تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة27%

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
ISBN: 964-297-132-5
الصفحات: 215

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96493 / تحميل: 6375
الحجم الحجم الحجم
تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٢٩٧-١٣٢-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الباب الثاني

في معرفة تاريخ المقام

من خلال المخطوطات

٢١
٢٢

أهتمت الشريعة السماوية بطلب العلم اذ نطقت عن لسان رسولهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« طلب العلم فريضة على كل مسلم » وما طلب العلم إلاّ سمة العلوّ ، وشتان بين المتعلم والجاهل وما أحلى أن يكون العالم مخلصاً وما إخلاصه إلاّ محض عبادة وتأدب وارتباط مع صاحب السماء ، فتعلّمَ العلماء كيف يدوّنون علمهم من وعاة العلم ودعاته وهم الانبياء والأوصياء عليهم الصلاة والسلام ، فهذا الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديثه يقول :« ان كمال الدين طلب العلم والعمل به » وفي حديث آخر« إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال » وقد دأب علماؤنا الاعلام على تدوين شتّى فنون العلم وتقييد مسائله وتصنيف موضوعاته وبذلوا في ذلك من الجهود العظيمة ما استفرغوا به الوسع وأمكنتهم الطاقة لتعود ثمرات جهودهم على أمتهم بالخير العميم والعطاء الجسم ، حتى أخذوا يرتقون باممهم الى حيث الرُّقى ، فنحن نشكر لهم ذلك أيّما شكر وذلك لحفظهم تراث الدين وعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصيائهعليهم‌السلام وما أحلى أن يكون جمع هذا التراث والعلم في مكان هو مرآة لوجه الله تعالى(١) وفي بلد العلم وفي عصر العلم ، الحلة وما أدراك ما الحلة بلد الاربعمائة مجتهد في عصر واحد ، مدينة يبلغ

__________________

١ ـ ورد عنهم في دعاء الندبة ( أين وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء ) وفي مكان آخر ( اين وجه الله الذي منه يؤتى ).

٢٣

بها الرجل الاجتهاد قبل سن بلوغه(١) مدينة يوصّى فيها الوالد من قبل أبيه وعمره سبع سنين بالكتابة ، ففي كتاب ( كشف المحجة ) للسيد الأجل ابن طاووس الحلي وهو وصايا لولده ، قال لولده : يرفعه الى المفضل بن عمر قال ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام « اكتب ويث علمك في إخوانك ، فإن مت فورّث كتبك بنيك ، فإنه يأتي على الناس زمان هرج ما يأنسون فيه الابكتبهم ». )

فما ذكر تاريخها إلى الآن الّا دلالة على محض الاخلاص والتقى :

إذا مابناء شاده العلم والتّقى

تهدمت الدنيا ولم يتهدّمِ

إذا مابناء شاده العلم والتّقى تهدمت الدنيا ولم يتهدّم فهي في علم التاريخ ، وهي في علم الفقه ، وهي في علم الاصول ، وهي في علم الادب ، وهي في علم الرجال وهي وهي وقد حفظ لنا التاريخ شيئاً من ذلك الاخلاص ، حفظ لنا مخطوطات خطت بيد الامانة والتقوى في هذا المقام الشريف وكان من محاسن الاقدار أن الله سبحانه وتعالى حرّك فينا الهمة وقوّى العزم وشد الأزر في أن يكون لنا شرف التتبع والبحث لجمع هاتيك المخطوطات والتنويه عنها ليتعرف العالم الاسلامي على قدم هذا المقام وقدسيته ، وهو مكان شاء الله أن يرفعه ويذكر فيه اسمه ويسبّح له بالغدو والآصال ، ولايظن المرء أن هذه المخطوطات الست التي نحن بصدد الحديث عنها هي الوحيدة التي كتبت في هذا المقام ، فالمئات المئات من المخطوطات

__________________

١ ـ اشارة الى العلامة الحلي : وهذا ليس ببعيد فقد ذكر السيد حسن الصدررحمه‌الله عن بلوغ درجة الاجتهاد لعدة من العلماء قبل باوغهم فمنهم السيد صدر الدين العاملي والفاضل الهندي.

٢ ـ انظر : الكافي ج ١ / ص ٥٢ / حديث ١١.

٢٤

الحلية التي وصلت حتى الى المتحف البريطاني عليها عبارة كتبت بالحلة المحروسة دون ذكر لعبارة ( كتبت داخل هذا المقام ) وذلك لشهرة المقام التي جعلت الناسخ لا يذكر تلك العبارة ، غير المخطوطات التي ضاعت عنّا من جراء الحروب والتلف والحرق وغيرها من الآفات الطبيعية الخ ،(١) فبعد هذا كله تعال معي أيها الباحث عن تاريخ المقام الشريف لنطلعك في هذا الباب عن كل ما يتعلق بتلك المخطوطات التي حصلنا على ذكرها أو صورة منها بالسفر والحضر :

المخطوطة الاولى : ( ٦٣٦ هـ / ١٢١٦ م )

مخطوطة الشيخ ابن هيكل

إن أهم ما يرشدنا في هذه المخطوطة الى تأريخ مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلة هو وجود تاريخ لعمارة المقام سنة ٦٣٦ هـ فيظهر منها أن المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدة ، ولكن وللأسف الشديد لم اعثر أنا على تأريخ قبل هذا التأريخ أي بقي تأريخه غامضاً علينا نحو مئة وأربعين سنة من سنة ٤٩٥ هـ وهي سنة تمصير الحلة الى سنة ٦٣٦ هـ ، ولكن اعتناء العلماء بهذا المقام وزيارتهم إياه وعمارته

__________________

١ ـ ومن العجيب ان كتب السيد الاجل ابن طاووس تـ ٦٦٤ هـ ، المطبوعة التي تربو على العشرين لا يوجد فيها ذكر لهذا المقام ، وهذا لا يعني عدم الاثبات فكثير من كتبهرحمه‌الله فقدت منا ، ولقد أحصى الشيخ المحقق ، فارس الحسون لهذا السيد خمسة وخمسين كتاباً عم لسان السيد نفسه وهي الآن ما بين مطبوع ومخطوطو مفقود ، وربما ذكر السيد هذا المقام في كتابه المفقود ( الكرمات ) الذي نوه عنه في كتابه الامان ص ١٢٧ ، فلاحظ.

٢٥

و الدرس فيه يدل على عنايتهم به وأي عناية ، فلابد من أثر وعلى قولهم ( الأثر يدل على المسير ) والآن نأتي على تفصيل ما ذكرناه :

قال المحقق الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم ( ١٣١٥ ـ ١٣٩٩ هـ ) في تحقيقه لكتاب ( لؤلؤة البحرين ) للشيخ يوسف البحرانيرحمه‌الله ص ٢٧٢ ناقلاً عن آية الله العظمي السيد ابي محمد الحسن الصدرفي كتابه النفيس ( تكملة أمل الآمل ) : {رأيت بخط الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ ابي العباس ابن فهد الحلي ما صورته : حوادث سنة ٦٣٦ هـ ،ف يها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نمّا الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمانعليه‌السلام بالحلة السيفية ، وأسكنها جماعة من الفقهاء ».

أقول : إن من هذه الاسطر نستخرج عدة فوائد فمنها :

١ ـ وجود عمارة للمقام الشريف قبل سنة ٦٣٦ هـ

٢ ـ وجود مدرسة بجانب المقام قبل سنة ٦٣٦ هـ ( وهي المدرسة التي أتكلم عليها فيما بعد ).

٣ ـ إن ابن نما هذا لم يؤسس المدرسة هذه بل عمّرها من خراب أو صدع وقع فيها.

٤ ـ كان لا يمكن هذه المدرسة إلاّ الفقهاء ( بصريح قول ابن هيكل ).

و الآن نأتي على ذكر مصدر المخطوطة :

أقول : كتاب ( تكملة أمل الآمل في علماء جبل عامل ) للعلامة الشريف شيخ المحدثين آية الله في العالمين أبي محمد السيد حسن بن الهادي بن

٢٦

محمد علي من آل صدر الدين الموسوي العاملي ( ١٢٧٢ ـ ١٣٥٤ هـ ) صاحب التصانيف المنيفة على التسعين والتي لم يطبع منها الاّ نحو عشرين وفيها أسمى الفوائد وأجود العوائد ،(١) ويا خبذا لو يلتفت اليها ، طبع الجزء الاول من هذا الكتاب وهو ما يخص علماء جبل عامل في سنة ١٤٠٦ هـ في قم المقدسة باشراف مكتبة السيد المرعشيرحمه‌الله وبتحقيق السيد أحمد الحسيني ( دامت بركاته ) وبقي منه جزءان في غير علماء جبل عامل لم يطبعا ، والأن ابن نما من غير علماء جبل عامل فمن المؤكد أن هذه العبارة موجودة في الاجزاء الباقية لهذا الكتاب.

