيّاً، وجعله وصيّاً، وأعطاني الكوثر وأعطاه(٢) السلسبيل، وأعطاني الوحي، وأعطاه الإلهام، وأسري بي إلى السماء، وفتح له أبواب السماوات والحجب حتّى نظر إلي ونظرت إليه ».

قال: ثمّ بكى رسول الله (ص)، فقلت له: ما يبكيك، فداك أبي

__________________

٥ - الاختصاص: ٣٢٢، بصائر الدرجات: ١٢٦ - باب ٢٠ - مفصلاً، تفسير البرهان ١: ٥٣٢ / ٨، تفسير التبيان ٤: ١٧٧، مجمع البيان ٢: ٣٢٢.

٦ - أخرجه في البحار ١٨ / ٣٧٠ / ٧٧ عن الأمالي للشيخ الطوسي نحوه

(١) سورة النجم / الآية: ٩.

٧ - فضائل شاذان بن جبرائيل ٥ / ١٦٨، بشارة المصطفى: ٤١، وروي صدر الحديث في الخصال: ٣٩٣ / ٥٧، أمالي الطوسي ١: ١٩١ و ١٩٢، روضة الواعظين: ١٠٩،

(٢) في ص: واعطى عليّاً.

١٤٢

وأمي؟ قال: « يا ابن عبّاس إنّ أوّل ما كلمني به ربّي، أن قال لي: يا محمّد انظر تحتك، فنظرت إلى الحجب قد انخرقت، وإلى أبواب السماء قد فتحت، ونظرت إلى عليّ وهو رافع رأسه إلى السماء، فكلمني وكلمته ».

فقلت: يا رسول الله، حدّثني بما كلمك به ربّك.

قال: قال لي: يا محمّد قد جعلت عليّاً وصيّك ووزيرك وخليفتك من بعدك، فاعلمه، فها هو يسمع كلامك. فأعلمته، وأنا بين يدي ربّي عزّ وجلّ، فقال لي: قد قبلت.

فأمر الله تعالى الملائكة أن يسلموا عليه ففعلت، فردّعليهم‌السلام ، فرأيت الملائكة يتباشرون، فما مررت بملأ من الملائكة إلاّ وهم يهنئوني، ويقولون: يا محمّد والذي بعثك بالحقّ نبيّا، لقد دخل السرور على جميع الملائكة.

ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم فقلت: يا جبرائيل، لم نكسوا رؤوسهم؟ فقال: يا محمّد ما من ملك من الملائكة إلاّ وقد نظر إلى عليّ ما خلا حملة العرش، فإنّهم استأذنوا الله عزّ وجلّ في هذه الساعة أن ينظروا إلى عليّ، فأذن لهم.

فلمّا هبط جعلت أعلمه بذلك، وهو يخبرني به، فعلمت أنّي لم أطأ موطئا إلاّ وقد كشف لعليّ عنه، حتّى نظر إليه، لمّا رأيت من علمه به ».

قال ابن عباس: قلت: يا رسول الله، أوصني قال: « عليك بحبّ عليّ بن أبي طالب ».

قال: قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: « عليك بحبّ عليّ ».

ثم قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: « يا ابن عبّاس، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا يقبل الله من عبد حسنة حتّى يسأله عن حبّ عليّ

١٤٣

ابن أبي طالب، وهو أعلم بذلك، فإن كان من أهل ولايته قُبل عمله ويؤمر به إلى الجنّة، وإن لم يكن في أهل ولايته، لم يسأله عن شيء، ويؤمر به إلى النار، وإنّ النار لأشد غيظاً(١) على مبغض عليّ منها على من زعم أنّ لله ولد.(١)

يا ابن عباس لو أنّ الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، أجمعوا على بغضه لعذّبهم الله بالنار، وما كانوا ليفعلوا ذلك ».

قلت: يا رسول الله، وكيف يبغضونه؟ قال: « يا ابن عبّاس، قوم يذكرون أنّهم من أمّتي، ولم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً، يفضّلون عليه غيره، والذي بعثني بالحقّ، ما بعث الله نبيّاً أكرم عليه منّي، ولا وصيّا أكرم عليه من عليّ وصيّي ».

قال ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (ص)، وإنّه لأكبر عملي.

فلمّا حضر رسول الله (ص) الوفاة قلت له: فداك أبي وأمّي يا رسول الله ما تأمرني به قال: « يا ابن عبّاس، خالف من خالف عليّاً، ولا تكونن لهم ظهيراً ولا ولياً ».

قلت: يا رسول الله، فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟

قال: فبكى حتّى أغمي عليه، ثمّ أفاق.

فقال: « يا ابن عبّاس سبق فيهم علم ربّي ولا يخرج الله أحداً من الدنيا ممّن خالفه، وأنكر حقّه، حتّى يغيّر خلقته.

يا ابن عبّاس إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راضٍ، فاسلك طريقه، ومل حيث مال، وارض به إماماً، وعاد من عاداه، ووال من والاه، ولا يدخلنك فيه شك، فإن اليسير من الشك كفر بالله تعالى ».

__________________

(١) في م، هامشي ك وص: غضباً.

١٤٤

٤ - فصل:

في بيان آيات إسماعيل ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه: حديثان

إنّ الله سبحانه وتعالى ذكر لإسماعيلعليه‌السلام في القرآن آية واحدة، وفضيلة رائقة في حال كونه طفلاً فالآية.

١٣٦ / ١ - ما ذكر المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: « لمّا وضعه إبراهيم بأرض مكّة، ومعه أمّه هاجر، ونفد ماؤهما، وخرجت هاجر، فصعدت على الصفا، ثمّ أقبلت راجعة إلى إسماعيلعليه‌السلام ، فإذا عقبه يفحص في الماء، فجمعته، ولو تركته لساح ».

وفي الحديث طول، وقد جعل الله ما يوافق ذلك للرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام .

١٣٧ / ٢ - وهو ما حدّث به أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي الفقيه، قال: لمّا خرج عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام من نيسابور يريد المأمون، فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له: يا ابن رسول

__________________

١ - قصص الأنبياء للراوندي: ١١٠ / ١٠٧، تفسير علي بن إبراهيم القمي ١: ١٦ نحوه.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٣٦ / ١.

١٤٥

الله قد زالت الشمس أو لا تصلي؟ فنزل وقال: « إئتوني بماء » فقيل له: ما معنا ماء.

فبحثعليه‌السلام الأرض بيده فنبع من الأرض الماء فأخذ ما توضَّأ به هو ومن معه.

والماء باق إلى يومنا هذا، ويقال للمنبع « عين الرضا »، وإنّ إنسانا حفر المنبع ليجري الماء، ويتخذ عليه مزرعة، فذهب الماء وانقطع مدَّة، ثمّ أهيل التراب فيه، فعاد الماء، والموضع مشهور.

وأما فضيلة إسماعيلعليه‌السلام ، فهو ما نبّه عليه الله تعالى من قوة يقينه، وتسليمه لأمر الله تعالى، والانقياد لحكمه، والصبر على ما ابتلاه به من الذبح، وعظيم المحنة، وشديد البلوى، كما قال الله تعالى:( إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (١) .

