دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق21%

دروس في الاخلاق مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 279

دروس في الاخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71694 / تحميل: 7881
الحجم الحجم الحجم
دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

عيناه(١) .

وأن الله أراد بالأحسن في قوله :( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) (٢) الأصوب الصادر عن النية الصادقة(٣) .

وأن قوله تعالى :( إلا من أتى الله بقلب سليم ) (٤) . هو القلب الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه ، وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط(٥) .

وأنه إذا أخلص عبد إيمانه بالله وأجمل ذكر الله أربعين يوماً زهده في الدنيا وبصره دائها ودوائها وجرت ينابيع الحكمة من قلبه إلى لسانه(٦) ، أي : أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه ( والإيمان هنا : عقد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان ، وإخلاصه تصفية القلب عن غيره تعالى وتخليص الكلام عما لا يليق بمقام المؤمن وإخلاص العمل عن الحرام والشبهة ، والأربعين لها خصوصية أو هو مثال ).

وأن إخلاص العمل لله مما لا يغل عليه قلب إمرء مسلم(٧) ، أي : لا يغش ولا يخون المسلم في إخلاص عمله ، وليس ذلك من شأنه.

وأن عمل أهل الدنيا كله رئاء ، إلا ما كان مخلصاً ، والإخلاص على خطر

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٦ ـ وسائل الشيعة : ج١ ، ص٤٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٢٩ ، وج٨٤ ، ص ٢٦١.

٢ ـ هود : ٧ والملك : ٢.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٣٠.

٤ ـ الشعراء : ٨٩.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٦ ـ المحجة البيضاء : ج٧ ، ص٣٣٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥٤ و ٢٣٩ و ج٨٢ ، ص٣٠٥.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٠.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٢.

٦١

حتى ينظر العبد بما يختم(١) .

وأن قول إبراهيمعليه‌السلام عند توجيه وجهه إلى الله بالعبادة : ( حنيفاً مسلماً ) معناه : خالصاً مخلصاً لا يشوبه شيء(٢) .

وأن العبد إذا أشرك غير الله في عمله ترك الله الجميع لغيره فإنه خير شريك(٣) .

وأنه قد يصلي العبد ركعتين يريد بهما وجه الله فيدخله الله به الجنة(٤) .

وأن الحسن الزكيعليه‌السلام قال : لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة ولقمتها من يعبد الله خالصاً لرأيت أني مقصر في حقه(٥) .

وأن الله لا ينظر إلى الصور والأعمال ، وإنما ينظر إلى القلوب(٦) .

وأن المؤمن الكامل هو من يكون حبه وبغضه ، وإعطاؤه ومنعه لله تعالى وطلباً لمرضاته(٧) .

وأن أفضل العبادة : الإخلاص(٨) ، أي : العبادة التي فيها الإخلاص ، أو أن نفس إخلاص النية ـ مع قطع النظر عن العمل الخارجي ـ عبادة قلبية لها فضيلة وثواب ، وغيرها مما ورد في هذا الباب.

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٢.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٣.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٤.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٥.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٨.

٧ ـ نفس المصدر السابقة.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٤٩.

٦٢

الدرس الثامن

في العبادة وإخفائها

إخفاء العبادة وكل عمل خير يصدر من المؤمن عدا الموارد التي أباح الشرع إظهار العمل فيها أو أمر بإظهاره فيها للناس قولاً أو عملاً ، مطلوب بالطبع من ناحية الشارع محثوث عليه ، حفظاً لنفس العامل عن عروض بعض الرذائل عليها كالعجب والرئاء والتكبر وحب الجاه ونحوها ، وتخليصاً لعمله عن شوب الأغراض الفاسدة ، وهداية له إلى الأعمال التي ينبغي الإتيان بها خفاء.

فقد ورد : إن أعظم العبادة أجراً أخفاها(١) .

وإن العمل الصالح إذا كتمه العبد أبى الله إلا أن يظهره ليزين الفاعل به مع ما يدخر له من الثواب(٢) .

وإن المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٥١.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٤٢٨ ـ ثواب الأعمال : ص٢١٣ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٥٠ ـ بحار

٦٣

وإن من كنوز الجنة إخفاء العمل(١) .

وإن من شهر نفسه بالعبادة فاتهموه فإن الله يبغض شهرة العبادة(٢) .

وإن لله عباداً عاملوه بخالص من سره فقابلهم بخالص من بره. فهم الذين تمر صحفهم يوم القيامة فارغة ، فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سر ما أسروا إليه(٣) .

نعم ، من المندوب المطلوب إظهار العمل أحياناً والإتيان به بمرئىً من الناس ومنظر كما في الصلوات الواجبة خاصة مع الجماعة ، وفي إخراج الوجوه الواجبة من الزكاة والخمس ومنذور التصدق به وغيره ، وذلك لأن تشيع عبادة الله وطاعته في الناس ويرغب إليها الغافلون ، ويكون نوعاً من الأمر بالمعروف ، وسبباً لزوال التهمة عن العامل لو كان مورداً للتهمة. ومقتضى بعض هذه الوجوه ـ كما ترى ـ وجوب إظهاره. وقد يوسوس الوسواس الخناس في صدور بعض الناس في هذه الموارد بأن الإظهار يكون رئاء فيخفيه لذلك ، وهو من همزات الشياطين فلا يعتن بذلك ، وليقل :

إن ربي أحب الإظهار وما أحب إلا ما أحبه. وإذا شك في مورد في حسن الإخفاء أو الإظهار فليختر ما شاء ، وليقل :( رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) (٤) . وليقل أيضاً : اللهم لا تجعل للشيطان على عقلي سبيلاً ، ولا للباطل على عملي دليلاً. والشيطان يتعقب العامل ويوسوس له فيما إذا رآه يعتني بشأنه ، فإذا توجه إلى ما أمره ربه واستمر عليه وأعرض عن الشيطان وعصاه يئس منه وخلاه.

__________________

ألأنوار : ج٧٠ ، ص٢٥١ ، وج٧٣ ، ص٣٥٦.

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٥١ و ج٧١ ، ص٩٥ و ج٧٨ ، ص٣٦.

٢ ـ الأمالي : ج٢ ، ص٢٦٣ ـ وسائل الشيعة : ج١ ، ص٥٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٥٢.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٥٢ و ج٧١ ، ص٣٦٩ و ج٧٨ ، ص٦٤.

٤ ـ المؤمنون : ٩٨ ـ ٩٧.

٦٤

الدرس التاسع

في التقوى والورع والمتقين وصفاتهم

التقوى : مصدر وقى يقي وقياً ، فبدل واو المصدر تاءً وياؤه واواً ، ومعناه : الحفظ والحراسة ، والمراد هنا : حفظ النفس عن مخالفة الله تعالى بفعل ماأوجبه وترك ماحرمه ، وبمعناه الوقوى والاتقاء والتوقي.

ثم انه لا اشكال في ان مواظبة الانسان على فعل الواجب وترك الحرام توجب حصول ملكة في النفس يسهل عليه الافعال والتروك وان كانت مخالفة لميله وهواه.

والتقوى كلمة تطلق على كل واحد من الأمرين ، أي : الملكة الحاصلة في النفس ، الباعثة على الوظائف الخارجية ، وعلى نفس الاعمال والتروك. ويبحث في علم الأخلاق تارةًَ عن نفس الملكة : لأنها من مسائل العلم ، وأخرى عن الأفعال والتروك ؛ لأنها تكون من أسباب حصولها ، كما أنها تكون من آثارها ومسبباتها ، لما عرفت من أن بين الأفعال الخارجية والصفات والملكات تأثيرات متقابلة وان كان

٦٥

حق السبق للاعمال في الملكات الاكتسابية ، وللملكات في الموهوبية. فالبحث عن الأفعال في المقام ، لأنها تورث في النفس حصول الملكة.

وأما الورع : فقد يطلق على التقوى. وقد يطلق على خصوص ترك المحرمات ، وقد يطلق على ترك الشبهات أيضاً ، حتى فيما لو قام الدليل على الجواز من خبرٍ أو أصل مع احتمال عدمه في الواقع. فهو ـ حينئذ ـ مرتبة فوق التقوى ، ويشهد على إرادة الملكة من التقوى في عدة من الآيات والنصوص ، كثرة ذكر المتقين بصيغة الفاعل الظاهرة في إرادة الصفة دون الفعل ، وعد العمل بالوظائف الدينية من علامات المتقين ، ووقوع التصريح في بعض النصوص بأن التقوى في القلب وما أشبه ذلك ، كما أن القرائن قد تشهد على كون المراد بالتقوى في بعض النصوص : هو نفس الأعمال الخارجية كما ورد في تفسير التقوى عن الصادقعليه‌السلام : « أن لا يفقدك الله حيث أمرك ، ولا يراك حيث نهاك »(١) .