و أما ابن هيكل : فهو الشيخ الجليل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ الشيخ أبي العباس أحمد بن فهد الحلي الذي توفي سنة ٨٤١ هـ له کتاب الادعية والاوراد والختوم.

أقول : انني من خلال كتاب ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) استقصيت كتب ابن هيكلرحمه‌الله والموجودة في مكبتة السيد حسن الصدررحمه‌الله في الكاظمية ، حتى يتسني لي معرفة مصدر قوله الذي نقله عنه ( أي قول ابن هيكل ) فظهر لي ان لأبن هيكل في هذه المكتبة عدة مخطوطات وجميعها بخط يده ، فبعضها له ( أي من تآليفه ) وبعضها لأستاذه ( أي ابن فهد ) وبعضها لعلماء الامامية ، وخدمة للتاريخ والمذهب فانا ذاكرها لعل الله يختار من يحيي تلك الآثار القيمة التي لم تر النور الى الان فالتي له وبخط يده :

__________________

١ ـ من أراد التفصيل عن ترجمته وكتبه ومكتبته فعليه بكتاب ( المسلسلات في الاجازات ) لجامعه الحجة السيد محمود المرعشي ج ٢/ ص ١٠٠ ـ ١٠٦.

٢٧

١ ـ كتاب الادعية والاوراد ـ راجع الذريعة ج ١ ص ٣٩٣.

٢ ـ مقالة في فضل صلاة الجماعة ـ راجع الذريعة ج ٢١ ص ٤٠٣ والتي لأستاذه الشيخ أحمد بن فهد الحليرحمه‌الله وبخط يده هي :

١ ـ المسائل الشامية في فقه الامامية ( الاولى ) راجع الذريعة ج ٥ ص ٢٢٣

٢ ـ المسائل الشامية في فقه الامامية ( الثانية ) راجع الذريعة ج ٥ ص ٢٢٤.

٣ ـ التواريخ الشرعية عن الائمة المهدية ـ راجع الذريعة ج ٤ ص ٤٧٥.

٤ ـ الخلل في الصلاة ـ راجع الذريعة ج ٧ ص ٢٤٧.

٥ ـ رسالة في كثير الشك ـ راجع الذريعة ج ١٧ ص ٢٨٢.

٦ ـ الادعية والختوم.

٧ ـ رسالة في فضل صلاة الجماعة.

و التي لغيره من العلماءرحمهم‌الله وبخط يده :

١ ـ ( مسار الشيعة ) للشيخ المفيدرحمه‌الله .

٢ ـ ( واجبات الصلاة الثمانية ) لفخر المحققينرحمه‌الله .

٣ ـ الآداب الدينية للخزانة المعينية ) لأمين الاسلام ابي علي الطبرسي تـ ٥٤٨.(١)

أقول : وأما الشيخ محمد بن نما المذكور ، فهو الشيخ نجيب الدين أبو ابراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء الرئيس العفيف هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الربعي الحلي الشهير بابن نما ، هو من

____________

١ ـ أنظر : الذريعة في اجزائها.

٢٨

مشايخ سديد الدين يوسف بن المطهر والمحقق الحلي ويروي عنه أيضا رضي الدين علي وابو الفضائل احمد ابنا موسى بن طاووس ، والشيخ نجيب الدين يحيى ( جامع الشرائع ) وولداه جعفر وأحمد ، ويروي عنه شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح القسيني باجازات آخرها جمادى الأولى سنة ٦٣٧ هـ ويروي هو عن والده جعفر بن علي في شوال سنة ٥٥٦ هـ الصحيفة السجادية فظهر ان بين سماع المترجم له للصحيفة سنة ٥٥٦ هـ وبين إجازته للقسيني ٦٣٧ هـ إحدى وثمانين سنة وهذا يستلزم عمراً طويلاً.(١)

المخطوطة الثانية : ( سنة ٦٧٧ هـ / ١٢٥٦ م )

نهج البلاغه

إن أهم ما يرشدنا الى باريخ المقام في هذه المخطوطة انها كتبت في داخل مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف سنة ٦٧٧ هـ كما صريح به جمع من العلماء ، وسوف نأتي على ذكر كلامهم ، ولتسليط الضوء على هذه النسخة ، نأتي على ذكر أصل الكتاب وجامعه وأحوال الناسخ ومواصفاب تلك النسخة ومكانها ، وهذا المطلب يتطلب ذكر عدة أمور فلنأت على ذكرها.

في أصل الكتاب وجامعه :

نهج البلاغة : كتاب عربي ، اشتهر في مملكة الادب الاُممي ، اشتهار الشمس في الظهيرة ، وهو صدف لآلئ من الحكم النفيسة ، ضم بين دفتيه ٢٤٢ خطبة وكلاماً و ٧٨ كتاباً ورسالة و ٤٩٨ كلمة من يواقيت

__________________

١ ـ انظر : الانوار الساطعة ص ١٥٤.

٢٩

الحكمة وجوامع الكلم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويعدّ الكتاب الوحيد الذي جُمع بأسلوب فريد روايات منتقاة من بليغ آثاره وبديع كلامهعليه‌السلام والذي وُصف بأنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ، والذي حظي عبر القرون ، استنساخاً وشرحاً وتعليقاً من قبل أعلام البلاغة والأدب ، وحملة العلم والحديث جيلاً بعد جيل وتم شرحه شروح عديدة ، تربو على الستعين ، وألفت عنه مؤلفات كثيرة.

الجمامع لنهج البلاغة : السيد محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم ابن الامام موسى بن جعفرعليهما‌السلام المشهور بالشريف الرضيرحمه‌الله (٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ) الذي جمعه خلال ١٧ عاماً تقريبا.(١)

أحوال الناسخ : السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن اردشير بن محمد الطبري الآبدار آبادي ،(٢) من تلاميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الحلي تـ ٦٩٠ هـ كتب له اجازة على نسخة ( نهج البلاغة ) في ٦٧٧ هـ وصفه فيها : بالسيد الاجل الاوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضى نجم الدين ابو عبد الله الحسين(٣) كما كتب نسخة من كتاب ( النهاية ) للشيخ الطوسيرحمه‌الله واتمها في يوم الثلاثاء ١٥ شهر ربيع الاول سنة ٦٨١ هـ ، وقرأ الكتاب على العلامة الحلي فأجازه باجازتين في شهر ربيع الآخر وجمادى الآخرة من سنة ٦٨١ هـ

__________________

١ ـ انظر : مجلة تراثنا عدد ٦٥ ، كذلك طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ).

٢ ـ ضبطه الشيخ آغا بزرك في الانوار الساطعة ص ٢ ( آبدار اوادي ) وضبطه السيد أحمد الحسيني في تراجم الرجال ص ١٦٢ ( الأندراوذي ).

٣ ـ أنظر : الانوارالساطعة ص ٤٦.

٣٠

و قال في الاجازة الاولى ، قرأ علًي الشيخ العالم الفقيه الفاضل الكبير الزاهد المحقق العلامة نجم الملة والدين عز الاسلام والمسلمين قراءة مهذية تدل على فضله وتنبيء عن علمه.(١)

تاريخ النسخ : يوم السبت من أواخر شهر صفر سنة ٦٧٧ هـ

مكان النسخ : مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة السيفية.

مواصفات النسخة : النسخة مقروءة أكثر من مرة على غير واحد من أعلامنا وعليها إنهاءاتهم وإجازاتهم ورواياتهم للكتاب بأسانيدهم عن مؤلفه الشريف الرضيرحمه‌الله .

