الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب0%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب

مؤلف: ابن حمزة الطوسي
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 189787
تحميل: 7033

توضيحات:

الثاقب في المناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189787 / تحميل: 7033
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

فقلت: إنّها أرض سبخة لا ماء فيها! فقال: « اطع إمامك » فملت، وسرنا ما شاء الله، فإذا نحن بعين فوّارة، وماء بارد عذب، وأشجار خضر، فنزلنا وتطهّرنا وصلّينا وشربنا وأروينا رواحلنا وملأنا سقاءنا، وقمنا ومضينا.

فلمّا سرنا غير بعيد قال لي: « يا داود، هل تعرف الموضع الذي كنّا فيه؟ » قلت: نعم، يا ابن رسول الله.

قال: « فاذهب وجئني بسيفي فقد علّقته على الشجرة فوق العين ونسيته » فمضيت إليه فوجدت السيف معلقاً على الشجرة، وما رأيت أثراً من العين، ولا من الأشجار الخضر، وإنّما هي أرض سبخة لا عهد للماء فيها.

٣٥٥ / ٥ - عن داود بن ظبيان، قال: كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام أنا والمفضّل بن أبي المفضل ويونس بن ظبيان، فقال أحدهما لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أرني آية من الأرض. وقال الآخر: أرني آية من السماء. فقال: « يا أرض، انفرجي » فانفرجت مدّ البصر، فنظرت إلى خلق كثير في أسفل الأرض.

ثم قال: « يا سماء، انشقي » فانشقت.

قال: فلو شئت أن أجتذب السماء بيدي هاتين لفعلت، فقال: « استشفّ(١) وانظر » ثمّ تلا هذه الآية:( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (٢) .

٣٥٦ / ٦ - عن الحسن بن عطية، قال: كان أبو عبد الله عليه

__________________

٥ - عنه في مدينة المعاجز: ٤١٦ / ٢٣٥.

(١) استشف: تبين ما وراء الشيء، انظر « لسان العرب - شفف - ٩: ١٨٠ ».

(٢) سورة آل عمران الآية: ١٤٤.

٦ - الاختصاص: ٣٢٥.

٤٢١

السلام واقفاً على الصفا، فقال له عبّاد البصري: حديث يروى عنك. قال: « وما هو؟ » قال: قلت: « إنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية »(١) .

قال: قلت ذلك، إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال: أقبلي، أقبلت ».

قال: فنظرت إلى الجبال قد أقبلت، فقال لها: « على رسلك، إنّي لم أردك ».

٣٥٧ / ٧ - عن علي بن المبشر قال: لمّا قدم أبو عبد اللهعليه‌السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له: إذا دخل عليَّ فاضرب عنقه. فلمّا دخل أبو عبد اللهعليه‌السلام ونظر إلى أبي جعفر أسرّ شيئاً فيما بينه وبين نفسه، لم ندر ما هو، ثمّ أظهر: « يا من يكفي خلقه كلّه ولا يكفيه أحد، اكفني » فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه ولا مولاه يبصره، فقال أبو جعفر: يا جعفر بن محمّد، لقد عنَّيتك(٢) في هذا الحرّ، فانصرف. وخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام من عنده، فقال لمولاه: ما منعك أن تفعل ما أمرتك به؟! فقال: لا والله، ما أبصرته، ولقد جاء شيء فحال بيني وبينه. فقال له أبو جعفر: والله لئن حدّثت بهذا الحديث(٣) أحداً لأقتلك.

٣٥٨ / ٨ - عن أبي الصامت، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أعطني شيئاً أزداد به يقيناً، وأنفي به الشك عن قلبي. فقال

__________________

(١) في ش، ص: هذا البيت.

٧ - بصائر الدرجات: ٥١٤ / ١.

(٢) من العناء وهو النصب « لسان العرب - عنا - ١٥: ١٠٦ ».

(٣) في ر، ك، م: الأمر.