ثم إن الآيات الشريفة القرآنية ونصوص أهل البيت : في المقام كثيرة جداً سيقت لبيان نفس التقوى وما يترتب عليها من الآثار الدنيوية والمثوبة الأخروية ، وبيان حال المتقين ومدحهم وذكر مراتبهم عند الله وصفاتهم وعلائمهم وغير ذلك ـ جعلنا الله منهم ، ووفقنا للدخول في زمرتهم والوفود إليه في الجنان معهم إن شاء الله ـ.

فقد ورد في الكتاب الكريم :( فإن خير الزاد التقوى ) (٢) .

وأن( لباس التقوى ذلك خير ) (٣) .

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص١٨٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٥ ، وج٧٨ ، ص٢٤١.

٢ ـ البقرة : ١٩٧.

٣ ـ الأعراف : ٢٦.

٦٦

وأنه يجب التعاون على التقوى.(١)

وأن المسجد الذي أسس على التقوى أحق بالقيام فيه.(٢)

وأن من أسس بنيانه على تقوى خير.(٣)

وأن العاقبة للتقوى.(٤)

وأن تعظيم شعائر الله من توقى القلوب.(٥) وأن الله لا يناله لحوم الاضاحي ودماءها ، بل يناله التقوى منكم.(٦)

وأن الله ألزم المؤمنين كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها.(٧)

( وأن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) (٨) .

وأن الناس أمروا بأن يتناجوا بالتقوى(٩) .

وأن الله ألهم النفس فجورها وتقواها.(١٠)

وأن( الذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) (١١) . وقد ورد في الكتاب الكريم بالنسبة إلى المتقين : إن المتقين هم الذين يؤمنون بالغيب ، وبما أنزل إلى

__________________

١ ـ المستفاد من الآية الشريفة رقمها ٢ من سورة المائدة.

٢ ـ وهذا مضمون الآية الشريفة رقمها ١٠٨ من سورة التوبة.

٣ ـ وهذا مضمون الآية الشريفة رقمها ١٠٩ من سورة التوبة.

٤ ـ المأخوذ من الآية الشريفة رقمها ١٣٢ من سورة طه.

٥ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الحج ، الآية ٣٢.

٦ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الحج ، الآية ٣٧.

٧ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الفتح ، الآية ٢٦.

٨ ـ الحجرات : ٣.

٩ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة المجادلة ، الآية ٩.

١٠ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الشمس ، الآية ٨.

١١ ـ محمد : ١٧.

٦٧

الأنبياء ، وبالآخرة ، ويقيمون الصلاة ، وينفقون مما رزقهم الله ،(١) و( أن الله مع المتقين ) (٢) و( أن الله يحب المتقين ) (٣) ، وأن( الله ولي المتقين ) (٤) . وأن العمل( إنما يتقبل الله من المتقين ) (٥) . وأن الله يكتب رحمته للذين يتقون ، وأن الله قال للناس :( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (٦) . وأنه قال للمتقين :( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ) (٧) وأن ( من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب )(٨) وأن المتقين( إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) (٩) ، و( أن العاقبة للمتقين ) (١٠) ، و( إن للمتقين لحسن مآب ) (١١) .

وأن الكتاب الكريم( هدى للمتقين ) (١٢) ، وأنه( موعظة للمتقين ) (١٣) وأنه( تذكرة للمتقين ) (١٤) ، وأنه نزل بلسان النبي ليبشر به المتقين ، وأن كتاب موسى كان فرقاناً( وضياءً وذكراً للمتقين ) (١٥) .

__________________

١ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة البقره ، الآية ٣ و ٤.

٢ ـ التوبة : ٣٦ ، و ١٢٣.

٣ ـ آل عمران : ٧٦ ، والتوبة : ٤ و ٧.

٤ ـ الجاثية : ١٩.

٥ ـ المائدة : ٢٧.

٦ ـ الحجرات : ١٣.

٧ ـ الأنفال : ٢٩.

٨ ـ الطلاق : ٢.

٩ ـ الأعراف : ٢٠١.

١٠ ـ هود : ٤٩.

١١ ـ ص : ٤٩.

١٢ ـ البقرة : ٢.

١٣ ـ البقرة : ٦٦.

١٤ ـ الحاقة : ٤٨.

١٥ ـ الانبياء : ٤٨.

٦٨

وأن الدار الآخرة نعم دار المتقين ، وأن( الآخرة عند ربك للمتقين ) (١) ، وأن الذين يتقون فوق الكفار يوم القيامة(٢) ، وأن الله لم يجعل المتقين كالفجار(٣) ، وأن المتقين يحشرون إلى الرحمن وفداً ،(٤) و( إن للمتقين مفازاً ) (٥) و( إن المتقين في مقام أمين ) (٦) ، و( أن الجنة أعدت للمتقين ) (٧) ، وأنه( أزلفت الجنة للمتقين ) ،(٨) وأنه( سيق الذين اتقوا إلى الجنة زمراً ) (٩) ، وأن الذين اتقوا( لهم غرف من فوقها غرف ) (١٠) .

وورد في نصوص أهل البيتعليهم‌السلام : أن التقوى في القلب(١١) .

وأنه ينفجر من عين المعرفة بالله(١٢) .

وأن التقى رئيس الأخلاق(١٣) .

وأن هنا خصلة من لزمها أطاعته الدنيا وربح الفوز بالجنة وهي : التقوى(١٤) .

__________________

١ ـ الزخرف : ٣٥.

٢ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية ٢١٢.

٣ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة ص ، الآية ٢٨.

٤ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة مريم الآية ٨٥.

٥ ـ النبأ : ٣١.

٦ ـ الدخان : ٥١.

٧ ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية : ١٣٣.

٨ ـ ق : ٣١. الشعراء : ٩٠.

٩ ـ الزمر : ٧٣.

١٠ ـ الزمر : ٢٠.

١١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٣.

١٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٩٥.

١٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٤.

١٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٥.

٦٩

وأن التقوى : أن لا يفقدك الله حيث أمرك ، ولا يراك حيث نهاك(١) .

وأنه يجب على الناس الاتقاء حق التقوى(٢) ، أي : بما استطاعوا.

وأن من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه من غير مال ، وأعزه من غير عشيرة ، وآنسه من غير بشر(٣) ( اي : لو أعرض عنه الناس لتقواه أوجد في قلبه طمأنينة يأنس بها بإيمانه وعلومه وعباداته ).

وأن لأهل التقوى علامات يعرفون بها : كصدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد ـ الخ(٤) .

وأن من اتقى عاش قوياً وسار في بلاد عدوه آمناً(٥) .

وأن الأتقياء حصون الناس(٦) .

وأن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحّولّه عما يكره إلى ما يحب(٧) .

وأن من اعتصم بالله بتقواه عصمه الله ، وكان في حرز الله بالتقوى من كل بلية(٨) ، فإن الله قال :( إن المتقين في مقام أمين ) .(٩)

وأن السماوات والأرض لو كانتا رتقاً على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منهما فرجاً ومخرجاً(١٠) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٥.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٣.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٧٦ ـ بحار الانوار : ج٧٠ ، ص٢٨٢.

٤ ـ بحار الانوار : ج٧٠ ، ص٢٨٢.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٣.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٣.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٥.

٨ ـ نفس المصدر السابق.

٩ ـ الدخان : ٥١.

١٠ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٥ ، ص١١٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٥.

٧٠

وأن التقوى دواء داء القلوب ، وبصر عمى الأفئدة ، وطهور دنس الأنفس(١) .

وأن أتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه(٢) .

وأنه لاكرم أعز من التقوى(٣) .

وأن التقوى رأس الأمر(٤) .

وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله(٥) .

وأن المتقي محبوب عند كل فريق(٦) .

وأن القيامة عرس المتقين(٧) .

وأن أكثر ما يدخل به الجنة تقوى الله(٨) .

وأن أشد العبادة الورع(٩) .

وأنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه(١٠) ( أي : إتعاب النفس في فعل الطاعات مع عدم ترك المحرمات ).

