دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق21%

دروس في الاخلاق مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 279

دروس في الاخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71603 / تحميل: 7859
الحجم الحجم الحجم
دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

دروس في الاخلاق

١

دروس في الاخلاق

المولف : اية الله المشكيني

٢

٣
٤

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد : الكتاب يشتمل على مقدمة ودروس وخاتمة.

أما المقدمة : ففي بيان أمور :

الأمر الأول : في الاشارة الاجمالية الى موضوع علم الأخلاق ومسائله والغرض منه.

أما الموضوع : فهو الإنسان لا من حيث أنه شيء واقع تحت عنوان الوجود ، فإن البحث عنه من هذه الجهة يقع في علم المعقول ، ولا من حيث جسمه وبدنه وعروض الصحة والمرض عليه مثلاً ، فإن البحث عنه من هذه الجهة ، محله علم الطب ، بل ولا من حيث سائر جهاته الموجودة فيه ، فإن الإنسان من حيث أنه حيوان ناطق ذو إدراك وشعور ، وتفكر وتعقل موجود عجيب ومكون غريب ، له حيثيات ذاتية

٧

وعرضيّه مختلفة وأبعاد وجودية متكثرة وقع البحث عن جلها لولا كلها في علوم مختلفة وفنون عديدة.

بل الموضوع في علم الأخلاق المرسوم لدى المتشرعة هو الإنسان من حيث نفسه وروحه ، وبعبارة أخرى هو نفس الإنسان من حيث اتصافها بصفات مختلفة ، حسنة أو قبيحة ، وملكات كثيرة ، مذمومة أو ممدوحة ، منها ما هو ذاتية موهوبية : ومنها ما هو عرضية إكتسابية.

ومسائله : الأبحاث الواقعة حول تلك الصفات والملكات ، وما يقع من الفحص والتحقيق في تبين حقائقها وروابطها ، وانشعاب بعضها عن بعض ، وعلل حصولها وطرق تحصيلها ، وكيفية زوالها وإزالتها ، وما يقع من الكلام في تمييز فضائلها عن رذائلها ، وحفظ كرائمها التي أودعها الله تعالى في الإنسان أو حصلها بنفسه ، وتحصيل مالم يكن واجداً له من الفضائل ، وإزالة ما اتصف به من الرذائل طبعاً أو اكتساباً.

والغرض منه : تكامل الإنسان وتعاليه ، وتمامية مكارم أخلاقه ونيله إلى مراتبه التي خلقه الله تعالى لأجل الوصول إليها ، وتخلقه بأخلاق الله تعالى ، وتأدبه بآداب رسله وأوصيائه لكي يتقرب إلى ربه ويسعد في الدنيا والآخرة بدونه وقربه لأن يبعثه ربه مقاماً محموداً ويلحقه بالأبرار والمتقين ، ويكون في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، فما أجل غاية هذا العلم وأعلاها ، وما أثمنها وأغلاها ، ألا وهي نهاية المنى والغاية القصوى ، وليس للانسان وراء ذلك منتهى ، ألا وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليرغب

٨

الراغبون.

ثم ليعلم أنه ليس الغرض : تأليف كتاب في علم الأخلاق على وتيرة ما ألفه فيه علماؤنا الأخيار٥ فإنهم قد اهتموا ببيان أصول السجايا والطبائع ، وقسمتها قسمة أولية إلى أقسام أربعة ، ثم ذكر الانقسامات الثانوية الطارئة عليها وهكذا ، وبيان كيفية تولد بعضها عن بعض وانشعاب بعضها عن بعض. وقد أقلّ بعض المؤلفين عند ذكر نفس الصفة من إيراد الآيات والنصوص فيها ، أو ذكر فيما أورد ما لم يثبت عندنا صحته من الأخبار ، لكنا أعرضنا عن تلك المراحل فذكرنا عند بيان كل فضيلة ورذيلة بحثاً إجمالياً شارحاً لحقيقتها ، ثم أوردنا فيه من الكتاب الكريم والسنة المأثورة عن النبي الأقدس وأهل بيته المعصومينعليهم‌السلام مقداراً غير مخل للغرض لقلته ، وغير ممل لكثرته ، واعتمدنا في إيضاح حقيقة الصفة المبحوث عنها وعلل وجودها وآثارها الدنيوية والأخروية على ما تستفيده ألباب القارئين وأفكار الباحثين من النصوص الواردة فإن في قول الله تعالى وكتابه الناطق وكلام نبيه الصادق وأهل بيتهعليهم‌السلام غنىً وكفاية عن بحث الباحثين وتقريظ الواصفين ولذلك سميناه بـ « دروس في الأخلاق » لا تأليفاً في علم الأخلاق. ونشكره تعالى عدد ما يبلغ رضاه على أن عرّفنا نفسه بعرفان ما تيسر فهمه لعقولنا من صفات جلاله وجماله ، وعلى أن عرفنا ملائكته القائمين بتدبير أمر العالم من السماء إلى الأرض بإرادته ، وعرفنا أنبيائه ورسله ، ولا سيما خاتم رسله ، وألهمنا الأذعان بما أنزل عليهم من كتبه وشرائعه ، وعلمنا كتابه المصدق لما بين يديه من الكتب والمهيمن

٩

عليه ، وعرفنا أوصياء نبيه لا سيما خاتمهم وقائمهم والمستور عن عوالمهم ولم يجعل موتنا ميتة جاهليةً ، ورزقنا معرفة كلامه وسنة نبيه وأحاديث أوصيائه المعصومين ، كل ذلك بمقدار ما تيسر على عقولنا فهمه وعلى ألبابنا دركه ، فإنه تعالى أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها ، فحمداً له كثيراً على آلائه ، وشكراً له وافراً على نعمائه ، وأنى لنا بأداء شكره ، والشكر له يحتاج إلى شكر ، وكلما قلنا : له الحمد وجب أن نقول لذلك : له الحمد.

