السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث6%

السّلام في القرآن والحديث مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 320

السّلام في القرآن والحديث
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40220 / تحميل: 7380
الحجم الحجم الحجم
السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث

مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

علي بن أبي حمزة ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف وهو عز وجل ، بالحروف غير منعوت ، وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الأقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ، ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى(١) ، وسخَّر سبحانه لكل اسم من هذه(٢) أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركناً ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسماً ، فعلاً منسوباً إليها فهو : الرحمن ، الرحيم ، المَلِك ، القدوس ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، [ البارئ كذا ] ، المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرزاق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث ، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسماً ، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان ، وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قوله عز وجل :( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) (٣) .

بيان :

في هذه الرواية تصريح بأن « السلام » معدود من الأسماء الحسنى ، والروايتان الأوليان وإن لم يصرح فيهما بأن السلام منها ، إلا أن التسعة والتسعين داخلة تحت الثلاثمائة والستين اسماً المكملة للأسماء الحسنى ، ومنها يظهر أن الأسماء الحسنى هي الثلاثمائة والستون ، والباقية إلى الألف

__________________

١ ـ « الله » أول الأسماء الثلاثة و « تبارك » ثانيها و « تعالى » ثالثها.

٢ ـ يريد بالإشارة ، الأسماء الثلاثة ، وأربعة مفعول « سخر ».

٣ ـ التوحيد ١٩٠ ـ ١٩١ ، والإسراء : ١١٠.

٤١

كما في دعاء الجوشن الكبير ، على ما يأتي ذكره ، هي الأسماء الحسنة ، وكل اسم الله حَسَنٌ على حد تعبير دعاء السحر المروي في ليالي شهر رمضان أوله : « اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ، وكل بهائك بهي ، اللهم إني أسألك ببهائك كله » وهو من دعاء أبي جعفر الباقرعليه‌السلام رواه ابن طاووس في كتابه(١) .

قال السيد الطباطبائي بعد ذكر الرواية الثالثة : والرواية من غرر الروايات ، تشير إلى مسألة هي أبعد سمكاً من مستوى الأبحاث العامة والأفهام المتعارفة(٢) ..

أقول :

وقد تعرضنا لنقلها وشرحها في كتابنا : « الأسم الأعظم »(٣) . وهي من غوامض الأحاديث ، وليس الوصول إلى مرمى كلامهعليه‌السلام فيه هيناً ؛ لأن قوله ، روحي فداه ؛ « خلق اسماً بالحروف » إلى قوله : « فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت » إلى آخره ، لا نعرف منه إلا عدداً مما ذكرهعليه‌السلام من الأسماء الأربعة المحجوب منها واحد والثلاثة الباقية ظاهرة ، ولعل المحجوب هو الاسم الأعظم.

ونظيره في خفاء الأمر وعدم وضوح المراد كلام الإمام الكاظمعليه‌السلام في قصة الراهب الطالب للاسم الأعظم من الرجل في الهند المسمى بمتمم بن فيروز ـ إلى أن قال الراهب للإمامعليه‌السلام ـ : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة ، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء منها؟ ومن يفسرها؟ قال

__________________

١ ـ إقبال الأعمال ٧٧. وفيه « لو حلفت لبررت أن اسم الله الأعظم قد دخل فيها ، فإذا دعوتم فاجتهدوا ».

٢ ـ تفسير الميزان ٨ | ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

٣ ـ أو معارف البسملة والحمدلة ص ٥٥ ـ ٥٧ المطبوع في بيروت ، في مؤسسة الأعلمي للمطبوعات سنة ١٤٠٢ هـ.

٤٢

الإمامعليه‌السلام : ذاك [ ذلك ] قائمنا ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين.

ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ماهي؟

قال : أخبرك بالأربعة كلها :

أما أولهن : فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقياً.

والثانية : محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخلصاً.

والثالثة : نحن أهل البيت.

والرابعة : شيعتنا منا ، ونحن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسول الله من الله بسبب »(١) .

