السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث6%

السّلام في القرآن والحديث مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 320

السّلام في القرآن والحديث
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40237 / تحميل: 7385
الحجم الحجم الحجم
السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث

مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فأوحى الله إليه : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كذلك الله كذلك [ الله ] ربنا ، فلما قال ذلك ، أوحى الله إليه اركع لربك يا محمد ، فركع ، فأوحى الله إليه وهو راكع قل : سبحان ربي العظيم ، ففعل ذلك ثلاثاً ، ثم أوحى الله إليه أن ارفع رأسك يا محمد ، ففعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام منتصباً ، فاوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اسجد لربك يا محمد ، فخر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجداً ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه ، قل : سبحان ربّي الأعلى ، ففعل ذلك ثلاثاً ، ثم أوحى الله إليه استوِ جالساً يا محمد ، ففعل ، فلما رفع رأسه من سجوده واستوى جالساً ، نظر إلى عظمته تجلت له ، فخرّ ساجداً من تلقاء نفسه ، لا لأمر أمر به ، فسبح أيضاً ثلاثاً ، فأوحى الله إليه انتصب قائماً ، ففعل ، فلم ير ما كان رأى من العظمة ، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين ، ثم أوحى الله عز وجل إليه اقرأ بالحمد لله ، فقرأها مثل ما قرأ أوّلاً ، ثم أوحى الله عز وجل إليه اقرأ إنّا أنزلناه ، فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الأولى ، ثم سجد سجدة واحدة ، فلما رفع رأسه تجلت له العظمة ، فخرّ ساجداً من تلقاء نفسه ، لا لأمر أمر به فسبح أيضاً ، ثم أوحى الله إليه أرفع رأسك يا محمد ، ثبّتك ربّك ، فلما ذهب ليقوم قيل : يا محمد اجلس ، فجلس ، فأوحى الله إليه يا محمد إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي ، فألهم أن قال : بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله ، ثم أوحى الله إليه يا محمد صل على نفسك ، وعلى أهل بيتك ، فقال : صلى الله عليّ ، وعلى أهل بيتي ، وقد فعل ، ثم التفت فإذا صفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل : يا محمد سلّم عليهم ، فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه أنّ السلام والتحية والرحمة والبركات أنت وذرّيّتك ، ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يساراً ، وأول آية سمعها بعد قل هو الله أحد ، وإنا أنزلناه آية أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكراً ، وقوله : سمع الله لمن حمده ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع ضجة الملائكة بالتسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، فمن

٢٠١

أجل ذلك قال : سمع الله لمن حمده ، ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلما أحدث فيهما حدثاً كان على صاحبهما إعادتهما ، فهذا الفرض الأول في صلاة الزوال يعني صلاة الظهر »(١) .

أقول : جئنا على رواية المعراج عن آخرها ، لاشتمالها على بدئ الأذان ، وصلاة الزوال أي الظهر المعنية بها الصلاة الوسطى في آية( حافظوا على الصلوت والصلوة الوسطى ) (٢) ، وعلى سرِّ التسليم في الصلوات.

وللرواية شرح وبسط لا بأس بالإشارة إليه ، إذ فيه بيان سرّ السلام فيها ، وبيان موضعه منها ، قال العلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول عند شرح رواية المعراج :

قولهعليه‌السلام : « إنّ أُبيّ بن كعب رآه في النوم » أقول : لا خلاف بين علمائنا في أن شرعية الأذان كانت بالوحي لا بالنوم ، قال في المعتبر والمنتهى : الأذان عند أهل البيتعليهم‌السلام ، وحي على لسان جبرئيل علّمه ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عليّاًعليه‌السلام وأطبق الجمهور على خلافه ، ورووا أنه برؤيا عبد الله بن زيد وعمر.

أقول(٣) : وفي روايات المخالفين أن المسلمين حين قدموا المدينة كانوا يجتمعون ويتحينون الصلوات ، وكان لا ينادي بها أحد ، فشاوروا بينهم ، أو مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، فقال بعضهم : اتخذوا ناقوساً كالنصارى ، وقال بعضهم : قرناً مثل قرن اليهود ، وعن أنس : تنوروا ناراً ، وقال آخرون : النار والبوق شعار اليهود ، والناقوس شعار النصارى. فتلتبس أوقاتنا بأوقاتهم. فقال عبد الله بن زيد : إني رأيت الأذان في المنام ، وقيل : إن أُبياً قال : رأيته في النوم ، وقيل : إن عمر قال مثل ذلك ، فقال عمر عند ذلك : أوَ لاتبعثون رجلاً ينادي بألفاظ الأذان.

__________________

١ ـ الكافي ٣ | ٤٨٢ ـ ٤٨٦ ، ولخصها الشيخ الحر في إثبات الهداة ١ | ١٥٥.

٢ ـ البقرة : ٢٣٨.

٣ ـ القائل هو الشيخ المجلسي طاب ثراه.

٢٠٢

أقول : قاتلهم الله كيف هونوا(١) بأحكام الله ، ليتهيأ لهم القياس ، والاستحسان في دين الله.

ثم إن هذا الخبر يدل على أن بالنوم لا تثبت الأحكام ، ويمكن أن يخص بابتداء شرعيتها ، ورأيت في بعض أجوبة العلامةرحمه‌الله عما سئل عنه تجويز العمل بما يسمع في المنام عن النبي ، والأئمةعليهم‌السلام ، إذا لم يكن مخالفاً للإجماع ، لما روي من أن الشيطان لا يتمثل بصورتهم وفيه إشكال.