وقد وقع لعليّعليه‌السلام مثل ذلك، حين أمر الله تبارك وتعالى نبيّه (ص) بالخروج من مسقط رأسه، مهاجراً إلى المدينة، إذ لم يبق بها ناصر، وقد تألب المشركون عليه واجتمعوا، وصارت كلمتهم واحدة على ذلك، وأمره الله تعالى أن يلتمس من ينام مكانه، ويقوم مقامه، ويعرض للأعداء نحره، وللبلاء صدره، ليدفع به عن نفسه مضرّة البوار، ومعرّة(٢) الكفار، فذكر (ص) ذلك لعليّعليه‌السلام ، فهشّ إليه، وما تلكأ، وأسرع إلى الامتثال، وتلقى بالقبول والإقبال عليه، ونام على الفراش غير مكترث، وتعرض للأعداء والقتل غير محتفل، وقد أنزل الله تبارك وتعالى في شأنه:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٣) .

__________________

(١) سورة الصافات / الآية: ١٠٢.

(٢) في ع: معركة.

(٣) سورة البقرة / الآية: ٢٠٧.

١٤٦

٥ - فصل:

في ذكر آيات يوسف

وفيه: حديثان

إنّ الله سبحانه وتعالى قد ذكر للصديق يوسفعليه‌السلام في القرآن آية واحدة، وهي قوله تعالى:( قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (١) .

وسبب ذلك أنّ العزيز لمّا دخل داره، وقد راودت امرأته يوسفعليه‌السلام عن نفسه، ولم يجبها إلى ما التمست، وقد تعلّقت به:( قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢)

وقال يوسف:( هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ) (٣) .

وكان هناك مهد فيه طفل رضيع، فسأله يوسفعليه‌السلام ، فشهد له بما ذكره الله تعالى في كتابه.

وقد أعطى الله تعالى عليّ بن الحسينعليه‌السلام ما يزيد على ذلك:

__________________

(١) سورة يوسف / الآيتان: ٢٦ - ٢٧.

(٢) سورة يوسف / الآية: ٢٥.

(٣) سورة يوسف / الآية: ٢٦.

١٤٧

١٣٨ / ١ - وهو ما روى عمّار الساباطي، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام أنّه قال: « لمّا قتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، وأقبل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام وقال: له ما الذي فضّلك عليّ، وأنا أكثر رواية، وأسن منك.

قال: كفى بالله شهيداً يا عمّ، قال له محمّد بن الحنفية: أحلت على غائب.

قال: وكان في دار عليّ بن الحسينعليهما‌السلام شاة حلوب فقال: « اللهم انطقها، اللهمّ انطقها ».

فقالت الشاة: يا عليّ بن الحسين إنّ الله استودعك علمه ووحيه(١) ، فأمر سودة الخادمة تتخذ لي العلف.

قال: فصفق محمّد بن الحنفية على وجهه، ثمّ قال: أدركني أدركني يا ابن أخي، ثمّ ضرب بيده على كتفه فقال: اهتد هداك الله ».

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ليوسفعليه‌السلام آية أخرى في كتابه بقوله:( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (٢) فلمّا ألقوه في غيابت الجبّ، وقّاه الله تعالى سوء صنيعهم، وحفظه من الردى، وجنبه الأذى، بحيث لم ينله ألم، ولم تزل به قدم، ولم يصبه نصب، ولم ينبه(٣) وصب(٤) وقد أكرم الله تعالى الباقرعليه‌السلام بما يوازي ذلك ويضاهيه:

__________________

١ - مدينة المعاجز: ٣٢٢ / ١٠٥ عنه.

(١) في ص، ع: ورحمته.

(٢) سورة يوسف / الآية: ١٥.

(٣) يَنبِهُ: أي يصبه، انظر: « الصحاح ١: ٢٢٩ ». وفي ع: يثنيه.

(٤) الوصب: أي المرض. « القاموس المحيط - وصب - ١: ١٤٢ ».

١٤٨

١٣٩ / ٢ - على ما رواه الموليني في تصنيفه في ( سير الأئمة ) بإسناده أنّ الباقرعليه‌السلام كان صبيّاً، فجاء إلى رأس بئر في داره، فوقع فيها، فأحسّت به أمّه، فصاحت، وأخبرت أباه زين العابدينعليه‌السلام وهو يصلّي، فلم يقطع الصلاة، ولم يخففها، ولم يضطرب في صلاته، فرجعت عنه إلى رأس البئر، وطفقت تبكي وتنظر في البئر، وتتردد ذاهبة إلى أبيه وجائية إلى البئر، إلى أن تمكّن منها الحزن، وغلب عليها الضعف، فقالت: ما أغلظ أكبادكم يا معشر بني هاشم، فلمّا سمع ذلك زين العابدينعليه‌السلام ، أتمّ صلاته، وجاء إلى رأس البئر، وأدخل يده فيها، وتناوله وأخرجه، وقال: « خذيه يا ضعيفة اليقين »، فلمّا نظرت إليه استبشرت، وضحكت سروراً به، ثمّ بكت من قولهعليه‌السلام : « يا ضعيفة اليقين ».

وفي ذلك آية أخرى لزين العابدينعليه‌السلام ، إذ أخرجه من البئر العميقة من غير حبل ورشاء.

__________________

٢ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٣٥، العدد القوية: ٦٣ / ٨٢، باختلاف يسير

١٤٩

٦ - فصل:

في ذكر آيات أيوب

إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ابتلى أيوبعليه‌السلام بما ابتلاه في نفسه وأهله وماله وولده، فصبر عليه، وسلّم لأمر ربّه تعالى، وأثابه على ذلك، وعوّضه من جميع ذلك، وردّ عليه أهله وماله ومثلهم معهم، فلمّا استكمل أيّام محنته، صابراً على بليته( نادى رَبَّهُ ) وقال:( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) (١) فقال تعالى:( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ) (٢) وركض برجله الأرض، وظهرت له منها عين ماء فاغتسل منها، وشرب وذهب عنه ما كان يجده من الوجع، ورجع إليه شبابه، واتاه أهله، ومثلهم معهم، رحمة من ربّه عزّ وجلّ.

وإنّ أئمتناعليهم‌السلام قد صبروا على أذيّة كلّ جبّار عنيد، وشيطان مريد، وعلى كلّ محنة قد طار شررها، وشديدة قد استطار ضررها، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، وجعل الله لهم ما هو أزيد من ذلك وأوكد رحمة منه.

وإنّ الحسينعليه‌السلام لمّا قتل في سبيل الله وصبر عليه، ولم

__________________

(١) سورة ص / الآية: ٤١.

(٢) سورة ص / الآية: ٤٢.

١٥٠

يبق منه غير زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فبارك الله عليه، وأخرج(١) من صلبه الأئمة الهداة، وجعلهم حججاً على بريّته وقادة الحق إلى جنّته، وجعلهم نجوماً زاهرة يهتدى بهم في ظلمات الشبهات، إلى محجة الدين، وجادة اليقين، كلّما غاب منهم نجم طلع آخر مكانه وزيّن به زمانه، لا ينقطع ضياؤه ولا يخمد بهاؤه، ما بقي من الدنيا أثر، ثمّ قد طبّق الأرض من ولده بكلّ سيّد شريف، وحلاحل(٢) غطريف،(٣) ، قد بلغ السماء قدراً، وحاز من مجلس الشرف صدراً.