وأن من لقي الله بالورع كان له عند الله فرجاً(١١) ، أي : كان ورعه في الدنيا فرجه عن كل ضيق في الآخرة.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٤.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٨.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٩.

٥ ـ مستدرك الوسائل : ج١١ ، ص٢٦٥.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٦.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٦ و ٢٨٨.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٨٨.

٩ ـ الكافي : ج٢ ، ص٧٧ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص١٩٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٩٨.

١٠ ـ الكافي : ج٢ ، ص٧٨ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص١٩٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٩٧ و ٣٠٨.

١١ ـ الكافي : ج٢ ، ص٧٨ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص١٩٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٠١.

٧١

وأنه لا يعد الرجل مؤمناً حتى يكون ورعاً(١) .

وأن الورع هو الذي يثبت الإيمان في قلب العبد(٢) .

وأن أورع الناس من وقف عند الشبهة(٣) .

وأن الورع هو الدين الذي يلازمه الأئمة : ويردونه من مواليهم(٤) .

وأن المتورع لا يتعب الأئمة : بالشفاعة(٥) .

وأنه يجب صون الدين بالورع(٦) .

وأنه لا ينال ما عند الله ولا يتقرب به إلا بالورع(٧) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٠٢.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٠٤.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٠٥.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٠٦.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ الكافي : ج٢ ، ص٧٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٩٧.

٧ ـ نفس المصدر السابق.

٧٢

الدرس العاشر

في الزهد ودرجاته وعلاماته

الزهد في اللغة : ترك الشيء والإعراض عنه ، يقال : زهد يزهد من باب منع وشرف ، في الشيء وعن الشيء : رغب عنه وتركه. ويراد به في الشرع كثيراً ما ، ملكة الإعراض عن الدنيا وعدم تعلق القلب بها ، وعدم الاعتناء بشأنها وإن كانت نفسها حاصلة للشخص من طريق محلل ؛ وله مرتبتان : الزهد عن حرامها وعما نهى الله عنه من زخارفها ، والزهد عن حلالها وما أباحه وسوغه ، وفي الآيات الكريمة والنصوص الواردة في الباب ما يوضح حقيقته ومراتبه وما يترتب عليه من الآثار والثواب.

قال تعالى :( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) (١) وقال :( لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ) (٢) . ( فمن الواضح أنه إذا لم يتعلق القلب بشيء لم يتأثر بالحزن عند فوته ، ولا بالفرح عند حصوله ). وقد خاطب الله تعالى النبي

__________________

١ ـ الحديد : ٢٣.

٢ ـ آل عمران : ١٥٣.

٧٣

الأقدس أو كل مخاطب له قلب ، وقال :( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ) (١) ( ومد العين كناية عن النظر إليه إعجاباً ورغبة ). والنهي إرشاد إلى وجود المفسدة في ذلك ، فإنه يضاد الزهد ، وتركه يستلزم تحقق صفة الزهد. وورد في النصوص أن حد الزهد ما ذكره تعالى ، فإنه بين كلمتين من الكتاب( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) (٢)

وأن الزهد في الدنيا قصر الأمل(٣) .

وأنه ليس بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله(٤) .

وأن الزهد تنكب حرام الدنيا(٥) .

وأنه لا زهد كالزهد في الحرام(٦) .

وأن أزهد الناس من ترك الحرام(٧) .

وأن الزاهد في الدنيا : الذي يتحرج من حلالها فيتركه مخافة حسابها ، ويترك حرامها مخافة عقابها(٨) .

وأنه ما تزين المتزينون بمثل الزهد في الدنيا(٩) .

__________________

١ ـ طه : ١٣٠ والحجر : ٨٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٣١١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٠.

٤ ـ منهج الصادقين : ج٩ ، ص١٩٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٠.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٠.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٧.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٢.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١١.

٩ ـ ارشاد القلوب : ص٩٦.

٧٤

وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة(١) ، فإنه قد أحب ما أبغضه الله ، وأي خطأ أشد جرماً من هذا.

وأن الزاهد هو المتبلغ بدون قوته والمستعد ليوم موته والمتبرم بحياته(٢) .

وأن أفضل الزهد إخفاء الزهد(٣) .

وأن الزهاد كانوا قوماً من أهل الدنيا وليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس منها يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم وهم أشد إعظاماً لموت قلوبهم(٤) .

وأن الناس ما تعبّدوا الله بشيء مثل الزهد في الدنيا(٥) .

وان أعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع(٦) .

وأن صلاح أول هذه الأمة كانوا بالزهد(٧) .

وإذا رأيتم الرجل قد أعطى الزهد في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة(٨) .

وإذا زهد الرجل فيما عند الناس أحبه الناس(٩) . ومن زهد الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها(١٠) .

__________________

١ ـ الخصال : ص٢٥ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٣ ، ص٣٩٥ ـ المحجة البيضاء : ج٥ ، ص٢٥٣ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٠٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٢٣٩ ، وج٧٣ ، ص٧.

٢ ـ ارشاد القلوب : ص٨٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٩.

٣ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢٨ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٢ ، ص٤٠٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٦ و ٣١٩.

٤ ـ الوافي : ج٤ ، ص٢٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٢٠.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٢٢.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٣١٠.

٧ ـ مجمع البحرين : ج٣ ، ص٥٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١١.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١١.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ، ص٣١١ ـ مستدرك الوسائل : ج١٢ ، ص٥١.

١٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٣.

٧٥

والله تعالى يبيح جنته للمتقرب إليه بالزهد(١) .

وأزهد الناس من لا يطلب المعدوم حتى ينفد الموجود(٢) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣١٤.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ٣١٥.

٧٦

الدرس الحادي عشر

في الخوفي والرجاء

هما من الأوصاف القلبية والصفات النفسية ، ووجودهما في الإنسان من ذاتياته وفطرياته ، ولا يوجد إنسان لم يكونا فيه ولو بالنسبة إلى بعض الأمور ويختلفان بالقياس إلى الأشخاص وإلى المتعلقات في الشدة والضعف اختلافاً كثيراً.

والمراد بالخوف في المقام : الخوف من الله تعالى من مقام ذاته ، ومن غضبه وسخطه ، ومن عذابه في الدنيا وعقابه وناره في الآخرة. وبالرجاء : الرجاء منه تعالى ، رجاء رحمته وقربه وإحسانه في الدنيا ونعمه ورضاه وجنته في الآخرة وهذان هما اللذان يمكن أن لا يوجدا في الإنسان أو يوجدا قليلاً ، وهما اللذان يجب عقلاً ونقلاً ـ تحصيلها بالتفكر في عظمته وقدرته ، والتأمل في أخذه للطاغين والعاصين وبطشه ، وما صنعه تعالى بالكفار والمنافقين والمستكبرين من الأمم الماضية من الإهلاك بالطوفان والغرق والصاعقة والرجفة والصيحة والخسف

٧٧

والوباء والطاعون وما أوعده تعالى لأعدائه في عالم الآخرة. وبالتفكر في ما أنعم الله على عباده الصالحين في الدنيا من العلم والملك والولد والمال والنعمة والعافية وما وعده تعالى لأوليائه في الآخرة من غفرانه وإحسانه وإعطائه مقام الشهادة والشفاعة والجنة والرضوان مما يعجز عنه وصف الواصفين ولم يبلغه نعت الناعتين.

ثم إن الوصفين حالتان تعرضان على النفس كثيراً ما تكونان متلازمتين ، بل يجب أن يكونا كذلك بالنسبة لمقام رب العالمين ، بحيث لو حصل للانسان خوف منه تعالى بلا رجاء أو رجاء بلا خوف كان مما ورد النهي عنه وعبر عنهما : باليأس من روح الله والأمن من مكر الله ، بل اللازم وجودهما وتساويهما بحيث لو وزنا لم يتراجحا ، وأيضاً : من اللازم أن يكونا مسببين عن قدرة الله تعالى وعفوه وكرمه نظير ما إذا قتل زيد ولد شخص كبير قادر على الانتقام عظيم كريم الصفح ، فإنه يحصل للقاتل ـ مع ملاحظة خطأه ـ حالة خوف بالنظر إلى قدرته ورجاء بالقياس إلى كرمه ، فاللازم على العبد المذنب إذا فكر في قدرة الله أن يخاف منه ، وإذا فكر في عفوه وكرمه أن يرجوا صفحه. وأما الرجاء الحاصل من حسبان نفسه لائقاً بالعفو أو الإثابة أو رؤية عمله حسناً جميلاً يستحق به الجزاء فهو مذموم.

