كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149990 / تحميل: 9474
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

رأيتها في المنام، قالوا: وما هي؟ قال: رأيت كِلاباً تَنهشني؛ أشدُّها عليَّ كلبٌ أبقع ».

١٥ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن عليِّ بن إسماعيل بن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن عَمرو بن سعيد الزّيّات، عن عبدالله بن بُكير، عن زُرارة، عن ابي جعفرعليه‌السلام « قال: كتب الحسين بن عليٍّ مِن مكّة إلى محمّد بن عليٍّ: « بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم؛ مِن الحسين بن عليٍّ إلى محمَّد بن عليٍّ(١) ومَن قَبِلَه مِن بني هاشم؛ أمّا بعد فإنَّ مَنْ لَحِقَ بي اسْتُشْهِد، ومَنْ لَم يَلْحَقْ بي لم يُدرِكِ الفَتْحَ؛ والسَّلام » ».

قال محمّد بن عَمرو: حدَّثني كِرام عبدالكريم بن عَمرو، عن مَيْسَر بن عبدالعزيز، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: كتب الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام إلى محمّد بن عليٍّ من كربلاء: « بِسْم الله الرَّحمنِ الرَّحيم؛ مِن الحسين بن عليٍّ إلى محمَّد بن عليٍّ ومَن قِبَلَه مِنْ بني هاشم، أمّا بعد، فكأنَّ الدُّنْيا لَمْ تَكُنْ، وكأنَّ الآخِرَةَ لمْ تَزَلْ، والسَّلام » ».

الباب الرّابع والعشرون

( ما استدلَّ به على قتل الحسين بن عليٍّ عليهما السلام في البلاد)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد - عن رَجل - عن يحيى بن بشير « قال: سمعت أبا بصير يقول: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : بعث هِشام بن عبدالمَلِك إلى أبي فأشخصه إلى الشّام، فلمّا دخل عليه قال له: يا أبا جعفر أشخصناك لنَسْألك عن مسألةٍ لم يصلح أنْ يسألك عنها غَيري، ولا أعلم في الأرض خَلْقاً ينبغي أنْ يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلاّ واحداً، فقال أبي: ليسألني أمير المؤمنين عمّا أحبَّ، فإن عَلِمتُ أُجبتُ ذلك؛ وإن لم أعْلَمْ قلتُ: لا أدري؛ وكان الصّدق

__________________

١ - يعني أخاه ابن الحنفيّةرضي‌الله‌عنه .

٨١

أولى بي، فقال هِشام: أخبرني عن اللَّيلة الّتي قُتِل فيها عليُّ بن أبي طالب بما استدلَّ به الغائب عن المصر الَّذي قُتل فيه على قتله، وما العَّلامة فيه للنّاس فإن علمتَ ذلك وأجبتَ فأخبرني هَلْ كان تلك العَلامة لغير عليٍّ في قَتلِه، فقال له أبي: يا أمير المؤمنين إنّه لمّا كان تلك اللّيلة الّتي قُتِلَ فيها أمير المؤمنين لم يرفع عن وجه الأرض حَجَرٌ إلاّ وُجِدَ تحته دَمٌ عَبيط حتّى طلع الفَجر، وكذلك كانت الليلة الَّتي قتل فيها هارون أخو موسى، وكذلك كانتِ اللَّيلة التي قتل فيها يوشع بن نون، وكذلك كانتِ الليلة التي رفع فيها عيسى بن مَريم إلى السّماء، وكذلك كانتِ اللَّيلة الَّتي قتل فيها شَمعون بن حمون الصّفا، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب، وكذلك كانتِ اللَّيلة الَّتي قتل فيه الحسين بن عليٍّ.

قال: فتربَّد(١) وجهُ هِشام حتّى انتُقع لَونُه(٢) وهَمَّ أن يبطش بأبي، فقال له أبي: يا أمير المؤمنين الواجب على العِباد الطّاعة لإمامهم والصِّدق له بالنَّصيحة؛ وإنَّ الَّذي دعاني إلى أن اُجيب أمير المؤمنين فيما سألني عنه مَعرفتي إيّاه بما يجبُ له عليَّ مِن الطّاعة؛ فليحسن أمير المؤمنين عليَّ الظَّنَّ، فقال له هِشام: انصرف إلى أهلك إذا شِئت، قال: فخرج فقال له هِشام عن خروجه: أعطِني عهدَ الله وميثاقَه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحَدٍ حتّى أموت، فأعطاه أبي مِن ذلك ما أرضاه - وذكر الحديث بطوله - »(٣) .

__________________

١ - تربَّدَ وجه فلانٍ أي تغيّر مِن الغضب.

٢ - على بناء المجهول، أي تغيَّر مِن حزنٍ أو سرورٍ.

٣ - ما جاء في هذا الباب كان ممّا تواتر عند المحدِّثين والمؤخِّرين مِن العامّة والخاصَّة واعترف به المخالفون، راجع تفاسيرهم ذيل قوله تعالى: «فما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ - الآية » [الدّخان: ٢٩] وأيضاً تفسير الدّرّ المنثور ج ٦ ص ٣٠، وتاريخ دمشق لابن عساكر ج ٧ ص ١٤٨، والخصائص الكبرى ج ٢ ص ١٢٦، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج ٢ ص ٢٥٤، وتاريخ الخلفاء للسّيوطيّ، ومجمع الزَّوائد للهيثميّ، وغيرهم من العامّة، وجلّ المحدّثين من الخاصّة. نقل ابن عساكر بإسناده عن ابن سيرين أنّه قال: « لم تبك السَّماءُ على أحدٍ

٨٢

٢ - حدَّثني أبو الحسين أحمد بن عبدالله بن عليٍّ النّاقِد(١) قال: حدَّثني عبدالرَّحمن البلخيُّ. وقال لي أبو الحسين: وأخبرني عمّي عن أبيه، عن أبي نَضْرة

__________________

بعد يحيى بن زَكريّا إلاّ على الحسن بن عليّ »عليه‌السلام ، وقال: « لم نكن نرى هذه الحمرة في السَّماء حتّى قُتل الحسين بن عليٍّ »عليهما‌السلام ، وعن خلف بن خليفة، عن أبيه قال: « لمّا قتل الحسين اسودَّتِ السّماءُ وظهرتِ الكواكب نهاراً، حتّى رأيتُ الجَوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر ». وعن خَلاّد - وكان ينزل بني جُحدر - قال: « حدَّثتني اُمّي، قالتْ: كنّا زماناً بعد مقتل الحسين، وإنَّ الشَّمس تطلع محمرَّة على الحيطان والجدر بالغداة والعشيّ، قالت: وكانوا لا يرفعون حَجَراً إلاّ يوجد تحته دم »، وعن نصرة الأزديّة قالت: « لمّا أنْ قتل الحسين مطرتِ السَّماء دماً، فأصبحت وكلّ شيءٍ لنا ملآن دَماً » وعن جعفر بن سالم قال: حدَّثَتْني خالتي اُمّ سالم قالت: « لمّا قتل الحسين مطرنا مطراً كالدَّم على البيوت والجدر، قال: وبلغني أنّه كان بخراسان والشّام والكوفة »، وقال بوّاب عبيدالله بن زياد: « لمّا جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تَسايَل دَماً »، وعن اُمّ حيّان قالت: « يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يَمَسَّ أحدٌ مِن زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه على وجهه إلاّ احترق، لم يقلب حجر ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دم عبيط ». ( العبيط من الدَّم: الخالص الطّريّ ).

وعن محمّد بن عمر بن عليّ: « أرسل عبدالملك إلى ابن رأس الجالوت فقال: هل كان في قتل الحسين عَلامَة؟ قال ابن راس الجالوت: ما كشف يومئذٍ حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط ».

وقال الحافظ نور الدّين عليّ بن أبي بكر الهيثميّ في كتابه المعروف بـ « مجمع الزّوائد » ( ج ٩ ص ١٩٦، دار الكتاب: بيروت - لبنان ) روى الطّبراني بسند - رجاله ثقات - عن الزُّهريّ « قال: قال لي عبدالملك: أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال: قلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط، فقال لي عبدالملك، إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان ».

وعن الزّهريّ « قال: ما رفع بالشّام حجرٌ يوم قتل الحسين بن عليّ إلاّ عن دم »، وقال: رواه الطّبراني ورجاله رجال الصّحيح.

وعن اُمّ حكيم « قالت: قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية، فمكثتِ السّماء أيّاماً مثل العلقة »، قال: رواه الطّبرانيّ ورجاله إلى اُمّ حكيم رجال الصّحيح. أقول: « اُمّ حكيم » صَحابيّة.

١ - تقدّم في ص ٧٤ وفيه: « محمّد بن عبدالله بن عليّ النّاقد، عن عبدالرّحمن الأسلميّ ».