ثم بعد ذلك هي مقابلة ومصححة بخطوط العلماء :

ففي نهاية المخطوط :

« تم الکتاب بعون الله وحسن توفيقه.يوم السبت من [ أ ] واخر صفر سنة سبع وسبعين وستمائة فرغ من نقله الحسين بن اردشير الطبري الاندراوذي بالحلة السيفية في مقام صاحب الزمانعليه‌السلام » ، والتاريخ يصلح ان يقرأ سبع وسبعين كما قرأه صاحب رياض العلماء ، حيث رأى هذه النسخة في أصفهان وترجم لكاتبها في رياض العلماء ٢/٣٦ ، كما قرأها الاستاذ دانش بزوه وتحدث عنها في نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران ٠٤٢١.

ورآها شيخنا صاحب الذريعةرحمه‌الله في مكتبة العلامة الاديب الشيخ محمد السماويرحمه‌الله وترجم لكاتبها في اعلام القرن السابع من طبقات اعلام ( سبع وستين ) ، النسخة وهذه المخطوطة قرأها كاتبها على

____________

١ ـ تراجم الرجال ج ١ / ص ١٦٧.

٣١

الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي ( ٦٠١ ـ ٦٨٩ هـ ) ، فكتب له الانهاء في آخرها :

« أنهاه أحسن الله توفيقه قراءة وشرحاً لمشكله وغريبه نفعه الله وإيانا به وبمحمد وآله ، وكتب يحيى بن احمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي بالحلة حماها الله في صفر سنة سبع وستين ( وسبعين ) وستمائة ».

وكتب له أيضاً بأول النسخة اجازة برواية الكتاب عن مؤلفه الشريف الرضيرحمه‌الله ونصها : « قرأ عليّ السيد الأجل الاوحد ، الفقيه العالم الفاضل ، المرتضى نجم الدين ابو عبد الله الحسين بن اردشير بن محمد الطبري ـ أصلح الله أعماله وبلغه آماله بمحمد وآله ـ كل هذا الكتاب من أوله الى آخره ، فكمل له الكتاب كلّه ، وشرحت له في أثناء قراءته وبحثه مشكله ، وأبرزت له كثيراً من معانيه ، وأذنت له في روايته عني ، عن السيد الفقيه العالم المقريء المتكلم محي الدين ابي حالمد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلي رضي الله عنه ، عن الشيخ الفقيه رشيد الدين ابي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، عن السيد ابي الصمصام ذي الفقار بن [ محمد بن ](١) معد الحسني المروزي ، عن ابي عبد الله محمد بن علي الحلواني ، عن السيد الرضي ابي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الموسوي.

__________________

١ ـ زيادة عما في رياض العلماء وفيه معد الحسيني وليس الحسني والذي عليه الكثير أنه ذوالفقار بن معيد وذكر صاحب كتاب ( عمدة الطالب ) في أولاد موسى الجون ابن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى ابن الامام الحسنعليه‌السلام وهو المعروف لكن الشيخ منتجب الدين رفع نسبه في الفهرست الى إسماعيل ابن ابراهيم ابن الامام موسى الكاظمعليه‌السلام ونقل كلامه المعلّق على ( العمدة ) في عقب اسماعيل.

٣٢

و عنه عن الفقيه عز الدين ابي الحارث محمد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي ، عن قطب الدين ابي الحسين الراوندي عن السيدين المرتضى والمجتبى ابني الداعي [ الحسني ](١) عن ابي جعفر الدوريستي عن السيد الرضي فليروه ( عني متى شاء وأحب ) سنة سبع وسبعين وستمائة « وقد حصل في هذا الموضع طمس وتلف ذهبا بتوقيع المجيز ، لكن الظاهر انه هو نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي لتشابه خط الاجازة والانهاء ، ولأن الشيوخ المذكورين في الاجازة هم من مشايخهرحمهم‌الله جميعاً

ثم انتقلت المخطوطة من الحلة الى النجف الأشرف فقرئت على السيد محمد بن ابي الرضا العلوي ، فامَا أنّ كاتبها قرأها أو قرأها غيره وهو الاظهر وقد كتب الآوي بخطه : » انهاه ادام الله بقاه قراءة مهذبة وكتب محمد بن ابي الرضا ».

ثم قوبلت النسخة في النجف الاشرف بنسخة صحيحة من نهج البلاغة بالحضرة الغروية مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام وسجل بهوامشا كثير من فوائد شرح نهج البلاغة لأبن ميثم البحراني ، وكان الفراغ من المقابلة وكتابة الحواشي أواخر شهر رمضان سنة ٧٢٦ هـ ثم رجعت الى الحلة إذ كان على مخطوطتنا هذه سوى ما تقدم من الميزات إجازة من الشيخ حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي ابخطه في ذي الحجة سنة ٧٢٨ هـ بالحلة ، ولكن أصابها تلف منذ عهد صاحب الرياض فلم يسجل لنا منه في رياض العلماء ٢/٣٧ إلا أول الاجازة وهو :

__________________

١ ـ في رياض العلماء ( الحلبي ).

٣٣

قرأ عليّ هذا الكتاب المسمى بنهج البلاغة المولى المعظم ملك الصلحاء سيد الزهاد والعباد كما كتب في آخرها...و ما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلنا ، وهو حسبنا ، نعم الوكيل ونعم المولى ونع م النصير ، وذلك في رجب من سنة أربعمائة » وهذا يدل أن النسخة منقولة من على نسخة المؤلف الشريف ، أو من نسخة كتبت على عهده ».

و كانت هذه المخطوطة الثمينة في مكتبة العلامة السماوي وانتقلت بعد وفاته الى مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف الاشرف ورقمها هناك ١٣٩.

عدد الورقات : ٣٣٢.

حجم الورق : قطع وزيري ، سميك ١٦×٢٤.

نوع الخط : نستعليق جيد.

عدد السطر : ١٨.

طول السطر : ٥ ، ١١ سم.

مكان النسخة : مكتبة اية الله الحكيم رقم ١٣٩.

يقول كاتب السطور انني بفضل الله ومنّه علي رأيت نسخة مصورة عن النسخة الاصلية في هذه المكتبة ولم أر النسخة الاصلية لأنها محفوظة فيها ، ويحق هي من نفائس مخطوطاتنا.

ملاحظة : توجد نسخة اُخذت عن النسخة الاصلية أوردناها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا. راجع عن هذه النسخة :

١ ـ من نوادر مخطوطات مكتبة آية الله الحكيم العامة ص ٨٧ ـ ٨٩ وتصوير نماذج منها في نهايته.

٣٤

٢ ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة ج ٢٤ ص ٤١٣.

٣ ـ طبقات اعلام الشيعة ( القرن ٧ س ٤٦ ).

٤ ـ رياض العلماء ج ٢ ص ٣٦ و ٣٧.

٥ ـ اعيان الشيعة الحديثة ج ٥ ص ٤٥١.

٦ ـ مصادر نهج البلاغة ج ١ ص ١٩٢ و ١٩٣.

٧ ـ نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران ج ٥ ص ٤٢١.

٨  ـ مجلة تراثناعدد ٥ ص ٧٩ ـ ٨١.

المخطوطة الثالثة : ( في بداية القرن الثامن الهجري )

الدرة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة

إن أهم ما يرشدنا الى تأريخ المقام في هذه المخطوطة هو أنها كتبت مجاور مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة السيفية ، ولكن وللأسف الشديد لم يذكر في النسخة تأريخ صريح ، لأن نسخة الكتاب مخرومة الآخر ، ولتسليط الضوء على هذه النسخة ، نأتي على ذكر أصل الكتاب ومؤلفه وأحوال الشارح للكتاب ومواصفات تلك النسخة ، ومكانها ، وهذا المطلب يتطلب ذكر عدة أمور ، فلنأت على ذكرها.

الأمر الأول : في أصل الكتاب ومؤلفه.

أقول : إن أصل الكتاب هو ( الأبحاث المفيدة في تحقيق العقيدة ) وهو في علم الكلام ، وهو مختصر لكتاب ( منهاج الهداية ومعراج الدراية ) ،(١) وهو من تآليف آية الله العلامة الشيخ جمال الدين

__________________

١ ـ هذا ما صرح به مؤلفه العلامة اعلى الله مقامه في اجازته للسيد مهنا بن سنانرحمه‌الله عند سرد مؤلفاته وهي ضمن المسائل المهنائية ـ انظر : بحار الانوار ، ج ١٠٤ ، ص ١٤٨.

