السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث6%

السّلام في القرآن والحديث مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 320

السّلام في القرآن والحديث
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40160 / تحميل: 7325
الحجم الحجم الحجم
السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث

مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

« السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله وأسترعيك وأقرأ عليك السلام آمنّا [ إيماناً ] بالله وبالرسول وبما جاءت(١) به »(٢) .

سلام وداع قبر الحسينعليه‌السلام (٣) :

ثم قالا ـ أي الشيخ المفيد والطوسي ـ : ثم أرجع إلى مشهد الحسينعليه‌السلام للوداع ، فإذا أردت أن تودّعه فقف عليه كوقوفك أول الزيارة واستقبله بوجهك وقل : « السلام عليك ياولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جُنّة من العذاب ، وهذا أوان انصرافي غير راغب عنك ، ولا مستبدل بك سواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك ، وقد جدت بنفسي للحدثان ، وتركت الأهل والأوطان » ، ـ إلى أن قال : ـ ثم أشر إلى القبر بمسبحتك اليمنى وقل : « سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، يا بن رسول الله ، عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى ذرّيّتك ، ومن حضرك من أوليائك ، أستودعك الله ، وأسترعيك ، وأقرأ عليك السلام »(٤) .

أقول : قد جاء في سلام وداع قبر أبي الفضل العباس بن عليعليهما‌السلام :

« السلام عليك يا مولاي ، سلام مودّع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين ؛ يا مولاي

__________________

١ ـ الظاهر « جاء به ».

٢ ـ كامل الزيارات ٤٦ ، الباب ١٢. هذا سلام الوداع بعد وفاته ، وإليك من سلام الوداع في حياتهعليه‌السلام ففي صادقي : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو في مسجد الكوفة فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليه فقال : جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلّم عليك وأودّعك ، فقال له : وأي شيءٍ أردت بذلك؟ فقال : الفضل جعلت فداك ، قال : فبع راحلتك وكل زادك وصلِّ في هذا المسجد » فروع الكافي ٣ | ٤٩١. والشاهد هو « فأردت أن أسلّم عليك وأودّعك » وله نظائر في أحاديثهمعليهم‌السلام .

٣ ـ لا يخفى أن سلام الوداع لقبر الحسينعليه‌السلام مذكور بتفصيل في كامل الزيارات ٢٥٢ ـ ٢٥٦ ، الباب ٨٤ ، الخاصّ بوداع قبر الحسينعليه‌السلام .

٤ ـ البحار ١٠١ | ٢٠٣ ، و ٢٥٧ ، الباب ٢١ ، الزيارات المختصة بالوداع ٢٨٠ ـ ٢٨٤ ، و ٣٦٣.

١٨١

لا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتك ، ورزقني العود إليك ، والمقام في حرمك ، والكون في مشهدك ، آمين ربّ العالمين »(١) .

وجاء لجميع الأئمّة وأولادهمعليهم‌السلام تسليمات الوداع ، لكلّ واحد واحد منهم فليراجع بحار الشيخ المجلسي(٢) .

ومن الجدير للمودّع أن ينوي العود ، كما جاء التصريح في الوداع الأخير(٣) .

يبقى سؤال :

يختلج بالبال هنا سؤال وقد صرّح به بعض زملائنا لا بأس بإيراده والجواب عنه. وهو : إنّا نجد في جميع الزيارات ـ حتى الوداعيّة منها ـ قد كرّر فيها السلام كثيراً ، لماذا هذا التكرار؟ أوَليس من ورد على آخر وكان بمشهد ومرأَىً منه يسلّم في مجلس واحد مرّة واحدة ، ولو كرّر السلام بأن قال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، عدّه العقلاء مستهزئاً. ومشاهد قبور

__________________

١ ـ البحار ١٠١ | ٣٦٢.

٢ ـ البحار ١٠٢ | ١٣ ـ ٣٢٤.

٣ ـ أي قبر أبي الفضل العباسعليه‌السلام ، ولا تخصّ نيّة العود به ، بل هي مطلوبة في الجميع ، حتى في سلام الوداع المتداول بين الناس ؛ لما جاء في المثل قولهم : ( العود أحمد ) أي أكثر حمداً ، قال الشاعر :

فلم تجر إلاّ جئت في الخير سابقاً

ولا عدت إلاّ أنت في العود أحمد

لسان العرب ٣ | ١٥٨ ـ حمد ـ.

