كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149646 / تحميل: 9448
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الباب الرَّابع

( فضل الصّلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله)

( وثواب ذلك)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمدَ بنِ الوليد، عن محمّد بن الحسن الصَفّار، عن أحمد بن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن عَمرو بن سعيد، عن مُصدّق بن صَدَقة، عن عمّار بن موسى السّاباطيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته عن الصّلاة في مسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ هي مِثلُ الصّلاة بالمدينة؟ قالعليه‌السلام : لا لأنّ الصّلاة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بألف صَلاة، والصّلاة بالمدينة مِثلُ الصّلاة في سائر الأمصار ».

٢ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف القمّي الأشعري، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البَجَليّ - عمّن حدّثه - عن مُرازِم « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصّلاة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صلاة في مسجدي تَعدلُ ألف صلاة في غيره، وصلاة في المسجد الحرام تَعدلُ ألف صلاةٍ في مسجدي، ثمّ قال: إنّ الله فضّل مكّة وجعل بعضها أفضل من بعض، فقال: «وَاتَّخِذُوا مِن مَقامِ إبراهيمَ مُصَلًّى (١) » وقال: إنَّ الله فضَّل أقواماً وأمر باتّباعهم وأمر بمودَّتهم في الكتاب ».

٣ - حدّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع، عن أبيه إسماعيلَ، عن ابن مُسكانَ، عن أبي الصّامت(٢) « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : صلاة في مسجد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله تعدلُ بعشرة آلاف صلاةٍ ».

٤ - حدَّثني جماعة من مشايخي، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن إبراهيمَ

__________________

١ - البقرة: ١٢٤.

٢ - عدّه الشّيخ في رجاله من أصحاب الباقر والصادقعليهما‌السلام .

٢١

ابن مَهزيار، عن أخيه عليِّ، عن الحسن بن سعيد، عن صَفوانَ بن يحيى؛ وابن أبي عُمَير؛ وفَضالَةَ بن أيّوبَ جميعاً، عن معاويةَ بن عمّار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام لابن أبي يَعفور: أكثر مِن الصَّلاة في مسجد رسول الله، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: صَلاةٌ في مسجدي هذا كألف صلاةٍ في مسجد غيره إلاّ المسجد الحرام، فإنَّ صلاةً في المسجد الحرام تَعدِلُ الف صلاة في مسجدي ».

٥ - محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصَّفّار، عن سَلَمة. وحدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم، عن سَلَمةَ بنِ الخَطاب، عن عليِّ بن سَيف، عن جميل بن دُرَّاج « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صلاةٌ في مسجدي تَعدلُ الف صلاةٍ في غيره ».

٦ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم، عن سَلَمةَ بنِ الخَطّاب، عن مُصدِّق بن صَدَقة، عن عمّار بن موسى السّاباطيّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته عن الصّلاة في مسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هل مثل الصَّلاة في المدينة؟ قالعليه‌السلام : لا لأنَّ الصَّلاة في مسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالف صلاة والصّلاة بالمدينة مثل الصّلاة في سائر الأمصار »(١) .

٧ - حدَّثني حكيم بن داودَ بن حكيم، عن سَلَمةَ، عن عليِّ بن سَيف، عن أبيه، عن داودَ بنِ فَرقَد « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صلاةٌ في مسجدي تعدل الف صلاةٍ في غيره ».

٨ - وعنه، عن سَلَمة، عن إسماعيلَ بن جعفر، عن بعض أصحابه، عن مُرازِم(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: صلاةٌ في مسجد المدينة أفضل مِن ألف صلاةٍ في غيره من المساجد ».

__________________

١ - تقدّم الخبر في أوّل الباب بسندٍ آخر.

٢ - هو مُرازم - بضم الميم وكسر الزّاي المعجمة بعد الالف - بن حُكيم - بضمّ الحاء، الأزديّ المدائني، مولى ثقة.

٢٢

الباب الخامس

( زيارة حمزة عَمّ رسول الله صلى الله عليه وآله)

( وقبور الشّهداء)

١ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمةَ بن الخَطاب، عن عبدالله بن أحمد، عن بكر بن صالح، عن عَمرو بن هِشام - عن رَجل من أصحابنا - عنهمعليهم‌السلام « قال: ويقول عند قبر حمزة:

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَمَّ رَسُولِ اللهِ وخَيْرَ الشُّهَداء، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أسَدَ اللهِ وَأسَدَ رَسُولِهِ، أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ جاهَدْتَ فِي الله حَقَّ جِهادِه، وَنَصَحْتَ لله ولرَسُولِه (١) وجُدْتَ بِنَفْسِك وطَلَبتَ ما عِندَ اللهِ، ورَغِبْتَ فيما وَعَدَ اللهُ »،

ثمَّ ادخل فَصَلِّ ولا تستقبل القبرَ عند صَلاتك، فإذا فرغتَ من صلاتك فانكبَّ على القبر وقل:

«اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى أهلِ بَيْتِه، اللّهُمَّ اِنّي تَعَرَّضْتُ لِرَحْمَتِكَ بِلُزُوقي بِقَبْرِ عَمِّ نَبِيِّكَ صَلواتك عَلَيْهِ وعلى أهل بَيتِه لتُجيرَني مِنْ نِقْمَتِكَ وَسَخَطِكَ وَمَقْتِكَ ومِن الأزْلال في يَوْمٍ تَكْثُرُ فيهِ الاَْصْواتُ، والمَعرّاتُ، وَتَشْتَغِلُ كُلُّ نَفْسٍ بِما قَدَّمَتْ، وَتُجادِلُ كُلُّ نَفْسٍ عَن نَفْسِها، فَاِنْ تَرْحَمْنِي الْيَوْمَ فَلا خَوْفَ عَلَيَّ وَلا حُزْنَ، وَاِنْ تُعاقِبَ فمولاي لَهُ الْقُدْرَةُ عَلى عَبْدِهِ، اللّهمَّ فلا تُخَيِّبْني الْيَوْمَ وَلا تَصْرِفْني بِغَيْرِ حاجَتي، فَقَدْ لَزِقْتُ بِقَبْرِ عَمِّ نَبِيِّكَ، وَتَقَرَّبْتُ بِهِ اِلَيْكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِكَ، وَرَجاءَ رَحْمَتِكَ، فَتَقَبَّلْ مِنّي، وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلى جَهْلي، وَبِرَأفَتِكَ عَلى جِنايَةِ نفْسي فَقَدْ عَظُمَ جُرْمي، وَما أخافُ أنْ تَظْلِمَني وَلكِنْ أخافُ سُوءَ الْحِسابِ، فَانْظُرِ الْيَوْمَ إلى تَقَلُّبي عَلى قَبْرِ عَمِّ نَبِيِّكَ، صلواتُكَ على محمَّدٍ وأهلِ بَيته، فَبِهِم فُكَّني وَلا تُخَيِّبْ سَعْيي، وَلا يُهوَّنْ عَلَيْكَ ابْتِهالي، (٢) وَلا تَحجُب مِنك َ

__________________

١ - في بعض النسخ: « ونصحت لرسول الله ».

٢ - في البحار: « ولا يهوننّ عليك ابتهالي ».

٢٣

صَوْتي، وَلا تُقَلِّبْني بِغَيْرِ حَوائِجي؛ يا غِياثَ كُلِّ مَكْرُوبٍ وَمَحْزُونٍ، وَيا مُفَرِّجَ عَنِ الْمَلْهُوفِ الْحَيْرانِ الْغَريبِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَكَةِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأهل بَيْته الطّاهرين، وَانْظُر اِلَيَّ نَظْرَةً لا أشْقي بَعْدَها أبَداً، وَارْحَمْ تَضَرُّعي وغُرْبَتي وَانْفِرادي، فَقَدْ رَجَوْتُ رِضاكَ وَتَحَرَّيْتُ الْخَيْرَ الَّذي لا يُعْطيهِ أحَدٌ سِواكَ، ولا تَرُدَّ أمَلي » ».

وحدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصَفّار، عن سَلَمة مثله.

٢ - حدّثني محمّد بن الحسن بن أحمد، عن محمّد بن الحسن الصَفّار، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبدالله بن هِلال، عن عُقْبَة(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديثٍ له طويل - « قال: إنّي آتي المساجد الّتي حول المدينة فبأيّها أبدء؟ فقال: ابدء بـ « قُبا » فصَلِّ فيه وأكثر، فإنّه أوّل مسجد صلّى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه العَرصة، ثمَّ ائتِ مَشْرَبةَ اُمِّ إبراهيم فصلِّ فيها فإنّه مسكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومُصلّاه، ثمّ تأتي مسجد الفضيخ فصَلِّ فيه ركعتين فقد صلّى فيه نبيُّك، فإذا قضيتَ هذا الجانب فائتِ جانبَ اُحُد فبدءتَ بالمسجد الَّذي دون الحرَّة فصلّيتَ فيه، ثمَّ مَرَرْتَ بقبر حمزة بن عبدالمطّلب فسلّمت عليه، ثمَّ مَرَرْتَ بقبور الشُّهداء فقمت عندهم فقلت:

«السَّلامُ عَليكم يا أهلَ الدِّيارِ، أنتم لَنا فَرَطٌ وإنّا بكم لاحِقونَ »،

ثمّ تأتي المسجد الّذي في المكان الواسط إلى جنب الجبل عن يمينك حتّى تدخل « اُحُد » فتصلّي فيه، فعنده خرج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اُحد حيث لقى المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصّلاة فصلّى فيه، ثمَّ مُرَّ أيضاً حتّى ترجع فصلِّ عند قبور الشّهداء ما كتب الله لك، ثمَّ أمْضِ على وجهك حتّى تأتي مسجد الأحزاب فتصلّي فيه، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا فيه يوم الأحزاب وقال: «يا صَريخَ المكْروبينَ، ويا مُجيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ، ويا غِياثَ المَلْهوفينَ، اكشِفْ هَمّي وكَرْبي وغَمّي فقد تَرى حالي وحال أصحابي » ».

__________________

١ - هو عقبة بن خالد الأسديّ، كوفيٌّ، روى عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، له كتاب.

٢٤

الباب السّادس

( فصل إتيان المشاهد بالمدينة وثواب ذلك)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ بن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن صَفوانَ بن يحيى؛ وابن أبي عُمَير؛ وفضالة بن أيّوب جميعاً، عن معاويةَ بنِ عمّار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : لا تدع إتيان المشاهد كلّها ومسجد قبا؛ فإنّه المسجد الَّذي اُسّس على التَّقوى من أوَّل يوم، ومَشْرَبَة اُمّ إبراهيم، ومسجد الفَضِيخ وقبور الشُّهداء ومسجد الأحزاب؛ وهو مسجد الفتح، وبلغني أنَّ النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أتى قبور الشُّهداء قال:

«السَّلامُ عليكم بما صَبَرْتُمْ فنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ »،

وليكن فيما تقول في مسجد الفتح:

«يا صَريخَ المَكرُوبينَ، ويا مجيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ اكْشِفْ عَنّي غَمّي وَكَرْبي وهَمّي كما كَشَفْتَ عَن نَبيِّكَ هَمَّهُ وغَمّه وكَرْبه، وكَفَيتَه هَوْلَ عدُوِّه في هذا المكان » ».

