كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149894 / تحميل: 9466
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرصد السّادس

في العدل

وفيه مطالب

١٦١

١٦٢

[المطلب] الأوّل

في الحسن والقبح العقليّين

الفعل إن لم يكن له صفةٌ زائدةٌ على حدوثه فهو كحركة السّاهي والنّائم. وإن كان، فهو إمّا حسنٌ لا صفة زائدة له على حسنه، وهو المباح؛ أو له صفةٌ زائدةٌ، فإن أوجبت الذّمّ على التّرك فهو الواجبُ، وإلاّ النّدبُ؛ وإمّا قبيحٌ، وهو ما يستحقّ فاعله العالمُ بحاله الذّمّ.

واتّفقت المعتزلة على أنّ من الأشياء ما يُعلم كونه حسناً وقبيحاً بالضّرورة، كحسن الصّدق النافع والإنصاف والإحسان وشكر المُنعم وقبح الكذب الضّارّ والظلم والفساد وتكليفِ ما لا يُطاق؛ ومنها ما يعلم حسنه وقبحه بنظر العقل، كحُسن الصّدق الضّارّ وقبح الكذب النّافع، ومنها ما يُعلم من جهة الشّرع، لا بمعنى أنّه علّةٌ في الحُسن والقبح، بل إنّه كاشف لجزم من لم يعتقد الشّرعُ به، ولأنّه لولاه لجاز إظهار المعجزة (1) على يد الكاذب، والخُلف في وعده ووعيده. والتّعذيب على الطاعة والإثابة على المعصية، فينتفي فائدةُ التّكليف ولأُفحِمَتِ الأنبياءُ.

____________________

(1) ألف: المعجز.

١٦٣

وقالت الأشاعرة: إنهما شرعيّان، فالحسنُ ما أمر الشّارعُ به، والقبيحُ ما نهى عنه؛ لأنّ العلمُ به ليس نظريّاً إجماعاً ولا ضروريّاً، وإلاّ لساوى العلم بأنّ الكلّ أعظمُ من الجزء. والتّالي باطلٌ قطعاً، فكذا المقدّمُ، ولأنّ الكذبَ قد يحسنُ إذا اشتمل على مصلحة، كتخليص نبيّ من ظالم، أو قال: لأكذبنّ غداً، ولأنّه - تعالى - كلّف من علم عدمَ إيمانه، وخلافُ معلوم الله - تعالى - مُحال، وكلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به. ومن جملة ما أخبر (1) أنّه لا يؤمنُ، فقد كلّفه بأن يؤمن بأن لا يؤمن. وهو جمعٌ بينَ النّقيضين؛ ولأنّ أفعال العبد اضطراريّةٌ، فلا حسنَ ولا قبحَ.

والجوابُ: المنعُ من الملازمة فإنّ التّصديقات الضّروريّة تتفاوتُ بتفاوت التّصوّرات في الكمال والنّقصان، ومن بطلان التّالي، والكذب ليس بحسن مطلقاً. ويجب التّوريةُ لتخليص النّبيّ، فينتفي الكذبُ، أو يأتي بصورة الإخبار من غير قصد له، بل للاستفهام. ويجبُ ترك الكذب في الغد، لاشتماله على وجهي حسن، هما ترك الكذب وترك إتمام العزم عليه وإن اشتمل على وجه قبح، وهو أولى من الكذب المشتمل على وجهي قبح هُما الكذب وإتمام العزم عليه، وعلى وجه حَسن وهو الصدق، والعلم تابعٌ، فلا يؤثّرُ في المتبوع.

ونمنع إخباره عن أبي لهب بعدم الإيمان. والسّورةُ اشتملت (2) على

____________________

(1) ج: أجزائه.

(2) ج: إنه اشتملت.

١٦٤

ذمّه، لا على الإخبار بعدم إيمانه. ويُحتَملُ نزولها بعدَ موته. ويؤيّده قوله تعالى: ( مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ ) (1) وقوله تعالى: ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنذرتهم ) (2) يُحتَمل نزولها بعدَ موتهم أو حالَ غفلتهم. والغافل غير مكلّف. وسيأتي بيانُ اختيار العبد.

تذنيبٌ

القبائحُ إنّما قبحت لما هي عليه. وكذا الواجباتُ، فإنّ العقلاء متى علموا الظلمَ، أو منعَ ردّ الوديعة، أو ترك شكر المنعم، (3) ذمّوا فاعل ذلك، ومتى علموا ردّ الوديعة أو شكر النّعمة مدحوا فاعله. فإذا طلب منهم العلّة بادروا إلى ذكر الظّلم أو منع الوديعة أو كفران النّعمة أو فعل الشّكر أو الرّدّ. فلو لا علمهم الضّروريّ بالعلم لما بادروا إليها وللدوران، فإنّ الضّرر متى كان ظلماً كان قبيحاً. وإذا انتفى الظلم انتفى قبحه فكان علّةً.

____________________

(1) المسد: 111/2.

(2) البقرة: 2/6.

(3) ب، ج: النعمة.

١٦٥

المطلب الثاني

في أنّه - تعالى - لا يفعل القبيح ولا يُخلّ بالواجب

يدلّ عليه أنّ له صارفاً عن القبيح، لأنّه غنيٌّ عنه وعالمٌ بقبحه، ولا داعيّ له إليه، لانتفاء داعي الحاجة والحكمة، فلا يصدرُ الفعل عنه قطعاً.

والأشاعرة أسندوا القبائح إليه - تعالى عن ذلك -، لأنّه كلّف الكافر مع علمه بامتناع الإيمان منه، وتكليفُ ما لا يُطاقُ قبيحٌ عندكم، ولأنّه - تعالى - جمع بين الرّجال والنّساء في الدّنيا ومكّن بعضَهم من بعض، وجعل لهم ميلاً إلى الاجتماع وحرّمه، وذلك قبيح، كما يقبح منّا جمع العبيد والإماء،

وقد بيّنا أنّ العلمَ تابعٌ، والغرضُ في التّكليف هو التّعريض على معنى أنّه يجعله بحيثُ يتمكن من الوصول إلى النّفع وقد حصل الغرضُ، والجامع بينَ العبيد والإماء إذا نهاهم عن وصول بعضهم إلى بعض وتوعّدهم عليه بعظيم الضّرر، وفعل بهم ما يُقرّبهم من الامتثال ويُبعّدهم عن المخالفة، ونصب لهم من يؤدّبهم إذا أخلّوا بما أُمروا به عاجلاً ووعدهم على الامتثال بعظيم النّفع الّذي لا يمكن الوصول إليه إلاّ به لم يكن قبيحاً.

١٦٦

المطلب الثّالث

في خلق الأعمال

ذهب جهم بنُ صفوان إلى أن لا فاعل إلاّ الله - تعالى - وقالت الأشاعرةُ والنّجّاريّة، إنّ المُحدِثَ هو الله - تعالى - والعبدَ مكتسبٌ، وأنّه - تعالى - يخلقُ قدرة للعبد والفعل معاً. واختلفوا في الكسب، فقال الأشعريّ: هو إجراء العادة بإيجاد الله - تعالى - الفعل والقدرة معاً عندَ اختيار العبد، ولا أثرَ لقدرة العبد. وقال بعضُ أصحابه، معناه تأثيرُ قدرة العبد في كون الفعل طاعةً أو معصيةً أو عبثاً وغيرها من صفات الفعل الّتي يتناولها التّكليف وبها يستحقّ المدح والذّمّ. وقال آخرون: إنّه غيرُ معلوم.

وذهب أهل العدل إلى أنّ للحيوان أفعالاً تقعُ بقدرتهم (1) واختيارهم، فعندَ أبي الحسين ومن تابعه أنّ العلمَ به ضروريٌّ. وهو الحقّ. وعند باقي مشايخ المعتزلة ومن تابعهم من شيوخ الإماميّة أنّه كسبيٌّ.

لنا أنّ كلّ عاقل يعلمُ بالضّرورة حُسنَ المدح على الإحسان والذّمّ على الإساءة، وهو يتوقفُ على كون الممدوح والمذموم فاعلاً، ولأنّ أفعالنا

____________________

(1) ألف، ب: بقدرهم.

١٦٧

واقعةٌ بحسب قصودنا ومنتفية بحسب صوارفنا. وهو معنى الفاعل. ولأنّ الضّرورة قاضية بالفرق بينَ حركاتنا الاختياريّة والاضطراريّة، ولقبح منه - تعالى - الأمر والنّهي كما يقبح أمرُ الجماد ونهيه؛ وللسّمع.

احتجّ الخصمُ بأنّ العبدَ حالَ الفعل إن لم يمكنه التّرك فهو الجبر؛ وإن أمكنه: فإن لم يتوقّف التّرجيحُ على مرجّح لزم ترجيحُ الممكن من غير مرجّح، وإن توقّف، فإن كان منه عاد البحث، وإلاّ لزم الجبر، لامتناع الفعل من دونه ووجوبه عنده، ولأنّه لو كان موجداً لفعله لكان عالماً بتفاصيله، فإنّ القصد (1) الكلّيّ لا يكفي في حصول الجزئيّ لتساوي نسبته إلى الجميع. والتّالي باطل قطعاً، لعدم العلم بقدر السّكنات المتخلّلة في الحركات البطيئة، ولأنّه لو أراد العبدُ حركةَ جسم وأراد الله - تعالى - تسكينه، فإن وقعا أو لم يقعا لزم المُحال، وإن وقع أحدهما كان ترجيحاً من غير مرجّح، لاستقلال كلّ منهما؛ ولأنّه - تعالى - إن علم الوقوعَ وجب وإلاّ امتنع، فلا قدرةَ.