٨٣

- عن رَجل من أهل بيت المقدس - « أنّه قال: والله لقد عرفنا أهل بيت المَقْدِس ونواحيها عَشيّةَ قتل الحسين بن عليٍّ [عليهما‌السلام ]، قلت: وكيف ذاك؟ قال: ما رَفعنا حَجَراً ولا مَدَراً ولا صخراً إلاّ ورأينا تحتها دَماً عَبيطاً يغلي، واحمرَّت الحيطان كالعلق، ومطر ثلاثة أيّام دَماً عَبيطاً، وسمعنا منادياً ينادي في جوف اللّيل يقول:

أَتَرْجُو اُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً

شَفاعَةَ جَدِّهِ يَومَ الحسابِ

مَعاذَ اللهِ! لا نِلْتُمْ يَقيناً

شَفاعةَ أحْمَدَ وَأبي تُرابِ

قَتَلْتُمْ خَيْرَمَنْ رَكبَ الْمَطايا

وَخَيْرَ الشَّيْبِ طَرّا وَالشَّبابِ

 وانكسفت الشَّمس ثلاثة أيّام(١) ثمَّ تجلّت عنها وانشبكت النُّجوم(٢) ، فلمّا كان مِنَ الغَد اُرجفنا بقتله، فلم يأت علينا كثير شيءٍ حتّى نعي إلينا الحسينعليه‌السلام ».

٣ - حدَّثنا أبو الحسن أحمدَ بن عبدالله بن عليٍّ النّاقد بإسناده قال: قال عُمَر ابن سعد: حدَّثني أبو معشر، عن الزُّهريّ « قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام لم يبق في بيتِ المَقْدِس حصاةٌ إلاّ وجد تحتها دمٌ عَبيط ».

الباب الخامس والعشرون

( ما جاء في قاتل الحسين وقاتل يحيى بن زكريّا عليهم السلام)

١ - حدَّثني أبي - رحمه الله تعالى -؛ وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخّطاب، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد، عن كُلَيْب بن مُعاويةَ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كان قاتل

__________________

١ - في البحار: « انكسفت الشّمس ثلاثاً ». والمراد: أنّا رأيناها منكسفاً في أعيننا.

٢ - كذا في النّسخ، وفي البحار أيضاً، والصّواب: « اشتبكت النّجوم »، وفي اللّسان: اشتبكت النّجوم: أي ظهرت جميعها واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها.

٨٤

يحيى بن زَكريّا ولد زنا، وكان قاتل الحسينعليه‌السلام ولد زنا، ولم تبكِ السَّماء إلاّ عليهما ».

حدّثني محمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن أحمد بن الحسين جميعاً، عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن الحسن، عن فَضالَةَ بن أيّوب، عن كُلَيْب بن معاوية الأسديِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

٢ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسى، عن عَمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنَّ في النار لمنزلة لم يكن يستحقّها أحدٌ من النّاس إلاّ قاتل الحسين بن عليٍّ، ويحيى بن زكريّاعليهم‌السلام ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: تقتل واللهِ ذَراري قَتَلَةِ الحسين بفعال آبائها »(١) .

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بُكَير، عن زُرارةَ، عن عبدالخالق، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كان قاتل الحسينعليه‌السلام ولد زنا، وقاتل يحيى بن زَكريّا ولد زنا ».

٥ - حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخّطاب، عن عليّ بن النّعمان، عن مُثنّى، عن سَدِير « قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: إنَّ الله [جلَّ وعَزَّ] جعل قتل أولاد النَّبيّين من الاُمم الماضية(٢) على يدي أولاد زنا ».

٦ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن صَفوان بن يحيى، عن داود بن فَرقَد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كان الّذي قتل الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ولد زنا، والَّذي قتل يحيى بن زَكريّا ولد زنا ».

__________________

١ - لأنّهم يرضون بفعال آبائهم.

٢ - في البحار: « في الأمم الماضية ».

٨٥

٧ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن عليِّ بن أسباط، عن إسماعيلَ بن أبي زياد - عن بعض رجاله - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « في قول فرعونَ: « ذَرُوني أقتُلْ مُوسى(١) »، فقيل له: مَن كان يمنعه؟ قال: كان لَرِشْذَة(٢) ، لأنَّ الأنبياء والحُجَج لا يقتلهم إلاّ أولاد زنا والبغايا ».

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف، عن محمّد بن الحسين بهذا الحديث(٣) .

٨ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عُمَير - عن بعض أصحابه - عن ابن مُسكان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قاتل الحسين بن عليِّ ولد زنا ».

٩ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمانَ بنِ عيسى، عن عَمرِو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: لا يقتل النَّبيّين وأولاد النَّبيّين إلاّ أولاد زنا ».

١٠ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله؛ وعبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن أبيه محمّد بن خالد، عن عبدالعظيم ابن عبدالله بن عليِّ الحَسَنيِّ، عن الحسن بن الحسين العَمريّ، عن الحسين بن شَدّاد الجعفيِّ، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء إلاّ ولد زنا ».

١١ - حدّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ بن الفَضّال، عن مَروان بن مسلم، عن إسماعيلَ بن كثير « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: كان قاتل الحسين بن عليٍّ ولد زنا، وكان قاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا، ولم تبكِ السّماء والأرض إلاّ لهما - وذكر الحديث - ».

__________________

١ - غافر: ٢٦.

٢ - الرَشدة - بفتح الرّاء وكسرها -: « ضدّ الزّنية، يقال: ولد لرشدة.

٣ - في بعض النّسخ: « بهذه الأحاديث ».

٨٦

الباب السّادس والعشرون

( بكاء جميع ما خلق الله على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرزاز القُرَشيُّ قال: حدَّثني خالي محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيلَ بنِ بزيع، عن ابي إسماعيلَ السّرّاج(١) ، عن يحيى بن مُعمّر العطّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: بكتِ الإنس والجنّ والطّير والوحش على الحسين بن عليعليهما‌السلام حتّى ذَرَفَتْ دُمُوعها(٢) ».

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، عن محمّد بن الحسين بإسناده مثله.

٢ - حدّثني أبي - رحمه الله تعالى - وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أحمدَ بن أبي داود، عن سعد [بن] أبي عمر الجَلاّب(٣) ، عن الحارث الأعور « قال: قال عليُّعليه‌السلام : بأبي واُمي؛ الحسين المقتول بظهر الكوفة، واللهِ كأنّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحش، يبكونه ويرثونه ليلاً حتّى الصّباح، فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء(٤) ».

٣ - وحدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان، عن عبدالجبّار النّهاونديّ، عن أبي سعيد، عن الحسين بن ثُوَيْر بن أبي فاخِتَه؛ ويونس بن ظَبْيان؛ وأبي سَلَمة -

____________

١ - هو عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاريّ الثّقة، روى عن أبي عبداللهعليه‌السلام . ( صه. جش ).

٢ - ذَرَفَ الدّمع ذَرْفاً وذَرَفاناً: سال.

٣ - في البحار: « عن سعيد بن [أبي] عمرو الجلاّب ». وسيأتي الخبر في الباب ٩٧.

٤ - الجفاء: البعد عن الشّيء، وترك الصّلة والبرّ، وغلظ الطّبع، والأوسط هنا أظهر. ( البحار ).

٨٧

السَّرَّاج؛ والمفضّل بن عُمَرَ كلّهم قالوا: « سمعنا أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ أبا عبدالله الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام لمّا مضى بكت عليه السَّماوات السَّبع والأرضون السَّبع وما فيهنَّ وما بينهنّ ومَن ينقلب عليهنَّ، والجنَّة والنّار، وما خلق ربّنا وما يرى وما لا يرى ».

وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن عليٍّ بن أبي عثمان بإسناده مثله.

٤ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسين بن عبيدالله، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان، عن عبدالجبّار النّهاونديّ، عن أبي سعيد، عن الحسين بن ثُوير؛ ويونس؛ وأبي سَلَمة السَّرّاج؛ والمفضّل بن عُمَرَ « قالوا: سمعنا أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: لمّا مضى الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام بكى عليه جميع ما خلق الله إلاّ ثلاثة أشياء البصرة ودمشق وآل عثمان ».

٥ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن الحسن بن راشد، عن الحسين بن ثُوَير « قال: كنت أنا ويونس بن ظَبيان والمفضّل بن عُمَر وأبو سلمة السَّرّاج جلوساً عند أبي عبداللهعليه‌السلام فكان المتكلّم يونسُ، وكان أكبرنا سِنّاً وذكر حديثاً طويلاً يقول، ثمَّ قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنّ أبا عبداللهعليه‌السلام لمّا مضى بكتْ عليه السّماوات السّبع والأرضون السّبع وما فيهنَّ وما بينهنّ، وما ينقلب في الجنّة والنّار مِن خلق ربِّنا، وما يرى وما لا يرى بكى على أبي عبدالله، إلاّ ثلاثة أشياء لم تَبْكِ عليه، قلت: جُعِلتُ فِداكَ ما هذه الثّلاثة أشياء؟ قال: لم تَبْكِ عليه البصرة ولا دَمشق ولا آل عثمان بن عَفّان - وذكر الحديث ».