حدَّثني به محمّد بن يعقوب؛ وعليُّ بن الحسين جميعاً، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمَير. وقال محمّدُ بن يعقوبَ: وحدَّثني محمّد بن إسماعيلَ، عن الفَضل بن شاذان، عن صَفوانَ بن يحيى؛ وابن أبي عُمَير، عن مُعاوية بن عمّار قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : - وذكر مثله.

٢ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ - رحمهما الله -، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن إبراهيم بن مَهزيار، عن أخيه عليِّ بن مَهزيار، عن الحسن(١) ، عن عبدالله بن بَحر، عن حَريز - عمّن أخبره - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أتى مسجدي مسجد قُبا فصلّى فيه رَكعتين رجع بعُمْرَة ».

__________________

١ - الظّاهر هو الحسن بن سعيد الأهوازي.

٢٥

٣ - حدَّثني جماعة من مشايخنا، عن عبدالله بن جعفر الحميريّ، عن إبراهيم بن مَهزيار، عن أخيه عليَّ، عن الحسن بن سعيد، عن صَفوانَ بن يحيى؛ وابن - أبي عُمَير؛ وفَضالَة بن أيّوب جميعاً، عن معاوية بن عمّار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام لابن أبي يَعفور: ولا تدعنَّ إتيان المشاهد كلّها ومسجد قُبا، فإنّه المسجد الّذي اُسّس على التَّقوى مِن أوَّلِ يوم، ومَشْرَبَة اُمّ إبراهيم، ومسجد الفَضيخ، وقبور الشّهداء، ومسجد الأحزاب - وهو مسجد الفتح - ».

٤ - وروي عن بعضهمعليهم‌السلام « قال: إذا كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام فأتِمَّ الصَلاة، وكذلك أيضاً بمكّة إن أقمت ثلاثة أيّام فأتِمّ الصّلاة، فإذا كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمتَ ثلاثة أيّام صمت يوم الأربعاء، وصلِّ ليلة الأربعاء عند اُسطوانة التَّوبة - وهي اُسطوانة أبي لُبابَةَ الّتي كان رَبَط إليها نفسَه حتّى نزل عُذره من السّماء - وتقعد عندها يوم الأربعاء، ثمَّ تأتي ليلة الخميس الّتي تلاها ممّا يلي مقام النَّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فتقعد عندها لَيلَتَك ويومَك وتصوم يوم الخميس، ثمَّ تأتي الاُسطوانة الّتي تلي مقام النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الجمعة فتصلِّ عندها لَيلتَك ويومَك وتصوم فيه يوم الجمعة، فإن استطعت أن لا تتكلّم بشيءٍ في هذه الثّلاثة أيّام فافعل إلاّ ما لابدّ لك منه، ولا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل، فإنّ ذلك ممّا يعد فيه الفضل، ثمّ احمدِ الله في يوم الجمعة وَأثْنِ عليه وصلِّ على النَّبيّ، وسَلْ حاجتَك، وليكن فيما تقول:

«اللّهُمّ ما كانَتْ لي إليكَ مِنْ حاجَةٍ سارَعْتُ أنَا في طَلَبِها وَالْتماسِها أو حاجَةٍ لم أسْرَعْ، سألتُكَها أو لَم أسألْكَها، فإنّي أتَوَجَّهُ إليك بنَبِيِّك محمَّدٍ نَبيِّ الرَّحمةِ في قَضاءِ حَوائجي صَغيرِها وكَبيرِها » ».

٥ - حدّثني جماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن الصّفّار(١) ، عن محمّد بن عبدالله بن هِلال، عن عُقْبَةَ بن خالد « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام إنّي آتي المساجد الَّتي حَولَ المدينة فبأيّها أبدء؟ قال: ابدء بقُبا فصَلِّ

__________________

١ - كذا، والظّاهر سقط من السَند: « عن محمّد بن الحسين » هنا كما تقدّم تحت رقم ٢.

٢٦

فيه وأكثر، فإنّه أوّل مسجد صلّى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه العَرْصَة، ثمّ ائت مَشْرَبَة اُمِّ إبراهيمَ فصلِّ فيها فإنَّه مسكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومُصلاّه، ثمَّ تأتي مسجد الفضيخ فتصلّي فيه رَكعتين فقد صلّى فيه نبيّك، فإذا قضيت هذا الجانب فَائْتِ جانب اُحُد فابدَء بالمسجد الَّذي دون الحرَّة فصلّيت فيه ثمَّ مَرَرت بقبر حمزة - والحديث - طويل »(*) .

الباب السابع

( وَداع قبر رسول الله صلى الله عليه وآله)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جَدّه عليًّ، عن الحسن بن سعيد، عن صَفوانَ بن يحيى؛ وابن أبي عُمير؛ وفَضالَة، عن معاويةَ بن عمّار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل ثمّ ائتِ قبر النَّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما تفرغ مِن حوائجك فودِّعْه واصنعْ مثل ما صنعت عند دخولك وقل:

«اللّهمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زيارَتي قَبْرَ نَبيِّكَ، فَإنْ تَوَفَّيتَني قَبلَ ذلكَ فَإنّي أشْهَدُ في مَماتي عَلىُ ما أشهدُ عَلَيهِ في حَياتي (١) أنْ لا إلهَ إلاّ أنْتَ وأنّ محمداً عَبدُكَ ورَسولُكَ » ».

٢ - حدّثني جماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن الحسن بن فَضّال، عن يونسَ بنِ يعقوبَ « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن وَداع قبر رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: تقول: « صلّى اللهُ عَلَيكَ، السَّلامُ عَلَيكَ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ تَسليمي عَلَيَكَ » ».

٣ - وبإسناده، عن الحسن بن عليِّ بن فَضّال « قال: رأيت أبا الحسن(٢) عليه‌السلام - وهو يريد أن يودِّع للخروج إلى العُمْرة - فأتى القبرَ مِن موضع رأس

__________________

١ - في الكافي والتّهذيب: « على ما شَهِدْتُ عليه في حياتي - إلخ ».

٢ - المراد به الرّضا عليه الصّلاة والسّلام. * - تقدّم الخبر بطوله في ص ١٩ تحت رقم ٢.

٢٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد المغرب فسلّم على النَّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولَزِق بالقبر، ثمَّ أتى المنبر ثمَّ انصرف حتّى أتى القبر فقام إلى جانبه فصلّى وألزق مَنْكِبَه الأيسر بالقبر قريباً من الاُسطوانه - الّتي دون الاُسطوانة المخلّفة عِند رأس النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله - فصلّى ستّ رَكعات، أو ثمان ركعات في نَعليه، قال: فكان مقدار رُكوعه وسجوده ثلاث تسبيحات أو أكثر، فلمّا فرغ من ذلك سَجَدَ سِجدةً أطال فيها السّجود حتّى بلّ عَرقُهُ الحَصىُ، قال: وذكر بعض أصحابنا أنّه رأه ألصق خدّه بأرض المسجد ».

الباب الثّامن

( فضل الصَّلاة في مسجد الكوفة ومسجد سَهلة وثواب ذلك)

١ - حدّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريّ، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى بن عمرانَ، عن أحمدَ بن الحسن، عن محمّد بن الحسين، عن عليِّ بن الحديد، عن محمّد بن سِنان(١) ، عن عَمرِو بن خالد، عن أبي حمزة الثّماليِّ « أنّ عليَّ بن الحسينعليهما‌السلام أتى مسجد الكوفة عمداً من المدينة(٢) فصلّى فيه رَكعتين، ثمَّ جاء حتّى ركب راحلته وأخذ الطّريق ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سَعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بَزيع، عن منصور بن يونسَ، عن سليمانَ مولى طِرْبال؛ وغيره « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : نفقة دِرهم بالكوفة تحسب بماءتـ[ـي] دِرهم فيما سِواه، وركعتان تحسب بمائة ركعة ».

٣ - حدّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصَّفّار، عن أحمدَ بنِ محمّد، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن إبراهيمَ بنِ محمّد، عن الفضل بن زَكريّا، عن نَجم بن حُطَيم، عن ابي جعفر(٣) عليه‌السلام « قال: لو يعلم النّاس ما في

__________________

١ - في التّهذيب: « محمّد بن سليمان ».

٢ - أي كان ذلك أيضاً مقصودهعليه‌السلام ، وإلاّ فالظّاهر أنّه كان المقصد الأصلي زيارة آبائه الطّاهرينعليهم‌السلام . ( قاله العلاّمة المجلسيرحمه‌الله ).

٣ - يعني الباقرعليه‌السلام .

٢٨

مسجد الكوفة لأعدُّوا له الزَّاد والرَّاحِلة من مكان بَعيد، وقال: صلاة فريضة فيه تعدلُ حَجَّة، ونافلة فيه تعدلُ عَمرة ».

٤ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريَ، عن أبيه - عمّن حَدَّثه - عن عبدالرَّحمن بن أبي هاشم، عن داودَ بن فَرْقَد، عن أبي حمزة(١) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: صلاة في مسجد الكوفة؛ الفريضة تَعدِلُ حجّة مقبولة، والتّطوُّع فيه تعدلُ عمرة مقبولة ».

٥ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن جَبَلَة، عن سَلاّم بن أبي عَمْرَة، عن سعد بن طَريف، عن الأصبغ بن نُباتَةَ، عن عليٍّعليه‌السلام « قال: النّافلة في هذا المسجد تعدل عُمرَة مع النَّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفريضة فيه تعدلُ حَجّة مع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد صلّى فيه ألف نبيٍّ وألف وصيٍّ ».

٦ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصَفّار، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن عَمرو بن عثمان - عمّن حَدّثه - عن هارون بن خارجة « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : أتصلّي الصّلاة كلّها في مسجد الكوفة؟ قلت: لا، قال: أما لو كنتُ بحضرته لَرَجَوتُ أن لا تفوتني فيه صَلاةٌ، قال: وتدري ما فضله؟ قلت: لا، قال: ما مِن عبدٍ صالح ولا نبيٍّ إلاّ وقد صلّى في مسجد الكوفان حتّى أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا اُسرِي به قال له جبرئيلعليه‌السلام : أتدري أين أنت السّاعة يا محمّد؟ قال: لا، قال: أنت مقابل مسجد كوفان، فقال: استأذن ربَّك حتّى أهبط فاُصلّي فيه، فاستأذن فأذن له فهبط فصلّى فيه رَكعتين، وإنّ الصّلاة المكتوبة فيه تعدلُ بألف صلاة، وإنّ النّافلة فيه تعدل بخمسمائة صلاة، وإنّ مقدّمه لروضةٌ مِن رياض الجنّة، وإنّ ميمنته رَوضةٌ من رياض الجنّة، وإنّ ميسرته روضةٌ من رياض الجنّة، وأنَّ مُؤخّره رَوضةٌ من رياض الجنّة، وإنّ الجلوس فيه بغير صَلاةٍ ولا ذكر لَعِبادةٌ، ولو علم النّاس ما فيه لاُتوه ولو حَبْواً ».

__________________

١ - يعني الثُّمالي ثابت بن دينار، كما صرّح به في البحار.