قال الزمخشري بعد المثل : لأنك لا تعود إلى شيء في الغالب إلاّ بعد خبرته قال الأخطل : ( الطويل )

فقلت لساقينا عليك فعُد بنا

إلى مثلها بالأمس فالعود أحمد

... المستقصى ١ | ٣٣٥.

وقال الميداني بعد المثل : يعني الابتداء محمود والعود أحقّ بأن يحمد منه مجمع الأمثال ٢ | ٣٤ ـ ٣٥.

لعادة المحمود عد يا أحمد

فالعود لا شك إليه يحمد

فرائد اللآل في مجمع الأمثال ٢ | ٢٩.

١٨٢

المعصومينعليهم‌السلام كمشاهد حضورهم ، لأنّ موتهم وحياتهم سواء ، يرون الزائر ، ويسمعون كلامه ، وسلامه ، ويردّون جوابه ، كما جاء ذلك في استئذان الدخول إلى الروضات المنورة أوّله :

« اللّهمّ إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك ، وقد منعت الناس أن يدخلوا إلاّ بإذنه ـ إلى قوله : ـ وأعلم أنّ رسولك وخلفاءكعليهم‌السلام أحياء عندك يرزقون ، يرون مقامي ، ويسمعون كلامي ، ويردّون سلامي ، وإنّك حجبت عن سمعي كلامهم ، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجتهم »(١)

وعليه فإن أراد المكرّر للسلام سماع سلامه ، فيسمعون ذلك من دون افتقار إلى التكرار ، وإن كانت الأخرى فلا غاية متصورة إلا الاستهزاء ، أو على الأقل يكون من الاستعمال المستهجن الساقط عن الأقطار.

والجواب عنه :

إنا نمنع أن يكون تكرار السلام من المستهجن ، إذا كان المسلّم ممتدحاً لصاحبه ، وذكر بين كلّ سلامين فضيلة من فضائله. نعم ، إذا لم يفصل بين السلامين كما سبق بأن قال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، لعلّه يُعدّ عند العقلاء هازلاً أو لاغياً وإن كان في مقام المدح ، وأين هذا من قول : السلام عليك مكرّراً مع الفصل بذكر فضيلة من فضائله ، كما في جميع الزيارات ، منها زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام وفيها :

« السلام على المولود في الكعبة ، المزوّج في السماء ، السلام على أسد الله في الوغى ، السلام على من شُرّفت به مكّة ومنى ، السلام على صاحب الحوض وصاحب اللواء ، السلام على خامس أهل العباء »(٢) .

ولم أجد في الزيارات المأثورة ، ـ ولا واحدة منها ـ زيارة مشتملة على التسليمات المتكررة ، إلا وفيها بين كلّ تسليمة وتسليمة ذكر فضيلة من فضائل المزور ، أفهل ترى في هذا النوع من التكرار استهجاناً؟ ، كلاّ ، ولعلّ

__________________

١ ـ البحار ١٠٠ | ١٦٠ ـ ١٦١.

٢ ـ البحار ١٠٠ | ٣٠٢.

١٨٣

وجه تعديد فضائل المزور ، والسلام المكرّر عليه ، رجاء أن يقع بعضها موقع القبول ، أو إظهار أنا لا نمتلك سوى أن نقف أمام ضريحك المنوّر ، ونسلّم عليك وعلى أهل بيتك ، والأرواح المنيخة بفنائك ، أو أنّ علينا الدخول إلى حرمك ، وذكر فضائلك والسلام الكثير ، وأنا نأمل بذلك الشفاعة والغفران. فتكرار السلام لإحدى هذه الغايات أو كلّها حسن ولا استهجان فيه.

ثم سلام الوداع لم يخصّ الإنسان ، وقد روى الصدوق عن الصادقعليه‌السلام قال : لما انتهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الركن الغربي(١) فقال له الركن : يا رسول الله ألستُ قعيداً من قواعد بيت ربّك؟ فما لي لا أُستَلَم؟ فدنا منه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : اسكن عليك السلام غير مهجور(٢) .

بـيان :

يأتي الحديث نفسه في الأمر الثالث من الخاتمة ، في سلام الكائنات ، وفيه احتمال أن يكون السلام النبوي على الركن من سلام الوداع ، ومن ثم ذكرناه هنا. واحتمالان آخران فيه بأن يكون جواباً إما لشكوى الركن بشهادة كلمة « غير مهجور » ، أو الجواب عن سلام الركن قد سمعه وعلمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دوننا.