والجوابُ: أنّه متمكنٌ من التّرك نظراً إلى القدرة وغيرُ متمكّن نظراً إلى الدّاعي ولا يخرجه عن القدرة، لتساوي الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدَها، وهو آتٍ في حقّ واجب الوجود. والعلم الإجماليّ كافٍ في الإيجاد. والقصد الكلّيّ قد ينبعث عنه الفعل الجزئيّ باعتبار تخصيصه

____________________

(1) ألف: الفصل.

١٦٨

بالمحلّ والوقت لا باعتبار القصد، وقدرته - تعالى - أقوى، فكان صدورُ فعله أولى، والوجوب المستند إلى العلم لاحقٌ. (1)

وكما أنّ فرضَ أحد النّقيضين يقتضي وجوبَه لاحقاً دونَ امتناع الآخر، كذا فرضُ العلم، لأنّه مطابقٌ له. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، مع أنّه آتٍ في حقّه تعالى. والكسب غيرُ مفيد، لأنّ تجويز صدور الاختيار يقتضي تجويز صدور غيره، لعدم الأولويّة؛ ولانسحاب أدلّتهم عليه، فإنّ اختيار المعصية مغايرٌ لاختيار الطاعة. فحصولُ أحدهما إن لم يكن لمرجّح لزم ترجيح أحد الطرفين لا لمرجّح، وإن كان لمرجّح تسلسل. وكذا باقي الأدلّة.

____________________

(1) ج: اللاحق.

١٦٩

المطلب الرّابع

في أنّه - تعالى - يريدُ الطاعات ويكره المعاصي

هذا مذهبُ العدليّة، خلافاً للأشاعرة، لأنّ له داعياً إلى الطاعة، ولا صارفَ له عنها، وله صارفٌ عن المعصية، ولا داعيَ له إليها، لأنّه حكيمٌ، والحكيمُ له داعٍ إلى الحَسَن، والطاعة حسنة، وله صارفٌ عن القبيح، والمعصية قبيحةٌ؛ ولأنّ إرادة القبيح قبيحةٌ، لاستحسان العقلاء ذمّ مريد القبيح، ولأنّه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية. وهما يستلزمان الإرادة والكراهة؛ فإنّ الأمر إنّما هو أمرٌ باعتبار إرادة المأمور به؛ ولقوله تعالى: ( كُلّ ذلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِندَ رَبّكَ مَكْرُوهاً ) (1) وكذب من قال: ( لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) (2) وقوله: ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ ) (3) ، ( وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْفَسَادَ ) (4) ، ( وَلاَ يَرْضَى‏ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) (5) ، و ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (6) ، ( وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ) (7) .

____________________

(1) الإسراء: 17/38.

(2) الأنعام: 6/148.

(3) آل عمران: 3/108.

(4) البقرة: 2/205.

(5) الزمر: 39/7.

(6) الذاريات: 51/56.

(7) البيّنة: 98/5.

١٧٠

احتجّوا بأنّ إرادةَ الطاعة من الكافر تستلزم وقوعها وكراهةَ المعصية تستلزم عدمها؛ ولأنّ الأمر قد يوجد بدون الإرادة، كطالب العذر عن ضرب (1) عبده بعدم قبوله منه، فيأمره ولا يريد فعلَه، ليظهرَ عذره؛ وقوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَميعاً ) (2) .

والجوابُ: أنّه أراد إيقاعَها اختياراً وكره إيقاعَ المعصية اختياراً، لئلاّ يبطلَ التّكليف. والمولى يوجد صورةَ الأمر ولا طلب، كما لا إرادة، والآية يدلّ على القسر (3) .

____________________

(1) ج: بضرب العبد.

(2) يونس: 10/99.

(3) ج: على التخيير.

١٧١

المطلب الخامس

في التكليف

وهو إرادةُ من يجبُ طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقّةٌ بشرط الإعلام. وهو حسنٌ لأنّه من فعلِه تعالى، والله لا يفعل القبيح؛ ولابُدّ من غرضٍ، لقبح العبثِ، وليس عائداً إليه تعالى، لاستغنائه، ولا إلى غير المكلّف، لقبح إلزام المشقّة لنفع (1) الغير، ولا ضرر المكلّف لقبحه ابتداء، ولا نفعه، لانتقاضه بتكليف من علم كفره، ولا تعريضه للضرر لقبحه ولا لنفع يصحّ الابتداء به، لأنّه يصيرُ عبثاً، فهو التّعريضُ لنفع لا يمكن الابتداء به.

والأشاعرة نفوا الغرضَ في أفعاله، وإلاّ لكان ناقصاً في ذاته مستكملاً بذلك الغرض، إذ بحصوله يحصل له ما هو الأولى له. وليس بجيّد، وإلاّ لزم العبثُ وإبطال غايات المصنوعات الظاهرة حِكمها. (2) والاستفادةُ باطلة، كما في الخالقيّة.

وهو واجبٌ عندَ المعتزلة خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لكان مغرياً بالقبيح،

____________________

(1) ج: منفعة.

(2) ج: حكمتها.

١٧٢

لأنّ للعاقل ميلاً إلى القبيح ونفوراً عن الحسن.

فلولا التّكليف الزّاجر عن القبيح لزم ارتكابه،

وشرطه كونُ المكلّف عالماً بصفة الفعل لئلاّ يكلّفَ بالقبيح أو المباح، وبقدر المستحقّ عليه من الثّواب ليؤمن انتفاء الظلم، والقدرة على الإيصال، وكونه منزّهاً عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأن يكون ما كلّف به ممكناً، لقبح التّكليف بالمُحال، وكونه ممّا يستحقّ به الثّواب، كالواجب والنّدب وترك القبيح، وقدرة المكلّف عليه، مميّزاً بينَه وبينَ ما لم يكلّفه متمكناً من الآلة والعلم بما يحتاج إليه، والعلّة فيحسن تكليف المؤمن آتيةٌ في الكافر؛ فإنّ العلم غير مؤثر والتّعريض للنّفع ثابت فيه. واختيار الكفر (1) لا يُخرج الحَسن عن حُسنه.

____________________

(1) ب، ج: اختياره الكفر.

١٧٣

المطلب السّادس

في اللّطف

وهو ما كان المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعدَ من فعل القبيح، (1) ولم يكن له حظٌّ في التّمكين ولم يبلغ إلى حدّ الإلجاء، فالآلة ليست لطفاً؛ لأنّ لها مدخلاً في التّمكين. والإلجاء ينافي التّكليف، بخلاف اللّطف وهو واجبٌ خلافاً للأشعريّة، وإلاّ لزم نقض الغرض، فإنّه - تعالى - إذا علم أنّ المكلّف لا يختارُ الطاعة أو لا يكونُ أقرب إليها إلاّ عندَ فعل يفعله به وجب عليه فعلُه، وإلاّ كان مُناقضاً لغرضه، كمن قدّم طعاماً إلى غيره ويعلمُ أنّه لا يأكلُ (2) إلاّ إذا فعل معه نوعاً من التأدّب لا مشقّةَ فيه ولا غضاضةَ، فلو لم يفعله لم يكن مريداً لأكله.

لا يقال: الفعل بدون اللطف إن كان ممكناً لم يتوقّف على اللّطف، وإلاّ صار من جملة التّمكين، كالقدرة، ولأنّ وجه الوجوب غير كافٍ فيه ما لم ينتف عنه وجوه (3) القبح، فلم لا يجوزُ اشتمال اللّطف على وجه قبح، ولأنّ اللطف إن اقتضى رجحاناً مانعاً من النّقيض كان إلجاءً. وإن كان غير مانع لم

____________________

(1) ج: فعل المعصية.

(2) ج: لا يأكله.

(3) ج: وجوب القبح.

١٧٤

يكف في وجود الفعل، وإن لم يقتض رجحاناً البتة انتفت فائدته.

لأنّا نقول: الفعل يتوقّفُ على الدّاعي. واللّطفُ أمّا الدّاعي أو سببه أو مقوّيه، فيتوقّف عليه الفعل وليس تمكيناً. ووجوه القبح محصورة مضبوطة، لأنّا مكلّفون باجتنابها، وهي منفيّةٌ عن اللطف، واقتضاء الرّجحان المانع من النّقيض لا يستلزم الإلجاء، كالدّاعي الّذي يجب الفعل عنده، وإن كان غيرَ مانع كفى مع الدّاعي والقدرة.

واللطف إن كان من فعله - تعالى - وجب عليه فعله، وإن كان من فعل المكلّف وجب عليه - تعالى - أن يُعرّفه إيّاه ويُوجبه عليه، وإن كان من فعل غيرهما لم يجز أن يكلّفه فعلاً متوقّفاً على ذلك اللّطف إلاّ إذا علم أنّ ذلك يفعله قطعاً.