٢٩

٧ - حدّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ بن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن ظريف بن ناصح، عن خالد القَلانسي(١) « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: صَلاةٌ في مسجد الكوفة ألف صلاة ».

٨ - وبهذا الإسناد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليٍّ، الصَّلاة فيها بمائة ألف صلاةٍ، والدِّرهم فيها بمائة ألف درهم، والمدينة حَرَم الله وحرم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحرم عليٍّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الصّلاة فيها في مسجدها بعشرة آلاف صَلاةٍ، والدِّرهم فيها بعشرة آلاف درهم، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين عليٍّ - صلوات الله‏ عليهما -، الصَّلاة في مسجدها بألف صلاة ».

٩ - حدّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريّ، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد، عن أبي محمّد(٢) ، عن عليِّ بن أسباط - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: حدُّ مسجد السَّهلة الرَّوحاء ».

حدّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين، عن عليِّ بن أسباط مثله.

١٠ - حدَّثني أخي علي بن محمّد بن قُولوَيه، عن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن موسى الخَشّاب، عن عليِّ بن حسّان، عن عمّه عبدالرَّحمن بن كثير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول لاُبي حمزة الثّماليّ: يا أبا حمزة هل شهدتَ عمِّي ليلة خرج؟ قال: نعم، قال: فهل صلّى في مسجد سُهَيل؟ قال: وأين مسجد سُهَيل؛ لعلّك تعني مسجد السَّهلة؟! قال: نعم، قال: أما إنّه لو صلّى فيه ركعتين ثمَّ استجار الله لأجارَه سَنَة، فقال له أبو حمزة: بأبي أنت واُمّي هذا مسجد السَّهلة؟ قال: نعم؛ فيه بيت إبراهيمَ الَّذي كان

__________________

١ - هو ابن مادّ - بتشديد الدّال المهملة - القلانسيّ الكوفيّ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، مولى ثقة.

٢ - يعني الحسن بن عليّ بن فضّال.

٣٠

يخرج منه إلى العمالقة؛ وفيه بيت إدريس الّذي كان يخيط فيه، وفيه مناخ الرّاكب، وفيه صخرة خَضراء؛ فيها صورة جميع النَّبيّين، وتحت الصَخرة الطّينة الّتي خلق الله عزَّوجلَّ منها النَّبيّين، وفيها المعراج، وهو الفاروق الأعظم موضع منه، وهو مَمرٌّ النّاس، وهو من كوفان، وفيه يُنفخ في الصّور، وإليه المحشر، يحشر من جانبه سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب، أولئك الّذين أفلج الله حججهم (١) ، وضاعف نِعَمَهم، فإنّهم المستبقون الفائزون القانتون، يحبّون أن يدرؤوا عن أنفسهم المفَخَر، ويجلون بعدل الله عن لِقائه، وأسرعوا في الطّاعة فعملوا وعلموا أنّ الله بما يعملون بصير، ليس عليهم حساب ولا عذاب، يُذْهِبُ الظِّغْن يُطَهِّر المؤمنين، ومن وسطه سارَ جبلُ الأهواز (٢) وقد أتى عليه زَمان وهو معمور »(٣) .

١١ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله محمّد بن أحمدَ الرَّازيّ الجامورانيّ، عن الحسين بن سيف بن عميرة، عن أبيه سَيف، عن أبي بكر الحَضرَميِّ، عن أبي عبدالله؛ أو عن أبي جعفرعليهما‌السلام « قال: قلت له: أيّ بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله عزَّوجلَّ وحرم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: الكوفة؛ يا أبا بكر هي الزَّكيّة الطّاهرة؛ فيها قبور النَّبيّين المرسلين، وقبور غير المرسلين والأوصياء الصّادقين، وفيها مسجد سُهيل الّذي لم يبعثِ اللهُ نبيّاً إلاّ وقد صلّى

__________________

١ - قال الفيروزآبادي في القاموس: الفَلْج: الظَّفر، والفَوزُ، وأفلَجَهُ: أظْفَره. وأفلج برهانَه: قَوَّمَه وأظْهره.

٢ - في بعض النّسخ وفي البحار: « جبل الأهوان ».

٣ - قوله عليه السلام: « فيه المعراج » لعلّ المراد أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل ليلة المعراج وصلّى في مسجد الكوفة أتى هذا الموضع وعرج منه إلى السّماء، أو المراد أنّ المعراج المعنويّ يحصل فيه للمؤمنين، وقوله: « وهو الفاروق موضع منه » أي المعراج وقع من موضع منه وهو المسمّى بالفاروق، أو المراد أنّ في موضع منه يفرق القائم عليه السلام بين الحقّ والباطل، كما ورد في خبر آخر: أنّ فيها يظهر عدل الله، وقوله: « وهو ممرّ النّاس » أي إلى المحشر. وكان الخبر أكثره سقيماً مصحّفاً، فأثبتناه ما وجدناه. ( البحار ).

٣١

فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النَّبيّين والأوصياء والصّالحين ».

١٢ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جدِّه، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدير « قال: كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام فدخل عليه رَجلٌ فسلّم وجلس، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : مِن أيِّ البلاد أنت؟ فقال الرَّجل: أنا مِن أهل الكوفة وأنا لك محبٌّ موالٍ، قال: فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : أتصلّي في مسجد الكوفة كلَّ صَلاتك؟ قال الرَّجل: لا، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : إنّك لمحرومٌ من الخير، قال: ثمّ قال أبو جعفرعليه‌السلام : أتغتسل كلَّ يوم من فُراتِكم مَرَّة؟ قال: لا، قال: ففي كلِّ جمعةٍ؟ فقال: لا، قال: ففي كلِّ شهر؟ قال: لا، قال: ففي كلّ سنة؟ قال: لا، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : إنّك لمحرومٌ من الخير: قال: ثمّ قال: أتزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ جمعة؟ قال: لا، قال: ففي كلِّ شهر؟ قال: لا، قال: ففي كلِّ سنة؟ قال: لا، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : إنّك لمحرومٌ من الخير ».

١٣ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار، عن أبيه، عن جدّه عليِّ بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب، عن أبي عبيدة الحَذّاء « قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : لا تدع يا أبا عبيدة الصَّلاة في مسجد الكوفة ولو أتيتَه حَبْواً، فإنّ الصَّلاة فيه بسبعين صلاة في غيره من المساجد ».

١٤ - حدّثني أبو عبدالرّحمن محمّد بن أحمد بن الحسين العَسكريّ، عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن الحسن بن سعيد، عن محمّد بن سنان « قال: سمعت الرّضاعليه‌السلام يقول: الصَّلاة في مسجد الكوفة فُرادى أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعةً ».

١٥ - وعنه، عن الحسن بن عليّ بن مهزيار، عن أبيه، عن الحسن بن سعيد، عن ظريف بن ناصح، عن خالد القلانسي « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: صلاة في مسجد الكوفة ألف صلاة ».

٣٢

١٦ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحميريّ، عن إبراهيم بن مَهزيار، عن أخيه عليٍّ، عن الحسن بن سعيد، عن عليِّ بن الحكم، عن فضيل الأعور، عن ليث بن أبي سليم(١) « قال: استقبلته وقد صلّى النّاس العصر، فقال: إنّي لم اُصلِّ الظّهر بعدُ فلا تحبسني وامض راشِداً، قال: قلت: لِمَ أخّرتها إلى السّاعة؟ قال: كانت لي حاجة في السّوق فأخّرت الصّلاة حتّى اُصلّي في المسجد للفضل الَّذي بلغني فيه، قال: فرجعت فقلت: أيّ شيءٍ رُوّيت فيه، قال: أخبرني فلان عن فلان، عن عائِشة، قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عرج بي إلى السَّماء وإني هبطت إلى الأرض، فأهبطت إلى مسجد أبي نوحعليه‌السلام وأبي إبراهيم وهو مسجد الكوفة فصلّيت فيه رَكعتين، قال: ثمَّ قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الصَّلاة المفروضة فيه تَعدل حجّة مبرورة، والنّافلة تعدل عمرة مبرورة ».

١٧ - حدّثني محمّد بن الحسن بن عليَّ بن مهزيار، عن أبيه، عن جدّه عليِّ بن مهزيار، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان، عن مالك بن ضَمرة العَنبريّ « قال: قال لي أمير المؤمنينعليه‌السلام : أتخرج إلى المسجد الّذي في ظهر دارك(٢) تصلَّي فيه؟ فقلت له: يا أمير المؤمنين ذاك مسجد تصلّي فيه النِّساء، فقال لي: يا مالك ذاك مسجد ما أتاه مكروبٌ قط فصلّى فيه فدعا الله إلاّ فرَّج الله عنه وأعطاه حاجته، فقال مالك: فواللهِ ما أتيته ولا صلّيت فيه، فلمّا كان ليلة أصابني أمرٌ اغْتنمتُ منه فذكرت قولَ أمير المؤمنينعليه‌السلام وقُمتُ في اللَّيل وانْتعلتُ فتوضّأتُ وخَرَجتُ فإذا على بابي مصباحُ فمرّ قدَّامي، ومررت حتّى انتهيت إلى المسجد فوقف بين يديّ وكنت اُصلّي فلمّا فرغت انتعلتُ وانصرفتُ فمرَّ قُدَّامي حتّى انتهيت إلى الباب فلمّا أن دخلتُ ذهب فما خرجت ليلة بعد ذلك إلاّ وجدت المصباح على بابي وقضى الله حاجتي ».

__________________

١ - عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصّادقعليه‌السلام .

٢ - أي مسجد السّهلة، كما في المزار الكبير لابن المشهديّ.

٣٣

١٨ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى قال: حدّثني أبو يوسُف يعقوبُ بن عبدالله من ولد أبي فاطمة، عن إسماعيل بن زيد مولى عبدالله بن يحيى الكاهلي(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام - وهو في مسجد الكوفة - فقال: السَّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فردَّ عليه [السّلام]، فقال: جعلت فداك إنّي أردت المسجد الأقصى فأردت أن اُسلّمَ عليك واُودّعَكَ، فقال: أيّ شيء أردتَ بذلك؟ فقال: الفضل جُعلت فداك، قال: فبِع راحِلَتك، وكُلْ زادك، وصلِّ في هذا المسجد، فإنّ الصّلاة(٢) فيه حجّة مبرورة، والنّافلة عمرة مبرورة، والبركة منه على اثني عشر ميلاً، يمينه يمنٌ، ويسارُه مَكرٌ، وفي وسطه عينٌ من دُهْن وعينُ من لَبن وعينٌ من ماءٍ شراباً للمؤمنين، وعينٌ من ماء طهوراً للمؤمنين، منه سارت سفينة نوح وكان فيه نَسْر ويَغوث ويَعوق(٣) وصلّى فيه سبعون نبيّاً وسبعون وصيّاً أنا أحدهم - وقال بيده في صدره(٤) - ما دعا فيه مكروبٌ بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه اللهُ وفَرَّج عنه كُربَتَه »(٥) .

__________________

١ - كذا وفي الكافي أيضاً، وفي التهذيب ج ٣ باب فضل المساجد تحت رقم ٩: « عن إسماعيل بن زيد مولى عبدالله بن يحيى الكاهلي، عن عبدالله بن يحيى الكاهليّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام »، ولعلّه سقط من قلم النّاسخ.

