تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة27%

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
ISBN: 964-297-132-5
الصفحات: 215

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96310 / تحميل: 6353
الحجم الحجم الحجم
تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

تاريخ مقام الامام المهدي (عج) في الحلة

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٢٩٧-١٣٢-٥
العربية

تاريخ مقام

صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

تأليف

أحمد علي مجيد الحلي

١

٢

الاهداء :

الى الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملاذ المؤمنين.

إن حقوق إمامنا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه علينا كثيرة :

فهو العمود بين السماء والارض

وهو الشمس التي حجبتها غيوم ذنوبي الكثيرة.(١)

نأي حقٍّ منه لا أستطيع أن أقابله بالشكر والاحسان.

فكل شكر اليه ، هو بالحقيقة منه واليه.

ويقال إن النبي سليمان بن داودعليه‌السلام قَبل هدية القنبرة.

وكانت تلك الهدية جراده.

فعلّ إمام زماني يقبل هديتي هذه المتواضعة فهي منه واليه.

وهديتي له عبارة عن بحث بتاريخي عن مقامه عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة الفيحاء.

ليفي لنا الكيل ويتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين.

إذ مسنا الضر وهو الرحمة للعالمين.

خادخه

احمد علي مجيد

 __________________

١ ـ اشارة الى الحديث المروي عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف : « واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالأنتفاع بالشمس اذا غيبتها السحاب عن الابصار » كشف الغمة ، ج ٣ ، ص ٣٤.

٣
٤

الدرة البيضاء :

هذه إضمامة عطرة تفضل بها سماحة العلامة الجليل السيد(١)

مور خابها عملنا المتواضع هذا قائلاً :

بِيَراع أحمدَ خُطَّ سَفْرُ فَوائِدٍ

هُوَ ( مَصْدَرٌ ) للباحِثْينَ و( مَوْرِدُ )

لـِ ( مَقامِ مَهْدي الهُدى ) سَطَعَتْ بِهِ

أنْوارُ قُدْسِ للضَلالِ تُبَدَّدُ

ذاكَ الّذِيْ في الحِلَّةِ الفَيْحاءِ قَدْ

باهى بِهِ تَأرِيْخُهُ المُتَجَدِّدُ

تمضِي القُرُوْنٌ ونَشْرُهُ مُتَأرِّجٌ

وَ الذِكْرُ مِنْهُ في الزَّمانِ مُخَلّدُ

هُوَ للمِلائِكِةِ ( المَطافُ ) فَرُكَّع

مِنْهُم بِذَيّاكَ ( المَقامِ ) وسُجَّدُ

وَ لِشِيْعَةِ الكَرّارِ فيهِ تَضُرُّعٌ

وَ تَوَسُّلٌ وتَبتُّلٌ وتَهَجُّد

قَدْ فازَ أحْمَدُ مُذْ تَتَبَّعَ جاهِدا

حَرَماً لِنِسْبَتهِ الدَّليلُ يُؤكَّد

أكْرمْ بِهِ إذْ أرَّخُوْا : مْنَ فائِزٍ

بالدُّرَّةِ البَيْضاءِ وافى أحْمَدُ

٩٠ + ٩٨ + ٢٤٢ + ٨٤٥ + ٩٧ + ٥٣ = سنة ١٤٢٥ هـ

و من غريب اتفاق هذا التاريخ ان لي أخا في الله اسمه فائز وهو أول ومن شجعني على كتابة هذا الكتاب ، دون علم السيد المؤرخ لهذا الكتاب ، فخرج تاريخ اتمام الكتاب ، باسم فائز والحمد ولله رب العالمين.

* * *

__________________

١ ـ والسيد هذا هو من نزلاء مدرسة الامام الاكبر الشيخ محمد حسين آل كشف الغطاء ، في النجف الأشرف ومن تواضعه ، طلب مني أن لا أذكر اسمه رغم شهرته.

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمةالمركز:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين المنتجبين ولا سيما صاحب العصر وناموس الدهر بقية الله في أرضه وحجته على عباده سمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيه الحجة بن الحسن المهدي العسكري أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

و اللعنة الدائمة على أعداءهم أجمعين من الأولين والآخرين خاصة المنكرين للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف والمشككين فيه.

من الأمور الثابتة عن أهل بيت العصمة والطهارة الندب الى احياء امرهم والتأكيد عليه حيث ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال : « احيوا أمرنا رحم الله من احيا امرنا » وورد عنهعليه‌السلام انه قال لبعض اصحابه « تجلسون وتتحدثون قال نعم جعلت فداك قال : ان تلك المجالس أحبها » وهذه النصوص وغيرها تكتشف بما لا يشبه شك اهمية احياء أمرهم صلوات الله عليهم بين مختلف الطبقات الاجتماعية والعلمية والفكرية ، والتأكيد على مسألة التذكير بهم ويمناقيهم وخصوصياتهم بالدعوة المتكررة منهمعليه‌السلام لحضور مواليهم في مقاماتهم وزيارتها وعمارتها وتوجيه اذهان الأمة الى اهميتها لما في تشييد المقامات المنسوبة لأهل الكمالات من دور مهم في شد الناس الى دينهم والى أئمتهم وهو منهج الهي أول من أمر به واسسة الله تبارك

٧

وتعالى حيث جعل الكعبة البيت الحرام محلاً يؤمه الحجيج لا لحاجة منه اليهم بل لتوثيق ارتباطهم بربهم ولم يكن هذا المورد خاصاً بالبيت الحرام بل هناك مجال اخر دعى الله فيها بعض الأنبياء ان يجعلوا من بعض الأماكن محالاً تكون عنصرا لتوثيق الترابط بين العباد وربهم حيث قال تبارك وتعالى مخاطبا موسى وهارونعليها‌السلام ( وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ) وقال :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلى ) .

