دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق21%

دروس في الاخلاق مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 279

دروس في الاخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71752 / تحميل: 7897
الحجم الحجم الحجم
دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

كونها أصنافاً كثيرة مختلفة المراتب كجنود السلاطين ، والاختلاف هنا من حيث استعداد الذات ومختلف الصفات. فالمتجانس والمتشابه منها في الأوصاف يميل بعضها إلى بعض ، والمتخالف فيها يتباعد ويتباغض ، قال تعالى :( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ) (١) .

وفي الحديث في أوصافها : «إن الروح حياتها علمها ، وموتها جهلها ، ومرضها شكها ، وصحتها يقينها ، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها »(٢) .

وفيه أيضاً : « ألناس معادن كمعادن الذهب والفضة »(٣) أي : كما أن أجناس المعادن مختلفة في الصفات والخواص والآثار وبها تختلف قيمتها ورغبات الناس فيها فكذلك أرواح الناس فهم مختلفون في الصفات والحالات والملكات تتجلى أنوار الطيبات منها من أفق الأبدان وتظهر ثمراتها من أفنان الأعضاء. وتترائي كدورة الخبائث منها وظلماتها من وراء الأقوال والأفعال.

الأمر السابع : قال الصدوقرحمه‌الله : اعتقادنا في الروح أنها خلقت للبقاء لا للفناء ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما خلقتم للفناء ، بل خلقتم للبقاء ، وإنما تنقلون من دار إلى دار »(٤) . واعتقادنا فيها أنها إذا فارقت الأبدان فهي باقية ، منها منعمة ومنها معذبة إلى أن يردها الله إلى أبدانها ، قال الله تعالى :( ولا

__________________

١ ـ النور : ٢٦.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٦١ ، ص٤٠.

٣ ـ بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص ٦٥ ـ مرآة العقول : ج٩ ، ص ٢٥ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ، ص ٣٨٠.

٤ ـ بحار الأنوار : ج ٦ ، ص ٢٤٩.

٢١

تحسبن الذين ...) .

وقال المفيدرحمه‌الله ما حاصله : إن الأرواح بعد الأجساد على ضربين : منها ما ينقل إلى الثواب أو العقاب ، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب. وقد روي عن الصادقعليه‌السلام ما ذكرنا ، وسئل عمن مات أين تكون روحه؟ فقالعليه‌السلام : «من مات وهو ماحض للايمان محضاً يجعل في جنان من جنان الله ، يتنعم فيها إلى يوم المآب »(١) .

وشاهد ذلك ما حكاه الله تعالى عن قول حبيب النجار بمجرد قتله ودخوله في عالم البرزخ :( قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) (٢) ومن ماحض الكفر محضاً يجعل في النار فيعذب بها إلى يوم القيامة ، وشاهد ذلك قوله تعالى في آل فرعون بعد أن أهلكهم الله :( النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) (٣) والغدو والعشي من شؤون برزخ الدنيا. وقال تعالى في الضرب الاخر :( إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً ) (٤) . فبين أن قوماً عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن بعضهم أن ذلك كان يوماً ، ولا يمكن ذلك في حق من لم يزل منعماً ، أو لم يزل معذباً إلى يوم القيامة.

وهل المنعم والمعذب بعد الموت ، الروح أو الجسد الذي فيه الحياة؟ الأظهر عندي أنه الجوهر المخاطب ، وهو الروح التي توجه اليها

__________________

١ ـ بحار الانوار : ج ٦١ ، ص ٨١.

٢ ـ يس : ٢٦.

٣ ـ غافر : ٤٦.

٤ ـ طه : ١٠٤.

٢٢

الأمر والنهي والتكليف. فيجعل الله للأرواح أجساماً كأجسامهم في دار الدنيا ، ينعم مؤمنيهم ويعذب كفارهم وفساقهم دون أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون وتتفرق وتندرس. وهذا مذهبي في النفس ، ومعنى الإنسان المكلف عندي ، ولا أعلم بيني وبين فقهاء الامامية وأصحاب الحديث فيه اختلافاً ، انتهى.

وقال المحقق الطوسي فيما يشير إليه الإنسان بقوله : أنا : ( فيكون جوهراً عالماً والبدن وسائر الجوارح آلاته في أفعاله ، ونحن نسميه هاهنا : الروح ).

الأمر الثامن : النفس سلطان الجوارح ، وتسلطها عليها من أنفذ السلطات ، فبإرادتها تتحرك الأعظاء وتسكن. ولا تخلف لإرادتها عن وقوع المراد ، وهذا من أحسن أمثلة تسلط الرب تعالى على خلقه ونفوذ مشيئته فيما شاء وأراد ، وإن كان بينهما فرق واضح فإن النفس فضلاً عن تسلطها ، حادثة. ووجودها مفاض من إرادة الرب ، وأنه قد يحدث للأعضاء خلل ونقص لا يؤثر فيها إرادة النفس ، ولا يكون ذلك في إرادة الله ، وبهذه الملاحظة أطلق على النفس والقلب : إمام الأعضاء ومرجعها وهاديها ورئيسها المتولي لأمرها.

ففي مباحثة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد التي نقلها للصادقعليه‌السلام فأمضاها وأقسم بالله تعالى على كونها مكتوبة في صحف إبراهيم وموسى : ( قال : قلت له : ألك قلب؟ قال : نعم ، قلت : وما تصنع به؟ قال : أميز كل ما ورد على هذه الجوارح. قلت : أفليس في هذه الجوارح

٢٣

غنيً عن القلب؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يا بني ، إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب فييقن اليقين ويبطل الشك ، قلت : إنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال : نعم ، قلت : فلا بد من القلب وإلا لم يستقم الجوارح قال : نعم ، فقلت : يا أبا مروان ، إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحح لهم الصحيح وييقن ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليهم شكهم وحيرتهم. قال : فسكت ولم يقل شيئاً )(١) .

وفي خبر إبن سنان : (إعلم : أن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم ، ألا ترى أن جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له مؤدية عنه )(٢) . الشرط كصرد جمع شرطة : أعوان الولاة.

وفي توحيد المفضل : (فكر يا مفضل في الأفعال التي جعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبر فيها ، فإنه جعل لكل واحدٍ منها في انطباع نفسه محرك يقتضيه ويستحث به ، وقال : فانظر كيف جعل لكل واح من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محرك من نفس الطبع يحركه كذلك ويحدوه عليه )(٣) ويحدوه أي : يحثه ويحركه.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (سبحان الذي جمع من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها ، وفكر يتصرف بها ، وجوارح

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص ٢٤٩.

٢ ـ علل الشرايع : ص ١٠٩ ـ بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص٢٤٩ ـ ج٧٠ ، ص ٢٥٥.

٣ ـ توحيد المفضل : ص٧٥ ـ بحار الأنوار : ج٦١ ، ص٢٥٥.

٢٤

يختدمها وأدوات يقلبها ، ومعرفةٍ يفرق بها بين الحق والباطل ، والأذواق والمشام والألوان والأجناس )(١) .

ووصف عليعليه‌السلام في نهج البلاغة قلب الإنسان وروحه بأن له مواد من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى ـ(٢) الخ ـ.