٣٥

أبي منصور الحسن ابن الشيخ سديد الدين يوسف ابن زين الدين علي بن المطهر الحلي المولود في ٢٩ من شهر رمضان سنة ٦٤٨ هـ والمتوفّى في يوم السبت الحادي والعشرين من المحرم سنة ٧٢٦ هـ ، ولم نرَ موجباً لذكر ترجمة لهرحمه‌الله ، لأن الكتب الرجالية والفقهية والحديثية وغيرها تعطرت بأريج ذكره ، ومثلي لا يستطيع وصف مثله.

الأمر الثاني : في ذكر عدة فوائد تخص هذه النسخة الخطية.

الفائدة الاولى : في اسم المخطوطة.

( الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) أقول إني لم اَرَ من سمّى هذا الكتاب بهذا الاسم سوى ثلاثة أعلام وهم :

١ ـ مؤلف الكتاب : وهو الناسخ له وهذا ما صرح به في مقدمة الكتاب.

٢ ـ الواقف للنسخة : وهو الشيخ اسد الله بن محمد مؤمن الخاتوني العاملي المشهدي وهو ما كتبه على ظهر النسخة.

٣ ـ السيد محسن الأمين العاملي رحمه‌الله : في كتابه أعيان الشيعة وهو الذي رأى تلك النسخة بعينه ، وقرأ ما صرح به المؤلف والواقف على ظهر النسخة ، عِلماً اِّن جميع من كتب عن هذه النسخة سمّاها بـ ( شرح الابحاث المفيدة في تحصيل العقيدة ) دون ذكر الاسم.

الفائدة الثانية : في أحوال الشارح وهو الناسخ للمخطوطة.

أقول : هو الشيخ عز الدين ابو محمد الحسن بن ناصر بن ابراهيم الحداد العاملي ، وانفرد السيد الامين في أعيانه بتسميته بمحمد حسن.

في ثناء العلماء عليه :

قال الميرزا الافنديرحمه‌الله : الفاضل الكامل العالم الكافل

٣٦

المعروف بأبن حداد العاملي ، وله من المؤلفات كتاب ( طريق النجاة ) وينقل عن كتابه هذا الكفعميرحمه‌الله في حواشي المصباح والعجب ، ان الشيخ المعاصر لم يورده في الآمل ، ووصفه بمكان آخر بالشيخ الجليل ولم أعشرعلى عصره الى الآن ، واعلم انه قد يتوهم ان ابن الحداد العاملي هذا هو بعينه الحداد الحلي ، وهو غلط فاحش ، لأن اسمه الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد ابن الحداد الحلي تلميذ العلامة أعلى الله مقامه.(١)

وقال الخاتوني ( وهو الواقف للنسخة ) : الشيخ الامام الفاضل الكامل انموذج السلف بقية الخلف عين أعيان الزمان عز الملة والدين أبو محمد حسن بن ناصر الدين ابراهيم الحداد العامليقدس‌سره .(٢)

الفائدة الثالثه : في عصر المؤلف والنسخة.

أقول : قرأ بعض عليه كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحليرحمه‌الله فكتب له إنهاءً في الخامس من جمادى الآخرة سنة ٧٢٥ هـ(٣)

كما قرأ عنده محمد بن الحسن بن محمد الغزنوي كتاب ( شرائع الاسلام ) فكتب له إنهاءً في آخر الجزء الاول منه بتاريخ ٢١ محرم سنة ٧٣٩ هـ(٤)

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ١/ ص ٣٢٢ ، و ٣٤٦ ، واراد بالمعاصررحمه‌الله الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي تـ ١١٠٤ هـ صاحب كتاب ( أمل الآمل ) وهو صاحب كتاب ( وسائل الشيعة ).

٢ ـ انظر : اعيان الشيعه ، ج ٩/ ص ١٧٨.

٣ ـ انظر : تراجم الرجال السيد احمد الحسيني ج ١/ ص ١٦٠.

٤ ـ أنظر : المصدر السابق ص ١٤٦.

٣٧

وقرأ عليه محمد بن ابراهيم كتاباً للعلامة الحليرحمه‌الله سنة ٧٢٥ هـ قكتب له في آخره : أنهاه أيده الله تعالى وأبقاه قراءة وبحثا واستشراحاً وحفظاً ضبطا لما قصل في معانيه نفعه الله تعالى وايانا بذلك بمحمد وآله الطاهرين ، وذلك في عدة مجالس آخر ( ها ) خامس جمادى الاخرة سنة ٧٢٥ هـ كتبه العبد حسن بن ناصر بن ابراهيم العاملي ،(١) كما كتب على نسخة ( قواعد الاحكام في مسائل الحلال والحرام ) للعلامة الحليرحمه‌الله وهي نسخة عصر المصنف ، انهاء الحسن بن ناصر بن ابراهيم العاملي في سنة ٧٢٥ هـ(٢)

ولا يبعد أن يكون الشارح من تلاميذ العلامة الحليرحمه‌الله تـ ( ٧٢٦ هـ ) ، بل هو المؤكد حسب التواريخ المذكورة آنفاً وعلى هذا ثبت لدينا ان عصر كتابة النسخة هو الربع الاول من القرن الثامن الهجري.

الفائدة الرابعة : في توهم البعض بأن شرح الابحاث المفيدة لغير ابن الحداد العامليرحمه‌الله .

أقول : ان البعض توهم في نسبة الشارح لهذا الكتاب ، فقد نسب هذا الشرح الى الشيخ ناصر بن ابراهيم البويهي الاحسائي العاملي المتوفي بالطاعون في سنة ٨٥٣ هـ والمجاز من قبل العلامة البياضيرحمه‌الله صاحب كتاب ( الصراط المستقيم ) ، وهو من علماء المائة التاسعة وهو

__________________

١ ـ انظر : مكتبة العلامة الحلي ، ص ١٢٩ ، ( ها ) زيادة يقتضيها السياق.

٢ ـ انظر : الذريعة ج ١٧ / ص ١٧٦ ، وقد اورده الشيخ صاحب الذريعة بأسم ( الحسين ) والأصح كما اثبتناه ، ولعل الحسين تصحيف وكثيرا ما يحدث بين اسمي الحسن والحسين ، او لعله من خط النساخ.

٣٨

صاحب الحاشية على القواعد للعلامة وحواشيٍ كثيرة على كتب الفقه ووقع هذا الاشتباه في كل من الكتب التالية :

١ ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة ( للشيخ اغا بزرك الطهراني ) ، ج ٣ ص ٥٧.

٢ ـ معجم المؤلفين ( لعمر كحالة ) ، ج ١٣ ص ٦٧.

٣ ـ مقدمة تحقيق كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحليرحمه‌الله ص ٤٩ تحقيق مؤسسة النشر الاسلامي ط ١ ( ١٤١٢ هـ قم المقدسة ).

٤ ـ فهرس الكتب الخطية في مكتبة الامام الرضاعليه‌السلام ( آستان قدس رضوي ) ط ٢ ج ١٣ ص ١٣٢ تحت رقم ١٤١ ، تحقيق سيد علي اردلان جوان / فارسي.

والظاهران اصل الاشتباه من هذا الكتاب ، لاعتماد الجميع على اعتقاد صحة ما في الفهرست.

الفائدة الخامسة : في مواصفات النسخة.

بداية النسخة : بعد البسملة الحمد له والصلاة على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد سألني بعض أصحابي الكريم لدي والواجب الحق عليّ المفتخر بأعظم جرثومة والمنتسب الى أكرم أرومة إملاء شرح المباحث المفيدة في تحصيل العقيدة من تصنيف شيخنا الامام(١) بكتاب موسوم بالدرة النضيدة

نهاية النسخة : النهاية وللأسف الشديد مخرومة الآخر ، ولكن يظهر أن الذاهب منها شيء قليل لأن فيها قبل الاخر بورقتين الفصل الثامن في المعاد.

__________________

١ ـ ثم اخذ بنعت العلامة الحليرحمه‌الله وكلمة شيخنا تدل على انه من تلامذة العلامة الحليرحمه‌الله .

٣٩

ماكتب على ظهر النسخة :

خط المؤلف : ابتدأت في تصنيفه ثامن عشرين شعبان وفرغت في أربع عشرين رمضان فكان مجموع المدة ستة وعشرين يوما وذلك في الحلة مجاور مقام صاحب الزمان على ساكنه أفضل الصلاة والسلام.(١)

خط الواقف : كتاب ( الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) تصنيف الشيخ الامام الفاضل الكامل انموذج السلف بقية الخلف عين أعيان الزمان عز الملة والدين ابو(٢) محمد حسن بن ناصر الدبن ابراهيم الحداد العامليقدس‌سره .

