السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث6%

السّلام في القرآن والحديث مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 320

السّلام في القرآن والحديث
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40234 / تحميل: 7385
الحجم الحجم الحجم
السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث

مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

السلام يا رسول الله ، قال : أدخل؟ قالت : نعم يا رسول الله ، قال : ومَن معي؟ قالت : ومَن معك ؛ قال جابر : فدخل رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخلت فقال رسول الله : ما لي أرى وجهك أصفر قالت : يا رسول الله الجوع ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة(١) أشبع فاطمة فما جاعت بعد ذلك اليوم(٢) .

أقـول :

نقلنا الحديث السادس لأجل كلمة « السلام أصوب وأحسن » المفسرة بالاستئذان الأصوب والأحسن ، وكذا الحديث السابع لاشتماله على سلام الإذن والإعلام معاً ، وإليك حديثاً ثامناً في هذا الصدد دالاًّ على سلام الإعلام :

٨ ـ قال علي بن إبراهيم القمي عند قوله تعالى :( وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها ) (٣) : فإن الله أمر أن يخص أهله دون الناس ، ليعلم الناس أن لأهل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عند الله منزلة خاصة ليست للناس ، إذ أمرهم مع الناس عامة ، ثم أمرهم خاصة ، فلما أنزل الله هذه الآية كان رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسينعليهم‌السلام ، فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول : الصلاة الصلاة يرحمكم الله ،( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٤) . فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا. قال أبو الحمراء خادم النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أشهد به يفعل ذلك(٥) .

__________________

١ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ودافع الضيعة » الظاهر أن المضاف محذوف أي : سبب الضيعة. مرآة العقول ٢٠ | ٣٦١.

٢ ـ الكافي ٥ | ٥٢٨ ـ ٥٢٩.

٣ ـ طه : ١٣٢.

٤ ـ الأحزاب : ٣٣.

٥ ـ تفسير القمي ٢ | ٦٧ ، الوسائل ٨ | ٤٤٨ ، تفسير البرهان ٣ | ٥٠.

١٠١

٩ ـ عن شيخ الطائفة بإسناده إلى أبي الحمراء(١) قال شهدت النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أربعين صباحاً يجيء إلى باب علي وفاطمة ، فيأخذ بعضادتي الباب ، ثم يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمكم الله ،( أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٢) .

أقول : قوله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلام عليكم أهل البيت ثم يعقبه بآية التطهير مباشرة. لأجل الدلالة على أنهم هم المعني بها لا سواهم.

١٠ ـ الحديث الرضوي المروي في بيان الفرق بين العترة والأمة ، وبيان فضل العترة على الأمة في اثنتي عشرة آية من كتاب الله تعالى ، قال الإمام الرضاعليه‌السلام :

« وأما الثانية عشرة فقوله عز وجل :( وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها ) (٣) فخصّصنا الله تبارك وتعالى بها بهذه الخصوصيّة ؛ إذ أمرنا مع الأمة بإقامة الصلاة ، ثم خصّصنا من دون الأمّة ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجيء إلى باب علي وفاطمةعليهما‌السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كل يوم عند حضور كل صلاةٍ خمس مرات ، فيقول : الصلاة رحمكم الله »(٤) .

أقول : لا بأس ببيان ترجمة أبي الحمراء بن الحارث الذي جاء ذكره في الحديث المتقدم :

قال السيد الأستاذ الخوئي : أبو الحمراء خادم رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أصحاب عليعليه‌السلام ، رجال الشيخ. وعده البرقي من أصحاب رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قائلاً : أبو الحمراء فارسي خادم

__________________

١ ـ في الأصل « أبي الحميرا » والصحيح « الحمراء » كما في المتن وهو هلال بن الحارث.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣. تفسير نور الثقلين ٣ | ٤١٠ ، عن أمالي الشيخ الطوسي ١ | ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

٣ ـ طه : ١٣٢.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ١ | ١٨٨ ، الباب ٢٣.

١٠٢

رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وقال السيد التفريشي : أبو الحمراء خادم رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ي ، خج(٢) .

روى الدولابي بإسناده إلى أبي داود عن أبي الحمراء قال : « رأيت رسول الله ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، مر بجنبات(٣) رجل عنده طعام في وعاء ، فنظر إليه النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، فقال لصاحبه : لعلك غششته ، من غشنا فليس منا »

وحديث آخر مثله ثم قال الدولابي : قال أبو إسحاق : بلغني أن اسمه ـ أي اسم أبي الحمراء ـ هلال بن الحارث ، وكان يكون بحمص ، وقد رأيت بها غلاماً من ولده(٤) .