والحالتان قد تحصلان بالنسبة إلى الذنب وعقوبته ، وقد تحصلان بالنسبة إلى العمل الصالح وثوابه ، فالعبد كما قد يخاف من عقاب ذنبه ويرجوا العفو عنه كذلك قد يخاف من حرمان ثواب عمله ويرجوا الفوز به ، فالأولى أن نورد شيئاً مما ورد في الوصفين وآثارهما ، أي : ما ورد في صفة الخوف من الله تعالى ومن بطشه وعقابه ، وفي صفة الرجاء منه تعالى ـ رجاء غفرانه وإحسانه ـ.

فنقول : خاطب الله الناس بقوله :( وإياي فارهبون ) (١) وقوله :( وخافون إن

__________________

١ ـ البقرة : ٤٠.

٧٨

كنتم مؤمنين ) (١) وقوله :( فلا تخشوا الناس واخشون ) (٢) وقال لرسله بعدما وعدهم إهلاك الظالمين وإسكانهم الأرض :( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) (٣) ووصف رسله بأنهم الذين يرجون رحمته ويخافون عذابه وقال تعالى :( وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) (٤) وقال لنبيه في حق القرآن :( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ) (٥) وقال :( أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) (٦) .

ووصف رجالاً من أوليائه بأنهم :( يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ) (٧) .

ووصف آخرين بأنهم هم( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ) (٨) وقال في حق الملائكة والأنبياء :( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) (٩) وقال في حق المتقين :( الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون ) (١٠) وقال في حق المسارعين إلى الخيرات :( والذين يوتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) (١١) . وقال في حق العلماء :( إنما يخشى الله من عباده

__________________

١ ـ آل عمران : ١٧٥.

٢ ـ المائدة : ٤٤.

٣ ـ ابراهيم : ١٤.

٤ ـ الحج : ٣٤ و ٣٥.

٥ ـ الأنعام : ٥١.

٦ ـ الأعراف : ٩٨ و ٩٩.

٧ ـ النور : ٣٧.

٨ ـ الأحزاب : ٣٩.

٩ ـ الإسراء : ٥٧.

١٠ ـ الأنبياء : ٤٩.

١١ ـ المؤمنون : ٦٠.

٧٩

العلماء ) (١) . وقال :( أمن هو قانت آناء اليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (٢) . وقال تعالى :( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) (٣) و( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ) (٤) . وأن المؤمنين المهاجرين( اولئك يرجون رحمة الله ) (٥) . وأن المؤمنين من النصارى قالوا :( ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) (٦) وقال :( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) (٧) .

وورد في النصوص الصادرة عن النبي الأعظم وأهل بيته المعصومين أن الخوف رقيب القلب والرجاء شفيع النفس ، ومن كان بالله عارفاً كان من الله خائفاً واليه راجياً(٨) .

وأن الصادقعليه‌السلام قال : أرج الله رجاء لا يجرئك على معاصيه ، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته(٩) .

وأن لقمان قال لابنه : خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك ، وارج الله رجاء لوجئته بذنوب الثقلين لرحمك(١٠) .

وأن الصادقعليه‌السلام قال : خف الله كأنك تراه ، وإن كنت لا تراه ، فإنه يراك(١١) .

__________________

١ ـ فاطر : ٢٨.

٢ ـ الزمر : ٩.

٣ ـ الرحمن : ٤٦.

٤ ـ الملك : ١٢.

٥ ـ البقرة : ٢١٨.

٦ ـ المائدة : ٨٤.

٧ ـ الحجر : ٤٩ و ٥٠.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٣٩٠.

٩ ـ الأمالي : ج١ ، ص٢٢ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص١٧٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٨٤.

١٠ ـ جامع الأخبار : ص٩٨ ـ الكافي : ج٢ ، ص٦٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٥٢.

١١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٥٤ و ٣٩٠ ـ مستدرك الوسائل : ج١١ ، ص٢٢٩.

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

من أهم عنصر كانت تعتمد عليه وترجع إليه في قضاياها ومشكلاتها الفردية والاجتماعية، فقد كان الإمام حصناً منيعاً يذود عن أصحابه ويقوم بتلبية حاجاتهم الفكرية والروحية والمادية في كثير من الأحيان.

فهنا صدمة نفسية وإيمانية بالرغم من أن الإيمان بالغيب يشكّل عنصراً من عناصر الإيمان المصطلح، لأنّ المؤمنين كانوا قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالإمامعليه‌السلام ولو في السجن أو من وراء حجاب وكانوا يشعرون بحضوره وتواجده بين ظهرانيهم ويحسّون بتفاعله معهم، والآن يُراد لهم أن يبقى هذا الإيمان بالإمام حيّاً وفاعلاً وقويّاً بينما لا يجدون الإمام في متناول أيديهم وقريباً منهم بحيث يستطيعون الارتباط به متى شاءوا.

إنّ هذه لصدمة يحتاج رأبها إلى بذل جهد مضاعف لتخفيف آثارها وتذليل عقباتها. وقد مارس الإمام العسكري تبعاً للإمام الهاديعليهما‌السلام نوعين من الإعداد لتذليل هذه العقبة ولكن بجهد مضاعف وفي وقت قصير جدّاً.

الأوّل: الإعداد الفكري والذهني.

الثاني: الإعداد النفسي والروحي.

أما الإعداد الفكري فقد قام الإمام تبعاً لآبائهعليهم‌السلام باستعراض فكرة الغيبة على مدى التاريخ وطبّقها على ولده الإمام المهديعليه‌السلام وطالبهم بالثبات على الإيمان باعتباره يتضمن عنصر الإيمان بالغيب وشجّع شيعته على الثبات والصبر وانتظار الفرج وبيّن لهم طبيعة هذه المرحلة ومستلزماتها وما سوف يتحقق فيها من امتحانات عسيرة يتمخّض عنها تبلور الإيمان والصبر والتقوى التي هي قوام الإنسان المؤمن برّبه وبدينه وبإمامه الذي يريد أن يحمل معه السلاح ليجاهد بين يديه.
فقد حدّث أبو علي بن همّام قائلاً: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام

١٤١

وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائهعليهم‌السلام :إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، فقالعليه‌السلام :«إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق» ، فقيل له: ياابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال:ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي. من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة »(١) .

وحدّث موسى بن جعفر بن وهب البغدادي فقال: سمعت أبا محمد الحسنعليه‌السلام يقول:«كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما إن المقرّ بالأئمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمنكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن أنكر جميع الأنبياء، لأن طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه الله عَزَّ وجَلَّ» (٢) .

وحدّث الحسن بن محمد بن صالح البزّاز قائلاً: سمعت الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام يقول:«إنّ ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يُجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلاّ من كتب الله عزّ وجلّ في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه» (٣) .

إلى غيرها من الأحاديث والأدعية التي تضمّنت بيان فكرة الغيبة وضرورة تحققها وضرورة الإيمان بها والصبر فيها والثبات على الطريق الحق مهما كانت الظروف صعبة وعسيرة.

وأما الإعداد النفسي والروحي فقد مارسه الإمامعليه‌السلام منذ زمن أبيه

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢/٤٠٩.

(٢) كمال الدين: ٢/٤٠٩.

(٣) كمال الدين: ٢/٥٢٤.

١٤٢

الهاديعليه‌السلام فقد مارس الإمام الهاديعليه‌السلام سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط بشيعته إعداداً للوضع المستقبلي الذي كانوا يستشرفونه وكان يُهيئهم له، كما انّه قد مارس عملية حجب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عن شيعته فلم يعرفه كثير من الناس وحتى شيعته إلاّ بعد وفاة أخيه محمد حيث أخذ يهتمّ بإتمام الحجة على شيعته بالنسبة لإمامة الحسن من بعده واستمر الإمام الحسنعليه‌السلام في سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط لضرورة تعويد الشيعة على عدم الارتباط المباشر بالإمام ليألفوا الوضع الجديد ولا يشكّل صدمة نفسية لهم، فضلاً عن ان الظروف الخاصة بالإمام العسكريعليه‌السلام كانت تفرض عليه تقليل الارتباط حفظاً له ولشيعته من الانكشاف أمام أعين الرقباء الذين زرعتهم السلطة هنا وهناك ليراقبوا نشاط الإمام وارتباطاته مع شيعته.