الأمر الثاني : أنه تتعسر أو تتعذر للانسان معرفة مسائل علم الأخلاق وتميز محاسن صفات الإنسان عن مساويها بتحصيلها من غير الطرق التي عينها خالقه وبارئه ومبدعه ومصوره ومودع الطبائع والسجايا فيه ، وهي الطرق التي أوحاها إلى أنبيائه : بإبلاغ دينه وشرائعه ، فقد بين فيها ما هو كمال النفوس الانسانية وما هو جمالها وجلالها ، وما يكون موصلاً لها إليه من الأصول الاعتقادية والفروع العملية ، وذلك لأنه لا يعرف الإنسان كما يليق بذاته واستعداده ، ولا يقدر على تربيته وإيصاله إلى كماله الحريّ بشأنه إلا أنبيائه وأوصيائه الذين خلقهم الله لرحمته واصطنعهم لنفسه ، واصطفاهم لسفارة خلقه وهداية عبادة ، ليكلموهم بتعليم الأصول والعلم بالفروع حتى تتم لهم مكارم الأخلاق.

وقد علم بذلك أن جميع ما تحويه الشرائع السماوية من القوانين الدخيلة في تربية الإنسان ترجع إلى أمور ثلاثة : الأصول الاعتقادية :

١٠

وهي الأحكام المتعلقة بالعقائد الباطنية ، وموضوعها النفس من حيث عقلها النظري. والأحكام الفرعية والشرائع العملية التكليفية والوضعية ، وموضوعها النفس من حيث عقلها العملي. والأحكام الأخلاقية والشرائع النفسية. وموضوعها النفس من حيث صفاتها وملكاتها كما عرفت. وهذا القسم ـ مضافاً إلى كونه ملحوظاً بالاستقلال في المراحل التربوية ـ يكون كالغرض والغاية للقسمين الآخرين أيضاً كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »(١) وهذا هو المبحوث عنه في المقام.

الأمر الثالث : أنه ينبغي أن نقول في توضيح موضوع البحث : إن هنا موجوداً غير هذا الجسم المرئي ينسب إليه الشعور والعقل والعزم والارادة ، ويشار إليه بكلمة « أنا » و « أنت » وتسند إليه أمور ليست من عوارض الجسم وصفاته في قول الشخص : علمت وفهمت وأردت وكرهت وأحببت وأبغضت ونحوها. وبتقارن هذا الجوهر للجسم وازدواجه به يتحقق مصداق لقوله تعالى :( وإذا النفوس زوجت ) (٢) في الدنيا ، كما يتحقق مصداق له أيضاً بازدواجه به بعد الحياة في عالم الآخرة. وبهذا التقارن يصير الجسم خلقاً آخر كما يشير إليه قوله تعالى( ثم أنشأناه خلقاً آخر ) (٣) أي : بعد تمام الأربعة الأشهر للجنين في

__________________

١ ـ نص النصوص : ص ٧١ ـ المحجة البيضاء : ج٤ ، ص ١٢١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٣٧٢ ـ ج ٧١ ، ص ٣٧٣ و ٣٨٢ ـ مرآة العقول : ج٧ ، ص ٣٤٧.

٢ ـ التكوير : ٧.

٣ ـ المؤمنون : ١٤.

١١

الرحم نفخنا فيه الروح فصار بذلك خلقا آخر غير سابقه ، وهو صيرورته إنساناً ، ومن شأن هذا الموجود الحال أن له تسلطاً تاماً على الجسم ، تصدر حركاته بمشيئته وأفعاله بإرادته.

بل الإنسان في الحقيقة عبارة عن هذا الموجود المقارن الحال ، وأما المحل فهو كقرينه وجليسه ، ومن معدات بقائه في الدنيا ودوامه. ولذلك قال تعالى :( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) (١) فإن المخاطب في الآية الشريفة هو الإنسان بحقيقته ، وهو الذي يتوفاه الملك ويأخذه إلى ربه ، والباقي بعده لباس خلعه ورماه وغلاف تركه وألقاه ، ومن هنا يمكن أن يقال : إن ما ذكر في الكتاب العزيز من عنوان الإنسان والبشر وبني آدم والناس وكذا أسماء إشاراتهم وضمائر الغيبة والخطاب الراجعة إليهم لا يراد به إلا هذا الموجود ، ولا ينطبق إلا عليه ، فيكون ما نسب إلى تلك العناوين من الأعمال والأفعال والصفات ونحوها منسوباً إليه.

وهذا الموجود وإن لم ينكشف لنا إلى الآن حقيقته وماهيته إلا أنّه قد أشير في الآيات والنصوص إلى جملة من أبعاده وأطرافه ، وشئونه وأوصافه فترى فيهما تعابير كثيرة ناطقة عن أحواله حاكية عن آثاره : كالروح والقلب والعقل والنفس وغيرها كما مر بعضها ويأتي بعضها الآخر.

الأمر الرابع : لابد أن نشير في المقام على حسب اقتضائه إلى شيء من الآيات الكريمة ونصوص أهل البيت : مما فيه تبيان لحقيقة النفس

__________________

١ ـ السجدة : ١١.

١٢

والقلب وبدء تكونها وكيفية خلقها ومما فيه إيضاح لصفاتها وأفعالها وآثارها ، ليكون الباحث الفاحص عن نفسه وملكاتها المريد لإصلاحها وتزكيتها وحيازة سعادتها وإزالة شقاوتها على بصيرة من أمره.

فنقول : قال الله تعالى :( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) (١) . الآية الشريفة : إما مسوقة لبيان خلق جسم الإنسان بدنه كما عليه أكثر المفسرين فالمعنى : أن الله تعالى ابتدأ بخلق نوع الإنسان بإيجاد فرد منه أو أفراد ، فخلقه من أجزاء الأرض مخلوطة بالماء مسماة « بالسلالة » فقوله : ( من طين ) بيان لسلالة ، أي : من سلالة هي الطين ، وهذا المخلوق هو : آدم وحواء ، أو هما مع عدة ذكور وإناث ليكونوا أزواجاً لأول أولاد آدم وحواء ويتولد سائر الأفراد منهم بالزواج والتناسل ، ويتحقق معنى قوله :( ثم جعلناه نطفة ) .

وإما مسوقة لبيان خلق روحه التي هي الإنسان حقيقة ، فالمراد من الإنسان : روحه ، ومن السلالة : جسمه ، وكلمة « من » في الموردين نشوية ، ومعنى الآية الشريفة : إنا خلقنا الروح الانسانية من جسمه وخلقنا جسمه من طين. وعلى هذا فكلمة : « ثم » للتراخي في الذكر والاشارة إلى كيفية تكون الجسم من الطين والوساطة الواقعة بين الطين والجسم الحي ، وهذا في المثل نظير الدهن الصافي اللطيف الحاصل من الزيتون واللوز المخلوقين من الأرض بواسطة الشجر. ويشير إلى هذا النحو من خلقه الإنسان ما قد يقال : إن الروح جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ، بمعنى : أنها موجود لطيف تكونت من الجسم ، وهي

__________________

١ ـ المؤمنون : ١٢ ـ ١٣.