وأمّا رجوع الشباب إليه فقد أعطي زين العابدينعليه‌السلام ما هو أفضل من ذلك، وهو ما أوردناه في هذا الكتاب، من نظره إلى حبابة الوالبية بعد ما كبرت وشاخت، فرجع إليها الشباب في الحال، وعاشت مدة مديدة.

وأمّا ما نبع من العين وفار منها من الماء، ورجوع صحته إليه. فقد أوردنا في هذا الكتاب ما يزيد على ذلك من آياتهمعليهم‌السلام ، من خروج الماء من الحجر، ومن إشارتهم إلى المريض حتّى ذهب عنه المرض ورجع إليه الصحّة، على ما سنفصّل ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في ع: وجعل.

(٢) الحلاحل: السيد الشجاع أو الضخم الكثير المروءة. « القاموس المحيط ٣: ٣٧١ ».

(٣) الغطريف: السيّد السخي. « مجمع البحرين - غطرف - ٥: ١٠٦ ».

١٥١

٧ - فصل:

في بيان آيات كليم الله موسى

وفيه: ثلاثة عشر حديثاً

أوّل آية قد أظهرها الله لموسىعليه‌السلام ، أنّه خلق في بطن أمّه بحيث لم يعرف أحد بأنّها حامل، وستر عن جميع الخلق، حفظاً لهعليه‌السلام ، لأنّ فرعون كان يطلبه، ويشق في طلبه بطون الحبالى، لمّا قيل له أنّ زوال ملكه يكون على يد مولود يكون من شأنه كذا وكذا، فصنع الله تعالى لهعليه‌السلام بذلك ما خفي على الناس أمره.

وقد فعل الله تبارك وتعالى ما يضاهي ذلك لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، حين طلب بنو العبّاس أثره، وراقبوا أمر أبيه، لمّا سمعوا أن زوال ملكهم يكون على يد ولد الحسين بن عليّعليه‌السلام ، فأخفى الله تعالى أمره، حتّى لم يعرف أهله بأن أمّه حامل، حتّى أن حكيمةعليها‌السلام قالت حين قال لها أبو محمّدعليه‌السلام : « الليلة يولد حجّة الله من نرجس » قالت: وما نرى بها أثر حبل؟! فقال: « سيظهر لك وقت الصبح ».

ثمّ لمّا وضع صنع الله تعالى له ما يبهت العقول، حتّى خفي على الناس أمره.

وأمّا موسىعليه‌السلام فقد أعطاه الله تبارك وتعالى آيات كثيرة

١٥٢

من اليد البيضاء من غير سوء، وانقلاب العصا حيّة، وفلق البحر، ونتق الجبل فوق أمّته، وإنزال المنّ والسلوى عليه وعلى أمّته في التيه، وانفجار الحجر بالماء، وابتلاع الأرض لقارون بأمره، وإظلال الغمام على رأسه ورأس أمّته.

وقد أعطى الله سبحانه وتعالى أئمتناعليهم‌السلام ما يقارب جميع ذلك ويماثله ويدانيه ويشاكله.

فأما موسىعليه‌السلام فإنّه أخرج يده بيضاء من غير سوء، كما قال الله تعالى في غير موضع في كتابه منها:( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) (١) .

وقال:( أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) (٢) .

وقد أعطى الله تعالى الرضاعليه‌السلام ما يزيد على ذلك.

١٤٠ / ١ - وهو ما روى الحسن بن منصور(٣) ، عن أخيه، قال: دخلت على الرضاعليه‌السلام في بيت داخل جوف بيت، فرفع يديه(٤) وكان ليلا فكأنّ يده بها ضياء عشرة مصابيح، فاستأذن عليه رجل، فخلى يده ثمّ أذن له.

وأمّا انقلاب العصا حيّة، فقد أعطى الله تبارك وتعالى أئمتناعليهم‌السلام ما هو أجلّ من ذلك وأفضل، وهو ما قد أوردناه في هذا

__________________

(١) سورة طه / الآية: ٢٢.

(٢) سورة النمل / الآية: ١٢.

١ - الكافي ١: ٤٠٧، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٣٤٨.

(٣) في ك، م، والمناقب: الحسين بن منصور، وفي: ش، ع: الحسين بن منقرة، وما أثبتناه من الكافي، وهو الصواب، راجع « معجم رجال الحديث ٥: ١٤٠ » ويؤيده ما في صفحة: ٢٢٠ من نسخة ش حيث ورد السند: الحسن بن منصور عن أخيه ...

(٤) في ع: يده.

١٥٣

الكتاب، في باب معجزة موسىعليه‌السلام من قلب الصورة على الستر أسداً، حتّى ابتلع الساحر بقوة الله تعالى، بين يدي هارون.

ومن قلب الصورتين أسدين على المسند حتّى ابتلعا حميد بن مهران حاجب المأمون بين يديه، بأمر الرضاعليه‌السلام (١) .

ومن قلب الصورة على المسورة أسداً بإذن الله تعالى، وذلك بأمر أبي الحسن الثالثعليه‌السلام بين يدي المتوكل، حتّى ابتلع المشعبذ الهندي، وقد ذكرنا جميع ذلك في الكتاب(٢) .

١٤١ / ٢ - وروى أبو الصامت، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أعطني شيئاً أزداد به يقيناً، وأنفي الشك من قلبي، قال لي: « هات ما معك » وكان في كمي مفتاح، فناولته، فإذا المفتاح أسد، ففزعت منه، ثمّ قال: « أنح وجهك عني » ففعلت، فعاد مفتاحاً.

١٤٢ / ٣ - وروى سلمانرضي‌الله‌عنه قال: كان بين رجل من شيعة عليّ وبين رجل آخر من شيعة غيره خلاف، فاختصما إلى ذلك الغير، فمال مع شيعته على شيعة عليّ، فشكا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام صاحبه، فذهبعليه‌السلام وقال: « ألم أنهك(٣) أن يكون بينك وبين شيعتي عمل ».

قال سلمان: قال لي ذلك الغير: يا سلمان، فلمّا سمعت ذلك منه خفت من هيبته وشجاعته، وفي يده قوس عربية فما شبّهته إلاّ بموسى ابن عمرانعليه‌السلام ، وقوسه بعصاه، وفتح فاه ليبتلعني، حتّى قلت له: يا عليّ بحقّ أخيك رسول الله (ص) إلاّ عفوت عني، فرده.

__________________

(١) سوف تأتي تخريجات الرواية في معاجز الإمام الرضا عليه‌السلام .

(٢) سوف تأتي تخريجات الرواية في معاجز الإمام الهادي عليه‌السلام .

٢ - الخرائج والجرائح ١: ٣٠٦، مدينة المعاجز: ٤١٦ / ٢٣٧

٣ - مدينة المعاجز: ٧٩ / ١٩٨.

(٣) في ر: أمنعك

١٥٤

وأمّا انفلاق البحر لموسىعليه‌السلام فكما قال الله سبحانه وتعالى:( أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (١) وقد خرج موسىعليه‌السلام من مصر فاتّبعه فرعون بجنوده، فلمّا قارب البحر قال أصحاب موسى:( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ) (٢) فأمره تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فظهر اثنا عشر طريقاً في البحر، فسلك كلّ سبط من بني إسرائيل طريقاً.

وقد أظهر الله سبحانه وتعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام ما يداني ذلك.