الواقف للنسخة : الشيخ أسد الله بن محمد مؤمن الخاتوني ، سنة الوقف : ١٠٦٧ هـ

كاتب النسخة : بخط يد المؤلف نفسه.

نوع الخط : نستعليق تحريري.

عدد الورقات : ٤٩ ورقة.

حجم الورقة : ٢٠ × ١١ سم.

عدد الأسطر : ٣٠ سطر في الورقة الوحدة.

لون الغلاف : بني ( دارسيني ).

مكان النسخة : مشهد / مكتبة الإمام الرضاعليه‌السلام ( آستان قدس رضوي ) رقم ١٤١.

__________________

١ ـ قال السيد محسن العامليرحمه‌الله : ولكنه مع الاسف لم يذكر التاريخ وهذا الشرح بهذه السرعة يدل على كمال فضله.

٢ ـ كذا في الاصل ، وصوابها : ابي محمد.

٤٠

إبراهيم العمري ، والحسين بن محمد العقيقي(1) وغيرهم.

ولم تنته هذه المحاولات حتى بعد شهادة الإمام العسكريعليه‌السلام مسموماً سنة 260 ه‍ ، إذ تحدثت المصادر عن إلقاء حلائله وأصحابه في السجن ، وأنه جرى عليهم كلّ عظيم من اعتقال وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ(2) .

أما موقفهعليه‌السلام مما يجري على أصحابه ، فيمكن تلخيصه في ثلاثة إتجاهات :

الاتجاه الأوّل : الدعاء على أعدائهم

وقد ذكرنا آنفاً أنهعليه‌السلام كان يرفدهم بالدعاء في أحرج الظروف وأحوجها ، ومن ذلك الدعاء الذي رواه عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كنت عند مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه ، إذ وردت إليه رقعة من الحبس من بعض مواليه ، يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان ، فكتب إليه :« يا عبد الله ، إنّ الله عليه‌السلام يمتحن عباده ليختبر صبرهم ، فيثيبهم على ذلك ثواب الصالحين ، فعليك بالصبر ، واكتب إلى الله عزوجل رقعة وانفذها إلى مشهد الحسين بن علي صلوات الله عليه ، وارفعها عنده إلى الله عزوجل ، وادفعها حيث لا يراك أحد ، واكتب في الرقعة » ثم أورد دعاءً طويلاً كان منه قولهعليه‌السلام :« اللهم إني قصدت بابك ، ونزلت بفنائك ، واعتصمت بحبلك ، واستغثت بك ، واستجرت بك ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جارالمستجيرين أجرني ، يا إله العاملين خذ بيدي ، إنّه قد علا الجبابرة في

__________________

(1) راجع : الغيبة للشيخ الطوسي : 227 / 194 ، الفصول المهمة 2 : 1084 ، بحار الأنوار 50 : 306 / 2 و 312 / 10.

(2) راجع : الإرشاد 2 : 336.

٤١

أرضك ، وظهروا في بلادك ، واتخذوا أهل دينك خولاً ، واستأثروا بفيء المسلمين ، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم ، وصرفوها في الملاهي والمعازف ، واستصغروا آلاءك ، وكذّبوا أولياءك ، وتسلطوا بجبريّتهم ليعزّوا من أذللت ، ويذلّوا من أعززت ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة ، أو من ينتجع منهم فائدة » (1) .

وفي هذا الدعاء يشير الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مظاهر الفوضى والفساد والظلم التي طبعت الحياة السياسية آنذاك ، فذكر استئثار رجالات السلطة بفيء المسلمين ، ومنعهم ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلها الله لهم ، وتبديدها في أسباب اللهو على حساب فقر الفقراء والمصالح التي تفوت بذلك.

ومن دعاء طويل لهعليه‌السلام على موسى بن بغا الذي شكاه أهل قم لجوره وظلمه ، قالعليه‌السلام :« اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن ، واستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتزّ اُمورنا معادن الاُبنَ (2) ممّن عطّل حكمك ، وسعى في اتلاف عبادك ، وإفساد بلادك.

اللّهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وإمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للاُمّة ، فاشتريت الملاهي والمعازف بسمهم اليتيم

__________________

(1) بحار الأنوار / المجلسي 102 : 238 / 5 عن الكتاب العتيق للغروي ـ المكتبة الاسلامية.

(2) الاُبَن : جمع ابنة ، الحقد والعداوة والعيب.

٤٢

والأرملة ، وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة(1) ، وولي القيام باُمورهم فاسق كلّ قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راعٍ ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة ، فهم أولو ضرع بدار مضيعة ، واُسراء مسكنة وحلفاء كآبة وذلّة.

اللّهم وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته ، واستحكم عموده ، واستجمع طريده ، وخذرف وليده ، وبسق فرعه ، وضرب بجرانه ، اللّهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تصرع قائمه ، وتهشم سوقه ، وتجبّ سنامه ، وتجدع مراغمه ، ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته »(2) .

الاتجاه الثاني : احسانه عليه‌السلام إليهم

وقد كان يأمر قوامه ووكلاءه بالتخفيف من وطأة الفقر عن كواهلهم ، ويعطي المعوزين منهم ما يرفع عنهم أسباب العوز والحاجة ، وممن شملهم بره وإحسانه أبو هاشم الجعفري ، وعلي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، وأبو يوسف

__________________

(1) قد يقال : إن الخلفاء في هذا العصر خصوصاً المتوكل قد فرضوا قيوداً صارمة على أهل الذمة ، لكن المتصفح لكتب التاريخ يري أنّهم يشكلون جزءاً مهماً من جيوش الخلافة ، وبعضهم كانوا ذوي مناصب عالية في الجيش ، منهم أبو العباس الوارثي النصراني ، الذي وجهه بغا إلى أرمينية. راجع : الكامل في التاريخ 6 : 116 ، ومنهم صاعد بن مخلد النصراني كاتب الموفق ووزير المعتمد. راجع : سير أعلام النبلاء 13 : 326 / 149.

(2) مهج الدعوات لابن طاوُس : 67 ـ طهران ـ 1323 ه‍ ، بحار الأنوار 85 : 229 / 1.

٤٣

الشاعر(1) ، وغيرهم.

الاتجاه الثالث : تحذيرهم من الفتن

حيث كانعليه‌السلام يمارس دوره كقائد لمواليه وأصحابه وراعٍ لمصالحهم ومدافع عن قضاياهم في حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والضغط ، وعلى هذا الصعيد كانعليه‌السلام يحذرهم الأخطار والفتن المحدقة بهم ، ومن الوقوع في أحابيل السلطة ، ويساعدهم في إخفاء نشاطهم بحسب الإمكان ، ويهيء الجماعة الصالحة لغيبة ولده الحجةعليه‌السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

وفي هذا الاتجاه أوصى أصحابه ان يكونوا على اُهبة من فتنةٍ تظلهم عند موت المعتز(2) .

وحذرهم من الإذاعة وطلب الرئاسة مشدّداً على التقوى وأداء الأمانة ، فقد جاء في الرسالة لهعليه‌السلام إلى بعض بني أسباط :« إياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فإنّهما يدعوان إلى الهلكة واقرأ من تثق به من مواليّ السلام ، ومُرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا » (3) .

وأكد على الكتمان والحيطة حتى أنهعليه‌السلام قال لأحد أصحابه :« إذا سمعت

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 506 / 3 و 507 / 10 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ـ من كتاب الحجة ، بحار الأنوار 50 : 294 / 69.

(2) كشف الغمة 3 : 295 ، بحار الأنوار 50 : 298 / 72.

(3) كشف الغمة 3 : 293 ، بحار الأنوار 50 : 296 ـ 297.

٤٤

لنا شاتماً فامض لسبيلك التي اُمرت بها ، وإياك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تعرّفه من أنت ، فاننا ببلد سوء ومصر سوء » (1) .

وقال لأحد أصحابه حينما أراد أن يصرّح بإمامتهعليه‌السلام :« إنّما هو الكتمان أو القتل ، فاتق الله على نفسك » ، وفي رواية :« فابقوا على أنفسكم » (2) .

وبلغت درجة الحيطة لديهعليه‌السلام أنه أوصى بعض أصحابه أن لا يسلّم عليه أو يدنو منه ، فقد ترصّده أصحابه يوماً عند ركوبه إلى دار الخلافة ليسلموا عليه ، فخرج التوقيع منهعليه‌السلام إليهم :« ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ، ولا يومئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم » (3) .