التوفيق بين الأحاديث بماذا؟

التوفيق بين ما روي أنه ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يفعل ذلك ، أي مجيئه إلى دار علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، بعد نزول آية( وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها ) (٥) ويقول بعد السلام عليكم : الصلاة يرحمكم إلى آخر حياته ، وبين ما روي أنه كان ذلك منه ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أربعين صباحاً ، وبين ما روي تسعة أشهر ، وبين ما روي سبعة عشر شهراً ، أو ستة عشر شهراً ، أو أقل من ذلك ، أو أكثر ، بأن يقال : إن بعض الناس رأى الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يفعل ذلك أربعين صباحاً ، وبعضهم الآخر ستة أشهر ، والآخر سبعة عشر شهراً ، والآخر تسعة أشهر وهكذا ، والكل صادق في رؤيته ، فحكى ما رآه ، وإنما يصنع ذلك

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث ٢١ | ١٣٢.

٢ ـ نقد الرجال ٣٨٧.

يريد من ( ي ) : أصحاب علي عليه السلام. ومن ( خج ) : رجال الشيخ الطوسي.

٣ ـ جمع جَنَبَة : الناحية. النهاية ـ جنب ـ.

٤ ـ الكنى والأسماء تأليف الدولابي ٢٢٤ ـ ٣١٠ ج ١ | ٢٥. الطبعة الثانية بيروت ـ دار الكتب العلمية ١٤٠٢ ـ ١٩٨٢ م.

٥ ـ طه : ١٣٢.

١٠٣

ليعلم كل من دخل المدينة أن لأهل بيته منزلةً وفضلاً على الأمة ، خصهم الله عز وجل بذلك ، وأمر رسوله بأن يأتي ويسلم عليهم ويناديهم بذلك النداء.

١١ ـ روي أن أمير المؤمنين قال لرجل من بني سعد : « ألا أحدثك عني وعن فاطمة ( إلى أن قال ) : فغدا علينا رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن في لحافنا ، فقال : السلام عليك ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك ، فيسلم ثلاثاً ، فإن أذن له وإلاِّ انصرف ، فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل ، ثم ذكر حديث تسبيح فاطمة عند النوم »(١) .

١٢ ـ في الصحيح عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بلي ثوبه(٢) فحمل إليه اثني عشر درهماً فقال : يا علي خذ هذه الدراهم فاشترِ لي ثوباً ألبسه. قال عليعليه‌السلام : فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً ، وجئت به إلى رسول الله ، فنظر إليه فقال : يا علي غير هذا أحب إلي ، أترى صاحبه يقيلنا؟ فقلت : لا أدري ، فقال : أنظر. فجئت إلى صاحبه فقلت : إن رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد كره هذا يريد ثوباً دونه ، فأقلنا فيه ، فرد عليّ الدراهم وجئت به(٣) إلى رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمشى معه إلى السوق ليبتاع قميصاً ، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي ، فقال لها رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما شأنك؟ قالت : يا رسول الله إن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت ، فلا أجسر أن أرجع إليهم ، فأعطاها رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أربعة دراهم وقال : ارجعي إلى أهلك ، ومضى رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه ، وحمد الله وخرج ، فرأى رجلاً عرياناً

__________________

١ ـ الوسائل ٨ | ٤٤٥ ، جامع الأحاديث ١٥ | ٥٩٨.

٢ ـ أي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ ـ كذا والظاهر [ بها ].

١٠٤

يقول من كساني كساه الله من ثياب الجنة ، فخلع رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قميصه الذي اشتراه وكساه السائل ، ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله ، وإذا الجارية قاعدة على الطريق ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما لك لا تأتين أهلك؟ قالت : يا رسول الله إني قد أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني ، فقال لها رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مرّي بين يدي ودليني على أهلك ، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى وقف على باب دارهم ، ثم قال : السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه ، فأعاد السلام فلم يجيبوه ، فأعاد السلام فقالوا : عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال لهم : ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني؟! قالوا : يا رسول الله سمعنا سلامك فاحببنا أن نستكثر منه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها ، فقالوا : يا رسول الله هي حرة للممشاك ، فقال رسول الله : الحمد لله ، ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه ، كسا الله بها عريانين وأعتق بها نسمة »(١) .