قولهعليه‌السلام : « فأنزل الله » هذا تفصيل لما أجمل سابقاً ، وعود إلى أول الكلام ، كما سيظهر مما سيأتي ، فالفاء للتفصيل لا للتعقيب ، والأنوار تحتمل الصوريَّة والمعنوية ، والأعم منهما ، وأما نفرة الملائكة فلغلبة النور على أنوارهم ، وعجزهم عن إدراك الكمالات التي أعطاها الله نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لي مع الله وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبيّ مرسل » الخبر. ويؤيّد المعنويّة قول الملائكة : ما أشبه هذا النور بنور ربّنا ، وعلى تقدير أن يكون المراد الصوريّة ، فالمعنى ما أشبه هذا النور بنور خلقه الله في العرش ، وعلى التقديرين لمّا كان كلامهم وفعلهم موهماً لنوع من التشبيه ، قال جبرئيل : الله أكبر تنزيهاً له عن تلك المشابهة ، أي : أكبر من أن يشبهه أحد ويعرفه ، وقد مرّ تفسير الأنوار في شرح كتاب التوحيد ، والتكرير للتأكيد ، أو الأوّل لنفي المشابهة ، والثاني لنفي الإدراك.

وقال الجزري : « سبوح قدّوس » يرويان بالضمّ والفتح ، والفتح أقيس ، والضمّ أكثر استعمالاً ، وهو من أبنية المبالغة ، والمراد بهما التنزيه.

وتثنية التكبير(٢) يمكن أن اختصاراً من الراوي ، أو الزيادة بوحي آخر أو يكون من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كزيادة الركعات

__________________

١ ـ هكذا في الأصل والصحيح « تهاونوا ».

٢ ـ يريد قول جبرائيل : « الله أكبر الله أكبر » في هذا الخبر أول كلمات الأذان والمعروف أن التكبير أربعة في أوله. والظاهر أنه الأذان انظر كمال الدين ١ | ٢٥٥.

٢٠٣

بالتفويض ، أو يكون التكبيران الأوّلان خارجين عن الأذان كما يؤمي إليه ما رواه الفضل بن شاذان من العلل عن الرضاعليه‌السلام ، وبه يجمع بين الأخبار. والأظهر أن الغرض في هذا الخبر بيان الإقامة وأطلق عليها الأذان مجازاً ، ويمكن أن يكون سؤالهم عن البعثة لزيادة الاطمئنان كما في سؤال إبراهيمعليه‌السلام إذ تصفح وجوه شيعة أخيه في وقت كل صلاة ، موقوف على العلم بالبعثة ، ويمكن أن يكون قولهم : « وإنا لنتصفّح » إخباراً عمّا أمروا به أن يفعلوه بعد ذلك ، ويؤيّده عدم وجوب الصلاة قبل ذلك كما هو الظاهر. وإن أمكن أن يكون هذا في معراجٍ تحقق بعد وجوب الصلاة ، لكنه بعيد عن سياق الخبر ، ويحتمل أيضاً أن يكون عرفوه ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرفوا وصيّه ، وشيعة وصيّه ، بأنهم يكونون كذلك ، ولذا كانوا يتصفّحون وجوه شيعته في أوقات الصلاة ، ليعرفوا هل وجبت عليهم صلاة أم لا ، فلا ينافي عدم علمهم بالبعثة ، وفيه أيضاً بُعدٌ ، ويحتمل أن يكون التصفّح كناية عن رؤية أسمائهم في رق البيت المعمور كما سيأتي ، أو عن رؤية أشباحهم ، وأمثلتهم حول العرش ، كما يؤمي إليه قولهم : « وهم نور حول العرش » ، وقريب منه ما ذكره بعض الأفاضل ، أنّ علمهم به ، وبأخيه ، وشيعته ، وأحوالهم فوق أحوال عالم الحسّ ، وهو العالم الذي أخذ عليهم فيه الميثاق ، والعلم فيه لا يتغيّر ، وهذا لا ينافي جهلهم ببعثه في عالم الحسّ الذي يتغيّر العلم فيه.

أقـول : هذا موقوف على مقدمات مباينة لطريقة العقل.

قولهعليه‌السلام : « مرحباً بالأوّل » أي : خلقاً ورتبةً ، والرُحب بالضمّ : السعة. وانتصاب « مرحباً » بفعل لازم الحذف كأهلاً وسهلاً أي : أتيت وصادقت رُحباً وسعةً « مرحباً بالآخر » أي ظهوراً وبعثة. « ومرحباً بالحاشر » أي : بمن يتّصل زمان أمته بالحشر. « ومرحباً بالناشر » أي : بمن ينشر قبل الخلق وإليه الجمع والحساب. وقد بيّنا جميع ذلك في الكتاب الكبير ـ أي البحار ـ. والرقّ بالفتح ويكسر : جلد رقيق يكتب فيه والصحيفة البيضاء. ودوي الريح والطائر والنحل : صوتها ، صوتان مقرونان ، كونهما مقرونين لأنّ الصلاة مستلزمة للفلاح وسبب له.

٢٠٤

وفي العلل : بعد ذلك بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقوم الصلاة ، وبعليّ الفلاح. ويحتمل أن تكون هاتان الفقرتان مفسّرتين للسابقتين ، والغرض بيان اشتراط قبول الصلاة وصحّتها بولايتهما ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار من تفسير الصلاة والعبادات بهم أي : الصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفلاح أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وهما متحدان من نور واحد ، مقرونان قولاً وفعلاً ، وبما فسّر في هذا الخبر يظهر سرّ تلك الأخبار ومعناها ، والضمير في قوله : « لشيعته » راجع إلى الرسول ـ على ما في العلل ـ أو إلى عليّ صلوات الله عليهما. وترك « حيّ على خير العمل » الظاهر أنّه من الإمام ، أو من الرواة تقيّة ، ويحتمل أن يكون قرّر بعد ذلك كما مرّ ويؤيده عدم ذكر بقية فصول الأذان ، ويحتمل أن يكون خرق الأطباق والحجب من تحته ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو من فوقه ، أو منهما معاً ، وأيضاً يحتمل أن يكون هذا في السماء الرابعة ، أو بعد عروجه إلى السابعة ، والأخير أوفق بما بعده ، فعلى الأوّل إنّما خرقت الحجب من تحته لينظر إلى الكعبة ، وإلى البيت المعمور ، فلما نظر إليهما وجدهما متحاذين ، متطابقين ، متماثلين ، ولذا قال : « ولكل مثل مثال » أي : كلّ شيءٍ في الأرض له مثال في السماء ، فعلى الثاني يحتمل أن تكون الصلاة تحت العرش محاذياً للبيت المعمور بعد النزول ، وعلى التقديرين استقبال الحجر مجازاً ، أي : استقبل ما يحاذيه أو ما يشاكله ويشبهه.