١٤٣ / ٤ - وهو: ما حدّث به أبو بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « مدّ الفرات عندكم على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأقبل إليه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نخاف الغرق، لأنّ الفرات قد جاء بشيء من الماء لم نر مثله قط، وقد امتلأت جنبتاه(٣) فالله الله.

فركب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والناس حوله يميناً وشمالاً، حتّى انتهى إلى الفرات وهو يزجر(٤) بأمواجه، فوقف الناس ينظرون فتكلّم بكلام خفي عبراني ليس بعربي، ثمّ إنّه قرع الفرات قرعة واحدة، فنقص الفرات ذراعاً، وأقبل الناس - وفي رواية أخرى فقال

__________________

(١) سورة الشعراء / الآية: ٦٣.

(٢) سورة الشعراء / الآيتان: ٦١ - ٦٢.

٤ - خصائص أمير المؤمنين: ٢٦، اليقين: ١٥٤، اثبات الهداة ٢: ٤١٥.

(٣) في ك: اخبيتنا، وفي م: جنباه.

(٤) في م: يزجي، ومعناه يسوق أو يدفع: « مجمع البحرين - زجا - ١: ٢٠٢ ». والزجر: لعلّه كناية عن شدة دفع الفرات أمواجه، ولعل الكلمة ( يزخر ) لأنّ معناه: مدّ وكَثُرَ ماؤه وارتفعت أمواجه. « مجمع البحرين - زخر - ٣: ٣١٦ ».

١٥٥

لهم -: « هل يكفيكم ذلك؟ ». فقالوا: زدنا يا أمير المؤمنين. فقرع قرعة أخرى، فنقص ذراعاً آخر، فقالوا: يكفينا، فقالعليه‌السلام : لو أردت لقرعته حتّى لا يبقى فيه شيء من الماء ».

وأمّا نتق الجبل، فإنّ قوم موسىعليه‌السلام لمّا استثقلوا أحكام التوراة ولم يعملوا بها، قلع الله سبحانه وتعالى جبلاً من أصله، فرفعه في الهواء فوق رؤوسهم، وقال لهم موسىعليه‌السلام : لئن لم تؤمنوا بالتوراة، وتعملوا بها، لسقط عليكم. كما قال الله تعالى:( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

وقد أعطى الله تعالى لبعض أئمتناعليهم‌السلام ما يقارب ذلك ويدانيه.

١٤٤ / ٥ - وهو ما حدّث به عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: كنت مع أبي عبد اللهعليه‌السلام بين مكّة والمدينة، وهو على بغلة، وأنا على حمار، وليس معنا أحد، فقلت: يا سيّدي، ما يجب من عظّم حقّ الإمام؟ فقال: « يا عبد الرحمن، لو قال لهذا الجبل سر لسار » فنظرت والله إلى الجبل يسير، فنظر والله إليه فقال: « والله، إنّي لم أعنك » فوقف.

وأمّا إنزال المنّ والسلوى عليه وعلى أمّته في التيه، وهو أنّه لمّا بقي هو وأمّته في التيه أربعين سنة، واحتاجوا إلى القوت، أنزل الله تعالى كلّ غدوة عليهم المن والسلوى، كما قال الله تعالى:( وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) سورة الأعراف / الآية: ١٧١.

٥ - الخرائج والجرائح ٦٢١.

(٢) سورة الأعراف / الآية: ١٦٠.

١٥٦

فقد أعطى الله تبارك وتعالى الأئمةعليهم‌السلام ما يزيد عليه، ولم ينقص عنه، ممّا يشاكله ويدانيه.

١٤٥ / ٦ - وهو ما حدّث به الثقات، أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لمّا امتد مقامه بصفّين، شكوا إليه نفاد الزاد والعلف، بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئاً يؤكل، فقالعليه‌السلام لهم: « غداً يصل إليكم ما يكفيكم » فلما أصبحوا تقاضوه(١) صعدعليه‌السلام على تل كان هناك ودعا بدعاء وسأل الله تعالى أن يطعمهم ويعلف دوابهم، ثمّ نزل فرجع إلى مكانه، فما استقر قراره، إلاّ وقد أقبلت العير بعد العير، وعليها اللحمان والتمور والدقيق، حتّى(٢) امتلأت به البراري، وفرّغ أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة، وما كان معهم من علف الدواب، وغيرها من الثياب، وجلال الدواب، وجميع ما يحتاجون إليه، ثمّ انصرفوا، ولم يدر من أي البقاع وردوا، أو من الإنس كانوا أم من الجنّ، وتعجب الناس من ذلك.

١٤٦ / ٧ - وروى بعض أصحابنا، وقال: حملت مالاً لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، فاستكثرته في نفسي، فلمّا أدخلته عليه، دعا الغلام، فإذا طشت في آخر الدار، فأمر أن يأتيه به، ثمّ تكلم بكلام أومى بها إلى الطشت، فانحدرت الدنانير من الطشت حتّى ( حالت بيني )(٣) وبين الغلام، قال: فالتفت إليّ وقال: « أترانا نحتاج إلى ما في أيديكم؟! إنما آخذ منكم ما آخذ، لأطهّركم ».

__________________

٦ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٤٣ / ٤، اثبات الهداة ٢: ٤٥٨ / ١٩٧.

(١) تقاضوه: طلبوه، يقال: تقاضاه الدين: طلبه منه. « مجمع البحرين - قضا - ١: ٣٤٤ ».

(٢) في ع: بحيث.

٧ - الخرائج والجرائح ٢: ٦١٤ / ١٢، اثبات الهداة ٣: ١١٧ / ١٤١، مدينة المعاجز: ٤٠٥ / ١٧٧.

(٣) في جميع النسخ: حال بينه، وما أثبتناه من الخرائج.

١٥٧

وأمّا انفجار الماء من الحجر، فهو أن موسىعليه‌السلام كان معه حجر يحمله معه حيث يذهب، فلمّا احتاج هو وقومه إلى الماء، ضرب الحجر بعصاه؛( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ) (١) .

وقد أخرج الله تعالى الماء للصادقعليه‌السلام من خشبة رحله:

١٤٧ / ٨ - وهو ما حدّث به الشيخ أبو جعفر محمّد بن معروف الهلالي الخرّاز، وقد أتى له مائة وثمان وعشرون سنة قال: أتيت(٢) إلى أبي عبد الله جعفرعليه‌السلام إلى الحيرة فأقمت بها ثلاثة أيّام، فما قدرت عليه من كثرة الناس، فلمّا كان اليوم الرابع مضى إلى قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فمضيت معه، فلمّا صار(٣) إلى بطن الطريق، غلبه البول، فاعتزل عن الجادّة فبال، ثمّ نبش الرحل فخرج له الماء، فتطهّر للصلاة فقام وصلّى ركعتين، ودعا ربّه فقال في دعائه:

« اللّهم لا تجعلني ممّن تقدم فمرق، ولا ممّن تأخر فرهق، واجعلني من النمط الأوسط ».

وقال لي: « يا غلام، لا تتحدث بما رأيت ».

وقد أوردت له في معجزاته.

__________________

(١) سورة البقرة / الآية: ٦٠.