والسلام في حديث الدراهم سلام الإعلام ؛ إذ لم يدل على أزيد من مجيء الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى دار الجارية وشفاعتها الحاصلة عند الوصول إلى باب الدار ، ولم يذكر في الحديث دخوله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدار ، فلعل السلام فيه سلام الإعلام فحسب.

ثم المفهوم من هذه الأحاديث محبوبية تكرار سلام الإذن إلى ثلاث مرات ، فإن أجيب وإلا رجع المسلم ، كما إذا أمر بالرجوع لقوله تعالى :( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى والله بما تعملون عليم ) (٢) . إذ لعل صاحب البيت قائم بأمر لا ينبغي لأحد التطلع عليه ، والله عز وجل عليم بما للعباد فيه من شؤون حياتهم المعاشية وما يعقبها من أمور ، ويعلم المطيع لأوامره تعالى ، والمتمرد عنها. وإنما ذكرنا قصة

__________________

١ ـ أمالي الشيخ الصدوق ٢١١ ـ ٢١٢ ، المجلس ٤٢ ، الوسائل ٨ | ٤٤٥ ، الباب ٤٠ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٢.

٢ ـ النور : ٢٧ ـ ٢٨.

١٠٥

الدراهم بأسرها لبيان وجه الربط لسلام الإعلام.

بقي سؤال :

وهو : هل يسوغ تأخير إجابة السلام عن المرة الأولى ، والثانية ، إلى الثالثة أم لا؟ والظاهر أن تكرار السلام إلى ثلاث مرات عند عدم سماع الجواب مندوب.

الجواب : التوبيخ الوارد في نفس الحديث يمنع الجواز إلا لأجل المحبة ، فيدل التقرير عليه. وأما محبوبية التكرار فقد ثبتت في الأخبار الأخر ، ولعمري أنه اشتمل الحديث على أكرم خُلُق إنساني وأرفعه ، لمن أراد التأسي بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قال تعالى :( لقد كان لكم قي رسول الله أسوة حسنة ) (١) .

تتـميم :

بقي من بحث سلام الاستئذان والإعلام السلام على أرواح المعصومين والدخول في بقاعهم ومشاهدهم المشرفةعليهم‌السلام ، وأن الداخل في تلك البقاع يجب عليه الاستئذان ، لأنها من بيوتهم ، وبيوت النبي ، التي قال الله تعالى فيها :( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) (٢) .

فبيوت المعصومينعليهم‌السلام تشترك مع البيوت كلها في وجوب الاستئذان في الدخول إليها عامة ، وفيها خاصة لمكان أفضليتهم على الأمة وأولويتهم بالتبجيل والتكريم ، وقد مر أن الرسول الأعظم ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يسلم على أهل بيته ، عند وصوله إلى باب دارهم ، سلام الاستئذان والإعلام ، وحتى على غيرهم كما سبق حديث الدراهم والشفاعة للجارية(٣) . ولئن أمر الله عز وجل الناس بالاستئناس في دورهم عند دخولها في آي من الكتاب العزيز المتقدمة الذكر ، فبالأولى أن يأمرهم به عند الدخول لبيوت أنبيائه وأوصيائه عليهم سلام الله ، وقد صرحت الآية

__________________

١ ـ الأحزاب : ٢١.

٢ ـ الأحزاب : ٥٣.

٣ ـ أمالي الصدوق ٢١١ ـ ٢١٢ ، المجلس ٤٢ ، وقد مر قريباً.

١٠٦

السابقة مخصصة لها ، وجاء في تفسيرها في وصية الحسن إلى الحسينعليهما‌السلام :

« وأن تدفّني مع رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإني أحق به وببيته ممن دخل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله فيما أنزله على نبيه ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في كتابه :( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) فوالله ما أذن لهم في الدخول في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده »(١) .

وقد جاء الأمر بالاستئذان عند الدخول إلى أي بقعة من بقاع النبي والأئمةعليهم‌السلام ما أوله : « اللهم إني وقفت على باب بيت من بيوت نبيك وآل نبيك عليه وعليهم السلام ، وقد منعت الناس الدخول إلى بيوته إلا بإذن نبيك : فقلت :( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) ـ إلى قوله :(٢) ـ فإني أستأذنك يا ربّ أوّلاً ، وأستأذن رسولك صلواتك عليه وآله ثانياً ، وأستأذن خليفتك المفروض علي طاعته. في الدخول في ساعتي هذه إلى بيته ، وأستأذن ملائكتك الموكلين بهذه المشاهد المباركة ورحمة الله وبركاته ، بإذن الله ، وإذن رسوله ، وإذن خلفائه ، وإذنكم صلوات الله عليكم أجمعين أدخل هذا البيت »(٣) .