قوله : « وأنت الحرام » أي : المحترم المكرم ، ولعله إشارة إلى أن حُرمة البيت إنما هي لحرمتك ، كما ورد في غيره.

قوله : « صار الوضوء » في العلل صار أوّل الوضوء ، ويدلّ على استحباب أخذ ماءِ الوضوء أوّلاً باليمنى ، وعلى ما هنا يمكن أن يفهم منه استحباب الإرادة.

قوله تعالى : ( وعلى عدد حجبي ) وفي العلل بعدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً، لأن الحجب سبعة ، وافتتح القراءة عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ستَّة ، والحجب مطابقة ثلاثة بعدد النور الذي نزل على محمد ثلاث مرّات ، فلذلك كان الافتتاح ثلاث مرّات ،

٢٠٥

ومن أجل ذلك كان التكبير سبعاً ، والافتتاح ثلاثاً ؛ فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عزّ وجلّ : الآن وصلت إلي فسمّه باسمي ، فقال : « بسم الله الرحمن الرحيم » إلى آخره.

الظاهر : أنّ المراد بالحجب هنا غير السموات ، كما يظهر من سائر الأخبار ، وأنَّ ثلاثة منها متلاصقة ، ثم تفصل بينهما بحار النور ، ثم اثنان منها متلاصقان ، ثم تفصل بينهما بحار النور ، ثم اثنان ملتصقان ، فلذا استحبّ التوالي بين ثلاث من التكبيرات ، ثم الفصل بالدعاء ، ثم بين اثنين ثم الفصل بالدعاء ، ثم يأتي باثنتين متصلتين. فكل شروع في التكبير ابتداء افتتاح. وحمل الوالد العلامة ( ره ) ، الأفتتاح ثلاثاً على تكبيرة الإحرام، التي هي افتتاح القراءة ، وتكبير افتتاح الركوع ، وتكبير افتتاح السجود ، ولعل ما ذكرنا أظهر.

وقوله : « شكراً ثانياً » : يحتمل أن يكون كلام الإمامعليه‌السلام ، أي قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه الشكر : « الحمد الله ربّ العالمين » ، والظاهر أنّه من تتمّة التحميد ، ويؤيد الأول أنه ورد تحميد المأموم في هذا المقام بدون هذه التتمَّة. ويؤيد الثاني أنّه ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أضمر شكراً عند قوله : « الحمد لله ربّ العالمين » أوّلاً ، ويدلّ على استحباب التحميد في هذا المقام للإمام والمنفرد أيضاً ، ولعله خص بعد ذلك بالمأموم.

قولهعليه‌السلام : « قطعت » لعلّه لمّا كانت سورة الفاتحة بالوحي ، وانقطع الوحي بتمامها ، وحمد الله من قبل نفسه ، قال الله تعالى لما قطعت القراءة بالحمد فاستأنف البسملة ، فالمراد بالذكر القرآن.

قولهعليه‌السلام : « نسبة ربّك » في العلل « فقال له اقرأ قل هو الله أحد كما أنزلت ، فإنها نسبتي ونعتي » فيدلّ على تغيير في سورة التوحيد.

قوله تعالى : « فإنها نسبتك » أي : مبينة شرفك وكرامتك ، وكرامة أهل بيتك ، أو مشتملة على نسبتك ، ونسبتهم إلى الناس ، وجهة احتياج الناس إليك وإليهم ، فإن نزول الملائكة والروح بجميع الأمور التي يحتاج الناس

٢٠٦

إليها ، إذا كان إليك وإليهم ، فبهذه الجهة أنهم محتاجون إليك وإليهم.

قوله تعالى : « إن السلام » في العلل : « إني أنا السلام والتحية » فلعل التحية معطوفة على السلام تفسيراً وتأكيداً.

وقوله « والرحمة » مبتدأ أي : أنت المراد بالرحمة ، وذريتك بالبركات ، أو المراد أن كلامهم رحمة وبركات ، ويحتمل أن يكون قوله « والتحية » مبتدأ ، وعلى التقادير حاصل المعنى : سلام الله وتحيته ورحمته وشفاعة محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم ودعاؤهم وهدايتهم وإعانتهم عليكم : أي لكم.

قوله : « تجاه القبلة » أي من غير التفات إلى اليسار أو اليمين أيضاً كثيراً ، بأن يحمل ما فعله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على الالتفات القليل ، ويؤيده قولهعليه‌السلام « أن لا تلتفت يساراً » وما قيل من أنه رأى الملائكة والنبيين تجاه القبلة ، فسلم عليهم مرة ، لأنهم المقربون ، ليسوا من أصحاب اليمين ، ولا من أصحاب الشمال ، فلا يخفى ما فيه ؛ إذ الظاهر أنهم كانوا مؤتمّين بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قولهعليه‌السلام : « كان التكبير في السجود شكراً » لعل المعنى أنه ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لما كان هويّه إلى السجود لمشاهدة عظمته ، تجلت له ، كبّر قبل السجود شكراً لتلك النعمة كما قال تعالى :

( ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) (١) أي على ما هدى ، وفي العلل ومن أجل ذلك صار التسبيح في السجود والركوع شكراً وهو أظهر كما لا يخفى.