ثم إنه لا يخفى عليك أن الكلام في تشريح حقيقة الإنسان والنفس والروح رفيع المرقى صعب المنال ، والأقوال ـ في كيفية خلقه وتكوينه بجسمه وبدنه فضلاً عن روحه ونفسه وأن روحه مخلوقة قبل الأبدان بألفي عام أو أقل أو أكثر كما ورد بذلك نصوص كثيرة ، أو أنها مخلوقة من الأبدان ومكونة عنها كما أشرنا إليه ـ كثيرة مختلفة ، بل قد تنتهي إلى عشرة أو أكثر ، ولم يكن البحث في ذلك من أغراض هذا الكتاب. وكان ما ذكرنا من الآيات والنصوص وبعض الأقوال في ذلك إيضاحاً إجمالياً بالمقدار الميسور لموضوع علم الأخلاق وموضوع البحث.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١.

٢ ـ نهج البلاغة : الحكمة ١٠٨.

٢٥

 

٢٦

الدرس الأول

في بيان مما يدل على صلاح القلب وفساده

وليعلم أولاً : أن المقصد الأعلى والغرض الأسمى في هذا العلم السعي في إصلاح القلب وإكماله ، وتطهيره وتزكيته عن ذمائم الصفات ، وتزيينه وتحليته لفضائل السجايا وفواضل الملكات ، ليستعد على الاستفاضة من إنارة الألطاف الرحمانية وإضافة المعارف الالهية من حضرة ذي الجلال. فبالقلب شرف الإنسان وبه فضيلته على كثير من الخلق ، وبه ينال معرفة ربه التي هي في الدنيا شرفه وجماله ، وفي الآخرة مقامه وكماله. فالقلب هو العالم بالله ، والعامل لله ، والساعي إلى الله ، والمتقرب إلى جوار الله ، والجوارح أتباع وخدم يستعملها استعمال الملك للعبيد والصانع للآلة.

والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من الآفات ، والمحجوب عن الله تعالى إذا استغرق في الشهوات وهو الذي يفلح الإنسان إذا زكاه ويخيب ويشقى إذا دساه وهو المطيع لله على الحقيقة والمشرق على الجوارح أنواره وهو العاصي في الواقع

٢٧

والظاهر على الأعضاء آثاره وباستنارته وظلمته تظهر محاسن الظن ومساويه ، إذا كل إناء يترشح بما فيه.

وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه ، وإذا جهله جهل نفسه ، واذا جهل نفسه فقد جهل ربه.

وهو الذي جهله أكثر الناس وغفلوا عن عرفانه ، وحيل بينهم وبينه بمعاصيهم والحائل هو الله ، فإنه يحول بين المرء وقلبه ، وينسى الإنسان نفسه ويضله ولا يهديه. ولا يوفقه لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته ، فمعرفة القلب وأحواله وأوصافه أصل الأخلاق وأساس طريق الكمال.

والقلب لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالبدن شبه تعلق الأعراض بالأجسام ، أو تعلق المستعمل بالآلة ، أو المكين بالمكان.

والروح أيضاً عبارة عن هذه اللطيفة الربانية العالمة المدركة ، وهو أمر عجيب رباني يعجز العقول عن إدراك كنهه.

والنفس أيضاً هي اللطيفة المذكورة ، وهي الإنسان في الحقيقة ، وتتصف بأوصاف مختلفة بحسب أحوالها ، فإذا سكنت تحت أمر الله وزال عنها الاضطراب لثقتها بالله ولم تتزلزل ولم تضطرب ولم تنحرف عن سبيل الله وطريق الحق عند معارضة الشهوات سميت بـ « النفس المطمئنة ». وإذا لم يتم سكونها ولكن كانت مدافعة عن نفسها معارضة مع ما تقتضيه شهواتها سميت بـ « النفس اللوامة ». وإن أذعنت وأطاعت للشهوات ودواعي الهوى والشياطين سميت بـ « النفس الأمارة بالسوء ».

ثم إن طريق تسلط الشيطان على القلب : الحواس الخمس الظاهرة والقوى الباطنة : كالخيال والشهوة والغضب. فالقلب يتأثر دائماً من هذه الجهات ، وأخص

٢٨

الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ، والخواطر هي المحركات للإرادات ، فإن سند الأفعال الخواطر ، والخاطر يحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم والنية ، والنية هي الإرادة التي تحرك العضلات والأعضاء.

والخواطر المحركة قسمان : قسم يدعوا إلى الخير ، وهو ما ينفع الإنسان في العاقبة ، وقسم يدعوا إلى الشر وهو ما يضره في العاقبة ، والخاطر المحمود إلهام ، والمذموم وسوسة ، وسبب الخاطر الداعي إلى الخير في الغالب هو الملك ، وإلى الشر هو الشيطان.

والملك خلق من خلق الله ، شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف. والشيطان خلق على ضد ذلك. شأنه الوعد بالشر والأمر بالفحشاء ، والتخويف بالفقر عند الهم بالخير ، ولعل المقام من مصاديق قوله تعالى :( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) (١) فإن الموجودات متقابلة مزدوجة بمعان مختلفة. وقد ورد أنه للقلب لمتان : لمة من الملك ولمة من الشيطان ، واللمة : الخطوة والدنو والمساس. وورد أيضاً : إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان(٢) ، أي : بين خلقين مقهورين بإرادة الله التكوينية كالإصبع من صاحبها وهما : الملك والشيطان ومعنى كونه بينهما أن الله يخلي بينه وبين أي منهما أراد حسب اقتضاء عمل الإنسان ورغبته ودعائه.

ثم إن القلب بأصل الفطرة صالح مستعد لقبول دعوات الملك والشيطان ويترجح أحدهما على الآخر باتباع الهوى والشهوات أو الإعراض عنها والميل إلى الطاعات ، فإن اتبع الإنسان مقتضى الأول تسلط عليه الشيطان وصار القلب عشاً له ، وصار صاحبه ممن باض الشيطان وفّرح في صدره ودب ودرج في حجره. وإن

__________________

١ ـ الذاريات : ٥١.

٢ ـ المحجة البيضاء : ج٥ ، ص ٨٥ ـ بحار الانور : ج ٧٠ ، ص ٣٩ ـ مرآة العقول : ج ١٠ ، ص ٣٩٤.

٢٩

جاهد في مخالفة الشهوات كان قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم وعاد صاحبه ممن سبقت له من الله الحسنى ، وقد قال تعالى :( وقل رب أعوذ من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) (١) .

وذكرنا هذا ليسهل عليك فهم ما سوف نذكره من الأحاديث المقصودة واستفدنا ذلك من كلمات بعض المحققين على ما نقله عنه الفاضل المجلسيقدس‌سره في جعليه‌السلام ٠ من البحار.

وأما النصوص الواردة في بيان القلب وحالاته فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «في الإنسان مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد ، فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد ، وهي القلب »(٢) . والمراد بالقلب : الروح الإنساني التي لها تعلق خاص بالقلب الصنوبري ، والمراد من صحتها : حصول صفة التسليم لها ، ومن مرضها : عروض الطغيان عليها ، وسلامة سائر الجسد عدم صدور المعاصي منه ، وسقمه صدورها عنه. وهذا هو المراد من قولهعليه‌السلام :« إذا طاب قلب المرء طاب جسده ، وإذا خبث القلب خبث الجسد »(٣) . وكذا من قول عليعليه‌السلام : «أشد من مرض البدن مرض القلب ، وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب »(٤) .