١٣

باقية أبداً شبه المجردات ، فالآية الشريفة على هذا المعنى تبين معنا الروح والنفس الانسانية وتشير إلى مبدء خلقها.

وقال تعالى :( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ) (١) .

النطفة في اللغة : الماء ، أو القليل منه أو الصافي منه ، والمراد هنا : نطفة الرجل والمرأة ، والأمشاج ـ جمع مشج بالفتح فالسكون أو بفتحتين ـ أي المختلط من شيئين أو أشياء ، فمقتضى كلمة الجمع تركب النطفة من أشياء كثيرة ، والابتلاء : نقل الشيء من حال إلى حال ، أو بمعنى : الامتحان والاختبار. والظاهر أن الآية الشريفة في مقام بيان كيفية خلق الإنسان ومبدئه ومنتهاه ، والمعنى : أن الله خلق الإنسان من مادة ممتزجة من عناصر كثيرة جداً ، لكل منها إقتضاء وتأثير يدعوا صاحبه للحركة نحوه ، ويقتضي جريه على وفقه ، فتتعارض وتتمانع العناصر في مقام اقتضائها وتجاذبها التكويني ، وحيث أنه قد أودع الله تعالى في وجوده قوة عاقلة مائزة بين الخير والشر يكون جريه على وفق أي مقتض وداع بإرادته واختياره فيحصل الابتلاء والامتحان. فقوله :( نبتليه ) في مقام التعليل لتركيب الأجزاء المختلطة ، وأن المزج لغرض ذلك الابتلاء.

وتفريع قوله :( فجعلناه سميعاً بصيراً ) لبيان أن مجرد وجود تلك القوة وكونها مستعدة للعلم والإدراك غير كاف في تحقق الابتلاء ، بل اللازم اهتداؤها من الخارج نحو ما تحتاج إليه ويصلحها من العلوم

__________________

١ ـ الدهر : ٢ ـ ٣.

١٤

والمعارف ، وحيث أن أوسع الطرق المجعولة لارتباطها مع الخارج السمع والبصر خصهما بالذكر.

وفي قوله :( إنا هديناه السبيل ) الخ ، بيان أن الله قد هداها إلى خيرها وشرها بإرائة شواهد الوجود وآيات الآفاق والأنفس ، وإبلاغ دعوة الأنبياء وعرض الكتاب والشريعة. فقد تحصل من الآية الشريفة : أن هنا موجوداً مخلوقاً من مواد مختلفة ( ولعلها هي السلالة من الطين ) قد أودع الله فيه صفات وملكات ووهبه قوة بها يدرك نفسه ويعرف صفاته وملكاته ، ويجري أينما جرى بإرادته واختياره فهو إما شاكر أوكفور. وهذا الموجود هو الجوهر اللطيف الذي كنا بصدد تعريفه وأخذه موضوعاً للعلم من حيث أوصافه وسجاياه.

وقال تعالى :( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) (١) أي : أقسم بالنفس وبمن خلقها وصنعها وافهمها عصيانها وطاعتها ، فالآية تشير إلى أن هنا موجوداً مسمى بالنفس صنعه الله تعالى وأنشأه ، ومن شؤونه وأحواله أن الخالق أعلمها قبائح الأمور التي تخرجها عن الاستقامة ، وألهمها طريق تحفظها واتقائها عن القبائح.

وهذا الإلهام إما بإعطاء العقل المدرك للحسن والقبح ، أو إرسال الرسل والكتب والشرائع ، أو بكلا الأمرين كما قال تعالى :( وهديناه النجدين ) أي : الطريقين ، طريق الخير وطريق الشر ، فهداه إلى الطريقين بحجتين.

وقال تعالى :( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) (٢) . هذا

__________________

١ ـ الشمس : ٧ ـ ٨.

٢ ـ يوسف : ٥٣.

١٥

نقل كلام عن إمرأة العزيز بمصر أو عن يوسف النبيعليه‌السلام وفيه : توصيف النفس وتعريفها بأنها كثيرة الأمر بالسوء وذلك لأجل اقتضاء طبعها ووجود غرائز مختلفة فيها فتدل الآية على أن هنا موجوداً متسلطاً على الإنسان يأمره وينهاه. فالآمر هو النفس باعتبار اقتضاء غرائزها المودعة فيها والمأمور هو النفس أيضاً باعتبار جريها على طبق اقتضاء غرائزها.

وقال تعالى :( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) .(١)

أقسم الله تعالى بالنفس ووصفها بكثرة اللوم. ولله تعالى أن يقسم بما أراد من خلقه وليس لعباده إلا أن يقسموا بذاته وصفاته ، ولكن أقسامه تعالى بأي شيء يكشف عن وجود قداسة وخير في المقسم به. فيمكن أن يراد بالنفس هنا : المتقية التي تلوم نفسها أبداً على تقصيرها في طاعة ربها وإن كانت عاملة ناصبة ، أو تلوم غيرها من الناس مخالفة الله تعالى وعصيانهم ، أو يراد بها : النفس المطمئنة التي تلوم النفوس اللوامة وغيرها وتهديها إلى كمالها اللائق بها. وعلى هذا فكلمة « لا » زائدة ، يؤتي بها غالباً فيما قبل القسم ، ويمكن أن يراد بها : النفس الخاطئة الفاجرة التي تلوم نفسها في الدنيا على ما لم تنل إليها من الأموال والشهوات ، أو تلومها يوم القيامة على كفرها ونفاقها وعصيانها وطغيانها وأنى لها الذكرى وعلى هذا فكلمة « لا » نافية لا زائدة.

ثم إن اتصاف النفس بصفة اللوامة لا يكون إلا بعد أن تهذب وتربى بآداب الدين وتزكىّ تطهرّ بتعاليم الشريعة حتى تتعود على

__________________

١ ـ القيامة : ٢ ـ ٣.

١٦

الأعمال الصالحة ويكون ذلك لها ملكة راسخة. فالصفة مرتبة كمال خاص تعرضها بالجهاد والرياضة وتحمل مشاق الطاعة والعبادة ، ولها مراتب أخر في رقاها وتكاملها ككونها مطمئنة وقدسية وهكذا.