والقصة طويلة اختصرناها.

وكما جاء في صادقي : « العلم سبعة وعشرون حرفاً ، فجميع ما جاءت به الرُّسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس ، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً »(٢) .

وقد خرجنا عن الموضوع والبحث حول السلام ، فقد جاء في حديث نبوي نقله الشيخ المجلسي من البلد الأمين وفيه قوله : « ياقدوس السموات والأرض يا الله ، يا مؤمن السموات والأرض يا الله ، يا سلام السموات والأرض يا الله »(٣) . وحديث المعراج ؛ « فنوديت يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام. قال : فقلت : هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام »(٤) . وحديث الصادقعليه‌السلام : كان عليعليه‌السلام يقول : « لا تَغضبوا ولا تُغضبوا أفشوا السلام ، وأطيبوا الكلام ، وصلّوا بالليل

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ | ٤٨١ ـ ٤٨٤ ، كتاب الحجة.

٢ ـ البحار ٥٢ | ٣٣٦.

٣ ـ البحار ٩٣ | ٢٦٣.

٤ ـ البحار ١٨ | ٣١٣.

٤٣

والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلاعليه‌السلام عليهم قول الله عز وجل :( السلام المؤمن المهيمن ) (١) ».

ورواية الشيخ الطوسي ، طاب ثراه ، بإسناده عن أبان بن عثمان الأحمر عن بريد العجلي قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول : « لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة صلوات الله عليها تلوذ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتدور حوله وتقول : يا أبة أين أمي؟ قال : فنزل جبرئيلعليه‌السلام ، فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام تقول لها : إن أمك في بيت من قصب(٢) ، كعابه من ذهب ، وعمده(٣) ياقوت أحمر ، بين آسية ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمةعليها‌السلام : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام »(٤) .

__________________

١ ـ الحشر : ٢٣. والحديث في أصول الكافي ٢ | ٦٤٥ ، الوسائل ٨ | ٤٣٨.

٢ ـ قال ابن الأثير : القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف. النهاية ٤ | ٦٧ ـ قصب ـ.

٣ ـ بيت خديجة في الجنة الموصوف في هذا الحديث بما ذكر ، مذكور في بعض الأحاديث كذلك ، ونزول جبرئيل على الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لإبلاغ سلام الله تعالى لفاطمةعليها‌السلام ، كذلك قد نزل عليه بإبلاغ السلام لخديجة : « إن جبرئيل أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : اقرئ خديجة من ربها السلام ، فقال رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا خديجة هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام ، قالت خديجة : الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبرئيل السلام » ، البحار ١٦ | ١١. وإنما أوردناه لاشتماله على اسم الله السلام المبارك الذي لم يجعل على مريض القلب إلا سلم.

٤ ـ أمالي الشيخ الطوسي ١ | ١٧٨ ـ ١٧٩ ، البحار ١٦ | ١ ، ونظيره ما رواه الشيخ الكليني بإسناده إلى أبي موسى الضرير قال : حدثني موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال : قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنينعليه‌السلام كاتب الوصية ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المملي عليه ، وجبرئيل والملائكة المقربونعليهم‌السلام شهود؟ قال : فأطرق طويلاً ثم قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله ( إلى أن قال ) : « فقال جبرئيل : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك ، وشرطت وشهدت به عليك ، وأشهدت به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمد شهيداً ، قال : فارتعدت مفاصل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عز وجل وبر ». الحديث. أصول الكافي ١ | ٢٨١ ـ ٢٨٢. وما رواه السيد ابن طاووس بعد صلاة الوتر « اللهم أنت السلام » جمال الأسبوع : ٢٢١.

٤٤

تفسير الآية أي آية السلام :

للمفسرين حول الآية كلام محصله : أي ذو السلامة من النقائص ، وأنها النسبة ، ثم اختلفت أقوالهم في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال :

الأول : معناه : الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص.