وفي صحيح أبان عن الصادقعليه‌السلام : «ما من مؤمن إلا لقلبه أذنان في جوفه : أذن ينفث فيها الوسواس الخناس ، وأذن ينفث فيها الملك ، فيؤيد الله المؤمن بالملك وذلك قوله : وأيدهم بروح منه »(٥) . وورد في النصوص : أن للقلب أذنين ، فإذا هم العبد

__________________

١ ـ المؤمنون : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥٠ ـ الخصال ص٣١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٠ ـ الخصال ص ٣١ ـ نور الثقلين : ج٣ ، ص ٥٨٥.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥١.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٦٣ ، ص١٩٤ ـ ج٦٩ ، ص٢٦٧ ـ ج٧٠ ، ص٤٨ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٢٦٧ ـ مرآة العقول : ج٩ ، ص٣٩٢ ـ نور الثقلين : ج٥ ، ص٢٦٩.

٣٠

بذنب قال له روح الإيمان : لا تفعل ، وقال له الشيطان : إفعل(١) .

وأن بعض القلوب منكوس لا يعي الخير أبداً ، وبعضها فيه الخير والشر يعتلجان ، وبعضها مفتوح فيه مصباح يزهر ولا يطفأ نوره(٢) .

وأن من علائم الشقاء قسوة القلب والحرص على الدنيا والإصرار على الذنب وجمود العين(٣) .

وأنه إذا أراد الله بعبد خيراً فتح عيني قلبه فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه(٤) .

وأن للقلب أذنين ، الملك وروح الإيمان يساره ويأمره بالخير ، والشيطان يساره ويأمره بالشر ، فأيهما ظهر على صاحبه غلب(٥) .

وأن قلوب المؤمنين مطوية بالأيمان طياً ، فإذا أراد الله إنارة ما فيها فتحها بالوحي(٦) .

وأن الخطيئة أفسد شيء للقلب. فما تزال به حتى تجعله منكوساً(٧) .

وأنه ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب(٨) .

وأن للقلب إعراباً كالحروف ، فرفع القلب اشتغاله بذكر الله ، وفتحه رضاه

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٤٤.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٢.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥٣.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٤.

٧ ـ نفس المصدر السابق.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٥.

٣١

عن الله ، وخفضه اشتغاله بغير الله ، ووقفه غفلته عن الله(١) .

وأن لله في عباده آنية وهو القلب ، فأحبها إليه أصفاها وأصلبها وأرقها أصفاها من الذنوب وأصلبها في دين الله وأرقها على الأخوان(٢) .

وأن القلوب مرة يصعب عليها الأمر فتحب الدنيا ، ومرة يسهل فترق وتسلوا عن الدنيا ويحقر عنده ما في أيدي الناس من الأموال حتى كأنها تعاين الآخرة والجنة والنار(٣) .

وأنه لو دامت على هذه الحالة لصافحت الملائكة ومشت على الماء(٤) .

وأن للقلب اضطراباً عند طلب الحق وخوفاً ، فإذا أصابه اطمأن به ، فإن من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام. ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء(٥) .

وأن الله يحول بين المرء وقلبه ، والحيلولة : أن لا يأتي بشيء مما يشتيهيه من الحرام إلا وهو ينكره ويعلم أن ذلك باطل ، ولا يستيقن أن الحق باطل أبداً ، ولا يستيقن أن الباطل حق أبداً(٦) .

وأن لله خزانة أعظم من العرش وأوسع من الكرسي وأطيب من الجنة وهي القلب(٧) .

 وأنه يأتي عليه تارات أو ساعات ليس فيه إيمان ولا كفر شبه الخرقة

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٦.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٧.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٨.

٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٩.

٣٢

البالية(١) .

وأن قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر(٢) .

وأن القلب السليم هو الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه(٣) .

وأنه لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت(٤) .

وأنه إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودعوها(٥) ، فإنه إذا أكره عمى(٦) .

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٠.

٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٦١.

٣٣

٣٤

الدرس الثاني

في محاسبة النفس ومراقبتها

قال تعالى :( ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ) .(١) المخاطب المأمور ، هو الإنسان أمر بالنظر إلى أعماله التي تحصّلها وتقدمها أمامه لآخرته ، ولازمه النظر إلى من تصدر عنه الأعمال ومعرفته وهو نفسه أيضاً ، فالناظر : النفس باعتبار قوتها العاقلة المدركة المميزة بين الحق والباطل ، الداعية إلى الصلاح والسعادة ، والمنظور إليه أيضاً ذاتها باعتبار صفاتها وغرائزها الداعية إلى الانحراف عن الحق واتباع الهوى والشهوات ، والأمر للارشاد ، فأرشد الله تعالى نفس كل إنسان إلى النظر في نفسها وما هي عليه من العقائد والملكات والأعمال ، فإن جميع ذلك مما يقدمه الإنسان لآخرته ، إيماناً أو كفراً ، فضيلة أو رذيلة ، طاعة أو عصياناً ، والجامع لجميعها سعادة أو شقاوة ، ولا يكون النظر إلا ممن عرف ذلك كله ، أصولها وفروعها ، وعلم بما هو النفس واجدة له أو فاقدة ، وهذه هي المحاسبة للنفس ، وتنتج ذلك القيام بإصلاحها

__________________

١ ـ الحشر : ١٨.

٣٥

وسوقها إلى مراحل تهذيبها.

والنصوص أيضاً في هذه الباب كثيرة. فقد ورد : أن العلم الذي طلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة هو علم الأنفس(١) .

وأنه على العاقل أن يكون له ساعة يحاسب فيها نفسه(٢) .

وأنه لا يزال ابن آدم بخير ما كان له واعظ من نفسه وما كانت المحاسبة من همه(٣) .

وأن من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى(٤) .

وأن من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين(٥) .

وأنه إذا رأيت مجتهداً أبلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك ولمها وحثها على الازدياد(٦) .

وأن أكيس الكيّسين من حاسب نفسه(٧) .

وأنه يجب على كل إنسان أن يسأل نفسه في كل يوم عن عمل ذلك اليوم.

وأن من لم يجعل له من نفسه واعظاً فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً(٨) .

وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٤.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٨.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٩.

٧ ـ نفس المصدر السابق.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٠.

٣٦

شريكه والسيد عبده(١) .

وأن من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر(٢) .

وأن الصادقعليه‌السلام قال : « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا في مواقف القيامة(٣) .

وأن على العاقل ان يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي والأخلاق والأدب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب ويعمل في إزالتها »(٤) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٢.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٣.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٤.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٨ ، ص٦.

٣٧

٣٨

الدرس الثالث

في مجاهدة النفس وبيان حدودها

قال تعالى :( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباك ) (١) .

وقال تعالى :( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) (٢) .

وقال تعالى :( الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) (٣) .

الجهاد والمجاهدة : استفراغ الوسع في مدافعة العدو ونحوه ، وهو على ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهر من إنسان وغيره ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس وهواها ، والجميع داخل في المراد من الآيات الشريفة. والأمر بالجهاد والحث عليه في هذه الآيات بالنسبة إلى جهاد النفس إرشاد إلى ما يدركه العقل بنفسه ، فإن جهاد النفس في الحقيقة عبارة عن فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمشتبهات ، والقيام بذلك شكر للمنعم وهو واجب عقلاً ، وتركها سبب

__________________

١ ـ الحج : ٧٨.