وقد عوّض الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الأضرار الحاصلة من تقليل الارتباط المباشر بأمرين:

أحدهما: بإصدار البيانات والتوقيعات بشكل مكتوب إلى حدٍّ يغطي الحاجات والمراجعات التي كانت تصل إلى الإمامعليه‌السلام بشكل مكتوب. وأكثر الروايات عن الإمام العسكريعليه‌السلام هي مكاتباته مع الرواة والشيعة الذين كانوا يرتبطون به من خلال هذه المكاتبات.

ثانيهما: بالأمر بالارتباط بالإمامعليه‌السلام من خلال وكلائه الذين كان قد عيّنهم لشيعته في مختلف مناطق تواجد شيعته. فكانوا حلقة وصل قوية ومناسبة ويشكّلون عاملاً نفسيّاً ليشعر اتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه. فكان هذا الارتباط غير المباشر كافياً لتقليل أثر الصدمة النفسية التي تحدثها الغيبة لشيعة الإمامعليه‌السلام .

وهكذا تمّ الإعداد الخاص من قبل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام لشيعته ليستقبلوا عصر الغيبة بصدر رحب واستعداد يتلائم مع مقتضيات الإيمان بالله

١٤٣

وبرسوله وبالأئمة وبقضية الإمام المهديعليه‌السلام العالمية والتي تشكّل الطريق الوحيد لإنقاذ المجتمع الإنساني من أوحال الجاهلية في هذه الحياة.

البحث الثالث: نظام الوكلاء في عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

إنّ نظام الوكلاء قد أسّسه الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام حين اتّسعت الرقعة الجغرافية للقاعدة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام . وقد اختار الأئمة من بين أصحابهم وثقاتهم من أوكلوا إليه جملة من المهام التي لها علاقة بالإمامعليه‌السلام مثل قبض الأموال وتلقي الأسئلة والاستفتاءات وتوزيع الأموال على مستحقّيها بأمر الإمامعليه‌السلام . وبالإضافة إلى مهمة الإرشاد وبيان الأحكام كان الوكيل يقوم بتخفيف العبء عن الإمام وشيعته في ظروف تشديد الرقابة على الإمامعليه‌السلام من قبل السلطة، كما كان يتولّى مهمة بيان مواقف الإمام السياسية حين لا يكون من المصلحة أن يتولّى الإمام بنفسه بيان مواقفه بشكل صريح ومباشر.

إنّ نظام الوكلاء يعتبر حلقة الوصل والمؤسسة الوسيطة بين الإمام وأتباعه في حال حضور الإمامعليه‌السلام ولا سيّما عند صعوبة الارتباط به.

كما أنه أصبح البديل الوحيد للارتباط بالإمامعليه‌السلام في دور الغيبة الصغرى. وحيث إنّ الأئمةعليهم‌السلام كانوا يعلمون ويتوقّعون الوضع المستقبلي للإمام المهديعليه‌السلام كما أخبرت بذلك نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهارعليهم‌السلام ، كان الخيار الوحيد للإمام المعصوم في عصر الغيبة الصغرى أن يعتمد على مثل هذه المؤسسة الواسعة الأطراف والمهامّ، ومن هنا كان الاعتماد على الثقات من جهة وتعويد الأتباع للارتباط بالإمامعليه‌السلام من خلال وكلائه أمرا لابد منه، وهذا الأمر يحتاج إلى سياسة تعتمد السنن الاجتماعية وتأخذها بنظر الاعتبار، ولا يمكن لمثل هذه المؤسسة البديلة أن تستحدث

١٤٤

في أيام الغيبة الصغرى بل لابد من التمهيد لذلك بإنشائها وإثبات جدارتها تاريخياً من خلال مراجعة الوكلاء والتثبت من جدارتهم وتجذّر هذه المؤسسة في الوسط الشيعي ليكون هذا البديل قادراً على تلبية الحاجات الواقعية لأبناء الطائفة، ولئلا تكون صدمة الغيبة فاعلة وقوية. ومن هنا كان يتسع نشاط هذه المؤسسة ويصبح دورها مهماً كلّما اشتدت الظروف المحيطة بالإمام المعصومعليه‌السلام وكلّما اقترب الأئمة من عصر الغيبة.

وعلى هذا يتّضح أن عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الذي كان يشكّل نقطة الانتقال المهمّة والجوهرية من عصر الحضور إلى عصر الغيبة كان يستدعي الاعتماد الكبير على الوكلاء ويستدعي إحكام نظامهم وكثرة مهامّهم واتّساع دائرة نشاطهم وتواجدهم اتّساعاً يمهّد للانتقال بأتباع أهل البيتعليهم‌السلام إلى دور الغيبة التي ينقطعون فيها عن إمامهم وقيادتهم المعصومة.

إنّ مقارنة عدد وكلاء الإمام العسكريعليه‌السلام بوكلاء الإمام الهاديعليه‌السلام ومناطق تواجد هؤلاء الوكلاء والمسؤوليات الملقاة عليهم وكيفية الارتباط فيما بينهم تشهد على تميّز الدور الكبير للوكلاء في هذه الفترة القصيرة جدّاً وهي ستّ سنوات، كما أن استقرار الوكلاء في مناصبهم واعتماد الإمامعليه‌السلام عليهم وبيان ذلك لأتباعه قد حقق الهدف المرتقب من نظام الوكلاء في مجال تسهيل الانتقال إلى عصر الغيبة بأقلّ ما يمكن من الأخطار والتبعات.

على أن انحراف بعض الوكلاء ـ طمعاً أو حسداً ـ وكشف انحرافهم من قبل الإمامعليه‌السلام وحذفهم وإخبار الأتباع بانحرافهم في أول فرصة ممكنة دليل على مدى حرص الإمامعليه‌السلام على سلامة عناصر هذا الجهاز الخطير في دوره ومهامّه الرسالية، وهو دليل على المراقبة المستمرة من الإمامعليه‌السلام لهم ومدى متابعته لأوضاعهم ونشاطاتهم.

١٤٥

وإليك قائمة بأسماء بعض وكلاء الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :

١ ـ إبراهيم بن عبدة النيسابوري من أصحاب العسكريينعليهما‌السلام ، كان وكيلاً له في نيسابور..

٢ ـ أيوب بن نوح بن درّاج النخعي كان وكيلاً للعسكريينعليهما‌السلام .

٣ ـ أيوب بن الباب، أنفذه من العراق وكيلاً إلى نيسابور.

٤ ـ أحمد بن إسحاق الرازي.

٥ ـ أحمد بن إسحاق القمي الأشعري كان وكيلاً له بقم.

٦ ـ جعفر بن سهيل الصيقل.

٧ ـ حفص بن عمرو العمري الجمّال.

٨ ـ عثمان بن سعيد العمري السمّان(الزيّات) وهو أوّل السفراء الأربعة.

٩ ـ علي بن جعفر الهمّاني من وكلاء أبي الحسن وأبي محمدعليهما‌السلام .

١٠ ـ القاسم بن العلاء الهمداني من وكلائه ووكلاء ابنه الإمام المهديعليه‌السلام .

١١ ـ محمّد بن أحمد بن جعفر(الجعفري) القمي العطّار.

١٢ ـ محمّد بن صالح بن محمد الهمداني.

١٣ ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

١٤ ـ عروة بن يحيى البغدادي النخّاس المعروف بالدهقان كان من وكلائه في بغداد ثم انحرف وضلّ وأخذ يكذب على الإمام ويقتطع الأموال لنفسه وأحرق بيت المال الذي سُلّم إليه من بعد ابن راشد وتبرّأ منه الإمام ولعنه وأمر شيعته بلعنه ودعا عليه حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر(١) .

ــــــــــــ

(١) راجع للتفصيل حياة الإمام العسكري: ٣٢٩ ـ ٣٤٢.

١٤٦

البحث الرابع: مدرسة الفقهاء والتمهيد لعصر الغيبة:

أكمل الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الخط الذي أسّسه آباؤه الطاهرون وهو إنشاء جماعة صالحة تمثل خط أهل البيت الفكري والعقائدي والأخلاقي والسلوكي وقد اهتمّ الإمامان محمّد الباقر وجعفر الصادقعليهما‌السلام بشكل خاص بإعداد وتربية مجموعة من الرواة والفقهاء فتمثّلت فيهم مدرسة علمية استوفت في عهد الإمام العسكريعليه‌السلام كل متطلبات المدرسة العلمية من حيث المنهج والمصدر والمادة ممهدة به لعصر الغيبة الصغرى(١) .