٦ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله ابن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن أبي يعقوبَ، عن أبان بن عثمان، عن زُرارَةَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا زُرارَة إنَّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدَّم؛ و

٨٨

إنَّ الأرض بَكَتْ أربعين صباحاً بالسَّواد؛ وإنَّ الشَّمس بَكَتْ أربعين صباحاً بالكُسوف والحُمرَة؛ وإنَّ الجبال تَقَطعتْ وانْتَثَرتْ؛ وإنَّ البحار تَفجَّرت؛ وإنَّ الملائكة بَكَت أربعين صباحاً على الحسينعليه‌السلام ، وما اخْتَضَبتْ منّا امرءةٌ ولا ادَّهَنتْ ولا اكْتَحَلتْ ولا رَجَّلتْ حتّى أتانا راس عبيدالله بن زياد، ومازلنا في عَبرةٍ (١) بعده، وكان جدِّي إذا ذكره بكى حتّى تملأ عيناه لحيته، وحتّى يبكي لبكائه - رحمة له - مَن رَآه، وإنَّ الملائكة الَّذين عند قبره ليَبكون، فيبكي لبكائهم كلُّ مَن في الهَواءِ والسَّماء من الملائكة، ولقد خرجتْ نفسهعليه‌السلام فزَفَرَتْ جهنَّمُ زَفْرَةً كادتِ الأرض تنشقّ لزَفْرَتها، ولقد خَرَجتْ نفسُ عبيدالله بن زياد ويزيدَ بن معاويةَ [لعنهم الله]، فشَهِقَتْ جهنَّم شَهْقَة لولا أنَّ الله حبسها بخزّانها لاُحْرقتْ مَن على ظهر الأرض مِن فَورها، ولو يؤذن لها ما بقي شيء إلاّ ابْتلَعتْه، ولكنّها مأمورةٌ مصفودَةٌ ولقد عَتَتْ على الخُزَّان غير مرَّةٍ حتّى أتاها جبرئيل فضربها بجناحِه فَسَكَنتْ، وإنّها لتبكيه وتَنْدُبه، وإنّها لتتلظّى على قاتِله، ولولا مَن على الأرض مِن حُجَج الله لنقضتِ الأرض وأكفأتْ [بـ]ـما عليها، وما تكثر الزَّلازل إلاّ عند اقتراب السّاعة؛

وما من عَين أحبُّ إلى الله؛ ولا عَبرةٌ مِن عين بَكتْ ودَمَعَت عليه، وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمةعليها‌السلام وأسعدها عليه(٢) ووصَلَ رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأدّى حقّنا، وما من عبد يُحشَرُ إلاّ وعيناه باكيةً إلاّ الباكين على جدِّيَ الحسينعليه‌السلام ، فإنّه يحشر وعينه قَريرة، والبشارة تلقاه والسّرور [بيّن] على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسينعليه‌السلام تحت العرش وفي ظلِّ العرش، لا يخافون سوءَ يوم الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنّة، فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه، وأنَّ الحور لترسل إليهم أنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم

__________________

١ - العَبْرَة: الدَّمعة قبل أن تفيض، وقيل: تردّد الكباء في الصّدر، وقيل: الحزن بلا بكاء ( أقرب الموارد ) ورجَل الشَّعر: سرّحه.

٢ - أسعدها أي عاونها.

٨٩

مِنَ السُّرور والكَرامَة، وإنَّ أعداءَهم مِن بين مَسْحوب (١) بناصيته إلى النّار، ومِن قائل: « ما لَنا مِن شافِعينَ وَلا صَدِيقٍ حَميم (٢) »؛

وإنّهم ليرون منزلهم، وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم، وإنَّ الملائكة لتأتيهم بالرِّسالة مِن أزواجهم ومِن خُزّانهم(٣) على ما اُعطوا مِن الكَرامة فيقولون: نأتيكم إن شاء الله، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم، فيزدادون إليهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فيه مِنَ الكَرامة وقُربهم مِن الحسينعليه‌السلام ، فيقولون: الحمدلله الَّذي كفانا الفَزَع الأكبرَ، وأهوال القيامة، ونجّانا ممّا كنّا نخاف، ويؤتون بالمراكب والرِّحال على النَّجائب(٤) ، فيستوون عليها، وهم في الثَّناء على الله والحمد ‏لله والصَّلاة على محمَّدٍ وآله، حتّى يَنْتَهوا إلى منازلهم ».

٧ - حدَّثني محمّد بن عبدالله(٥) ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريِّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن عبدالله بن مُشكانَ، عن أبي بصير « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام [و] اُحدِّثه، فدخل عليه ابنُه فقال له: مَرْحباً، وضَمَه وقَبَّله، وقال: حَقَر اللهُ مَن حَقّركم، وانتقم مِمَّن وَتَركم(٦) ، وخَذَلَ الله مَن خَذلكم، ولعن الله مَن قتلكم، وكان اللهُ لكم وليّاً وحافظاً وناصراً، فقد طال بُكاء النِّساء وبُكاء الأنبياء والصِّدّيقين والشّهداء وملائكة السَّماء، ثمَّ بكى وقال: يا أبا بصير إذا نظرتُ إلى وُلْدِ الحسين أتاني ما لا أملكه بما اُتي إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إنّ فاطمةعليها‌السلام لتبكيه وتشهق، فتَزْفِر جهنَّم زَفْرَة لولا أنَّ الخَزَنة يسمعون بُكاءَها وقد

__________________

١ - سَحَبَه أي جرّه على وجه الأرض.

٢ - مقتبسٌ من الآية ١٠٠ من سورة الشّعراء. وفيه: « فما لنا الآية ».

٣ - في بعض النّسخ: « من خدّامهم ». وفي البحار مثل ما في المتن.

٤ - النَّجائب جمع النَّجيبة، مؤنّث النَّجيب، وهو الكريم الحسيب من الإنسان والحيوان، يقال: رجلٌ وجمل نجيب. ( أقرب الموارد ).

٥ - يعني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميريّ.

٦ - أي ظلمكم.

٩٠

استَعدُّوا لذلك مَخافة أنْ يخرج منها عُنُق أو يَشْرَر (١) دُخانها فيحرق أهل الأرض فيَكْبَحونها (٢) ما دامَتْ باكية، ويزجُرونها ويستوثِقون من أبوابها مَخافةً على أهل الأرض، فلا تَسْكنْ حتّى يسكن صوتُ فاطمةعليها‌السلام .

وإنّ البِحار تَكاد أنْ تَنْفَتِق(٣) فيدخل بعضها على بعض، وما منها قَطرةٌ إلاّ بها ملكٌ مُوَكّل، فإذا سمع الملك صوتَها أطفأ نارها بأجْنِحَته(٤) ، وحبس بعضها على بعض مخافةً على الدُّنيا وما فيها ومَن على الأرض، فلا تزال الملائكة مُشفِقين يبكون لبكائِها، ويدعون الله ويتضرَّعون إليه، ويتضرَّع أهلُ العرش ومَن حَوله؛

وترتفع أصواتٌ مِن الملائكة بالتَّقديس للهِ مَخافةً على أهل الأرض، ولو أنّ صوتاً مِن أصواتهم يصل إلى الأرض لصَعِق أهلُ الأرض وتقطّعتِ الجبال(٥) وزَلزلتِ الأرض بأهلها.

قلت: جُعِلتُ فداك إنَّ هذا الأمر عظيم! قال: غَيرُه أعظمُ منه ما لم تسمعه، ثمّ قال لي: يا أبا بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمةعليها‌السلام ؟ فبكيت حين قالها فما قدرت على النّطق، وما قدر ( كذا ) على كلامي من البكاء(٦) ، ثمَّ قام إلى المصلّى يدعو، فخرجت مِن عنده على تلك الحال، فما انتفعت بطعام وما جاءَني النَّوم، وأصبحت صائماً وَجِلاً(٧) حتّى أتيته، فلمّا رَأيته قد سكن سكنتُ، وحمدتُ الله حيث لم تُنزل بي عُقوبة ».

__________________

١ - الشَّرَر - محرّكة -: ما يتطاير من النّار.

٢ - كبحتَ الدّابّه: إذا جذبتها إليك باللِّجام لكي تقف ولا تجري.

٣ - أي تنشقّ، أو تشقّق.

٤ - نأرت النّائرة نأراً: هاجت، والمراد ثوران الماء وغليانها.

٥ - في البحار: « تقلّعت الجبال ».

٦ - في البحار: « وما قدرت على كلامي من البكاء ».

٧ - أي خوفاً.

٩١

الباب السّابع والعشرون

( بُكاء الملائكة على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعيِّ ابن عبدالله، عن الفَضيل بن يَسار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما لكم لا تأتونه - يعني قبر الحسينعليه‌السلام - فإنَّ أرْبعة آلاف ملكٍ يبكونـ[ـه] عند قبره إلى يوم القيامة ».

٢ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سَعْدانَ، عن عبدالله بن القاسم، عن عُمر بن أبانَ الكلبيِّ، عن أبان ابن تَغلب « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القِتال مع الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، لَمْ يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الاستيذان فهبطوا وقد قتل الحسينعليه‌السلام فهم عند قبره شُعْثٌ غُبْرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم ملك يقال له: المنصور ».

