الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله20%

الإنفاق في سبيل الله مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 194

الإنفاق في سبيل الله
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64898 / تحميل: 6094
الحجم الحجم الحجم
الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

( والصَابرينَ على ما أصابَهم ) :

من البلايا والمصائب ولكنهم صابرون ليجتازوا عقبة الامتحان فتصفى بذلك نفوسهم وتعرف بهذا التحمل قدراتهم وطاقاتهم الروحية في اجتياز هذه العقبات الامتحانية ، وهم في الوقت نفسه ، تقول عنهم الفقرة الآتية من الآية :

( والمقيمي الصلاة ) :

لا يغفلون عن أداء هذا الواجب العبادي المهم رغم ما أصابهم من بلاء ، وما ابتلوا به من محن لأن صبرهم على ذلك أيضاً من العبادة لأنه تحمل لوجه الله وتقرب بذلك إليه تماماً كما يؤدون واجباتهم العبادية الأخرى.

( وممّا رزقناهم ينفقون ) :

ينفقون رغم ما تزل بهم من البلاء ورغم ثباتهم في وجه الأعاصير ينفقون مما رزقهم الله.

ويهيب الله بالمنفقين في آية أخرى فيقول عنهم :

( إنّما يؤمنُ بآياتِنا الّذينَ إذا ذُكِّروا بها خرّوا سُجّداً وسُبّحوا بحمد ربّهم وهُم لا يُستكبرونَ *تتجافى جنوبُهُم عن المضَاجعِ يدعونَ ربّهُم خَوفاً وطَمعاً وممّا رَزقناهُم يُنفقونَ ) (١) .

هؤلاء هم المؤمنون حقاً ومن هم ؟

وتبدأ الآية الكريمة بذكر أوصافهم أنهم :

__________________

(١) سورة السجدة / آية : ١٥ ـ ١٦.

٦١

( الذينَ إذا ذُكّروا بها خرّوا سُجداً وسَبّحوا بحمدِ ربّهم ) .

هؤلاء هم الذين إذا تليت عليهم آيات الله خروا سجداً ، ولا يخفى ما في التعبير بقوله :( خرّوا ) من لطف وأدب واحترام وخضوع لله شكراً على هدايته لهم بمعرفته وبما أنعم عليهم من نعمة يسبّحونه ويحمدونه على ذلك ، وفي الوقت نفسه يقومون بكل ذلك.

( وهم لا يستكبرون ) :

عن عبادته ولا يرون لأنفسهم علواً بإزائه ، ولا يتحرجون من السجود له بتعفير جباههم.

وبتعفير جباههم سجوداً على الأرض سمة تدل على منتهى الخضوع والذلة لو كانت من انسان لأنسان ، ولكنها حيث تكون لله تعطي منتها الرفعة والسمو لأنه سجود لله وخضوع لسلطانه ، ومن أكبر من الله عز وجل ، ومن اعظم منه جلت قدرته.

( تتجافى جنوبُهم عن المضاجعِ ) :

والتعبير بالتجافي فيه تصوير دقيق لحالة أولئك المؤمنين ، وهم يتركون المخادع مع شدة تعلقهم بالنوم ، وما فيه من لذة وراحة ليقفوا خاشعين بين يدي الله يسبحونه ويقدسونه.

وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه ذكر قيام الليل ففاضت عيناه حتى تحادرت دموعه فقال :( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) .

( يدعونَ ربّهم خوفاً وطمعاً ) :

يتركون المخادع ويشرعون في مناجاتهم وصلواتهم وهم في

٦٢

حالة مزيجة بين الخوف والطمع.

الخوف : من عذاب الله وعقابه.

والطمع : برحمته وعفوه.

وهؤلاء المؤمنون لا يقتصرون على واجباتهم العبادية إزاء الخالق سبحانه ، بل هم ـ في الوقت نفسه ـ يلتفتون إلى واجباتهم الإجتماعية إضافة إلى الواجب الروحية.

ففي الوقت الذي تراهم يحنون إلى الليل وإلى هدوئه الشامل الذي يخيم على المخادع نراهم يؤدون ما عليهم أزاء هؤلاء المعوزين لينفقوا بما فرضه عليهم الواجب الإجتماعي وقد أخبرت عنهم الآية في قوله سبحانه :

( ومما رزقناهُم يُنفقون ) :

الصلاة عبادة روحية والإنفاق عبادة إجتماعية وكلا هذين عبادة ، وهل يتركهم الله وهم يتقربون إليه ويتشوقون للقائه وللوقوف بين يديه ؟.

وتتولى الآية نفسها الجواب على ذلك فيقول سبحانه :

( فلا تعلمُ نفسٌ ما اُخفيَ لهم من قُرًةِ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملونَ ) (١) .

وصحيح أنهم لا يعلمون ما أخفي لهم فالإنسان في تكفيره محدود مهما ذهب به الأمل بعيدا ، ولكن رحمة الله واسعة ، وليبق

__________________

(١) سورة السجدة / آية : ١٧.

٦٣

الجزاء لهم مذخوراً لا يعلم به أحد إلى يوم يلقونه ، ولتقر به أعينهم يوم الجزاء.

( قل أؤنبّئكُم بخيرٍ من ذلكم للذينَ اتّقَوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهّرة ورضوانٌ من الله والله بصير بالعبادِ *الذين يقولونَ ربنا إننا آمنا فأغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار *الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) (١) .

وقد تعرضنا لهذه الآية في جانب من جوانبها ، وهو ما تعرضت له من بيان الجزاء للمنفقين وبقي علينا أن نرى ما تعرضت له من الجانب الآخر ، وهو الاشادة بالمنفقين والأخذ بيدهم إلى الدرجة الرفيعة التي ينالها عباد الله المتقون تقول الآية الكريمة :

( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم ـ إلى قوله ـالذين يقولون ربنا إننا آمنا فأغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار *الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) .

هؤلاء المؤمنون الذين يتمتعون بجنات ربهم وهم الذين يخشونه ويتوجهون إليه بقلوب مفعمة بالإيمان وبألسنة رطبة بذكر الله يرددون ويلهجون متضرعين يقولون :( ربنا اننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ) .

وهؤلاء هم وقد وصفتهم الآية :

ب‍ ( الصابرين ) :

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٥ ـ ١٦ ـ ١٧.

٦٤

على البلاء يمتحنهم الله في هذه الدنيا لتهذيب نفوسهم وصقلها ليكونوا قدوة لغيرهم ومثالاً للإيمان الراسخ والعقيدة الثابتة.