ثم إن في ذكر النفس اللوامة بعد القسم بيوم القيامة إشارة إلى التشابه بين لوم الإنسان نفسه في الدنيا ومحاسبة الله إياها في القيامة ، فإن اللوم في الباطن لا يجري فيه إخفاء ذنب وإذهاب حق وعذر في الأمر وكذب في القضاء ، فهو واقع في باطن اللائم بأعدل طريق بعين الله تعالى وعلمه وإن لم يعلمه أحد ، والمحاسبة في القيامة كذلك ، فتبلى فيها السرائر ، فلا يتيسر لأحد العذر والإخفاء والستر ، ونعوذ بالله من سوء الحساب يوم التغابن والتناد ، ومن الفضيحة على رؤوس الأشهاد.

وقال تعالى :( قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً ) (١) . الشاكلة : اسم فاعل من شكل الشيء وشكله ، إذا قيده ، يقال : شكلت الدابة أي : قيدتها والمراد بها هنا : الطبيعة والسجية لأنها تقيد الإنسان بالعمل على طبق ميلها والجري على وفق هواها ، وتمنعه عن الانحراف عنه إلى غيره. فمفاد الآية الشريفة : أن الأعمال الصادرة من الانسان مبناها الطبائع والسجايا ، فهي تصدر عن اقتضائها وهواها ودعوته إلى مناها. فإن بين الملكات والصفات النفسية وبين الأعمال الخارجية رابطة خاصة يحكم بها العقل والتجربة ، فإن الصادر في الحرب ـ مثلاً ـ من الشجاع مناضلة الأبطال ومن الجبان الفرار عن القتال ، وكل يحكي عن ملكة خاصة. وكذا الفعل الصادر من السخي

__________________

١ ـ الإسراء : ٨٥.

١٧

والصادر من البخيل والعشرة الصادرة من التواضع والصادرة من المتكبر ونحوها. فالشاكلة هي : النفس الإنسانية المتصفة بصفات ، وهي التي يصدر منها الفعل بعزم وإرادة. والحامل لها على ذلك اقتضاء تلك الصفات. وينبغي أن يعلم أن دعوة الملكات نحو الفعل واقتضاءها له ليست بنحو العلة التامة حتى يستشكل بلزوم الجبر في الأفعال وسقوط الثواب والعقاب ، بل بنحو الاقتضاء والعلية الناقصة مع بقاء الاختيار في صاحب السجية وهذا كمن هو جائع أو عطشان وهنا غذاء وماء حرام مع عدم الإضطرار والإلجاء.

الأمر الخامس : قد عرفت فيما سبق أنه قد أطلق على حقيقة الإنسان وجوهر وجوده الذي هو نفسه وروحه أسماء وألقاب في الكتاب الكريم بملاحظة آثار وجودية كامنة فيه ، وخواص وحالات موجودة فيه : كعنوان النفس والقلب ونحوهما ، والتأمل في الآيات الكريمة يعطي أن إطلاق عنوان القلب عليه في الغالب بلحاظ الحالات والملكات الحاصلة له ، وإطلاق عنوان النفس بلحاظ وقوعه طرفاً للخطاب في التكاليف ولاستناد صدور الأفعال ورجوع نتائج الأعمال إليه. فهذا الموجود في اصطلاح الكتاب العزيز قلب من حيث اتصافه بمختلف الصفات والملكات ، ونفس من حيث وقوعه مخاطباً بالتكاليف مأموراً بامتثالها ومجزياً بها في دنياه وآخرته. فلاحظ ما أسند إلى القلب في الكتاب العزيز من كرائم الصفات نظير كتابة الإيمان فيه ، وسلامته من الأمراض ، وتقواه ، وتعقّله ، وسكينته وطمأنينة ، ورأفته ، ورحمته ، وطهارته ، ووجله

١٨

من ربه ، وإخباته لخالقه ، ولينه ، وخشوعه ، ونحو ذلك.

ولاحظ أيضاً ما أسند إليه من رذائل الأخلاق من : تكبره وختمه وطبعه وغلظته ، وشدة خصومته مع ربه ، وغفلته ، وغيظه ، وريبه ، ولهوه ، ورينه ، ونحو ذلك. وعلى هذا كان الأنسب أن يسمى موضوع علم الأخلاق : الإنسان بما هو قلبه.

ثم لاحظ ما أسند إلى النفس في الكتاب الكريم من تكليفها بمقدار وسعها ومقدار ما آتاها ، وقبولها الإيمان ، وظلمها لنفسها وغيرها ، وأمرها بالسوء وكسبها الحسنات والسيئات ، وإلهامها فجورها وتقواها ، وارتهانها بما كسبت حتى تفكها ، ووسوستها لنفسها ، وتسويلها أمرها ، واتباعها هواها ، ووقوعها تحت الحفظ والمراقبة من قبل ربها ، وأخذها وتوفيتها عند النوم والموت ، وإمساكها أو إرسالها بعدالأخذ ، وإماتتها ووجدانها ما عملت يوم القيامة محضراً ، وتوفيتها بما كسبت ومجازاتها بما عملت ونحو ذلك.

وبالجملة : كأن هنا شخصين : أحدهما متصف بصفات وملكات مختلفة قد وقع في معرض تعارضها وتزاحمها ويجره كل إلى مقتضاه ، فهو : إما من أكرم خلق الله وأشرف خليفته ، أو من أبعد مخلوقه وأشقى بريته ، والآخر مخاطب بتكاليف مختار بين الطاعة والمعصية ، مسؤول في الدنيا والآخرة ، مجزئ بالثواب والعقاب. ولعل في هذا إشارة إلى أن الصفات ليست متعلقة للتكاليف وإن كان لها دخل في متعلقها ، لا أن هنا شخصين حقيقة فتأمل.

١٩

الأمر السادس : قد أطلق على الجوهر اللطيف اسم الروح أيضاً ، وهو المراد في قوله تعالى :( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) (١) .

ولعل وجه إعراض الرب تعالى عن الجواب لكون سؤالهم عن حقيقة الروح وماهيتها هو ظاهر اسم الجنس ، وكون إدراكها خارجاً عن استعداد عقولهم كما يشير إليه ذيل الآية.