٢ ـ العنكبوت : ٦.

٣ ـ العنكبوت : ٦٩.

٣٩

للوقوع في ضرر الهلكة والعذاب الأليم ، ورفع الضرر واجب عقلاً ، فالأوامر في هذه الآيات كأوامر الاطاعة والتسليم والاتباع لله ورسوله من الآيات الكريمة وكذا النصوص الحاثة على ذلك من السنة كلها إرشادات الهية ونبوية وولوية يترتب على موافقتها سعادة الإنسان وعلى مخالفتها شقاوته.

والأخبار الواردة في هذا الباب عن النبي الأقدس واهل بيته المعصومين : كثيرة جداً.

فقد ورد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سرية فلما رجعوا قال : «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، قيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : جهاد النفس ، ثم قال : أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه »(١) .

وورد : أن من جاهد نفسه عن الشهوات واللذات والمعاصي فإنما يجاهد لنفسه(٢) .

وأن جهاد المرء نفسه فوق جهاده بالسيف(٣) .

وأنه سئل الرضاعليه‌السلام عما يجمع خير الدنيا والآخرة؟ فقال : خالف نفسك(٤) .

وأن من جاهد نفسه وهزم جند هواه ظفر برضا الله(٥) .

وأنه لا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الرب من النفس والهوى(٦) .

وأن أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هواه(٧) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٥ ـ مجمع البحرين : ج٢ ، ص٦٨ ـ الفصول المهمة : ص٣٢٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٥.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٨.

٤ ـ الفقه : ص٣٩٠.

٥ ـ المحجة البيضاء : ج٨ ، ص١٧٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٩ ـ مستدرك الوسائل : ج١١ ، ص١٣٩.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٩.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بن يعقوب(١)

قال ساب رسول الله وإن سألناهم عن أصحاب الرواية والمشهورين بكثرة الإسناد عن رسول الله قالوا ابن عمر(٢) وجابر بن عبد الله وعائشة وأبو هريرة ولم يذكر معهم في هذا الباب(٣) .

والذي يقال على هذا ما رويناه من كون عائشة أقرت أنه أعلم الناس بالسنة من طريق لا يتهم(٤) وأوردنا أيضا(٥) أنه عيبة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال صاحب كتاب الاستيعاب:

وعن ابن عباس في إسناد ذكره(٦) قال كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل(٧) به(٨) .

وروى صاحب العمدة(٩) عن ابن المغازلي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه بإسناده عن النبيعليه‌السلام أنه قال علي مني كرأسي من بدني(١٠)

__________________

(١) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٢) المصدر: وعبد الله بن عمرو.

(٣) العثمانية: ٩٣.

(٤) مرت الاشارة اليه هامش ص: ٩٩.

(٥) مرت الاشارة اليه هامش ص: ٨٣.

(٦) قال صاحب الاستيعاب: وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا اذا اتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

(٧) ن: يعدل.

(٨) الاستيعاب: ٣ / ١١٠٤.

(٩) في كل النسخ رمز اليه بحرف عليه السلام انظر: عمدة ابن البطريق: ٣٧٦ و ٣٧٧.

(١٠) مناقب ابن المغازلي: ٩٢ حديث ١٣٦ وذكره بطريق اخر بلفظ: علي مني مثل رأسي من بدني. حديث ١٣٥ ولقد روى الحديث باللفظين او بلفظ علي مني بمنزلة رأسي من بدني جماعة: اخطب خطباء خوارزم في مناقبه: ٨٧ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ٧٥

٢٢١

وإذا تقرر هذا فكيف يقاس به غيره أو يماثل به سواه فكيف ما اعتمده الناقص(١) ساب الله من ترجيح أبي هريرة(٢) عليه المتهم عند عمر وغيره من أعيان الصحابة المقدوح فيه جدا.

وقد يكون العذر في كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر عند ذكر أبي هريرة وشبهه رئاسة من أغفل ذكره برهان سفاهة أبي عثمان في كون ترك ذكره برهان غمضه إذ الخاص التمام لا يذكر مع العامة والنجوم الثواقب لا تذكر مع السها.

__________________

والقندوزي في ينابيع المودة: ٥٣ و ١٨٠ و ٢٨٤ والشبلنجي في نور الابصار: ٧٣ والخطيب في تاريخ بغداد: ٧ / ١٢ ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ٦٣ والرياض النضرة:٢ / ١٦٢.

(١) ن: الناقض.

(٢) ابو هريرة الدوسي اليماني، اختلف في اسمه فقد قيل: انه عبد الرحمن وقيل عامر: وقيل غير ذلك كان من اصحاب الصفة يتصدق عليه المسلمون وقد صحب النبي (ص) ثلاث سنين وقيل اربع.

ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وقال: يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: ابو هريرة كان يدلس. ذكره ابن عساكر.

وقال شريك شريك عن مغيرة عن ابراهيم قال: كان اصحابنا يدعون من حديث ابي هريرة وروى الاعمش عن ابراهيم قال: ما كانوا ياخذون بكل حديث ابي هريرة.

وقد استعمله عمر بن الخطاب في ايام امارته على البحرين. وذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء عن همام بن يحيى، حدثنا اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة، ان عمر قال لابي هريرة: كيف وجدت الامارة؟ قال: بعثتني وانا كاره ونزعتني وقد احببتها. واتاه باربعمائة الف من البحرين، فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين الفا قال: من اين اصبتها؟ قال: كنت اتجر قال: انظر راس مالك ورزقك فخذه واجعل الاخر في بيت المال.

وتوفي ابو هريرة سنة ٥٩ وقيل ٥٨ وقيل غير ذلك.

انظر سير اعلام النبلاء: ٢ / ٥٧٨ - ٦٣٢ والبداية والنهاية: ٨ / ١٠٣ - ١١٥ والاصابة: ١٢ / ٦٣ وتهذيب التهذيب ١٢ / ٢٦٢.

٢٢٢

ولقد بلي مولاناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحداق(١) عمه(٢) تجعل عماها دليل نقص(٣) ما خفي عنها برهان التهويش لما بعده الكمه(٤) منها ومعاندين لا يزعهم عن البهت الشنيع دين ولا يمنعهم عن الإفك البين حياء.

والشمس لا يهبطها عائب

سيان دان أو غفول جهول

والنقص إذ ذاك على عائب

قد قيدته بالصغار(٥) الكبول(٦) .

وذكر أن النبيعليه‌السلام قال أقرؤكم أبي وقال أفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال معاذ(٧) .

والذي يقال على هذا إن الذي يرويه الخصم غير متقبل علينا وبعد فلا نعلم إلى من أشار بقوله أقرؤكم أفرضكم أعرفكم والأشبه أن تكون إشارة إلى مخاطبين حاضرين ولا يعرف(٨) من هم حتى تدري الفضيلة على من.

قال وإذا(٩) صرت إلى أن تسأل عن الاختيار وجودة الرأي والقوة في السلطان والضبط للعدو والعوام قالوا أبو بكر وعمر وإن سألت عن الفتوح قالوا أبو بكر وعمر وعثمان(١٠) .

__________________

(١) الحداق: مفرده الحدقة سواد العين.

(٢) عمه: مفردة اعمه وعمهاء: المتحير في طريقه كالاعمى.