وأثنى الله تبارك وتعالى على الذي بنى مسجداً على الكهف الذي لجأ اليه الصالحون بعد ان بعثهم من ليثهم فيه ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً ( لنتخذن عليهم مسجدا ).

وقد شاع بين المسلمين زيارة قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاحتفاء به والتبرك بالمساجد التي صلى فيها او زيارة قبور الشهداء لما لها بالاضافة الى بعدها الديني والتاريخي من دور مهم في ربط العباد بربهم ودينهم وتأكيد عقيدتهم وحفظ سلامة مسيرتهم الفكرية والعلمية والعقائدية.

وقد اهتم الأئمةعليه‌السلام تأسيا بالرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاهتمام بالمواضع ذات البعد الديني حيث اشتهر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه كان يحتفظ بشيء من تراب الموضع الذي استشهد فيه الامام الحسينعليه‌السلام بعد عشرات السنين ، ووقف أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد فاضت به الالام والحسرة عند مروره في كربلاء عند المواضع الذي سيضم شهداء العترة الطاهرة.

ومن المواضع التي كانت محل اهتمام أهل البيتعليهم‌السلام المواضع التي تخص ايام الظهور المبارك للمولى صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فنجد في روايات متعددة الاشادة بمسجد السهلة ومسجد الكوفة لكون الأول محل سكناه والثاني موضع حكمه صلوات الله عليه.

٨

بل هناك اهتمام خاص من الناحية المقدسة عجل الله تعالى فرجه الشريف في بعض المواضع والمحال والتي منها مسجد جمكران في مدينة العلم والفقاهة قم المشرفة حيث وردت الروايات عن الثقات والاجلة بان امربناء هذا المسجد الشريف كان صادراً عنه صلوات الله عليه.

و من هنا فان مسألة الاهتمام بالمواضع المنسوبة للامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف يجب ان تنال الاهتمام اللائق بها لعدة أمور :

١ ـ ان الاهتمام بهذه الاماكن من شأنه ان يوثق ارتباط الناس بالإمام المهديعليه‌السلام وهو أمر مندوب شرعاً.

٢ ـ ان هذه المواضع لما لها من اهمية وقدسية يجب ان تكون مركزاً لنشر العقيدة وبناءها بناء صحيحاً.

٣ ـ الاهتمام بهذه المقامات بالاضافة الى دوره العلمي والفكري والعقائدي من شأنه ان يحفظ التراث الشيعي الذي غالبا ما يتعرض بسبب السياسات الهوجاء للنواصب للتدمير والتضيع.

٤ ـ ان هذه المقامات تكشف عن البعد الحضاري للشيعة وتكشف بالملازمة عقيدتهم بائمتهم خاصة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

٥ ـ ان هذه المواضع لم تأت من عدم بل هي محال لنزول الفيوضات واجابة الدعوات وحل المشكلات ومثل هذه المواضع لا يصح اهمالها وتركها لما لها من آثار مهمة.

و مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لما يشعر به من اهمية نشر العقيدة في الإمام المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء واهمية احياء كل ما له علاقة به صلوات الله عليه تبنى نشر ما خطه يراع الأخ الفاضل أحمد

٩

الحلي الذي قدم دراسة وافية حول تاريخ مقام الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة وضم اليه جملة من الأبحاث الأخرى التي جعلت من الكتاب مفتاحا لمن يريد دراسة تاريخ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف والحلة الفيحاء المحروسة.

و في الختام نسأل الله تعالى أن يجعل اعمالنا موضع رضا سيدنا ومولانا صاحب العصر صلوات الله عليه وان يوفقنا ان نكون جنوداً في الذود عن ساحه قدسه وان يرزقنا في الدنيا رؤيته ونصرته ويمتعنا بالطافه ورعايته ، ويرزقنا في الآخرة شفاعته وشفاعة آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

مدير المركز

المسيد محمد القبانچي

 

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

الحمد لله الذي جعل الكرامات لأصحاب المقامات وخصهم بالمآثر الخالدات والصلاة والسلام على فخر الكاثنات وعلة الموجودات سيد الانام المظلل من حر الهجير بالغمام محمد بن عبد الله المؤيد بالبراهين والمعجزات وعلى آله الطاهرين أئمة الخلق المعصومين من كل رجس وهنات وبعد :

فان العناية بآثار أولياء الله والاهتمام بتعظيمها من الامور الازمة لأن فيها إعلاءً لشعائر الله تعالى كما يستأنس بذلك بقوله تعالى( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (١) وان من الآثار الخالدة والمقامات المقدسة هو مقام بقية الله في أرضه الخلف الصالح إمامنا المهدي عجل الله فرجه وسهل الله مخرجه في الحلة الفيحاء هذا المقام الشريف الذي مرت عليه قرون متطاولة وهو قائم يطاول عوادي الزمن ويتحدى عبث الصروف وكنت منذ حقبة من الزمان مولعاً بتتبع آثاره وتنسم أخباره ، فلم أجد سفراً يضم بين دفتيه ما يتعلق به ويستوفي تاريخه ، بل ألفيت أخبارا متناثرة هنا وهناك لاتشبع نهم الباحث ولاتروي ظمأالمتتبع فحزّ في نفسي أن يظل تاريخ المقام الشريف في زاوية الظل لم تسلط عليه الاضواء الكاشفة فهزني باعث الولاء لعترة النبي النجباء الا أن أتتبع أخبار هذا المقام المبارك باحثاً في بطون الكتب القديمة والحديثة من مخطوط ومطبوع ولم أكتف بما وقفت عليه من مصادر في مكتبات

__________________

١ ـ البقرة : ١٢٥.