وقد أيّد الإمام العسكريعليه‌السلام جملة من الكتب الفقهية والأصول الروائية التي جمعت في عصره أو قبل عصره وأيّد أصحابها وشكر لهم مساعيهم وبذلك يكون قد أعطى للمدرسة الفقهية تركيزاً واهتماماً يشير إلى أنّ الخط الفقهائي هو الخط المستقبلي الذي يجب على القاعدة الشيعية أن تسير عليه(٢) .

وكان من منتسبي هذه المدرسة أساتذة وطلاباً في عهد أبناء الرضاعليه‌السلام مجموعة قد أورد الشيخ المجلسيرضي‌الله‌عنه في موسوعته أسماءهم(٣) .

وقد أحصيت أسماء أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ورواة حديثه فبلغت ٢١٣ محدثاً وراوياً(٤) .

وإليك بعض ثقاة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وأصحابه:

ـ علي بن جعفر الهماني.

ـ أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري.

ــــــــــــ

(١) تاريخ التشريع الإسلامي، د. عبد الهادي الفضلي: ١٩٤ ـ ٢٠٢.

(٢) حياة الإمام العسكري للشيخ محمد جواد الطبسي: ٣٢٥.

(٣) بحار الأنوار: ج٥٠، المشتمل على حياة الأئمة الجواد: ١٠٦ والهادي: ٢١٦ والعسكري عليهم‌السلام : ٣١٠.

(٤) حياة الإمام العسكري عليه‌السلام : محمد جواد الطبسي: الفصل العاشر.

١٤٧

ـ داود بن أبي يزيد النيسابوري.

ـ محمد بن علي بن بلال.

ـ عبد بن جعفر الحميري القمي.

ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الزيّات والسمّان.

ـ إسحاق بن الربيع الكوفي.

ـ أبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي.

ـ إبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوري.

ـ محمد بن الحسن الصفار.

ـ عبدوس العطار.

ـ سري بن سلامة النيسابوري.

ـ أبو طالب الحسن بن جعفر.

ـ أبو البختري.

ـ الحسين بن روح النوبختي.

ومع ملاحظة حراجة الظروف المحيطة بالإمام العسكري وقصر الفترة التي عاشها إماماً ومرجعاً للأمة والشيعة فإنَّ هذه النسبة من الرواة تشكل رقماً قياسيّاً طبعاً.

وكان لمحمد بن الحسن بن فروّخ الصفّار المتوفى سنة(٢٩٠هـ) مجموعة من المؤلفات تقارب الأربعين مؤلفاً، وقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام وقال: «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتب بها إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري»(١) .

ــــــــــــ

(١) الفهرست، الشيخ الطوسي: ١٧٤.

١٤٨

وقد تضمنت كتبه مختلف أبواب الأحكام كالصلاة والوضوء والعتق والدعاء والزهد والخمس والزكاة والشهادات، والتجارات، والجهاد وكتاب حول فضل القرآن الكريم وبلغت كتبه ـ على ما أحصاه الأستاذ الفضلي ـ خمسة وثلاثين كتاباً(١) .

وقد اتّسم عهد الأئمة من أبناء الرضاعليه‌السلام وهم ـ الجواد والهادي والعسكريعليهم‌السلام ـ باتّساع رقعة انتشار التشيّع، وكثرة العلماء والدعاة إلى مذهب أهل البيت، واكتمال معالم وأبعاد مدرستهم الفقهية في المنهج والمادة معاً.

ويتلخّص المنهج الذي سارت عليه مدرسة الفقهاء الرواة عن أهل البيتعليهم‌السلام في نقاط جوهرية وأساسية تميّزها عمّا سواها من المدارس الفقهية وهي:

١ ـ اعتماد الكتاب والسنّة فقط مصدراً أساسياً للتشريع الإسلامي.

٢ ـ ضرورة الرجوع في تعلّم العلوم الشرعية وأخذ الفتوى إلى الإمام المعصوم إن أمكن.

٣ ـ لزوم الرجوع إلى الفقهاء الثقاة حيث يتعسّر الرجوع إلى الإمام المعصوم.

٤ ـ الإفتاء بنصّ الرواية أو بتطبيق القاعدة المستخلصة من الرواية(٢) .

وبهذا وفّرت مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ـ خلال قرنين ونصف قرن على الرغم من قساوة الظروف وبالرغم من افتتاح عدة جبهات للمعارضة مع الحكم القائم ـ كل متطلبات إحياء الشريعة الإسلامية وديمومتها واستمرارها حتى في عصر الغيبة. وهيّأت للمسلمين عامة ولشيعة أهل البيت خاصّة كل مقدّمات الاستقلال الفكري والسياسي والاقتصادي والثقافي وأعطتهم الزخم اللازم لاستمرار المواجهة مع الباطل الذي يترصّد الحق في كل زمان ومكان.

ــــــــــــ

(١) تاريخ التشريع الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: ٢٠٠ ـ ٢٠٢.

(٢) تاريخ التشريع الإسلامي، عبد الهادي الفضلي: ٢٠٢ ـ ٢١١.

١٤٩

البحث الخامس: قيادة العلماء الأمناء على حلاله وحرامه

إن مرجعية العلماء وقيادتهم للشيعة بعد الغيبة الكبرى التي ابتدأت عام(٣٢٩ هـ ) بوفاة الوكيل الرابع(١) للإمام المهديعليه‌السلام كانت تأسيساً حيويّاً من قبل الأئمة المعصومينعليهم‌السلام وبأمر من الله ورسوله، فهم الذين أمروا الشيعة بالرجوع إلى العلماء الفقهاء الذين تربّوا في مدرستهم الرسالية لأخذ معالم دينهم عنهم، وهذا المفهوم قد أعطاه الإمام الصادقعليه‌السلام صبغته التشريعية بقولهعليه‌السلام :

«ينظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله» (٢) .

وقد استمرّ الأئمةعليهم‌السلام على هذا النهج وقاموا لتحقيق هذه المهمّة بتربية الفقهاء الأمناء على المنهج العلمي السليم الذي رسموا معالمه وتفاصيله بالتدريج، وتواصلت جهودهم رغم كل الظروف العصيبة بعد عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

ثم كان للخطوات التي اتخذها الإمام الهاديعليه‌السلام الدور البارز في إعطاء الصيغة الاجتماعية الكاملة لمرجعية العلماء، فقد قالعليه‌السلام :لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه‌السلام من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن

ــــــــــــ

(١) علي بن محمد السمري، يراجع كشف الغمة: ٣ / ٢٠٧.

(٢) الكافي: ١/٥٤ ح ١٠ و ٧/٤١٢ ح ٥ والتهذيب: ٦/٢١٨ ح ٥١٤ و ٣٠١ ح ٨٤٥ و عنهما في وسائل الشيعة: ٢٧/١٣٦ ح ١ ب ١١.

١٥٠

فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء شيعتنا كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عَزَّ وجَلَّ (١) .

إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة إرجاع الأمة إلى الفقهاء العدول هو: «أن الأجيال المسلمة تحتاج باستمرار إلى المرشد والموجه والمفكّر المُدَّبر كي يعطيهم تعاليم دينهم ويرتفع بمستوى إيمانهم وعقيدتهم ويشرح لهم إسلامهم ويوجههم في سلوكهم إلى العدل والصلاح ورضا الله عَزَّ وجَلَّ»(٢) .

ووفقاً لذلك كان ما اتخذه الإمام العسكريعليه‌السلام من مواقف ايجابية بالنسبة للعلماء ورواة الحديث الثقاة المأمونين على حلال الله وحرامه وإرجاع شيعته إليهم يعتبر تمهيداً أساسيّاً لعصر الغيبة، وتأكيداً لفكرة المرجعية الشاملة إلى جانب نظام الوكلاء الثقاة المأمونين من شيعته والذي كان من مهامّه إرجاع عامة الطائفة إلى العلماء منهم.

كما كان احتجابه عن الشيعة واتخاذ المراسلات والتواقيع الخارجة عنه سبيلاً آخر للتمهيد أيضاً ـ كما عرفت ـ فقد جاء عنهعليه‌السلام في العمري وابنه محمد:العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعني يؤديان وما قالا فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان (٣) .

وممّا يدل على أن الإمام العسكريعليه‌السلام كان يوجّه القواعد الشعبية للرجوع إلى الفقهاء وتقليدهم وأخذ معالم دينهم عنهم ما جاء عنهعليه‌السلام :

«فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه

ــــــــــــ

(١) الاحتجاج: ٢ / ٢٦٠.