(٣) ن: نقض.

(٤) كمه كمها: عمى او صار اعشى ( المنجد ).

(٥) الصغار ( بفتح الاول ): الذل.

(٦) الكبول: مفرده الكبل، القيد.

(٧) العثمانية: ٩٤.

(٨) ن: تعرف.

(٩) في المصدر: فان.

(١٠) العثمانية: ٩٤.

٢٢٣

وذكر عدو الله أن عليا لم يكن له رأي(١) وذكر خرافات لا تستند إلى دليل عمن لا يبنى(٢) على قوله.

والذي يقال على هذا(٣) أنه رد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قد شهد له بالحكمة الباهرة على غيره ذكرنا ذلك من عدة طرق ولكن الدين قيد يمنع السياسة الدنياوية السلطانية التي يرضاها غير المتقيدين بمراسم الله المنقادين إلى تدبيره(٤) المنبعثين إلى أوامره المتباعدين(٥) عن معصيته وإلا فأي وجه خفي عنه من فنون التدبير في حرب أو غيره وقد ارتضاه رسول الله صاحب لوائه في حروبه وجعله رئيس الناس لما وجهه إلى اليمن فأحسن وجعله عوض مهجته في المدينة لما توجه إلى تبوك.

وينبهك على أن الذي كان المقيد له عن تدبير الدنيا كون المغيرة بن شعبة أشار عليه باستنابة معاوية فأبى عليه ثم جاءه فصوب رأيه في عزله فقال له نصحت في الأولى وغششت في الثانية.

ألا تراه عرف وجه التدبير السياسي ومنعه منه التدبير الديني ولم يكن غيره عند من عرف السيرة متقيدا بهذه القيود.

وقد ذكر ابن أبي الحديد شيئا من هذا(٦) ولا أرى التعرض بخلصاء الصحابة رضوان الله عليهم وقد ذكرنا من تدبير غيره نبذة وذكرنا اقتداء أعيان الصحابة برأيه في عدة مواضع.

وأما ترجيحه منصوره ومن تلاه بكثرة الفتوح فإن لسان الجارودية يجيب

__________________

(١) العثمانية: ٩٤.

(٢) ن: يثنى.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ج وق: المساعدين.

(٦) شرح ابن ابي الحديد: ١ / ٢٣٢.

٢٢٤

عن هذا بأن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان مصدودا(١) عن ذلك بحوادث السقيفة والشورى وكان مع ذلك في محاربة من أخبره رسول الله بمحاربتهم.

وتقول الجارودية إن الذي جرى من الفتوح كان ببركة الإسلام وجهاد من جاهد من المسلمين وإشارة أمير المؤمنينعليه‌السلام بإنفاذ الجيوش إلى فارس وتخلف عمر عنهم وذلك أصل روح الفتوح.

وقد ذكر(٢) أبو عمر يوسف بن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب أنه لما ورد على عمر إجماع أهل أصبهان وهمدان والري وآذربيجان وأن ذلك أقلقه شاور أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأشار عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٣) أن يبعث إلى أهل الكوفة فيسير ثلثاهم كذا ويبقى ثلثهم على ذراريهم وأيضا(٤) إلى أهل البصرة وأن الله تعالى فتح عليه أصبهان وذلك ببركة رأي أمير المؤمنينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا عاضد لما وصفناه به من حكمته ومجيد رأيه(٥) وشرف بصيرته. قال بعد ما حكينا عنه من الخرافات الرادة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالحكمة والفضل الجم والخيرية على جميع البشر إن عليا ما كان يساوي أبا بكر ولا يجاريه ولا يدانيه ولا يقاربه وإنه كان في طبقة أمثاله طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد(٦) .

والجواب عن هذا السبب بما أنه غير مستغرب(٧) ممن سب الله تعالى أن

__________________

(١) ن: مصدوفا.

(٢) لم اعثر عليه في كتاب الاستيعاب ولكن ابا نعيم ايضا ذكره في اخبار اصفهان: ١ / ١٩.

(٣) ن: ويبعث.

(٤) لا توجد في: ن.

(٥) ن: اراءه.

(٦) العثمانية: ٩٧.

(٧) ن: بعيد.

٢٢٥

يسب عليا وقد سبق تقرير ذلك وأن الفرقة الخارجية لو سمعت بهذا أنفت منه فإن قائلهم ما تعدى الأخذ عليه بالتحكيم حيث يقول

كان علي قبل تحكيمه

جلدة بين العين والحاجب

ولو أن هذا الخبيث عول على عمدة يبني عليها أو سيرة بينة يشار إليها كان لقوله وجه ولكنه يتفوه(١) بما تفوه به غير معتمد على أس ولا بان على أصل شغل الحنق(٢) الشانئ وقاعدة المبغض القالي.

وقد ذكرنا ما يرد عليه من ذلك ونزيده(٣) إيضاحا بعد حديثين نذكرهما شاهدين بفضله على جميع العرب أحدهما(٤) يقتضي الفضل على جميع المسلمين.

روى(٥) صاحب العمدة(٦) عن ابن المغازلي بإسناده المتصل عن رسول الله إن عليا سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين(٧)

__________________

(١) ن: تفوه.

(٢) الحنق: الحاقد.

(٣) ج وق: يزيده.

(٤) في كل النسخ: واحدهما.

(٥) في كل النسخ: وروى.

(٦) في كل النسخ رمز اليه بحرف عليه السلام انظر: العمدة لابن البطريق: ٣٥٦.

(٧) مناقب ابن المغازلي: ١٠٤ قال: اخبرنا ابو طاهر محمد بن علي بن محمد البيّع البغدادي فيما كتب به اليّ يخبرني ان ابا احمد عبيد الله بن ابي مسلم الفرضي حدثهم قال: حدثنا: ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد الحافظ حدثنا محمد بن اسماعيل بن اسحاق حدثنا محمد بن عديس حدثنا جعفر الاحمر حدثنا هلال الصوّاف عن عبد الله بن كثير - او كثير بن عبد الله - عن ابن اخطب عن محمد بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة الانصاري عن ابيه قال: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله : - لما كان ليلة اسري بي الى السماء اذا قصر احمر من ياقوت يتلألأ فاوحى اليّ في علي انه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين.

٢٢٦

وفي رواية عائشة بالسند إليها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا عائشة إذا سرك أن تنظري(١) إلى سيد العرب فانظري إلى(٢) علي بن

__________________

وبطريق ثان عن عبد الله بن اسعد بن زرارة عن ابيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :انتهيت ليلة اسري بي الى سدرة المنتهى، فاوحى اليّ في علي ثلاث: انه امام المتقين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين الى جنات النعيم.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٣٧ بزيادة في اوله: اوحي الي في علي ثلاث.

وذكره ايضا المتقى في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ بزيادة في اوله: لما عرج بي الى السماء انتهى بي الى قصر من لؤلؤ من ذهب يتلألأ فاوحى اليّ ربي في علي ثلاث خصال ( وساق الحديث ).

وذكره ايضا بطريق ثان: ٦ / ١٥٧ قال في اوله: ليلة اسري بي اتيت على ربي عز وجل فاوحى اليّ في علي بثلاث الى اخره.

وذكره ايضا ابن حجر في الاصابة: ج ٤ القسم ١ ص ٣٣ وابن الاثير في اسد الغابة: ١ / ٦٩ و ٣ / ١١٦ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٧٧ والهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ١٢١.