١٧٥

المطلب السّابع

في الآلام والأعواض

الألمُ منه قبيحٌ، وهو صادرٌ عنّا والعوض فيه علينا، ومنه حَسنٌ، فإن كان من فعلنا، مباحاً أو مندوباً أو واجباً فالعوض عليه تعالى، وإن كان من فعله - تعالى - فإمّا على وجه الاستحقاق بالعقاب، (1) وإمّا على جهة الابتداء.

واختلفَ فيه، فنفاه البكريّة، وقالت الأشاعرة لا عوضَ عليه - تعالى - في ما يفعله من الألم ولا في ما يأمر به. وقالت التّناسخيّة، إنّه - تعالى - يؤلمُ على وجه العقوبة لا غير. وعند العدليّة أنّه - تعالى - يؤلم ابتداءً بشرط اشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه، وهو اللّطف إمّا للمؤلم أو لغيره. وأن يكونَ في مقابلته عوضٌ للمؤلم يزيد عليه أضعافاً كثيرةً بحيثُ يختارُ المتألمُ العوضَ والألم؛ لأن عراءه عن العوض ظلمٌ وعن اللّطف عبثٌ.

والعوضُ، هو النّفعُ المستحقُّ الخالي من تعظيم وإجلال، فالمستحقّ علينا مساوٍ للألم، والمستحقّ عليه - تعالى - بفعله أو إباحته أو أمره أو تمكينه لغير العاقل زائدٌ عليه. واختلف أهل العدل في الأخير، فقال بعضهم بما

____________________

(1) ب، ج: كالعقاب.

١٧٦

تقدّم، وآخرون بأنّ العوضَ على الحيوان. والباقون قالوا: لا عوضَ هنا.

لنا، أنّه - تعالى - مكّنه وجعل فيه ميلاً شديداً إلى الإيلام ولم يخلق له عقلاً يزجره عن القبيح مع إمكانه.

احتجّ الخصمُ بقوله (عليه السلام): ((يُنتصفُ للجمّاء من القرناء)) (1) وإنّما يكون بأخذ العوض من الجاني وبقوله (عليه السلام): ((جُرحُ العجماء جبارٌ)) (2) والانتصاف بأخذ العوض إمّا من الجاني أو غيره، وصحّ أن يكونَ جباراً لانتفاء القصاص فيه.

والعوض واجبٌ، خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لزم الظلمُ، واختلف الشّيوخُ، فقال أبو هاشم والبلخيّ: يجوزُ أن يُمكّن الله - تعالى - من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله.

ثمّ قال البلخيّ: يجوز أن يخرج من الدّنيا ولا عوضَ له، ويتفضّل الله - تعالى - عليه بالعوض، فيدفعه إلى المظلوم. ومنعه أبو هاشم وأوجب التّبقيةَ إلى أن يستحقّ عوضاً موازياً، لأنّ الانتصافَ واجبٌ والتّفضّل ليس بواجب، فلا يُعلّقُ عليه الواجبَ. قال المرتضى: التّبقيةُ أيضاً ليست واجبةً، فلا يعلّق عليها الانتصافَ الواجب. بل، يجب أن يكون له في حال ظلمه عوضاً موازياً.

____________________

(1) الاقتصاد: 91؛ كشف المراد: 455.

(2) الموطأ: 2/869؛ بحار الأنوار: 87/267.

١٧٧

المطلب الثّامن

في الآجال والأرزاق والأسعار

ألف - الأجل، هو الوقتُ الّذي يحدث فيه الشّيء. ويعنى بالوقت، الحادثُ الّذي جعل علماً لحدوث غيره. كما يقال: قدم زيدٌ عندَ طلوع الشّمس. وأجلُ الحياة هو الوقت الّذي يحدث فيه، وأجل الموت كذلك. فأيّ ميّتٍ مات على اختلاف أسباب الموت، فإنّ موته في أجله.

واختلف في المقتول لو لم يقتل فقيل: يعيشُ قطعاً، لأنّه لو مات قطعاً لكان ذابحُ غنم غيره محسناً إليه. وقيل: يموتُ قطعاً، وإلاّ لزم انقلابُ علمه - تعالى - جهلاً لو عاش.

والملازمةُ الأولى ممنوعةٌ، لأنّه فوّته العوضَ على الله تعالى. وهو أزيدُ من العوض عليه. (1)

والثّانيةُ أيضاً، لجواز تعلّق علم الموت بالقتل والحياة لولاه.

وأمّا الرّزقُ، فعند العدليّة ما صحّ الانتفاع به ولم يكن لأحد منعه منه،

____________________

(1) قال المصنّف في كشف المراد: 340: إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضاً زائداً على الله فقال، فبذبحه فوت عليه الاعواض الزائدة.

١٧٨

لقوله تعالى: ( وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُم ) (1) والله - تعالى - لا يأمرُ بالحرام.

وعند الأشاعرة، الرّزق ما أكل وإن كان حراماً. ويجوز طلبُه إجماعاً. ولقوله تعالى: ( فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللّهِ ) (2) .

وأمّا السّعرُ، فهو تقدير البدل فيما يُباع به الأشياء. ولا يقال: هو البدل؛ لأنّ البدل هو الثّمن أو المثمنُ. وليس أحدهما سِعراً. وهو إمّا رخصٌ، وهو السّعرُ المنحطّ عمّا جرت به العادة، والوقت والمكان واحدٌ. وإمّا غلاءٌ، وهو ما يقابله، وكلّ منهما إمّا من الله تعالى أو من العباد.

____________________

(1) المنافقون: 63/10.

(2) الجمعة: 62/10.

١٧٩

١٨٠

قمت مِن عنده حتّى أتاه رَجلٌ فقال له: إنّي قد حَجَجتُ تسعة عشر حَجّة، فادعُ الله لي أن يرزقني تمام العشرين، قال: فهل زُرْتَ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: لا، قال: إنّ زِيارته خير مِن عشرين حَجّة ».

الباب السّادس والسّتّون

( إنَّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل حِججا ( كذا ))

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سِنان، عن الحسين بن مختار، عن زَيدٍ الشَّحّام، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: زِيارة الحسينعليه‌السلام تَعدِلُ عشرين حَجّة، وأفضل مِن عِشرين حَجّة ».

وحدّثني محمّد بن يَعقوبَ، عن عِدةَّ من أصحابه، عن أحمدَ بن محمّد بإسناده مثله(١) .

٢ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع، عن صالح بن عُقْبة، عن أبي سعيد المدائنيِّ « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقلت: جُعِلتُ فِداك آتي قبرَ الحسينعليه‌السلام ؟ قال: نَعَم يا أبا سعيد ائت قبر الحسين ابن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطيبِ الأطيبين، وأطْهَرِ الطّاهرين، وأبَرِّ الأبرار، فإنّك إذا زُرته كتب الله لك به خمسة وعشرين حَجّة »(٢) .

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بإسناده مثله(٣) .

__________________

١ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٠ ح ٢.

٢ - تقدّم الخبر في ص ١٦٨ تحت رقم ٢. وسيأتي في الباب ٦٧ تحت رقم ٢.

٣ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨١ ح ٤.

١٨١

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن أحمدَ بن النَّضر، عن شِهاب بن عبد رَبّه - أو عن رَجل، عن شهاب - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألني فقال: يا شِهاب كم حَجَجت مِن حَجّة؟ فقلت: تسعة عشر حَجّة، فقال لي: تمّها عشرين حَجّة، تحسب لك بزيارة الحسينعليه‌السلام ».

٤ - حدَّثني أبو العبّاس قال: حدّثني محمّد بن الحسين، عن ابن سِنان، عن حذيفة بن منصور « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : كم حَجَجت؟ قلت: تسعة عشر، قال: فقال: أما إنّك لو أتمت إحدى وعشرين حَجّة لكنت كمن زارَ الحسينعليه‌السلام ».

٥ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سِنان، عن محمّد بن صَدَقَة، عن صالِح النّيليّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه كان كمن حَجّ مائة حَجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٦ - وعنه، عن سعد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن صَدَقَة، عن مالك بن عَطيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن زارَ الحسينعليه‌السلام كتب الله له ثمانين حجّة مَبرورة »(١) .

٧ - حدَّثني أبو العبّاس الكوفيُّ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن الخَيبريّ، عن موسى بن القاسم الحَضرميّ « قال: قدم أبو عبداللهعليه‌السلام في أوَّل ولاية أبي جعفر(٢) فنزل النّجف، فقال: يا موسى اذهب إلى الطّريق الأعظم فقِف على الطّريق فانظر فإنّه سَيأتيك رجلٌ مِن ناحية القادِسيّة، فإذا دنا منك فقل له: ههنا رَجلٌ مِن وُلد رَسول الله يدعوك، فسيجيء معك، قال: فذهبت حتّى قمتُ على الطَّريق والحرُّ شديد، فلم أزل قائماً حتّى كدتُ اُعصي وأنصرف وأدَعه، إذ نظرتُ إلى شيءٍ يقبل شبه رَجل على بَعير، فلم أزل أنظر إليه

__________________

١ - لا يخفى أنّ اختلاف الثّواب لاختلاف درجات الإيمان والنّيّات والمعرفة وحكم الزّمان، كما قلنا سابقاً.