٨ - الخرائج والجرائح ١: ٣٠٦، باختلاف فيه، مدينة المعاجز: ٤١٦، عن كتابنا هذا.

٤٢٢

لي: « هات ما معك » وكان في كمي مفتاح، فناولته، فإذا المفتاح أسد، ففزعت منه، ثمّ قال: « نح وجهك عنّي » ففعلت، فعاد مفتاحا.

٣٥٩ / ٩ - عن داود الرقي، قال: دخل كثير النواء على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان كبيرا، فسلّم، فأجابه وخرج، فلمّا خرج قالعليه‌السلام : « أما والله، لئن كان أبو إسماعيل يقول ذلك لهو أعلم بذلك من غيره ».

وكان معنا رجل من أهل خراسان من بلخ يكنى بأبي عبد الله فتغيّر وجهه، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لعلك ورعت ممّا سمعت ». قال: قد كان ذلك.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ » فقال: جعلت فداك، وما كان بنهر بلخ؟! قال: « حيث دفع إليك فلان جاريته لتبيعها، فلمّا عبرت النهر افترعتها في أصل الشجرة ». فقال: لقد كان ذلك جعلت فداك، ولقد أتى لذلك أربعون سنة، ولقد تبت إلى الله من ذلك. قال رجل: لقد تاب الله عليك.

ثمّ إنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام أمر معتباً غلامه أن يسرج حماره فركب وخرجنا معه حتّى برزنا إلى الصحراء فاختال الحمار في مشيته - في حديث له طويل - فدنا منه أبو عبد الله فمضينا حتّى انتهينا إلى جب بعيد القعر، وليس فيه ماء فقال البلخي: اسقنا من هذا الجب، فإنّ هذا جب بعيد القعر، وليس فيه ماء. فدنا منه أبو عبد الله فقال: « أيّها الجب السامع المطيع لربه، اسقنا ممّا جعل الله فيك ».

قال: فو الله لقد رأينا الماء يغلي غلياناً حتّى ارتفع على وجه

__________________

٩ - الخرائج والجرائح ١: ٢٩٧، مدينة المعاجز: ٤٠٧ / ١٨٦، اثبات الهداة ٣: ١١٤، بلفظ آخر.

٤٢٣

الأرض، فشرب وشربنا.

فقال المفضّل وداود الرقي: جعلنا فداك، وما هذا، إنّما هذا يشبه فيكم كشبه موسى بن عمران. فقال: « رحمكم الله ».

ثمّ مضينا حتّى انتهينا إلى نخلة يابسة لا سعف لها، فقال البلخي: يا أبا عبد الله، أطعمنا من هذه النخلة. فدناعليه‌السلام من النخلة فقال: « أيّتها النخلة اللينة، السامعة لربّها، المطيعة، أطعمينا ممّا جعل الله فيك » قال المفضّل: فنثرت علينا رطبا كثيرا، وأكل وأكلنا معه.

وقال المفضّل وداود الرقي: جعلنا الله فداك، ما هذا إنما هو أشبه فيكم كشبه مريم. فقال لهم: « رحمكم الله ».

ثمّ مضى ومضينا معه حتّى انتهينا إلى ظبي، فوقف الظبي قريباً منه، تنغم وتحرك ذنبه، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أفعل إن شاء الله تعالى ».

قال: ثمّ أقبل وقال: « هل علمتم ما قال الظبي؟! » فقلنا: الله ورسوله وابن رسول الله (ص) أعلم.

قال: « إنّه أتاني فأخبرني أنّ بعض أهل المدينة نصب لأنثاه الشرك فأخذها، ولها خشفان لم ينهضا ولم يقويا للرعي، فسألني أن أسألهم أن يخلو عنها، وضمن أنّها إذا أرضعت خشفيها حتّى يقويا أن ترد عليهم، فاستحلفته، فقال: برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أوفّ، وأنا فاعل ذلك إن شاء الله ».