٨ - دلائل الإمامة: ١١٥، مناقب ابن شهرآشوب: ٤: ٢٣٨، وفيه: عن محمد بن ميمون الهلالي، وما في المتن والدلائل هو الصواب، راجع « معجم رجال الحديث ١٧: ٢٦٧ / ١١٨١٠ و ١١: ٣٤٣ / ٨٠١٢، ورجال الشيخ: ٤٨١ / ٢٩ فيمن لم يرو عنهمعليهم‌السلام في ترجمة علي بن الحسن القشيري ».

(٢) في ر: مضيت.

(٣) في ع: صرنا.

١٥٨

١٤٨ / ٩ - ما رواه داود الرّقيّ من إظهار الماء في السبخة في طريق الحجّ عينا فوّارة، وما رواه يحيى بن هرثمة.

وقد ذكرناه في آيات أبي جعفر الثانيعليه‌السلام من ظهور عين الماء له حين خرج من المدينة معه إلى المتوكل، وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى.

وأمّا ابتلاع الأرض لقارون، وهو أنّ قارون قال لامرأة كانت بغياً ذات جمال وهيئة: أعطيك مائة ألف درهم إن جئت غداً إلى موسىعليه‌السلام وهو جالس في بني إسرائيل يتلو عليهم التوراة، وقلت: يا معشر بني إسرائيل، إنّ موسى دعاني إلى نفسه فأنعمت له.

ثم قالت في نفسها: قد فعلت ما فعلت فأذهب إلى بني إسرائيل وأرميه بالفاحشة؟! لا والله لا أفعل.

فلمّا كان في الغد جلس موسىعليه‌السلام في بني إسرائيل، وجاءه قارون في زينته، وعليه ثياب حمر، وجاءت المرأة، فقامت على رؤوسهم ثم قالت لموسىعليه‌السلام : إنّ قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقوم على بني إسرائيل اليوم، وأقول لهم: إنّ موسى دعاني إلى نفسه، بحضرتك ومعاذ الله أن يكون ذلك، لقد أكرمك الله تعالى. فغضب موسىعليه‌السلام فقال للأرض: خذيه. فأخذته إلى ساقه، فقال: يا موسى، الله الله، ارحمني.

فقالعليه‌السلام : خذيه. فأخذته إلى حقويه، فقال: يا موسى، الله الله، ارحمني،

فقالعليه‌السلام : خذيه. فابتلعته الأرض حتّى غاب(١) .

وقد ظهر على يد ولي الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ما يوازي ذلك شرفاً.

__________________

٩ - مدينة المعاجز: ٤١٧.

(١) روى ابن كثير في قصص الأنبياء ٢: ١٦٥ مثله.

١٥٩

١٤٩ / ١٠ - وهو ما حدّث به صالح بن الأشعث البزّاز الكوفيّ، قال: كنت بين يدي المفضّل إذ وردت عليه رقعة من مولانا الصادقعليه‌السلام ، فنظر فيها، فنهض قائماً واتكأ عليَّ، ثمّ تسايرنا(١) إلى باب حجرة الصادقعليه‌السلام ، فخرج إليه عبد الله بن وشاح، فقال: أسرع يا مفضّل في خطواتك، أنت وصاحبك هذا.

فدخلنا فإذا بالمولى الصادقعليه‌السلام قد قعد على كرسي، وبين يديه امرأة، فقال: يا مفضّل، خذ هذه الامرأة وأخرجها إلى البرية في ظاهر البلد فانظر ما يكون من أمرها وعد إليّ سريعا.

فقال المفضل: فامتثلت ما أمرني به مولايعليه‌السلام وسرت بها إلى برية البلد، فلمّا توسطتها سمعت مناديا ينادي: احذر يا مفضل. فتنحيت عن المرأة، فطلعت غمامة سوداء ثمّ أمطرت عليها حجارة حتّى لم يكن(٢) للمرأة حساً ولا أثراً فهالني ما رأيته! ورجعت مسرعا إلى مولايعليه‌السلام ، وهممت أن أحدثه بما رأيت، فسبق إلي الحديث، فقالعليه‌السلام : « يا مفضل، أتعرف المرأة؟ » فقلت: لا يا مولاي. فقال: « هذه امرأة الفضال بن عامر، وقد كنت سيّرته إلى فارس ليفقّه أصحابي بها، فلمّا كان عند خروجه من منزله قال لامرأته: هذا مولاي جعفر شاهد عليك، لا تخونيني في نفسك. فقالت: نعم، إن خنتك في نفسي أمطر الله عليّ من السماء عذاباً واقعاً. فخانته في نفسها من ليلتها، فأمطر الله عليها ما طلبت، يا مفضل، إذا هتكت امرأة سترها، وكانت عارفة بالله، هتكت حجاب الله، وقصمت ظهرها، والعقوبة إلى العارفين والعارفات أسرع ».

وأمّا تظليل الغمام عليهم فهو أنّ موسىعليه‌السلام لمّا مكث

__________________

١٠ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٣٩.

(١) في ع: تياسرنا.

(٢) في ص، ع: أر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

على ما صنعت؟ فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عزّوجلّ، وقلت لنفسي: يا نفس ذوقي، فما عند الله أعظم مما صنعت بك؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لقد خفت ربك حق مخافته، وإن ربك ليباهي بك أهل السماء. ثم قال لاصحابه: يا معشر من حضر، ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم. فدنوا منه فدعا لهم، وقال: اللهم اجمع أمرنا على الهدى، واجعل التقوى زادنا، والجنة مآبنا(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٧٠: ٣٧٨/٢٣.

٤٢١

[ ٥٥ ]

المجلس الخامس والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الرابع من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٦٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان وعليّ بن أحمد بن موسى الدقاق ومحمّد بن أحمد السناني (رضي الله عنهم)، قالوا: حدّثنا أبوالعباس أحمد ابن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا محمّد بن العباس، قال: حدثني محمّد بن أبي السري، قال: حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس، خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لابسا بردة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منتعلا نعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، متقلدا سيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فصعد المنبر، فجلس عليه متمكنا، ثم شبك بين أصابعه، فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، هذا ما زقني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الاولين والآخرين، أما والله لوثنيت لي وسادة، فجلست عليها، لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد

٤٢٢

أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله عزّوجلّ لاخبرتكم بما كان وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية:( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) .

ثم قال: عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن أية آية، في ليل أنزلت، أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، إلا أخبرتكم.

فقال إليه رجل يقال له ذعلب، وكان ذرب اللسان، بليغا في الخطب، شجاع القلب، فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لاخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه.

فقال: يا أميرالمؤمنين، هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره.

قال: فكيف رأيته؟ صفه لنا. قال: ويلك! لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالعبد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام - قيام انتصاب - ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة(٢) ، قائل لا بلفظ، هو في الاشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال له أمام، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج. فخر ذعلب

______________

(١) الرعد ١٣: ٣٩.

(٢) المجسة: ما يجس به.

٤٢٣

مغشيا عليه، ثم قال: تا لله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.

ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه الاشعث بن قيس، فقال: يا أميرالمؤمنين، كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال: بلى يا أشعث، قد أنزل الله عليهم كتابا، وبعث إليهم نبيا، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك، دنست علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد. فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم. فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله عزّوجلّ لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك. قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته، وبناته من بينه؟ قالوا: صدقت، هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة، يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم.

فقال الاشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.

ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصى المسجد، متوكئا على عكازة، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أميرالمؤمنين، دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار. فقال له: اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عزّوجلّ، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها، أي إلى الكفر بعد الايمان. أيها السائل، فلا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى.

أيها الناس، إنما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من

٤٢٤

حل أصابها أم من حرام.

قال: يا أميرالمؤمنين، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حبيبا قريبا. قال: صدقت والله يا أميرالمؤمنين، ثم غاب الرجل فلم نره، وطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال: ما لكم، هذا أخي الخضر عليه السلام.

ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن، قم فاصعد المنبر، فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسن لا يحسن شيئا.

قال الحسن عليه السلام: يا أبه، كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى؟ قال: بأبي وأمي أواري نفسي عنك، وأسمع وأرى ولا تراني.

فصعد الحسن عليه السلام المنبر، فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي وآله صلاة موجزة، ثم قال: أيها الناس، سمعت جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها، ثم نزل، فوثب إليه علي عليه السلام فتحمله، وضمه إلى صدره.

ثم قال للحسين عليه السلام: يا بني، قم فاصعد فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسين بن عليّ لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول: إن عليا مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك. فوثب علي عليه السلام فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس، اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووديعته التي استودعنيها، وأنا استودعكموها. معاشر الناس، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سائلكم عنهما(١) .

______________

(١) التوحيد: ٣٠٤/١، الاختصاص: ٢٣٥، بحار الانوار ١٠: ١١٧/١.

٤٢٥

٥٦١/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن مثنى بن الوليد الحناط، عن أبي بصير، قال: قال لي أبوعبدالله الصادق عليه السلام: أما تحزن، أما تهتم، أما تألم؟ قلت: بلى والله. قال: فإذا كان ذلك منها فاذكر الموت، ووحدتك في قبرك، وسيلان عينيك على خديك، وتقطع أوصالك، وأكل الدود من لحمك، وبلاك، وانقطاعك عن الدنيا، فإن ذلك يحثك على العمل، ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا(١) .

٥٦٢/٣ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله، قال: حدثني أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إن أبا ذر رحمه الله، مر برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعنده جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبي، وقد استخلاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلما رآهما انصرف عنهما، ولم يقطع كلامهما. فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد، هذا أبوذر قد مر بنا، ولم يسلم علينا، أما لو سلم علينا لرددنا عليه. يا محمّد، إن له دعاء يدعو به معروفا عند أهل السماء، فسله عنه إذا عرجت إلى السماء. فلما ارتفع جبرئيل عليه السلام جاء أبوذر إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما منعك - يا أبا ذر - أن تكون قد سلمت علينا حين مررت بنا؟ فقال: ظننت - يا رسول الله - أن الذي كان معك دحية الكلبي، قد استخليته لبعض شأنك. فقال: ذاك كان جبرئيل عليه السلام يا أبا ذر، وقد قال: أما لو سلم علينا لرددنا عليه. فلما علم أبوذر أنه كان جبرئيل عليه السلام دخله من الندامة ما شاء الله حيث لم يسلم.

فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما هذا الدعاء الذي تدعو به؟ فقد أخبرني أن لك دعاء معروفا في السماء. قال: نعم يا رسول الله، أقول: اللهم إني أسألك الايمان بك، والتصديق بنبيك، والعافية من جيمع البلاء، والشكر على العافية، والغنى عن

______________

(١) بحار الانوار ٧٦: ٣٢٢/٥.

٤٢٦

شرار الناس(١) .

٥٦٣/٤ - حدّثنا سليمان بن أحمد اللخمي، قال: حدّثنا الحضرمي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: حدّثنا ثابت بن حماد، عن موسى بن صهيب، عن عبادة ابن نسي، عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين أصحابه وترك عليا عليه السلام، فقال له: آخيت بين أصحابك وتركتني؟ فقال: والذي نفسي بيده، ما أخرتك إلا لنفسي، أنت أخي ووصيي ووارثي. قال: ما أرث منك، يا رسول الله؟ قال: ما أورث النبيون قبلي، أورثوا كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت وابناك معي في قصري في الجنة(٢) .

٥٦٤/٥ - حدّثنا عبدالله بن محمّد الصائغ رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوحاتم محمّد بن عيسى بن محمّد الوسقندي، قال: أخبرنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن ديزيل، قال: حدّثنا الحكم بن سليمان الجبلي أبومحمّد، قال: حدّثنا عليّ بن هاشم، عن مطير بن ميمون، أنه سمع أنس بن مالك يقول: حدثني سلمان الفارسي رحمه الله، أنه سمع نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: إن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام(٣) .

٥٦٥/٦ - حدّثنا أبوعبدالله الحسين بن أحمد العلوي من ولد محمّد بن عليّ ابن أبي طالب، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن أحمد بن موسى، قال: حدّثنا أحمد بن علي، قال: حدثني أبوعلي الحسن بن إبراهيم بن عليّ العباسي، قال: حدثني أبوسعيد عمير بن مرداس الدولقي(٤) ، قال: حدثني جعفر بن بشير المكي، قال: حدّثنا وكيع، عن المسعودي رفعه، عن سلمان الفارسي رحمه الله، قال: مر إبليس بنفر يتناولون أميرالمؤمنين عليه السلام، فوقف أمامهم، فقال القوم: من الذي وقف أمامنا؟

______________

(١) الكافي ٢: ٤٢٧/٢٥، بحار الانوار ٢٢: ٤٠٠/٩.

(٢) بحار الانوار ٣٨: ٣٣٤/٦.

(٣) بحار الانوار ٤٠: ٦/١٢.

(٤) في الانساب ٢: ٥٠٩، ومعجم البلدان ٢: ٤٨٩: الدونقي.

٤٢٧

فقال: أنا أبومرة. فقالوا: يا أبا مرة أما تسمع كلامنا؟ فقال: سوءة لكم، تسبون مولاكم عليّ بن أبي طالب! فقالوا له: من أين علمت أنه مولانا؟ فقال: من قول نبيكم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقالوا له: فأنت من مواليه وشيعته؟ فقال: ما أنا من مواليه ولا من شيعته، ولكني أحبه، وما يبغضه أحد إلا شاركته في المال والولد.

فقالوا له: يا أبا مرة، فتقول في علي شيئا؟ فقال لهم: اسمعوا مني معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين، عبدت الله عزّوجلّ في الجان اثني عشر ألف سنة، فلما أهلك الله الجان شكوت إلى الله عزّوجلّ الوحدة، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فعبدت الله عزّوجلّ في السماء الدنيا اثني عشر ألف سنة أخرى في جملة الملائكة، فبينا نحن كذلك نسبح الله عزّوجلّ ونقدسه إذ مر بنا نور شعشعاني، فخرت الملائكة لذلك النور سجدا، فقالوا: سبوح قدوس، نور ملك مقرب أو نبي مرسل، فإذا النداء، من قبل الله عزّوجلّ: لا نور ملك مقرب ولا نبي مرسل، هذا نور طينة عليّ بن أبي طالب(١) .