وذكر ابو نعيم في حليلة الاولياء: ١ / ٦٦.

بسنده عن الشعبي قال: قال علي عليه‌السلام : قال لي رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: مرحبا بسيد المسلمين وامام المتقين فقيل لعلي عليه‌السلام : فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله تعالى على ما اتاني، وسألته الشكر على ما اولاني وان يزيدني مما اعطاني.

وذكر ايضا ابو نعيم في حليته: ١ / ٦٣.

بسنده عن انس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا انس اسكب لي وضوء، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين، قال انس: قلت اللهم اجعله رجلا من الانصار، وكتمته اذ جاء علي عليه‌السلام فقال: من هذا يا انس؟ فقلت: علي فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه ويمسح عرق علي عليه‌السلام بوجهه، قال علي عليه‌السلام : يا رسول الله لقد رايتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل، قال: وما يمنعني وانت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

(١) في كل النسخ: تنظرين.

(٢) لا توجد في: ن.

٢٢٧

أبي طالب(١)

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي: ٢١٣.

بسنده عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن ابي طالب على رسول الله (ص) وعنده عائشة فقال:

يا عائشة اذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب فقلت: الست سيد العرب؟ فقال: انا امام المسلمين وسيد المتقين فاذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب.

وذكر حديثين اخرين احدهما بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت: اقبل علي بن ابي طالب فقال النبي (ص): من سره ان ينظر الى سيد شباب العرب فلينظر الى علي، فقلت: يا رسول الله الست سيد شباب العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد شباب العرب.

والحديث الاخر بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب.

وايضا رواه الخطيب البغدادي في تاريخه: ١١ / ٨٩.

بسنده عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن ابي طالب عليه‌السلام على النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم وعنده عائشة فقال لها اذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب، فقالت: يا نبي الله الست سيد العرب؟ فقال: انا امام المسلمين وسيد المتقين، واذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب.

وذكره ايضا المتقى في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ وايضا في كنز العمال: ٦ / ٤٠٠ قال:

عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله انت سيد العرب، قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وذكر ابو نعيم في حلية الاولياء: ٥ / ٣٨.

بسنده عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا انس ان عليا سيد العرب فقالت عائشة الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وروى الحاكم في مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٢٤.

بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة ان النبي - صلى الله عليه ( وآله ) وسلم - قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٢٤.

بسنده عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: ادعوا لي سيد

٢٢٨

وروى بالإسناد المتصل عن أنس قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله عز وجل خلق خلقا ليس من ولد آدم ولا من ولد إبليس يلعنون مبغض(١) علي بن أبي طالب قيل(٢) يا رسول الله و(٣) من هم قال(٤) القنابر ينادون في السحر على رءوس الشجر ألا لعنة الله على مبغض(٥) علي بن أبي طالب(٦) .

وروى أبو نعيم بإسناده إلى مقاتل بن سليمان في قول الله عز وجل( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) الآية(٧) نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه(٨)

__________________

العرب فقلت: يا رسول الله الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وروى الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١١٦ وابن حجر في صواعقه: ص ٧٣ وابو نعيم ايضا في حلية الاولياء: ١ / ٦٣ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٧٧ احاديث بالمضامين المتقدمة .

(١) في المصدر: مبغضي.

(٢) في المصدر: قالوا.

(٣) في المصدر: من هم.

(٤) في المصدر باضافة: هم.

(٥) في المصدر: مبغضي.

(٦) مناقب ابن المغازلي: ١٤٢ حديث ١٨٧ قال:

اخبرنا ابو نصر بن الطحان اجازة عن القاضي ابي الفرج الخيوطي قال: حدثني احمد بن الحسن اخبرنا محمد بن الحسن حدثنا المقدام بن داود حدثنا اسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن انس وساق الحديث واخرجه عبد الله الشافعي في مناقبه وجمال الدين ابن حسنويه في در بحر المناقب على ما في احقاق الحق: ٧ / ٢٢١.

(٧) تتمها:( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) . الاحزاب: ٥٨.

(٨) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط وذكره ايضا الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية قال:وقيل: نزلت في ناس من المنافقين يوذون عليا عليه‌السلام ويسمعونه وايضا ذكره الواحدي في اسباب النزول: ص ٢٧٣.

وذكره الزمخشري ايضا في الكشاف في تفسير قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) في سورة المطففين قال:

٢٢٩

وفي هاتين الروايتين دليل على وعيد الجاحظ الشديد(١) وفيما سلف عند التنقيح(٢) شاهد بأن الجاحظ ساب الصحابة(٣) يفهمه من اعتبر.

قال فإن قالوا إن عليا كان أزهد فيما تناحر(٤) الناس عليه ولأن أزهد الناس في الدنيا أعلمهم بأعمال الآخرة(٥) قلنا صدقتم في صفة الزهد ولكن أبا بكر أزهد منه(٦) .

وتعلق بأنه كان ذا مال كثير فأنفقه في سبيل الله وكانت تركته يوم مات بعير ناضح(٧) وعبد صيقل(٨) مع الخلافة وكثرة الفتوح والغنائم والخراج والصدقة وكان علي مخفقا يعال ولا يعول فاستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف وما يحسب ماله ووقفه بينبع إلا مثل كل شيء ملكه أبو بكر مذ كان في الدنيا إلى أن فارقها وتزوج فأكثر وطلق فأكثر حتى عابه بذلك معاوية(٩) .

__________________

وقيل: جاء علي بن ابي طالبعليه‌السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا الى اصحابهم فقالوا: راينا اليوم الاصلع، فضحكوا منه فنزلت قبل ان يصل عليعليه‌السلام الى رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم.

وذكره ايضا الفخر الرازي في تفسيره في ذيل الآية المذكورة: ٣١ / ١٠١.

(١) ج وق: السديد.

(٢) ن: التقبيح.

(٣) ن: للصحابة.

(٤) ق: شاجر. وتناحر الناس عليه: تخاصموا وتشاحوا فكاد بعضهم ينحر بعضا ( المنجد ).

(٥) في المصدر: ولان ازهد الناس في الدنيا ارغبهم في الآخرة، ولان ارغبهم في الآخرة اعلمهم باحوال الآخرة.

(٦) العثمانية: ٩٧.

(٧) ن بزيادة: كتابة.

(٨) ن: عبد صقلبي، وعبد صيقل: نحيف، يقال: صقلت الناقة اذا اضمرتها وصقلها السير اذا اضمرها ( لسان العرب: صقل ).

(٩) العثمانية: ٩٧ - ٩٨.

٢٣٠

قال واستشهد وعنده تسع عشرة سرية وأربع نسوة عقائل ولا سواء من كان ذا مال فأنفقه ومن كان مقلا فكسبه ولم يتزوج أبو بكر في خلافته امرأة(١) ولا اتخذ سرية ولا تفكه بشيء(٢) .

وذكر أنه رد عمالته على بيت المال أوصى بذلك بني تيم ولم ينقل عن علي ذلك(٣) .

وضعف مقابلة ذلك بكونه كان ينضح بيت المال في كل جمعة ويصلي فيه ركعتين بما أنه فرق بين من يعطي ماله إلى من يعطي مال غيره(٤) .