٢ - في الكافي والتّهذيب: « فإنّ الصّلاة المكتوبة ».

٣ - قال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله : يدلّ على أنّ هذه الأصنام كانت في زمن نوحعليه‌السلام كما ذكره المفسّرون، وذكروا أنّه لمّا كان زمن الطّوفان طَمَّها الطّوفان فلم تزل مدفونة حتّى أخرجها الشّيطان لمشركي العرب، والغرض من ذكر ذلك بيان قدم المسجد إذ لا يصير كونها فيه علّة لشرفه، ولعلّ التّخصيص بالسّبعين ذكر لإعظامهم أو لمن صلّى فيه ظاهراً بحيث اطّلع عليه النّاس. ( المرآة ).

٤ - أي أشار.

٥ - جاء في تاريخ ابن أعثم الكوفيّ نظير هذا الخبر ولفظه. فمن أراد الاطّلاع فليراجع الجزء الثّاني من مجلّد الأوّل ص ٢٢١، طبع دار الكتب العلميّة - بيروت؛ لبنان -.

٣٤

الباب التّاسع

( الدَّلالة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

١ - حدّثني أبي؛ وأخي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن صفوان الجمّال « قال: كنت وعامِرُ بنُ عبدالله بن جُذاعَةَ الاُزديّ عند أبي عبداللهعليه‌السلام فقال له عامر: إنّ النّاس يزعمون أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام دفن بالرُّحْبَة(١) فقال: لا، قال: فأين دُفِنَ؟ قال: إنّه لمّا ماتَ حمله الحسنعليه‌السلام فأتى به ظَهرَ الكوفة قريباً من النَّجف يُسْرة عن الغَرِيّ، يمنةً عن الحيرة، فدفنه بين ذكوات بيض، قال(٢) : فلمّا كان بعد ذهبت إلى الموضع فتوهّمت موضعاً منه، ثُمَّ أتيته فأخبرته فقال: أصبتَ أصبتَ أصبتَ - ثلاث مرّات - رَحِمَكَ الله ».

٢ - حدّثني محمّد بن الحسن(٣) ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن الحسين [بن] الخلاّل ( كذا )، عن جدّه « قال: قلت للحسين بن عليٍّ - صلوات الله عليهما -: أين دفنتم أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ قال: خرجنا به ليلاً حتّى مررنا على مسجد الاُشعث، حتى خرجنا إلى ظهر ناحية الغَريّ ».

٣ - حدَّثني جماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن

__________________

١ - الرّحبة - بضمّ أوّله، وسكون ثانيه، وباء موحّدة -: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحُجّاج إذا أرادوا مكّة ( معجم البلدان ).

٢ - القائل هو صفوان بن مِهران الجمّال.

٣ - يعني ابن الوليد، وهو من مشائخ ابن قولويه - رحمهما الله -.

٣٥

ابن أبي عُمَير، عن القاسم بن محمّد، عن عبدالله بن سِنان « قال: أتاني عُمَرْ بن يزيد فقال لي: اركب، فركبتُ معه فمضينا حتّى نزلنا منزل حفص الكُناسيِّ فاستخرجه فركب معنا فمضينا حتّى أتينا الغَريّ فانتهينا إلى قبر فقال: انزلوا؛ هذا القبر قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فقلنا له: مِن أين عَرَفت هذا؟ قال: أتيته مع أبي عبداللهعليه‌السلام حيث كان في الحيرة غير مرَّة وخبرني أنّه قبره ».

٤ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن يعقوب؛ عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن يحيى بن زكريّا، عن يزيد بن عُمَر بن طلْحَةَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام - وهو بالحَيرة -: أما تريد ما وعَدْتُكَ؟ قال: قلت: بلى - يعني الذّهاب إلى قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام -، قال: فركب ورَكب إسماعيل ابنه معه ورَكبت معهما حتّى إذا جاز الثّوِيَّة(١) وكان بين الحَيرة والنَّجف عند ذكوات بيض(٢) نزل ونزل إسماعيل ونزلتُ معهم فصلّىس إسماعيل وصلّيتُ، فقال لإسماعيل: قُمْ فسلّم على جَدّك الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فقلت: جُعلت فداك أليس الحسينعليه‌السلام بكربلاء، فقال: نَعَم؛ ولكن لمّا حُمل رأسه إلى الشّام سَرَقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنينعليه‌السلام ».

٥ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن الحسن بن مِتّيل، [و] عن سَهل بن زياد، عن إبراهيمَ بنِ عقُبَةَ، عن الحسن الخزّاز الوشّاء، عن أبي الفَرَج، عن أبان بن تَغلِب « قال: كنت مع أبي عبداللهعليه‌السلام فمرَّ بظهر الكوفة فنزل وصلّى ركعتين ثمَّ تقدَّم قليلاً فصلّى رَكعتين، ثمَّ سار قليلاً فنزل فصلّى رَكعتين، ثمَّ قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قلت: جعلت فِداك فما الموضعين اللَّذين صلّيت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسينعليه‌السلام ، وموضع منبر القائمعليه‌السلام ».

٦ - حدِّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليِّ بن أسباط - رفعه - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنّك إذا أتيت الغَريَّ رأيت

__________________

١ - موضع بقرب الكوفة.

٢ - هي الحصيات الّتي يقال لها: درّ النّجف تشبيهاً لها بالحمرة المتوقّدة.

٣٦

قبرين: قبراً كبيراً وقبراً صغيراً، فأمّا الكبير فقبر أمير المؤمنين، وأمّا الصّغير فرأس الحسين بن عليِّعليهما‌السلام ».

٧ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله(١) ، عن محمّد بن أبي عبدالله الكوفيِّ، عن موسى بن عِمرانَ النّخعيِّ، عن الحسين بن يزيد قال: حدَّثنا صَفْوانُ بنُ مِهرانَ، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام « قال: سار - وأنا معه - من القادسيّة حتّى أشرف على النّجف، فقال: هو الجبل الَّذي اعتصم به ابن جَدِّي نوحعليه‌السلام ، فقال: «سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الماءِ (٢) » فأوحى الله تبارَك وتعالى إليه: يا نجف أيعتصم بك منّي؟! فغاب في الاُرض وتقطّع إلى قطر الشّام(٣) ، ثمَّ قال: اعدل بنا؛ فعدلتُ فلم يزل سائراً حتّى اتى الغَريّ فوقف على القبر، فساق السَّلامَ مِن آدم على نبيٍّ ونبيٍّعليهم‌السلام، وأن أسوق معه حتّى وصل السَّلام إلى النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ خَرَّ على القبر فسلّم عليه وعَلا نحيبَه(٤) ، ثمّ قام فصلّى أربع رَكعات وصلّيت معه، وقلت: ياابن رسول الله ما هذا القبر، فقال: هذا قبر جدِّي عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

٨ - حدَّثني محمّد بن أحمد بن عليِّ بن يعقوب(٥) ، عن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن أبيه ( كذا )، عن الحسن بن الجَهْم بن بُكَير « قال: ذكرت لاُبي الحسنعليه‌السلام يحيى بن موسى وتعرّضه لمن يأتي قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام وأنّه كان ينزل موضعاً كان يقال به: الثّوية يتنزّه إليه، ألا وقبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فوق ذلك قليلاً، وهو الموضع الَّذي روى صَفوانُ الجمّال أنَّ ابا عبدالله وصفه له، قال له فيما ذكر: إذا انتهيت إلى الغَريّ ظهر الكوفة فاجعله خلف ظَهرِك وتوجّه على نحو النَّجف، وتيامن قليلاً، فإذا انتهيت إلى الذَّكوات البيض والثّنيّة أمامه فذلك قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنا أتيته كثيراً. ومِن أصحابنا مَن لا يرى ذلك

__________________

١ - الظّاهر هو الحميريّ.

٢ - هود: ٤٣.

٣ - في بعض النسخ: « تقطّع إلى قبل الشّام »، وفي المتن مثل ما في البحار. وفي اللغة: قُطر الشّام ونحوها: الاُقليم الواقعة فيه.

٤ - النَّحيب: رفع الصّوت بالبكاء. ( الصّحاح ).

٥ - هو أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمّار، الّذي هو مذكور من مشايخ المؤلّف. كما يأتي في ص ١٩٩ تحت رقم ١٠.

٣٧

ويقول: هو في المسجد، وبعضهم يقول: هو في القَصر، فأردّ عليهم أنّ اللهَ لَم يكن ليجعل قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام في القَصر في مَنازل الظّالمين، ولم يكن يُدْفَنُ في المسجد وهم يريدون سَتره، فأيّنا أصوب (١) ؟ قال: أنت أصوب منهم، أخذتَ بقول جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: ثمَّ قال لي: يا أبا محمّد ما أرى أحداً من أصحابنا يقول بقولِك، ولا يذهب مَذهَبَك، فقلت له: جعلت فِداك أما ذلك شيءٌ مِن الله؟ قال: أجل؛ إنّ الله يوفّق مَن يشاء ويؤمن عليه، فقل ذلك بتوفيق الله وَاحْمَدُه عليه ».

وحدّثني به محمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن أحمد بن الحسين جميعاً، عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه عليٍّ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن الحسن بن الجهم بن بُكَير قال: ذكرت لأبي الحسنعليه‌السلام - وذكر الحديث بطوله -.

٩ - حدَّثني محمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن أحمدَ بن الحسين جميعاً، عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه عليّ بن مَهزيار قال: حدّثني عليُّ بن أحمدَ بن أشْيَم [عن رجل] عن يونسَ بن ظَبْيان « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام بالحيرة أيّام مَقْدَمِه على أبي جعفر في ليلة صحيانة مُقمرة، قال: فنظر إلى السّماء فقال: يا يونس أما ترى هذه الكواكب ما أحسنها، أما إنّها أمانٌ لأهل السَّماء ونحن أمانٌ لأهل الاُرض، ثمَّ قال: يا يونس فمرّ بإسراج البَغل والحِمار، فلمّا أُسرجا قال: يا يونس أيّهما أحبُّ إليك؛ البَغل أو الحِمار؟ قال: فظننت أنَّ البغل أحبُّ إليه لقوَّته، فقلت: الحِمار، فقال: اُحبّ أن تؤثرني به، قلت: قد فعلتُ، فركب ورَكبت، ولمّا خرجنا مِنَ الحِيرة قال: تقدَّم يا يونس، قال: فأقبل يقول: تَيامَن تَياسَر، فلمّا انتهينا إلى الذّكوات الحمر قال: هو المكان، قلت: نَعَم فتيامن ثمَّ قصد إلى موضع فيه ماءٌ وعَينٌ فتوضّأ ثمَّ دنا من أكَمَة فصلّى عندها، ثمَّ مالَ عليها وبكىُ، ثمَّ مال إلى أكمَةٍ دونها ففعل مثل ذلك، ثمَّ قال: يا يونس افعل مثلَ ما فعلتُ، ففَعَلْتُ ذلك فلمّا تفرّغت قال لي: يا يونس تعرف هذا المكان؟ فقلت:

__________________

١ - إلى هنا قول الحسن بن الجهم. والمسؤول مشترك بين الكاظم والرّضاعليهما‌السلام .