٣ - وحدّثني أبيرحمه‌الله وجماعةُ مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن عليَّ بن إسماعيل بن عيسى، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعيّ، عن الفضيل بن يَسار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : ما لكم لا تأتونه - يعني قبر الحسينعليه‌السلام - فإنَّ أربعة آلاف ملك يبكون عنده إلى يوم القيامة ».

٤ - وحدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السَّرَّاج، عن يحيى بن مُعمّر العطّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: أربعة آلاف ملك شُعْثٍ غُبرٍ يبكونه إلى يوم القيامة ».

٥ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبدالله،

٩٢

عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزةَ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تعالى بالحسينعليه‌السلام سبعين ألف مَلَك يصلّون عليه كلَّ يوم شُعثاً غبراً منذ يوم قتل إلى ما شا الله - يعني بذلك قيام القائمعليه‌السلام - ».

٦ - وعن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن فضّالَ، عن ثعلبَةَ(١) ، عن مبارك العطّار، عن محمّد بن قيس « قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : عند قبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف مَلَك شُعثٍ غُبرٍ يَبكونه إلى يوم القيامة ».

٧ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليِّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن إسحاقَ بن إبراهيم، عن هارون(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله به(٣) أربعة آلاف مَلَك شُعثٍ غُبرٍ يبكونه إلى يوم القيامة ».

٨ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصَّفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صَفوان بن يحيى، عن حَريز، عن الفضيل، عن أحدهما(٤) عليهما‌السلام « قال إنّ على قبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف مَلَك شُعثٍ غُبرٍ يبكونه إلى يوم القيامة - قال محمّد بن مسلم: يَحرُسُونه - ».

٩ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعي « قال: قلت

__________________

١ - يعني ابن ميمون، كان وجهاً في أصحابنا، قارياً فقيهاً، كان حسن العمل، كثير العبادة والزّهد، روى عن الصّادق الكاظم عليهما السالم قصه. جش ).

٢ - هو هارون بن خارجة الصّيرفي الثّقة، كما هو مذكور في الكافي.

٣ - أي بقبر الشهيد المفدّى الحسين عليه الصلاة السلام. والخبر بهذا السّند مذكور في الكافي بزيادة، وهي: « وكّل الله بقبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف - إلخ ». وسيأتي الخبر مع زيادته مثل ما في الكافي في الباب ٧٧ تحت رقم ١.

٤ - يعني الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

٩٣

لأبي عبداللهعليه‌السلام - بالمدينة -: أين قبور الشُّهداء؟ فقال: أليس أفضل الشُّهداء عندكم؟! والَّذي نفسي بيده إنَّ حوله أربعة آلاف مَلَكٍ شُعثٍ غُبرٍ يبكونه إلى يوم القيامة ».

وحدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصَّفّار، عن العبّاس بن معروف مثله.

١٠ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السَّرَّاج، عن يحيى بن مُعَمّر العطّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال أربعة آلاف مَلَك شُعثٍ غُبر يبكون الحسين إلى يوم القيامة، فلا يأتيه أحدٌ إلا استقبلوه، ولا يمرض أحدٌ اإلاّ عادوه، ولا يموت أحدٌ إلاّ شَهدوه ».

وحدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بإسناده مثله.

١١ - وحدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ ابن عبدالله بن المغيرة، عن العبّاس بن عامر، عن أبان(١) ، عن أبي حمزة الثّماليِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ الله وكّل بقبر الحسينعليه‌السلام أربعة آلاف مَلك شُعثٍ غُبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زَوال الشَّمس، فإذا زالتِ الشَّمس هبط أربعةُ آلاف مَلكَ وصَعد أرْبعة آلاف ملك، فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر - وذكر الحديث - ».

١٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن عبدالله، عن عبدالله بن جعفر الحميريّ، عن إبراهيم بن مَهزيار، عن أخيه عليٍّ بن مَهزيار، عن أبي القاسم(٢) ، عن القاسم بن محمّد، عن إسحاق بن إبراهيمَ، عن هارون « قال: سأل رجلٌ

__________________

١ - يعني ابن عثمان الأحمر البجليّ، روى عن الصّادق والكاظمعليهما‌السلام .

٢ - كأنّه الصّيقل وهو مهمل. ويحتمل أن يكون « عن أبي القاسم » من زيادات النّسّاخ، لأن عليٍّ بن مهزيار يروي عن القاسم بن محمّد الجوهري بدون واسطة.

٩٤

أبا عبداللهعليه‌السلام - وأنا عنده - فقال: ما لمن زارَ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ فقال: إنَّ الحسينعليه‌السلام لمّا اُصيب بَكَتْه حتّى البلاد، فوكّل اللهُ به أربعةَ آلاف مَلَك شُعْثاً غُبراً، يبكونه إلى يوم القيامة - وذكر الحديث (١) - ».

١٣ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن صَبَاح الحَذّاء(٢) ، عن محمّد بن مَروانَ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: زُوروا الحسينعليه‌السلام ولو كلَّ سَنَة، فإنَّ كلَّ مَن أتاه عارفاً بحقِّه غير جاحِد لم يكن له عِوَضٌ غير الجنّة، ورُزِق رِزْقاً واسعاً، وأتاه الله بِفَرَج عاجِل، إنّ الله وكَّل بقبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام أربعة آلاف مَلَكٍ، كلّهم يبكونه، ويشيّعون مَن زاره إلى أهله، فإنْ مرض عادوه، وإنْ ماتَ شهدوا جنازته بالاستغفار له والتَرحّم عليه ».

حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب بإسناده مثله.

١٤ - وحدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن سَيف بن عَمِيرةَ، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملكٍ شُعْثاً غُبراً بيكونه، إلى يوم القيامة، يصلّون عنده، الصَّلاة الواحدة مِن صلواتهم تعدل ألف صلاة مِن صلاة الآدميّين، يكون ثواب صَلَواتهم وأجر ذلك لِمَن زار قبره ».

١٥ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن صَفوانَ بن يحيى، عن حَنان بن سَدِير، عن مالك الجهنِّي، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ الله وكّل بالحسينعليه‌السلام ملكاً(٣) في أربعة آلاف ملك يبكونه ويستغفرون لزوَّاره ويدعون الله لهم ».

__________________

١ - سيأتي الخبر بتمامه في الباب السّابع والسّبعين تحت رقم ٨.

٢ - هو صبّاح - بفتح الصّاد وتشديد الباء الموحّدة - ابن صَبيح - كشريف - الحَذّاء الفزاريّ، مولاهم، ثقة، روى عن الصّادقعليه‌السلام .

٣ - يقال له: المنصور، كما مرّ.

٩٥

١٦ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ قال: حدَّثنا الهَيْثم بن واقِد، عن عبدالملك بن مُقَرِّن(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا زرتم أبا عبداللهعليه‌السلام فألزموا الصَّمْت إلاّ مِن خير، وإنْ ملائكة اللَّيل والنَّهار من الحفظة تحضر الملائكة الّذين بالحائر، فتصافحهم فلا يجيبونهم مِن شدَّة البُكاء فينتظرونهم حتّى تزول الشَّمس وحتّى ينوّر الفجر، ثمَّ يكلّمونهم ويسألونهم عن أشياء مِن أمر السّماء، فأمّا ما بين هذين الوقتين فإنّهم لا ينطقون، ولا يفترون عن البُكاء والدُّعاء، ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم، فإنّما شغلهم بكم إذا نطقتم(٢) .

قلت: جُعِلتُ فِداك وما الّذي يسألونهم عنه وأيّهم يسأل صاحبه؛ الحفظة أو أهل الحائر؟ قال: أهل الحائر يسألون الحفظة، لأنَّ أهل الحائر مِن الملائكة لا يَبرحون، والحفظة تنزل وتصعد، قلت: فما ترَى يسألونهم عنه؟ قال: إنّهم يمرُّون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهَواء، فربّما وافقوا النَّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده فاطمة والحسن والحسين والأئمّة مَن مضى منهم فيسألونهم عن أشياء، وعمّن حضر منكم الحائر، ويقولون: بَشّروهم بدعائكم، فتقول الحفظة: كيف نُبشِّرُهم وهم لا يَسمعون كلامنا؟ فيقولون لهم: باركوا عليهم وادعوا لهم عنّا فهي البشارة منّا، فإذا انصرفوا فحُفّوهم بأجْنِحَتكم حتّى يحسّوا مكانكم وإنّا نستودِعهم الَّذي لا تضيع ودائعه؛

ولو يعلمون ما في زيارته من الخير ويعلم ذلك النّاس لاقتتلوا على زيارته

__________________

١ - قال العلاّمة الأمينيّرحمه‌الله : كذا في النّسخ، لكن الظّاهر أنّ المرويّ عنه هو « مقرن » لا ولده، حيث إنّه هو الّذي يروي عنه الهيثم بن واقد، وهو الرّاوي عن الإمامعليه‌السلام ، وليس في كتب الرّجال والحديث عن ابنه هذا عين ولا أثر - انتهى. أقول: الظّاهر زيادة لفظة « عبدالملك »، والصّواب: « الهيثم بن واقد، عن مُقَرِّن ».