ومن سلام الوداع ما وعدناك من ذكر سلام الوداع لشهر الله ، وهو ما جاء من دعاء الإمام السجّادعليه‌السلام في وداع شهر رمضان(٣) : « السلام عليك يا شهر الله الأكبر ، ويا عيد أوليائه ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ، ويا خير شهر في الأيّام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ، ونشرت فيه الأعمال ، السلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجوداً ، وأفجع فقده مفقوداً ، ومرجوّ آلم فراقه ، السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فَسَرَّ ، وأوحش منقضياً فَمَضَّ ، السلام عليك من

__________________

١ ـ وهو بعد الشامي البادئ بالحجر الأسود في الطواف ثم الركن الشامي ، ثم الغربي ، ثم اليماني ، ويختم بالحجر الأسود ، وهو الركن العراقي فصارت الأركان أربعة.

٢ ـ علل الشرائع ٤٢٩ ، البحار ٩٩ | ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

٣ ـ الدعاء الخامس والأربعون من الصحيفة السجادية.

١٨٤

مجاور رقّت فيه القلوب وقلّت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصرٍ أَعانَ على الشيطان ، وصاحبٍ سَهَّلَ سُبُل الإحسان ، السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك ، وما أسعد من رَعى حرمتك بك ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب ، وأسترك لأنواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين ، السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيّام ، السلام عليك من شهر هو من كلّ أمر سلام ، السلام عليك غير كريه المصحابة ، ولا ذميم الملابسة ، السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات ، وغسلت عنّا دنس الخطيئات ، السلام عليك غير مودّعٍ بَرَماً ولا متروكٍ صيامه سَأَماً ، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، ومحزون عليه قبل فوته ، السلام عليك كم من سوءٍ صُرِف بك عنّا ، وكم من خير أفيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك ، وأشدّ شوقنا غداً إليك ، السلام عليك وعلى فضلك الذي حُرمناه وعى ماضٍ من بركاتك سلبناه ، اللّهمّ »(١) .

أقـول : ولهذا الدعاء شرح يطول به المقام.

الـوداع :

الوداع مصدر وَدَعَ ، قال الشيخ الطريحي : قوله تعالى :( ما ودّعك ربّك ) [ ٣ | ٩٣ ] أي ما تركك. ومنه قولهم : « استودعك الله غير مودّع » أي غير متروك. ومنه سمّي الوداع بالفتح لأنه فراق ومتاركة. وفي الحديث عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى :( ما ودّعك ربّك وما قلى ) قال : إن جبرئيل أبطأ على رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّه كانت أوّل سورة نزلت( اقرأ باسم ربّك ) ثم أبطأ عليه فقالت خديجة : لعلّ ربّك قد بركك ولا يرسل إليك ، فأنزل الله( ما ودّعك ربّك وما قلى ) (٢) .

قال ابن الأثير وفيه(٣) « لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجُمُعات ، أو ليختمنَّ

__________________

١ ـ كتاب إقبال السيد ابن طاوس ٢٥٠ ، الصحيفة السجادية : ٢٤٢ ـ ٢٤٥ ، الدعاء ٤٥ لم نكمل الدعاء فأخذنا منه قدر الحاجة.

٢ ـ تفسير القمي ٢ | ٤٢٨. مجمع البحرين ـ ودع ـ الضحى : ٣.

٣ ـ أي الحديث النبوي على ما اصطلح فيه.

١٨٥

على قلوبهم » أي : عن تركهم إيّاها ، والتخلّف عنها. يقال : وَدَعَ الشيء ، يَدعُه وَدْعاً : إذا تركه. والنَّحاة يقولون : إن العرب أماتوا ماضي يَدَعُ ، ومصدَرَه ، واستغنوا عنه بتَرَكَ. والنبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم أفصح. وإنّما يحمل قولهم على قلّة استعماله ، فهو شاذّ في الاستعمال ، صحيح في القياس. وقد جاء في غير حديث ، حتى قرئ به قوله تعالى :( ما وَدَعَكَ ربّك وما قلى ) بالتخفيف(١) .

وقال ابن فارس : الواو والدال والعين : أصل واحد يدلّ على الترك والتخلية. وَدَعَه : تركه ، ومنه دَعْ. وينشد :

ليت شعري عن خليلي ما الذي

غاله في الحبّ حتى وَدَعه(٢)

ومنه ودَّعتُه توديعاً. ومنه الدَّعَة : الخفض ، كأنّه أمر يترك معه ما يُنصِب(٣) .