( والصادقين ) :

لأنهم عرفوا أن الكذب منقصة للنفس وخيانة في حق الآخرين فتركوه.

( والقانتين ) :

وهم المطيعون لربهم تعلقوا به واخلصوا له العبودية فكانوا قانتين.

( والمنفقين ) :

مما آتاهم الله ورزقهم أداءاً لحقه وشكراً على ما أنعم عليهم ورعاية الحق هؤلاء المحرومين.

( والمستغفرين بالأسحار ) :

وهو الوقت الذي يخلو به الحبيب لحبيبه يقومون بين يدي الله إذا جنهم الليل متجهين بقلوب مملوءة بالإيمان يستغفرونه ، ويسبحونه.

يقول : في وصفهم أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلاً يُحزِنُونَ بِهِ أنفسهم ويستثيرون بِهِ دواء دائهم فأذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً وظنوا أنها نصب أعينهم ، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامعهم مع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على

٦٥

أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم يطلبون إلى الله فكاك رقابهم »(١) .

هؤلاء المؤمنون ، وهم المنفقون لأموالهم في سبيل الله وطبيعي أن يكون جزاؤهم من الله جنات تجري من تجتها الأنهار خالدين فيها وأزواجاً مطهرة ويظلل كل ذلك رضوان من الله وهو غايتهم من الله وهو غايتهم في الدنيا والآخرة.

__________________

(١) من خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : في نهج البلاغة قالها في وصف المتقين.

٦٦

الصورة الثالثة من التشويق :

الانفاق ينمي المال

القرآن الكريم يتكلم مع الناس من خلال واقعهم العملي في حياتهم اليومية ، ولذلك فهو حينما يشوقهم إلى شيء إنما يعرض عليهم صوراً مألوفة لهم يتوخى من وراء ذلك أن يحفز مشاعرهم للوصول نحو هدفه المنشود.

وفي خصوص ما نحن فيه فإن القرآن عندما يشوقهم إلى الإنفاق يصور لهم فوائد من طريق الربح والفائدة الخارجية.

ذلك لأن النفس مجبولة على حب المال وتشويق في كل وقت إلى النفع والزيادة.

ولأن هذا المعنى يعيشونه في كل يوم فهم يألفون له عندما يمثل لهم به من خلال عرض قضية ، أو تشويق لشيء ، وبما أن الحياة العملية تعتمد بشكل رئيسي في واقعها الخارجي على أمرين مهمين في طريق الكسب والانتاج ، وهما التجارة والزراعة.

وحيث أن لكل من هذين مفاهيمه الخاصة وصورة المنطبعة في الأذهان لذا نرى القرآن الكريم ، ومن هذا المنطلق أخذ يكلم الأفراد ويشوقهم إلى الإنفاق بعرض صورٍ مألوفة لديهم لتوصيل بها إلى الغاية المطلوبة له من الحث على البذل والسخاء.

٦٧

١ ـ الإنفاق ـ تجارة لن تبور :

( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلاينة يرجون تجارة لن تبور *ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ) (١) .

هذه التجارة هي التي يقصدها عباد الله المؤمنون يدفعون المال لوجهه لأجله الوصول إلى غايتهم المحببة وهي رضا الله والتقرب إليه.

فهم يتلون كتاب الله بتفهم لما فيه ، ويقيمون الصلاة ويواظبون على أدائها.

( وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ) :

ينفقون مما رزقهم في السر والعلن يقصدون بذلك النماء الذي يحصل من هذه التجارة التي لا كساد فيها ، ولاتبور ، ولا يكتب له الخسران.

ولماذا تكسد ؟

أو لم تبور ؟

أو لماذا تلحقه الخسارة ؟

وطرف المعاملة هو الله ، وليس هو فرداً من البشر ، وليس هذا النوع من الكسب فيها يشبه الكسب السوقي الذي يؤمل

__________________

(١) سورة فاطر / آية : ٢٩ ـ ٣٠.

٦٨

فيه الربح كما هو متوقع فيه الخسران.

بل كسب كله ربح.

لا كسب يؤمل فيه الربح.

ونماء كله بركة لأن الضامن في هذه التجارة والطرف فيها هو الله سبحانه وهو الذي يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله أنه غفور شكور.

ويأتي الجزاء هنا متدرجاً على ثلاثة مراحل :

( يوفيهم أجورهم ) :

فلا يجدون في ذلك أي نقص ولا خسارة ، بل يوفيهم بما تعطيهم هذه الكلمة من معنى دقيق يدل على عدم وجود أي نقص في الحساب.

( ويزيدهم من فضله ) :

وهنا تتجلى الروعة في العطف والرحمة ليتبين الفرق بين المعاملتين المعاملة بين الأفراد أنفسهم والمعاملة بين الفرد وربه.

ان الله يرضى لنفسه أن يعامل عباده معاملتهم لأنفسهم ، بل لابد من حصول المايز بين المعاملتين.

معاملة يكون الإنسان طرفاً فيها لإنسان آخر.

ومعاملة يكون الله طرفاً فيها لعبد من عباده.

ففي الأولى نرى للحساب الدقيق مجالاً فيها ، وقد تجر المعاملة إلى نزاع وشجار بين الطرفين ، أو الأطراف حول مقدار قليل من المال.

٦٩

أما لو كانت المعاملة بين الخالق ومخلوقه فإنه سبحانه بلطفه وكرمه يزيدهم من فضله وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« ما نقص مال من صدقة قط فأعطوا ولا تجبنوا »(١) .

ولا يكتفي بذلك بل :

( إنه غفور شكور ) :

يغفر للعبد ذنوبه جزاء قيامه بهذا العمل الإنساني ، وهذا التقرب لوجهه وشكور على هذه الاريحية من المعطي وتحسسه بآلام غيره ، والشكر من الله يختلف عن شكر الإنسان.

إذا أن شكر البشر لا يتعدى عن الكلام المعسول وإظهار العطف واللطف ، وقد يتعدى إلى جزاء دنيوي سرعان ما يذهب ويتلاشى.

أما الشكر من الله فهو العطاء المتواصل والجزاء المضاعف ، وجنة أنهارها جارية ، بارك الله للعبد بهذه التجارة.