والروح في اللغة بمعنى : سبب الحياة ومنشأها والعلة المحدثة لها. وبهذا الاعتبار أطلق هذا الاسم في الكتاب العزيز على تلك الجوهرة اللطيفة عندما أريد بها حدوث الحياة للجسم كقوله تعالى :( ثم سواه ونفخ فيه من روحه ) (٢) وقوله :( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) (٣) . فيعلم من ذلك أن هذا الموجود في ابتداء تلاقيه مع البدن وفي حين تأثيره في حياته روح كما أنه بالقياس إلى اتصافه بصفات بعد الاستقرار قلب وبالاضافة إلى توجه التكاليف إليه والجزاء لها نفس. وإضافة الله تعالى روح آدم إلى نفسه في الآيتين وشبههما وقعت تشريفاً لآدم النبيعليه‌السلام وأولاده اصطفاء لهم لهذا الروح بين الأرواح نظير كون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خليله والكعبة بيته ، وإلا فكل روح محدث بإرادته ، مدبر بتدبيره. وفي الحديث : «إن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف »(٤) . والمجندة : المؤلفة المنظمة ، وهي لا تنافي

__________________

١ ـ الاسراء : ٨٥.

٢ ـ السجدة : ٩.

٣ ـ الحجر : ٢٩ وص : ٧٢.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٢ ، ص٢٦٥ ـ ج ٥ ، ص ٢٤١ ـ ج ٦ ، ص ٢٤٩ ـ ج ٦١ ، ص ١٠٦ ـ ج ٦٧ ، ص ١٦٦ ـ ج ٦٨ ، ص ٢٠٥ ـ ج ٧٧ ، ص ١٦٥ ـ ج ٩٩ ، ص ٢٢٠ ـ مراة العقول : ج ٧ ، ص ٣٨.

٢٠

لتشخيص تلك الذنوب، الامور التالية:

١ - كل ذنب وعد الله سبحانه وتعالى له في القرآن الكريم عذاباً.

٢ - كل ذنب عين له الشارع المقدس حداً معيناً (كشارب الخمر والزاني، والسارق، وامثالها، فحدودها الجلد والقتل والرجم) وقد حذر عنه القرآن الكريم.

٣ - كل ذنب يدل على الاستهانة بالدين والامبالاة به.

٤ - كل ذنب ثبتت حرمته وانه ذنب كبير بالأدلة القاطعة.

٥ - كل ذنب هدّد له القرآن والسنة بالعذاب الشديد لمرتكبه(١) .

أما حول عدد الذنوب الكبيرة فبعضهم قال: سبعة والبعض الآخر قالوا: عشرة، واخرون: عشرون، والبعض: اربع وثلاثون وبعض: أربعون أو أكثر.

والجدير بالانتباه هو أنّ هذه الاختلافات في العدد قد جمعت واقتبست من الايات والروايات المختلفة، ولاجل ذلك لا تكون الذنوب الكبيرة في مستوى واحد.

____________________

(١) نقلاً من العلامة المجلسي في شرح اصول الكافي، والتي نقلها بدوره عن الشيخ البهائي، ترجمة (اصول الكافي ج٣ ص ٣٩٢).

٢١

الذنوب الكبيرة في نظر الامام الخميني (قدس سره).

جاء في كتاب تحرير الوسيلة للامام الخميني (قدس سره) حول الذنوب الكبيرة ما يلي:

١ - هي كل معصية توعد الله مرتكبها بنار جهنّم كما ورد في القرآن والروايات الاسلامية.

٢ - أو نهي عنها في الشريعة نهياً غليظاً.

٣ - او دل دليل على كونها اكبر من بعض الذنوب الكبيرة الاخرى او امثالها.

٤ - او حكم العقل بانها كبيرة.

٥ - ان يعد ذلك الذنب في ارتكاز المتشرعة من الذنوب الكبيرة.

٦ - او ورود النص من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) او الائمة (عليهم السلام) بكونها من الذنوب الكبيرة.

ثم قال: الذنوب الكبيرة كثيرة بعضها عبارة عن:

١ - اليأس من رحمة الله.

٢ - الأمن من مكره.

٣ - الكذب على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه.

٤ - قتل النفس التي حرمها الله الا بالحق.

٥ - عقوق الوالدين.

٦ - اكل مال اليتيم ظلماً.

٢٢

٧ - قذف المحصنة.

٨ - الفرار من الزحف.

٩ - قطيعة الرحم.

١٠ - السحر والشعبذة.

١١ - الزنا.

١٢ - اللواط.

١٣ - السرقة.

١٤ - اليمين الغموس.

١٥ - كتمان الشهادة في مورد تكون الشهادة عليه واجبة.

١٦ - شهادة الزور.

١٧ - نقض العهد.

١٨ - الحيف في الوصية.

١٩ - شرب الخمر.

٢٠ - الربا.

٢١ - أكل السحت.

٢٢ - القمار.

٢٣ - اكل الميتة والدم.

٢٤ - اكل لحم الخنزير.

٢٥ - ما أهلّ لغير الله من غير ضرورة.

٢٦ - البخس في المكيال والميزان.

٢٣

٢٧ - التعرب بعد الهجرة(١) .

٢٨ - معونة الظالمين.

٢٩ - الركون اليهم (يعني الظالمين).

٣٠ - حبس الحقوق من غير عذر.

٣١ - الكذب.

٣٢ - التكبر.

٣٣ - الاسراف والتبذير.

٣٤ - الخيانة.

٣٥ - الغيبة.

٣٦ - النميمة.

٣٧ - الاشتغال بالملاهي.

٣٨ - الاستخفاف بالحج.

٣٩ - ترك الصلاة.

٤٠ - منع الزكاة.

٤١ - الاصرار على الصغائر من الذنوب.

وأما الشرك بالله تعالى وانكار ما انزله ومحاربة اوليائه فهي من اكبر الكبائر(٢) .

____________________

(١) يعني أنّ الانسان كان في مكان محفوظ فيه دينه ويهاجر الى مكان يكون دينه في خطر فيسمى ذلك (التعرب).

(٢) تحرير الوسيلة ج ١ ص ٢٧٤، ٢٧٥.

٢٤

وطبقاً لما ورد في رسالة الامام الخميني (قدس سره) فانّ الذنوب الكبيرة كثيرة وما ذكر هو قسم منها. فمثلاً الاستهانة بالكعبة والقرآن والرسول والائمة الطاهرين (عليه السلام) او سبهم او البدعة و...... يعد من الذنوب الكبيرة.

تقسيم آخر للذنوب:

قال الامام علي (عليه السلام)(١) .