أقول : في الباقري : « كان علي بن الحسينعليهما‌السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كان له خمس مائة نخلة ، وكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي المَلِكِ الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله ، وكان يصلّي صلاة مودّع ، يرى أن لا يصلّي بعدها أبداً »(٤) .

والصادقي قال : أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلان ، رجل من الأنصار ، ورجل من ثقيف ، فقال له الثقفي : « يا رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حاجتي فقال : سَبَقَكَ أخوك الأنصاري ، فقال : يا رسول الله إنّي على سفر وإني عجلان ، وقال الأنصاري : إنّي قد أذنت له ، فقال : إن شئت

__________________

١ ـ النهاية ٥ | ١٦٥ ـ ١٦٦ ـ ودع ـ.

٢ ـ البيت لأبي الأسود الدؤلي في اللسان ـ ودع ـ.

٣ ـ معجم مقاييس اللغة ٦ | ٩٦ ـ ودع ـ.

٤ ـ الوسائل ٣ | ٧٣.

١٨٦

سألتني وإن شئت أنبأتك ، قال : أنبئني يارسول الله ، فقال : جئت تسألني عن الصلاة ، وعن الوضوء ، وعن السجود ، فقال الرجل : أي والذي بعثك بالحق ، فقال : أصبغ الوضوء ، واملأ يديك من ركبتيك ، وعفّر جبينك في التراب ، وصلّ صلاة مودع » الحديث(١) .

والنبوي : « عليك باليأس ممّا في أيدي الناس ؛ فإنّه الغنى الحاضر ، وإياك والطمع ، فإنه الفقر الحاضر ، وصلّ صلاة مودّع »(٢) .

بيـان :

كان الغرض من ذكر هذه الأحاديث الإصابة لموضع الوداع المطلوب والنافع ، وقد عرفت معنى « صلاة مودّع » أن يرى أنّه لا يوفق لغيرها من صلاة ، أي لم يبق حيّاً حتى يصلّي ، فما حال من يؤمن أن يموت بعد صلاته هذه مباشرة ، على النقل المتقدم من أهل اللغة لتفسير سلام الوداع مع الحبيب ، ومن يهمك لقاؤه ؛ وعند الفراق وغيبته ما موقفه؟.

خاصة الافتراق الذي لا لقاء بعده إلا القيامة ؛ وهو هنا يتجسد لدى الموالي لأهل البيتعليهم‌السلام ، فرقتهم الحازة للقلوب ، وليتصور ساعة وداع الإمام الحسينعليه‌السلام ، مع حرمه ، وأطفاله ، وولده السجاد ، وأخته زينب بنت أمير المؤمنين عليهم سلام الله ، وقد جاء في الأثر : « إنّ الحسين لمّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى ، التفت إلى الخيمة ونادى : ياسكينة! يا فطمة! يازينب! يا أمّ كلثوم! عليكنّ منّي السلام »(٣) .

وسلام الوداع مؤخّر عن كلمة « عليك ، أو عليكم ، أو عليكنّ » كما سمعت من الخبر ، وقد يقال جرياً على التحاور المألوف من باب التفاؤل بالعود ، كما جاء ذلك في الحديث العلوي : « تفاءل بالخير تنجح »(٤) .

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ٦٧٨.

٢ ـ الوسائل ١١ | ٣٢٢.

٣ ـ البحار ٤٥ | ٤٧.

٤ ـ غرر الحكم ١٥٣.

١٨٧
١٨٨

الخـاتـمة

فـيهـا أمـور ثـلاثـة

١٨٩
١٩٠

الخاتمـة فيهـا أمـور ثـلاثـة

بعد الفراغ من الفصول العشرة الكاملة ، نبحث عن خاتمة لها تحتوي على صلاة المعراج وأسرار سلامها ، وسلام الولادة والموت والبعث وأيّامها ، وسلام الكائنات. فهنا أمور ثلاثة :

الأمر الأوّل :

قبل التكلّم عن صلاة المعراج وأسرار سلامها نقدّم شيئاً من روايات التسليم في الصلاة ؛ فإنها صورة مصغّرة عن موضوعها وموضعها.