٥٦٦/٧ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن إبراهيم بن الحكم، عن عمرو بن جبير، عن أبيه، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليا عليه السلام إلى اليمن، فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن، فنفح(٢) رجلا برجله فقتله، وأخذه أولياء المقتول، فرفعوه إلى علي عليه السلام، فأقام صاحب الفرس البينة أن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله، فأبطل علي عليه السلام دم الرجل، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يشكون عليا عليه السلام فيما حكم عليهم، فقالوا: إن عليا ظلمنا، وأبطل دم صاحبنا. فقال رسول

______________

(١) علل الشرائع: ١٤٣/٩، بحار الانوار ٣٩: ١٦٢/١.

(٢) نفحت الدابة الشئ: ضربته بحد حافرها.

٤٢٨

الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن عليا ليس بظلام، ولم يخلق علي للظلم، وإن الولاية من بعدي لعلي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن. فلما سمع اليمانيون قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في علي عليه السلام قالوا: يا رسول الله، رضينا بقول علي وحكمه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هو توبتكم مما قلتم(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠١/٢٢.

٤٢٩

[ ٥٦ ]

المجلس السادس والخمسون

مجلس يوم الثلاثاء

الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٦٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن سنان، عن الفضيل بن يسار، قال: انتهيت إلى زيد بن عليّ عليه السلام صبيحة يوم خرج بالكوفة فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمّدا بالحق بشيرا، لا يعينني منكم على قتالهم أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله.

قال: فلما قتل اكتريت راحلة، وتوجهت نحو المدينة، فدخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زيد بن عليّ فيجزع عليه، فلما دخلت عليه قال لي: يا فضيل، ما فعل عمي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة، فقال لي: قتلوه؟ قلت: إي والله، قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي والله صلبوه. قال: فأقبل يبكي ودموعه تنحدر على ديباجتي خده كأنها الجمان.

ثم قال: يا فضيل، شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم

٤٣٠

قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال: فلعلك شاك في دمائهم؟ قال: فقلت: لو كنت شاكا ما قتلتهم. قال: فسمعته وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضى والله زيد عمي وأصحابه شهداء، مثلما مضى عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه(١) .

٥٦٨/٢ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأصلحه، وأدى حقه يوم حصاده.

قيل: يا رسول الله، فأي المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه، قد تبع بها مواضع القطر، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة.

قيل: يا رسول الله، فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير.

قيل: يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل، والمطعمات في المحل، نعم الشئ النخل، من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف، إلا أن يخلف مكانها.

قيل: يا رسول الله، فأي المال بعد النخل خير، فسكت. فقال له رجل: فأين الابل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة، ولا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم(٢) ، أما إنها لا تعدم الاشقياء الفجرة(٣) .

٥٦٩/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور، عن الصادق جعفر بن

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥٢/٧، بحار الانوار ٤٦: ١٧١/٢٠.

(٢) زاد في نسخة: قيل: فيترك الناس الابل حينئذ، قال: كلا.

(٣) الخصال: ٢٤٥/١٠٥، معاني الاخبار: ١٩٦/٣، بحار الانوار ٦٤: ١٢١/٥.

٤٣١

محمّد عليهما السلام، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الناس في حجة الوداع بمنى في مسجد الخيف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل(١) عليهن قلب امرء مسلم: اخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون إخوة تتكافا دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، هم يد على من سواهم(٢) .

٥٧٠/٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه رحمه الله، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي، الاسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو والاداء هو العمل، إن المؤمن أخذ دينه عن ربه ولم يأخذه عن رأيه.

أيها الناس، دينكم دينكم، تمسكوا به، لا يزيلكم أحد عنه، لان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، لان السيئة فيه تغفر، والحسنة في غيره لا تقبل(٣) .

٥٧١/٥ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: دخل أبوشاكر الديصاني على أبي عبدالله الصادق عليه السلام، فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر، وأمهاتك عقيلات عباهر(٤) ، وعنصرك من أكرم

______________

(١) هو من الاغلال: الخيانة في كل شئ. ويروى (يغل) بفتح الياء، من الغل: وهو الحقد والشحناء، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق. وروي (يغل) بالتخفيف، من الوغول: الدخول في الشر. والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر « النهاية ٣: ٣٨١ ».

(٢) الخصال: ١٤٩/١٨٢، بحار الانوار ٢٧: ٦٧/٣.

(٣) معاني الاخبار: ١٨٥/١، بحار الانوار ٦٨: ٣٠٩/١.

(٤) في نسخة: أباهر، والعباهر: العظيم من كل شئ، والعبهرة من النساء: التي تجمع الحسن في الجسم والخلق.

٤٣٢

العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك تثني الخناصر، فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر، ما الدليل على حدث العالم؟

فقال الصادق عليه السلام: يستدل عليه بأقرب الاشياء، قال: وما هو؟ قال: فدعا الصادق عليه السلام ببيضة، فوضعها على راحته، ثم قال: هذا حصن ملموم، داخله غرقئ(١) رقيق، تطيف به فضة سائلة، وذهبة مائعة، ثم تنفلق عن مثل الطاوس، أدخلها شئ؟ قال: لا. قال: فهذا الدليل على حدث العالم. قال: أخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو لمسناه بأكفنا، أو شممناه بمناخرنا، أو ذقناه بأفواهنا، أو تصور في القلوب بيانا، واستنبطته الروايات إيقانا.

فقال الصادق عليه السلام: ذكرت الحواس الخمس، وهي لا تنفع شيئا بغير دليل، كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح(٢) .

٥٧٢/٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد ابن عبدالله، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنه دخل عليه رجل، فقال له: يابن رسول الله، ما الدليل على حدث العالم؟ قال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك، ولا كونك من هو مثلك(٣) .

٥٧٣/٧ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، قال: حدثني أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان الاحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم وهو في

______________

(١) الغرقئ: القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض

(٢) التوحيد: ٢٩٢/١، بحار الانوار ٣: ٣٩/١٣.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٣٤/٣٢، التوحيد: ٢٩٣/٣، الاحتجاج: ٣٩٦، بحار الانوار ٣: ٣٦/١١.

٤٣٣

مسجد قباء والانصار مجتمعون: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت وصيي، وخليفتي، وإمام امتي بعدي، وإلى الله من والاك، وعادى الله من عاداك، وأبغض الله من أبغضك، ونصر الله من نصرك، وخذل الله من خذلك.

يا علي، أنت زوج ابنتي، وأبو ولدي. يا علي، إنه لما عرج بي إلى السماء عهد إلي ربي فيك ثلاث كلمات، فقال: يا محمّد. قلت: لبيك ربي وسعديك، تبارك وتعاليت. فقال: إن عليا إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين(١) .

٥٧٤/٨ - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن على الباقر عليه السلام، قال: سمعت جابر بن عبدالله الانصاري يقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان ذات يوم في منزل أم إبراهيم، وعنده نفر من أصحابه، إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلما بصر به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يا معشر الناس، أقبل إليكم خير الناس بعدي، وهو مولاكم، طاعته مفروضة كطاعتي، ومعصيته محرمة كمعصيتي. معاشر الناس، أنا دار الحكمة، وعلي مفتاحها، ولن يوصل إلى الدار إلا بالمفتاح، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا(٢) .

٥٧٥/٩ - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ذات يوم لجابر بن عبدالله الانصاري: يا جابر، إنك ستبقى حتى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام.

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٢/٢٣.

(٢) بحار الانوار ٣٦: ١٠٢/٢٤.