٢ - في البحار: « فإنّهم شغلهم بكم إذا نطقتم ».

٩٦

بالسّيوف، ولباعوا أموالهم في إتيانه، وأنَّ فاطمةعليها‌السلام إذا نَظرتْ إليهم ومعها ألفُ نبيٍّ وألفُ صِدِّيقٍ وألف شهيدٍ مِن الكَرُوبيّين ألف ألف يُسعدونها عَلى البُكاء، وإنّها لتشهق شَهْقَة فلا يبقى في السّماوات ملك إلاّ بكى رحمةً لصوتها، وما تسكن حتّى يأتيها النَّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول: يابُنَيّة قد أبكيتِ أهل السَّماوات وشَغَلْتِهم عن التَّسبيح والتَّقديس فكُفّي حتّى يقدّسوا، فإنَّ الله بالغٌ أمره، وإنّها لتنظر إلى مَن حضر منكم فتسأل الله لهم مِن كلِّ خير، ولا تزهدوا في إتيانه! فإنَّ الخير في إتيانه أكثر مِن أن يُحصى ».

١٧ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريّ، عن عبدالله ابن عبدالرَّحمن الأصَمّ قال: حدّثنا أبو عبيدة البَزَّاز(١) ، عن حَريز، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: جُعِلتُ فِداك ما أقلّ بقاؤكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها مِن بعضٍ مع حاجة هذا الخلق إليكم! فقال: إنَّ لكلِّ واحدٍ منّا صحيفةٌ فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مُدَّته، فإذا انقضى ما فيها ممّا اُمر به عرف أنَّ أجله قد حضر، وأتاه النَّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله، وإنَّ الحسينعليه‌السلام قرء صحيفته الّتي اُعطيها وفسّر له ما يأتي وما يبقى، وبقي منها أشياء لم تنقضْ فخرج إلى القتال، فكانَتْ تلك الاُمور الّتي بَقيتْ أنَّ الملائكة سألتِ الله في نُصْرَته فأذن لهم، فمكثت تستعدُّ للقتال وتتأهّب لذلك حتّى قُتِل، فنزلتِ الملائكة قد انقطعت مُدّته، وقتلعليه‌السلام ، فقالت الملائكة: يا رَبِّ أذنت لنا بالانحدار(٢) في نُصرته، فانحدرنا وقد قبضته؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم أن ألزموا قبره(٣) حتّى تروه وقد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم مِن نصرته، وإنّكم خصّصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكتِ الملائكة حُزناً وجَزَعاً على ما فاتهم مِن نصرة الحسينعليه‌السلام ، فإذا خرجعليه‌السلام يكونون أنصاره ».

__________________

١ - في الكافي: « أبو عبدالله البزّاز ».

٢ - الانحدار: النّزول والهبوط.

٣ - في البحار: « أن ألزموا قبّته ».

٩٧

الباب الثّامن والعشرون

( بُكاء السَّماء والأرض على قتل الحسين ويحيى بن زكريّا عليهم السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي: عليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبدالله، عن يَعقوبَ بن يزيدَ، عن أحمدَ بن الحسن الميثميِّ، عن عليِّ الأزرق، عن الحسن بن الحكم النَّخَعيِّ(١) - عن رَجل - « قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام في الرُّحْبة وهو يتلو هذه الآية(٢) «فَما بَكَت عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرين َ(٣) »، وخرج عليه الحسين مِن بعض أبواب المسجد، فقال: أما إنَّ هذا سيُقتل وتبكي عليه السَّماء والأرض ».

٢ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن داود بن عيسى الأنصاريّ(٤) ، عن محمّد بن عبدالرَّحمن بن أبي ليلى، عن إبراهيم النَّخعيِّ « قال: خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله وجاءَ الحسينعليه‌السلام حتّى قام بين يديه فوضع يده على رأسه فقال: يا بني إنَّ الله عَيَّرَ(٥) أقواماً بالقُرآن، فقال: «فما بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّماءُ وَالأرضُ وَما كانُوا مُنظَرينَ »، وأيْمُ اللهِ ليَقتلنّك بَعدي، ثمّ تبكيك السَّماءُ والأرض ».

وحدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، بإسناده مثله.

٣ - وحدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن وُهَيب بن

____________

١ - هو أبو الحسن الكوفيّ، روى عن إبراهيم النّخعيّ وغيره، من رجال العامّة، مات سنة بضع وأربعين ومائة.

٢ - في البحار: « سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يقول في الرّحبة وهو يتلو هذه الآية - إلخ ».

٣ - الدّخان: ٢٩.

٤ - في بعض النّسخ: « يزداد بن عيسى الأنصاري ».

٥ - عيّر فلاناً: نسبه إلى العار، وقبّح عليه فعله.

٩٨

حفص النَّحّاس، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ الحسينعليه‌السلام بكى لقتله السَّماء والأرض واحمرّتا، ولم تبكيا على أحدٍ قطّ إلاّ على يحيى بن زكريّا، [ والحسين بن عليٍّعليهم‌السلام ] ».

وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، بإسناده مثله.

٤ - وحدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه؛ وغيره، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن الحسن بن عليّ بن فَضّال، عن حمّاد بن عثمان، عن عبدالله بن هِلال « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنَّ السَّماء بكتْ على الحسين بن عليِّ ويحيى بن زَكريّا، ولم تبك على أحدٍ غيرهما، قلت: وما بكاؤها؟ قال: مكثتْ أربعين يوماً تطلع كالشَّمس بحُمْرَة وتغرب بحُمْرة، قلت: فذاك بكاؤها؟ قال: نعم ».

٥ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن عبدالله بن أحمد، عن عُمرَ بن سَهل، عن عليِّ بن مُسْهِر القُرَشيِّ « قال: حدَّثتني جدَّتي أنّها أدركتِ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام حين قُتل فمكثنا سنة وتسعة أشهر، والسّماء مثلُ العَلّقةِ مثلُ الدَّم، ما ترى الشَّمس »(١) .

٦ - حدَّثني علي بن الحسين بن موسى، عن عليِّ بن إبراهيمَ بنِ هاشم، عن أبيه، عن ابن فَضّال، عن أبي جَميلَة، عن محمّد بن عليِّ الحلبيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « في قوله تعالى: «فما بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالأرضُ وَما كانَوا مُنْظَرينَ »، قال: لم تَبكِ السَّماء على أحدٍ منذ قتل يحيى بن زكريّا حتّى قُتل الحسينعليه‌السلام فبَكَت عليه ».

٧ - وحدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز القرشيُّ قال: حدَّثني محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب، عن صَفوانَ بن يحيى، عن داودَ بنِ فَرْقَد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ٧٧ و ٧٨.

٩٩

 « قال: احمرَّتِ السَّماء حين قُتل الحسينعليه‌السلام سَنَةً، ويحيى بن زَكريّا، وحُمرتُها بُكاؤها ».

٨ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ بن فَضّال، عن ابن بُكير، عن زُرارةَ، عن عبدالخالق ابن عبدِرَبّه « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: «لم نَجعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَميّاً (١) »، الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام لم يكن له مِن قبلُ سَميّاً، ويحيى بن زَكريّاعليهما‌السلام لم يكن له من قَبلُ سَميّاً، ولم تبك السَّماء إلاّ عليهما أربعين صباحاً، قال: قلت: ما بُكاؤها؟ قال: كانت تطلع حَمراء وتغرب حَمراء ».

٩ - وحدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى، عن عليِّ بن إبراهيم؛ وسعد بن عبدالله جميعاً، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي جميلَة، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: مابكتِ السَّماء على أحدٍ بعد يحيى بن زَكريّا إلاّ على الحسين بن عليِّعليهم‌السلام، فإنّها بَكتْ عليه أربعين يوماً ».

١٠ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بَشير، عن كُلَيْب بن مُعاويةَ الأسديّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام » قال: لم تبكِ السَّماء إلاّ على الحسين بن عليٍّ ويحيى بن زَكريّاعليهم‌السلام ».

١١ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن نَصر بن مُزاحم، عن عُمَرَ بن سعد، عن محمّد بن سَلَمة - عمّن حدَّثه - « قال: لمّا قتل الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام أمطرتِ السَّماء تراباً أحمر ».

١٢ - حدًّثني حكيم بن داودَ بن حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن الحسين بن عيسى(٢) ، عن أسلم بن القاسم قال: أخبرنا عُمَرُ بنُ وَهْب(*) ، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام « قال: إنَّ السّماء لم تبكِ منذ

__________________

١ - أي لم يسمّ أحدٌ قبله باسمه، وهو قوله تعالى: «يا زَكَريّا إنّا نُبشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يحيى لم نجعَلْ لَهُ مِنْ قَبلُ سَميّاً » [مريم: ٧].

* - في بعض النّسخ: « عمرو بن ثبيت ».