١ ـ روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن علي بن أسباط ، عنهمعليهم‌السلام ، قال : « فيما وعظ الله به عيسىعليه‌السلام : ياعيسى أنا ربّك وربّ آبائك(١) ، ـ وذكر الحديث بطوله إلى أن قال ـ : ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول بسيِّد المرسلين ، وحبيبي فهو أحمد ـ إلى أن قال : ـ يسمّي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كلّ يوم خمس

__________________

١ ـ ليس لعيسى آباء إلا من طريق مريم قال تعالى :( ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى ) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥. فنوح ومن بعده من الأنبياء المذكورين في الآية آباء عيسى لا من طريق أبيه إذ ليس لعيسى أب ، بل هم آباؤه من طريق أمه مريم ، والآية من البراهين الدالة على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله وهو أبوهما.

١٩١

صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتح بالتكبير ، ويختم بالتسليم »(١) .

بيـان :

بعض الحديث المذكور له علاقة : بالفصل الرابع ـ أي إفشاء السلام في العالم ـ. وقوله : « كنداء الجيش بالشعار » من أروع تمثيل يضرب في هذا المقام عند إقامة الجمعة والجماعة ، نظير التمثيل في آية( إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) (٢) .

٢ ـ صحيح عمّار قال : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن التسليم ما هو؟ قال : هو إذن »(٣) .

٣ ـ العلوي : « افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم »(٤) .

٤ ـ قال الصدوق : « قال رجل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ما معنى قول الإمام : « السلام عليكم؟ » فقال : إنّ الإمام يترجم عن الله عزّ وجلّ ويقول في ترجمته لأهل الجماعة : أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة »(٥) .

٥ ـ الرضوي قال : « إنما جعل التسليم تحليل الصلاة ، ولم يجعل بدلها تكبيراً ، أو تسبيحاً ، أو ضرباً آخر ، لأنه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين ، والتوجه إلى الخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين في الكلام أوّلاً بالتسليم »(٦) .

بيـان :

الحديث الرابع تفسير السلام بالأمان من العذاب ، كما أنّ الخامس

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٣ ـ ١٠٠٤ ، إثبات الهداة ١ | ١٥٩.

٢ ـ الصف : ٤.

٣ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٤.

٤ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٥.

٥ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٥.

٦ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٥ ، الحديث ١٠ الباب ١ من أبواب التسليم.

١٩٢

دال على أنّ السلام أوّل الكلام ، وقد تقدّم الأمران ، أوّلهما : في غضون العنوان الأوّل ، وثانيهما : في ( ٥ ـ السلام قبل الكلام ).

٦ ـ روى الصدوق بسنده إلى المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟.

قال : لأنّه تحليل الصلاة.

قلت : فلأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار؟.

قال : لأنّ الملك الموكّل الذي يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات ، فلهذا يسلّم على اليمين دون اليسار.

قلت : فلِمَ لا يقال : السلام عليك والملك على اليمين واحد ولكن يقال : السلام عليكم؟.

قال : ليكون قد سلّم عليه وعلى من على اليسار ، وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه.

قلت : فلِمَ لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه؟ ولكن كان بالأنف لمن يصلّي وحده وبالعين لم يصلّي بقوم.

قال : لأنّ مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين(١) ، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ، وتسليم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته.

قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً.

قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام ، وتكون عليه وعلى مَلَكَيْه ، وتكون(٢) . الثانية على من على يمينه والملكين به ، وتكون الثالثة على من على يساره والملكين الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد ،

__________________

١ ـ الصحيح « الشدقان » بالرفع خبر « لأنّ ».

٢ ـ التأنيث باعتبار التسليمة.

١٩٣

لم يسلّم على يساره ، إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ، ويساره إلى مصلٍّى معه خلف الإمام فيسلم على يساره.

قلت : فتسليم الإمام على من يقع؟.

قال : على مَلَكَيْه والمأمومين ، يقول لملائكته : اكتبا سلامة صلاتي لما يفسدها ، ويقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزّ وجلّ.

قلت : فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟.

قال : لأنه تحية الملكين ، وفي إقامة الصلاة بحدودها ، وركوعها ، وسجودها ، وتسليمها سلامة للعبد من النار ، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله ، وإن لم تسلم صلاته وردّت عليه ، ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة(١) .

أقول : جئنا على هذا الحديث الشريف عن آخره لاشتماله على علل سلام الصلاة ، وتفسيره المستوفى ، فليعلم المصلّي ماذا يصنع ، وما يقول ، هذه معاني سلام صلاته علم بها أو جهلها.