ونادىعليه‌السلام يوماً حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي ، وقد أراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان وأحسّ منه خلوة :« لا تدن مني ، فإنّ عليّ عيوناً ، وأنت أيضاً خائف » (4) .

مواقف العباسيين :

لغرض استجلاء موقف السلطة من الإمام لابدّ من استعراض موقف الحاكمين من بني العباس على انفراد حسب التسلسل التاريخي ، وقد ذكرنا أن الإمام العسكريعليه‌السلام عاصر في سني إمامته ( 254 ـ 260 ه‍ ) شطراً من خلافة المعتز والمهتدي وبعض سني خلافة المعتمد ، لكنا سوف نذكر بعضاً من مواقف

__________________

(1) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 461.

(2) إثبات الوصية : 251 ، كشف الغمة 3 : 302 ، بحار الأنوار 50 : 290 / 63.

(3) الخرائج والجرائح 1 : 439 / 20 ، بحار الأنوار 50 : 269 / 24.

(4) الثاقب في المناقب / لأبي جعفر محمد بن علي الطوسي : 573 / 520 ـ دار الزهراء ـ 1411.

٤٥

المتقدمين الذين عاصروا الإمام العسكريعليه‌السلام منذ ولادته إلى أن تسنّم الإمامة ( 232 ـ 254 ه‍ ) ومع كون هذه المدة تقع ضمن فترة إمامة أبيهعليه‌السلام لكن الإمام العسكريعليه‌السلام واكب أحداثها وعانى من آثارها وعاش شتى الصعوبات والظروف القاسية التي واجهت أباه من قبل ؛ منذ استدعائه من المدينة إلى سامراء حتى وفاته مروراً بالحصار والاقامة والاعتقال محاولات الاغتيال.

على أنه لم ينقل لنا التاريخ تفاصيل العلاقة بين الإمامعليه‌السلام وبين كلّ واحد من خلفاء عصره ، عدا أخبار اعتقاله وتنبؤاته بموت بعضهم أو قتله ، وموقف الخلفاء من الشيعة بشكل عام والطالبيين بشكل خاص الذين طالهم السجن والتشريد والقتل صبراً على يد أجهزة السلطة.

اولاً ـ المتوكل ( 232 ـ 247 ه‍ )

وهو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، بويع بعده وفاة أخيه الواثق في ذي الحجة سنة 232 ه‍ ، وكان عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو ثمانية أشهر ونصف ، إذ ولدعليه‌السلام في الثامن من ربيع الآخر سنة 232.

إن السمة الغالبة على المتوكل هي النصب والتجاهر بالعداء لآل البيتعليهم‌السلام والحقد السافر عليهم وعلى من يمتّ لهم بصلة نسب أو ولاء ، وقد أجمع على هذا الأمر غالبية المؤرخين حتى : أولئك اعتبروه ناصراً للسنّة وشبّهوه بالصديق وعمر بن عبد العزيز.

قال السيوطي : « كان المتوكل معروفاً بالتعصب »(1) .

__________________

(1) تاريخ الخلفاء : 268. والظاهر أن أصل عبارة السيوطي ( بالنصب ).

٤٦

وقال الذهبي : « كان المتوكل فيه نصب وانحراف »(1) .

وقال ابن الأثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث ، وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنّون ؛ قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك علياًعليه‌السلام والمتوكل يشرب ويضحك ...

وإنّما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمرو بن الفرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أميه ، وعبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اُترجه ، وكانوا يخوّفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ، ثم حسّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علوّ منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان »(2) .

ولا يمكن أن يجرأ أحد من هؤلاء الذين ذكرهم ابن الأثير على النيل من أمير المؤمنينعليه‌السلام وعموم أهل البيت أمام أحد سلاطين بني العباس ، لولا علمهم المسبق بعداء ذلك ( الخليفة ) السافر لأهل البيتعليهم‌السلام وحقده المقيت عليهم ، وحرصه على تشجيع ثقافة النصب والبغض وافشائها في أوساط الناس عن طريق بعض المرتزقة من الشعراء وغيرهم.

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12 : 35.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 108 ـ 109.

٤٧

روي أنّ أبا السمط مروان بن أبي الجنوب ، قال : « أنشدت المتوكل شعراً ذكرت فيه الرافضة ، فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع عليّ أربع خلع ، وخلع عليّ المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار ، فنثرت عليّ ، وأمر ابنه المنتصر وسعد الايتاخي أن يلتقطاها لي ففعلا ، والشعر الذي قلته :

يرجوا التراث بنو البنا

ت وما لهم فيها قُلامه

والصهر ليس بـوارثٍ

والبنت لا ترث الامامه

ما للذين تنحلّوا

ميراثكـم إلا النـدامه

ليـس التراث لغيركـم

لا والالـه ولا كرامه

قال : ثمّ نثر عليّ بعد ذلك لشعرٍ قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم »(1) .

ومن هنا كان زمان المتوكل إيذاناً ببدء عهد الظلم والتعسّف على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ؛ لأن المتوكل أمعن في التنكيل بهم وأسرف في القتل والحبس والحصار والتشريد وصنوف الأذي والعنت ، وفيما يلي نذكر بعض اجراءاته في هذا الإتجاه :

1 ـ استدعاء الإمام الهادي عليه‌السلام إلى سامراء وايذاؤه

كان المتوكل حريصاً على محاصرة الإمام الهاديعليه‌السلام ووضعه تحت الرقابة وعزله عن الجمهور المسلم الذي كان ينتفع به ويعظّمه وعن شيعته ومواليه في المدينة ، لهذا كتب باشخاصه مع أهل بيته ومواليه ، من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثرب إلى عاصمة الملك العباسي آنذاك سامراء.

__________________

(1) تاريخ الطبري 9 : 230 ، الكامل في التاريخ 6 : 140.

٤٨

أسباب الاستدعاء

إنّما ينطلق المتوكل في كلّ مواقفه مع الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته من البغض الذي يكنّه لأهل بيت النبوة ، وفضلاً عن ذلك فقد ذكر المؤرخون سببين مرتبطين دفعا المتوكل إلى إشخاص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء وهما :

السبب الأول : هاجس الخوف الذي يراود المتوكل من انصراف الناس إلى الإمامعليه‌السلام لما علمه من إلتفاف الناس حوله في المدينة ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير قولهم : « إنّما أشخصه المتوكل إلى بغداد ، لأن المتوكل كان يبغض علياًعليه‌السلام وذريته ، فبلغه مقام عليعليه‌السلام بالمدينة ، وميل الناس إليه فخاف منه »(1) .

وعبّر عن هذا المعنى أيضاً يزداد النصراني تلميذ بختيشوع طبيب البلاط ، قال : « بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه ، لئلا تنصرف إليه وجوه الناس ، فيخرج هذا الأمر عنهم ، يعني بني العباس »(2) .

والإمامعليه‌السلام لم يكن في موقع الدعوة إلى الثورة ضد الخلافة العباسية ، لأن الظروف الموجودة آنذاك لم تكن تسمح بمثل هذا العمل ، وقد عرف الإمامعليه‌السلام بعد استدعائه هواجس نفس المتوكل ، فبين له أنه ليس همّه استلام السلطة ولا تنزع نفسه الكريمة إلى شيء من هذا الحطام ، وذلك حينما استعرض المتوكل جيشه بحضور الإمامعليه‌السلام وقد بلغ تسعين ألفاً من الترك ، فقالعليه‌السلام :« نحن

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322.

(2) دلائل الإمامة / الطبري : 419 / 382 ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ 1413 ه‍ ، نوادر المعجزات / الطبري : 188 / 7 ـ مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم 1410 ه‍.

٤٩

لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمرالآخرة ، ولا عليك ممّا تظنّ » (1) .

السبب الثاني : الدور الذي مارسه بعض الحاقدين من عمال بني العباس في الوشاية بالإمام إلى المتوكل ، ومنهم عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي ، المعروف بابن اترجة أو بريحة(2) ، وكان يتولى ادارة الحرب والصلاة في الحرمين.

قال المسعودي : كتب بريحة إلى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منها ، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير ؛ وتابع كتبه إلى المتوكل بهذا المعنى(3) .

وقال الشيخ المفيد : سعى بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وكان يقصده بالاذى(4) .