١١

العراق بل سافرت الى بلاد اخرى منقباً في مخطوطاتها ومطبوعاتها مستفيدا من بعض الاشارات في الوقوف على مظان الفائدة مما يتعلق بهذا الاثر الخالد ، وشفعت ذلك باستحفاء السؤال من الباحثين المحققين والشيوخ المعمرين من أهل الحلة في ما يتصل بموضوع هذا البحث ، ومن الجديد فيما قمت به في هذه الدراسة الرائدة اني وقفت على أقدم تاريخ يشار فيه الى مقام المهدي هذا ويعود الى ما قبل سنة ٦٣٦ هـ بالبحث الميداني مع الاحتفاظ بفضل العلامة الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم باشارته الى هذا التاريخ نقلا عن السيد حسن الصدر عن مصادره المخطوطة ، ومن الجديد فيها أيضاً اني حاولت جاهداً جمع المخطوطات التي أشارت الى موضوع البحث ورتبتها ترتيباً زمنياً كما سيراه القاريء الكريم ولم تفتني الاستفادة من بعض الحكايات المروية في الكتب القديمة ، كما استطردت الى ذكر مساحة المقام وانها كانت واسعة جداً بحيث انها كانت تشتمل على مدرسة علمية معروفة تعرف بـ ( مدرسة صاحب الزمان ) وقد وثق هذا التحقيق ماذكر في جملة من المخطوطات انها كتبت في تلك المدرسة وألمحت في ضمن هذه الدراسة الى مايتعلق بالجامع المجاور للمقام الشريف ، وقد قسمّت بحوث الكتاب على اثني عشر باباً :

الباب الأوّل : ( الحلة مدينة النور الذي لا يطفئ ).

الباب الثاني : ( في معرفة تأريخ المقام من خلال المخطوطات ).

الباب الثالث : ( في ذكر تأريخ المقام من خلال الحكايات ).

الباب الرابع : ( في ذكر من زار مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ).

الباب الخامس : ( في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداء في الحله ).

١٢

الباب السادس : ( في ذكر المساحة الاصلية للمقام وتأريخ الجامع الكبير المجاور له ).

الباب السابع : ( في ذكر مدرسة صاحب الزمان أروحنا فداه المجاورة للمقام ).

الباب الثامن : ( في ذكر سدنة وأوقاف مقام صاحب الزمان أروحنا فداه في الحلة ).

الباب التاسع : ( في موقع ووصف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ).

الباب العاشر : ( في عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا صاحب الزمان أروحنا فداه في هذا المقام ).

الباب الحادي عشر : ( في ذكر من شاهد الامام صاحب الزمان أروحنا فداه من أهل الحلة ) مع ذكر ملحق يتضمن ذكر المشاهد المشرفة في مدينة الحلة الفيحاء.

الباب الثاني عشر : ( في ذكر صور فوتغرافية وصور لمخطوطات تخص المقام ).

وقبل الختام التمس من اخواني المؤمنين ولا سيما أهل البحث والتحقيق أن ينبهوني على ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود مما طغى به القلم وزاغ عنه البصر فأن الانسان موضع الغلط والنسيان والكمال لله والعصمة لأهلها ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

المؤلف

أحمد علي مجيد

 

١٣
١٤

الباب الأول

الحلة مدينة النور الذي لا يطفئ

١٥
١٦

الحلة لغوياً :

الحلة : بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ، تقال على عدة أشياء :

١ ـ القوم النزول وفيهم كثرة.

٢ ـ شجر شائك أصغر من العوسج.

٣ ـ علم لعدة أماكن :

أ ـ حلة بني قيل بشارع ميسان بين واسط والبصرة.(١)

ب ـ حلة بني دبيس بن عفيف الاسدي ،(٢) قرب الحويزة بين واسط والبصرة والاهواز.

ج ـ الحلة ، قرية كبيرة قرب الموصل تسمى حلة بني الرزاق.(٣)

د ـ حلة بني مزيد ، وهي المقصودة بالبحث هنا وكانت تسمى الجامعين.

قال الحمـوي في كتاب ( معجم البلدان ) ماملخصه : إن الحلة مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمى الجامعين ، وكان أول من عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد(٤) الاسدي وذلك في محرم سنة ٤٩٥ هـ وكانت أجمة تأوي اليها

__________________

١ ـ قد ذكرت بكتاب ( تقويم البلدان ) بحلة بني صلد ، راجع رياض العلماء ١/٣٧٠.

٢ ـ ورد في المصدر السابق ( الاشعري ) ، فلاحظ.

٣ ـ انظر : المصدر السابق.

٤ ـ ورد اسمه في المصدر السابق ( مؤيد ) والاصح ( مزيد ) ، فلا حظ.