٢ - الظّاهر هو الحسين بن عثمان وصحّف، وله كتاب يرويه ابن أبي عمير.

١٠٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: هو نائم فسمععليه‌السلام كلامي، فقال: مَن هذا؟ قال ابن عباس يا أمير المؤمنين قال: ادخل، فدخلت، فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب، جالس كهيئة المهموم فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين الليلة؟ فقال: ويحك يا ابن عباس، وكيف تنام عينا قلب مشغول، يا ابن عباس، ملك جوارحك قلبك، فإذا أرهبه طار النوم عنه، ها أنا ذا كما ترى مذ أوّل اللّيل اعتراني الفكر والسهر لما تقدّم من نقض عهد أول هذه الأمّة المقدّر عليها نقض عهدها.

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر مَن أمر من أصحابه بالسلام عليَّ في حياته بإمرة المؤمنين، فكنت أؤكّد أن أكون بعد وفاته، يا ابن عباس، أنا أولى الناس بالناس بعده، ولكنّ أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها، وصرف قلوب أهلها عنّي.

أقول: وساق كلامهعليه‌السلام في الشكاية عمّن تقدّمه إلى أن قالعليه‌السلام : فالآن يا ابن عباس قرنت بابن آكلة الأكباد، وعمرو، وعتبة، والوليد، ومروان، وأتباعهم، فمتى اختلج في صدري، وألقي في روعي، أن الأمر منقاد إلى دنيا يكون هؤلاء فيها رؤساء يطاعون، فهم في ذكر أولياء الرّحمان يثلبونهم(١) ويرمونهم بعظائم الأمور، من إفك مختلق وحقد قد سبق.

وقد علم المستحفظون ممّن بقي من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ عامّة أعدائي ممّن أجاب الشيطان عليّ، وزهد الناس فيّ، وأطاع هواه فيما يضرّه في آخرته، وبالله عزّ وجلّ الغنى وهو الموفّق للرشاد والسّداد، يا ابن عباس، ويل لمـَن ظلمني ودفع حقّي وأذهب عظيم منزلتي، أين كانوا أُولئك؟ وأنا أُصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صغيراً، لم يكتب عليَّ صلاة، وهم عبدة الأوثان وعصاة الرّحمان، وبهم توقد النّيران.

____________________

(١) ثلبه: تنقّصه.

١٠١

فلمّا قرب إصعار الخدود(١) وإتعاس الجدود، أسلموا كرهاً، وأبطنوا غير ما أظهروا، طمعاً في أن يطفئوا نور الله، وتربّصوا انقضاء أمر الرّسول، وفناء مدّته، لما أطمعوا أنفسهم في قتله، ومشورتهم في دار ندوتهم قال الله عزّ وجلّ:( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٢) . وقال:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٣) .

يا ابن عباس، ندبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته بوحي من الله يأمرهم بموالاتي، فحمل القوم ما حملهم ممّا حقد على أبينا آدم من حسد اللّعين له، فخرج من روح الله ورضوانه، وألزم اللّعنة لحسده لولّي الله، وما ذاك بضاري إن شاء الله شيئاً، يا ابن عباس، أراد كل امرئٍ أن يكون رأساً مطاعاً يميل إليه الدنيا وإلى أقاربه فحمله هواه، ولذة دنياه، واتباع الناس إليه أن يغصب ما جعل لي، ولولا اتقائي على الثّقل الأصغر أن ينبذ فتنقطع شجرة العلم وزهرة الدنيا وحبل الله المتين، وحصنه الأمين، وولد رسول ربّ العالمين؛ لكان طلب الموت والخروج إلى الله عزّ وجلّ عندي ( أهون ) من شربة ظمآن ونوم وسنان، ولكني صبرت وفي الصدر بلابل، وفي النفس وساوس( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) .

ولقديماً ظلم الأنبياء وقتل الأولياء إلى أن قال:( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) وأذّن المؤذّن فقال: الصلاة يا ابن عباس لا تفت، أستغفر الله لي ولك وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، قال ابن عباس: فغمّني انقطاع الليل وتلهّفت على ذهابه(٤) .

____________________

(١) صعّر خده تصعيراً وصاعره وأصعره: أماله عن النظر إلى الناس تهاوناً.

التعس: الهلاك. والجدود جمع الجد بالفتح وهو الحظ.

(٢) آل عمران: ٥٤.

(٣) التوبة: ٣٢.

(٤) بحار الأنوار كتاب الفتن والمحن: ط القديم ص١٦٢ ( مكالمة ابن عباس مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ).

١٠٢

فصل

إنكار اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار على أبي بكر ما جرى بعده

روى جماعة من أصحابنا في مصنّفاتهم، أنّه لَمّا استتم الأمر لأبي بكر وصعد المنبر، وجلس في مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنكر ذلك على أبي بكر أثنا عشر رجلاً، ستة من المهاجرين، وهم خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أميّة، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي، وستة من الأنصار، وهم: أبو الهيثم ابن التّيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأُبي بن كعب، وأبو أيّوب الأنصاري.

قال: فلمّا صعد أبو بكر المنبر، تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينّه ولننزلنّه عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الآخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً لأعنتم على أنفسكم، وقد قال الله عزّ وجلّ:( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) (١) ، فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لنستشيره ونستطلع رأيه، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام بأجمعهم، فقالوا:

____________________

(١) البقرة: ١٩٥.

١٠٣

يا أمير المؤمنين، تركت حقّاً أنت أحق به وأولى به، لأنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:

( عليٌ مع الحق والحق مع علي، يميل مع الحق كيف مال )

ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجئناك نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وأيم الله، لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حرباً لهم، ولا كنتم إلاّ كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأمة، التاركة لقول نبيّها، والكاذبة على ربّها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت لما يعلمون من وغر(١) صدور القوم وبغضهم لله عزّ وجلّ، ولأهل بيت نبيّه، وإنّهم يطالبون بثارات الجاهلية، إلى أن قالعليه‌السلام : ولكن ائتوا الرّجل فأخبروه بما سمعتم من نبيّكم، ولا تدعوه في الشبهة من أمره؛ ليكون ذلك أعظم للحجّة عليه، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربّه وقد عصى نبيّه، وخالف أمره، فانطلقوا حتّى حفوا بمنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يوم الجمعة.

فلمّا صعد أبو بكر المنبر، ذكر كلّ واحد منهم كلاماً في حق عليعليه‌السلام وفي فضله، وما قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، طوينا كشحاً عن ذكره روماً للاختصار، وأوّل من بدأهم بالقول خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم بعدهم الأنصار، فروي أنّهم لما فرغوا من مقالتهم، أفحم أبو بكر على المنبر حتّى لم يُحِرْ جواباً ثم قال:

ولِّيتكم ولست بخيركم، أقيلوني أقيلوني، فقال عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع، إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمتَ نفسك هذا المقام، والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة، قال: فنزل، ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله، وبقوا ثلاثة أيّام لا يدخلون مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) الوغر: الحقد والعداوة.

١٠٤

فلمّا كان في اليوم الرابع، جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل، وقال لهم: ما جلوسكم؟ فقد طمع فيها والله بنو هاشم، وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتّى وقفوا بمسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عمر: والله يا صحابة علي، لئن ذهب الرّجل منكم يتكلّم بالذي تكلّم به بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا ابن صهّاك الحبشية، أبأسيافكم تهدّدوننا، أم بجمعكم تفزعوننا؟ والله إنّ أسيافنا أحدّ من أسيافكم، وإنّا لأكثر منكم وإن كنّا قليلين؛ لأنّ حجّة الله فينا، والله لولا أنّي أعلم أنّ طاعة إمامي أولى به لشهرت سيفي ولجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري(١) ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : اجلس يا خالد، فقد عرف الله مقامك وشكر لك سعيك، فجلس.

وقام إليه سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه) وقال: الله أكبر الله أكبر، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ صمّتا يقول: بينا أخي وابن عمّي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه، إذ يكسبه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل مَن معه، ولست أشكّ، ألا وإنّكم هم، فهمَّ به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بمجامع ثوبه، ثمّ جلد به الأرض، ثم قال: يا ابن صهّاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدّم، لأريتك أيّنا أضعف ناصراً وأقل عدداً، ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فو الله لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه:( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) (٢) والله لا أدخل

____________________

(١) أبلاه عذراً: أي أدّاه إليه.

(٢) المائدة: ٢٤.

١٠٥

إلاّ لزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لقضية أقضيها؛ فإنّه لا يجوز لحجّة أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك النّاس في حيرة(١) .

____________________

(١) الاحتجاج: ج١ ص٩٧ بحار الأنوار: ج٢٨ ص١٨٩.

١٠٦

فصل

في ذكر خطبةٍ خطبها للناس(١)

روى الشيخ الكليني في الروضة، بإسناده عن أبي الهيثم بن التّيهان، أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة فقال: الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو، كان حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، فذكر كلامهعليه‌السلام في التحميد لله، والصلاّة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال مخاطباً للناس: أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادّخرتم الخير من موضعه، وأخذتم من الطّريق واضحه، وسلكتم من الحق نهجه لَنَهَجتْ(٢) بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(٣) ، وسُدّت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذِّكر، فإذا أفتوكم قلتم: هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه، رويداً، عمّا قليل تحصدون

____________________

(١) وتسمّى بالطالوتية؛ قيل سمّيت بذلك لاشتمالها على ذكر طالوت وأصحابه.