ويحسن أن أنشد عند هذا

هتفت تبارى البدر والبدر كامل

منير بدت في الخافقين ذوائبه

ترفع عن شبه ولو مد باعه

ضياء تراءت زهره وثواقبه

يحالفه من طاب فرعا ومحتدا

كما يتجافاه خبيث مناسبه

سيجني ثمار البغي والعرض قائم

وقد رجفت أخطاره ونوائبه

وكان قسيم الخلد والنار آمنا

به ري ظمآن عدته(٥) مشاربه

كما لأعاديه الشقاء وذائد

عن الحوض رصت بالنمير جوانبه.

وأقول بعد هذا غير صالح(٦) في الطعن على الصحابة بل على من يسلط الطعن على الصحابة والقرابة مؤكدا بذلك الوقيعة بين المسلمين.

ومن الجواب له عما سبح فيه كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١) لا توجد في: ق.

(٢) العثمانية: ٩٨.

(٣) العثمانية: ٩٨.

(٤) العثمانية: ٩٩.

(٥) ج: غذته.

(٦) في النسخ: سالح.

٢٣١

لمعاوية - وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها(١) في كلام بسيط لمولانا تضمنته مطاوي كتاب نهج البلاغة في الكتاب الشهير البليغ إلى معاوية هذا كلامه لمنافي كذا ذي عشيرة(٢) ورئاسة قديمة وحديثة.

وأما أبو عثمان فليس من ذوي الأنساب العريقة والمنازل في الدنيا الرفيعة فيحسد عليها أربابها وينازع(٣) أصحابها ولا له بالقبيلين تعلق نسب(٤) أو موالاة بعبودية على ما أعرف.

وهذا يدلك على أنه خبيث الولادة رديء الطبيعة إذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بوروا(٥) أولادكم بحب علي(٦) .

__________________

(١) الكتاب رقم ٢٨ من نهج البلاغة.

(٢) ق: عشرة.

(٣) ن: يبارع.

(٤) ق: كسب.

(٥) ن: برروا وبوروا: اختبروا، باره يبوره: جربه واختبره.

(٦) ذكره الحافظ الجرزي في اسنى المطالب: ٨.

عن ابي سعيد الخدري قال: كنا معشر الانصار نبور أولادنا بحبهم عليا - رضي‌الله‌عنه - فاذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا انه ليس منا.

وايضا في نفس الكتاب المذكور ص ٨.

ذكر عن عبادة بن الصامت: كنا نبور اولادنا بحب علي بن ابي طالب - رضي‌الله‌عنه -، فاذا راينا احدهم لا يحب علي بن ابي طالب علمنا انه ليس منا وانه لغير رشدة.

ثم قال الحافظ المذكور بعد ذكر هذا الحديث:

وهذا مشهور من قديم والى اليوم انه ما يبغض عليا - رضي‌الله‌عنه - الا ولد زنا.

وكذلك ذكره الشيخ محمد طاهر بن علي الصديقي في مجمع بحار الانوار ١ / ١٢١ ( على ما في احقاق الحق: ٧ / ٢٦٦ ) قال:

٢٣٢

ويؤيد هذا ما رواه أخطب خطباء خوارزم مرفوعا إلى زيد بن يثيع(١) يسنده إلى أبي بكر يقول رأيت رسول الله خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام فقال(٢) يا معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة وحرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم(٣) لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب الولادة(٤) ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة فقال رجل(٥) يا زيد أنت سمعت منه(٦) قال إي ورب الكعبة(٧) .

__________________

ومنه: كنا نبور اولادنا بحب علي. وقال الزبيدي في تاج العروس في مادة ( بور ):

ومنه الحديث، كنا نبور اولادنا بحب علي - رضي‌الله‌عنه -. وذكر الحديث ايضا ابن الاثير في النهاية: ١٦١ مادة ( بور ) وقد تقدم منا ذكر بعض المصادر التي اشارت الى ان بغض علي دليل على خبث الولادة وحبه على طيب الولادة هامش ص (٢٣).

(١) ق: بثيع.

(٢) في المصدر: فقال رسول الله (ص).

(٣) في المصدر: وولي لمن والاهم وعدو لمن عاداهم.

(٤) في المصدر: طيب المولد.

(٥) في المصدر: لزيد.

(٦) في المصدر: انت سمعت ابا بكر يقول هذا؟.

(٧) مناقب الخوارزمي: ٢١١ قال: وبهذا الاسناد عن ابي سعد السمان هذا اخبرني ابو سعيد احمد ابن محمد الماليني بقرائتي عليه حدثني ابو بكر محمد بن يحيى بن حيان الدير عاقولي حدثني محمد بن الحسين بن حفص الاشناني حدثني محمد بن علي الفارسي عن سليمان بن حرب عن يونس بن سليمان التميمي عن ابيه عن زيد بن يثيع قال: سمعت ابا بكر الصديق يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] الحديث ورواه ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة:٢ / ١٩٩.

وفي اسد الغابة: ٣ / ١١.

بسنده عن صبيح مولى ام سلمة قال: كنت بباب رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم - فجاء علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فجلسوا ناحية، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: انكم على خير، وعليه كساء خيبري فجللهم به فقال: انا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم.

وذكره ايضا الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٦٩.

٢٣٣

أما دعوى المشار إليه أنه كان لأبي بكر رضوان الله عليه مال كثير فأنفقه في سبيل الله فدعوى لم يثبت أبو عثمان برهانها ولم يوضح دليلها وللجارودية من الزيدية أن يقولوا فرق بين دعوى لم يعضدها البرهان ودعوى عضدها البرهان إذ قد روى غيرنا ممن لا يتهم نزول الآي المتكاثر في صدقة علي وشكر الله تعالى له على ذلك وثناءه عليه مثل قوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها

__________________

وروى الترمذي في صحيحه: ٢ / ٣١٩.

بسنده عن صبيح مولى ام سلمة عن زيد بن ارقم ان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.

وروى هذا ايضا ابن ماجة في صحيحه: ص ١٤ والحاكم في مستدركه: ٣ / ١٤٩ وابن الاثير في اسد الغابة: ٥ / ٥٢٣ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٢١٦ والمحب الطبري في ذخائر العقبى:

ص ٢٥.

وروى احمد بن حنبل في مسنده: ٢ / ٤٤٢.

بسنده عن ابي هريرة، قال: نظر النبي صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم الى علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام فقال: انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ص ١٤٩ والخطيب البغدادي في تاريخه: ٧ / ١٣٦ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٢١٦.

وذكر المحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٢٣ قال:

وعنها - يعني ام سلمة قالت كان النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم عندنا منكسا راسه فعملت له فاطمة عليها‌السلام حريرة فجاءت ومعها حسن وحسين عليهما‌السلام فقال لها النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: اين زوجك؟ اذهبي فادعيه فجاءت به فاكلوا فاخذ كساء فاداره عليهم وامسك طرفه بيده اليسرى، ثم رفع اليمنى الى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي وخاصتي، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا انا حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم، عدو لمن عاداهم.

٢٣٤

شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً ) ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (١) .

روى ذلك الثعلبي(٢) وأبو نعيم الحافظ(٣) رواه الثعلبي بأسانيد متعددة عن ابن عباس في قول الله عز وجل( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٤) قال مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت نذرا وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء فقال عليرضي‌الله‌عنه إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا وذكر عن فاطمة وفضة نحو ذلك فبرءا وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي إلى شمعون بن حانا(٥) الخيبري وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير.