قولهعليه‌السلام : « في صلاة الزوال » وفي العلل : « وهي الفرض الأول وهي أول ما فرضت عند الزوال » ولعل المعنى أن هذه الصلاة التي فرضت ، وعلمها الله نبيه في السماء ، إنما فرضت وأوقعت أولاً في الأرض عند الزوال ، فلا يلزم أن يكون إيقاعها في السماء عند الزوال ، مع أنه

__________________

١ ـ البقرة : ١٨٥.

٢٠٧

يحتمل أن يكون النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في ذلك الوقت محاذياً لموضع يكون في الأرض وقت الزوال ، لكنه بعيد ، إذ الظاهر من الخبر أنها أوقعت في موضع كان محاذياً لمكّة ، ولمّا كان الظاهر من الأخبار تعدّد المعراج ، فيمكن حمل هذا الخبر على معراج وقع في اليوم ، وبهذا الوجه يمكن التوفيق بين أكثر الأخبار المختلفة الواردة في كيفية المعراج ، ثم إنه يظهر من هذا الخبر أن الصلاة [ لما كانت ] معراج المؤمن ، فكما(١) أن النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا نفض عن ذيله الأطهر علائق الدنيا ، وتوجه إلى عرش القرب والوصال ومكالمة الكبير المتعال ، وكلّما خرق حجاباً من الحجب الجسمانيّة كبّر الربّ تعالى ، وكشف بسببه حجاباً من الحجب العقلائية حتى وصل إلى العرش(٢) العظمة والجلال ، ودخل مجلس الأنس والوصال ، فبعد رفع الحجب المعنوية بينه وبين مولاه كلمه وناجاه ، فاستحقّ لأن يتجلّى له نور من أنوار الجبروت ، فركع وخضع لذلك النور ، فاستحقّ أن يتجلى عليه نور أعلى منه ، فرفع رأسه وشاهده وخر ساجداً لعظمته ، ثم بعد طيِّ تلك المقامات ، والوصول إلى درجة الشهود والاتصال بالربّ الودود ، رفع له الأستار من البين ، وقربه إلى مقام قاب قوسين ، فأكرمه بان يقرن اسمه باسمه في الشهادتين ، ثم حباه بالصلاة عليه ، وعلى أهل بيته المصطفين ، فلمّا لم يكن بعد الوصول إلا السلام ، أكرمه بهذا الإنعام ، وأمره أن يسلّم على مقرّبي جنابه ، الذين فازوا قبله بمثل هذا المقام تشريفاً لهم بإنعامه ، وتأليفاً بين مقرّبي جنابه ، أو أنّه لمّا أذنه بالرجوع عن مقام « لي مع الله »(٣) الذي لا يرحمه فيه سواه ، ولم يكن يخطر بباله غير مولاه ، التفت إليهم فسلَّم عليهم ، كما يؤمي إليه هذا الخبر. فكذا ينبغي للمؤمن إذا أراد التوجه إلى جنابه تعالى بعد تشبثه بالعلائق الدنيّة ، وتوغّله في العوائق الدنيوية ، أن يدفع [ عنه ] عند الأنجاس الظاهرة والباطنة ، ويتجلى بما يستر

__________________

١ ـ يحتمل أن يكون « فكما » جواب « لما » أي أن الصلاة معراج المؤمن ، كما أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أزال العلائق الدنيوية كلها عن نفسه. أو يكون الجواب « توجه إلى عرش القرب » والواو زائدة.

٢ ـ كذا. والصحيح « عرش العظمة ».

٣ ـ حديث مشهور لم أجد له مصدراً في مجامع الحديث.

٢٠٨

عوراته الجسمانيّة والروحانيّة ، ويتعطّر بروائح الأخلاق الحسنة ، ويتّطهر من دنس الذنوب والأخلاق الذميمة ، ويخرج من بيته الأصنام ، والكلاب ، والصور ، والخمور الصورية ، وعن قلبه صور الأغبار ، وكلب النفس الأمارة ، وشكر الملك ، والمال ، والعزّ ، والأصنام ، وحب الذهب ، والفضة ، والأموال ، والأولاد ، والنساء ، وسائر الشهوات الدنيوية ، ثم يتذكر بالأذان والإقامة ما نسيه بسبب الاشتغال بالمشهيات ، والأعمال ، من عظمة الله تعالى ، وجلاله ، ولطفه ، وقهره ، وفضل الصلاة ، وسائر العبادات ، مرة بعد أخرى ، ويتذكر أمور الآخرة ، وأهوالها ، وسعادتها ، وشقاواتها ، عند الاستنجاء ، والوضوء ، والغسل ، وأدعيتها ، إذا علم أسرارها ، ثم يتوجه إلى المساجد التي هي بيوت الله في الأرض ، ويخطر بباله عظمة صاحب البيت وجلاله ، إذا وصل إلى أبوابها ، فلا يكون عنده أقل عظمة من أبواب الملكوت الظاهرة ، التي إذا وصل إليها ، دُهش ، وتخيّر ، وارتعد ، وخضع ، واستكان ، فإذا دخل المسجد ، وقرب من المحراب الذي هو محلّ محاربة النفس والشيطان ، يستعيذ بالكريم الرحمن من شرورهما وغرورهما ، ويتوجه بصورته إلى بيت الله ، وبقلبه إلى الله ، وأعرض عن كل شيءٍ سواه ، ثم يستفتح صلاته بتكبير الله وتعظيمه ، ليضمحلّ في نظره من عداه ، ويخرق بكلّ تكبير حجاباً من الحجب الظلمانيّة الراجعة إلى نقصه ، والنورانية الراجعة إلى كمال معبوده ، فيقبل تلك المعرفة والأنقياد والتسليم بشراشره إلى العليم الحكيم ، ويستعين في أموره باسم المعبود الرحمن الرحيم ، ويحمده على نعمائه ، وقرباته ربّ العالمين ، وأخرجه من كتم العدم إلى أن أوصله إلى مقام العابدين ، ثم بأنه الرحمن الرحيم ، وبأنه مالك يوم الدين ، ويجزي المطيعين والعاصين ، فإذا عرفه بهذا الوجه استحق لأن يرجع من مقام الغيبة إلى الخطاب ، مستعيناً بالكريم الوهاب ، ويطلب منه الصراط المستقيم ، وصراط المقربين ، والأنبياء ، والأئمّة المكرمين ، مقرّاً بأنّهم على الحق واليقين ، وإن أعداءهم ممّن غضب الله عليهم ولعنهم ومن الضالّين ، ويتبرّأ منهم ومن طريقتهم تبرّء الموقنين ، ثم يصفه سبحانه لتلاوة التوحيد بالوحدانية ، والتنزيه عمّا لا يليق بذاته وصفاته ، فإذا عبد ربّه بتلك الشرائط ، وعرفه بتلك الصفات ، يتجلّى له نور من أنوار الجلال ، فيخضع لذلك