٢ - يعني الدّوانيقي العبّاسي.

١٨٢

حتّى دنا منّي، فقلت: يا هذا ههنا رجلٌ مِن ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوك وقد وَصَفك لي، قال: اذهب بنا إليه، قال: فجئت به حتّى أناخ بَعيره ناحيةً (١) قريباً مِن الخيمة، فدعا به فدخل الأعرابيُّ إليه ودنوتُ أنا فصرت إلى باب الخيمة أسمع الكلام ولا أراهم، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : مِن أين قَدِمتَ؟ قال: مِن أقصى اليمن، قال: أنتَ مِن موضع كذا وكذا؟ قال: نعَم أنا مِن موضع كذا وكذا، قال: فبما جئتَ ههنا؟ قال: جئت زائراً للحسينعليه‌السلام ، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : فجئتَ مِن غير حاجةٍ ليس الاّ للزّيارة؟ قال: جئتُ من غير حاجةٍ إلاّّ أنْ اُصلّي عنده وأزوره فاُسلّم عليه وأرجع إلى أهلي، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : وما ترون في زيارته؟ قال: نَرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا، قال: فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : أفلا أزيدك من فَضله فضلاً يا أخا اليمنيّ؟ قال: زدني يا ابن رسول الله، قال: إنَّ زيارة الحسينعليه‌السلام تعدِلُ حَجّةَ مقبولة زاكية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعجّب مِن ذلك، قال: إي والله وحَجَّتين مَبرورَتين متقبّلَتين زاكيتَين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعجّب! فلم يزل أبو عبداللهعليه‌السلام يزيد حتّى قال: ثلاثين حجّةً مبرورةً متقبِّلة زاكية مع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

__________________

١ - أناخ الجم أي أبركه.

٢ - قال الاُستاذ - أيّده الله -: المفهوم مِن الخبر أنّ زيارة الحسين عليه السلام في تلك الأزْمنة موجبةٌ لبقاء أصل الدّين الذي انحرف عن الخلفاء وأتباعهم، وزعموا جلّ النّاس - إن لم نقل كلّهم - وعامّتهم أنّهم مأمورون باتّباع العلماء الدّاعين المشهورين الّذين كانوا من أعيان الدّولة، ويزعمون أنّهم على صراط الله الحقّ مع كونهم منحرفين عنه، كما أنّهم لعنوا أوّل المسلمين ايماناً، والّذي نزلَتْ آية العصمة في بيته، بل أوجبوا طاعة الخليفة في لعنه، مع أنّ الآمر عند العارف بالحقّ لم يؤمن بالله طرفة عين.

فزيارة قبر الحسين عليه السلام المقتول الّذي نزلت فيه آية التّطهير، وقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: « حسينٌ منِّي وأنا منه »، كانت موجبةً لإيضاح انحراف الّذين منعوا من زيارته عن الصّراط السّويّ الّذي بعث به النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وبذلك يعرف الحقّ من الباطل ويبقى الدّين الحقّ على شاكلته،

١٨٣

٨ - وحدَّثني عليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ، عن صالِح بن عُقْبَة، عن يزيدَ بنِ عبدالمَلك « قال: كنت مع أبي عبداللهعليه‌السلام فمرَّ قومٌ على حمر، [فـ]ـقال لي: أين يريد هؤلاء؟ قلت: قبور الشُّهداء، قال: فما يمنعهم من زيارة الغريب الشَّهيد؟!! فقال له رَجل من أهل العِراق: زيارته واجبة؟ قال: زيارته خير مِن حَجّة وعُمرة، وعُمرة وحَجّة - حتّى عَدّ عشرين حَجّة وعشرين عُمْرة - ثمَّ قال: مَبرورات متقبّلات، قال: فوالله ما قمت حتّى أتاه رجل فقال: إنّي حَجَجت تِسعةَ عشر حَجّة فَادْع اللهَ أن يَرزقني تمامَ العِشرين، قال: فهل زُرتَ قبَر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: لا، قال: لزيارته خيرٌ مِن عِشرين حَجّة »(١) .

٩ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين - رحمهما الله - عن سعد بن عبدالله، عن أبي القاسم هارون بن مسلم بن سَعدانَ، عن مَسعَدَةَ بن صَدَقَةَ « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما لِمن زارَ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: تكتب له حَجّة مع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: قلت له: جُعلت فِداك حَجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نَعَم وحَجّتان، قال: قلت: جُعلتُ فِداك حَجّتان؟ قال: نَعَم وثلاث، فما زال يعدّ حتّى بلغ عَشراً، قلت: جُعلتُ فِداكَ عشر حِجَج مع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نَعَم وعشرون حَجّة، قلت: جعلتُ فِداك وعشرون؟ فما زال يعدّ حتّى بلغ خمسين، فسكت ».

١٠ - وحدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن عبدالله بن

__________________

فتكون زيارته عليه السلام علّةَ موجبةَ لبقائه، فلذا يثيب الزّائر مع عدم أمن الطّريق لزيارته، ولكنّ الحجّ لا يجب إتيانه مع عدم الاُمنيّة إن لم نقل لا يجوز، لأن الحجّ من الفروع؛ وزيارة قبر الحسين عليه السلام في تلكم الشّرائط كانت من الاُصول، ويؤيّد قولنا الخبر الآتي وما في الأبواب الآتية لا سيّما الخبر الثالث من الباب الثّامن والسّتّين.

١ - تقدّم الخبر في ص ١٧٥ تحت رقم ١٥.

١٨٤

مَيمون القَدّاح، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: ما لِمَن أتى قبرَ الحسينعليه‌السلام زائراً عارفاً بحقّه غير مُسْتَكبِر ولا مُستَنْكف؟ قال: يُكتَب له ألفُ حَجّة وألفُ عُمرة مَبرورة، وإن كان شَقيّأً كُتِبَ سعيداً، ولم يزل يخوض في رَحمة الله عزَّوجلَّ ».

الباب السّابع والسّتّون

( إنّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل عتق الرّقاب)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيُّ، عن محمّد بن الحسين الزَّيّات، عن محمّد بن سِنان، عن محمّد بن صَدَقة، عن صالِح النّيليِّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : من أتى قَبرَ الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه كتب الله له أجر مَن أعتق ألف نَسَمَة، وكمن حمل على ألف فَرَس في سبيل الله، مُسَرَّجة مُلْجَمَة ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب بإسناده مثله(١) .

٢ - وحدَّثني أبو العبّاس القرشيُّ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبَة، عن أبي سعيد المدائنيِّ « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعِلتُ فِداك آتي قبر ابن رسول الله؟ قال: نعم؛ يا أبا سعيد ائت قبرَ ابن رسولِ الله أطيبِ الأطيبين وأطهَر الأطهَرين وأبَرِّ الأبرار، فإذا زُرْتَه كتب الله لك عِتق خمسةٍ وعشرين رَقَبة »(٢) .

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن عِدَّة من أصحابنا، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبة، عن أبي سعيد المدائنيِّ قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله -.

* * * *

__________________

١ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨١ ح ٥، وفيه: « وكمن حمل على ألف فرس مسرّجة ملجمة في سبيل الله ».

٢ - تقدّم الخبر في ص ١٦٨ و ١٧٦.

١٨٥

الباب الثّامن والسّتّون

( إنَّ زُوَّار الحسين عليه السلام مشفّعون)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهري، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى بن عِمران الأشعريّ، عن موسى بن عُمَرَ، عن عليَّ بن النُّعمان، عن عبدالله بن مُسكانَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوَّار قبر الحسينعليه‌السلام قبل أهل عَرفات(١) ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفِّعهم في مسائلهم، ثمَّ يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن صَفوانَ بن يحيي - عن رَجل - عن سَيف التَّمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعتَه يقول: زائرُ

____________

١ - قال العلاّمة الأميني - رحمه الله -: الظّاهر أنّ المراد بالتّجلّي والإتيان والإقامة والمخالطة المذكورة في أخبار الباب معنى واحد وهو تجلّيه سبحانه بمظاهر الجلال والجمال تشريفاً لتلك البُقعة القُدسيّة ولمن حلَّ فيها ومَن أمّها كما تجلّى للجبل فجعله دكّاً، غير أنّ ذلك كان تجلّى قهرٍ وجبروتٍ، فدكَّ الجبل وخرَّ موسى صَعِقاً، وهذا تجلّى عَطْفٍ ولطفٍ يتحمّله الموضع ومَن فيه على أنَّ مرتبة السِّبط الشَّهيد صلوات الله عليه لا شكَّ أنّها أرقى مِن مرتبة الكليم عليه السلام، وبنسبته مرتبة صَقْعه إلى صَقْع الكليم فلا يندكّ ولا يخرّ صاحبه بما لم يتحمّله موسى عليه السلام والجبل، وإذا كان ذلك تعقّبه من آثاره ما ذكر في الحديث مِن قضاء الحوائج وغفران الذّنوب وغيرهما ولا يبدو من هذا التّجلّي للعامّة إلاّ آثاره لعدم تحمّلهم ذلك، نَعم قد يظهر لم يكشف له الغطاء - كما مرّ في الكتاب ذيل الخبر ٤ في ص ١٢٢ - أنّ الإمام عليه السلام كان يبادر إلى زيارة الحسين عليه السلام لإدراك زيارة الرّبّ تعالى له صلوات الله عليه المعنّى بها هذا الّذي ذكرناه - انتهى أقول في المفردات: « الصّاعِقَة والصّاقِعَة يتقاربان، وهما الهَدَّة الكبيرة، إلاّ أنّ الصَّقْعَ يقال في الأجسام الأرضيّة، والصَّعْق في الأجسام العُلوية ».