١٧

السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة وتأتق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأ وقد قصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة حياة سيف الدولة.(١)

أقول : نورد هنا عدة فوائد ،منها انها سميت ب ( الحلة السيفية ) ، نسبة الى ممصرها سيف الدولة صدقة ، وأول من سمّاها بالسيفية الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديث مدح الحلة الذي نذكره في الباب الثاث من كتابنا هذا ، ومنها انها سمّيت بـ ( المزيدية ) ، نسبة الي الجد الاعلى لموسسها لصدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد.

ومنها ان ( الجامعين ) ذكرت في كتاب ( التاريخ الكامل ) لأبن الاثير قبل سنة ٤٩٥ هـ(٢)

موقع الحلة : هي بين النجف وبغداد ، فهي تبعد عن بغداد نحو ١٠٠ كم ، وعن النجف نحو ٦٠ كم وعن بابل نحو ٧ كم.

الحلة بلدة النور : الحلة ، هي وريثة بابل ، وكانت بابل وسوراء وحواليهما معقل العلم قبيل الاملام وبعده ومركز الاصطكاك العقلي بين مفكري الامم من الهند وايران من الشرق والسريان والآراميين من الغرب ، ثم صارت معقل الشيعة ، ومنها كان الشيعة ببغداد يستلهمون المنعة والقوة ، وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم وإحراق مكتباتهم والتجاء الشيخ الطوسيرحمه‌الله منها الى النجف في سنة ٤٤٨ هـ ، تعاون المزيديون والاكراد الجاوانيون القاطنون بمطير آباد وأسد آباد والنيل

__________________

١ ـ انظر : تاريخ الحلة ج ١/ ص ١ ، كذلك سفينة البحار ط ، ح ، ج ٢/ ص ٢٩٩.

٢ ـ انظر : تاريخ الحلة ج ١/ ص ١.

١٨

حوالي بابل ، مع السباسيري ببغداد فألغوا الخلافة العباسية في سنة ٤٥٠ هـ وخطبوا للمستنصر الفاطمي ، ثم بعد قتل السباسيري ورجوع الاتراك السلجوقيين والخلافة العباسية الى بغداد ، قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلة ، فصارت مركز الشيعة وذلك في المحرم سنة ٤٩٥ هـ وبقيت كذلك حتى سقوط بغداد ٦٥٦ هـ(١)

فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلمية ومثابة لطلاب العلوم الدينية ودارسي فقه آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد بلغت أوجها في هذا المضمار في القرن السابع الهجري ، وكان لامتيازها هذا بواعث وأسباب منها : كونها من معاقل الشيعة الامامية منذ تأسيسها حتى اليوم ومنها ، قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم وما زالت ، فان هذا القرب كان له الاثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل بين الحاضرتين الشيعي تين ، ال نجف والحلة ، فان يأفل نور العلم فيها فتلك قبور العلماء فيها زيت النور ، وإن يخفت مرة أخرى فهاهم طلبة العلم من الحليين في النجف لأخذ العلم اليها ، كي لا يطفيء فيها نور العلم ، منذ تأسيسها وإلى الآن.

 * * *

__________________

١ ـ انظر : الانوار الساطعة ص ٨.

١٩
٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

سَمُوم(١) الجَوْزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا انّ أخاك(٢) عثمان أصبحَ منك بعيداً ، فصرتُ بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي إليه فتستكنُّ به ، فأني اراك على التراب رقُودا ، وكيف بالرُّقادِ بك ؟ لا رُقادَ لك ! فلو قد استتبَّ هذا الامر لِمُريده اُلْفِيتَ كشريد النعام يفزَع من ظلّ الطائِر ، وعن قليل تشربُ الرَّنق(٣) ، وتستشعر الخوف(٤) ، ألا وانّي أراك فسيحَ الصَّدر ، مُسترخي اللَّبَب(٥) ، رَحُوَا الحِزام ، قليلَ الاكتراث ، وعن قليل يُجتَث أَصْلُك ، والسلام.

وكتب في آخره هذين البيتين شعراً(٦) :

أخترت نومك ان هبت شامية

عند الهجير وشربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب الى يعلى بن اميّة :

اما بعدُ ، احاطك الله بكلاءته ، وأيَّدك بتوفيقه ، كتبتَ اليّ صبيحةَ وَرَدَ عليَّ كتابُ مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشْرحِ الحال ، وانّه قد طالَ بهِ العمر حتى نقضَت قُواه ، وثقُلت نهضتهُ ،

__________________

(١) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحاً يسيراً فغيرت لون البشرة.

(٢) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه.

(٤) ماء رنق : اي كدر.

(٤) يستشعر الخوف : جعله شعاراً له.

(٥) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٤.

٨١

وظهرت به الرِّعْشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوامٌ لم يكن لهم عنده موضعاً للامامةِ والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألَّبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتُك اليمن ، وطول مدّتك عليها ، ثمّ ترامى بهم الامر حالاً بعد حال ، حتى ذبحوه ذَبْحَ النَّطيحةِ مبادراً بها الموتُ(١) ، وهو مع ذلك صائم ، معانقٌ المصحفَ ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظُمت مصيبةُ الاسلام باستشهاد صهر(٢) الرسول ، والامام المقتول على غير جُرْمٍ سفكوا دمه ، وانتهكوا حُرْمته ، وانت تعلم ان بَيعتَهُ في أَعناقِنا ، وطلب ثأرهِ لازمٌ علينا ، فلا خيرَ في امرئٍ يعدلُ عن الحقِّ ، ويميلُ الى البَاطل ، عن نهج الصّدق ، النارُ ولا العار ، الا واِنّ الله جل ثناؤه لا يرضى بالتَّعذيرِ في دينه ، فشمِّر أطرافَكَ لدخولِ العراقين(٣) ، فأنّي قد كفيتُك الشام واهلها ، واحكمْتُ امرها ، واعلم اني كتبتُ الى طلحة بن عبيدالله ان يَلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دمِ عثمان ، وكتبتُ أيضاً الى عبدالله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهِّل لكم حُزُونة عِتابها واعلم ان القوم فاصدُوك بادئَ بَدْءٍ ، لاستنزاف(٤) ما حوتهُ يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حَسَبِه ، ايدك الله تعالى بمشيئتهِ والسلام ، وكتب في اسفله هذه