٢٠٩

بالركوع والخشوع ، ويقرّ بأني أعبدك وإن ضربت عنقي ، ثم بعد هذا الخضوع والانقياد يستحق معرفة أقوى ، ويناسبه خضوع أدنى ، فيقرّ بأنك خلقتني من التراب ، والمخلوق منه خليق بالتذلل عند ربّ الأرباب ، ثم بأنك تعيدني بعد الموت إلى التراب ، فيناسب تلك الحالة خضوع آخر ، فإذا عبد الله بتلك الآداب إلى آخر الصلاة ، وخاض في خلال ذلك بحار جبروته ، واكتسب أنوار فيضه ومعرفته ، وصل إلى مقام القرب والشهود ، فيقر بوحدانيّة معبوده ، ويثني على مقربي جنابه ، ثم يسلّم عليهم بعد الحضور والشهود ، وفي هذا المقام لطائف ودقائق ، لا يسع المقام ذكرها ، وأوردنا شذراً منها في بعض مؤلّفاتنا ، وإنما أومأنا ههنا إلى بعضها لمناسبة شرح الرواية ، والله وليّ التوفيق والهداية(١) .

أقول : إنما جئنا على شرح رواية الكليني ، طاب ثراه ، من المجلسيرحمه‌الله عن آخره لاشتماله على شرحها الوافي ، وعلى سرّ السلام على من أمره الله تعالى بقولهعليه‌السلام : « ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل : يا محمد سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه أنّ السلام والتحية والرحمة والبركات أنت وذرّيّتك »(٢) .

وقال المجلسي : وفي العلل : « إني أنا السلام والتحية » : وحاصل المعنى : سلام الله وتحيته ، ورحمته ، وشفاعة محمد ، وأهل بيته صلوات الله عليهم ، ودعاؤهم ، وهدايتهم ، وإعانتهم عليكم : أي لكم(٣) .

ويستفاد من بعض الروايات أن الله عزّ وجلّ سلّم على النبيّ ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم سلم النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على نفسه وعلى عباد الله الصالحين ، ثم سلم الله تعالى عليهم أجمعين ؛ وإليك الإشارة إلى بعض هذه التسليمات كما في جامع الأحاديث قال : وفي رواية إسحق ( في ضمن ذكر قصة صلاة المعراج ) قولهعليه‌السلام : « فاستقبل رسول الله

__________________

١ ـ مرآة العقول ١٥ | ٤٦٨ ـ ٤٨٠.

٢ ـ نفس الرواية المتقدمة.

٣ ـ من شرح المجلسي لها ، فراجع.

٢١٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربه تبارك وتعالى مطرقاً فقال : السلام عليك »(١) .

وفي المقنع : ثم سلم وقل : « اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، ولك السلام ، وإليك يعود السلام ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على الأئمة الراشدين المهديين ، السلام على جميع أنبياء الله ، ورسله ، وملائكته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا كنت إماماً فسلم وقل : السلام عليكم مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة ، وتميل بعينك [ بعينيك ] إلى يمينك ، وإن لم تكن إماما فقل : السلام عليكم وتميل بأنفك إلى يمينك ، وإن كنت خلف إمام تأتمّ به ، فتسلّم تجاه القبلة واحدة ردّاً على الإمام ، وتسلم على يمينك واحدة ، وعلى يسارك واحدة ، إلاّ أن لا يكون على يسارك أحد ، فلا تسلم على يسارك ، إلا أن بجنب الحائط فتسلم على يسارك ولا تدع التسليم على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن »(٢) .

بيـان :

في تسليمات الصلاة أسرار كثيرة ، قد جاءت الإشارة إلى بعضها في أحاديث سلام الصلاة ، وقد سبق الصادقي منها أنه الأمان من إبطال الصلاة وعما يفسدها(٣) ، وأنه يأمن المسلّم والمسلّم عليه من شرّ كلّ إلى كلٍّ(٤) ، هذا في غير الصلاة ، وأما فيها فكما دريت معنى الأمان به آنفاً. ولعل من معاني سلام الصلاة على غير الله عزّ وجلّ هو الاستمرار على الألفة ، والتعرف ، وجميل العشرة ، التي كانت قبل الصلاة ، وأنّ السلام عند الفراغ منها أقرب إلى الخلوص والوفاء والصدق ؛ لأنه قد سمت نفس المصلي بعروجه إلى عرش العظمة وجمال الحقّ تعالى فجاء بالسلام من عند السلام.

__________________

١ ـ جامع أحاديث الشيعة ٥ | ٣٥١.

٢ ـ المقنع ٢٩ ، جامع أحاديث الشيعة ٥ | ٣٥٠ ، الباب ٥ من التشهد والتسليم.

٣ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٦. وفي غضون العنوان الأول من العناوين العشرة.

٤ ـ المصدر نفسه.

٢١١

الأمر الثاني :

سلام الولادة ، والموت ، والبعث وأيّامها

وقبل كلِّ شيءٍ نقدّم من القرآن الكريم ما جاء في يحيى وعيسى على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام قال تعالى منوّهاً بيحيى :

( والسَّلامُ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَموتُ وَيَومَ يُبعَثُ حَيّاً ) (١) . وعن لسان عيسى :( وَالسّلامُ عَلىَّ يَومَ وُلِدتُ وَيَومَ أَمُوتُ وَيَومَ أُبعَثُ حَيّاً ) (٢) .