١٨٦

الحسينعليه‌السلام مشفِّعٌ يوم القيامة لمائة رَجل كلّهم قد وجبتْ لهم النّار ممّن كان في الدَّنيا مِن المسرفين ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين؛ وعليُّ بن محمّد بن قولُويه جميعاً، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى، عن العَمْركي بن عليٍّ البوفكيِّ قال: حدَّثنا يحيى - وكان في خِدمة أبي جعفر الثّاني - عن عليّ(١) ، عن صَفوانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث له طويل(٢) - « قلت: فما لمن قتل عنده - يعني عند قبر الحسينعليه‌السلام - جارَ عليه السّلطان فقتله، قال: أوَّل قطرة مِن دَمِه يغفر له بها كلُّ خطيئَة، وتغسل طينته الّتي خُلق منها الملائكة حتّى يخلص كما خلصت الأنبياء المخلَصين، ويذهب عنها ما كان خالطها مِن أدناس طين أهل الكفر والفَساد، ويغسل قلبه ويشرح ويملأ إيماناً(٣) ، فيلقى الله وهو مخلّص من كلِّ ما تُخالِطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شَفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتتولّى الصّلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه مِنَ الجنّة، ويوسّع قبره ويوضع له مصابيح في قبره، ويفتح له باب من الجنّة، وتأتيه الملائكة بُطرَفٍ مِنَ الجنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حَظِيرَةِ القُدس(٤) ، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتّى تصيبه النّفخة الّتي لا تبقى شيئاً.

فإذا كانت النَّفخة الثّانية وخرج من قبره كان أوَّل مَن يصافِحَه رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأوصياء [عليهم‌السلام ]، ويبشّرونه ويقولون له: ألزمنا ويقيمونه على الحوض، فيشرب منه ويسقى مَن أحبّ ».

__________________

١ - يعني ابن الحكم، كما مرّ.

٢ - تقدّم الخبر بتمامه في ص ١٣٢ تحت رقم ١.

٣ - في الخبر المتقدّم: « ويشرح صدره ويملاُ إيماناً ».

٤ - المراد به الجنّة، وهي في الأصل الموضع الّذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم لتقيها البرد والرّيح.

١٨٧

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن أورَمَة، عن أبي - عبدالله المؤمن(١) ، عن ابن مُسكانَ، عن سليمانَ بن خالد، عن أبي - عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إنَّ ‏للهِ في كلِّ يوم ولَيلةٍ مائة ألف لحظةٍ إلى الأرض(٢) يغفر لِمَن يشاء منه ويُعذّب مَن يَشاء منه ويغفر لزائري قبر الحسينعليه‌السلام خاصّة ولأهل بيتهم ولمن يشفع له يوم القيامة كائناً مَن كان، [وإن كان رَجلاً قد استوجبه النّار، قال: ] قلت: وإن كان رَجلاً قد استوجبه النّار؟ قال: وإن كان، ما لم يكن ناصبيّاً ».

٥ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن وضّاح، عن عبدالله بن شعيب التّيميِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ينادي منادٍ يوم القيامة: أين شيعة آل محمَّد؟! فيقوم عُنق مِن النّاس - لا يُحصِيهم إلاّ الله تعالى - فيقومون ناحية من النّاس، ثمَّ ينادي منادٍ: أين زوَّار قبر الحسين؟ فيقوم اُناس كثير، فيقال لهم: خذوا بيد مَن أحببتم؛ انطلقوا بهم إلى الجنَّة، فيأخذ الرَّجل مَن أحبَّ حتّى أنَّ الرَّجل مِن النّاس يقول لرجلٍ: يا فلان أما تعرفني أنا الَّذي قمت لك يوم كذا وكذا(٣) ، فيدخله الجنّة، لا يدفع ولا يمنع ».

الباب التّاسع والسّتّون

( إنَّ زيارة الحسين عليه السلام يُنفّس بها الكرب وتقضى بها الحوائج)

١ - حدّثني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيمَ بن عبدالله الموسويّ العلويّ، عن عبيدالله بن نَهِيك(٤) ، عن ابن أبي عُمَير، عن هِشام بن الحكم، عن فضيل

__________________

١ - يعني زكريّا بن محمّد.

٢ - لحظه أي نظر إليه.

٣ - يعني القيام لوروده في مجلس فلان.

٤ - الظّاهر كونه عبدالله بن أحمد بن نَهيك أبا العبّاس الكوفي النّخعيّ، وفي بعض النّسخ: « عبدالله ». وقد تقدّم كراراً.

١٨٨

ابن يسار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروب إلاّ نَفّس اللهُ كُرْبَته، وقضى حاجته ».

٢ - وعنه، عن عبدالله بن نَهيك، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن سَلَمة صاحب السّابريِّ، عن أبي الصّبّاح الكِنانيِّ(١) « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنَّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروبٌ إلاّ نفّس الله كُربتَه، وقضى حاجته، وإنَّ عنده أربعة آلاف ملك منذ [يوم] قبض شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة، فمن زارَه شيّعوه إلى مأمنه، ومَن مرض عادوه، ومَن اتّبعوا جنازته ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن عليِّ بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عَمرو الزَّيّات، عن كِرام(٢) ، عن إسماعيلَ بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول إنَّ الحسينعليه‌السلام قُتل مَكروباً، وحَقيقٌ على الله أن لا يأتيه مَكروبٌ إلاّ رَدّه الله مُسروراً ».

٤ - وحدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن مفضّل بن صالِح، عن محمّد بن عليٍّ الحلبيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ اللهَ عرض ولايتنا على أهل الأمصار، فلم يقبلها إلاّ أهل الكوفة، وإنَّ إلى جانبها قبراً لا يأتيه مكروبٌ فيصلّي عنده اربع رَكعات إلاّ رجعه الله مَسروراً بقضاء حاجته ».

٥ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العَلاء بن رَزين، عن محمَّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: إنّ الحسين صاحب كربلاء قُتل مظلوماً مَكروباً عَطشاناً لَهفاناً، وحقٌّ على الله عزَّوجَلَّ أن لا يأتيه لَهفانٌ(٣) ولا مَكروبٌ ولا مُذنبٌ ولا مَغمومٌ ولا عَطشانٌ ولا ذو عاهةٍ ثمَّ دعا عنده وتقرَّب بالحسينعليه‌السلام (٤) إلى الله عزَّوجَلَّ إلاّ

__________________

١ - يعني إبراهيم بن نعيم العبديّ، وكان أبو عبدالله عليه السلام يسمّيه الميزان لثقته. ( صه )

٢ - مرّ ضبطه في ص ١٤٠.

٣ - اللَّهْفان: المتحسّر، والمكروب.

٤ - أي تقرّب إلى الله عزّوجلّ بزيارة الحسين عليه السلام.

١٨٩

نفَّس الله كُربتَه، وأعطاه مسألتَه، وغفر ذنوبه، مَدَّ في عمره، وبسط في رِزقه، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي؛ ومحمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ، عن العَمْركي، عن يحيى - وكان في خدمة أبي جعفر - عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ بظهر الكوفة لقبراً ما أتاه مَكروبٌ قطّ إلاّ فرَّج الله كُربته - يعني قبر الحسينعليه‌السلام - ».

٧ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن ناجية، عن عامِر بن كثير، عن أبي النُّمَير(١) « قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : إنَّ ولايتنا عرضت على أهل الأمصار فلم يقبلها قبول أهل الكوفة، وذلك لأنَّ قبر عليٍّعليه‌السلام فيها، وإنَّ إلى لِزْقه(٢) لقبراً آخر - يعني قبر الحسينعليه‌السلام - فما مِن آتٍ يأتيه فيصلّي عنده رَكعتين أو أربعة ثمَّ يسأل الله حاجته إلاّ قضاها له، وإنّه ليَحُفُّ به(٣) كلَّ يوم ألفُ مَلَك ».

٨ - حدَّثني أبو العبّاس الكوفيِّ، عن محمّد بن الحسين، عن صَفوانَ، عن الوليد بن حَسّان، عن ابن أبي يَعْفور « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : دعاني الشَّوقُ إليك إن تجشّمت إليك(٤) على مَشقّة، فقال لي: لا تَشكُ ربَّك؛ فهلاّ أتيتَ مَن كان أعظم حَقّاً عليك منّي؟! فكان من قوله: « فهلاّ أتيت مَن كان أعظم حقّاً عليك منّي » أشدّ عليَّ مِن قوله: « لا تَشكُ رَبَّك »، قلت: ومَن أعظم عليَّ حَقّاً منك؟ قال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، ألا أتيت الحسينعليه‌السلام فدعوت الله عنده وشكوتَ إليه حوائجك؟! ».