فقال المفضّل وداود الرقي: يشبه فيكم ذلك كشبه سليمان بن داود. فقال لهم: « رحمكم الله ».

وانصرف وانصرفنا معه، فلمّا انتهى إلى باب داره تلا هذه الآية:

٤٢٤

«( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١) نحن والله الناس الذين ذكرهم الله في هذا المكان، ونحن المحسودون ».

ثمّ أقبل علينا فقال: « رحمكم الله اكتموا علينا ولا تذيعوا إلاّ عند أهله، فإنّ المذيع علينا أشدّ مئونة من عدونا، انصرفوا رحمكم الله ».

٣٦٠ / ١٠ - عن سدير الصيرفي، قال: مرّ أبو عبد اللهعليه‌السلام على حمار له يريد المدينة، فمرّ بقطيع من الغنم، فتخلفت شاة من القطيع واتبعت حماره، فتعبت الشاة، فحبسعليه‌السلام الحمار عليها حتّى دنت منه الشاة، فأومى برأسه نحوها، فقالت له: يا ابن رسول الله، أنصفني من راعيي هذا. قال: « ويحك، ما بالك تريدين الإنصاف من راعيك؟! » قالت: يا ابن رسول الله، يفجر بي. فوقف عليها حتّى دنا منه الراعي، ثمّ قال له: « ويلك تفجر بها!! ».

قال: فالتفت الراعي إليه يقول: أمن الشياطين أنت، أو من الجن، أو من الملائكة، أو من النبيّين، أو من المرسلين؟ فقال: « ويلك(٢) ، ما أنا بشيطان، ولا جنّي، ولا ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، ولكني ابن رسول الله (ص) وإن تبت استغفرت لك، وإن أبيت دعوت الله عليك بالسخط واللعنة في ساعتك هذه ». فقال: يا ابن رسول الله، إنّي تائب عمّا كنت فيه، فاستغفر الله لي. فقال للشاة: « أيّتها الشاة، ارجعي إلى قطيعك ومرعاك، فإنّه قد ضمن أن لا يعود إلى ما كان فيه إن شاء الله » فمرّت الشاة وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، وأنّك حجّة الله على خلقه، ولعن الله من ظلمكم وجحد ولايتكم.

__________________

(١) سورة النساء الآية: ٥٤.

١٠ - وعنه في مدينة المعاجز: ٤١٦

(٢) في ر، ك: ويحك.

٤٢٥

٣٦١ / ١١ - عن أبي سلمة السرَّاج ( ويونس بن ظبيان وحسين بن ثوير(١) قالوا: كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال لنا: « عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها، ولو شاء أن أقول(٢) بإحدى رجليَّ: أخرجي ما فيك، لأخرجت ».

وقال بإحدى رجليه، فإذا نحن بالأرض قد انفرجت، فنظرنا إلى سبائك من ذهب كثيرة، بعضها على بعض، فقال لنا أبو عبد اللهعليه‌السلام : « خذوها بأيديكم وانظروا » [ قلنا ]: قد أعطيتم ما أعطيتم وشيعتكم وعامّتكم فقراء؟! ».

فقال: « سيجمع الله لهم الدنيا والآخرة، ويدخلهم جنّات النعيم، ويدخل عدونا الجحيم ».

٣٦٢ / ١٢ - عن داود الرقيّ، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، كم عدد الطهارة؟ فقال: « ما أوجب الله تعالى فواحدة، وأضاف إليها رسول الله (ص) واحدة، ومن توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له ».

فبينا أنا معه في ذلك المكان إذ جاء داود بن زربي فأخذ زاوية [ من البيت ] فسأله عمّا سألت في عدد الطهارة، فقال له: « ثلاثاً ثلاثاً، من نقّص عنهن فلا صلاة له » فارتعدت فرائصي، وكاد أن يدخلني الشيطان - أعوذ بالله منه - فأبصر أبو عبد اللهعليه‌السلام إليَّ وقد تغيّر لوني، فقال لي: « اسكن يا داود، هذا هو الكفر وضرب الأعناق ».