__________________

(١) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

(٤) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

٨٢

الابيات شعراً(١) :

ظَلَّ الخليفةُ محصوراً يناشِدُهم

بالله طوراً ، وبالقرآن احيانا

وقد تألَّقَ اقوامٌ على حَنق

عن غير جُرْم ، وقالوا فيه بُهتانا

فقامَ يُذْكرهم وَعْدَ الرسول لهُ

وقولهُ فيه إِسراراً وإِعلانا

فقال : كُفُّوا فإِنّي مُعْتبٌ لكم

وصارِفٌ عنكُم يَعْلَى ومَرْوانَا

فكذبوا ذاك منه ، ثمّ سَاوَرَهُ

مَنْ حَاضَ لبتَّهُ ظُلماً وعُدْوانَا

في اجوبتهم لمعاوية ، قال :

فكتب مروان بن الحكم الى معاوية : اما بعدُ ، فقد وَصَلَ اليّ كتابك ، فنعمَ كتابُ زعيم العشيرة ، وحامي الذِّمارِ(٢) ، فأخْبرك أَن القوم على سننِ استقامةٍ [ إلا شظايا شُعب ](٣) شننت بينهم مَقْوَلي(٤) على غير مجابهةٍ ، حسب ما تقدَّم من أمرك ، فأنما كان ذلك دَسيس(٥) العُصاة ورَمْيَ الجذر من اغصان الدَّوْحة ، ولقد طويْتُ أَدِيمهم على نَغَلِ(٦) يَحلَمُ منه الجلُدِ ، كذبت نَفسُ الضانّ بنا تَرْكَ المظِلمةِ ، وحُبَّ الهُجوع الا تهويمة(٧) الراكب العَجل ، حتى تُجَذَّ الجماجمُ جذّ [ العراجين

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته.

(٤) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

(٤) المقول : اللسان.

(٥) دسيس : إخفاء المكر.

(٦) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغلَ الاديم : فسد في الدباغ.

(٧) التهويم : هز الرأس من النعاس.

٨٣

المهَدَّلة حين ](١) انبياعها ، وانا على صحة نيَّتَي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني. غير سابقك بقولٍ ، ولا متقدّمك بفعلٍ ، وانت ابنُ حرب وطلابُ التِّراتِ(٢) ، وابي الضّيم ، وكتابي إليك وانا كحَرْباء السَّبْسَب(٣) في الهجير ترقُب عين الغزالة(٤) ، وكالسَّبُع المُفلِت من الشرك يَفْرَق(٥) من صوت نفسه ، منتظراً لِمَا تَصِحُّ به عزيمتك ، ويَرِدُ به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(٦) :

أيُقْتلُ عُثمان وتَرْقا دموعُنا

وَنرْقُدُ هذا الليل لا تتنزَّعُ

ونشرب بَرْد الماء ريّاً وقد مَضَى

على ضمأٍ يتلو القُران ويَركعُ

فأنّي ومَن حَجَّ المُلَبُّون بيتهُ

وطافوا به سعياً وذو العرش يسمعُ

سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذَّةٌ

من العيش حتى لا يُرى فيه مَطمَعُ

وأَقْتُلُ بالمظلوم مَن كان ظالماً

وذلك حكمُ الله ما عنه مَدْفَعُ

وكتب عبدُالله بن عامر الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّ امير المؤمنين كان لنا الجَناح الحاضِنةَ تأوي إليها

__________________

(١) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق.

(٢) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر.

(٣) السبسب : المفازة.

(٤) الغزالة : الشمس.

(٥) يفرق : يخاف.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٨٤

فِراخها تحتها ، فلما أقصده السهمُ صرنا كالنعام الشاردِ ، ولقد كنتُ مشرَّد(١) الفكر ، ضال الفهم ، التمِسُ [ دريّة ](٢) استجنُّ بها من خَطَأ الحوادث ، حتى وقعَ اليَّ كتابُك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رُقادي ، فأنا كواجد المحجةِ(٣) كان الى جانبها حائراً ، وكأني اُعاينُ ما وصفت من تصرُّف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعةٌ لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العزِّ احسن من الحياة في الذلِّة.

وانت ابنُ حَرْب فَتَى الحروب ، ونصَّار بني عبد شمس ، والهِمَمُ بك منوطةٌ لأنّك مُنهضُها ، فإذا نهضتُ فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحدٍ من الناس القُعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خِلاف ما كانت عليه عزيمتي :

من طلب العاقبة ، وحُبِّ السلامة قبل قرعِك سُويداء(٤) القلب بسَوْط الملام ، ولنعْمَ مؤدِّب العشيرة انت ، وإنّا لنرجوك بعد عثمان كهفاً لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل. واستجن : استتر.