إذا دريت ما رويناه فإليك صلاة النبيّ ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في السماء في ليلة المعراج :

روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، والفضل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : لمّا أسري برسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل وأقام ، فتقدّم رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصفّ الملائكة ، والنبيّون خلف محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

__________________

١ ـ علل الشرائع ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، الباب ٧٧. الوسائل ٤ | ١٠٠٥ مختصراً ونقلاً عنه ، وفي ١٠٠٩ ـ ١٠١٠ تفصيلاً.

٢ ـ الكافي ٣ | ٣٠٢. باب بدء الأذان والإقامة ، الوسائل ٤ | ٦١٢.

١٩٤

بيـان :

قال العلامة المجلسي : ويدل على ما أجمع عليه أصحابنا من أنّ الأذان والإقامة بالوحي لا بالنوم كما ذهب إليه العامة ، وعلى ثبوت المعراج وهو معلوم متواتر ، وعلى كون أرواح الأنبياء في السماء في أجسادهم الأصلية ، أو المثالية على الخلاف ، وقد تكلمنا في جميع ذلك في كتابنا الكبير(١) ، وأما حضور الصلاة فالمراد أما صلاة أوجب الله عليه في ذلك الوقت ، وأوحى إليه أن أصلها في الأرض عند الزوال ، ووصل في السماء إلى(٢) مكان يكون في المكان الذي يحاذيه في الأرض ، أول الزوال ، ويدل على جواز كون المؤذّن والمقيم غير الإمام ، وعلى جواز اتّحادهما ، وما ورد في التفريق لا يدلّ على التعيين(٣) .

ويدلّ على إمامته ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، للنبيين في السماء ما جاء في تفسير قوله تعالى :( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون ) (٤) .

من الباقري وسؤال نافع بن الأزرق ، صاحب هشام بن عبد الملك ، وممّا سأله أن قال نافع بعد تلاوة الآية :

« من ذا الذي سأل محمداً وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة!؟ قال : فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية :( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنُريه من ءاياتنا ) (٥) . فكان من الآيات التي أراها الله محمداً ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حين أسرى به إلى بيت المقدس ، أن حشر الله الأوّلين والآخرين من النبيين ، والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل فإذّن شفعاً ، وأقام شفعاً(٦) ، ثم قال في

____________

١ ـ أي كتاب البحار ؛ لأنه أكبر كتاب صنفه طاب ثراه.

٢ ـ البيت المعمور في السماء الرابعة ، يحاذي الكعبة في البيت الحرام ، وفيه ضراح مطاف الملائكة.

٣ ـ مرآة العقول ١٥ | ٨١.

٤ ـ الزخرف : ٤٥.

٥ ـ الإسراء : ١.

٦ ـ أي : اثنين اثنين.

١٩٥

إقامته : حيّ على خير العمل(١) ، ثم تقدّم محمد ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلى بالقوم(٢) ، فأنزل الله عليه( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون ) الأية ، فقال لهم رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، : على ما تشهدون؟ وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وإنك رسول الله ، أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا ، قال نافع : صدقت يا بن رسول الله ، يا أبا جعفر ، أنتم والله أوصياء رسول الله ، وخلفاؤه في التوارة ، وأسماؤكم في الإنجيل ، وفي الزبور ، وفي القرآن ، وأنتم أحقّ بالأمر من غيركم »(٣) .

بيـان :

دلّ الحديث الباقري الأول على أنّ إقامة الجماعة كانت في البيت المعمور المحاذي للكعبة ، والثاني على إقامتها في بيت المقدس.

الجواب : لا علم لنا بالمسامة ، والمحاذاة الحقيقية ، فلعلها يسع الفضاء للأمرين ، والعلم عند الله عزّ وجلّ. ولهمعليهم‌السلام تصاريف في الكلام يراعون حال المخاطبين في ، وله نظائر في أحاديثهمعليهم‌السلام لا مجال لذكرها.

ويمكن حمل الأول على إسراء ، والثاني على إسراء آخر ، كما احتمله ابن طاوس ، قال في بعض كلماته التي نقلها المجلسي في عدد الأنبياء هناك : لعل هذا الإسراء كان دفعة أخرى ، غير ما هو مشهور ، فإنّ الأخبار وردت مختلفة في صفات الإسراء ، ولعل الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه الحال ، دون الأنبياء الذين حضروا في الإسراء الآخر ، لأن الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ، ولعلّ الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه هم المرسلون(٤) أو البيت المعمور هو المسجد الأقصى كما ذكره المجلسي

__________________

١ ـ يعني هلم إلى الصلاة فإنها خير الأعمال.