__________________

١١ - بصائر الدرجات: ٣٩٤، الكافي ١: ٤٧٤، الاختصاص: ٢٦٩، دلائل الامامة: ١٤٥، عيون المعجزات: ٨٦.

(١) في الأصل: زيد بن ظبيان وحسين بن زيد، وما أثبتناه هو الصحيح، راجع « معجم رجال الحديث ٥: ٢٠٦ و ٢٠: ١٩٢ ».

(٢) في ر: لو أشرنا بإحدى.

١٢ - رجال الكشي ٢: ٣١٢ / ٥٦٤، مدينة المعاجز: ٤١٦، عن كتابنا هذا.

٤٢٦

قال: فخرجنا من عنده، وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي، وأنّه رافضيُّ يختلف إلى جعفر بن محمّد فقال أبو جعفر: إنّي أطّلع على طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد فإني لأعرف طهارته، وحققت عليه القول فاقتله.

فاطَّلع وداود يتهيَّأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبد اللهعليه‌السلام ، فما أتمّ وضوءه حتّى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه.

قال داود: فلمّا دخلت عليه رحّب بي فقال: يا داود قيل فيك شيء باطل، وما أنت كذلك حتّى اطّلعت على طهارتك، ليست طهارتك طهارة الرفضة. فجعلني في حِلّ وأمر لي بمائة ألف درهم(١) .

قال داود الرقّي: فالتقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له داود بن زربي: جعلني الله فداك، حقنت دماءنا في دار الدنيا، ونرجو أن ندخل بحبّك(٢) الجنّة.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين ».

ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا داود بن زربي، حدَّث داود الرقيّ بما مرّ عليك، حتّى يسكن روعه » فحدَّثني بالأمر كلّه، ثمّ قال: « يا داود بن زربي، توضَّأ مثنى مثنى، لا تزدن عليه، فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك ».

__________________

(١) في ر: بألف درهم.

(٢) في ك، م: بهمتك.

٤٢٧

٤٢٨

الباب العاشر

في ذكر معجزات الامام موسى بن جعفرعليهما‌السلام

وفيه ستة فصول

٤٢٩

٤٣٠

١ - فصل:

في ظهور آياته في إحياء الموتى

وفيه: حديثان

٣٦٣ / ١ - عن المغيرة بن عبد الله، قال: مر العبد الصالحعليه‌السلام بامرأة بمنى، وهي تبكي، وصبيانها حولها يبكون، فدنا منها وقالعليه‌السلام لها: « ما يبكيك يا أمة الله؟ » فقالت: يا عبد الله، إنّ لي صبياناً يتامى، وكانت لي بقرة كانت معيشتي ومعيشة صبياني منها، وقد ماتت، وبقيت منقطعة بي وبولدي، ولا حيلة لنا.

فقال لها: « يا أمة الله، هل لك أن أحييها لك؟ » فألهمت أن قالت: نعم يا عبد الله.

فتنحّىعليه‌السلام وصلّى ركعتين، ثمّ رفع يديه وقلب يمينه وحرّك شفتيه، ثمّ قام فمرَّ بالبقرة فنخسها(١) نخساً أو ضربها برجله، فاستوت البقرة على الأرض قائمة، فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت فقالت: وصاحت عيسى بن مريم وربّ الكعبة. فخالط موسى بن جعفرعليه‌السلام الناس ومضى.

__________________

١ - بصائر الدرجات: ٢٩٢ / ٢، الكافي ١: ٤٨٤ / ٦، الخرائج والجرائح ١: ٢٩٤، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٣٠٩، كشف الغمة ٢: ٤١١، مدينة المعاجز: ٤٤١.

(١) نخس الدابة: غرز جنبها أو مؤخرها بعود ونحوه فهاجت، انظر « لسان العرب - نخس - ٦: ٢٢٨ ».