٢ ـ الإنفاق ـ ينمي المال كما تنبت الأرض الزرع :

بعد أن صور القرآن للفرد النماء الحاصل من الإنفاق كنماء الكسب والتجارة بدأ يضرب له مثلاً يعيشه الفرد أيضاً في هذه الحياة ذلك هو مسألة الأرض والزرع هذا المنظر المألوف لكل أحد حيث يرى الفرد منا الزارع في الحقل يزرع ويسقي وينتظر ليحصل من وراء هذا الزرع النماء الذي يباركه الله.

__________________

(١) البحار ٩٦ / ١٣١.

٧٠

لذلك جاءت الآيات الشريفة تقرب عملية الانفاق وحصول البركة فيه إلى الأذهان بهذا النوع من التشويق وكلاهما واحد يزرع الزارع ، وينتظر رحمة ربه ، وينفق المنفق ويتنظر عطاء ربه.

يقول سبحانه :

( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوبة أصابها وابل فأتت اكلها ضعفين فأن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ) (١) .

( الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله ) هذه العملية تماماً كمثل جنة بربوبة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين ، والربوبة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الانهار وعندما يصيبها المطر تنبت تلك الربوة فتؤتي ثمارها ضعفين بركة من الله في ذلك النتاج.

وكذلك في العملية الإنفاقية يضاعفها الله بركة منه على عبده.

فعن قتاده قال :

« هذا مثلٌ ضربه الله لعمل المؤمن يقول : ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال ان اصابها وابل ، أو اصابها طل وهو الرذاذ من المطر أي اللين منه »(٢) .

وفي آية أخرى يقول الله تعالى :

( مثلُ الذين ينفقونَ أموالهم في سبيلِ اللهِ كمثلِ حبّةٍ أنبتت

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٦٥.

(٢) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية ٢٦٥ من سورة البقرة.

٧١

سبعَ سنابل في كلّ سنبلةٍ مائةُ حبّةٍ والله يضاعف لمن يشاءُ واللهُ واسعٌ عليم ) (١) .

وليس كل نماء يؤتي أكله ضعفين كما في الآية السابقة ، بل بعض النماء يتضاعف فيصل إلى سبعمائة كما تصرح به هذه الآية الكريمة فهي حبة واحدة أنبتت سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة حبة ، وطبيعي أن يكون ناتج كل حبة سبعمائة حبة ومثل ذلك أجر من أنفق.

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ومن أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة »(٢) .

وفي حديث آخر :

« ومن أنفق في سبيل الله ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة. والدينار بسبعمائة »(٣) .

( والله يضاعف لمن يشاء ) :

فالقضية تعود إليه : وتناط بكرمه ولطفه فهو يضاعف لمن يشاء ولا حرج في ذلك عليه ولا ينقص من ملكه شيء ، وان من يبخل هو الذي يخالف الفقر ، وهو الإنسان اما الله فلا يخاف فقراً ، ولا نهاية لعطائه إذ لا حد لملكه ولا حد لعطفه.

( والله واسع عليم ) :

وانما يضاعف لمن يشاء ولا يخشى الفقر لأنه واسع في عطائه

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٦١.

(٢) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية.

(٣) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية.

٧٢

واسع في رزقه واسع في فضله لا يعطي على قدر ما يصل إليه ، بل عطاء ثر ولطف عميم.

٣ ـ الإنفاق ـ قرض يضاعفه الله :

يقول سبحانه وتعالى :

( مَن ذَا الذي يُقرضُ اللهَ قرضاً حسناً ) (١) :

والقرض عملية شائعة على الناس يحتاج الإنسان إليها مالاً ، أو نقداً فيستقرض ما يحتاج إليه إلى أجل أو غير أجل ، وإذا زيد على القدر المستقرض شيءً فهو من الربا الذي حاربه الله ، ومنعه ، وتوعد عليه لأن كل قرض جر نفعاً إلى المقرض فهو ربا. هذا بين الناس.

وهذا القرض لو كان بين الفرد وبين الله فلا ربا بين العبد وربه لذلك جاءت الآيات تحبب إلى المنفق عمله فتجعل من عطائه إلى الفقير قرضاً منه إلى الله سبحانه ، ومن ذلك ينتج أن عملية القرض هذه تتألف من أطراف ثلاثة :

الطرف الأول : المنفق ، وهو الدائن.

الطرف الثاني : الله سبحانه ، وهو المدين.

الطرف الثالث : وهو الفقير ، المستفيد.

ولكن لو تساءلنا ما وراء هذا القرض من نفع إلى المنفق ؟ فإن الجواب سيظهر لنا من خلال الآيات الآتية.

وقبل أن نستعرض تلك الآيات لابد أن نقول : إن الإنسان

__________________

(١) سورة الحديد / آية : ١١.

٧٣

ليقف حائراً ، وعلامات الاستفهام تأخذ عليه مسالك التفكير عندما يرى القرآن الكريم يكرر هذا الطلب من الله في موارد ستة ، وهو يطلب منهم بأن يقرضوه قرضاً حسناً ، ولهم عليه الجزاء الأوفر ، وهذا إن دل فأنما يدل بشكل واضح على مدى الاهتمام الذي يوليه الله لهذه العمليه الإنسانية.

فالله هو الذي أنعم على الإنسان فأعطاه المال ورزقه وكفل له معيشته وتفضل عليه ـ مع كل ذلك ـ نراه يعود ليجعل من نفسه مستقرضاً.

وممن ؟

من الذي وهب له المال واعطاه النعمة ، وهو المنفق.

ولمن ؟

الى الطبقات المحرومة الضعيفة.

ولماذا ؟

وكان بإمكانه أن يرزق الفقير من غير حاجة إلى مثل هذا القرض.

ولا بد لنا أن نتخطى ولا نعير لهذه الاستفهامات أهميه إذا عرفنا أن الله سبحانه يريد أن يشمل كلاً من الطرفين المنفقين ، والفقير برحمته وان استدعى ذلك أن يتحمل هو عبء العملية القرضية فهو الرحيم وهو الرحمن ، وهو الذي خلق هذا الخلق فكانوا عيالاً عليه.

خيرهم اليهم نازل.

وشرهم اليه صاعد.

٧٤

ومع ذلك فهو يحوطهم برحمته ويكلؤهم برعايته.

أما ما يستفيده الطرف الأول ، وهو المنفق فأن الآيات الكريمة وعدته بالجزاءين الدنيوي والأخروي.

في الدنيا : ويتمثل في الآيات الكريمة :

( مَن ذا الذي يُقرضُ الله قرضاً حَسَناً فيضاعفهُ له أضعافاً كثيرةً ) (١) .