بيـان :

في عيون الأخبار بإسناده إلى ياسر الخادم قال : سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول : إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا. وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن ، وآمن روعته ، فقال :( وَسَلامٌ عَلَيهِ يَوْمَ وَلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ) وقد سلّم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن :( وَالسّلامُ عَلىَّ يَوْمَ وَلِدتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أَبعَثُ حَيّاً ) (٣) .

____________

١ ـ مريم : ١٥.

٢ ـ مريم : ٣٣.

٣ ـ عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ | ٢٠١ ، تفسير الصافي ٢ | ٤٠ ، إحقاق الحق ١٩ | ٥٨١.

٢١٢

أقول : دل السلام في الرضوي على الأمان من العذاب ، ومما يتبع الولادة ، والموت ، والبعث ، واحتمل بعض السلام في الآيتين بمعنى التحية ، أو الأمان ، أو هما جميعاً على الأشتراك أو غير ذلك.( وسلام عليه يوم ولد ) أي أمان من الله تعالى عليه من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم ،( ويوم يموت ) من وحشة فراق الدنيا ، وهول المطلع ، وعذاب القبر. وفيه دليل على أنه يقال للمقتول ميت ، بناء على أنّهعليه‌السلام قتل لبغيّ من بغايا بني إسرائيل( ويوم يبعث حيّاً ) من هول القيامة وعذاب النار.

وجيء بالحال للتأكيد ، وقيل : للإشارة ، إلى أن البعث جسمانيّ لا روحانيّ ، وقيل : ـ والقائل الآلوسي ـ للتنبيه على أنّهعليه‌السلام من الشهداء وقيل : إنّ المراد بالسلام التحية المتعارفة ، والتشريف بها لكونها من الله تعالى في المواطن التي فيها العبد في غاية الضعف ، والحاجة ، وقلّة الحيلة ، والفقر إلى الله عزّ وجلّ ، وفي خبر إن عيسى ويحيىعليهما‌السلام التقيا وهما ابنا الخالة ، فقال يحيى لعيسى : أدع الله تعالى لي فأنت خير مني ، فقال عيسى : بل أنت ادع لي فأنت خير منّي ، سلّم الله تعالى عليك وأنا سلّمت على نفسي(١) .

وقيل ـ والقائل القرطبي :ـ تفسير السلام هنا بالتحية المتعارفة أشرف ، وأنبه من الأمان ، لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه(٢) [ بالعصمة ].

وقال السيد الطباطبائي : قوله تعالى :( وسلامٌ عَليه يَومَ وُلد وَيَوم يَموت ويَوم يُبعثُ حيّاً ) السلام قريب المعنى من الأمن ، والذي يظهر من موارد استعمالها ، في الفرق بينهما ، أنّ الأمن خلّو المحلّ ممّا يكرهه الأنسان ، ويخاف منه ، والسلام كون المحلّ بحيث كلّ ما يلقاه الإنسان فيه فهو يلائمه من غير أن يكرهه ويخاف منه.

وقال طاب ثراه : وتنكير السلام لإفادة التفخيم ، أي سلام فخيم عليه

__________________

١ ـ تفسير روح المعاني ١٦ | ٦٨ ، وتفسير الجامع للقرطبي ٦ | ٨٨.

٢ ـ تفسير الجامع للقرطبي ٦ | ٨٨.

٢١٣

ممّا يكرهه في هذا الأيام الثلاثة ، التي كل واحد منها مفتتح عالم من العوالم ، التي يدخلها الإنسان ، ويعيش فيها ، فـ( سلام عليه يوم ولد ) فلا يمسه مكروه في الدنيا يزاحم سعادته. وسلام عليه( يوم يموت ) فسيعيش في البرزخ عيشة نعيمة. وسلام عليه( يوم يبعث حياّ ) ، فيحيى فيها بحقيقية الحياة ولا نصب ولا تعب.

وقيل : إنّ تقييد البعث بقوله :( حيّاً ) للدلالة على أنّه سيقتل شهيداً ، لقوله تعالى في الشهداء :( بل أحياء عند ربّهم يرزقون ) [ آل عمران : ١٦٩ ]. واختلاف التعبير في قوله :( وُلِدَ ) ،( يَموتُ ) ،( يُبعثُ ) لتمثيل أنّ التسليم في حال حياتهعليه‌السلام (١) .

وقالرحمه‌الله : قوله تعالى :( والسلامُ عَلَىَّ يَوم وُلدتُ وَيَومَ أَموتُ وَيَومَ أُبعثُ حيّاً ) تسليم منه على نفسه في المواطن الثلاثة الكلية ، التي تستقبله في كونه ، ووجوده ، وقد تقدم توضيحه في آخر قصّة يحيى المتقدّمة.

نعم بين التسليمتين فرق ، فالسلام في قصّة يحيى نكرة تدلّ على النوع ، وفي هذه القصّة محلّى بلام الجنس ، يقيد بإطلاقه الاستغراق ، وفرق آخر وهو أنّ المسلّم على يحيى هو الله سبحانه ، وعلى عيسى هو نفسه(٢) .

وقال الآلوسي بعد الآية : تقدَّم الكلام في وجه تخصيص هذه المواطن بالذكر :

* فتـذكر فما في العهد من قدم *

والأظهر بل الصحيح أن التعريف للجنس جيء به تعريضاً باللعنة على متّهمي مريم وأعدائهاعليها‌السلام من اليهود ، فإنه إذا قال : جنس السلام عليّ خاصّة ، فقد عرّض بإنّ ضدّه عليكم ، ونظيره قوله تعالى :( والسلامُ

__________________

١ ـ تفسير الميزان ١٤ | ٢١.