الاستئذان من صاحب المشهد ، والملائكة الموكلة به ، بعد طلب الإذن من الله والرسول ، والأعلى فلأعلى من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام هو من آداب التشرف بذلك المشهد ، ثم الزيارة بعد الدخول إلى الحرم بالمأثور أو غير المأثور ، وليست الزيارة إلا أن يجدد الزائر عهده بالمزور ، ويتعاهده معه على العهود والمواثيق فيما بينهما من القيام والالتزام بها ، على أن الكلمات المتبادلة التي تجري على لسان الزائر تزيده شوقاً

__________________

١ ـ تفسير البرهان ٣ | ٣٣٢. تفسير نور الثقلين ٤ | ٢٩٦ ، نقلاً من شيخ الطائفة.

٢ ـ الاستئذان للشيخ المفيد البحار ١٠٠ | ١٦٠.

٣ ـ البحار ١٠٠ | ١٦٠ ـ ١٦١.

١٠٧

إلى لقياه ورؤيته ، وإيماناً بما له منه كرائم الخصال ، والفضائل والمعجزات ، مما يدعو الزائر التحلي بها والاختصال بما يسعده ، وألف فائدة أخرى يمنحه الله عز وجل في مشهد المزور ؛ لأنه حرم الله الذي شاء أن يدعى فيه ، وهو من بيوته التي قال تعالى :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال ) (١) .

وللزيارة آداب ذكرها الشهيد في الدروس ، وإليك موجزها :

١ ـ الغسل قبل دخول المشهد.

٢ ـ الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور ، فإن وجد خشوعاً ورقة دخل ، وإلا فالأفضل له تحري زمان الرقة ؛ لأن الغرض الأهم حضور القلب ، ليلقى الرحمة النازلة من الرب ، فإذا دخل قدم رجله اليمنى وإذا خرج فباليسرى.

٣ ـ الوقوف على الضريح ملاصقاً له أو غير ملاصق ...

٤ ـ استقبال وجه المزور حال الزيارة

٥ ـ الزيارة بالمأثور ، ويكفي السلام والحضور.

٦ ـ صلاة ركعتين للزيارة ...

٧ ـ الدعاء بعد الركعتين بما نقل ، وإلا فبما سنح ...

٨ ـ تلاوة شيءٍ من القرآن ، وإهداؤه إلى المزور ...

٩ ـ إحضار القلب والتوبة من الذنب والاستغفار والإقلاع.

١٠ ـ التصدق على السدنة والحفظة للمشهد ...

١١ ـ إذا انصرف إلى منزله استحب له العود ...

١٢ ـ أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلها ، فإنها تحط الأوزار.

١٣ ـ تعجيل الخروج عند قضاء الوطر ...

١٤ ـ الصدقة على المحاويج بتلك البقعة(٢)

__________________

١ ـ النور : ٣٦.

في نبوي : « أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ، وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام؟ قال : نعم من أفضلها ». تفسير البرهان ٣ | ١٢٨ ، تفسير مجمع البيان ٧ | ١٤٤.

٢ ـ البحار ١٠٠ | ١٣٤ ـ ١٣٦.

١٠٨

تبصـرة :

قال ابن قولويه : حدثني محمدبن يعقوب ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن الجلال(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ما من نبي ولا وصي نبي يبقى في الأرض بأكثر من ثلاثة أيام ، ثم ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء ، وإنما يؤتى مواضع آثارهم ويبلغونهم من بعيد السلام ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب »(٢) .

فيه سؤال وهو : كيف يكون ذلك؟ وهل هذا صحيح أن لا تبقى روح المعصوم في قبره؟!.