« إن الذنوب ثلاثة.... فذنب مغفور وذنب غير مغفور. وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه ».

قيل: يا امير المؤمنين (عليه السلام) فبينها لنا، قال (عليه السلام) نعم: أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله تعالى على ذنبه في الدنيا فالله أحكم وأكرم ان يعاقب عبده مرتيّن، وأما الذنب الذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم لبعض، إن الله تبارك وتعالى اذا برز لخلقه أقسم قسماً على نفسه فقال: وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كفّ بكّف، ولو مسحة بكف ونطحةٍ ما بين الشاة القرناء الى الشاة الجماء، فيقتض الله للعباد بعضهم من بعض، حتى لا يبقى لأحدٍ عند أحد مظلمة، ثم يبعثهم الله الى الحساب، وأم الذنب الثالث فذنب سترة الله على عبده ورزقه التوبة فأصبح خاشعاً من ذنبه، راجياً لربه فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة ونخاف عليه العقاب.

____________________

(١) بحار الانوار ج ٦ ص ٢٩ - ٣٠.

٢٥

الموارد التي تبدل الذنب الصغير

الى ذنبٍ كبير

يستفاد من بعض الروايات والآيات القرآنية بان هناك ذنوباً صغيرة تتبدل الى ذنوبه كبيرة وتتلبس باحكامها.

١ - الاصرار على الذنب الصغير:

إنّ ممارسة الذنب الصغير لعدة مرات يعد ذنباً كبيراً واذا لم يبادر المرتكب للذنب الى التوبة والاستغفار يحسب اصراراً على المعصية.

فمثلاً لو نسج الخيط مع الشعر لصار حبلاً قوياً فعندها لا يكون خيطاً ولا شعراً بل هو حبل قوي. ففي سورة آل عمران (الآية ١٣٥) نقرأ:

(.... ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون).

٢٦

قال الامام الباقر (عليه السلام) في شرح هذه الآية:

« الاصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله فلا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الاصرار »(١) .

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« إياك والاصرار فأنه من أكبر الكبائر واعظم الجرائم »(٢) .

لا تغفلوا عن الذنوب الصغيرة:

قال الامام الصادق (عليه السلام):

ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بأرضٍ قرعاء فقال لاصحابه: ائتوا بحطبٍ، فقالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال (صلى الله عليه وسلم): فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فان لكلّ شيء طالباً ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمامٍ مبين »(٣) .

اشارة الى قوله تعالى في سورة يس الآية ١٢:

(ونكتب ما قدموا...).

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٨٨.

(٢) غرر الحكم ج ١ ص ١٥١.

(٣) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٨٨.

٢٧

قال الامام الصادق (عليه السلام):

« لا صغيرة مع الاصرار ».

٢ - الاستهانة بالذنب:

الاستهانة بالذنب تعدّ من الذنوب الكبيرة، ولا يضاح الموضوع نضرب مثالاً:

اذا ضرب أحد غيره بحجرٍ كبير على رأسه ثم ندم على عمله واعتذر، فمن الممكن ان يصفح عنه. ولكن اذا ضرب احد الآخر بحجرٍ صغير جداً ولم يعتذر منه زاعماً أنها هفوة طفيفة ولم تكن شيئاً مهماً، فطبيعي أن لا يصفح عنه المضروب، لانها نابعة من روحه المتبكرة واستهانته بذنبه.

قال الامام الحسن العسكري (عليه السلام).

« من الذنوب التي لا تغفر: ليتيني لم أواخذ الاّ بهذا »(١) .

لان الذنب المشار اليه في الرواية قد استهين به.

قال الامام علي (عليه السلام).

« أشد الذنوب ما استهان به صاحبه »(٢) .

نقل زيد الشحام عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال:

« اتقوا المحقرات من الذنوب فانها لا تغفر ».

____________________

(١) بحار الانوار: ج ٧٣، ص ٣٥٥.

(٢) نهج البلاغة الحكمة ٣٤٨ غرر الحكم ج ١ ص ١٩٣.

٢٨

قلت: وما المحقرات؟ قال الامام الصادق (عليه السلام):

« الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك »(١) .

٤ - وجاء في الصحيفة السجادية عن الامام السجاد (عليه السلام) في ضمن الدعاء انه يقول:

« اللهم اعوذ بك من... الاصرار على المآثم واستصغار المعصية واستكبار الطاعة ومباهاة المكثرين والازراء بالمقلين وسوء الولاية لمن تحت ايدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا... »(٢) .

٣ - الابتهاج عند ممارسة الذنب:

الاحساس باللذة والفرح عند اقتراف الذنب هو احد الاسباب التي تحول الذنب الى كبير ويوجب العذاب الاليم لصاحب الذنب. وفي هذا المورد توجد عدة روايات.

قال الامام علي (عليه السلام):

« شر الاشرار من تبهج بالشر »(٣) .

وقال ايضاً:

« من تلذذ بمعاصي الله ذلّ »(٤) .

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٨٧.

(٢) الدعاء الثامن من الصحيفة السجادية.

(٣) الغرر ص ١٣٠.

(٤) غرر الحكم ج ١ ص ٤٤٦.

٢٩

قال الامام السجاد (عليه السلام):

« اياك وابتهاج الذنب فانه اعظم من ركوبه »(١) .

وقال الامام السجاد (عليه السلام) في حديث آخر:

« حلاوة المعصية يفسدها اليم العقوبة »(٢) .

وله في حديث آخر:

« لا خير في لذة من بعدها النار »(٣) .

وقال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باك »(٤) .

٤ - اقتراف الذنب عند الطغيان:

والسبب الاخر الذي يبدل الذنب الصغير الى كبير هو صدوره عن الطغيان والعصيان كما ورد في الآيات التالية من سورة النازعات الآية ٣٧ الى ٣٩.

(وأمّا من طغى - وآثر الحياة الدّنيا فإنّ الجحيم هي المأوى).

____________________

(١) بحار الانوار ج ٧٨ ص ١٥٩.

(٢) بحار الانوار ج ٧٨ ص ١٥٩.

(٣) بحار الانوار ج ٧٨ ص ١٥٩.

(٤) مشكاة الانوار ص ٣٩٤ - وسائل الشيعه ج ١١ ص ٢٦٨.