٢ ـ تفسير الميزان ١٤ | ٤٧ ـ ٤٨.

٢١٤

عَلى مَن اتّبع الهدى ) (١) يعني أنّ العذاب على مَن كذّب وتولّى ، وكان المقام مقام مناكرةٍ وعنادٍ ، فهو مئنة لنحو هذا من التعريض ، والقول بأنه لتعريف العهد خلاف الظاهر ، بل غير صحيح ، لا لأنّ المعهود سلام يحيى عليه الصلاة والسلام ، وعينه لا يكون سلاماً لعيسى عليه الصلاة والسلام ، لجواز أن يكون من قبيل( هذا الذي رزقنا من قبل ) (٢) ، بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجوداً وسرداً ، فيكون معهوداً غير سابق لفظاً ومعنىً ، على أنّ المقام يقتضي التعريض ، ويفوت على ذلك التقدير ؛ لأنّ التقابل إنما ينشأ من اختصاص جميع السلام بهعليه‌السلام ، كذا في الكشف ، والاكتفاء في العهدية لتصحيحه بذكره في الحكاية لا يخفى جلاله ، وسلام يحيىعليه‌السلام قيل : لكونه من قول الله تعالى أرجح من هذا السلام ؛ لكونه من قول عيسىعليه‌السلام . وقيل : هذا أرجح لما فيه من إقامة الله تعالى إياه في ذلك مقام نفسه ، مع إفادة أختصاص جميع السلام بهعليه‌السلام فتأمل(٣) .

قال صاحب الكشاف :( والسلام على ) ، قيل : أدخل لام التعريف لتعرّفه بالذكر قبله ، كقولك : جاءنا رجل ، فكان من فعل الرجل كذا ، والمعنى ذلك السلام الموجّه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجّه إليّ. والصحيح أن يكون هذا التعريف تعريضاً باللعنة على متهمي مريمعليها‌السلام وأعدائها من اليهود ، وتحقيقه أنّ اللام للجنس ، فإذا قال : وجنس السلام عليّ خاصّة ، فقد عرّض بأنّ ضدّه عليكم(٤)

أقول : عبارة الآلوسي مع ما في الكشاف متقاربة في المعنى ، وهل أنّ السلام سواء قاله الله عزّ وجلّ كما في يحيى ، أو أن أحداً من الانبياء سلّم

__________________

١ ـ طه : ٤٧.

٢ ـ البقرة : ٢٥.

٣ ـ تفسير روح المعاني ١٦ | ٨٣.

لعل وجه التأمل أن سلام عيسى عليه السلام على نفسه لا يقرن بسلام الله عزّ وجلّ على يحيى ولا يقاس ذلك به.

والجواب : أنهما سيان بعد إقرار الله تعالى لسلام عيسى على نفسه.

٤ ـ تفسير الكشاف ٣ | ١٦.

٢١٥

على نفسه في هذه المواطن الثلاثة كعيسى ، خاصّ بهمعليهم‌السلام ، أو يعمّ الأوصياء ، والخلّص من المؤمنين ، وكلّ من ينبغي التسليم عليه؟.

الجـواب :

أنّه عامّ ، وإنما خص يحيى وعيسى بالذكر للملابسات التي كانت لهما ، يعرف ذلك من درس حياتهماعليهما‌السلام ، والدليل على عموم السلام قوله تعالى :( قيل يا نوح اهبط بسلام منّا وبركات عليك وعلى أمم ممّن معك ) (١) .

والسلام بأي معنى كان يعمّ الذين ممّن مع نوح من المؤمنين به ، وبنفس الدليل شامل لغيرهم ، ممّن يأتي من بعد نوح إلى يوم القيامة ، والعقل السليم يسوّغ التسليم المذكور أيضاً.

ثم إن في القرآن الكريم خمس آيات نوّهت باسم يحيى وهي :

( إنّ الله يبشّرك بيحيى مصدّقاً بكلمة من الله وسيّداً وحصوراً ) (٢) .

( وزكريّا ويحيى وإلياس كلٌّ من الصالحين ) (٣) .

( يا زكريّا إنّا نبشّرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّاً ) (٤) .

( يايحيى خذ الكتاب بقوّة وءاتيناه الحكم صبيّاً ) (٥) .

( فَاستَجَبنا لَه وَوَهَبْنا له يَحيى وَأَصلَحنا له زَوجَهُ ) (٦) .

وهذه من فضائله الّتي صرّحت فيها ، وهي تستدعي السلام عليه من الله تعالى في الحالات كلّها ، ومنها المواطن الثلاثة ، ومعناه سلامته ،

__________________

١ ـ هود : ٤٨.

٢ ـ آل عمران : ٣٩.

٣ ـ الأنعام : ٨٥.

٤ ـ مريم : ٧.

٥ ـ مريم : ١٢.

٦ ـ الأنبياء : ٩٠.

٢١٦

ومعافاته عن كلّ ما يلحقها من نقمات وعذاب.

وأمّا عيسى فقد تناوله القرآن الكريم في خمسة وعشرين موضعاً نذكر منها خمس آيات وهي :

( وءاتينا عيسى ابن مريم البينات وأيّدناه بروح القدس ) (١) .

( إنّ الله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) (٢) .

( إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ) (٣) .

( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ) (٤) .

( وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه الإنجيل ) (٥) .

لهذه الخصائص وغيرها ، ممّا جاء فيه في بقيّة الآيات ، اقتضى تسليمه على نفسه ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّه من الأنبياء الذين ليس كمثل يحيى في درجتهم ، وإن كان هو منهم ، كما صرّح في الآي المتقدّمة الذكر. وكيف كان فالسلام عليهما من الله ، أو من نفسهما من المكرمات التي خصّهما الله تعالى بها ، وليس معنى ذلك أنّ سواهما من نبيّ ، أو وصيّ ، أو مؤمن مرضيّ عند الله عزّ وجلّ ، ليس له من السلام في المواطن الثلاثة نصيب ، خاصّة السلام بمعنى الأمان من العذاب ، وقد قال تعالى :( إنّ المتّقين في مقام أمين ) (٦) .