(٣) المحجة : الطريق الواضح.

(٤) سويداء القلب : حبته.

٨٥

وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :

لا خيرَ في العيشِ في ذلٍّ ومَنْقصةٍ

فالموتُ أحسنُ من ضيْم ومن عارِ

إنّا بنو عبد شمس معشرٌ أنُفٌ

غُرٌّ جحاجحةٌ طُلابُ اوتارِ

واللهِ لو كان ذَميُّ مُجاورنا

ليطلب العَزّ لم نقعد عن الجارِ

فكيف عثمان إذ يدفنُ بمزبلةٍ

على القُمامةِ مطروحاً بها عارِ

فازحف اليّ فاني زاحفٌ لهمُ

بكلِّ ابيض ماضِ الحدِّ بتّارِ(١)

وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّك ابنُ حرب(٢) وسيدُ قريش ، واكملهم عَقْلاً ، واحسنهم فَهْماً ، واصوبهم رأياً ، واعرفهم لحُسن السياسة(٣) ، إذ انت معدن الرِّياسة(٤) ، تُورِد بمعرفةٍ ، وتُصْدر عن مَنْهَلٍ رويّ ، مُنَاويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشِّمال في لُجَّةِ البحر.

كتبت اليّ تذكر كنَّ الجَيش ، ولينَ العيش ، [ فملأتُ بطني على حِمام ](٥) الى مُسكةَ الرَّحق(٦) ، حتى اَفْرِي أوْداجَ قَتلةِ عُثمانرضي‌الله‌عنه

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب : ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : اسدُ قريش عقلاً.

(٣) في الجمهرة : معك حسن السياسة.

(٤) في الجمهرة : وانت موضع الرِّياسة.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة.

(٦) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه.

انظر : اساس البلاغة : ١٥٧.

٨٦

فرْيَ الأهُبَ(١) بشبا الشفار(٢) ، واما اللّينُ فهيهاتَ ، إلا خُفيةَ الموت إذ يرتقبُ غفلة الطالب ، فإنا على مُداجاةٍ(٣) ولم نُبدِ صَفَحاتنا بعدُ ، وليس دون الدَّم بالدم مَزْحَل(٤) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعفَ ذلّ ، أيَخْبطُ قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا(٥) الحذر مع بعدُ مسافة الطَّرد(٦) ، وامتطاء العقبة الكئود(٧) وفي الرحلة ؟

لا دُعيتُ لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حرباً ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألْوَت(٨) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عَقلتُ نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبتُ اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجِّل عليّ بما تتوقاه من رأيك الحسن(٩) ، فإنا منوطون بِكَ منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالفٍ لامرك ](١٠) ، ولم احسب الحالَ يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف

__________________

(١) الاهب : اخذ للسفر أَهبته وتأهب له.

(٢) شبا الشفار : الشفرة الحادة.

(٣) المداجاة : المداراة.

(٤) مزحل : مَبْعَد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه.

(٥) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف.

(٦) طرد : طرده طَرْداً وطَرَداً ، وطرّده وأطرده : ابعده ونحاه.

(٧) العقبة الكئود : الصعبة.

(٨) ألوى بهم الدهر : أهلكهم.

(٩) في الجمهرة : فعجل عليَّ ما يكون من رأيك.

(١٠) لم ترد في الجمهرة.

٨٧

من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

نومي عَليَّ محرّمٌ ان لم أقُمْ

بدم اِبنِ أمِّي من بني العَلاتِ

قامت عليّ إذ قعدتُ ولم أقُمْ

بطلابِ ذاك مناحةُ الامواتِ

عذُبتْ حياضُ الموت عندي بعدما

كانت كريهة مَوْرِد النّهلاتِ

وكتب يعلى بنُ اميّة الى معاوية :

اما بعدُ ، فانا وانتم بني اميّة كالحَجر ، الذي لا يُبْنَى بغير مَدَر(٢) ، وكالسّيفِ لا يقطع الا بضاربه. وصلَ اليّ كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبحَ النطيحة بُودِرَ بها الموتُ ، فاِنّا بني اميّة ، والله لنخرجنّ ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه(٣) وافى بها الهَدْيُ الاجل !!

ثكلتني(٤) من انا ابنها ان نمتُ عن طلب وتر عثمانرضي‌الله‌عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج(٥) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسرُ مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالِهِم ، وانّ لنا واياهم لمعركةً [ نتناحر فيها نحر الجزَّار

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) المدر : قطع الطين اليابس.

(٣) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكّة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة.

(٤) ثكلته امه : فقدته.

(٥) أدلج : سار من أوّل الليل.

٨٨

النقائِع عن قليل تصلُّ لحومها ](١) . وكتب في اسفل الكتاب(٢) :

لِمثْلِ هذا اليوم اُوصي الناسُ

لا يعط ضَيْماً أو يحزَّ الراسُ

وأمّا سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابهِ إليه :

اما بعدُ ، فإنّ الحزمَ في التثبّت ، والخَطأ في العَجلة ، والشُّؤم في البِدار ، واسهم سَهْمك ما لم يَنْبض به الوَترُ ، وان يردَّ الحالَبُ في الضَّرع اللبَنَ ، قد ذَكرتَ ما لعُثمان علينا من الحقوقِ والقرابة فيه ، وانه قُتل فينا ، فهنا خَصلتان ذكْرُهما نقصٌ ، والثالثة تكَذُّبُ(٣) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأيُّ جهة تسلُك فيها ابا عبد الرحمن ؟ رُدِمَت الفجاج(٤) ، واُحْكِم الامرُ عليك ، وَوَلِي زِمامَهُ غيرك ، فدعْ مناوأة من لو كانَ افترش فِراشه صدر الامر لم يعْدل به غيره ، وقلت : كأنّا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حيٌّ من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحقّ ؟ انها خلافة منافية(٥) ، وبالله أقسِمُ قسماً باراً لئن أصبَحت عزيمتك على ما ورد به

__________________

(١) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة.