وفي حديث المزني عن ابن مهران فانطلق علي إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن حانا(٦) فقال هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها ابنة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أصوع من شعير فقال نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت

__________________

(١) الدهر: ٧ الى ٢٢.

(٢) الكشف والبيان: مخطوط.

(٣) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٤) الدهر: ٧.

(٥) ق: جانا.

(٦) ق: جانا.

٢٣٥

وأطاعت فقامت فاطمة رضوان الله عليها إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص(١) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ثم أتى(٢) المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة وذكر شعرا(٣) قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته(٤) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من

__________________

(١) ج وق: قرصا.

(٢) ن: اتى الى المنزل.

(٣) والشعر كما جاء في تفسير القرطبي: ١٩ / ١٢٩.

فاطم ذات الفضل واليقين

يا بنت خير الناس اجمعين

اما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكوا الى الله ويستكين

يشكو الينا جائع حزين

كل امرى بكسبه رهين

وفاعل الخيرات يستبين

موعدنا جنة عليين

حرمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين

تهوى به النار الى سجين

شرابه الحميم والغسلين

من يفعل الخير يقم سمين

ويدخل الجنة اي حين

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

امرك عندي يابن عم طاعة

ما بي من لوم ولا وضاعة

غديت في الخبز له صناعة

اطعمه ولا ابالي الساعة

ارجو اذا اشبعت ذا المجاعة

ان الحق الاخيار والجماعة

وادخل الجنة لي شفاعة

(٤) ق: واخبزته.

٢٣٦

أولاد المهاجرين استشهد أبي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه عليرضي‌الله‌عنه وذكر شعرا(١) قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة رضي الله عنها إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته(٢) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد تأسرونا وتشدونا ولا تطعمونا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من(٣) موائد الجنة فسمعه علي وذكر شعرا(٤)

__________________

(١) وهو ايضا كما جاء في المصدر السابق:

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

لقد اتى الله بذي اليتيم

من يرحم اليوم يكن رحيم

ويدخل الجنة اي سليم

قد حرم الخلد على اللئيم

الا يجوز ( كذا ) الصراط المستقيم

يزل في النار الى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

اطعمه اليوم ولا ابالي

واوثر الله على عيالي

امسوا جياعا وهم اشبالي

اصغرهم يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال

يا ويل للقاتل من وبال

تهوى به النار الى سفال

وفي يديه الغل والاغلال

كبولة زادت على الاكبال

(٢) ق: اخبزته.

(٣) ج: على.

(٤) وهو ايضا كما جاء في تفسير القرطبي: ١٩ / ١٢٩.

فاطم يا بنت النبي احمد

بنت نبي سيد مسود

وسماه ( كذا ) الله فهو محمد

قد زانه الله بحسن اغيد

٢٣٧

قال فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ عليرضي‌الله‌عنه بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وأقبل نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني(١) ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال وا غوثاه يا أهل بيت محمد(٢) تموتون جوعا فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال يا محمد خذها هناك الله في أهل بيتك قال وما آخذ يا جبرئيل فأقرأه( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) إلى قوله( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) إلى آخر السورة قال وزاد ابن مهران في هذا الحديث فوثب النبي - صلى الله عليه

__________________

هذا اسير للنبي المهتد

مثقل في غله مقيد

يشكو الينا الجوع قد تمدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلى الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

اعطيه لا لا تجعليه اقعد

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

لم يبق مما جاء غير صاع

قد ذهبت كفي مع الذراع

ابناي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

ابوهما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين شديد الباع

و ما على رأسي من قناع

الا قناعا نسجه انساع

(١) ن: ساءني.

(٢) لا توجد في: ن.

٢٣٨

[ وآله ] - حتى دخل على فاطمة فلما رأى ما بهم انكب(١) عليهم يبكي ثم قال لهم أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم فهبط جبرئيلعليه‌السلام بالآيات( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ) (٢)

قال هي عين في دار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفجر إلى دار الأنبياءعليهم‌السلام والمؤمنين( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة الغرض من الحديث(٣) .

قال والله ما قالوا ذلك بألسنتهم ولكنهم أضمروه في نفوسهم فأخبر(٤) الله تعالى بإضمارهم وذكر فنونا قال بعدها قال ابن عباس فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوء كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان بها فيقول أهل الجنة يا رضوان قال ربنا عز وجل( لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ) (٥) فيقول لهم رضوان ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ضحكا أشرقت الجنان من نور ضحكهما وفيهما أنزل الله سبحانه وتعالى( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) إلى قوله( وَكانَ

__________________

(١) ن: اقبل.

(٢) الدهر: ٥ - ٦.

(٣) ولقد روى ايضا نزول هذه الآيات في أهل البيتعليهم‌السلام جمع من العامة وبالفاظ مختلفة منهم: ابن الاثير في اسد الغابة ٥ / ٥٣٠ والواحدي في اسباب النزول: ٣٣١ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) والشبلنجي في نور الابصار: ١٠٢ والزمخشري في تفسير قوله تعالى( وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٢٧ وفي ذخائر العقبى: ١٠٢ والفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية والقرطبي في تفسيره: ١٩ / ١٢٩ وسبط ابن الجوزي في التذكرة: ٣٢٢ والكنجي في كفاية الطالب: ٢٠١ والخازن في تفسيره: ٧ / ١٥٩ والالوسي في روح المعاني: ٢٩ / ١٥٧.

(٤) ق: فاحسن.

(٥) الدهر: ١٣.

٢٣٩

سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) .

وروى حديث الصدقة في حال الركوع(١) أبو نعيم من عدة طرق(٢) وكذا روى حديث الصدقة أمام النجوى(٣) من عدة طرق(٤) وكذا روى حديث الصدقة ليلا ونهارا وفي(٥) السر والعلانية من عدة طرق(٦) . أقول ولو لم يكن إلا جوده بمهجته وشكر الله تعالى له على فعلته المقترنة بمخالصته(٧) لكفى.

وإن في القصة الأولى من المعنى الأعظم والعلى الأضخم والمجد الأوسم والدين الأقوم والسخاء الأشهر المعلم ما يفوق صدقات البرايا على ما يعرف عدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه ذو الفخر الذي لا يصل فخر إليه ولا تقف بإزائه دعاو لا يعلم برهانها ولا يثبت أركانها ولو ثبت لم تكن مناسبة لما ذكرناه في هذه القصة ولا في آية النجوى الذي تفرد علي دون المسلمين كافة بها وعاتب الله تعالى المسلمين عداه في البعد عنها(٨) .

__________________

(١) اشارة الى الآية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) المائدة: ٥٥ ونزولها بشان أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وسوف يأتي الكلام حولها ص: (١٣١).

(٢) معرفة الصحابة مخطوط.

(٣) اشارة الى الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المجادلة: ١٢ وايضا وقد مرّ الكلام حولها ص (٤٧).

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ج وق: لا توجد.

(٦) اشارة الى الآية:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة: ٢٧٤ وقد مرّ الكلام حولها ايضا في ص (٤٨).

(٧) ن: لمخالصته.

(٨) اشارة الى الآية:( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) : المجادلة: ١٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279