٣٨

لا، فقال: الموضع الّذي صلّيت عنده أوّلاً هو قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والأكَمَة الاُخرى رأس الحسين بن عليِّ بن أبي طالبعليهما‌السلام ، إنّ الملعون عبيدالله بن زياد - لعنه الله - لمّا بعث رأس الحسينعليه‌السلام إلى الشّام رُدّ إلى الكوفة، فقال: أخرجوه عنها لا يُفتننّ به أهلها، فصيّره الله عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فالرَّأس مع الجسد (١) والجسد مع الرَّاس ».

١٠ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزَّيّات، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن جَرير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّي لمّا كنتُ بالحيرة عند أبي العبّاس كنتُ أتي قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ليلاً وهو بناحية النّجف إلى جانب الغَريّ النّعمان، فاُصلّي عنده صلاة اللّيل وانصرف قبل الفجر ».

١١ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن الحَجّال(٢) ، عن صَفوانَ بن مِهرانَ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته عن موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: فوصف لي موضعه حيث دكادك الميل(٣) قال: فأتيته فصلّيت عنده ثمَّ عُدْتُ إلى أبي عبداللهعليه‌السلام مِن قابل فأخبرته بذهابي وصَلاتي عنده، فقال: أصبت، فمكثتُ عشرين سنة اُصلّي عنده ».

١٢ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أحمدَ بن محمّد بن أبي نصر « قال: سألت الرّضاعليه‌السلام فقلت: أين موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال: الغَريّ، فقلت له: جعلت فداك إنّ بعض الناس يقولون: دفن في الرُّحْبَة، قال: لا، ولكن بعض النّاس يقول: دفن بالمسجد ».

__________________

١ - أي بعد ما دفن الرّاس هنا ألحقه الله بالجسد، وإنما يزار ويصلى‌الله‌عليه‌وآله ههنا لكونه محلاً للرّأس المقدّس. ( البحار ).

٢ - يعني عبدالله بن محمّد الكوفيّ، ثقة ثبت، وهو من أصحاب الرّضاعليه‌السلام .

٣ - الدَّكْدَك - ويكسر - من الرّمل: ما تَكَبَّس واسْتَوى، أو ما الْتَبد منه بالأرض، أو هي أرض فيه غِلَظٌ، والجمع دكادك ودكاديك. ( القاموس ) وقال في البحار: ولا يبعد أن يكون الميل تصحيف الرّمل وهذا يؤيّد كون « الذّكوات » في نسخة مصحّف « الدّكاوات ».

٣٩

الباب العاشر

( ثواب زيارة أمير المؤمنين عليه السلام)

١ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن حَمدانَ بن سليمان النّيسابوريّ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيّ، عن مَنيع بن الحجّاج، عن يونس، عن أبي وهب البصريّ « قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبداللهعليه‌السلام فقلت: جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: بئس ما صنعت، لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور مَن يزوره الله تعالى مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون(١) ؟ قلت: جعلت فداك ما علمت ذلك، قال: فاعلم أنَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل عند الله من الأئمّة كلِّهم وله ثوابُ أعمالهم وعلى قدر أعمالهم فضّلوا ».

٢ - حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن أبي علي ِّ الاُشعريّ - عمّن ذكره - عن محمّد بن سِنان. وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ّ، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب قال: حدّثني ابن سنان(٢) قال: حدَّثني المفضّل بن عُمَرَ « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقلت: إني أشتاق إلى الغري، قال: فما شوقك إليه؟ قلت له: إنّي اُحبُّ أمير المؤمنينعليه‌السلام واُحبُّ أن أزورَه، قال: فهل تعرف فضل زيارته؟ قلت: لا يا ابن رسول الله؛ فعَرِّفني ذلك، قال: إذا أردت زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام فاعلم أنّك زائر عظامِ آدم، وبدنِ نوح، وجسمِ عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام، قلت: إنَّ آدم هبط بسَرَنديب في مطلع الشَّمس وزعموا أنّ عظامه في بيت الله الحرام فكيف صارت عِظامه بالكوفة؟ قال: إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوحعليه‌السلام وهو في السّفينة أن يطوف بالبيت اُسبوعاً،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « يزوره الأنبياء مع المؤمنين ». ولقولهعليه‌السلام : « يزوره الله تعالى » بيان، راجع الباب ٣٨ ص ١٢٢ ذيل الخبر الرّابع.

٢ - يعني محمّد بن سنان.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

معركة؟

قال الثّعالبي: وأكثر الرّوايات في سبب نزول الآية أنّ عبد الرّحمن بن عوف تصدّق بأربعة آلاف وأمسك مثلها وقيل هو عمر بن الخطّاب تصدّق بنصف ماله(1) .

أقول:

شهد على عمر بن الخطّاب صحابة وصحابيّات ببخله ومنعه الخير. ولو كان صاحب جود في الجاهليّة أو الإسلام لذكر في الأجواد. وقد سمّى محمد بن حبيب البغدادي أجواد العرب في الجاهليّة والإسلام فلم يذكر فيهم عدويّا واحدا، لا عمر ولا غيره.

قال ابن كثير: روى قيس بن حجّاج قال: لما فتحت مصر أتى أهلها (عمرو بن العاص) وكان أميرا بها فقالوا: أيّها الأمير، إنّ لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلاّ بها! قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشّهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثّياب أفضل ما يكون، ثمّ ألقيناها في هذا النّيل؛ فقال لهم عمرو: إنّ هذا لا يكون في الإسلام، إنّ الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا والنّيل لا يجري حتّى همّوا بالجلاء فكتب (عمرو) إلى (عمر بن الخطّاب) بذلك فكتب إليه عمر: إنّك قد أصبت بالذي فعلت، قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النّيل. فلمّا قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد: فإنّك إن كنت إنّما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. قال: فألقى البطاقة في النّيل فأصبحوا يوم السّبت وقد أجرى الله النيل ستّة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقد قطع الله تلك السّنّة عن أهل مصر إلى اليوم. (رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنّة)(2) .

____________________

(1) تفسير الثعالبي، ج 2 ص 144.

(2) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 104.

٨١

أقول:

يبدو أنّ عمر بن الخطّاب علّم منطق الأنهار، كما يبدو أنّ النّيل يفهم اللّغة العربيّة الحجازيّة، ويعرف خطّ عمر، ولا يحتاج إلى ترجمان! لكنّ سنيّ عمر كانت سنيّ قحط بالمدينة، ومن تلك السنيّ عام الرّمادة. فلماذا لم يتوجّه إلى السّماء ليقول لها: إن كنت إنّما تمطرين من قبلك فأمسكي وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يرسلك فأمطري!

ويبقى السؤال كما يلي: هذا السّلوك من النّيل هل هو لكلّ أنهار الدّنيا أم أنّه خاصّ بالنيل؟ وما أشدّ ولع النّيل بالجواري الأبكار في الليلة الثانية عشرة بالضبط! لا قبل ولا بعد! وقبل ابتكار السّاعة بزمان! لكن يبدو أنّ ثورة المصريّين على عثمان كان لها على بني أميّة أثر بالغ لا يكاد يوصف، وهو ما دعاهم وأتباعهم إلى الافتراء على أهل مصر ووسمهم بصفات لا تنسجم مع روح الإسلام الحنيف؛ ولا تزال آثار تلك الافتراءات بادية في كتب الأدب، شعرها ونثرها؛ وإنّما المصريّون شعب من شعوب الدّنيا، فيه من كل الأصناف، فيه الظالم لنفسه وفيه المقتصد وفيه السابق بالخيرات، وفيه المسلمون وغير المسلمين.

قال ابن كثير: ومما يدلّ على ذلك ما قاله البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنه ما قال: ما سمعت عمررضي‌الله‌عنه يقول لشيء قطّ إني لأظنّه هكذا إلا كان كما يظن. بينما عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه جالس إذ مرّ به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظنّي أو أنّ هذا على دينه في الجاهليّة، أو لقد كان كاهنهم. عليّ بالرّجل! فدعي له فقال له ذلك فقال: ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم. قال: فإنّي أعزم عليك إلاّ ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهليّة. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنّيتك؟ قال: بينما أنا يوما في السّوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجنّ وإبلاسها... ويأسها من بعد إنكاسها... ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمررضي‌الله‌عنه : صدق؛ بينما أنا نائم عند آلهتهم [!] إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قطّ أشدّ صوتا

٨٢

منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله. قال: فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتّى أعلم ما وراء هذا. ثمّ نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي (هذا لفظ البخاريّ وقد رواه البيهقي بنحوه)(1) .

أقول:

هذه القصّة تفيد أنّ عمر بن الخطاب كان يعلم ببعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلماذا أصرّ على البقاء على الشّرك طوال تلك السنين؟ ولماذا كان يعذّب الإماء اللاتي كنّ يعتنقن الإسلام؟! ثم لا يغب عنك أنّ الراوي هو عبد الله بن عمر! عبد الله بن عمر بن الخطّاب يروي بخصوص عمر بن الخطاب.

وعن الزّهري عن ابن المسيّب في قوله تعالى( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) قال: لما طعن عمر بن الخطّاب قال كعب: لو أنّ عمر دعا الله لأخّر في أجله. فقال الناس: سبحان الله! أليس قد قال الله( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَستَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) ؟ فقال كعب: أو ليس قد قال الله:( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلّا فِي كِتَابٍ ) ؟ قال الزّهري فنرى أنّ ذلك يؤخّر ما لم يحضر الأجل، فإذا حضر لم يؤخّر(2) .

أقول:

هكذا يضحك كعب الأحبار اليهوديّ على المسلمين، لو أنّ عمر دعا الله لأخّر في أجله يقول هذا الكلام عن عمر بعد أن قال له: أعهد فإنّك مقتول بعد ثلاث. وما يدري كعب الأحبار متى يقتل عمر لو لم يكن مطّلعا على مؤامرة قتله؟!

قال البغويّ في تفسير قوله( وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ .. ) الصدّيق: الكثير الصّدق قال مجاهد: كلّ من آمن بالله ورسوله فهو صدّيق وتلا هذه

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 369.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 137.

٨٣

الآية. قال الضّحاك: هم ثمانية نفر من هذه الأمّة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطّاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته(1) .

أقول:

بعد أن عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، ووأد ابنته، وآذى المسلمين في بداية الدّعوة في مكّة، والنّساء بشكل خاصّ، وفرّ من الزّحف مرّة بعد مرّة، تاركا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء، وتردّد كثيرا على مدارس اليهود أيّام السّبت حتى قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمتهوّكون يا ابن الخطّاب؟! بعد هذا كلّه نال مرتبة الصّدّيقية فجأة كما تقضي به ثقافة الكرسيّ. والذي لا يشكّ فيه من قرأ القرآن الكريم وتدبّر معانيه أنه لا يجد عبارة الصدّيق واردة إلاّ في حقّ معصوم. فقد جاء وصف مريم عليها السلام بـ الصدّيقة بعد أن خاطبتها الملائكة( إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى‏ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، فهي مصطفاة مطهّرة؛ وكذلك وصف يوسف عليه السلام بالصدّيق في قوله تعالى( يُوسُفُ أَيّهَا الصّدّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ... ) وقبل ذلك قول أبيه يعقوب عليه السلام له كما حكى القرآن الكريم( وَكَذلِكَ يَجْتَبيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى‏ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمّهَا عَلَى‏ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ... ) . فهو مجتبى من قبل الله تعالى. فمرتبة الصّديقية لا تجتمع مع عبادة الأصنام لحظة فما فوقها.