٣٠

٥ - الغرور عند ارخاء الستر الالهي للانسان المذنب وامهاله:

من الموارد التي تحول الذنب الصغير كبيراً هو ان المذنب يخالج تفكيره أن عدم مجازاة الله سبحانه وتعالى السريعة له تدل على رضى الله عنه وحبه له كما جاء في الآية ٨ من سورة المجادلة:

(ويقولون في أنفسهم لولا يعذّبنا الله بما نقول حسبهم جهنّم يصلونها فبئس المصير).

فالوعيد بعذاب جهنم لهؤلاء الاشخاص دليل على ان ذنب هؤلاء المغرورين بعدم مجازاة الله السريعة لهم هي من الذنوب الكبيرة.

٦ - التجاهر بالذنب:

إنّ اعلان الذنب والتجاهر به أمام الناس يبدل الذنب الصغير الى ذنبٍ كبير. وهذا التجاهر تعبير عن ان صفة التجرّو على الاوامر الالهية وعدم الالتزام بها هي صفة المذنبين، ويعبّر ايضا عن تلوث المجتمع لكون الذنب فيه متفشياً وطبيعياً.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

« إياك والمجاهرة بالفجور فانه من اشد المآثم »(١) .

وقال الامام الرضا (عليه السلام):

« المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة

____________________

(١) غرر الحكم ج ١ ص ١٥١.

٣١

مخذولّ »(١) .

٧ - ذنب الاشخاص ذوي المركز الاجتماعي المرموق:

هناك أشخاص لهم مكانة اجتماعية مرموقة بين الناس، فما يقترفونه من الذنوب له حكمّ خاص يختلف تماماً عن عامة الناس لذا يحكم على ذنوبهم الصغيرة بكونها كبيرة لوجود بعدين.

١ - بعد فردي.

٢ - بعد اجتماعي.

إنّ ذنب الاشخاص المتميزين المرموقين في البعد الاجتماعي يعد ذنباً كبيراً وان كان صغيراً لانه يوفر الارضية لانحراف واغواء جمعٍ كثيرٍ من الناس مما يؤدي الى الاستهانة بالدين.

كما يقولون: « الملح يرجى لإصلاح ما فسد فكيف الحال اذا الملح فسد؟!! »، ولنضرب المثال الآتي:

لو وضع شخص أمي ماءً قذراً في اناء واعطاه لآخر فشربه فاصابه المرض، في هذه الحالة لا يعاقب الأمي لأن الثاني كان عالماً فلماذا شرب الماء؟

ومثله اذا كان شخص يصنع « المرطبات » بالفستق وماء الورد والحليب ويقدمه الى المشتري بشكلٍ جميل وجذاب فاذا أكل أحدً من تلك « المرطبات » فتسمم عوقب ذلك البائع لجذبه المشترين

____________________

(١) مشكاة الانوار: ص ٣٩٤ - اصول الكافي ج ٢ ص ٤٢٨.

٣٢

واغرائهم بلون المرطبات المعروضة وجهلهم بتسمّمها.

وعلى هذا المعيار تأتي المحاسبة الالهية للشخصيات المرموقة في المجتمع مختلفةً عن محاسبة الآخرين.

ذنب العلماء من وجهة نظر القرآن الكريم:

١ - في الآية ٤٤ ألى ٤٨ من سورة الحاقة نقرأ:

(ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل - لأخذنا منه باليمين - ثمّ لقطعنا منه الوتين - فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين).

لقد ظهر اشخاص كثيرون في التاريخ أظهروا البدع وتحريف الدين، ولم يخاطبهم الله بذلك الخطاب الشديد الوارد في الآية اعلاه. لكن لو فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك لعاقبه تعالى لاجل مقام العصمة والعلم والمعرفة التي يتصف بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا تأكيد على أن رفيع المنزلة اذا أذنب فذنبه ذنب كبير، وعلى هذا الاساس فانّ كل من يمتلك شخصية علمية او دينية وينتسب الى الشريعة والدين تكون مسؤوليته اكبر.

العالم غير الملتزم في القرآن الكريم:

شبه القرآن الكريم العالم الذي لا يعمل بما يعلم « بالكلب والحمار » فنرى في سورة الأعراف الآية ١٧٦ ما ورد في ذم العالم المذنب « بلعم بن باعوراء » قوله تعالى:

٣٣

(فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث).

وفي الآية ٥ من سورة الجمعة شبّه تعالى حال اللاهثين وراء حبّ الدنيا حيث قال:

(مثل الذّين حمّلوا التّوراة ثمّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً).

وفي الآية ٣٠ من سورة الاحزاب نقرأ:

(يا نساء النّبي من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبينةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين).

فنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاجل منزلتهن العظيمة في المجتمع يضاعف لهن العذاب، وذكر الفاحشة المبينة في الآية الكريمة اشارة الى الاثر الاجتماعي الذي يتركه ذلك الذنب في المجتمع الذي لاجله تتضاعف العقوبة.

وعلى هذا الاساس جاء رجل الى الامام السجاد (عليه السلام) وقال له: انكم أهل بيتٍ مغفور له.

فاجابه الامام (عليه السلام):

« ليس كما تقول فللمحسن منا أجران وللمسيء يضاعف له العذاب »(١) ثم تلا الآية (٣٠ و ٣١) من سورة الاحزاب.

____________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٤.

٣٤

ذنب الرؤساء من وجهة نظر الروايات:

١ - قال الامام الصادق (عليه السلام):

« يغفر للجاهل سبعون ذّنباً قبل ان يغفر للعالم ذنبّ واحد »(١) .

٢ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« إذا فسد العالم فسدت الأمة »(٢) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً:

« خواص امتي أربعة: الملوك و العلماء والعباد و التجار »(٣) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

« لا تصلح عوام امتي ما لم تصلح خواصها، فسأل سائل: من هو خواص امتك يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): خواص امتي اربعة الملوك والعلماء والعباد والتجار، فسأل سائل آخر: كيف يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الملوك رعاة الامة فعندما يكونوا ذئاباً فكيف يرعى الرعيل من الشياه؟ والعلماء اطباء الناس فعندما يكون الطبيب مريضاً من يعالج المرضى؟ والعباد هداة الناس فعندما يكونون ضالين فمن يهدي الناس؟ والتجار امناء الناس فعندما يكون الامين خائناً

____________________

(١) اصول الكافي ج ١ ص ٤٧.

(٢) بحار ط بيروت ج ٧٤ ص ١٥٤.

(٣) المواعظ العددية ص ١٢٥.