٤٣٤

فدخل جابر إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام فوجد محمّد بن عليّ عليهما السلام عنده غلاما، فقال له، يا غلام، أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله ورب الكعبة، ثم أقبل على عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال له، من هذا؟ قال: هذا ابني، وصاحب الامر بعدي محمّد الباقر. فقام جابر فوقع على قدميه يقبلهما، ويقول: نفسي لنفسك الفداء يا بن رسول الله، اقبل سلام أبيك، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقرأ عليك السلام. قال: فدمعت عينا أبي جعفر عليه السلام، ثم قال: يا جابر، على أبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السلام ما دامت السماوات والارض، وعليك - يا جابر - بما بلغت السلام(١) .

٥٧٦/١٠ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد الاسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبدالله بن عباس، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما أسري به إلى السماء، انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور، وهو قول الله عزّوجلّ: [خلق الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ](٢) ، فلما انتهى به إلى ذلك النهر قال: له جبرئيل عليه السلام: يا محمّد، اعبر على بركة الله، فقد نور الله لك بصرك، ومد لك أمامك، فإن هذا نهر لم يعبره أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه، ثم أخرج منه، فأنفض أجنحتي، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا مقربا، له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان، كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر.

فعبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حتي انتهى إلى الحجب، والحجب خمسمائة حجاب، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: تقدم يا محمّد. فقال له: يا جبرئيل، ولم لا تكون معي؟ قال: ليس لي أن أجوز هذا المكان. فتقدم

______________

(١) بحار الانوار ٤٦: ٢٢٣/١.

(٢) كذا، وفي سورة الانعام ٦: ١: [وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ].

٤٣٥

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما شاء الله أن يتقدم، حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى: أنا المحمود، وأنت محمّد، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتلته(١) انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، وأنك رسولي، وأن عليا وزيرك.

فهبط رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكره أن يحدث الناس بشئ كراهية أن يتهموه، لانهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتى مضى لذلك ستة أيام، فأنزل الله تبارك وتعالى:( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ) (٢) ، فاحتمل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك حتى كان يوم الثامن، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تهديد بعد وعيد، لامضين أمر الله عزّوجلّ، فإن يتهموني ويكذبوني، فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة.

قال: وسلم جبرئيل على علي بإمرة المؤمنين، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، أسمع الكلام ولا أحس الرؤية. فقال: يا علي، هذا جبرئيل، أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني.

ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين، ثم قال: يا بلال، ناد في الناس أن لا يبقى غدا أحد إلا عليل إلا خرج إلى غدير خم، فلما كان من الغد خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بجماعة أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعا مخافة ان تتهموني وتكذبوني حتى أنزل الله علي وعيدا بعد وعيد،

______________

(١) في نسخة: بتكته، وكلاهما بمعنى قطعته.

(٢) هود ١١: ١٢.

(٣) المائدة ٥: ٦٧.

٤٣٦

فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله إياي، إن الله تبارك وتعالى أسرى بي وأسمعني وقال: يا محمّد، أنا المحمود، وأنت محمّد، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك بتلته(١) ، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، وأنك رسولي، وأن عليا وزيرك.

ثم أخذ صلّى الله عليه وآله وسلّم بيدي عليّ بن أبي طالب، فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، ولم ير قبل ذلك، ثم قال: أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى مولاي، وأنا مولى المؤمنين، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فقال الشكاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض وزيع: نبرأ إلى الله من مقالة ليس بحتم، ولا نرضى أن يكون علي وزيره، هذه منه عصبية.

فقال سلمان والمقداد وأبوذرّ وعمار بن ياسر: والله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٢) ، فكرر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك ثلاثا، ثم قال: إن كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب بإرسالي إليكم، بالولاية بعدي لعليّ بن أبي طالب(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) في نسخة: بتكته.

(٢) المائدة ٥: ٣.

(٣) بحار الانوار ٣٧: ١٠٩/٣.

٤٣٧

[ ٥٧ ]

المجلس السابع والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الحادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٧٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول: كان فيما ناجى الله عزّوجلّ به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له: يا بن عمران، كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه، ها أنا ذا - يا بن عمران - مطلع على أحبائي، إذا جنهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم، ومثلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور. يا بن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل، وادعني فإنك تجدني قريبا مجيبا(١) .

٥٧٨/٢ - وبهذا الاسناد قال: كان الصادق عليه السلام يدعو بهذا الدعاء: إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك، وكيف لا أدعوك وقد عرفت حبك في قلبي! وإن كنت

______________

(١) بحار الانوار ١٣: ٣٢٩/٧.

٤٣٨

عاصيا مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة، وعينا بالرجاء ممدودة، مولاي أنت عظيم العظماء، وأنا أسير الاسراء، أنا أسير بذنبي مرتهن بجرمي، إلهي لئن طالبتني بذنبي لاطالبنك بكرمك، ولئن طالبتني بجريرتي لاطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار لاخبرن أهلها أني كنت أقول: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، اللهم إن الطاعة تسرك، والمعصية لا تضرك، فهب لي ما يسرك، واغفر لي ما لا يضرك، يا أرحم الراحمين(١) .

٥٧٩/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد ابن نجيح الجواز، عن وهب بن عبد ربه، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: من قال يعلم الله لما لا يعلم الله، اهتز العرش إعظاما لله عزّوجلّ(٢) .

٥٨٠/٤ - حدّثنا محمّد بن القاسم الاسترآبادي رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ بن الناصر، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه الرضا، عن موسى بن جعفر عليهم السلام، قال: سئل الصادق عليه السلام عن الزاهر في الدنيا. قال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه، ويترك حرامها مخافة عذابه(٣) .

٥٨١/٥ - وبهذا الاسناد، قال: رأى الصادق عليه السلام رجلا قد اشتد جزعه على ولده، فقال: يا هذا، جزعت للمصيبة الصغرى، وغفلت عن المصيبة الكبرى، لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدا لما اشتد عليه جزعك، فمصابك بتركك الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك(٤) .

٥٨٢/٦ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى

______________

(١) بحار الانوار ٩٤: ٩٢/٥.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٠٧/٥.

(٣) معاني الاخبار: ٢٨٧/١، عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٢/١٩٩، بحار الانوار ٧٠: ٣١٠/٦.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥/١٠، وسائل الشيعة ٢: ٦٤٩/٦.

٤٣٩

الله عزّوجلّ يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة، ورجل قال الحق فيما عليه وله(١) .

٥٨٣/٧ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام: بم يعرف الناجي؟ فقال: من كان فعله لقوله موافقا فهو ناج، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع(٢) .

٥٨٤/٨ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، عن الصادق جعفر ابن محمّد عليهما السلام، أنه قال: عليكم بأتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الارض، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه، وكتب من زواره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء، وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة، فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة(٣) .

٥٨٥/٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا الحسن ابن محبوب، قال: حدّثنا معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم(٤) .

٥٨٦/١٠ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن محمّد بن

______________

(١) بحار الانوار ٦٩: ٣٧٠/١٠.

(٢) بحار الانوار ٢: ٢٦/١.

(٣) بحار الانوار ٨٣: ٣٨٤/٥٩.

(٤) بحار الانوار ٢: ٤١/٢.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697