والأمن والأمان لا ينفكّ عن كلّ متَّقٍ ، فضلاً عن الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، ومنها زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في صحيح بيّاع السابري ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو يقول : مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام كتب الله له حجّة ، وعمرة ، وعمرة ، وحجّة ، قال :

__________________

١ ـ البقرة : ٨٧.

٢ ـ آل عمران : ٤٥.

٣ ـ النساء : ١٧١ :

٤ ـ مريم : ٣٤.

٥ ـ الحديد : ٢٧.

٦ ـ الدخان : ٥١.

٢١٧

قلت : جعلت فداك فما أقول إذا أتيته؟ قال : تقول :

« السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يوم وُلدتَ ، ويوم تموتُ ، ويَوم تُبعث حيّاً ، أشهد أنّك حيّ ، شهيد ترزق عند ربّك ، وأتوالى وليّك ، وأبرأ من عدوّك ، وأشهد أنّ الذين قاتلوك وانتهكوا حرمتك ملعونون على لسان النبيّ الأميّ ، وأشهد أنّك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وجاهدت في سبيل ربّك بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، أسأل الله وليّك ووليّنا أن يجعل تحفتنا من زيارتك الصلاة على نبيّنا ، والمغفرة لذنوبنا ، اشفع لي يا بن رسول الله عند ربّك »(١) .

أقول : لعل قوله : « ويوم تموت » إشارة إلى رجعة الحسينعليه‌السلام وموته ، حيث إنّه قتل شهيداً سنة ٦١ في فاجعة كربلاء المؤلمة ، التي عمّ جمر مصابها العالمين ، من لدن آدم إلى انقراض العالم ، ولم يمت والأيّام الثلاثة مفروضة له ، ولجميع المعصومين من الأنبياءعليهم‌السلام وغيرهم.

__________________

١ ـ كامل الزيارات ، الباب ٧٩ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٢١٨

الأمر الثالث :

في سـلام الكائـنات

التكلّم عن سلام الكائنات يقع في مقامين.

الأول : في صحّة سلامنا عليها.

الثاني : في إمكان سلامها علينا ووقوعه.

وقبل الشروع في ذلك يتّجه سؤال : وهو هل أن الكائنات ذات حياة وشعور ، لكي يتسنى لنا البحث عن السلام من الجانبين أم لا؟ أو هل ما جاء من النوعين إنّما هو لأجل الأحياء ، وذوي الشعور من نبيّ أو وصيّ أو غيرهما ، من إنسان أو غير إنسان؟ أو أنّ ذلك كان علي سبيل الإعجاز ، إذا قلنا إنّها فاقدة للشعور؟؟ ويظهر جواب ذلك كله في غضون البحوث الآتية.

المقام الأوّل :

في السلام على الكائنات من أرض ،

وسماء ، وشجر ، ومدر ، وزمان ، ومكان ، وغيرها

إليك بعض الآيات أو الروايات التي تدلّ على إنّ الكائنات شاعرة ومدركة وناطقة ، قال تعالى في مواضع من القرآن الكريم منها آية :( وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيءٍ ) (١) .

__________________

١ ـ فصّلت : ٢١.

٢١٩

بيـان :

دلت الآية على تكلم جلود البشر ونطقها بإنطاق الله لها ولكلّ شيءٍ. وآية( وإن من شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ) (١) . نصّت على أنّ الكائنات تسبّح الله تعالى ، وتسبيحها دالّ بوضوح على تمتعها بنعمة الإدراك والشعور ، وعلى نوع من التعقل ، بدليل إرجاع ضمير ذوي العقول إليهم ، بقوله تعالى :( تسبيحهم ) ولم يقل عزّ من قائِل ( تسبيحها ). وفي آخر الآية بشارة ونذارة : أما البشارة فهي إمكان تعقّل البشر تسبيح الكائنات وتفقهه(١) ويتجلى ذلك بما فيها من التنذير بأنّ ترك تفقّه تسبيحها من السفاهة والذنب ؛ إذ لا حلم إلاّ عن سفه ، ولا غفران إلا عن ذنب ، فلولا أن تفقّه التسبيح مستطاع للبشر وميسور له ، لما كان ترك ذلك معدوداً من الذنوب ، وأنه عمل سفهي يغفره الله عزّ وجلّ ويحلم عنه ، وفي إنذار ذلك دلالة على البشارة المذكورة ، على سبيل الإشارة التي تكفي الحرّ المتدبّر في الآية( فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ) (٢) .

صرّحت الآية على أنّ السماء والأرض تقول كما نقول ، ولهما كلام ككلامنا ؛ والتأويل بأنّه ليس قولهما كالقول قول بلا دليل ، ويأتي مزيد توضيح له في المقام الثاني ، وإذا ثبت لهما ثبت لغيرهما للمشابهة في الجميع.

ومن الرواية الدعاء الخامس والأربعون من الصحيفة السجادية :

__________________

١ ـ الإسراء : ٤٤.

ولعل المناسب لذكر المقام الأول ـ وهو سلامنا على الكائنات ـ بعض المذكورات فيه من آية أو رواية ، وقد دريت أننا أولاً بصدد إثبات الإدراك لهنّ ، حتى يتسنى لنا السلام عليهن ، ومن ثم جئنا بالآية أو الرواية ، ومما يدلنا على إدراكهنّ ، ما جاء من ترحيب الإمام الكاظم عليه السلام في دعاء يوم الاثنين أوّله :

« مرحباً بخلق الله الجديد » رواه الشيخ الكفعمي طاب ثراه في البلد الأمين ١١٧. إذ لو لم يكن لخلق الله من سماء ، وأرض ، وشجر ، ومدر ، من شعور وإدراك لكان الترحيب لغواً محضاً ، وتعالى كلام المعصوم من اللغو.

٢ ـ فصّلت : ١١.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320