أجاب عنه أبو الفتح الكراجكي بما لفظه : إنا لا نشك في موت الأنبياءعليهم‌السلام ، غير أن الخبر قد ورد بأن الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سماءه ، وأنهم يكونون فيها أحياء متنعمين إلى يوم القيامة ، ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى ، وقد ورد عن النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « أنا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث »(٣) . وهكذا عندنا حكم الأئمةعليهم‌السلام ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو مات نبي بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لجمع الله بينهما »(٤) وليس زيارتنا لمشاهدهم ، على أنهم بها ، ولكن لشرف المواضع ، فكانت غيبة الأجسام فيها ، ولعبادة أيضاً ندبنا إليها ، وبعد فقد قال الله تعالى :( ولا تَحْسَبَنَّ الّذين قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِندَ رَبّهم يُرزَقُونَ ) (٥) . فإذا كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله لهذا الوصف ، فكيف ينكر أن الأنبياء [ وأوصياءهم ]عليهم‌السلام أحياء منعمين في

__________________

١ ـ قال الأميني ره : كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها أبي الجلال ، والصحيح أبي الحلال ، بالحاء المهملة المفتوحة ، هامش كامل الزيارات ٣٢٩.

٢ ـ كامل الزيارات ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

٣ ـ البحار ٢٢ | ٥٥٠.

٤ ـ البحار : ٤٢ | ٢١٤.

٥ ـ آل عمران : ١٦٩.

١٠٩

السماء(١) . وللبحث عن الجواب تتمة مرهونة بمحلها.

وبقي سؤال آخر : لماذا نسلم على الأنبياء والأوصياء في حياتهم وبعد مماتهم ، ونؤثرهم على سائر الناس حياً وميتاً ، وهم من الناس ، وهل لهم فضل يمتازون به عليهم؟.

أرى أن هذا السؤال لم يصدر إلا من جهل منزلة النبوة ، والوصاية ، ومقام أهل البيتعليهم‌السلام ، أليس الله سلم على الأنبياء عامة وعلى آل محمد خاصة(٢) ؟.

__________________

١ ـ كنز الفوائد ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، البحار ١٠٠ | ١٣١.

٢ ـ انظر ( ٢ ـ السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين ) ، و( سَلاَمٌ عَلَى ءالِ ياسين ) الصافات : ١٣٠ ، و( وَسَلامٌ عَلى المُرسَلينَ ) الصافات : ١٨١.

١١٠

الفصـل السـابع

أدب السـلام

١١١
١١٢

أداب السـلام

« إن الله أدب نبيه فأحسن تأديبه »(١) فقال عزّ وجلّ :( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآيتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) (٢) .

فقد فرض عليه ان يسلم على التوابين ويبشرهم برحمته ، وعلى المؤمن أن يأخذ بأدب الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا فعل فقد أخذ بآداب الله كما في الصادقي : « إن المؤمن ياخذ بآداب الله إذا وسع الله عليه اتسع ، واذا امسك عليه امسك »(٣) . والعلوي : « أفضل الأدب ما بدأت به بنفسك »(٤) . ومن الأدب الالتزام بالسلام ، وفي الباب أحاديث نذكر عدداً منها :

١ـ روى الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

__________________

١ ـ الوسائل ١٠ | ٢٨٦.

٢ ـ الأنعام : ٥٤.

٣ ـ الوسائل ١٥ | ٢٤٩.

٤ ـ غرر الحكم ٩١. فصاحب الدار وكبيرها إذا سلم عند دخولها فقد حاز على الأفضل حيث ابتدأ بالأدب بنفسه ، فيتبعه أهله وأولاده وكل من فيها ، فمن شاء فليجرب.

١١٣

قال : « يسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد ، والقليل على الكثير »(١) .

٢ ـ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « القليل يبدأون الكثير بالسلام ، والراكب يبدأ الماشي ، وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير ، وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال »(٢) .

٣ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « سمعته يقول : يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، وإذا لقيت جماعةٌ جماعةً سلم الأقل على الأكثر ، وإذا لقي واحد جماعةً سلم الواحد على الجماعة ».

٤ ـ سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « يسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد ».

٥ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل ، عن أبي عبد الله قال : « إذا كان قوم في مجلس ثم سبق قوم فدخلوا ، فعلى الداخل أخيراً إذا دخل أن يسلم عليهم »(٣) .

ومن الأدب الإسلامي الإنساني(٤) أن يسلم الغني على الفقير ، وفق السلام على غيره بدون فرق ، وإلا فيشمله الرضوي التالي :

٦ ـ قال الشيخ الصدوقرحمه‌الله : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ( رض ) قال : حدثنا أبي ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي قال :

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٦ ، باب من يجب أن يبدأ بالسلام ، الحديث ١.