٩ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن إبراهيمَ بن محمّد، عن عليِّ بن المُعلّى، عن إسحاقَ بنِ زياد(٥) « قال: أتى رجلٌ أبا عبدالله

__________________

١ - كأنّه مولى الحارث بن المغيرة، وحاله مجهول.

٢ - إلى لزقة - بالكسر - أي إلى جانبه.

٣ - أي يطوف به.

٤ - تجشّم الأمر تكلّفه على مشقّة.

٥ - في بعض النّسخ: « إسحاق بن يزداد » وهو مهمل بكِلى العنوانين.

١٩٠

عليه السلام فقال: إنّي قد ضربت على كلِّ شيءٍ لي ذَهَباً وفِضَّةً؛ وبِعتُ ضياعي، فقلت: أنزل مكّة، فقال: لا تفعل، فإنَّ مكّة يكفرونَ بالله جَهرَة، قال: ففي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: هم شرِّ منهم، قال: فأين أنزل؟ قال: عليك بالعِراق الكوفة، فإنَّ البركة منها على اثني عشر ميلاً - هكذا وهكذا - وإلى جانبها قبرٌ ما أتاه مكروب قطّ ولا ملهوف إلاّ فرَّج الله عنه »(١) .

الباب السّبعون

( ثواب زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز الكوفيُّ، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبة، عن بشير الدَّهّان « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ربّما فاتني الحجّ فاُعَرِّف عند قبر الحسينعليه‌السلام (٢) ، فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجّة، وعشرين عُمْرَة مبرورات متقبّلات، وعشرين غَزوة مع نبيٍّ مُرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائةَ حَجّة ومائةَ عُمْرة، ومائة غَزوة مع نبيٍّ مُرسل أو إمام عدل، ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقّه كتب الله له ألفَ حجّة وألفَ عُمرَة متقبّلات، وألفَ عزوة من نبيٍّ مُرسل أو إمام عدل، قال: فقلت له: وكيف لي بمثل الموقف، قال فنظر إليّ شبه المُغضِب، ثمَّ قال: يا بشير إنَّ المؤمن إذا أتى قبر الحسينعليه‌السلام يوم عرفة واغتسل في الفرات، ثمَّ توجّه إليه كتب الله له بكلّ خطوة حجّة

__________________

١ - يحتمل أن يكون عليه السلام أشار إلى جانبي الغَريّ وكربلاء، لا إلى جميع الجوانب، ويحتمل أن يكون أشار إلى جميع الجوانب، وإنّما ذكر الرّاوي مرّتين اختصاراً. ( البحار )

٢ - التّعريف - على ما ذكره الجوهريّ -: الوقوف بعرفات، أي أعمل أعمال عَرَفة من الغُسْل والدُّعاء وغيرهما في يوم عَرَفة عند قبره عليه السلام.

١٩١

بمناسكها - ولا أعلمه إلاّ قال: وغَزوَة - ».

٢ - وحدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن عليِّ بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عمرو بن سعيد الزَّيّات، عن داود الرَّقّيِّ « قال: سمعت أبا عبدالله؛ وأبا الحسن موسى بن جعفر وأبا الحسن عليّ بن موسىعليهم‌السلام وهم يقولون: « مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام بعرفة قلبه الله ثَلِج الفُؤاد(٢) ».

٣ - وعنهم، عن سعد، عن الهَيْثم بن أبي مَسْروق النَّهديّ، عن عليِّ بن أسباط - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ الله تبارك وتعالى يبدء بالنّظر إلى زُوَّار قبر الحسينعليه‌السلام عَشيَّة عَرَفة، قال: قلت: قبل نظرة لأهل الموقِف؟ قال: نَعَم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لأنَّ في أولئك أولاد زنا؛ وليس في هؤلاء أولاد زنا »(٢) .

__________________

١ - أي مطمئن القلب، ذا يقين في العقائد الإيمانيّة، أو مَسروراً بالمغفرة والرّحمة، وقد ذهب عنه الكروب والأحزان. قال في النّهاية: يقال: ثَلِجتْ نفسي بالأمر إذا اطمأنّت إليه وسكنت، وثبت فيها ووثِقَتْ به. ( البحار ) وللمولى المجلسيّ ( ره ) بيانٌ آخر، راجع الفقيه ج ٢ ص ٥٨٠ ذيل الخبر ٣١٧٠.

٢ - قال اُستاذنا الغفّاري - أيّده الله -: الظّاهر أنّ « أولاد الزّنا » هنا اصطلاحيّ لا لغويّ، والمراد بهم النُّصّاب اللاّعنين عليّاً عليه السلام الّذين يزعمون أنَّ اللَّعن عليه - نستجير بالله - عبادة ويتقرّبون به إلى الله تعالى، مع أنّهم يعلمون بل يعترفون بأنّه أوَّل مَن آمن، وهو الّذي غسّل رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفنه، وفي بيته نَزَلَتْ آية التّطهير، فهم والخوارج سواء بل هم أضلّ من الخوارج، والعجب ممَّن يدافع عنهم! حتّى يكون فيهم مَن يقول بجواز لَعن لاعِنِ يزيد الملعون الّذي أمر بقتل الحسين وذراري آل محمّد عليهم السلام في أوّل سنة خلافته، وفي السّنة الثّانية أرسل مسلم بن عُقْبة المُرّي إلى مدينة الرّسول وارتكب ما ارتكب بوقعة الحرّة المشهورة، وقتل من الموالي ثلاثة آلاف رجل، ومن الأنصار ألفاً وأربعمائة أو سبعمائة، ومِن قريش ألفاً وثلاثمائة ودخل جنده المدينة فنهبوا الأموال وسبّوا الذّرّيّة واستباحوا الفروج وحملت منهم ثمانمائة حرّة، وفي السّنة الثّالثة رمى الكعبة بالمنجنيق، و و و، فالمراد بأولاد الزّنا هو وأعوانه في الاصطلاح.

١٩٢

٤ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن عليِّ بن النّعمان، عن عبدالله بن مُسكانَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى يتجلّى(١) لزوَّار قبر الحسينعليه‌السلام قبل أهل عَرَفات، ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفّعهم في مسائلهم، ثمَّ يثني أهل عَرَفة فيفعل ذلك بهم ».

٥ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن حَمدانَ بن سليمان النَّيسابوري أبي سعيد قال: حدَّثنا عبدالله بن محمّد اليمانيُّ، عن مَنيع بن الحجّاج، عن يونسَ بن يعقوبَ ابن عمّار(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن فاتَتْه عَرَفة بعَرَفات فأدركها بقبر الحسينعليه‌السلام لم يفُتْه، وإنَّ الله تبارك وتعالى ليبدء بأهل قبر الحسين قبل أهل العَرفات، ثمَّ يخالطهم في نفسه(٣) ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد، عن جدِّه الحسن، عن يونس بن ظَبْيان « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : مَن زار الحسينعليه‌السلام ليلة النّصف مِن شعبان وليلة الفطر وليلة عرفة في سنة واحِدَة كتب الله له ألفَ حَجّة مَبرورة، وألف عُمرَة متقبّلة، وقُضيتْ له ألف حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة ».

٧ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن حَنان بن سَدير، عن أبيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا كان يوم عَرَفة اطّلع الله تعالى على زُوَّار قبر

__________________

١ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١٨١ ذيل الخبر ١.

٢ - هو يونس بن يعقوب بن قيس الجلاّب البجليُّ الدُّهنيّ، اُمّه منيّة بنت عمّار بن أبي معاوية الدّهنيّ اُخت معاوية بن عمّار، وله كتاب الحجّ، وما في بعض النّسخ: « عن عمّار » أو « عن حمّاد » تصحيف، والمراد بابن عمّار: سبط عمّار.

٣ - في بعض النّسخ: « بنفسه ».

١٩٣

أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام فقال لهم: استأنفوا (١) فقد غَفَرتُ لكم، ثمَّ يجعل إقامته على أهل عرفات »(٢) .

٨ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين - عمّن ذكره - عن عُمَرَ بن الحسن العَرزَميِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إذا كان يوم عرفة نظر الله إلى زوَّار قبر الحسينعليه‌السلام فيقول: ارْجعوا مغفوراً لكم ما مضى؛ ولا يكتب على أحد منهم ذَنبٌ سَبعين يوماً مِن يوم ينصرف »(٣) .