٤٣١

٣٦٤ / ٢ - عن علي بن يقطين، قال: استدعى الرَّشيد رجلاً يُبطل به أمر موسى بن جعفرعليهما‌السلام ويقطعه(١) ويخجله في المجالس، فانتُدِبَ له رجل معزم(٢) فلمّا حضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز، فكان كلّما رام أبو الحسنعليه‌السلام تناول رغيفاً من الخبز طار من بين يديه، واستفز(٣) هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسنعليه‌السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور، فقال له: « يا أسد الله، خذ(٤) خذ عدوّ الله ».

قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترس ذلك المعزم، فخرّ هارون الرشيد وندماؤه على وجوههم مغشياً عليهم، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه، فلمّا أفاقوا، قال هارون لأبي الحسنعليه‌السلام : أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل. قالعليه‌السلام : « إن كانت عصا موسى ردَّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم، فإنّ هذه(٥) الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل »(٦) .

__________________

٢ - عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٩٥ / ١، أمالي الصدوق: ١٢٧ / ١٩، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٩٩، روضة الواعظين: ٢٥٧، مدينة المعاجز: ٤٤٦، اثبات الهداة ٣: ١٨١ / ٣١.

(١) يقطعه: بمعنى يسكته عن حجته ويبطلها، انظر « لسان العرب - قطع - ٨: ٢٧٩ ».

(٢) معزم: الرجل الذي عنده العزيمة والرقي، انظر « لسان العرب - عزم - ١٢: ٤٠٠ ».

(٣) استفزه الضحك: استخفه وغلب عليه حتى جعله يضطرب لشدة ضحكه، انظر « لسان العرب - قزز - ٥: ٣٩١ ».

(٤) في م: كُل.

(٥) في ر: فهذه، بدل ( فإن هذه ).

(٦) زاد في ر: وكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه عليه الصلاة والسلام.

٤٣٢

٢ - فصل:

في بيان ظهور آياته ومعجزاته من كلامه في المهد

وفيه: حديث واحد

٣٦٥ / ١ - عن يعقوب السرّاج، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهو واقف على رأس أبي الحسن موسىعليه‌السلام وهو في المهد، فجعل يسارُّه طويلاً، فجلست حتّى فرغ فقمت إليه فقال لي: « أدن من مولاك فسلّم عليه ». فدنوت وسلّمت عليه، فردّ عليّ بلسان فصيح، فقال: « اذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه الله عزّ وجل ». وقد كانت ولدت لي بنت فسمّيتها باسم فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « انته إلى أمره ترشد ».

__________________

١ - الكافي ١: ٣١٠ / ١١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٧، إعلام الورى: ٢٩٩، مدينة المعاجز: ٤٣١، عن كتابنا هذا.

٤٣٣

٣ - فصل:

في بيان ظهور آياته من الإخبار عن آجال الناس

وفيه: ستة أحاديث

٣٦٦ / ١ - عن إسحاق بن عمّار، قال: كنت عند أبي الحسن الأولعليه‌السلام فدخل عليه رجل فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « يا فلان، إنّك تموت إلى شهر، فأضمرت في نفسي كأنّه يعرف آجال الشيعة! » فقال: « يا إسحاق، ما تنكرون من ذلك؟ قد كان رشيد الهجري مستضعفاً، وكان يعرف علم المنايا، فالإمام أولى بذلك منه ».

ثمّ قال: « يا إسحاق، إنّك تموت إلى سنتين، ويفتقر أهلك وأهل بيتك، وتفلسون إفلاساً شديداً » وكان كما قال.

وفي ذلك ثلاث آيات.