( أنّ المصدّقينَ والمصدّقاتِ وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ) (٢) .

( إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ) (٣) .

وهذا هو الجزاء في الدنيا يضاعف له ما أعطاء بأضعاف كثيرة ـ كما في الآية الأولى ـ من الرزق ، وبذلك ليطمئن المنفق بأن ما ينفقه سيخلف عليه ، وسيرجع له ولكن بأضعاف كثيرة لأن الآية نفسها تعقب على هذه المضاعفة بقوله تعالى :

( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) .

وإذا كان القبض والبسط في الرزق منه سبحانه ، وقد قال في صدر الآية بأنه سيضاعف للمنفق فهو وعد منه ووعده الحق وحاشا له أن يتخلف عما يعد به.

هذا هوالأجر في الدنيا.

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٤٥.

(٢) سورة الحديد / آية : ١٨.

(٣) سورة التغابن / آية : ١٧.

٧٥

وأما الأجر في الآخرة فقد اختلفت الآيات في طريقة الاخبار به ، ففي بعضها نرى أنها تعد بالمغفرة فقط حيث قال سبحانه :

( إن تقرضوا الله قرضاً حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ) (١) .

وليس هذا الجزاء بالشيء القليل حيث يحصل المنفق من وراء إنفاقه أن يغفر الله ذنوبه ، بعد هذا له من الله الشكر على ما قدم للمحرومين في هذه الحياة.

أما البعض الآخر : فأنها تطرقت لذكر الأجر من غير تفصيل لنوعية الأجر فقالت :

( إن المصدّقينَ والمصدّقاتِ وأقرضُوا الله قرضاً حسناً يضاعَفُ لهم ولهم أجرٌ كريمٌ ) (٢) .

( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسنا وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند هو خيراً وأعظم أجراً ) (٣) .

ولكن هذا الأجر يأتي في آيات أخرى وقد بانت نوعيته فقال سبحانه :

( وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزّرتُمُوهُم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفّرَنَ عنكم سيّئاتكُم

__________________

(١) سورة التغابن / آية : ١٧.

(٢) سورة الحديد / آية : ١٨.

(٣) سورة المزمل / آية : ٢٠.

٧٦

ولاُدخلنَّكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ ) (١) .

( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم *يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ) (٢) .

وهذا هو الجزاء الأخروي تعرضه الآيتان فيهما ما يحفز المنفق على الاسراع بهذا النوع من العطاء ليحصل على هذا النعيم الأبدي.

( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ) .

أي نور هذا الذي يلف هؤلاء المؤمنين فيأخذ اشعاعه بالأبصار ؟.

وأي نور هذا الذي يميزهم عن بقية الناس في ذلك اليوم ؟.

انه نور جللهم الله به وأضفاه عليهم !

وهل يكتفي العلي القدير بهذا التقدير ، وهذا القدر من الجزاء ؟.

ويأتينا الجواب واضحاً تضيفه تكملة الآية الشريفة في قوله تعالى :

__________________

(١) سورة المائده / آية : ١٢.

(٢) سورة الحديد / آية : ١١ ـ ١٢.

٧٧

( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ) (١) .

يناديهم المنادي ويبشرهم بهذه الجنات جزاء عملهم ، وقد شهد الله لهم بأن ذلك هو الفوز العظيم.

ويدلنا على أنه سبحانه سيضاعف العطاء لمن أعطى في سبيله ما صرح به في الآية التالية حيث قال سبحانه :

( يمحق الله الربا ويربى الصدقات ) (٢) .

( يحمق الله الربا ) :

والمحق هو الهلاك والاتلاف للشيء ، وفي المعاملة الربوية يتكفل الله بموجب هذا التصريح انه يمحق ذلك المال أو يستأصله ويتلفه لأنه مال لوحظت فيه الزيادة غير المشروعة فهو محق وهلاك له.

( ويربى الصدقات ) :

ولكنها في المعاملة التي تكون بين الله وعبده عندما يستقرض الله منه فأنه يربيها ويزيدها وينعشها ، وذلك لأن طلب الزيادة في القرض ان كان على حساب الغير وبين الناس أنفسهم فهو رباً لا يدعه الله حتى يمحقه.

وقد قيل للإمام الصادقعليه‌السلام :

« وقد يربى الرجل فيكثر ماله ، فقال : يمحق الله دينه وان كثر

__________________

(١) سورة الحديد / آية : ١٢.

(٢) سورة البقرة / آية : ٢٧٦.

٧٨

ماله »(١) .

ولكنه لو كان على حساب الله وطلب مرضاته فهو الذي يتكفل بإنمائه ويبعث البركة فيه.

وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال :

« إن من عبادي من يتصدق بشق تمرة فأربيها له كما يربي أحدكم فله حتى أجعلها له مثل جبل أحد »(٢) .

( وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) (٣) .

وقد فصلت الآية الكريمة بين مالين قصد من المعاملة بهما النماء والزيادة.

الأول : معاملة ربوية يكون أطرافها البشر أنفسهم.

الثاني : معاملة ربوية تجري بين العبد وربه.

وقد قالت الآية عن المعاملة الأولى أنها لا تربو أي لا تنمو ولا يباركها الله.

أما عن الثانية فقد قالت بأن الله يباركها ويضاعفها ، والسبب واضح ، ففي المعاملة الأولى تؤخذ الزياده من المستقرض لصالح

__________________

(١) مجمع في تفسيره لهذه الآية.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ٢٦٥.

(٣) سورة الروم / آية : ٣٩.

٧٩

المقرض ، وفي ذلك إنهاك لهذا الطرف وتفتيت للمال بواسطة القرض.

أما في المعاملة الثانية : فإن الزيادة يعطيها الله لعبده المنفق من غير أن ينقص من مال الله شيء ، وهذا هو النماء الحقيقي الباقي الذي تشمله بركة الله ، أما المال الذي يحصل من الربا فلا يكتب له التوفيق بل هو مال سحت يبغضه الله سبحانه.

٨٠

الصورة الرابعة من التشويق :

الله يأخذ الصدقات

وهذا النوع من التشويق تصرح به الآية الكريمة ، والأخبار الكثيرة حيث تخبر المنفق بأن الطرف في هذه العملية الإنسانية الطيبة هو الله لا الفقير لتصريحها بأن الله يأخذ الصدقات ، أو هو يتقبلها ، أو أن الصدقة تقع في يده أولاً ، ومن ثم ليد الفقير على اختلاف في العبارات التي وردت في الآية ، أو الأخبار إلا انها على اختلافها ترمز إلى معنى واحد ، وهو أن الفقير واسطة بين الله والمنفق فهذا يعطي وذاك يأخذ.