الثاني : معناه : ذو السلام أي المسلم ـ بمعنى التحية ـ على عباده في الجنة ، كما قال ـ تعالى ـ :( سلام قولاً من رب رحيم ) (١) .

الثالث : أن معناه : الذي سلم الخلق من ظلمه. وتعود هذه الأقوال الثلاثة إلى تنزيه الذات ، وتنزيه الصفات(٢) .

أقول : وإنما قدرت كلمة « ذو » إذا ما لم يستقم المعنى بدونها أو لم يصح ، ولا ريب في الاستقامة : بأن يكون حمل المصدر عليه تعالى نظير( الله نور السموات والأرض ) (٣) . وسيأتي من الشيخ الصدوق ما يؤيده ، وأما المعاني الثلاثة فلا بأس بها ، وقبل ذكر كلام الصدوق ، طاب ثراه ، نقدم حديثاً يفسر السلام بالأمن من الشر وبالأمان.

روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره ، وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم ، وإن لم يسلم لم يأمنوه ، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب(٤) ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل وهو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين »(٥) .

__________________

١ ـ يس : ٥٨.

٢ ـ تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١٨ | ٤٦ ، محصله.

٣ ـ النور : ٢٥.

٤ ـ العادة مستمرة إلى اليوم في بعض قبائل العرب.

٥ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٦ ، الباب ١ من أبواب التسليم ، الحديث ١٣.

٤٥

في الحديث جهتان :

الأولى : تفسير للسلام بالأمن من الخوف والشر ، مستنداً بما كان فيما مضى من العرب يأمنون من الشر عند سماع السلام من الوارد عليهم وجوابهم له ، ثم تطبيق ذلك على تسليم المصلي في صلاته ، وأن معناه الأمن من خوف ما يبطلها ويفسدها ؛ لأنه قد فرغ من صلاته بالسلام فلا صلاة باقية حتى يخاف من إفسادها ، وأنها سالبة بانتفاء الموضوع. فهذه هي الجهة الأولى المرتبطة بتفسير السلام بالأمن وتطبيقه على الصلاة.

الجهة الثانية : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، يسلم به المصلي على الملكين الموكّلَين على أعمال العبد ، وهما الرقيب والعتيد ، قال تعالى :( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) (١) . أي الملكان حاضران عنده يرقبان أقواله وأعماله ، والقول هنا تمثيل بلا قصر عليه. وسلام المصلي الذي هو اسم الله عز وجل يكون منه عليهما ، لأنهما المستحقان له ، إذ هما من الكرام الكاتبين المصرح بهم في آية :( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (٢) .

وبقرينة الجهة الأولى المفسرة للسلام بالأمن من الخوف ، يعلم أن اسم الله السلام المذكور في آخر الحديث ، معناه الأمن من الخوف تفسيراً من الإمامعليه‌السلام له بالأمن ، وتطبيقاً منه على المصلي بسلامه على الملكين. وعليه فاسم الله السلام هو الأمن. ولا يأبى التفسير الثالث المتقدم ذكره من القرطبي أي : ( الذي سلم الخلق من ظلمه ) ؛ فإن من

__________________

١ ـ ق : ١٧ ـ ١٨.

٢ ـ الانفطار : ١٠ ـ ١٢.

أقول : قد تكرر اسم الله السلام في الأدعية والأحراز والعوذات ، فضلاً عن الأحاديث ، فمن العوذات عوذة يوم الأربعاء ، قد ذكرها السيد ابن طاووس طاب ثراه في كلام له إلى أن قال : « وبأسمائه أحرزت نفسي وإخواني ، وما أنعم به علي ربي ، ونحن في جوار الله ، والله العزيز الجبار ، الملك القدوس ، القهار ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الغفار ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير ، المتعال ، هو الله ، هو الله ، هو الله لا شريك له ، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين ». جمال الأسبوع : ٩٨.

٤٦

الأمن أن يسلم العباد من الظلم ؛( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) (١) ،( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) (٢) .