٩ - حدَّثني أبي؛ وجماعة أصحابيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ جميعاً، عن العَمْرَكي بن عليٍّ، عن يحيى - الخادم لأبي جعفر الثّاني - عن محمّد بن سِنان، عن بشير الدَّهّان « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول - وهو نازل بالحِيرة وعنده جماعة من الشّيعة - فأقبل إليَّ بوجهه فقال: يا بشير أحَجَجت العامّ؟ قلت: جُعِلتُ فِداكَ لا؛ ولكن عَرَّفتُ بالقبر(٤) - قبر الحسينعليه‌السلام - فقال: يا بَشير والله ما فاتك شيءٌ ممّا كان لأصحاب مَكّة بمكّة، قلت: جُعِلتُ فِداكَ فيه عرفات؟ فَسِّره لي، فقال: با بشير إنَّ الرَّجل منكم ليغتسل على شاطِىء الفرات، ثمَّ يأتي قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقِّه فيعطيه اللهُ بكلِّ قدم يرفعها [أ] ويضعها مائة حَجَّة مقبولة ومائة عُمرة مَبرورة، ومائة غَزوَة مع نبيٍّ مرسل إلى أعداء الله وأعداء رَسوله(٥) ، يا بشيرُ اسْمعْ وأبلغ مَن احتمل قلبُه: مَن زارَ الحسينعليه‌السلام يومَ عَرَفة كان كمن زارَ الله في عرشه ».

__________________

١ - استأنف العمل أي أخذ فيه وابتدء، ومنه الاستيناف أي إعادة الدّعوى في مجلس الاستيناف.

٢ - تقدّم الكلام فيه راجع ص ١٨١ ذيل الخبر ١ - كما مرّ.

٣ - يعني يحفظهم الله مِن ارتكاب الذّنوب، لا بمعنى أنّهم يرتكبون لكن لا يكتب عليهم، فإنّ الله تعالى يقول: «وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ » [يس: ١٢]، و «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ » [النّساء: ١٢٣].

٤ - يريد به الوقوف بقبره عوضاً عن الوقوف بعرفات.

٥ - في بعض النّسخ: « إلى أعدى عدوّ له ».

١٩٤

١٠ - حدَّثني محمّد بن عبدالمؤمنرحمه‌الله عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد الكوفيِّ، عن محمّد بن جعفر بن إسماعيل العَبديّ، عن محمّد بن عبدالله بن مِهران(١) ، عن محمّد بن سِنان، عن يونسَ بن ظَبْيان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن زارَ قبرَ الحسينعليه‌السلام يوم عرفة كتب الله له ألفَ ألفَ حَجّةٍ مع القائم، وألفَ ألفَ عُمرَةٍ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعتق ألف ألف نَسمةٍ، وحملان ألف ألف فَرَسٍ في سبيل الله، وسَمّاه الله عبدي الصّدّيق آمَن بوَعدي، وقالتِ الملائكة: فلانٌ صدِّيق؛ زَكّاه الله مِن فَوق عَرْشه، وسمّي في الأرض كَروباً »(٢) .

١١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع، عن صالِح بن عُقْبة، عن بشير الدَّهّان « قال: قال جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : من زارَ قبرَ الحسينعليه‌السلام يوم عرفة عارفاً بحقّه كتب الله له ثوابَ ألفِ حَجّة، وألفِ عُمْرة، وألفِ غزوة مع نبيٍّ مرسل، ومَن زارَ أوَّل يوم مِن رَجَبَ غفر الله له البتَّة ».

١٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد، عن محمّد بن سِنان، عن أبي سعيد القَمّاط، عن بَشّار(٣) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن كان مُعْسِراً فلم يتهيّأ له حَجّة الإسلام فليأتِ قبرَ الحسينعليه‌السلام ، وليعرّف عنده، فذلك يجزئه عن حَجّة الإسلام، أما إنّي لا أقول يجزئ ذلك عن حَجّة الإسلام إلاّ للمُعسِر، فأمّا الموسِر إذا كان قد حجّ حَجّة الإسلام،

__________________

١ - الخبر مذكور في التّهذيب ج ٦ ص ٥٦ ح ٢٨ وليس في سنده « عن محمّد بن عبدالله بن مهران ».

٢ - أي حافظاً، حارساً، مقرّباً. واللّفظ عبراني. قال في القاموس: « الكروبيّون - مخفّفة الرّاء -: سادة الملائكة ».

٣ - بشّار - بفتح الباء الموحّدة وتشديد الشّين المعجمة -، والظّاهر كونه ابن يسار الضُّبَيْعيِّ الكوفيّ الثّقة.

١٩٥

فأراد أن يتنفّل بالحجّ أو العُمرَة ومنعه مِن ذلك شغل دنيا أو عائق فأتى قبرَ الحسينعليه‌السلام في يوم عَرَفة أجزأه ذلك عن أداء الحجّ أو العُمرة وضاعف الله له ذلك أضعافاً مضاعَفَة، قال: قلت: كم تَعدِل حَجّة وكم تَعدِل عُمْرة؟ قال: لا يحصى ذلك، قال: قلت: مائة؟ قال: ومَن يحصي ذلك؟ قلت: ألف؟ قال: وأكثر، ثمَّ قال: وإن تَعدُّوا نعمةَ الله لا تحصوها، إنَّ الله واسعٌ كريم »(١) .

الباب الحادي والسّبعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء)

١ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وجماعة مشايخيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عليٍّ المدائنيِّ قال: أخبرني محمّد بن سعيد البَجليِّ، عن قَبيصة(٢) ، عن جابر الجُعفيِّ « قال: دخلت على جعفر بن محمّدعليهما‌السلام في يوم عاشوراء فقال لي ( كذا ): هؤلاء زُوَّار الله وحَقٌّ على المزور أن يُكرِمَ الزّائر، مَن باتَ عند قبر الحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء لقى الله ملطّخاً بدمه يوم القيامة كأنّما قُتل معه في عَرْصَته(٣) ، وقال: مَن زار قبرَ الحسينعليه‌السلام ليوم عاشوراء(٤) وبات عنده كان كمن استشهد بين يديه ».

٣ - حدَّثني أبو عليٍّ محمّد بن هَمّام قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك الفَزاريُّ قال: حدّثني أحمد بن عليِّ بن عُبَيد الجعفيُّ قال: حدَّثني حسين بن سليمان،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « واسعٌ عليم ».

٢ - بالقاف والباء والصّاد المهملة والياء المثنّاة التّحتيّة مكبّراً، مشترك بين ابن شَدّاد وابن مُخارق، عدّه الشّيخ ( ره ) في رجاله الأوّل مِن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، والثّاني مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

٣ - العرصة كضربة: ساحة الدّار. وصحّف في بعض النّسخ بـ « عصره ».

٤ - في بعض النّسخ: « أي يوم عاشوراء ».

١٩٦

عن الحسين بن راشد (١) ، عن حمّاد بن عيسى، عن حَريز، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « مَن زار الحسين يوم عاشوراء وجَبتْ له الجنّة ».

٣ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن يعقوبَ بن يزيدَ الأنباريّ، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن زَيدٍ الشّحّام، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن زارَ قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام يوم عاشوراء عارفاً بحقِّه كان كمن زار الله في عرشه »(٢) .

٤ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن المعلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور العَمّيِّ(٣) - عمّن ذكره - عنهم ( كذا )عليهم‌السلام « قال: مَن زار [قبر] الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء كان كمن تشحّط بدمه(٤) بين يديهعليه‌السلام ».

٥ - وروى محمّد بن أبي سَيّار(٥) المدائني بإسناده « قال: من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسينعليه‌السلام كان كمن سقى عسكر الحسينعليه‌السلام وشهد معه ».

٦ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويّ، عن عبيدالله بن نَهِيك، عن ابن أبي عُمَير، عن زَيدٍ الشَّحّام، عن جعفر بن محمّد الصّادقعليهما‌السلام « قال: مَن زار الحسينعليه‌السلام ليلة النّصف مِن شعبان غفر الله له ما تقدَّم مِن ذنوبه وما تأخّر، ومَن زاره يوم عَرَفة كتب الله له ثواب ألف حَجّة متقبّلة وألف عُمرَة مَبرورة، ومَن زاره يوم عاشوراء فكأنّما زار الله فوق عرشه ».

حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحِميريِّ، عن محمّد بن الحسين، عن حَمدانَ بنِ المُعافا(٦) ، عن ابن أبي عُمَير، عن زَيدٍ الشَّحّام،

__________________

١ - في جلّ النّسخ: « الحسين بن أسد »، والظّاهر تصحيفة، وفي التّهذيب كما في المتن. وقيل: هو الحسن بن راشد - مكبّراً -.

٢ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١١٤ ذيل الخبر ١.

٣ - هذه النّسبة إلى « العمّ » - بالفتح والتّشديد - وهو بطن مِن تميم. ( اللّباب في الأنساب )

٤ - تشحّط بالدّم: تضرّج به.

٥ - في بعض النّسخ: « أبي يسار ».

٦ - حمدان - بفتح الحاء المهملة - ابن المُعافا - بالميم المضمومة والعين المهملة والفاء، هو أبو جعفر الصَّبيحيّ، مولى جعفر بن محمّد عليهما السلام.

١٩٧

عن أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله.