٢ ـ أي النبيين.

٣ ـ تفسير القمي ٢ | ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، تفسير الصافي ٢ | ٥٣١ ـ ٥٣٢ ، الاحتجاج | ٥٩ ـ ٦٠ ، روضة الكافي ١٢٠ ـ ١٢١.

٤ ـ البحار ١٨ | ٣١٨.

١٩٦

في الحديث العلوي فراجع تجده(١) .

ومن حديث المعراج لمّا بلغ جبرئيل بالنبيّ ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة ، فإذا جبرئيل ينصرف قلت : خليلي جبرئيل في مثل هذا المكان! ـ أو في مثل هذه السدرة تخلفني وتمضي؟ فقال : حبيبي والذي بعثك بالحق نبيّاً ، إنّ هذا المسلك ما سلكه نبيّ مرسل ، ولا ملك مقرّب ، أستودعك ربّ العزة. وما زلت واقفاً حتى قذفت في بحار النور ، فلم تزل الأمواج تقذفني من نور إلى ظلمة ، ومن ظلمة(٢) إلى نور ، حتى أوقفني ربّي الموقف الذي أحبّ أن يقفني عنده من ملكوت الرحمن ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد قف ، فوقفت منتفضاً مرعوباً ، فنوديت من الملكوت : يا أحمد ، فألهمني ربّي فقلت : لبيك ربّي وسعديك ها أنا ذا عبدك بين يديك ، فنوديت : يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام ، قال : فقلت : هو السلام ومنه وإليه يعود السلام(٣)

بيـان : الكلام الأخير يجدر ذكره في ( ١ ـ السلام اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ الحسنى ).

قد حان إنجاز الوعد لذكر سلام صلاة المعراح : وننقل لك رواية الشيخ الكليني من الكافي من باب النوادر في المعراج المطولة(٤) : علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال : ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت : جعلت فداك في ماذا؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم. فقلت : إنهم يقولون : إن أُبي بن كعب رآه في النوم ، فقال : كذبوا ، فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم ، قال : فقال له سدير الصيرفي : جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكراً ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إن الله عزّ وجلّ لمّا عرج بنبيه ، صلى

__________________

١ ـ البحار ١٨ | ٣٩٤.

٢ ـ إذا قيل : نور وأنور فالفاقد للمزيد صحّ نسبة الظلمة إليه.

٣ ـ البحار ١٨ | ١٣.

٤ ـ تفسيراً لسورة الإسراء : وقد كانت العروج في ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، قبل الهجرة بستة أشهر وكان الإسراء وفي ليلة ٢٧ في رجب سنة ٢ من الهجرة.

١٩٧

الله عليه وآله ، إلى سماواته السبع ، أما أوليهنّ فبارك عليه ، والثانية علمه فرضه ، فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور ، كانت محدقة بعرش الله ، تغشي أبصار الناظرين ، أمّا واحد منها فأصفر ، فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة ، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرت الحمرة ، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيضّ البياض ، والباقي على سائر عدد الخلق من النور ؛ والألوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضة ، ثم عرج به إلى السماء ، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّداً وقالت : سبوح قدوس ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرئيلعليه‌السلام : الله أكبر الله أكبر ، ثم فتحت أبواب السماء ، واجتمعت الملائكة ، فسلّمت على النبيّ ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أفواجاً وقالت : يا محمد كيف أخوك إذا نزلت فاقرئه السلام ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفتعرفونه؟ قالوا : وكيف لا نعرفه ، وقد أخذ ميثاقك ، وميثاقه ، وميثاقه منا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ وإنا لنصلّي عليك وعليه ، [ قال : ] ، ثم زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا يشبه النور الأول ، وزادني حلقاً وسلاسل ، وعرج بي إلى السماء الثانية ، فلما قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً ، وقالت : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا. فقال جبرئيلعليه‌السلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله. فاجتمعت الملائكة وقالت : يا جبرئيل من هذا معك؟ قال : هذا محمد ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا : وقد بعث؟ قال نعم ، قال النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، : فخرجوا إلي شبه المعانيق(١) ، فسلموا علي ، وقالوا : اقرئ أخاك السلام ، قلت : أتعرفونه؟ قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك ، وميثاقه ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأولى ، ثم

__________________

١ ـ المعانيق : جمع المعناق وهو الفرس الجيد العنق ، وفي الخبر « فانطلقنا إلى الناس معانيق أي : مسرعين ». مجمع البحري ـ عنق ـ.