قال ابن عاشور: وقد قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدّثون فإن يكن في أمّتي منهم أحد فعمر بن الخطّاب). قال ابن وهب: محدثون: ملهمون(2) .

أقول:

أين كان التّحديث يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أنكرها الرّجل، والقرآن الكريم

____________________

(1) تفسير البغوي، ج 1 ص 38.

(2) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 3892.

٨٤

يهتف( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُم مَيّتُونَ ) . وأين كان التّحديث في مسألة الكلالة؛ ثمّ هو رجل كثير السّبّ والشّتم فهل كان السّبّ والشّتم من التّحديث، وهل كان قوله حسبنا كتاب الله ونسبته الهجر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإلهام أيضا؟

وجاء في تفسير الصّنعاني ما يلي: فانطلق سليمان يوما إلى الحمّام وكان قد قارف بعض نسائه في بعض المأثم، قال معمر لا أظنّه إلاّ قال حائضا [!](1) ، فدخل الحمّام فوضع خاتمه ومعه ذلك الشّيطان، فلمّا دخل أخذ ذلك الشّيطان خاتمه فألقاه في البحر، وألقي على الشّيطان شبه سليمان فخرج سليمان وقد ذهب ملكه وكان الشّيطان يجلس على سرير سليمان أربعين يوما، فاستنكره صحابة سليمان وقالوا: لقد افتتن سليمان من تهاونه بالصّلاة، وكان ذلك الشّيطان يتهاون بالصّلاة وبأشياء من أمر الدّين، وكان معه من صحابة سليمان رجل يشبّه بعمر بن الخطّاب في الجلد والقوّة فقال: إني سائله لكم. فجاء فقال: يا نبي الله ما تقول في أحدنا يصيب من امرأته في اللّيلة الباردة ثمّ ينام حتى تطلع الشمس، لا يغتسل ولا يصلّي، هل ترى عليه في ذلك بأسا؟ قال: لا بأس عليه! فرجع إلى أصحابه فقال: قد افتتن سليمان؛ قال فبينا سليمان ذاهب في الأرض إذ أوى إلى امرأة فصنعت له حوتا أو قال فجاءته بحوت، فشقّت بطنه فرأى سليمان خاتمه في بطن الحوت فعرفه فأخذه فلبسه فسجد له كل شيء لقيه من طير أو دابّة أو شيء، وردّ الله إليه ملكه فقال عند ذلك: ربّ اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى قال قتادة يقول له تسلبنيه مرة أخرى(2) .

صحابة الأنبياء السّابقين يشبّهون بعمر، وحظّ عمر من القصّة الشدّة والجلد، وحظّ سليمان عليه السلام مقارفة الحائض؛ وطالما ضحك كعب الأحبار وأصحابه على المسلمين.

____________________

(1) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذبا؛ كيف يسمح مسلم لنفسه أن يقول عن نبي من أنبياء الله تعالى إنّه قارف بعض نسائه وهي حائض؟! إلى هذه الدرجة بلغ الاستخفاف بأنبياء الله تعالى في كتب التّفسير! وما أكثر الإسرائيليات في كتب التفسير والحديث.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 164.

٨٥

قال أبو سعيد (في قصّة الدجّال): ما كنت أدري ما النّحاس قبل يومئذ فذهب ليذبحه فلم يستطع ولم يسلّط عليه بعد قتله إيّاه، قال: فإنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فأخذ بيديه ورجليه فألقاه في الجنّة وهي غبراء ذات دخان يحسبها النّار، فذلك الرّجل أقرب أمّتي منّي درجة. قال: فقال أبو سعيد: ما كان أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحسبون ذلك الرّجل إلاّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه حتى سلك عمر سبيله(1) .

وروى الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال أقرئ عمر السّلام وقل له إنّ رضاه حكم وإنّ غضبه عزّ(2) .

وفي المعجم الأوسط: عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل عليه السلام فقال أقرئ عمر السّلام (وقل له) إنّ رضاه حكم وإنّ غضبه عزّ. لم يرو هذا الحديث عن زيد العمي إلاّ جرير بن حازم تفرّد به خالد بن يزيد العمريّ(3) .

أقول:

لقد رضي أن يفرّ من الزّحف، في أحد حنين وخيبر، وفي الفقهاء من لا يجيز شهادة من فرّ من الزحف. فهل يصبح الفرار حكما؟

ولقد كان هائجا حين الهجوم على بيت فاطمة؛ فهل هذا عزّ؟

وعن ابن عبّاس: لمّا أسلم عمر أتاني جبريل فقال: قد استبشر أهل السّماء بإسلام عمر(4) .

وعن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر (الفاروق)، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أنّ رسول

____________________

(1) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 4، ص 539.

(2) المعجم الكبير، الطبرانيّ، ج 21 ص 48.

(3) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 6 ص 242.

(4) كنز العمال، المتقي الهندي ج 11 ص 577 الحديث رقم 32738.

٨٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر من ذلك شيئا(1) .

أقول:

وهذا يبطل ما أخرجه ابن سعد عن ذكوان قال (قلت لعائشة من سمّى عمر الفاروق قالت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(2) . وإنّما يدخل هذا وأمثاله في حرب عائشة على عليّ عليه السلام، فإنّها حاربته بالرّجال والكلمة، ولم تأل جهدا في محاولة سلب صفاته وألقابه وإضفائها على خصومه. وقد ثبت أن عليّا عليه السلام قال: أنا الصّدّيق الأكبر والفاروق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب(3) .

قال السيوطي: (وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشّيطان عن ابن مسعود قال: خرج رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقيه الشّيطان فاتخذا فاسطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمد فقال الشيطان: أرسلني أحدّثك حديثا فأرسله قال: لا. فاتّخذ الثّانية فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد، فقال: أرسلني فلأحدّثنّك حديثا يعجبك، فأرسله فقال: حدثني! قال: لا. فأتّخذ الثّالثة فصرعه الذي من أصحاب محمّد، ثمّ جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها، فقال: أرسلني؛ فقال: لا أرسلك حتى تحدّثني. قال: سورة البقرة، فإنّه ليس من آية منها تقرأ في وسط الشّياطين إلا تفرّقوا، ولا تقرأ في بيت فيدخل ذلك البيت شيطان. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، فمن ذلك الرّجل؟ قال: فمن ترونه إلاّ عمر بن الخطّاب)(4) !

____________________

(1) في تاريخ الطبري، ج 3 ص 267.

(2) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 114.

(3) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 112 وخصائص أمير المؤمنين عليه السلام - النسائي، ص 46 وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13 ص 200، ونظم درر السمطين، الزرندي الحنفي ص 95، وكنز العمال، المتقي الهندي، ج 13 ص 129، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج 1 ص 69 وتاريخ الطبري، الطبري، ج 2 ص 56 و، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2 ص 57 والبداية والنهاية، ابن كثير، ج 3 ص 36.

(4) الدر المنثور ج 1 ص 52.

٨٧

أقول:

ما أسهل دعوى مصارعة الجنّ، وأنّى للجنّ أن تدفع عن نفسها ما اتّهمتها به كتب الحديث والتّاريخ. ويكفي لذلك أن يعلم أنّ قتل سعد بن عبادة الصّحابي المعارض لبيعة السّقيفة قتلته الجنّ بالشّام وقالت في ذلك شعرا(1) .

قد قتلنا سيد الخرزج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

وأعجب ما في القصّة السابقة حرص الصّحابي على التعلّم من شيطان من الجنّ. فهل يتوقّع هذا الصّحابي أن يكون عند الجنّي ما لا يكون عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وفي تفسير الآلوسيّ: قال عبد الوهاب الشعراني:... واعلم أنّ حديث الحقّ سبحانه للخلق لا يزال أبدا، غير أنّ من النّاس من يفهم أنّه حديث كعمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه ومن ورثه من الأولياء، ومنهم من لا يعرف ذلك ويقول: ظهر لي كذا وكذا ولا يعرف أنّ ذلك من حديث الحقّ سبحانه معه؛ وكان شيخنا يقول: كان عمر من أهل سماع المطلق الذين يحدّثهم الله تعالى في كل شيء(2) .

أقول:

لا يخفى أنّه لو كان عمر محدّثا لفهم كلام الحقّ الموجّه إليه مباشرة في القرآن الكريم قبل الحديث عن المناجاة الباطنيّة؛ فالله تعالى قد خاطب عمر بن الخطّاب ومن معه في سورة الحجرات بقوله تعالى( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) ومع ذلك بقي يقدّم ويتدخّل في شؤون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما لو كان شريكه

____________________

(1) البداية والنهاية ج 7 ص 33 والعبر في خبر من غبر ج 1 ص 19 والمنتظم ج 4 ص 200 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 352 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 489 وشذرات الذهب ج 1 ص 28 ومرآة الجنان ج 1 ص 71 وتاريخ الإسلام ج 3 ص 149 والوافي بالوفيات ج 15 ص 95 وصفة الصفوة ج 1 ص 505 تلقيح فهوم أهل الأثر ج 1 ص 96.

(2) روح المعاني، ج 25 ص 62.

(3) الحجرات: 1.

٨٨

في الرّسالة! وقد بقي يعارض رسول الله غير ملتفت إلى ما تضمنته الآية. ولو كان محدثا كما قيل لعرفت له فاطمة عليها السلام ذلك، ولما ماتت غاضبة عليه. وكيف يكون محدّثا من آذى فاطمة عليها السلام بعد أن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آذاها فقد آذاني؟!

قال الثعالبيّ: وروي أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قرأ مرّة إنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع فأنّ أنّة عيد منها عشرين يوما(1) .

أقول: إن صحّ هذا فهو يعني أنّ عمر بن الخطاب تخلف عن الجمعة والجماعة ثلاثة أسابيع متوالية، ومثل هذا لا يعقل أن يتجاهله المؤرّخون! ثمّ كيف تجتمع هذه الدّرجة من الخشية مع الهجوم على بيت المطهّرين من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقصد إحراقه؟!.

ويروى أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه سمع قارئا يقرأ( وَالطّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ) قال هذا قسم حقّ، فلما بلغ القارئ إلى قوله عزّ وجلّ( إِنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ ) ظنّ أنّ العذاب قد وقع به فغشي عليه(2) .

أقول:

إلى هذا المستوى وصل تدبّره للقرآن ومع ذلك يتعامل مع آية( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ ) حين قرأها أبوبكر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّما يسمعها لأوّل مرّة! وأبعد من ذلك: يسأل أبابكر أفي كتاب الله هذا؟.

وروى ابن جرير عن أمّ عطيّة قالت: لمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ثمّ أرسل إلينا عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فقام على الباب وسلّم علينا فرددن أو فرددنا عليه السّلام ثمّ قال: أنا رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليكنّ، قال فقلنا: مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين قالت: فقلنا: نعم، قالت فمدّ يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت

____________________

(1) تفسير الثعالبي، ج 1 ص 8.