٧ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم؛ وغيره، عن محمّد بن موسى الهَمدانيِّ، عن محمّد بن خالد الطّيالسيِّ، عن سيف بن عَمِيرة؛ وصالِح بن عُقْبة جميعاً، عن عَلقمةَ بنِ محمّد الحَضرميّ؛ و ( كذا ) محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبة، عن مالك الجُهنيّ، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام « قال: مَن زار الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء من المحرَّم حتّى يظلَّ عنده باكياً لقي الله تعالى يوم القيامة بثواب ألفَـ[ـي] ألف حَجّة وألفَـ[ـي] ألف عُمرة، وألفي ألف غَزوة، وثواب كلِّ حَجّة وعُمرة وغزوة كثواب مَن حجّ واعتمر وغَزا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومع الأئمّة الرَّاشدين صلوات الله عليهم أجمعين.

قال: قلت: جُعِلتُ فِداك لِمَن كان في بُعدِ البلاد واقاصيها ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟ قال: إذا كان ذلك اليوم بَرزَ إلى الصَّحراء أو صَعد سَطحاً مُرتفعاً في دارِه، وأومأ إليه بالسّلام، واجتهد على قاتله بالدُّعاء، وصلّى بعد رَكعتين يفعل ذلك في صَدرِ النَّهار قبل الزَّوال، ثمَّ ليندُب الحسينعليه‌السلام ويَبكيه ويأمر مَن في داره بالبُكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبُكاء بعضهم بعضاً في البيوت، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسينعليه‌السلام ، فأنا ضامِنٌ لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزَّوجلَّ جميع هذا الثَّواب، فقلت: جُعِلتُ فِداك وأنت الضّامِن لهم إذا فعلوا ذلك والزَّعيم به؟ قال: أنا الضّامن لهم ذلك والزَّعيم لمن فعل ذلك.

قال: قلت: فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟ قال: يقولون: عَظَّم اللهُ اُجُورَنا بِمُصابنا بِالحسينِعليه‌السلام ، وجَعَلَنا وإيّاكم مِن الطّالِبين بِثأرِه مع وَليّه الإمام المَهديّ مِن آل محمّدٍ؛ فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير رُشْداً، ولا تدَّخِرنَّ لمنزلك شيئاً، فإنّه مَن ادَّخر لمنزلِه شيئاً في ذلك اليوم لم يُبارك له فيما يدَّخره ولا يُبارك له في أهله، فمن فعل ذلك كُتِبَ له ثوابُ ألفِ ألفِ حَجّة و

١٩٨

ألف ألف عُمرة، وألف ألف غَزوة كلُّها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان له ثواب مصيبة كلِّ نبيٍّ ورَسولٍ وصِدِّيق وشَهيدٍ مات أو قُتِل منذ خلق الله الدُّنيا إلى أن تقوم السّاعة.

قال صالِح بن عُقْبَةَ الجُهَنيُّ وسيف بن عَمِيرةَ: قال عَلْقَمَةُ بنُ محمّد الحَضرَميُّ: فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : علِّمني دُعاءً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زُرْتُه مِن قَريب، ودُعاءً أدعو به إذا لم أزُرْهُ مِن قريب، وأومأتُ إليه مِنْ بُعْدِ البلاد ومِن سَطحِ داري بالسَّلام، قال: فقال: يا عَلْقمَة إذا أنت صَلّيت رَكعتين بعد أن تؤمي إليه بالسَّلام وقلت عند الإيماء إليه [و] مِن بَعد الرَّكعتين هذا القول فإنّك إذا قلتَ ذلك فقد دعوت بما يدعو به مَن زارَه مِن الملائكة، وكَتَبَ اللهُ لك بها ألفَ ألفَ حَسَنة، ومحى عنك ألفَ ألفَ سيِّئةٍ، ورَفع لك مائةَ ألف ألف دَرجةٍ، وكنت ممّن استشهد مع الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام حتّى تُشاركهم في درجاتهم، ولا تُعرَف إلاّ في الشُّهداء الّذين استشهدوا معه، وكُتِبَ لك ثَواب كلِّ نبيٍّ ورسول وزيارة مَن زارَ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام مُنذُ يوم قُتِل، [تقول: ]

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، [السَّلامُ عَلَيكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وابْنَ خِيَرَتِه] السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أميرِ المُؤمِنينَ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثأرَ اللهِ وَأبْنَ ثَأرِهِ وَالْوِتْرَ المَوتُور (١) ،السَّلامُ عَلَيكَ وعَلى الأرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بفِنائِكَ وأناخَتْ بِرَحْلِكَ، عَلَيكُمْ مَنّيِ جَميعاً سَلامُ اللهِ أبَدَاً مابَقِيتُ وَبَقيَ اللَّيْلُ والنَّهارُ، يا أبا عَبْدِالله لَقَد عَظُمَتِ [الرَّزيَّةُ وَجَلَّتِ] المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ أهْلِ السَّماواتِ [وَالأرْضِ]، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسَّسَتْ أساسَ الظُّلم وَالجَورِ عَلَيْكُمْ أهْلَ الْبَيْتِ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ؛ وَأزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ، وَلَعَنَ اللهُ المُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ [بَرِئتُ إلىَ اللهِ وَإليْكُم مِنهُمْ] وَمِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ، يا

__________________

١ - قوله: « يا ثأر الله » قال الكفعميّ: معناه أنَّه سبحانه هو صاحب ثأره والمُطالِب به. وقوله: « والوِتْر الموتور »، قال في القاموس: « المَوتور هو مَن قُتِلَ له قَتيل فلم يُدْرِكْ بِدَمه ».

١٩٩

أبا عَبْدِالله إنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لمنْ حارَبَكم إلى يَوم القِيامَةِ، فلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَّيَّة قاطِبَةً، ولَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، ولَعَنَ الله عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ، وَلَعَنَ الله شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسْرَجَتْ وَألْجمَتْ وَتَهيَّأَتْ لِقِتالِكَ، يا أبا عَبْدِالله بأبي أنْتَ وَاُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ (١) فَأسْألُ اللهَ الَّذي أكْرَمَ مَقامَكَ أنْ يُكْرِمَني بِكَ وَيَرْزُقَني طَلَبَ ثَأرِكَ مَع إمامٍ مَنْصُورِ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهُمَّ اجْعَلْني وَجيهاً عِنْدَكَ بِالحُسَينِ في الدُّنيا وَالآخِرَة، يا سَيِّدي يا أبا عَبْدِاللهِ إنّي أتَقَرَّبُ إلى اللهِ [تَعالى] وإلى رَسُولِهِ وَإلى أمير المؤمِنينَ وإلى فاطِمَةَ وَإلى الحسَنِ وَإلَيْكَ، صَلّى اللهُ عَلَيكَ وَسَلّم، وَعَلَيْهم بِمُوالاتِكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَبالْبَراءةِ مِنْ أعْدائِكَ وَمِمّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَرْبَ، وَمِنْ جميع أعْدائِكُمْ، وَبِالبَراءَةِ ممَّن أسَّسَ الجَورَ وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ وَأجْرى ظُلْمَهُ وَجَورَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلى أشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنهُم، وَأتَقَرَّبُ إلى اللهِ ثُمَّ إلَيْكُمْ بِموالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَليِّكُمْ وَالبَراءةِ مِنْ أعدائِكُمْ، وَمِنَ النّاصِبيّينَ لَكُمُ الحَرْبَ وَالْبَراءَةَ مِنْ أشْياعِهمْ وَأتْباعِهمْ، إنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُم، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، وَوَليٌّ لِمَنْ والاكُمْ، وَعَدُوٌ لِمَن عاداكُمْ، فأسألُ اللهَ الَّذي أكْرَمَني بمعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أوْليائِكُمْ وَرَزَقَني الْبَراءةَ مِنْ أعْدائِكُمْ أنْ يَجْعَلَني مَعَكم في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وأنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَم صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأسْأَلُهُ أنْ يُبَلِّغَني المقامَ المَحْمُودِ لَكم عِندَ اللهِ، وَأنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثَأرِكم مَع إمام مَهْديّ ناطِقٍ لَكُمْ، وَأسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أنْ يُعطيَني بِمُصابي بِكُم أفْضَلَ ما أعْطى مُصاباً بمُصيبَةٍ أقول: « إنّا لله وَإنّا إلَيْهِ راجِعُون »، يالَها مِنْ مُصيبَةٍ، ما أعْظَمَها وَأعْظَم رَزِيَّتها في الإسْلام! وفي جَميعِ أهْلِ السَّماواتِ وَالأَرض (٢) اللّهُمَّ اجْعَلْني في مَقامِي هذا ممَّن تَنالُهُ مِنكَ صَلَواتٌ وَرَحمةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اللّهُمَّ اجْعَلْ مَحيايَ مَحيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهُمّ إنَّ هذا يَومٌ تَنزَّلَتْ فيهِ اللَّعْنَةُ (٣) عَلى آلِ زيادٍ وَآلِ اُمَيَّةَ وَابْنِ آكِلَةِ الأكْبادِ، اللَّعِينِ بُنِ اللَّعِينِ، عَلى لِسانِ نَبيِّكَ، في كلِّ مَوطِنٍ وَمَوقِفٍ وَقَفَ

__________________

١ - المُصاب: الشّدّة النّازلة.

٢ - في بعض النّسخ: « الأرضين ».

٣ - في البحار: « تنزّل فيه اللّعنة ».

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357