يقول سبحانه :

( ألم يعلموا أنّ الله هو يَقبَل التوبةَ عن عبادِهِ ويَأخُذُ الصّدقاتِ وأنّ اللهَ هو التّوابُ الرحيمُ ) (١) .

وقد تضمنت هذه الآية الكريمة مطالب ثلاثة عطف احدهما على الآخر فكان الحكم في الجميع واحداً.

( أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) :

__________________

(١) سورة التوبة / آية : ١٠٤.

٨١

وهذا هو المطلب الأول ، ولا مجال للشك في أن قبول التوبة من العبد مختص بالله وحده لتصريح الآية بذلك ، ولأنه هو الذي يغفر الذنوب صغيرها وكبيرها.

( ويأخذ الصدقات ) :

وهذا هو المطلب الثاني وبحكم العطف في الآية لابد أن نقول : إن من يأخذ الصدقة من المنفق هو الله لأنه كما يقبل التوبه من عباده ، وان ذلك مختص به كذلك هو يأخد الصدقات.

( وأن الله هو التواب الرحيم ) :

وهذا هو المطلب الثالث حيث أخبر عن نفسه بأنه التواب ، وهو مبالغة في قبوله للتوبة ، وهو الرحيم بعباده فلا يستوحش العبد إذاً من ذنوبه إذا كان الغافر هو التواب الرحيم.

ولا يأس من الجزاء إذا كان آخذ الصدقة هو الله سبحانه ، وانها تقع بيده أولاً.

فعن جابر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال :

« قال أمير المؤمنينعليه‌السلام تصدقت يوماً بدينار فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما علمت أن صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى تفك به من الحي سبعين شيطاناً ، وما تقع في يد السائل حتى تقع في يد الرب تعالى ألم يقل هذه الآية :الم تعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ».

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :

« كان أبي اذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم إرتجعه

٨٢

منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل فأحببت أن أقبلها إذ وليها الله ثم وليتها وان صدقة الليل تطفيء غضب الرب ، وتمحوا الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار تنمي وتزيد في العمر »(١) .

وفي أخبار أخرى جاءت عن الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً :

« ما من شيء أو ليس من شيء إلا وكّل به ملك إلا الصدقة فإنها تقع في يد الله سبحانه »(٢) .

وفي حديث آخر عن اللإمام الباقرعليه‌السلام (٣) قال :

« قال الله سبحانه تعالى : أنا خالق كل شيء وكلت بالأشياء غيري الا الصدقة فإني أقبضها بيدي حتى أن الرجل والمرأة يتصدق بشق التمرة فأربيها له كما يربي الرجل منكم فصيله وفلوه(٤) حتى أتركه يوم القيامة أعظم من أحد ».

ولمذا إذا يتأخر المنفق ، أو يتقاعس عن القيام بمثل هذا التقديم لله والله هو الذي يأخذ منه ويوفي له حسابه.

__________________

(١ و ٢ و ٣) لاحظ لهذه الأخبار وسائل الشيعة ٦ / ٣٠٣.

(٤) الفلو : بالكسر المهر المفطوم أو الذي بلغ سنة.

٨٣

الصورة الخامسة من التشويق :

الاسراع بالتصدق قبل فوات الأوان

وتنحوا آيات ثلاثة من القرآن نحواً جديداً في الحث والتشويق على الانفاق ذلك إنها أخذت تذكر الناس بأن يسارعوا إلى تقديم هذه المعونات إلى الفقراء ما دامت الفرصة حاصلة لهم وبإمكانهم أن يعملوا أعمالاً صالحة تكون لهم المخزون الاحتياطي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون وتحذرهم من مغبة اليوم الذي يقف الموت حائلاً بينهم وبين كل حركة لهم.

يقول سبحانه :

( يا أيّهَا الّذينَ آمَنُوا أنِفقُوا ممّا رزقناكُم من قبلِ أن يأتيَ يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ والكافرونَ هم الظالمونَ ) (١) .

وفي آية أخرى :

( قل لعباديَ الذينَ آمنوا يقيموا الصّلاةَ ويُنفقُوا ممّا رزقناهُم سرّاً وعلانيةً من قبلِ أن يأتيَ يومُ لا بيعٌ فيهِ ولا خلالٌ ) (٢) .

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٥٤.

(٢) سورة ابراهيم / آية : ٣١.

٨٤

ذلك اليوم الذي تقف فيه الحركة التجارية فلا بيع ولا شراء ، ولا صديق يقف إلى جانب صديقه ، ولا شفيع يشفع لصاحبه.

ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وقد بلغت القلوب الحناجر.

ذلك اليوم الذي ينادي من فاته الركب :( رب ارجعوني لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ) ؟

فيأتيه الجواب :

( كلا إنها كلمة هو قائلها ) .

أن القرآن يهيب بالإنسان أن يعمل صالحاً بإقامة الصلاة ، وهو الواجب الروحي وبالإنفاق وهو الواجب المعنوي قبل أن يأتي ذلك اليوم فتغلق بوجهه الأبواب ويواجه المصير من غير تدارك لما فات.

وهكذا نرى القرآن لا يكف عن ان يذكر الإنسان قبل فوات الأوان ، وتفويته الفرصة الذهبية فيقول تعالى في آية ثلاثة :

( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا اخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ) (١) .

وهذه الآية لا تختلف عن الآيتين السابقتين من حيث الاطار العام ، وهو أن الاسلوب القرآني يدعو فيها إلى تنبيه الإنسان إلى المبادرة إلى الانفاق من قبل أن تفوت عليه فرصة العمر ، ولكن

__________________

(١) سورة المنافقون / آية : ١٠.

٨٥

الذي نلمحه من خلال هذه الآية الكريمة هو الطلب الذي يطلبه من فاتته الفرصة بعد الموت من ربه ليعود إلى الدنيا والغاية التي يريد تحقيقها من هذه العودة وهي قوله عزوجل :

( فأصدق وأكن من الصالحين ) :

ان هذا التركيز من مثل هذا الإنسان على التصديق وبه ليكون من الصالحين يعطينا أهمية ما يكشف له في ذلك العالم ، وهو يرى آثار الصدقة بما فيها الزكاة أو الانفاق المطلق في سبيل الله لذلك يأخذه الندم على عدم القيام بها ، وإنه لم يقل لأعمل العمل الفلاني أو أي عمل من الأعمال ، بل صرح بالتصدق بل وأخذ يعض يديه ندماً على ما فرط في حياته من عدم الالتفات إليه ولكن هيهات فقد انتهى كل شيء وعادت النفس إلى ربها :

إما مطمئنة راضية.