١٩٨

عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة وخرّت سُجّداً ، وقالت : سبوح قدوس ، ربّ الملائكة والروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربِّنا؟ فقال جبرئيلعليه‌السلام : أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله. فاجتمعت الملائكة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخر ، ومرحباً بالحاشر ، ومرحباً بالناشر(١) ، محمد خير النبيين ، وعلي خير الوصيين.

قال النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، : ثم سلّموا عليّ وسألوني عن أخي ، قلت : هو في الأرض ، أفتعرفونه؟ قالوا : وكيف لا نعرفه ، وقد نحجّ البيت المعمور كل سنة ، وعليه رق أبيض(٢) ، فيه اسم محمد ، واسم علي ، والحسن ، والحسين ، [ والأئمة ]عليهم‌السلام ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنا لنبارك عليهم كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في وقت كل صلاة ـ ويمسحون رؤوسهم بأيديهم ، قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأولى ، ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة ، فلم تقل الملائكة شيئاً ، وسمعت دوياً كأنه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء ، وخرجت إلي شبه المعانيق ، فقال جبرئيلعليه‌السلام : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فقالت الملائكة : صوتان مقرونان معروفان ، فقال جبرئيلعليه‌السلام : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة وقالت : كيف تركت أخاك؟ فقلت لهم : وتعرفونه؟ قالوا : نعرفه وشيعته ، وهم نور حول عرش الله وإن في البيت المعمور لرقّاً من نور ، [ فيه كتاب من نور ] ، فيه اسم محمد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، والأئمة ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد فيه رجل ، ولا ينقص منهم رجل ، وإنه لميثاقنا ، وإنه ليقرأ علينا كل يوم جمعة

__________________

١ ـ الحاشر من ألقاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمقارنته عليه الصلاة والسلام مع الحشر كما قال : « أنا والساعة كهاتين » وأشار إلى السبابة والوسطى. والناشر من ألقاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّ الناشر بمعنى المفرق ، وهوعليه‌السلام يفرق بين أهل الجنة ، والنار. قال المجلسيرحمه‌الله : مرحباً بالحاشر أي من يتصل زمان أمته بالحشر. ومرحباً بالناشر أي بمن ينشر قبل الخلق وإليه الجمع والحساب كما تسمعه في المتن.

٢ ـ الرق ـ بالكسر ـ : جلد رقيق يكتب فيه. والصحيفة البيضاء هامش الكافي ٣ | ٤٨٤.

١٩٩

ثم قيل لي : ارفع رأسك يا محمد ، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت ، والحجب قد رفعت ، ثم قال لي : طأطىء رأسك انظر ما ترى ؛ فطأطأت رأسي ، فنطرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه ، فقيل لي : يا محمد إن هذا الحرم وأنت الحرام ولكل مثل مثال ، ثم أوحى الله إلي : يا محمد ادن من ( صاد ) ، فاغسل مساجدك وطهرها ، وصلّ لربّك فدنى رسول الله من ( صاد ) وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اغسل وجهك ، فإنك تنظر إلى عظمتي ، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى. فإنك تلقى بيدك كلامي ، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ، ورجليك إلى كعبيك ، فإنّي أبارك عليك ، وأوطئك موطئاً لم يطأه أحد غيرك ، فهذا علة الأذان والوضوء. ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه يا محمد استقبل الحجر الأسود ، وكبرني على عدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً ، لأن الحجب سبع ، فافتتح عند انقطاع الحجب فمن أجل صار الافتتاح ستة. والحجب متطابقة بينهن بحار النور ، وذلك النور الذي أنزل الله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات لافتتاح الحجب ثلاث مرات ، فصار التكبير سبعاً ، والافتتاح ثلاث ، فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله إليه أن أحمدني ، فلما قال : الحمد لله رب العالمين ، قال النبي في نفسه : شكراً ، فاوحى الله عزّ وجلّ إليه قطعت حمدي ، فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين ، فلما بلغ ولا الضالّين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله رب العالمين شكراً ، فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ قطعت ذكري فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه اقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى :( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد ) ، ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الواحد الأحد الصمد ،

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320