(٢) الغيبة الصغرى للصدر: ٢١٩.

(٣) الغيبة الصغرى: ٢١٩.

١٥١

فللعوام أن يقلّدوه» (١) .

وبهذه الخطوات أكمل الإمام العسكريعليه‌السلام الدور الموكل إليه والمناط به في هذه المرحلة المهمة من تأريخ الرسالة الإسلامية، فقد أنشأ مدرسة علمية لها الدور الأكبر في حفظ تراث أهل البيت الرسالي ومبادئ الإسلام أوّلاً، ومن ثم كان لها الأثر الكبير في نشر فكرة الغيبة وتهيئته الذهنية العامة لتقبّلها ثانياً، كما كان لها مساهمة فعّالة في توجيه شيعة الإمامعليه‌السلام بالرجوع إلى الفقهاء الذين هم حصن الإسلام الواقي للمسلمين من الأعداء ثالثاً.

وبعد الغيبة الكبرى ظهرت الآثار الايجابية لمدرسة الإمام العسكريعليه‌السلام وتعاليمه ووصاياه في التزام الشيعة وأتباع أهل البيتعليهم‌السلام بخط المرجعية الرشيدة.

ويعدّ مبدأ الاجتهاد والتقليد عند الإمامية مظهراً لواقعية هذا المذهب في قدرته على الحفاظ على روح التشريع وحيويّة الرسالة الإسلامية بعد غيبة الإمام المعصومعليه‌السلام والى اليوم الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً بعدما تملأ جوراً وظلماً.

البحث السادس: الإمام العسكريعليه‌السلام والفرق الضالّة

إن للانحراف عن جادّة الصواب أسباباً يعود بعضها إلى طبيعة الظروف التي تطرأ على الإنسان فتتعاضد مع ما يحمله من ضعف فكري عقائدي أو هبوط أخلاقي ولا سيّما إذا لم يتلقّ تربية صحيحة من ذويه ومن يحيط به أو يصاحبه.

ــــــــــــ

(١) تفسير الإمام العسكري: ١٤١ وعنه في الاحتجاج: ٢/٢٦٣.

١٥٢

وأهل البيتعليهم‌السلام قد أعدّهم الله ورسوله لتربية أبناء الأمة وانتشالهم من الانحراف عبر التوجيه والإرشاد، وتبقى الاستجابة لهدايتهم هي السبب الأعمق لتأثيرها وفاعليتها في كل فرد.

وحين يصبح الانحراف خطّاً منظماً وفاعلاً في المجتمع الإسلامي ينبغي مواجهته بالإدانة وبتفتيت عناصره وقواه الفاعلة ومحاولة إرجاع العناصر المضلَّلة التي تبغي الحق في عمق وجودها وإن حادت عنه.

ونجد للإمام العسكريعليه‌السلام مواقف إرشادية وتوجيهية لبعض أتباع الفرق الضالّة بينما نجده صارماً مع رموز بعض هذه الفرق. وجادّاً في التحذير منهم لعزلهم والحيلولة دون تأثيرهم في القاعدة الشعبية التي تدين بالولاء لأهل البيتعليهم‌السلام .

ونقف فيما سيأتي على موقف الإمامعليه‌السلام من الواقفة أولاً ثم موقفه من المفوّضة وممّن كان متأثّراً بهم.

١ ـ الإمام العسكريعليه‌السلام والواقفة

والواقفة جماعة، وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، ولم تقل بإمامة الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان القندي الأنباري وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى وكان سبب توقّفهم هو أن زياد بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم(١) .

ــــــــــــ

(١) يراجع رجال الكشي: ٤٦٧ ح ٨٨٨ و ٤٩٣ ح ٩٤٦ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/٢٥١ وعنه في سفينة البحار: ٣/٥٨١.

١٥٣

روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسيرضي‌الله‌عنه عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال: مضى أبو إبراهيم ـ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ـ وعند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جواري ومسكنه بمصر، فبعث إليهم أبو الحسن الرضاعليه‌السلام :«أن احملوا ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم، فإني وارثه وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه ـ وبهذا أشار الرضاعليه‌السلام إلى موت الإمام الكاظمعليه‌السلام ـولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قبلكم» .

فأما أبو حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام : إنّ أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حيّ قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل، واعمل على أنه مضى كما تقول، فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وأما الجواري، فقد أعتقتهن وتزوّجت بهنّ(١) .

وقد سأل أحد أصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عمن وقف على أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قائلاً: أتولاّهم أم أتبرّأ منهم ؟ فكتبعليه‌السلام :«لا تترحّم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه، أنا إلى الله منهم بريء فلا تتولاهم، ولا تعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصلِ على أحد منهم مات أبداً سواء من جحد إماماً من الله أو زاد إماماً ليست إمامته من الله أو جحد أو قال: قالت ثلاثة، إنّ جاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا» (٢) .

وبهذا علم السائل أنّ عمّه منهم، كما علم موقف الإمام الصارم من هذه الجماعة التي سُميت بالكلاب الممطورة، فقد روى الشيخ الكشيرضي‌الله‌عنه عن

ــــــــــــ

(١) الغيبة: ٦٤ ح ٦٧ ونحوه أخصر منه في رجال الكشي: ٥٩٨ ح ١١٢٠ وليس فيه: تزوّجت بهن، وفي ح١١١٧: ثم تاب وبعث إليه بالمال وفي ح ١١١٨: أنه سكن الكوفة ثم الحيرة ومات بها.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٥٢ ح٣٨ وعنه في كشف الغمة: ٣ / ٣١٩.

١٥٤

أبي علي الفارسي عن إبراهيم بن عقبة، أنه قال: كتبت إلى العسكريعليه‌السلام : جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنت عليهم في صلواتي ؟ قال:نعم، اُقنت عليهم في صلواتك (١) .

٢ ـ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والمفوّضة

والمفوّضة جماعة، قالت: إنّ الله خلق محمّداً وفوّض إليه خلق الدُّنيا، فهو الخلاّق لما فيها، وقيل: فوّض ذلك إلى الإمام عليعليه‌السلام (٢) والأئمةعليهم‌السلام من بعده. وعن إدريس بن زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً فخرجتُ إلى العسكر للقاء أبي محمّدعليه‌السلام ، فقدمت وعليَّ أثر السفر وعناؤه، فألقيتُ نفسي على دكّان حمّام، فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمّدعليه‌السلام ، قد قرعني بها حتّى استيقظت، فعرفته سلام الله عليه فقمتُ قائماً أقبّل قدمه وفخذه، وهو راكب، والغلمان من حوله فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال:ياإدريس ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٣) .

فقلت: حسبي يامولاي وإنّما جئت أسألك عن هذا، قال:تركني ومضى(٤) .

وإنّ قوماً من المفوّضة قد وجّهوا كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمدعليه‌السلام قال كامل: قلت في نفسي أسأله: لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي؟ وكنت جلستُ إلى باب عليه ستر مرخىً، فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا

ــــــــــــ

(١) رجال الكشي: ٤٦٠ ح ٨٧٥ و ٤٦١ ح ٨٧٩ وعنه في بحار الأنوار.

(٢) يُراجع معجم الفرق الإسلامية: ٢٣٥.

(٣) الأنبياء(٢١): ٢٦ ـ ٢٧.

(٤) المناقب: ٤ /٤٦١.

١٥٥

بفتى كأنّه فِلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي:ياكامل بن إبراهيم ; فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت: لبّيك ياسيّدي.

فقال:جئت إلى وليّ الله تسأله: «لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتك وقال بمقالتك» ؟

قلت: إي والله.

قال:إذن والله يقلّ داخلها والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيّة .

قلت: ومن هم ؟

قال:«قوم من حبهم لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام يحلفون بحقّه وما يدرون ما حقه وفضله» .(أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً من معرفة الله ورسوله والأئمةعليهم‌السلام ).

ثم قال:جئت تسأله عن مقالة المفوّضة ؟ كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) (١) . فقال لي أبو محمّدعليه‌السلام :ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك(٢) .

وقد كان الإمام العسكريعليه‌السلام حريصاً على هداية أتباع أهل البيتعليهم‌السلام وإرشادهم إلى الحق بإزالة الشكوك التي كانت تعترضهم في الطريق.