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٦ ، ( باب من يجب أن يبدأ بالسلام ) الحديث ١ ـ ٢.

٣ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٧ ، الحديث ٣ ـ ٥.

٤ ـ أي : الإنسان السالم الذي لم تتغير فطرته التي خلقه الله عليها ، فلا يرى تفاوتاً بين إنسان وإنسان.

١١٤

حدثني محمد بن أحمد المدائني ، عن فضل بن كثير ، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال : « من لقي فقيراً مسلماً فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة وهو عليه غضبان »(١) .

ولا ينافي ذلك الأمر بإكرام شريف قوم ذلّ ، أو لم يذلّ. وقد جاء من الأول النبوي : « ارحموا ثلاثة : عزيز قوم ذُلّ ، وغني قوم افتقر ، وعالماً بين جهال »(٢) .

ومن الثاني النبوي الآخر : ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال قال : قلت لجميل بن دراج : قال رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه »؟ قال : نعم ، قلت : ما الشريف؟ قال : قد سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « الشريف من كان له مال » الحديث(٣) .

وأوله الشيخ الحر بما لفظه : أقول : هذا إما مخصوص بغير السلام ، أو بالإكرام الذي لا يزيد على إكرام الفقير(٤) .

و « إنما الأعمال بالنيات »(٥) فإن سلم على الغني لغناه فهو المغضوب عليه(٦) ، وإن كانت الأخرى فالسلام منه طاعة لله عزّ وجلّ ، وإن الإنسان

__________________

١ ـ أمالي الصدوق ٣٩٦ ، المجلس ٦٨ ، الوسائل ٨ | ٤٤٢ ، الباب ٣٦ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ١.

٢ ـ كنز العمال ١٥ | ٨٣٠ ، الرقم ٤٣٢٩٩.

٣ ـ روضة الكافي ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ٨ | ٤٤٢.

٤ ـ الوسائل ٨ | ٤٤٢.

٥ ـ أمالي الطوسي ٢ | ٢٣١ ، الأمثال النبوية ١ | ٢٣٧ ، الرقم ١٥٦ ، حرف « إنما » ، التمثيل والمحاضرة ٥٠٠. ترك الإطناب ٣.

٦ ـ وكان هذا الإمر مبغوضاً حتى في العصر الجاهلي ، وقد أنشد أبو العباس ثعلب لهانئ بن توبة الشيباني الشويعر الحنفي :

يحيي الناس كل غني قوم

ويبخل بالسلام على الفقير

ويوسع للغني إذا روأه

ويحيى بالتحية كالأمير

 سُـمِّي الشويعر شويعراً لقوله هذا البيت الآتي :

وإن الذي يمسي ودنياه همه

لمستمسك منها بحبل غرور

وليس هو أحد السبعة المسمين في الجاهلية باسم محمد والمحمدون السبعة أولهم :

١١٥

يعلم ما يصنع وما يقصد ، والله من وراء القصد. وبصفة أن المسلّم المسلم إذا سلّم على الغنيّ المسلم لا يضمر بسلامه إلا الخير لصاحبه ، وربما كان سبباً لهداية الضال ، ورب مقام آخر قد زاد في ضلالته.

٧ ـ قال الشيخ المجلسي : قيل : إذا سلم الرجل على المطيع المتقي كان معناه : الله يكرمك ، ويثبتك على طاعتك(١) ، وإذا سلم على أهل المعصية كان معناه السلام ـ أي الله تعالى ـ مطلع عليك(٢) .

٨ ـ الصادقي : « إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام »(٣) .

٩ ـ العلوي : « إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول : السلام عليكم ، فإن لم يكن له أهل فليقل : السلام علينا من ربنا ، وقالعليه‌السلام : إذا قال لك أخوك : حياك الله بالسلام ، فقل أنت : فحياك الله بالسلام ، وأحلك دار المقام »(٤) .

ولعمري هذا من أطيب الكلام. قال ابن الأثير : وفيه ـ أي : في الحديث النبوي ـ « إن الملائكة قالت لآدمعليه‌السلام : حياك الله وبياك » ،

__________________

محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي الجد الأعلى للفرزدق. والثاني. محمد بن عتوارة الليثي الكناني. والثالث : محمد بن أُحَيحة بن الحُلاج الأوسي. والرابع : محمد بن حُمران بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر وهو غير الشويعر الحنفي ، فإن اسمه هانئ. والخامس : محمد بن مسلمة الأنصاري أخو بني حارثة. والسادس : محمد بن خزاعي بن علقمة. والسابع : محمد بن حرماز بن مالك التميمي العمري. لسان العرب ٣ | ١٥٧ ـ ١٥٨ ـ حمد ـ.