(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٢١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٣) تكذب : تكلف الكذب.

(٤) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع. وردم : سدَّ.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام عليّعليه‌السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف.

٨٩

كتابك لأَلفَيتكَ في الحالتين طليحا(١) ، وهبني اخالُك بعد خَوْضَ الدماء تنالُ الظفر ، هل في ذلك عوَض من ركوب المآثم ونقص في الدين.

اما انا فلا علي بني اميّة ولا لهم عليّ ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحقّ ، واستَوْهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ](٢) .

[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجِّر مروانُ ينابيعَ الفتن وأجّجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبةُ الندامةُ عمّا قليل يَضَحُ الامر لك والسلام ](٣) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان

قال أبو عليّ أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص »(٤) : ان محمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه كتب الى معاوية بن ابي سفيان :

اما بعدُ ، فانّ الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه

__________________

(١) طلِحَ فهو طليح كقولهم هُزِلَ فهو هَزِيل.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك.

(٣) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣١١ مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة.

(٤) الاختصاص : ١١٩.

٩٠

وعز برهانه ، [ خلق خلقه ](١) بلا عبثٍ منه ولا ضعفٍ في قوةٍ ولا من حاجة له إليهم ، ولكنّه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غويّاً ورشيداً(٢) وشقياً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم فأصطفى وانتخب(٣) محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصطفاه نجيباً وانتجبه خليلاً فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمرهِ رسولاً مصدّقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اوّل من أجاب وصدّق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيّه ووصيّه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عزّوجلّ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، فنصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلاً نفسه بين يديه في ساعةِ الخوف والجوع والجدّ والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته.

وقد رأيتك ايّها الغاوي(٤) تساميه وانتَ انتَ ، وهو هو المبرز(٥) السبّاق في كل حين ، اصدق الناس نيّةً وافضلهم سجيةً واخصّهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل رُوحه حينَ مهاجرته عن اعدائه ، والنائم على

__________________

(١) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص.

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٣) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص.

(٥) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص.

٩١

فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احدٍ ، وابوه الذابُّ اعداء الله عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وعن حوزته ، وانتَ انتَ لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاءِ نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان(١) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي(٢) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وأهل بيته ، والشاهد لعليعليه‌السلام بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهُم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ](٣) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثمّ الويل ، كيف تعدل نفسك بعليعليه‌السلام وهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشرّه ، وانت عدوُّهُ وابن عدوّهِ ، فتمتع بباطلك إذ يمدّك ابن العاص في غوايتك ، وكأنّ اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنّك قد كايدت ربّكَ الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحِهِ وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ](٤) .

__________________

(١) في النسخة [ تؤنيان ].

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٤) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص.

٩٢

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

معاوي ما أمسى هوى يستقيدني

إليك ولا أخفي الذي لا اعالنِ

ولا أنا في الاخرى إذا ما شهدتها

بنكسٍ ولا هيابة في المواطنِ

حللت عقال الحرب جبناً وانّما

يطيبُ المنايا خائناً وابن خائنِ

فحسبك من احدى ثلاث رأيتها

بعينك أو تلك التي لم تعاينِ

ركوبك بعد الامن حرباً مشارفاً

وقد ذميت اضلافها والسناسنِ

وقدحك بالكفين توري ضريمة

من الجهل ادتها اليك الكهائنِ

ومسحُك اقراب الشموس كأنها

تبس بأحدى الداحيات الحواضنِ

تنازع اسباب المروءة اهلها

وفي الصدر داء من جوى الغلِ كامنِ

جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه

فأجابه معاوية بهذا الكتاب(٢) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ](٣) ، اما بعدُ ، وصَلَ(٤) اليّ كتابُك وما ذكرت فيه [ من أنّ الله ](٥) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته

__________________

(١) الاختصاص : ١٢١.

(٢) الاختصاص : ١٢١.

(٣) سقطت من الاختصاص : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني.

(٥) في صفين والاختصاص : ما الله أهله.

٩٣

ووضعته(١) ، فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل(٢) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول(٣) ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّك(٤) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وابوك معاً في حياة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ نرى حقّ عليّ بن ابي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، حتى اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ما اختار الله إليه ، وقد اتمّ له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثمّ قبضه الله إليه ، فكان أوّل من أبتز حقه ابوك وفاروقه(٥) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ](٦) بينهما ، ثمّ انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ](٧) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم(٨) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثمّ قام بعدها عثمانرضي‌الله‌عنه فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي

__________________

(١) في الاصل : ووضعك.

(٢) في صفين : ذكرت حقّ ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل.

(٣) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص.

(٤) في صفين والاختصاص [ الهاً ].

(٥) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص.

(٦) في الاصل : اتفاقاً واتساقاً ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين.