٣٦٧ / ٢ - عن خالد بن نجيح، قال: قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : « أفرغ فيما بينك وبين الناس في سنة أربع وسبعين ومائة حتّى يجيئك كتابي، فاخرج وانظر ما عندك وابعث إليَّ، ولا تقبل من أحدٍ شيئاً ». وخرج إلى المدينة، وبقي خالد بمكّة فبقي خالد بعد المدة

__________________

١ - بصائر الدرجات: ٧٣ / ٦، الكافي ١: ٤٨٤، دلائل الإمامة: ١٦٠، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٧، إعلام الورى: ٢٩٥.

٢ - بصائر الدرجات: ٢٨٤ / ١٠، ٧٣ / ٦، الخرائج والجرائح ٢: ٧١٥ / ١٤، مدينة المعاجز: ٤٦٦.

٤٣٤

خمسة عشر يوماً ثمّ مات.

٣٦٨ / ٣ - وعنه، قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة فذكروا أنّ المفضل شديد(١) الوجع، فادع الله له. فقال: « قد استراح » وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام.

٣٦٩ / ٤ - وعنه، قال: كنت بمكّة معهعليه‌السلام ، فدخلت عليه، فقال: « من هاهنا من أصحابكم؟ » فعددت عليه ثمانية أنفس، فأمر بخروج أربعة، وسكت عن أربعة، فما كان إلاّ يومه من الغد حتّى مات أربعة، وخرج الأربعة فسلموا.

٣٧٠ / ٥ - عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: استقرض أبو الحسنعليه‌السلام من شهاب بن عبد ربه مالاً، وكتب كتابا ووضعه على يدي، وقال: إن حدث بي حدث فخرّقه.

قال عبد الرحمن: فخرجت إلى مكّة فلقيني أبو الحسنعليه‌السلام وأنا بمنى، فقال لي: « يا عبد الرحمن، خرّق الكتاب » ففعلت، وقدمت الكوفة وسألت عن شهاب، فإذا هو قد مات في الوقت الذي أومأ إليّ في خرق الكتاب.

وفي ذلك آيتان.

٣٧١ / ٦ - عن الحسن بن علي الوشّاء، عن هشام، قال: أردت

__________________

٣ - بصائر الدرجات: ٢٨٤ / ١٠، اختيار معرفة الرجال: ٣٢٩ / ٥٩٧، الخرائج والجرائح ٢: ٧١٥ / ١٣، مدينة المعاجز: ٤٦٦ / ١١٦.

(١) في النسخ: براه. وما أثبتناه من المصادر.

٤ - بصائر الدرجات: ٢٨٤ / ١١.

٥ - بصائر الدرجات: ٧٢ / ٦، الخرائج والجرائح ٢: ٧١٤ / ١٢ ذكره مفصلا، مدينة المعاجز: ٤٦٦، عن كتابنا هذا.

٦ - بصائر الدرجات: ٧٢ / ٦، الخرائج والجرائح ٢: ٧١٦ / ١٦، كشف الغمة ٢: ٢٤٣، مدينة المعاجز: ٤٦٦، عن كتابنا هذا.

٤٣٥

شراء جارية بمنى، فكتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام أستشيره في ذلك، فأمسك ولم يخبر.

قال: فانني من الغد عند مولى الجارية إذ مرَّ بي، وهي جالسة عند جوار تتحدّث مع جارية، فنظر إليها، ثمّ رجع إلى منزله وقال لي: « لا بأس، إن لم يكن في عمرها قلّة » فأمسكت عن شرائها، فلم أخرج من مكّة حتّى ماتت.

٤٣٦

٤ - فصل:

في بيان ظهور آياته في إخباره عن حديث النفس

وفيه: خمسة أحاديث

٣٧٢ / ١ - عن خالد بن نجيح، قال: دخلت على أبي الحسن الأولعليه‌السلام وهو في عرصة داره، وهو يومئذ بالرميلة(١) ، فلمّا نظرت إليه قلت في نفسي: بأبي وأمّي مظلوم مغصوب مضطهد، ثمّ دنوت فقبّلت ما بين عينيه، ثمّ جلست بين يديه، فالتفت إليّ وقال: « يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تضمر هذا في نفسك » فقلت: والله ما أردت بهذا شيئاً.