أقول : وإنما ذكرنا المسمين بمحمد لأدنى علاقة بين محمد الشويعر ، والشويعر المنشود له أبيات السلام في الغني والفقير ، فتدبر.

١ ـ أي : لله عزّ وجلّ.

٢ ـ البحار : ٧٦ | ١٠.

أقول : قد سبق أن السلام من أسماء الله تعالى انظر ( ١ ـ السلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى ). ويأتي في ( ١٠ ـ السلام المنهي ) ما يرد على صاحب القول ، ومنه « السلام على اللاهي بالشطرنج كفر » البحار ٧٦ | ١٠.

٣ ـ البحار : ٧٦ | ١١.

٤ ـ البحار : ٧٦ | ٤.

١١٦

معنى حيَّاك : أبقاك ، من الحياة. وقيل : هو من استقبال المحيَّا وهو الوجه وقيل : مَلَّكَكَ وفَرَّجَكَ. وقيل : سلَّم عليك ، وهو من التحيَّة : السلام(١) .

قال المفضل في كتاب الفاخر : ( حيَّاك الله وبيَّاك ) ، فأمَّا حيَّاك الله فإنه مشتق من التحية ، والتحية تنصرف على ثلاثة معانٍ :

١ ـ فالتحية : السلام ، ومنه قول الكميت :

ألا حيّيتِ عنَّا يا مدينا

وهل بأسٌ بقول مسلّمينا

فيكون معنى حيَّاك الله : سلّم الله عليك.

٢ ـ والتحيَّة أيضاً : الملك ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :

أسير به إلى النعمان حتى

أنيخ على تحيته بجندي

فيكون المعنى : ملَّكك الله.

٣ ـ والتحيَّة : البقاء ومنه قول زهير بن جناب الكلبي :

ولكل ما نال الفتى

قد نلتـُهُ إلاَّ التحيـَّهْ

أي إلا البقاء ، فيكون المعنى : أبقاك الله.

وقولهم في التشهد : « التحيَّات لله » يشتمل على الثلاثة معانٍ.

وأما « بياك » فإنه فيما زعم الأصمعي : أضحكك ، ويروى أن آدمعليه‌السلام لم قتل أحد ابنيه أخاه مكث سنة لا يضحك ، ثم قيل له : « حياك الله وبياك » أي أضحكك. وقال الأحمر : أراد بوّأك منزلاً ، فقال : بيَّاك لإزواج الكلام ليكون تابعاً لحيَّاك ، كما قالوا : جاء بالعشايا والغدايا ، يريدون

__________________

١ ـ النهاية ١ | ٤٧١ ـ حيا. والفاخر ٢ ـ ٣. رقم المثل ١.

وفي الصادقي : « لما طاف آدم بالبيت مائة عام ما ينظر إلى حواء ولقد بكى على الجنة ، حتى صار على خديه مثل النهرين ثم أتاه جبرائيل فقال : حياك الله وبياك ، فلما قال له : حياك الله ، تبلج وجهه فرحاً وعلم أن الله قد رضي عنه » معاني الأخبار ٢٦٩. وهو من الأمثال ومن اللفظة : ( حياك من خلافوه ) المستقصى ٢ | ٧٠.

١١٧

الغدوات ، وقالوا : الغدايا للإزواج. وقال ابن الأعرابي : « بيَّاك » قصدك بالتحيَّة وأنشد :

لمـَّا تـَبـَيـَّينا أخا تميم

أعطى عطاء اللـَّحز اللئيم

وأنشد أيضاً :

باتت تبـَيـَّا حوضها عكوفا

مثل الصفوف لا قت الصفوفا

وقال أبو مالك : « بيَّاك » قرَّبك ، وأنشد :

بيا لهم إذ نزلوا الطعاما

الكبد والملحاء ، والسناما

أي قرَّب لهم.

١٠ ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يكره الرجل أن يقول : حيَّاك الله ثم يسكت ، حتى يتبعها بالسلام »(١) .

أقول : قد عرفت من الحديث المتقِّدم إتباعها بالسلام مع زيادة : « وأحلَّك دار المقام » في الإجابة.

١١ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إنَّ من تمام التحيَّة للمقيم المصافحة ، وتمام التسليم على المسافر المعانقة »(٢) .