(٢) نهج: أي وضح.

(٣) الرُحب بالضم: السعة.

١٠٧

جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما اجترمتم(١) ، وما أجلبتم ( اجتلبْتم - خ ل ).

والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لقد علمتم أنّي صاحبكم، والّذي به أُمرتم، وأنّي عالمكم، والّذي بعلمه نجاتكم، ووصيُّ نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخيرة ربّكم، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم، وما نزل بالأمم قبلكم ويسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم، معهم تحضرون، وإلى الله عزّ وجلّ غداً تصيرون.

أما والله لو كان لي عدَّة أصحاب طالوت(٢) أو عدَّة أهل بدر وهم أعدادكم، ( أعداؤكم خ م ) لضربتكم بالسيف حتّى تؤولوا إلى الحق، وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق وآخذ بالرفق، اللّهمّ فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.

قال: ثم خرجعليه‌السلام من المسجد فمرّ بصيرة(٣) فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: والله لو أنّ لي رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدد هذه الشياه، لأزلت ابن آكلة الذبان(٤) عن ملكه.

قال: فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلاً على الموت، فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : اغدوا بنا إلى أحجار الزيت(٥) محلّقين، وحلق أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فما وافى من القوم محلقاً إلاّ أبو ذر، والمقداد،

____________________

(١) أي ما اكتسبتم من خذلانكم لولي الأمر الحق واتباعكم للطاغوت.

(٢) قيل كان عدة أصحاب طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وقيل غير ذلك.

(٣) الصيرة: حظيرة تتخذ من الحجارة وأغصان الشجر للغنم والبقر.

(٤) الذبّان بالكسر والتشديد: جمع ذباب وكنّى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فإنهم كانوا في الجاهلية يأكلون من كل خبيث نالوه.

(٥) أحجار الزيت: موضع داخل المدينة. ومحلقين: أي لابسين للحلقة وهي السلاح مطلقاً وقيل هي الدروع خاصة.

١٠٨

وحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر، وجاء سلمان في آخر القوم.

فرفععليه‌السلام يديه إلى السماء فقال: اللّهمّ إنّ القوم استضعفوني كما استضعف بنو إسرائيل هارون، اللّهمّ فإنّك تعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين، أما والبيت والمفضي(١) إلى البيت، ( وفي نسخة ): والمزدلفة والخفاف إلى التجمير، لولا عهد عهده إليّ النبيُّ الأُمّيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأوردت المخالفين خليج المنيّة، ولأرسلت عليهم شآبيب(٢) صواعق الموت، وعن قليل سيعلمون(٢).

____________________

(١) والمفضي إلى البيت: أي ماسه بيده.

(٢) جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر وغيره، وهو هنا على نحو الاستعارة.

(٣) روضة الكافي لثقة الإسلام الكليني: ص٣٠ ح٥ تعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، ط دار التعارف.

١٠٩

فصل

في روايةٍ رواها ابن أبي الحديد

روى ابن أبي الحديد من كتاب السقيفة بإسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : أنّ عليّاً حمل فاطمة (صلوات الله عليهما) على حمار، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلناه به. فقال عليعليه‌السلام : أكنت أترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميّتاً في بيته لا أجهّزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه. وقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه(١).

وقال أيضاً:

ومن كلام معاوية المشهور إلى عليعليه‌السلام : وعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت إليهم بابنيك، واستنفرتهم(٢) على صاحب رسول الله!!! فلم يجبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقّاً

____________________

(١) شرح النهج: ج٦ ص١٣، بحار الأنوار: ج٢٨ ص٣٥٢.

(٢) نسخة النهج: واستنصرهم.

١١٠

لأجابوك، ولكنك ادّعيت باطلاً، وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لَمّا حرّكك وهيّجك: لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد(٢) .

____________________

(١) شرح النهج: ج٢ ص٤٧. وإنّما أورد المصنّف (رحمه الله) هذه الرواية ليدلّل على أنّ عليّاًعليه‌السلام لم يتنازل عن حقّه ولا سكت بداية عنه، وإنّما سكت بعد مدّة؛ لعدم وجود الناصر، وامتثالاً لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحفظاً للإسلام وحفاظاً على الأُمّة.

١١١

فصل

فيما قاله مالك بن نويرة لأبي بكر وما خدع به خالد

قال بعض المحقّقين، فيما لخّصه من كتاب التهاب نيران الأحزان، ما هذا لفظه: فلمّا بُويع لأبي بكر، دخل مالك بن نويرة المدينة لينظر مَن قام بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يوم الجمعة، فلمّا دخل المسجد أبا بكر يخطب على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا نظر إليه قال: هذا أخو تيم؟! قالوا: نعم، قال: فما فعل وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعه وموالاته، فقال له المغيرة بن شعبة: إنّك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده الأمر، فقال مالك: والله ما حدث شيء ولكنّكم خنتم الله ورسوله.

ثم تقدّم إلى أبي بكر، فقال: يا أبا بكر، لماذا رقيت منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس؟ فقال أبو بكر: أخرجوا الأعرابي البوّال على عقبيه من المسجد، فقام إليه عمر وخالد وقنفذ، فلم يزالوا يكزون في ظهره حتّى أخرجوه من المسجد كرهاً بعد إهانة وضرب فركب مالك راحلته وهو ينشد ويقول:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكرِ

١١٢

إذا مات بكرٌ قام بكرٌ مكانه(١)

فتلك وبيت الله قاصمة الظّهرِ

بدبّ ويغشاه العشار(٢) كأنّما

يجاهد جمّاً(٣) أو يقوم على قبري

فلو قام بالأمر الوصيّ عليهم(٤)

أقمنا ولو كان القيام على الجمرِ

قال الراوي: فلمّا توطّأ الأمر لأبي بكر، بعث خالد بن الوليد في جيش وقال له: وقد علمت ما قال ابن نويرة في المسجد على رؤوس الأشهاد، وما أنشد من شعره، ولسنا نأمن أن ينفتق علينا منه فتق لا يلتئم، والرأي أنّك تخدعه وتقتله وتقتل مَن كان يبارزك دونه، وتسبي حريمهم، فإنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة.

فسار خالد إليهم، فلمّا رأى مالك بن نويرة الجيش قد أقبل نحوه، لبس لامة حربه واستوى على متن جواده، وكان مالك شجاعاً من شجعان العرب يعدّ بمائة فارس، فلمّا رآه خالد قد برز، خاف منه وهابه وأعطاه العهود والمواثيق على الأمان، فلم يركن إليه، فحلف له بالإيمان المغلّظة أنّه لا يغدر به، فرجع مالك ونزع لامة حربه وأضافهم تلك الليلة.

فلمّا نام القوم، دخل خالد بمَن معه على مالك في بيته وقتله غدراً، ودخل بامرأته في ليلته وأخذ رأسه فوضع في قدر فيه لحم جزور لوليمة العرس، وأمر أصحابه بأكله، ثم سباهم وسمّاهم أهل الردّه، افتراءً على الله وعلى رسوله(٥) .

____________________

(١) إذا مات بكر قام عمرو أمامه، في البحار.

(٢) العشار بالكسر: جمع العشراء وهي الناقة التي مضى لحملها عشرةُ أشهر، ولعلّ تشبيه القوم بالعشار لما أكلوا من الأموال المحرّمة وطمعوا من الولايات الباطلة، ونفي كونها جمّاً تهديد بأنّه وقومه كاملوا الإرادة والسلاح. بحار الأنوار.

(٣) والجم جمع الجمّاء وهي الشاة التي لا قرن لها، الأجَمّ الرجل بلا رمح.

(٤) فلو طاف فينا من قريش عصابة ( خ ل ).

(٥) بحار الأنوار: ج٨ ط القديم ص٢٣٠. كما ذكر قصّة مقتل مالك بن نويرة وتزويج خالد لامرأته في نفس الليلة وموقف كل من أبي بكر وعمر من خالد وسكوتهما عنه وعدم إقامة =

١١٣

فلمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل مالك بن نويرة وسبي حريمه، اغتمّ لذلك غماً شديداً وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

اصبر قليلاً فبعد العسر تيسير

وكلّ أمرٍ له وقتٌ وتقديرُ

وللمهيمن في حالاتنا نظرٌ

وفوق تدبيرنا لله تدبيرُ

( تقدير خ ل ) انتهى(١) .