(2) تفسير الثعالبي، ج 4 ص 215.

٨٩

ثمّ قال: اللّهم اشهد(1) .

أقول:

هذا بعيد، فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف غلظة عمر وجفاءه، وموقفه من النّساء وموقف النّساء منه، والرّحماء اللّطفاء كثيرون، فلماذا يرسله هو في هذه المهمّة الحسّاسة، مبايعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ على أنّه قد وردت روايات تفيد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بايعهنّ، والقرآن الكريم يقول (يبايعنك) ولا يقول يبايعن عمر!.

قال ابن عاشور: وأمّا السّفارة بكسر السّين وفتحها فهي السّعي بالصّلح بين القبائل، والقائم بها يسمّى سفيرا. وكانت لبني عديّ بن كعب أبناء عمّ لقصي، وجاء الإسلام وهي بيد عمر بن الخطّاب(2) .

أقول:

السّفارة مهمّة حسّاسة تحتاج إلى سعة صدر ومداراة وصبر ولياقة. وهو ما يسمّى في أيّامنا بالدّبلوماسيّة؛ وقد ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب كان سريعا إلى المساءة كثير الجبه والشّتم والسّبّ(3) . فهل تصلح أخلاق عمر لهذه الوظيفة؟!.

وروى الطبريّ أنّ المغيرة بن شعبة قال: لمّا دفن عمر أتيت عليّا وأنا أحبّ أن أسمع منه في عمر شيئا، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشكّ أنّ الأمر يصير إليه فقال: يرحم الله ابن الخطّاب، لقد صدقت ابنة أبي حثمة، لقد ذهب بخيرها ونجا من شرّها، أما والله ما قالت ولكن قوّلت!

أقول:

كيف يقول أمير المؤمنين عليه السلام في عمر مثل هذا القول وهو القائل فيه في نهج البلاغة ما قال! وكيف تقبل رواية المغيرة بخصوص عليّ عليه السلام وهو الذي لم يكتف بسبّه

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 508.

(2) التحرير والتنوير، ج 1 ص 1826.

(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4 ص 457.

٩٠

وشتمه ولعنه عليه السلام، بل وظّف لذلك الخطباء. روى أحمد في الفضائل عن سفيان بن منصور عن هلال عن عبد الله بن ظالم وذكر سفيان رجلا فيما بينه وبين عبد الله بن ظالم قال: سمعت سعيد بن زيد قال: لما قدم معاوية الكوفة أقام المغيرة بن شعبة خطباء يتناولون عليّا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى هذا الظالم الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة(1) . فإذا كان المغيرة لا يتورّع أن يسبّ ويلعن عليّا عليه السلام ويوظّف لسبّه ولعنه، فإنّ أهون شيء لديه أن يفتري عليه.

وعن محمد بن إسحاق قال: حدّثني عمّي عبد الرحمن بن يسار قال: شهدت موت عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فانكسفت الشمس يومئذ(2) .

أقول:

هذا كلام يردّه حديث (إنّ الشّمس والقمر آيتان لا تنكسفان لموت أحد..). ولو كان كذلك لكان أولى أن تنكسف لموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومن الممكن التّحقّق من المدّعى لدى الفلكيّن في أيّامنا، إن كان حدث كسوف في المدينة في الأسبوع الذي قتل فيه عمر.

وعن عقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: أوّل من حيي عمر بن الخطّاب بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمر(3) .

أقول:

بل هو أمير جماعة السّقيفة، والدّليل على ذلك قول سعد بن أبي وقاص لمعاوية فنحن المؤمنون ولم نؤمّرك علينا. وكيف يكون أميرا للمؤمنين وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي لا يشكّ في إيمانها إلاّ خارج من الملّة ترفض أن يصلّي عليها أو يقف على قبرها، وتخرج من الدّنيا ساخطة عليه، وقد علم المسلمون قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّ الله

____________________

(1) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، ص 32.

(2) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 71 تحت رقم 79.

(3) التاريخ الأوسط، ج 1 ص 54 تحت رقم 202.

٩١

ليرضى لرضاها ويغضب لغضبها).

وعن سلمة بن كهيل عن عبد خير قال: سمعت عليّا يقول: خيركم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبوبكر وخيركم بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أخبرتكم بالثّالث قال سلمة وكأنه ينحو نفسه(1) .

أقول: على فرض صحّة الحديث فإنّ القول المنسوب إلى عليّ عليه السلام هو أفضلكم ولم يقل أفضلنا، فليس هو داخلا في المفضولين؛ وفي الخطبة الشقشقية ما يؤيد ذلك، وهو قوله عليه السلام: متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى أصبحت أقرن إلى هذه النظائر(2) .

وعن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردّوه، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة فزوّجوه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ردّوا رجلا ما في الأرض رجل خير منه(3) . والقصّة نفسها في تاريخ جرجان: عن معتمر بن سليمان عن يونس عن الحسين قال: خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطّاب امرأة فزوّج المغيرة ومنع عمر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد ردّوا خير هذه الأمّة(4) .

يقول الحديث: ما في الأرض رجل خير منه، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد الكائنات في الأرض! وعلي بن أبي طالب عليه السلام المطهّر بنصّ الكتاب الكريم في الأرض! وإذا لم يكن في الأرض أفضل منه فلماذا ردّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جاء يخطب فاطمة عليها السلام؟! أيعقل أن يذمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما بشيء فعلوه ثمّ يفعله هو؟!. كلّ هذا الطّعن في شخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمرّ بسلام وبدون أدنى تعليق، لأنّه لا بأس بالتّضحية بكرامة ومقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل الحفاظ على صورة حزب السّقيفة في أذهان العوامّ وأشباه العوامّ،

____________________

(1) الكامل في ضعفاء الرجال، ج 6 ص 250.

(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 184.

(3) أسد الغابة، ابن الأثير، ج 1 ص 823.

(4) تاريخ جرجان، ج 1 ص 294.

٩٢

ولعلّ هذا وأمثاله مما يفسّر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت قطّ. والواضح هو أنّ معاصري عمر كانوا أعلم به ممّن اختلق الرّواية، خصوصا إذا علم أنّ الذين ردّوا عمر هم من قريش، أي مكّة، عرفوه صغيرا وكبيرا!

وعن حيد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن فخلوت به فقلت له: يا أبا سعيد أما ترى ما النّاس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا يحيى، أصلح أمر النّاس أربعة وأفسده اثنان. أمّا الذين أصلحوا أمر النّاس فعمر بن الخطّاب يوم سقيفة بني ساعدة حيث قالت قريش منّا أمير وقالت الأنصار منّا أمير فقال لهم عمر: ألستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الأئمّة من قريش؟ قالوا: بلى. قال: أو لستم تعلمون أنّه أمر أبابكر يصلّي بالناس؟ قالوا: بلى. قال: فأيّكم يتقدّم أبابكر؟ قالوا: لا أحد! فسلّمت لهم الأنصار. ولو لا ما احتجّ به عمر من ذلك لتنازع النّاس هذه الخلافة إلى يوم القيامة..(1) .

أقول:

هذه شهادات المصوّبين وهم يعلمون أنّ تقدّم أبي بكر للصّلاة لم يكن بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كان بأمر من عائشة بنت أبي بكر من غير إذن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي أمر بذلك لما خرج يجرّ رجليه وأزاح أبابكر وصلّى بالناس من جلوس. وكيف يأمره بالصّلاة بالنّاس وهو الذي تعجب من وجوه بالمدينة بعد أن جعله واحدا من جند أسامة؟! كان المفروض أن يكون أبوبكر في طريقه إلى مؤتة لا في المدينة. وهذا الكلام من عمر إن صحّ إنّما هو يحلب به حلبا له شطره، يشدّ له أمره اليوم ليردّه إليه غدا. وهو ما حدث فعلا.

عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده نساء من نساء الأنصار يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب فدخل عمر ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحك فقال: أضحك الله سنّك يا

____________________

(1) تاريخ دمشق، ج 30 ص 286.

٩٣

رسول الله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب. فقال عمر وأنت أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولم تهبن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قط سالكا فجّا إلاّ سلك غيره(1) .

أقول: نسي واضع هذا الحديث أنّ الله تعالى يقول:( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ ) وبما أنّهم لم ينفضّوا من حوله فلا فظاظة في خلقه الكريم، بل هو على خلق عظيم. بينما كلام الجواري المزعومات فيه (أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، وهذا يقتضي المشاركة وفضل أحد الطريفين! لأنّنا إذا قلنا زيد أعلم من سعيد فهذا يعني أنّ زيدا عالم وسعيدا أيضا عالم، لكنّ علم زيد أكثر من علم سعيد، وهذا شأن كلّ ما فيه صيغة التفضيل أفعل و من. وعليه يكون في كلامهنّ إثبات صفة الفظاظة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يتأتّى مثل هذا الكلام إلاّ ممن أعمى الله بصيرته وأضلّه على علم. وأمّا بخصوص الهيبة فسيمرّ بك لاحقا حوار بين زينب بنت مظعون زوجة عمر بن الخطّاب وبين أبي هريرة بخصوص شرب قدامة بين مظعون الخمر، وفيه تلعن زينب بنت مظعون أبا هريرة بمحضر زوجها عمر بن الخطاب! فأين الهيبة وهي تجلس مع الرّجال في مناقشة أمر لا دخل لها فيها، ولتعن صحابيّا اسمه أبو هريرة؟!

عن حميد عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: دخلت الجنّة فإذا أنا بقصر من ذهب قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشابّ من قريش. فظننت أنّي أنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا عمر بن الخطّاب(2) .

عن مكحول عن غضيف بن الحارث رجل من أيلة عن أبي ذرّ قال: سمعت رسول

____________________

(1) فضائل الصحابة، النسائي، ص 10 - 11.

(2) فضائل الصحابة، النسائي، ص 10.

٩٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله وضع الحقّ على لسان عمر(1) .

وعن سيار أبي الحكم أنّ أبا بكر لما ثقل أطلع راسه إلى النّاس من كوّة فقال: يا أيّها الناس إنّي قد عهدت عهدا فترضون به؟ فقام النّاس فقالوا: قد رضينا. فقام عليّ فقال: (لا نرضى إلاّ أن يكون عمر بن الخطّاب؛ فكان عمر(2) .

أقول:

كيف يقول عليعليه‌السلام مثل هذا وهو القائل:.. إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطرا ضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم! فمني النّاس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض؛ فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة. حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم! فيا لله وللشّورى، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر(3) ؟!

وعن عبد الله بن شقيق عن عمرو بن العاص قال: قيل يا رسول الله أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: عائشة! قيل: من الرجال؟ قال: أبو بكر قيل: ثمّ من؟ قال: عمر. قيل ثمّ من؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح(4) .