٣٥

فمن يطمئن اليه؟ ».

٣ - وكذلك قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

« ثلاث لا يكلمهم الله سبحانه يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولهم عذاب اليم:

شيخ زانٍ وملك جبار ومقل مختال »(١) .

٤ - وقال الامام الصادق (عليه السلام) لاحد اصحابه يدعى الشقراني:

« يا شقراني إنّ الحسن من كل احدٍ حسن وانه منك أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كل احدٍ قبيح وإنه منك اقبح »(٢) .

٥ - قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« زلة العالم تفسد العوالم »(٣) .

وقال ايضاً سلام الله عليه:

« زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها »(٤) .

ولذلك يعتبر ذنب المسؤولين والشخصيات والعلماء والمؤلفين والزعماء والسادات أكبر من غيرهم.

مفاتيح العيوب والذنوب:

كما أن للشيخوخة والكبر دور في تهيئة الارضية لهجوم

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٣١١.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٧٠٨.

(٣) غرر الحكم ج ١ ص ٤٢٦.

(٤) غرر الحكم ج ١ ص ٤٢٦.

٣٦

الامراض المختلفة على صاحبها، كذلك تكون العيوب مفتاحاً للذنوب.

١ - الحسد: يجبر الانسان على ارتكاب انواع الذنوب، مثل التخلف عن الاعمال والتهمة والكذب وسوء القصد و... و...

كما قال الامام الصادق (عليه السلام):

« إنّ الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب »(١) .

وعليه يسعى الانسان الحسود باي طريقة الى تحطيم رقيبه بأية وسيلة.

٢ - البخل والحرص: يعتبر البخل احد العيوب المؤدية الى ارتكاب الذنب، اذ هو مانع عن اعطاء الحقوق الشرعية، مثل الزكاة، والخمس، وعدم الانفاق في سبيل الله سبحانه، وغيرها من الذنوب، إضافة الى ذلك اشمئزاز الناس من البخيل مما يؤدي الى سوء الظن به وسبه.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« البخل جامع لمساوىء العيوب وهو زمام يقاد به الى كل سوءٍ »(٢) .

وكذلك الحرص فهو باعث للذنوب، كنقص المكيال والاحتكار، والاجحاف في الاسعار، والرشوة والتملق مما يؤدي الى

____________________

(١) بحار ج ٧٣ ص ٢٥٥.

(٢) بحار ج ٧٣ ص ٣٠٧ - نهج البلاغة الحكمة ٣٧٠.

٣٧

قلة التقوى و ضعفها عند الحريص.

٣ - الكذب: يبرر الانسان الكاذب ذنوبه بانواع التبررات والحجج وتحت غطاء الكذب يقوم باقتراف مئات الذنوب.

قال الامام الحسن العسكري (عليه السلام):

« جعلت الخبائث كلها في بيتٍ وجعل مفتاحها الكذب »(١) .

٤ - الغضب والاخلاق السيئة: الغضب عيب آخر للذنب يؤدي بصاحبه الى الفحشاء والغيبة والمعاداة وانواع السيئات.

قال الامام الحسن العسكري (عليه السلام):

« الغضب مفتاح كل شرٍّ »(٢) .

وهناك عيوب كثيرة تمهد الارضية الى اقتراف الذنوب الاخرى، كسوء الظن، وشرب الخمر، والعداء، والتكبر، و... ونكتفي بهذا المقدار لاجل الاختصار.

طريق آخر لمعرفة الذنوب:

ورد في القرآن الكريم ان هناك ثمانية عشر مجموعة اقترفوا ذنوباً مختلفة فاصبحوا عرضة للعن.

اللعن: ومعناه الطرد والابتعاد من رحمة الله سبحانه. وهو

____________________

(١) البحار ج ٧٢ ص ٢٦٢.

(٢) تحف العقول ص ٥٨١ - اصول الكافي ج ٢ ص ٣٠٣ عن الامام الصادق (عليه السلام).

٣٨

مقرون بالغضب وبالرغم من ان رحمة الله الواسعة شملت كل شيء إلاّ أنّ اولئك الملعونين لا تشملهم الرحمة وجاء في الآية ١٥٢ من سورة الاعراف:

(ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ).

والانسان بمحض إرادته قد تبوّأ مكاناً استحق به اللعن، فمثله كمثل الكرة المغلقة في وسط المحيط لا تصل اليها قطرة من بحر الرحمة الواسعة.

الملعونون في القرآن عبارة عن الكفار والمشركين، واليهود المعاندين والمصرّين على انكارالحق ومساندتهم لاصحاب الاوثان، المرتدون، والمحتالون المعارضون للقوانين الالهية ناقضوا المواثيق الكاتمون للحق، وزعماء الكفر لافسادهم في الارض، والمنافقون المتملقون الذين آذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والظالمون، والقاتلون بغير حق، وابليس، والقاذفون للمحصنات الطاهرات، والمخالفون للقادة الصالحين، والذين يفسدون في الارض واصحاب القلوب الخبيثة والكاذبون.

وجاء في الروايات الاسلامية ان اللعن جعل للذين اتصفوا بالصفات التالية:

قال الامام الصادق (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

« خمسة لعنتهم وكلّ نبي مجاب: الزائد في كتاب الله والتارك لسنتي، والكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله،

٣٩

والمتسأثر بالفيء المستحل له »(١) ، ومن دعا الى فعل الخير وهو تاركه او من حذّر الآخرين من ارتكاب الذنوب وهو فاعله.

ولمعرفة الذنوب اكثر هناك حديث مشهور يشير الى وجود جنود للعقل وللجهل وهو دليل جيد لمعرفة هذا الموضوع، ففي البداية نقول:

جنود العقل والجهل:

« عن سماعة بن مهران قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال ابو عبد الله (عليه السلام): اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، قال سماعة: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا، فقال ابو عبدالله (عليه السلام): ان الله عزّ وجلً خلق العقل وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: ادبر فادبر، ثم قال له: اقبل فأقبل؛ فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرّمتك على جميع خلقي، فقال: ثم خلق الجهل من البحر الاجاج ظلمانياً، فقال له: أدبر فادبر؛ ثم قال له: اقبل، فلم يقبل، فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً فلمّا رأى الجهل ما اكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرّمته وقوّيته وأنا

____________________

(١) اصول الكافي: ج ٢، ٢٩٣ - وسائل ج ١١ ص ٢٧١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279