وقال اليعقوبي : كتب إلى المتوكل يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام(5) .

ومهما يكن فان أفعال الوشاة توقظ شكوك المتوكل وأحقاده وتثير توجّسه الكامن في نفسه تجاه الإمامعليه‌السلام .

كتاب الاستدعاء

ذكر الشيخ المفيد أنه لما بلغ أبا الحسنعليه‌السلام سعاية عبد الله بن محمد به ، كتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويكذبه في ما وشى به إليه ، فتقدم

__________________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 414 / 19 ، الثاقب في المناقب : 557 ، كشف الغمة 3 : 185 ، بحار الأنوار 50 : 155 / 44.

(2) أو بريهة ، راجع : الكامل في التاريخ 6 : 245.

(3) إثبات الوصية : 233.

(4) الإرشاد 2 : 309.

(5) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

٥٠

المتوكل باجابة الإمامعليه‌السلام بكتاب دعاه فيه إلى حضور العسكر على جميل الفعل والقول(1) . ثم أورد نسخة الكتاب.

وكان جواب المتوكل الذي استدعى بموجبه الإمامعليه‌السلام إلى سامراء هادئاً ليناً ، تظاهر فيه بتعظيم الإمامعليه‌السلام وإكرامه ، ووعده فيه باللطف والبرّ ، وذكر فيه براءته مما نسب إليه واتهم به من التحرك ضد الدولة ، وانه أمر بعزل الوالي الذي سعى به ـ وهو عبد الله بن محمد ـ عن منصبه وولّى محلّه محمد بن الفضل ، وادّعى في آخر الكتاب أنّه مشتاق إلى الإمامعليه‌السلام ، ثم أفضى إلى بيت القصيد وهو أن يشخص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه ، وأن يرافقه يحيى بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة على رأس الجند.

ولا يعدو كتاب المتوكل كونه مناورة حاول الالتفاف من خلالها على الإمامعليه‌السلام واحتواء نشاطه ، أو قل هو صيغة دبلوماسية من قبيل ذرّ الرماد في العيون ، إذ لم يكن المتوكل صادقاً فيما وعد ، فحينما دخل يحيى بن هرثمة المدينة فتّش دار الإمامعليه‌السلام حتى ضجّ أهل المدينة ، ولما وصل ركب الإمامعليه‌السلام إلى سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول ، ونزل الإمامعليه‌السلام الإمام في خان الصعاليك ، وأمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولم يمض مزيد من الوقت حتى عزل محمد بن الفضل وولى مكانه محمد بن الفرج الرخّجي المعروف بعدائه السافر لآل البيتعليهم‌السلام (2) .

__________________

(1) الإرشاد 2 : 309 ، وراجع نسخة كتاب المتوكل أيضاً في أصول الكافي 1 : 501 / 7 ، والفصول المهمة 2 : 1069.

(2) قال ابن كثير : كان المتوكل لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد ، البداية

٥١

ويبدوا أن المتوكل قد صاغ كتابه بصيغة الرجاء ، وكأنه ترك للإمامعليه‌السلام الخيار في الشخوص أو البقاء ، غير أنه الاكراه بعينه ، إذ أنه بعث الكتاب مع الجند وقادتهم الذي أرسلهم لأداء مهمة إشخاص الإمام ، ثمّ ( إن الإمام إن لم يذهب حيث أمره يكون قد أثبت تلك التهمة على نفسه ، وأعلن العصيان على الخلافة ، وكلاهما مما لا تقتضية سياسة الإمام )عليه‌السلام (1) .

ولعل أوضح دليل على إلزام الإمامعليه‌السلام بهذا الأمر هو تصريحهعليه‌السلام بذلك في حديث رواه المنصوري عن عم أبيه أبي موسى ، ثم قال : « قال لي يوماً الإمام علي بن محمدعليهما‌السلام :يا أبا موسى ، اُخرجت إلى سرّ من رأى كرها ً »(2) .

الامام العسكري يرافق أباه عليهما‌السلام

رافق الإمام العسكري أباه الإمام الهاديعليهما‌السلام في رحلته من المدينة إلى سامراء مع أهل بيته وبعض مواليه ، وقد اختلف في عمرهعليه‌السلام حينذاك نظراً للاختلاف في تاريخ رحلة الإمامعليه‌السلام .

__________________

والنهاية 10 : 316 ، فان كان ذلك حقاً ، فلا أدري كيف يوافق الإمام أحمد على تولية أمثال : محمد بن الفرج الرخجي ، والد يزج الذي هدم قبر الحسينعليه‌السلام ، وأبي السمط مروان بن أبي الجنوب الذي ولاه على اليمامة والبحرين ، وابن اُترجة الذي ولاه الحرب والصلاة في الحرمين وغيرهم من النواصب ؟! فإنّ أراد المبالغة في مدح المتوكل الناصبي فقد عرّض بالإمام أحمد وأساء إليه ، وإن كان قوله حقاً فعلى أمثال الإمام أحمد العفا.

(1) تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر : 107 ـ دار التعارف ـ بيروت ـ 1412 ه‍.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 449 ، بحار الأنوار 50 : 129 / 8.

٥٢

ذكر المسعودي أنه شخص الإمام الحسن العسكري بشخوص والدهعليهما‌السلام إلى العراق في سنة 236 ه‍ وله أربع سنين وشهور(1) .

وذكر الطبري أنه قدم يحيى بن هرثمة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسى ابن جعفر سنة 233 ه‍(2) ، وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو سنة واحدة ، وعلى ضوئه ذكر ابن كثير أن مدة إقامة الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء أكثر من عشرين سنة. قال في أحداث سنة 254 ه‍ ، وهي السنة التي توفي فيها الإمام الهاديعليه‌السلام : نقله المتوكل إلى سامراء ، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر ، ومات في هذه السنة(3) ، وكذلك ذكر ابن طولون أنهعليه‌السلام أقام في سامراء عشرين سنة وتسعة أشهر(4) .

أما الشيخ المفيد فقد ذكر نسخة كتاب الاستدعاء الذي كتبه المتوكل. وورد في ذيله أن كاتبه إبراهيم بن العباس كتبه في سنة 243 ه‍(5) . وأكّد هذا التاريخ باعتبار أن مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء إلى أن قُبض عشر سنين وأشهراً(6) . وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام عندما غادر المدينة أحد عشرسنة وبضعة شهور.

ويبدو أن الشيخ المفيد استفاد من رواية الكافي لنسخة كتاب المتوكل ،

__________________

(1) إثبات الوصية / المسعودي : 244.

(2) تاريخ الطبري 9 : 163 ـ حوادث سنة 233 ه‍.

(3) البداية والنهاية 11 : 15 ـ حوادث سنة 254 ه‍.

(4) الأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام / لابن طولون : 109 و 113 ـ بيروت ـ دار صادر.

(5) الإرشاد 2 : 310.

(6) الإرشاد 2 : 312.

٥٣

والتي ورد فيها اسم كاتب المتوكل ( إبراهيم بن العباس ) في ذيل الكتاب إلا أنه يخلو من التاريخ ، لكن جاء في أول رواية الكافي ما يلي : عن محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، قال : أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث من يحيى بن هرثمة في سنة 243 ه‍(1) ، وواضح أن هذا هو تاريخ أخذ نسخة الكتاب لا تاريخ كتابته ، ويؤيده أن ابن هرثمة هو الذي أخذ الكتاب إلى المدينة لاستدعاء الإمامعليه‌السلام إلى سامراء ، فكيف تؤخذ نسخة الكتاب منه قبل إنهاء مهمته ؟!

ورجّح السيد محمد الصدر أن تاريخ الرحلة كان سنة 234 ه‍ ، وإذا صحّ ذلك فسيكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين ، وترجيحه مبنياً على اعتبارين ؛ الأول : ما ذكره ابن شهر آشوب من أن مدة مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء من حين دخوله إلى وفاته عشرون سنة(2) ، فإذا كانت وفاته 254 ه‍ ، تكون سفرته سنة 234 ه‍ ، الثاني : كون هذا التاريخ أنسب بالاعتبار السياسي ، لأنه بعد مجيء المتوكل إلى الخلافة بعامين ، فيكون المتوكل قد طبّق منهجه في الرقابة على الإمامعليه‌السلام في الأعوام الاولى من خلافته ، بخلاف رواية المفيد التي تبعد بالتاريخ عن استخلاف المتوكل أحد عشر عاماً(3) .