فقال: « نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، لو أردنا لزف إلينا، وإن لهؤلاء القوم مدة وغاية لا بدَّ من الانتهاء إليها ».

فقلت: لا أعود أضمر في نفسي شيئا بعد هذا. فقال: « لا تعد أبدا ».

٣٧٣ / ٢ - عن هشام بن سالم، قال: لمّا قبض أبو عبد الله عليه

__________________

١ - بصائر الدرجات: ١٤٦ / ٧، دلائل الإمامة: ١٥٩.

(١) الرميلة: منزل في طريق البصرة إلى مكة « معجم البلدان ٣: ٧٣ ».

٢ - بصائر الدرجات: ٢٧٠ / ١، نحوه، اختيار معرفة الرجال: ٢٨٢ / ٥٠٢، مثله، دلائل الإمامة: ١٥٩، الخرائج والجرائح ٢: ٣٣٢ / ٢٣، نحوه، مناقب ابن =

٤٣٧

السلام اختلف أصحابه من بعده، ومالوا إلى عبد الله بن جعفر، فتبين لهم منه أنّه ليس بصاحب الأمر بعد أبيه، فمالوا إلى محمّد بن جعفر فوجدوا فيه مثل ما وجدوا في عبد الله، فاغتمّوا لذلك غمّاً شديداً، فدخلنا مسجد رسول الله (ص) وصلّى كلّ واحد منّا ركعتين، ثمّ رفعنا أيدينا إلى السماء، باكية أعيننا، حيرةً منّا في أمرنا، ونحن نقول: اللهمّ إلى من؟ إلى المرجئة أم إلى الخوارج أم إلى المعتزلة؟ فجاءنا مولى لأبي عبد الله، فدعانا إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، فمضينا معه(١) ، فاستأذن لنا عليه، فأذن لنا، فدخلنا فلمّا بصر بنا قال من قبل أن نتكلم: « إليّ، لا إلى الخوارج، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى المرجئة » فعلمنا أنّه صاحب الأمر.

٣٧٤ / ٣ - عن علي بن يقطين، قال: أردت أن أكتب إلى أبي الحسن الأولعليه‌السلام : أيتنور الرجل وهو جنب؟ فكتب إليّ أشياء ابتداء منه، أولها: « النورة تزيد الرجل نظافة، ولكن لا يجامع الرجل وهو مختضب، ولا يجامع امرأة مختضبة ».

٣٧٥ / ٤ - عن أحمد بن عمر الحلاّل: لمّا سمعت الأخرس بمكّة يذكر أبا الحسنعليه‌السلام اشتريت سكيناً وقلت: والله لأقتلنه إذا خرج من المسجد. فأقمت على ذلك وجلست، فما شعرت إلاّ برقعة

__________________

= شهرآشوب ٤: ٢٩٠، مضمونه، كشف الغمة ٢: ٢٢٢، إثبات الهداة ٣: ١٧٣، باختلاف فيه، مدينة المعاجز: ٤٣٠.

(١) في ر: إليه.

٣ - بصائر الدرجات: ٢٧١ / ٣، دلائل الإمامة: ١٦٠، تهذيب التهذيب ١: ٣٧٧، الخرائج والجرائح ١: ٦٥٢، الصراط المستقيم ٢: ١٩٣ / ٢٤، ملحق احقاق الحق ١٢: ٣٢٢، وسائل الشيعة ١: ٤٩٩.

٤ - بصائر الدرجات: ٢٧٢ / ٦، الخرائج والجرائح ٢: ٦٥١ / ٣، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٩، اثبات الهداة ٣: ١٩٩ / ٨٧، مدينة المعاجز: ٤٦١، عن كتابنا هذا.

٤٣٨

من أبي الحسنعليه‌السلام قد طلعت فيها: « بحقّي عليك إلاّ كففت عن الأخرس، فإنّ الله معي وهو حسبي ».