(٧) سقطت من الاصل.

(٨) في الاصل : بايعهما قهراً عليه ، وسلم لهما القيادة جبراً عليه لعدم اتفاق المسلمين معه.

٩٤

وبطنتما له ](١) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ](٢) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك فيه أوّل من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام.

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة

قال المسعودي :

ولمّا ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فهمّا إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا(٣) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان(٤) [ واختصاصه عنّا ببني اميّة ](٥)

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) في الاصل : اليك.

(٣) ورد في البحار : قد رأيت.

(٤) في البحار : ولاية عثمان.

(٥) في البحار : كان في بني امية.

٩٥

دوننا ، وقد منَّ الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولّنا بعض عمّالِك.

فقالعليه‌السلام : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اُشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته.

فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكّة ، فلم يلقيا أحداً من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى مِنّا وإنما صدرت منّا مبايعتنا له كُرهاً منّا وجبراً علينا ، فبلغه قولهما ، فقالعليه‌السلام : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ](١) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوَجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبُعداً لهما وسحقاً(٢) .

فلما بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال :

ان كل واحدٍ منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) انظر بحار الانوار ٣٢ : ٦.

٩٦

للخلافة لانه ابن عبيدالله عمّ عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك.

والله ، انها الراكبةُ الجمل ! لا تحلُّ عقدة ، ولا تسير عقبةً ، ولا تنزل منزلاً إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتَل وليُّهم ، ويهرب تليّهم ، ويرجع عليهم غيهم.

والله ، إنّ طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولربّ عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب !! فهل يعتبر معتبراً ويتفكر متفكراً ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام

حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة

قال الشيخ المفيد; في أرشاده(١) :

لما بلغ أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ثمّ قال :

اما بعدُ ، ايّها الناس(٢) : إنّ الله عزّوجلّ بعث نبيه محمداً صلى الله

__________________

(١) الارشاد : ١٣٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٨ ح ٦٩.

(٢) سقطت من الارشاد.

٩٧

عليه وآله الى الناس كافةً ، وجعله رحمةً للعالمين(١) ، فصدع بما امره بهِ ، وبلغ رسالاته ، فلّم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثمّ [ قبضه الله إليه ](٢) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئاً كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثمّ تولى عثمان ، [ فلما كان ](٣) من امره [ ما ](٤) عرفتموه ، وأتيتموني(٥) ، فقلتم : بايعنا(٦) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى(٧) .

فقلت : لا(٨) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها !! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضاً ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ](٩) طلحة والزبير

__________________

(١) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً.

(٢) في النسخة : قبضه الله.

(٣) في النسخة : فكان.

(٤) في النسخة : ما قد.

(٥) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين.

(٦) في النسخة : بايعناك.

(٧) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك.

(٨) كذا في الاصل : لا يكون ذلك.

(٩) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ].

٩٨

طائعين [ غير مكرهين ] !!.

ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددتُ عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة(١) الغوائل ، فعاهداني ثمّ لم يفيا لي(٢) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي(٣) فعجباً لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ](٤) ، ولستُ بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما.

ولهعليه‌السلام خطبة أخرى

وقالعليه‌السلام في مقامٍ آخر في هذا المعنى ، بَعد أنْ حَمِد اللهَ وأثنى عليهِ ، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ (٥) :

أمّا بعدُ ، أيّها الناس(٦) فانّ اللهَ عزّوجلّ لمّا قَبضَ نبيَّهُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قُلنا نحنُ أَهل بيتهِ وعصبتُهُ وَوَرثتُهُ وأولياؤهُ وأحقُّ [ الناسُ بالامرِ

__________________

(١) في الاصل [ في الامة ].

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجبٍ ] والصواب كما ورد في الارشاد.

(٤) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد.

(٥) الارشاد ١ : ٢٤٥ ، بحار الانوار ٣٣ : ١١١ ح ٨٦.

(٦) لم ترد في الارشاد.

٩٩

والخلافةِ ](١) ، لا نُنازع في حقّهِ وسُلطانهُ ، فبينا نحن [ كذلك ](٢) إذ نفر قومٌ من المنافقين حتى انتزعوا سُلطانَ نبينا منّا ، وَوَلّوهُ غيرنا ، فَبكتْ ـ والله ـ لذلك العُيونُ والقُلوبُ منَّا جميعاً معا ، [ وخشنت ] له الصُّدورُ ، وجَزعَت النَّفوسُ منَّا جزعاً أرغمَ ، وايمُ الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفرِ ويعَور الدْينُ ، لكُنّا قد غيّرنا ذلك بما استطعْنا. وقد بايعتموني الآن وبايعني هذان الرجلان طلحةُ والزّبيرُ على الطَّوْعِ منهما ومنكم [ الايثار ](٣) ، ثمّ نهضا يُريدان ببغيهما(٤) البصرة ، ليُفرّقا جماعتكم ويُلقيا بأسَكم [ بينكم ] ، اللّهم فخُذهما [ بغشّهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة(٥) .

ثم قالعليه‌السلام : انفروا(٦) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ](٧) .

ومن كلامهعليه‌السلام

فخرجا يجران(٨) حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، كما تجرُّ الأَمَةُ عندَ

__________________

(١) في الارشاد : وأحقّ الخلق به.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : الاثر.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة.

(٦) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد.

(٧) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه.

(٨) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215