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 501 / 7 ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام من كتاب الحجة.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 433.

(3) تاريخ الغيبة الصغري 2 : 107 ـ 108.

٥٤

من المدينة إلى سامراء

ذكر المسعودي « أن يحيى بن هرثمة قدم المدينة ، فأوصل الكتاب إلى بريحة ، وركبا جميعاً إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأوصلا إليه كتاب المتوكل ، فاستأجلهما ثلاثاً ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيى إلى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات الله عليه متوجهاً نحو العراق ، وأتبعه بريحة مشيعاً ، فلما صار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك ، وعليَّ حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين أو إلى أحد من خاصته وأبنائه ، لأجمرنّ نخلك ، ولأقتلنّ مواليك ولأعورنّ عيون ضيعتك ، ولأفعلن وأصنعن.

فالتفت إليه أبو الحسنعليه‌السلام فقال له :إن أقرب عَرضي إياك على الله البارحة ، وما كنت لأعرضنك عليه ثم لاشكونك إلى غيره من خلقه . فانكبّ عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له :قد عفوت عنك »(1) . وهكذا تجد بريحة يهتزّ من كلام الإمامعليه‌السلام فينكبّ عليه ويتضرع إليه ، رغم أنّه في موقع القوة ، وهذه هي هيبة أولياء الله في قلوب أعدائه ، وتلك هي أخلاقهم وسماحتهم لمن أساء إليهم.

ونقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير : « أن المتوكل دعا يحيى بن هرثمة وقال : اذهب إلى المدينة ، وانظر حاله وأشخصه إلينا ، قال يحيى : فذهبت إلى المدينة ، فلما دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ، وقامت الدنيا على ساق ، لأنّه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ، ولم يكن

__________________

(1) إثبات الوصية : 233.

٥٥

عنده ميل إلى الدنيا.

قال يحيى : فجعلت اُسكّنهم وأحلف لهم أنّي لم اُؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثمّ فتّشت منزله ، فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد فقال لي : يا يحيى ، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تعلم ، فإنّ حرّضته عليه قتله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه إلا على كلّ أمر جميل ، ثم صرت به إلى سرّ من رأى ، فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله ، فقال : والله لئن سقط منه شعره لا يطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق »(1) .

هذا الخبر يدل على الموقع الذي يشغله الإمام الهاديعليه‌السلام في نفوس الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم على اختلاف توجهاتهم ، وذلك من خلال إحسانه إليهم ورعاية اُمورهم وتأثّرهم بخصائص شخصيته الباهرة ، ممّا جعله في موقع محبة الناس كلهم ، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفاً على حياة إمامهمعليه‌السلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته وممارساته ، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم أنه لم يؤمر فيه بمكروه ، وتأثّر ابن هرثمة بعظمة الإمامعليه‌السلام أيضاً فتولّى خدمته بنفسه وأحسن عشرته ، وهكذا امتدت محبة الإمامعليه‌السلام وتعظيمه إلى حاشية المتوكل في بغداد وسامراء.

وتتجلّى مظاهر الحب والتعظيم أيضاً في تشوق الناس من أهالي بغداد إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، مروج الذهب 4 : 422 نحوه.

٥٦

الإمام الهاديعليه‌السلام واجتماعهم لرؤيته ، مما اضطرهم إلى دخول البلد ومغادرته في الليل ، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي « أنه لما كان في موضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب إسحاق بن إبراهيم الطاهري لتلقيه ، فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرّ من رأى »(1) .

في سامراء :

حينما وصل ركب الإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء تقدّم المتوكّل بأن يُحجَب عنه في يومه ، واُنزل في خان يُعَرف بخان الصعاليك(2) ، فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكل بافراد دارٍ له ، فانتقل إليها ، فأقام أبو الحسن مدة مقامه بسرّ من رأى مكرماً معظماً مبجلاً في ظاهر حاله ، والمتوكل يبغي له الغوائل في باطن الأمر ، ويجتهد في ايقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس ، فلا يتمكن من ذلك ولم يقدره الله عليه(3) .

والظاهر أن المتوكل أمر أولاً بجحز الإمامعليه‌السلام وفرض الإقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق ، ثمّ أنه لما سمع الاطراء من قادة الجند الموكلين به ، صار مضطراً إلى إكرامه ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير عن يحيى بن هرثمة أنه قال : « لمّا دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

(2) راجع : أصول الكافي 1 : 498 / 2 باب أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من ـ كتاب الحجة ، بصائر الدرجات / للصفار : 426 / 7 و 427 / 11 ـ مؤسسة الأعلمي ـ طهران ، الخرائج والجرائح / للقطب الراوندي 2 : 680 / 10.

(3) الإرشاد 2 : 311 ، الفصول المهمة 2 : 1070 ، إعلام الورى 2 : 126.

٥٧

طريقته وورعه وزهادته ، وأني فتّشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وأن أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل برّه ، وأنزله معه سر من رأى »(1) ، لتمرير مخططه القاضي بعزل الإمامعليه‌السلام ومراقبته.

مداهمة دار الامام عليه‌السلام :

تقوم أجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء ، وعلى رأسها الوشايات التي ترتفع إلى المتوكل من النواصب المحيطين به ، فتثير في نفسه كوامن الخوف والشك والحقد التي اشتملت على كيانه وأحاطت جوانبه ، فيأمر بكبس داره ، وفي كلّ حوادث الدهم التي تعرّضت لها دار الإمام يرجع المأمورون وبالتالي الوشاة بالخيبة والفشل الذريعين ، لأنهم لم يجدوا شيئاً مريباً ولا أيّ نشاط غريب ، وليس ثمة إلا الإمامعليه‌السلام وهو يتلوا القرآن أو يقيم الصلاة.

عن إبراهيم بن محمد الطاهري ـ في حديث طويل ـ قال : « سعي البطحاني(2) بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلاً عليه ، وياخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه. قال إبراهيم : فقال لي سعيد الحاجب : صرت إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، ونحوه في مروج الذهب 4 : 422.

(2) في الكافي : البطحائي العلوي ، وهو يشير إلى أن الدولة تستعمل الضدّ النوعي للتجسس على الإمام ، الأمر الذي تمارسه حكومات الطغيان والاستبداد في هذا الزمان.

٥٨

دار أبي الحسن بالليل ، ومعي سُلّم ، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن من الدار :يا سعيد ، مكانك حتى يأتوك بشمعة ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّه صوف وقلنسوة منها ، وسجادته على حصير بين يديه ، وهو مقبل على القبلة. فقال لي :دونك البيوت ، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئاً »(1) .

ومرة اُخرى وشي بالإمامعليه‌السلام إلى متوكل ، فأرسل الأتراك على حين غرّة إلى دار الإمام ، وقد أمرهم هذه المرة بحملهعليه‌السلام إليه حتى وإن لم يجدوا ما يثير الريبة والاستغراب ، ذلك لأنّه كان عازماً على الاستخفاف بالإمامعليه‌السلام بطرق اُخرى أمام ندمائه حينما لم يجد متسعاً لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة ، وما كان يتوقع أن الإمامعليه‌السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة على أسماعه وأسماع ندمائه ، لأنها تصور ما سيؤول إليه أمره وأمر أمثاله من الطغاة عبيد الأهواء والشهوات.

روى المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد ، قال : « قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل ، وقيل له : إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، وعليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من الصوف

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 499 / 4 باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 303 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 / 8.

٥٩

متوجهاً إلى ربه ، يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما هو عليه ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال :يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قطّ فاعفني منه ، فعفاه وقال : انشدني شعراً أستحسنه ، فقال :إني قليل الرواية للأشعار . فقال : لابد أن تنشدني. فأنشده :

باتوا على قُلل الأجـبال تحرسهم

غلب الرجـال فمـا أغتنهم القللُ

واستنزلوا بعد عـزّ مـن معاقلهم

وأسكنوا حفراً يا بئس مـا نزلوا

ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا

أين الأسرةُ والتيجانُ والحـللُ

أين الوجوه التي كانـت منـعّمة

من دونها تضرب الأستار والكللُ

فأفصح القبر عنهم حـين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الـدود يـقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً ومـا شربوا

فأصبحوا بعد طول الإكل قد أكلوا

     
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215