وإما نادمة حيث لا ينفعها الندم والأمر يومئذ لله وحده.

وقد جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه سئل عن أي الصدقة أفضل ؟ فقال :

« تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخاف الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا »(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٢٨٢.

٨٦

الصورة السادسة من التشويق :

للصدقة مزايا عديدة

ومن ثنايا الأخبار نرى كثيراً منها تشوق المنفقين ، وتذكر للصدقات والاحسان إلى المحتاجين خصائص كثيرة البعض منها تصرح بفوائد تعود على المنفق في الدنيا ، والبعض الآخر تنفع المنفق فيما يخص آخرته :

فمن القسم الأول : ما جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« استنزلوا الرزق بالصدقة »(١) .

وفي حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام :

« أن البر ، والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة من السوء »(٢) .

وعنهعليه‌السلام في حديث آخر :

__________________

(١) البحار ـ ١٩/ ١١٨.

(٢) الخصال ـ ١ / ٢٥.

٨٧

« وان الله يعطي بالواحدة عشرة إلى مائة الف فما زاد »(١) .

ويقول الإمام الصادقعليه‌السلام :

« إن الصدقة تقضي الدين وتخلّف البركة »(٢) .

وعنهعليه‌السلام ايضاً :

« ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا الا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده »(٣) .

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام :

« انه كان في بني اسرائيل قحط شديد سنين متواترة ، وكان عند امرأة لقمة خبز فوضعتها في فيها لتأكلها فنادى سائل : يا أمة الله الجوع فقالت المرأة : أتصدق في مثل هذا الزمان فأخرجتها من فيها فدفعتها إلى السائل ، وكان لها ولد صغير يحتطب في الصحراء فجاء الذئب فحمله فوقعت الصيحة فعدت الأم في أثر الذئب فبعث الله تبارك وتعالى جبرائيل فأخرج الغلام من فم الذئب فدفعه إلى أمه ، فقال جبرائيل : يا أمة الله أرضيت ؟ لقمة بلقمة »(٤) .

ويقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« داووا مرضاكم بالصدقة »(٥) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٢٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٥.

(٣) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٥.

(٤) ثواب الاعمال ـ ١٤٠.

(٥) قرب الاسناد ـ ٧٤.

٨٨

ومثل هذا جاء في كثير من الإخبار ، وقد عقّدت كتب الحديث أبواباً عديدة لذكر الأحاديث التي صرحت بهذه الفوائد التي يجنيها المنفق من وراء احسانه وتصدقه.

ولماذا نستبعد ونستكثر مثل هذه الفوائد على الصدقة ؟

فالقضية قضية تعويض من الله سبحانه لعبده المنفق يعوضه بهذه المزايا الدنيوية جزاء هذا التفقد الذي يصدر منه ونتيجة هذا التعاطف من بعض الناس مع الآخرين.

وأما القسم الثاني : فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظلله »(١) .

وعن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :

« الصدقة جُنة من النار »(٢) .

وقد جاء عن الإمام الباقرعليه‌السلام قوله :

« ولأن أعول أهل البيت من المسلمين وأشبع جوعهم ، وأكسو عورتهم ، وأكف وجوههم عن الناس أحب اليَّ من أن أحج حجة ، وحجة حتى أنتهى إلى عشر مثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين »(٣) .

بهذه النفسية العالية يواجهنا الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام وبهذا القلب الذي تتفجر منه الرحمة من كل جوانبه يتجه

__________________

(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٥٨.

(٣) ثواب الاعمال ـ ١٤١.

٨٩

الإمام ليدخل بيتاً من بيوت المسلمين ليعول من به ، وبذلك يخفف عنهم أزمات الفقر.

وطبيعي أن يكون هذا العمل أحب إلى الإمامعليه‌السلام من سبعين حجة ، والسبب في ذلك أن الحج ينتفع به الشخص نفسه لما يحصل عليه من ثواب ، وأما إعالة البيوت الفقيرة فإن النفع فيها يعود إلى الشخص نفسه بالثواب ، وإلى الآخرين بانتشالهم من براثن الشبح المرعب وهو الفقر ، وبذلك يأمن المجتمع من شرور هؤلاء المحرومين ، ولذلك كان هذا العمل أحب إلى الإمامعليه‌السلام من الحج المتكرر.

على أن الإمام وهو العالم بكل الخصوصيات لو لم يعلم أن في الإعالة المذكروة الثواب الذي يزيد على الثواب الذي يحصل من سبعين حجة لما كان ذاك أحب إليه من هذا.

ومن هذا المنطق نعلم أن الثواب الذي يحصل عليه المنفق لا يحد بحد طالما كان مصدره من وصف نفسه بالرحمن الرحيم.

الفقير هدية الله إلى الغني :

بهذا النص جاء الخبر عن الإمام محمد الباقرعليه‌السلام حيث قال :

« الفقير هدية الله إلى الغني فإن قضى حاجته فقد قبل هدية الله وان لم يقض حاجته فقد رد هدية الله »(١) .

الفقير هدية :

__________________

(١) ثواب الأعمال ـ ١٢٧.

٩٠

ولكن ممن ولمن ؟.

ممن : من الله.

ولمن : إلى الغني.

وليحاسب الغني نفسه ، وهو يقف وجهاً لوجه أمام هدية الله ـ وهو هذا الفقير ـ يأتي ليطلب منه ما يسد حاجته فهل يقبل هذه الهدية أم يردها ؟.

ولكن رد مثل هذه الهدية بعيد عن المؤمنين الذين يقدمون كل غال ونفيس في سبيل التقرب إليه جلت عظمته.

٩١

تشويق غير المنفقين على التوسط بهذا العمل

أ ـ الإنساني :

ولم يقتصر التشويق والحث على الإنفاق على الاغنياء ليقوموا بهذا العمل الإنساني بل تعداه إلى غير هؤلاء من الناس فقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شيئاً »(١) .

إن النبي الأكرم يريد من وراء هذا الحديث أن يطمئن الغني بأن دخول الشخص الثالث بينه وبين الفقير لا يوجب تقليلاً للثواب والأجر.

ولماذا ينقص من أجره ، والمعطي هو الله ؟.