أقول:

هذا الحديث يبطله الحديث الصحيح المتفق عليه في حقّ عليّ عليه السلام: (يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، ولا يتوقّع من عمرو بن العاص الذي كان يلعن عليّا عليه السلام أن يذكره بخير، وكيف لا يمجّد عائشة وهي شريكته في عداوة أهل البيت عليهم السلام؟! على أنّ رواية عمرو بن العاص ههنا ينسفها فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عائشة بنت أبي بكر، فإنّ معظم روايات فضائل خديجة واردة من طريقها، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدرى النّاس بما يثيره

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 353 تحت رقم 31968.

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 359 تحت رقم 32020.

(3) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام ج 1 ص 33.

(4) صحيح ابن حبان، ج 15 ص 459 رقم 6998.

٩٥

تمجيد زوجة سابقة على الزّوجة الحاليّة، فلو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ عائشة كما يدّعي عمرو بن العاص لما أسمعها ذلك التمجيد لخديجة عليها السلام؛ ثمّ إنّ من الأحاديث المفيدة كون علي وفاطمة عليهما السلام أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو مروي من طريق عائشة نفسها؛ فعن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي فقالت: تسألني عن رجل والله ما أعلم رجلا كان أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته(1) .

وهذا الحديث رواه الحاكم أيضا في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(2) . وفي نفس المعنى حديث لعمر بن الخطاب يشهد فيه بنفس ما شهدت به عائشة. فعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمررضي‌الله‌عنه أنّه دخل على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: (يا فاطمة، والله ما رأيت أحدا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك والله ما كان أحد من النّاس بعد أبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ منك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه(3) . بل إنّ عمر بن الخطّاب نفسه يشهد أنّ زيد بن حارثةرضي‌الله‌عنه كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه. فقد رووا أنّ عمر كان يفرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين فقال له عبد الله: فضّلت عليّ أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد! فقال: إنّ أسامة كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك وأباه كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك(4) . قال القرطبي بعد ذكر القصّة: ففضّلرضي‌الله‌عنه

____________________

(1) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 139. وج 5 ص 140. وسنن الترمذي ج 5 ص 701 والمعجم الكبير ج 22 ص 403 ومسند أبي يعلى ج 8 ص 270 ومعجم أبي يعلى ج 1 ص 128 وخصائص علي، النسائي ج 1 ص 127 وج 1 ص 128.

(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 167 رقم 4731. وج 3 ص 171.

(3) المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 168 رقم 4736.

(4) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 6 ص 4 وسنن البيقهي الكبرى ج 6 ص 350 وسنن الترمذي ج 5 ص 675 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 453 وج 6 ص 455 والمعجم الأوسط ج 6 ص 356 ومسند أبي يعلى ج 1 ص 148 ومسند أسامة بن زيد ج 1 ص 47 وج 1 ص 49 ومسند البزار ج 1 ص 255 وج 1 ص 409.

٩٦

محبوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على محبوبه(1) .

قال السّيوطي: أخرج البزّار عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر سراج أهل الجنّة. وأخرجه ابن عساكر من حديث أبي هريرة والصّعب بن جثامة(2) .

أقول:

ليس سراجها إبراهيمولا موسى ولا عيسى ولا زكريا ولا داوود ولا الحسن والحسين.. سلام الله عليهم أجمعين، وإنّما سراجها رجل عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، وخرجت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا غاضبة عليه وهي التي يغضب الله لغضبها! ولا يغب عنك أنّ معظم روايات فضائل عمر مروية عن ابن عمر!

عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال (بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري، ثمّ أعطيت فضلي عمر بن الخطّاب) قالوا فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم(3) .

أقول:

ولذلك مات لا يعرف الكلالة وقال عن نفسه: كلّ النّاس أفقه من عمر!

وأخرج الترمذي عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه). قال ابن عمر: وما نزل بالنّاس أمر قطّ فقالوا وقال إلاّ نزل القرآن على نحو ما قال عمر(4) .

أقول: وكلّ رواية في فضل عمر من طريق ابن عمر إنّما هي شهادة ولد لأبيه.

____________________

(1) تفسير القرطبي، ج 14 ص 239. والقصة موجودة أيضا في المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 645 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 517. وأقول: وهذا القول من عمر محلّ تأمّل، فإنّ فاطمة عليها السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أسامة وابيه ومع ذلك عاملها عمر بما عاملها به!

(2) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 118.

(3) صحيح البخاري، ج 1 ص 43. وج 6 ص 2571 وج 6 ص 2577 و، ج 6 ص 2579 وسنن النسائي الكبرى ج 3 ص 425 وسنن الترمذي ج 5 ص 619 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 108.

(4) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 117.

٩٧

وأخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن العباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحقّ بعدي مع عمر حيث كان(1) .

أقول:

فلماذا هجرته فاطمة عليها السلام؟ وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟! ولماذا خالفه علي بن أبي طالب عليه السلام. أليس عمر نفسه هو الذي يقول: والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ؟! فكيف يقول مثل هذا لو صحّ الحديث؟

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحبّ عمر فقد أحبّني، وإنّ الله باهي بالنّاس عشيّة عرفة عامّة وباهى بعمر خاصّة! وإنّه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمّته محدّث، وإن يكن في أمّتي منهم أحد فهو عمر! قالوا يا رسول الله كيف محدّث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه(2) .

أقول:

لكنّ الطبرانيّ نفسه روى عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن حسين بن علي عن أمّه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشيّة عرفة فقال إنّ الله باهى بكم وغفر لكم عامّة ولعلي خاصّة، وإنّي رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي. هذا جبريل يخبرني أن السّعيد حق السّعيد من أحبّ عليّا في حياته وبعد موته وإن الشّقيّ كل الشّقيّ من أبغض عليّا في حياته وبعد موته)(3) . كما أورد المتّقي الهندي حديثا فيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (وما لي لا أضحك وهذا جبريل يخبرني عن الله عزوجل أنّ الله باهى بي وبعمّي العبّاس وبأخي عليّ بن أبي طالب سكّان الهواء وحملة العرش وأرواح النّبيين وملائكة ستّ سموات

____________________

(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 119.

(2) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 7 ص 18 ومجمع الزوائد ج 9 ص 69.

(3) المعجم الكبير ج 22 ص 415 رقم 1026.

٩٨

وباهى بأمّتي أهل سماء الدنيا)(1) . وعن ابن عبّاس قال: أمر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المهاجرين والأنصار أن يصفّوا صفّين، ثمّ أخذ بيد عليّ وبيد العبّاس، ثمّ مشى بينهم، ثمّ ضحك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له عليّ: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: إنّ جبريل أخبرني أنّ الله باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السّماوات السبع وباهى بك يا عليّ، وبك يا عبّاس حملة العرش(2) . وبما أنّه لا يمكن الجمع بين الحديثين فلابدّ من توجيه السّهام إلى حديث المباهاة بعليّ عليه السلام ووصمه بأنّه موضوع وتصحيح حديث المباهاة بعمر، وقيل الحمد لله رب العالمين. لكنّ ذلك لا يحلّ المشكلة، لأنّ في سجلّ عليّ عليه السلام ما يباهى به، كالتّوحيد المحض مثلا، فإنّ عليّا عليه السلام لم يشرك بالله طرفة عين، بينما انحنى عمر للأصنام عشرات السّنين، فلا يعقل من العليّ الحكيم أن يباهي من أخلص له العبادة بمن أشرك به الأوثان. وكذلك القول في الجهاد، فإنّ لعليّ عليه السلام صولات وجولات في بدر وأحد وخيبر وحنين، ولعمر بن الخطاب فرار في بعضها وجبن في بعضها الآخر! فلا يعقل أن يباهي الله تعالى الشّجاع الكرّار بالجبان الفرّار بعد أن قال جلّ اسمه( إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) (3) وقال( وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (4) .

ولقد كانت فاطمة عليها السلام لا تحبّ عمر بن الخطّاب ولا ترتاح إليه، وأخبرت أنّها ستشكوه إلى أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي مع ذلك قطعا في الجنّة، بل سيّدة نساء أهل الجنّة، ولا يدخل الجنّة من يبغضه الله تعالى. فلو كان بغض عمر بغضا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دخلت فاطمة الجنّة وتربّعت على كرسيّ السّيادة فيها. ولقد كان علي عليه السلام لا يخفى

____________________

(1) كنز العمال، ج 11 ص 205 رقم 32133 (ابن عساكر عن علي).

(2) كنز العمال، ج 13 ص 220 رقم 37317. وكتاب العرش ج 1 ص 91 وسمط النجوم العوالي ج 3 ص 58.

(3) الصّف: 4.

(4) الأنفال: 16.

٩٩

موقفه من عمر، وأقواله فيه معلومة في خطبته الشّقشقيّة، وهو مع ذلك يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يشهد بذلك أولياؤه وأعداؤه كما في الصّحيحين وغيرهما(1) .

وعن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدا قطّ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حين قبض أحد ولا أجود من عمر(2) .

أقول:

لقد كان من بين الأمور التي برّرت بها بنت عتبة بن ربيعة رفضها الزّواج من عمر أنّه يمنع خيره(3) . وقد اعترف هو بنفسه على المنبر أنّه كان بخيلا. أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن شدّاد قال: كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال: اللّهم إنّي شديد فليّنّي، وإنّي ضعيف فقوّني، وإنّي بخيل فسخّني(4) . فعمر بن الخطاب يقول عن نفسه (إنّي بخيل)، وعبد الله بن عمر يقول عنه (أجود الناس بعد رسول الله)، ولا ريب أنّ أحد القولين مخالف للواقع. وعمر أدرى بنفسه من ابنه.

____________________

(1) حديث أنّ عليا يحبه الله ورسوله في: صحيح البخاري ج 3 ص 1096 وج 4 ص 1542 وصحيح مسلم ج 4 ص 1871 وج 4 ص 1872 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 382، والجمع بين الصحيحين، ج 1 ص 197 وج 1 ص 550، والمستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 143، وج 3 ص 494، وسنن النسائي الكبرى ج 5 ص 46 وج 5 ص 107 وج 5 ص 108 وص 109 وج 5 ص 112 وج 5 ص 144 وج 5 ص 173 وج 5 ص 178 وسنن ابن ماجه ج 1 ص 43 وسنن البيهقي الكبرى ج 9 ص 131 وسن الترمذي ج 4 ص 106 وج 4 ص 310 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 59 والمعجم الكبير ج 7 ص 13 و، ج 7 ص 17، وج 7 ص 77 وج 18 ص 238 ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 99، وج 1 ص 185 وج 5 ص 333 وج 5 ص 358 ومسند البزار ج 2 ص 136 وج 3 ص 22 و ج 3 ص 281 ومسند ابن أبي شيبة، ج 1 ص 96.

(2) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 44 ص 273 وتاريخ الإسلام، الذهبي، ج 3 ص 266 والصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، ج 1 ص 283 وتاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 120.

(3) خطب [عمر] أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت يغلق بابه ويمنع خيره يدخل عابسا ويخرج عابسا. [الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 3 ص 55 وتاريخ الطبري ج 5 ص 17].

(4) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 3 ص 274 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 65 وج 7 ص 256 تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 139، وكنز العمال، ج 5 ص 273 والصواعق المحرقة، ج 1 ص 256 وسمط النجوم العوالي، ج 2 ص 468 وصفة الصفوة، ج 1 ص 280.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357