٣٧٦ / ٥ - عن عثمان بن سعيد، عن أبي علي بن راشد، قال: اجتمعت العصابة بنيسابور في أيّام أبي عبد اللهعليه‌السلام فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج، وقالوا: نحن نحمل في كلّ سنة إلى مولانا ما يجب علينا، وقد كثرت الكاذبة، ومَن يدّعي هذا الأمر، فينبغي لنا أن نختار رجلاً ثقة نبعثه إلى الإمام، ليتعرف لنا الأمر.

فاختاروا رجلاً يعرف بأبي جعفر محمّد بن إبراهيم النيسابوري ودفعوا إليه ما وجب عليهم في السنة من مال وثياب، وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار، والدراهم خمسين ألف درهم، والثياب ألفي شقة، وأثواب مقاربات ومرتفعات.

وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها ( شطيطة ) ومعها درهم صحيح، فيه درهم ودانقان، وشقّه من غزلها، خام تساوي أربعة دراهم، وقالت ما يستحق عليَّ في مالي غير هذا، فادفعه إلى مولاي، فقال: يا امرأة، استحي من أبي عبد اللهعليه‌السلام أن أحمل إليه درهما وشقّة بطانة. فقالت: « ألا(١) تفعل! إنّ الله لا يستحي من الحق، هذا الذي يستحق، فاحمل يا فلان فلئن ألقى الله عز وجل وما له قبلي حقّ قلّ أم كثر، أحبّ إليّ من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمّد حق. »

قال: فعوجت الدرهم، وطرحته في كيس، فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلوي، وطرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوباً لأخوين بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل، وجاءت

__________________

٥ - الخرائج والجرائح ١: ٣٢٨، نحوه، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٩١، مثل قطعة منه عنه مدينة المعاجز: ٤٦٢.

(١) في ر: لم لا.

٤٣٩

الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل، وكان سبعين ورقة، وكلّ مسألة تحتها بياض، وقد أخذوا كلّ ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة، وختموا على كلّ حزام بخاتم، وقالوا: تحمل هذا الجزءُ(١) معك، وتمضي إلى الإمام، فتدفع الجزء إليه، وتبيّته عنده ليلة، وعد عليه وخذه منه، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر منها ختمه وانظر الجواب، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الإمام، فادفعه إليه وإلاّ فرد أموالنا علينا.

قال أبو جعفر: فسرت حتّى وصلت إلى الكوفة، وبدأت بزيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ووجدت على باب المسجد شيخاً مسنّاً قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وقد تشنّج وجهه، متزراً ببرد، متشحاً بآخر، وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام، وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فسألت من حضر عنده، فقالوا: أبو حمزة الثمالي. فسلّمت عليه، وجلست إليه، فسألني عن أمري، فعرّفته الحال، ففرح بي وجذبني إليه، وقبّل بين عيني وقال: لو تجدب(٢) الدنيا ما وصل إلى هؤلاء حقوقهم، وإنّك ستصل بحرمتهم إلى جوارهم.

فسررت بكلامه، وكان ذلك أول فائدة لقيتها بالعراق، وجلست معهم أتحدّث إذ فتح عينيه، ونظر إلى البرية، وقال: هل ترون ما أرى؟ فقلنا: وأي شيء رأيت.

قال: أرى شخصاً على ناقة. فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلاً على جمل، فأقبل، فأناخ البعير، وسلّم علينا وجلس، فسأله الشيخ وقال: من أين أقبلت؟ قال: من يثرب. قال: ما وراءك؟ قال: مات جعفر بن محمّدعليهما‌السلام . فانقطع ظهري نصفين، وقلت لنفسي:

__________________

(١) في ر: الحزم. وفي هامشها: الحزائم.

(٢) في م: تخرب. وفي ر: نحرت. وفي هامشها: تجرت.

٤٤٠