أقول(٢) : وهذه القصّة ممّا نقلها المخالف والمؤالف، وروي أنّه لما قتل خالد مالكاً ونكح امرأته، كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري، فركب فرسه ولحق بأبي بكر وحلف أن لا يسير في جيش تحت لواء خالد أبداً، فقصّ على أبي بكر القصّة، فقال أبو بكر: لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالدٌ ما أمرته، وإنّ عمر لما سمع ذلك تكلّم فيه عند أبي بكر فأكثر، وقال: إنّ القصاص قد وجب عليه، فلمّا أقبل خالد بن الوليد غافلاً، دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهما، فلمّا أن دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها.

ثم قال: يا عديّ نفسه، أعدوت على امرئٍ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته، والله لنرجمنّك بأحجارك، وخالد لا يكلّمه، ولا يظنّ إلاّ أنّ رأي أبي بكر مثل رأي عمر فيه، حتّى دخل إلى أبي بكر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه، فخرج خالد، وعمر جالس في المسجد، فقال: هلمّ إليّ يا ابن أمّ شملة فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلّمه ودخل بيته.

____________________

= الحد عليه الطبري: ط أوروبا ١ / ١٩٢٧ - ١٩٢٨، والإصابة: ٣ / ٣٣٧، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ١١٠، وكنز العمّال: ط الأُولى: ٣ / ١٣٢، وغيرهم.

(١) علم اليقين: ج٢ ص٦٨٣ إلى ٦٨٥.

(٢) راجع ذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٧ / ٢٠٥ وما بعدها، وتاريخ الطبري: ٣ / ٢٧٩ - ٢٨٠.

واعتجر العمامة: لبسها.

١١٤

قال العلاّمة المجلسي (قُدِّس سرّه): إنّ معاتبة عمر وغيظه على خالد في قتل مالك بن نويرة، لم يكن مراقبة للدين ورعاية لشريعة سيد المرسلين، وإنّما تألّم من قتله لأنّه كان حليفاً له في الجاهلية، وقد عفى عن خالد لما علم أنّه هو قاتل سعد بن عبادة(١) .

رُوي عن بعض أصحابنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ عمر استقبل في خلافته خالد بن الوليد يوماً في بعض حيطان المدينة، فقال له: يا خالد، أنت الّذي قتل مالكاً؟ قال يا أمير المؤمنين: إنْ كنت قتلت مالك بن نويرة لهَنَاتٍ كانت بينكم وبينه، فقد قتلت لكم سعد بن عبادة لهَنَاتٍ كانت بينكم وبينه، فأعجب عمر قوله، وضمّه إلى صدره وقال له: أنت سيف الله وسيف رسوله. انتهى(٢) .

____________________

(١) بحار الأنوار كتاب الفتن والمحن: ص٢٥٧.

(٢) بحار الأنوار: ج٨ ص٢٥٧. وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١٧ / ٢٢٤ بعد ذكر مقتل سعد بن عبادة بالشام ما نصّه: وما ذلك من أفعال خالد ببعيد.

١١٥

فصل

في عرضهعليه‌السلام القرآن على الناس وما قالوا في جوابه

روى سليم بن قيس، عن سلمان حديث السقيفة، وساق الكلام إلى أن قال: فلمّا أن رأى عليعليه‌السلام غدرهم وقلّة وفائهم له؛ لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفّه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه، وكان في الصحف والشّظاظ والأكتاف والرقاع، فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده تنزيله وتأويله، والناسخ منه والمنسوخ؛ بعث إليه أبو بكر: اخرج فبايع، فبعث إليه عليّعليه‌السلام : إنّي لمشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاّة، حتّى أؤلّف القرآن وأجمعه؛ فسكتوا عنه أيّاماً فجمعه في ثوب واحد وختمه(١) .

وروي عن غيره أنّهعليه‌السلام جاء به إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتركه وصلّى ركعتين وسلّم على رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنادى عليعليه‌السلام بأعلى صوته: أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله آية

____________________

(١) سليم بن قيس: ص٨١.

١١٦

منه إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمني تأويلها، ثم قال عليعليه‌السلام : لئلاّ تقولوا غداً إنّا كنّا عن هذا غافلين، ثم قال لهم عليعليه‌السلام : لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعُكم إلى نصرتي، ولم أذكّركم حقّي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه(١) .

وفي رواية أُخرى، فقال عمر: اتركه وامض لشأنك، فقالعليه‌السلام لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوصاكم فقال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فإن قبلتموه فاقبلوني معه أحكم بينكم بما أنزل الله فيه، فإنّي أعلم منكم بتأويله وبناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وحلاله وحرامه. فقال عمر: فانصرف به معك حتّى لا يفارقك ولا تفارقه، فلا حاجة لنا فيه ولا فيك.

فانصرفعليه‌السلام إلى بيته والقرآن معه، فجلسعليه‌السلام على مصلاّه، ووضع القرآن في حجره وجعل يتلوه، وعيناه تهملان بالدّموع، فدخل عليه أخوه عقيل بن أبي طالب فرآه يبكي، فقال يا أخي: ما لك تبكي؟ لا أبكى الله عينيك، فقالعليه‌السلام : يا أخي، بكائي والله من أمر قريش وتركاضهم في ضلال، وتجاولهم ( تجوالهم خ ل ) في الشقاق وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلي، فجزت قريشاً عنّي الجوازي(٢)، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن عمّي، ثم انتحب باكياً، ثم استرجع وقال متمثّلاً:

فان تسأليني كيف أنت فإننّي

صبورٌ على ريب الزّمان صليبُ

يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة

فيشمت عادٍ أو يُساء حبيبُ(٣)

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٨ ص٥١ ط. ق.

(٢) فجزت قريش عن الجوازي. خ علم اليقين.

(٣) علم اليقين للمحدّث الكاشاني ( ره ): ص٦٨٦ ج٢.

١١٧

رجعنا إلى رواية سليم، ثم دخل عليعليه‌السلام بيته، وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع، ولو قد بايع أمنّاه، فأرسل إليه أبو بكر: أجب خليفة رسول الله، فأتاه الرّسول، فقال له ذلك، فقال له عليٌّعليه‌السلام : سبحان الله، ما أسرع ما كذبتم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه ليعلم ويعلم الذين حوله، أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيري.

وذهب الرّسول فأخبره بما قال له، فقال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال، فقال عليعليه‌السلام : سبحان الله، ما والله طال العهد فينسى، والله إنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي، ولقد أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سابع سبعة فسلّموا عليَّ بإمرة المؤمنين، فاستفهم هو وصاحبه من بين سبعة فقالا: أمن الله ورسوله، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( نعم حقّاً من الله ورسوله إنّه أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغرّ المحجّلين، يقعده الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءَه الجنّة وأعداءَه النار ). فانطلق الرسول فأخبره، بما قالعليه‌السلام ، فسكتوا عنه يومهم ذلك.

قال: فلمّا كان الّليل، حمل عليٌّعليه‌السلام فاطمةعليها‌السلام على حمار، وأخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام ، فلم يَدَعْ أحداً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غير أربعة، هم: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام(١) فإنّا حلَقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنّا بصيرة في نصرته.

____________________

(١) أقول: لعلّ جملة هم: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام بيان من المصنّف ( ره )، وإلاّ فإنّ نسخة المصدر والبحار خالية عنها.

١١٨

فصل

إضرام النار على بيت فاطمةعليها‌السلام

فلمّا أن رأى عليّعليه‌السلام خذلان الناس إيّاه، وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إيّاه؛ لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم يبق أحد إلاّ وقد بايع غيرَه وغيرَ هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرقّ الرّجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر: مَن نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً فهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعواناً، وانطلق فاستأذن على عليّعليه‌السلام ، فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد، والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن.

فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمةعليها‌السلام أُحَرّجُ عليكم أن تدخلوا عليَّ بيتي بغير إذن. فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إنّ فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنّساء، ثم أمر أناساً حوله بتحصيل الحطب، وحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفيه علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام ، ثم نادى عمر حتّى أسمع عليّاً وفاطمةعليهما‌السلام .

١١٩

والله لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله، وإلاّ أضرمت عليك النّار، فقامت فاطمةعليها‌السلام فقالت: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي. فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنّار فأضرمها في الباب، ثم دفعه(١) فدخل، فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت: أبتاه يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.

فوثب عليّعليه‌السلام فأخذ بتلابيبه فصرعه، ووجأ أنفه ورقبته، وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوصاه به، فقال: والّذي كرّم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة يا ابن صهّاك، لولا كتاب من الله وعهد عهده إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلمت أنّك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار، وثار عليعليه‌السلام إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج عليعليه‌السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدّته، فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم على فأضرم على بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار عليعليه‌السلام إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً، وحالت بينهم وبينه فاطمةعليها‌السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله.

ثم انطلقوا بعليعليه‌السلام يتلّ(٢) حتى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم

____________________

(١) قال المسعودي في إثبات الوصيّة: ص١٢٣: فهجموا عليه وأحرقوا بابه. وقال الشيخ المفيد في الاختصاص: ص١٨٥ - ١٨٦: فلمّا انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره ...

(٢) في المصدر: يعتل عتلاً يعني يجذب جذباً.

واتلّه: أي أوثقه وجرّه.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357