ولو كان الإنسان هو المجازي لكان لمثل هذا الحساب احتمال أما وان الله هو الذي يرسل الهدية وهو الذي يتقبل العطاء ويأخذ الصدقات قبل الفقير فلا مجال لمثل هذا الحساب.

__________________

(١) أمالي الصدوق ـ ٢٥٩.

٩٢

وبعد كل هذا فإن الله هو الذي يستقرض من الغني ما ينفقه فلا بعد اذاً لو كان الأجر محفوظاً لكليهما المنفق ، ومن توسط في اخراج المال إلى الفقير.

اما الإمام الصادقعليه‌السلام ، فقد وسع دائرة الثواب لتمشمل أكثر من واحد لو تعدد الوسطاء بين الغني ، والفقير حيث جاء ذلك في حديث عنه قال فيه :

« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً لأجروا كلهم من غير أن ينقص عن صاحبه من أجره شيئاً »(١) .

وقد يستغرب الإنسان وهو يردد فقرات هذا الحديث في قوله :

« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً » الخ.

بهذا العدد وبهذه الكثرة ، وهل توجد هكذا عملية يحدث فيها أن يصل رقم الوسطاء إلى هذا الحد.

وللجواب عن ذلك نقول :

ان الاستغراب المذكور يزول لو لاحظنا ما جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل هذا الموضوع حيث قال :

« من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف انسان ثم وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل. وما عند الله خير وأبقى للذين اتقوا وأحسنوا لو كنتم تعملون ».

__________________

(١) ثواب الأعمال ـ ١٤١.

٩٣

وقد يوجه البعض هذا التصعيد في الرقم فيعتبره للمبالغة ليفهم بأن المنفق أجره محفوظ ، ولو تعدد الوسطاء ، وكانوا من الكثرة بمكان.

ولكن الذي نراه أن الحديث لا مبالغة فيه من حيث الموضوع وهو حصول الأجر للوسطاء ، وان تعددوا.

نعم قد يكون هذا الرقم جاء للمبالغة من حيث العد والعدد إذ حصول مثل هذا العدد من الوسطاء قد يكون نادراً في قضية إحسان من شخص لآخر ، وإلا فلو فرضنا انه حصل مثل ذلك ، أو أقل منه فإن الأجر يكون محفوظاً لهم ، كما يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وما عند الله خير وأبقى للذين أنفقوا وأحسنوا » ولا لوم على من يستكثر مثل هذا الجزاء وهو ينظر إلى الأجر بمنظار كونه المعطي انسان ومخلوق ضعيف أما لو نظرنا إلى القضية بمنظار كون المعطي هو الله الذي لا حد لعطائه وفضله وانعامه فالمسألة تهون بل تتضاءَل في رحاب لطفه كل هذه الوساوس والشكوك

وقد جاء في فقرات من أدعية أهل البيتعليهم‌السلام قولهم :

« يا من الكرم من صفة أفعاله والكريم من أجل أسمائه ».

٩٤

ب ـ التأنيب على عدم الإنفاق :

ومن التشويق إلى الإنفاق ينتقل القرآن الكريم إلى الطريق الثاني في سلوكه مع الذين لا ينفقون من أموالهم في سبيل الله وبه يتوخى أن يستنهض هممهم لهذا المشروع الإجتماعي الحياتي ، وهو الإحسان بالبذل.

والآيات في هذا الخصوص تبدأ بفتح حوار مع الموسرين ومُناقشتهم في عدم استجابتهم لنداء الضمير ، وإسعاف المعوزين وتنبيههم إلى أن ذلك لا يضر بالله وإنما تعود آثاره وخلفياته السيئة على أنفسهم ، وعليهم أن يتبدروا حالهم ما دامت الفرصة مواتية وقبل أن يبعد الزورق عن الساحل وبذلك يتلاشى الضوء الأخضر ، وحينئذ فلا ينفع الندم.

( ها أنتم هؤلاء تُدعون لتنفقوا في سبيلِ الله فمنكم من يبخَلُ ومن يبخل فإنما يبخلُ عن نفسهِ والله الغنيُ وأنتم الفقراءُ ) (١) .

حوار هادئ يتضمن مناقشة دقيقة يجريه الله مع من يشح على نفسه يمنعها من فعل الخير فلا يساعد من هو في حاجة إلى المساعدة.

__________________

(١) سورة محمد / آية : ٣٨.

٩٥

( ها أنتم هؤلاء تُدعونَ لِتُنفقوا في سبيلِ الله )

من خلال هذا المقطع تتجلى روعة الحوار في تعبير الآية بقوله( تدعون ) ولم يقل ليفرض عليكم ، يكلفكم ، أو يأمركم ، وما شاكل من هذا النوع من العبارات التي تدل على الاستعلاء ، بل افتتح الله وهو العالي الحوار معهم بهذه الدعوة المفتوحة والأسلوب الهادئ الرقيق وبدلاً من أن تكون التلبية لهذه الدعوة بالإيجاب والإسراع لكسب الخير ونيل الجزاء فإن الاستجابة منهم كانت عكسية ، وإذا بالواقع العملي لتلك الدعوة يتضح من خلال الفقرة التالية :

( فمنكم من يبخلُ ) :

ومن خلال بخله يتوقف عن تلبية هذه الدعوة الخيرة بجمع الشمل وبث روح التعاون بين الجميع.

ويبدأ الحساب :

( ومن يبخلْ فأنما يبخلُ عن نفسه ) .

لا على الله فأن عدم الاستجابة معناها الحرمان من الأجر والثواب في الآخرة وبذلك يخسر الصفقة وتفوت منه الفرصة.

أما الله فلا يفوته بهذا الامتناع شيء ذلك لأنه يصرح قائلاً :

( والله الغنيُ ) :

فلا حاجة له بالمال ، وهل يحتاج إلى المال من كان مصدر العطاء إلى الناس ؟

وما يأتي على لسان الآيات الكريمة عندما تصرح بأن الله

٩٦

يستقرض من الناس أو يطالبهم بالإنفاق ، فإنما هو لإيصال النفع اليهم قبل الفقراء نظراً إلى أن ما يصل إلى المحسن يضاعف أجره ، ويزيد على مقدار ما ينفعه ، وهذا اشارة إلى أن معطي المال أحوج إليه من الفقير الآخذ فبخله بخل على نفسه ، وذلك أشد البخل قال مقاتل : إنما يبخل بالخير والفضل في الآخرة عن نفسه(١) .