فعن محمّد بن عياش أنه قال: تذاكرنا آيات الإمام فقال ناصبيّ: إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت إنّه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرّجل بلا مداد على ورق وجعل في الكتب، وبعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا وكتب على ورقة اسمه واسم أبويه، فدهش الرّجل، فلمّا أفاق اعتقد الحق(٣) .

وروي عن عمر بن أبي مسلم أنه قال: كان سميع المسمعيّ يؤذيني كثيراً

ــــــــــــ

(١) الإنسان(٧٦): ٣٠.

(٢) الغيبة: ٢٤٧، بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٣٦ و ٣٣٧.

(٣) المناقب: ٢/٤٧٠.

١٥٦

ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله الدّعاء بالفرج منه، فرجع الجواب: أبشر بالفرج سريعاً، ويقدم عليك مال من ناحية فارس. وكان لي بفارس ابن عمّ تاجر لم يكن له وارث غيري فجاءني ماله بعدما مات بأيّام يسيرة.

ووقّع في الكتاب:استغفر الله وتب إليه ممّا تكلّمت به، وذلك أنّي كنت يوماً مع جماعة من النّصاب فذكروا أبا طالب حتّى ذكروا مولاي، فخضت معهم لتضعيفهم أمره، فتركت الجلوس مع القوم، وعلمت أنه أراد ذلك (١) .

قال محمّد بن هارون بن موسى التلعكبريّ: حدثنا محمد بن هارون فقال: أنفذني والدي مع أصحاب أبي القلا صاعد النصراني لأسمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن عليّ العسكريعليه‌السلام فأوصلني إليه فرأيت رجلاً معظماً وأعلمته السبب في قصدي فأدناني وقال:

حدّثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سرّ من رأى للظلامة من العامل، فإذا [كنّا] بسرّ من رأى في بعض الأيام إذا بمولانا أبي محمدعليه‌السلام على بغلة، وعلى رأسه شاشة، وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدّعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الأمر على هذا فيحوّل مقدّم الشاشة إلى مؤخرها، ففعل ذلك.

فقلت: هذا اتّفاق ولكنه سيحوّل طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إليّ فقال:يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عمّا لا أنت منه ولا إليه ، وكنّا نأكل سمكاً.

وهكذا أسلم صاعد بن مخلّد وكان وزيراً للمعتمد(٢) .

وعن محمد بن عبيدالله قال: كنت يوماً كتبت إليه أخبره باختلاف

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠/٢٧٣.

(٢) بحار الأنوار: ٥٠/٢٨١.

١٥٧

الموالي واسأله إظهار دليل، فكتب: إنّما خاطب الله تعالى ذوي الألباب وليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر ممّا جاء به خاتم النبيين وسيّد المرسلين فقالوا: كاهن وساحر كذاب، فهدى الله من اهتدى غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس. وذلك أن الله جلّ جلاله يأذن لنا فنتكلم ويمنع فنصمت، ولو أحب الله ألا يظهر حقاً لنا بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة في أوقات وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ الناس حكمه في طبقات شتى، فالمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل، غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ.

وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد على أهل الحق ودفعه بالباطل والهوى كفّاراً حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يميناً وشمالاً فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون سعي. ذكرت اختلاف والينا، فإذا كانت الوصيّة والكتب فلا ريب من جلس مجلس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت. وإيّاك والإذاعة وطلب الرياسة فإنّهما يدعوان إلى الهلكة.

ثم قال:

ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله آمناً واقرأ من تثق به من موالينا السلام ومرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا .

قال: فلما قرأت خار الله لك في دخولك مصر إن شاء الله آمناً لم أعرف المعنى فيه فقدمت بغداد عازماً على الخروج إلى فارس فلم يقيض لي وخرجت إلى مصر.

قال: ولما همّ المستعين في أمر أبي محمد بما همّ وأمر سعيد الحاجب بحمله إلى الكوفة وأن يحدث في الطريق حادثة انتشر الخبر بذلك في الشيعة فأقلقهم وكان بعد مضي أبي الحسن بأقلّ من خمس سنين.

فكتب إليه محمد بن عبد الله والهيثم بن سبابة: قد بلغنا جعلنا الله فداك خبر أقلقنا وغمّنا وبلغ منا، فوقّععليه‌السلام :بعد ثلاثة أيام يأتيكم الفرج . قال: فخلع

١٥٨

المستعين في اليوم الثالث وقعد المعتز وكان كما قال(١) .

وعن علي بن محمد بن الحسن قال: خرج السلطان يريد البصرة وخرج أبو محمد بشيعته فنظرنا إليه ماضياً وكنّا جماعة من شيعته فجلسنا ما بين الحائطين ننتظر رجوعه فلمّا رجع وحاذانا وقف علينا، ثم مدّ يده إلى قلنسوته فأخذها من رأسه وأمسكها بيده.

ثم مرّ يده الأخرى على رأسه وضحك فيوجه رجل منا، فقال الرجل مبادراً: أشهد أنك حجة الله وخيرته. فسألناه ما شأنك؟ فقال: كنت شاكاً فيه فقلت في نفسي: إنْ رجع وأخذ قلنسوته من رأسه قلت بإمامته(٢) .

وروى جماعة من الصيمريين من ولد إسماعيل بن صالح: أنّ الحسن ابن إسماعيل بن صالح كان في أوّل خروجه إلى سرّ من رأى للقاء أبي محمد ومعه رجلان من الشيعة وافق قدومه ركوب أبي محمد، قال الحسن بن إسماعيل: فتفرقنا في ثلاث طرق وقلنا: إن رجع في أحدهما رآه رجل منا فانتظرناه، فعادعليه‌السلام في الطريق الذي فيه الحسن بن إسماعيل.

فلمّا طلع وحاذاه قال: قلت في نفسي: اللهمّ إن كانت حجتك حقّاً وإمامنا فليمسّ قلنسوته، فلم استتم ذلك حتى مسّها وحرّكها على رأسه، فقلت: يا رب إن كان حجتك فليمسّها ثانياً، فضرب بيده فأخذها عن رأسه ثم ردّها، وكثر عليه الناس بالسلام عليه والوقوف على بعضهم فتقدمه إلى درب آخر.

فلقيت صاحبَيّ وعرّفتهما ما سألت الله في نفسي وما فعل، فقالا: فتسأل ونسأل الثالثة، فطلععليه‌السلام وقربنا منه فنظر إلينا ووقف علينا ثمّ مدّه يده إلى قلنسوته فرفعها عن رأسه وأمسكها بيده وأمرّ يده الأخرى على رأسه وتبسّم في وجوهنا وقال:كم هذا الشك؟ قال الحسن: فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك

ــــــــــــ

(١) اثبات الوصية: ٢٣٩.

(٢) اثبات الوصية: ٢٤٥.

١٥٩

حجة الله وخيرته، قال: ثم لقيناه بعد ذلك في داره وأوصلنا إليه ما معنا من الكتب وغيرها(١) .

كما أنّا نجد الإمامعليه‌السلام يستغل هذا الظرف ويُلقي الحجة على شابّ قد أتى من المدينة لاختلاف وقع بين أصحابه في إمامة الحسن العسكريعليه‌السلام ، فيبادره الإمامعليه‌السلام بالسؤال:أغفّاري أنت ؟ فقال الشاب: نعم، ثم يسأله الإمام عليه‌السلام عن والدته ويسمّيها له قائلاً: ما فعلت أمك حمدويه؟ فقال الشاب صالحة (٢) . وكان الشاب من ولد الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري. وعاد إلى أصحابه وهو مطمئن القلب بإمامة الحسن العسكري عليه‌السلام .

البحث السابع: من وصايا الإمام العسكريعليه‌السلام وإرشاداته لشيعته

وتضمّنت وصايا الإمام ورسائله، بيان الأحكام الشرعية ومسائل الحلال والحرام كما اشتملت على خطوط للتعامل مع الآخرين وكان ذلك بمثابة منهاج سلوكي ليسير عليه شيعته ويقيموا علائقهم وفقاً له فيما بينهم وبين أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه وإن اختلفوا معهم في المذهب والمعتقد، ومن هذه الوصايا:

١ ـ قولهعليه‌السلام :«أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صَلّوا في عشائركم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جُرّوا

ــــــــــــ

(١) إثبات الوصية: ٢٤٦.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٣٩ ح ٢٠ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠/٢٦٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279