١٢ ـ الحسن بن محمد الطوسي في ( المجالس ) عن أبيه ، عن الحفَّار هلال بن محمد ، عن عثمان بن أحمد ، عن ابن قلابة ، عن بشير(٣) بن عمر ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، أن رسول الله ، صلى الله

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٦ ، الوسائل ٨ | ٤٤٤.

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٦ ، الوسائل ٨ | ٤٤٩.

٣ ـ ( بشر ).

١١٨

عليه وآله وسلم ، قال : « ليسلم الراكب على الماشي ، فإذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم »(١) .

١٣ ـ قال الحر : محمد بن علي بن الحسين في كتاب ( إكمال الدين ) عن المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي ، عن جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه ، عن جعفر بن أحمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام يقول : « إن الخضر شرب من ماء الحياة ، فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر حيث ذكر ، ومن ذكره منكم فليسلم عليه » الحديث(٢) .

وإنما أدرجناه في أدب السلام ليسلم على الخضرعليه‌السلام عند ذكره. وقال الصدوق : معنى الخضر أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا اهتزت خضراء ، وكان اسمه تاليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح(٣) . وهل هو نبي من الأنبياء ، أو رجل من الصلحاء؟ دل على الأول ما رواه الصدوق عن القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمدعليه‌السلام أنه قال : « إن الخضر كان نبياً مرسلاً ، بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده ، والإقرار بأنبيائه ، ورسله ، وكتبه » الحديث(٤) .

وعلى الثاني : ما عن العياشي عن بريد ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : قلت له : « ما منزلتكم في الماضين ، أو بمن تشبهون منهم؟ قال : الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين »(٥) . وفي صحيح الكليني : « صاحب موسى وذو القرنين »(٦) .

__________________

١ ـ الوسائل ٨ | ٤٥١.

٢ ـ الوسائل ٨ | ٤٥٨ ، البحار ١٣ | ٢٩٩. وتمامه : « وإنه ليحضر الموسم فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة ، فيؤمن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ، ويصل به وحدته ».

٣ ـ البحار ١٣ | ٢٩٨.

٤ ـ البحار ١٣ | ٢٨٦.

٥ ـ البحار ١٣ | ٣٠٤.

٦ ـ المصدر نفسه.

١١٩

وفي حديث اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسىعليه‌السلام أيهما كان أعلم ، وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه؟ فقال قاسم الصيقل : فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام يسألونه عن ذلك. فكتب الجواب : « أتى موسى العالم فأصابه وهو في جزيرة من جزائر البحر ، إما جالساً ، وإما متكئاً ، فسلم عليه موسى ، فأنكر السلام ، إذ كان بأرض ليس فيها سلام »(١) .

فلنعد إلى بقية الإحاديث :

١٤ ـ النبوي : « الراكب أحق بالسلام »(٢) .

١٥ ـ الآخر : « السلام للراكب على الراجل »(٣) .

١٦ ـ الآخر : « إذا سلم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ( لعنه الله ) ويقول : يا ويلتاه لم يفترقا حتى غفر الله لهما »(٤) .

١٧ ـ الحسيني : « ابن الكوا سأل علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، تسلم على مذنب هذه الأمة؟ فقالعليه‌السلام : يراه الله عزّ وجلّ للتوحيد أهلاً ، ولا تراه للسلام عليه أهلاً! »(٥) .

أقول : يأتي الكلام حول السلام المنهي(٦) والوجه في جواز السلام على المذنب أن لا يكون السلام عليه إلا لأجل إسلامه ، لا لأنه يركب الذنب ، فإنه كفر بالله ، وقد أسلفنا بياناً يمس الموضوع فراجع(٧) .

١٨ ـ النبوي في الإنجيل : إذا قل الدعاء نزل البلاء ـ إلى أن قال ـ :

__________________

١ ـ تفسير القمي ٢ | ٣٨.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٢.

٣ ـ المصدر نفسه.

٤ ـ جامع الأحاديث ١٥ | ٥٨٣ ، مستدرك الوسائل ٨ | ٣٦٠ ، الباب ٣٢ من أحكام العشرة ، الحديث ٩.

٥ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٥٩ من الجعفريات ٢٣٤.

٦ ـ راجع الفصل التاسع من هذا الكتاب.

٧ ـ انظر الحديث ، الرقم ٦ ، وما يليه من أبحاث.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320