( وأنتم الفقراءُ ) :

الفقراء إليه سبحانه في كل صغيرة ، وكبيرة في الدارين الدنيا والآخرة.

في الحياة الدنيا : إلى مقوماتها.

وفي الآخرة : إلى ثوابها وجزائها.

وإذا كان الغني هو الله ، وهو القادر ، والرازق ، والقابض ، والباسط , والناس هم الفقراء إليه فعندما يطلب الغني الواقعي ـ الله ـ من الغني الصوري ـ المعطي ـ فإن هذا الطلب لا يعود بالنفع إلى الأول بل إلى الثاني لاحتياج هذا إلى الجزاء والثواب دون الأول إذ من الواضح أن فاقد الشيء لا يعطي كما تقرره القاعدة المعروفة.

وقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى في آية أخرى قال فيها :

( يا أيّها النّاسُ أنتمُ الفقراءُ إلى اللهِ واللهُ هوَ الغنيُّ الحميدُ ) (٢) .

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية ـ ٣٨ من سورة محمد.

(٢) سورة فاطر / آية : ١٥.

٩٧

ومرة أخرى تؤكد هذه الآية ما افادته الآية السابقة من غنى الله وفقر العبد اليه ، ولكن في التكرار معنىً جديد تفيده الآية وقد نبهت عليه وبه تمتاز هذه الآية عن سابتقها.

ان هذه الآية أعطت صورة مميزة لغنى الله عن غنى البشر ، وقد جاء بذلك بوصف الغني بأنه( الحميد ) .

« أن تذييل الآية بصيغة الحميد للإشارة إلى انه غني محمود الأفعال إن اعطى وإن منع لانه اذا اعطى لم يعطه لبدلٍ لغناه عن الجزا ء والشكر ، وكل بدل مفروض.

وإن منع لم تتوجه إليه لائمة إذ لاحق لاحد عليه ولا يملك منه شيء »(١) .

وهذا بعكس ماعليه الغني من بني الإنسان فإنه ان أعطى فإنما هو لبدل ليشكر وليمدح ، وإن منع توجه عليه اللوم اذ في أمواله حق معلوم للسائل والمحروم ، فبتقصيره وعدم الإنفاق يتوجه عليه اللوم.

وفي تأنيب آخر ضمن آية كريمة أخرى عرضت لنا صورتين لشخصين منفق وبخيل ، وما يجري على كل منهما :

( فأما من أعطى واتقى *وصدق بالحسنى *فسنيسره لليسرى *وأما من بخل واستغنى *وكذب بالحسنى *فسنيسره للعسرى *وما يغنى عنه ماله إذا تردى ) (٢) .

من خلال هذه المقابلة الدقيقة التي يجريها القرآن الكريم بين

__________________

(١) الميزان في تفسيره لهذه الآية الكريمة.

(٢) سورة الليل / آية : ٥ ـ ١١.

٩٨

شخصين :

أحدهما : أعطى واتقى.

والآخر : بخل واستغنى.

وما لكل منهما من أجر وما سيجري عليه.

نرى الأول : فقد وعده الله بقوله( فسنيسره لليسرى ) ، وسيجعل له حياة هادئة رغيدة ميسرة واليسر هنا عام لا يقتصر على شكل خاص في الحياة بل يشمل جميع مراحل حياته الجانب المالي وغيره نتيجة لاستجابته لنداء الله وقيامه بما تفرضه عليه الوظيفة الإجتماعية.

وأما الثاني : فقد وعده الله على العكس مما وعد به الأول( فسنيسره للعسرى ) حياة معسرة ومعقدة يجد فيها أنواع العسر والضيق والكمد يتلكأ فيها :

يقول الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام :

« فأما من أعطى مما آتاه الله واتقى وصدق بالحسنى أي بأن الله يعطي بالواحد عشراً إلى كثير من ذلك ، وفي رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد فنيسره لليسرى قال لا يريد شيئاً من الخير إلا يسره الله له ، وأما من بخل بما آتاه الله واستغنى وكذب بالحسنى بأن الله يعطي بالواحد عشراً إلى أكثر من ذلك ، وفي رواية أخرى إلى مائة الف فما زاد فنيسره للعسرى قال لا يريد شيئاً من الشر إلا يسره الله له ، وما يغنى عنه ماله إذا تردى أما والله ما تردى من حبل ولا تردى من حائط ، ولا تردى في بئر ، ولكن تردى في نار جهنم »(١) .

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآيات من سورة الليل.

٩٩

أما ترديه في نار جهنم فإن الله سيخلي بينه وبين الأعمال الموجبة للعذاب والعقوبة وحينئدِ فلا بد من ترديه وسقوطه بالأخير في جهنم.

وأخيراً نقف بين يدي آية ثالثة نستعرض من خلالها تأنيباً وتوبيخاً يشتمل على نوع من التصحيح لمفاهيم البعض الخاطئة حيث ينظرون إلى المال باعتباره المقياس لكرامة الإنسان وإهانته يقول تعالى :

( فأمّا الإنسانُ إذا ما ابتلاهُ ربُّهُ فأكرمهُ ونعَّمهُ فيقولُ ربّي أكرمَنِ *وأمّا إذا ما ابتلاهُ فقدرَ عليهِ رزقَهُ فيقولُ ربّي أهاننِ *كلا بلْ لا تُكرمون اليتيمَ *ولا تحاضُّونَ على طعام المِسكينِ *وتأكلونَ التُّراثَ أكلاً لمّا *وتُحبُّونَ المالَ حُبّاً جمّاً ) (١) .

وعبر هذه الآيات يقف القرآن الكريم ليصحح للناس مقاييس الاكرام والتعظيم والإهانة والتحقير.

يتصور الإنسان أن المال منعاً وعطاءً من قبل المعطي هو مقياس الاكرام والاهانة ـ وعى سبيل المثال ـ فهو عندما يرى الله ينعم عليه من نعمة يعتبر ذلك مظهراً من مظاهر الأكرام ، وعندما يقتر عليه الرزق تثور ثائرته ويتجهم ، ويعتبر ذلك اهانة له من الله أو من غيره.

المهم هو العطاء والمنع في نظره.

ولكن الحقيقة تأتي مشرقة تتجلى بهذا النوع من التوبيخ والتأنيب تواجه به الآيات الكريمة الإنسان ليبقى درساً على مرور الزمن.

__________________

(١) سورة الفجر / آية : ١٥ ـ ٢٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194