وهنا حديث آخر جاء في الاستئذان ، ولكن فيه : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، فناسب ذكره هنا كما ناسب ذكر الحديث المتقدم : وهو من حديث الصادقعليه‌السلام قال : « إذا استأذن أحدكم فليبدأ بالسلام ؛ فإنه اسم من أسماء الله عز وجل ، فليسأذن من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيت ، فإنما أمرتم بالاستئذان من أجل العين » الخبر(٣) .

المستفاد من هذا الحديث أن الأمر بالسلام لكونه اسماً من أسماء الله تعالى ، ولئلاّ يقع الداخل التارك للسلام في الشر وخوف المعاقبة ، جراء ترك الاستئذان والسلام معاً ، فيدل على تفسير اسم الله السلام بالأمن من الخوف دلالة ضمنية ، ويكون الحديث مؤيداً للحديث السابق عليه ، كما ويؤيد حديث الاستئذان الحديث الباقري والصادقي في الاستئذان أيضاً بأن السلام طاعة الرحمن كما في الاول(٤) ، والسلام طاعة الله كما في الثاني(٥) .

ومما يؤيد تفسير اسم الله السلام بالأمن والأمان ، ما جاء من أسمائه

__________________

١ ـ العنكبوت : ٤٠.

٢ ـ يونس : ٤٤.

٣ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

٤ ـ فروع الكافي ٥ | ٥٣٠.

٥ ـ فروع الكافي ٥ | ٥٢٩. وكون السلام طاعة لله تعالى ، إما لأجل الأمتثال لأمره ، أو لأنه اسمه تعالى ، ولا يأبى الجمع بين كونه اسماً له عز وجل ، وأنه طاعة ، ومما يدل على أنه الاسم الربوبي أيضاً ما جاء في الدعاء بعد صلاة الهدية إلى رسول الله ، أو إلى أحد المعصومين عليهم الصلاة والسلام ، على ما رواه ابن طاووس قال : فإذا شهد وسلم قال : « اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، يا ذا الجلال والإكرام ، صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأخيار ، وأبلغهم مني أفضل التحية والسلام ، اللهم إن هذه الركعات هدية مني إلى عبدك ونبيك ورسولك محمد بن عبد الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، اللهم فتقبلها مني » إلى آخر الدعاء. جمال الأسبوع ١٦ ، في فضل هدية الصلاة. والشاهد فيه قوله : « اللهم أنت السلام » بكل ما له من معنى.

٤٧

تعالى المعدودة إلى ألف اسمٍ في دعاء الجوشن الكبير ، اسمه المبارك : « يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين »(١) يجيرهم إذا استجاروه ، ويأمنهم إذا استأمنوه. ودلالة ضمنية أيضاً في نفس دعاء : « يارب التحية والسلام »(٢) ، بناء على إرادة « السلام » اسمه تعالى السلام ، بقرينة المقابلة مع « التحية » ، لئلاً يلزم التكرار لو أريد بالسلام التحية. وعليه فمعناه : يا صاحب التحية المتعارفة ، وصاحب السلام ؛ لأنه اسمه عز وجل وهو صاحبه أي المسمى بهذا الاسم. ويحتمل كون السلام من عطف البيان للتحية فلا شاهد فيه فاختر ما شئت.

التفسير الثاني :

إن اسم الله السلام معناه السلامة من العيب والنقص وهو المعنى الأول من معانيه للقرطبي المتقدم ذكره.

التفسير الثالث :

معطي السلامة وواهبها لذويها ، فلم ينل السالمون سلامتهم إلا من الله تعالى ، بل والأشياء كلها كذلك ، فلم تكن سلامتها أي انتظامها ؛ وهل إتقان صنعها وإعطاؤها آثارها التي عليها نظم الكون كله إلا من الله الخالق تعالى؟( الذي أعطى كلّ شئٍ خَلْقَهُ ثم هدى ) (٣) ،( الذي أَحسَنَ كلّ شئ خَلَقَهُ وبدأ خلق الإنسان من طين ) (٤) ،( صنع الله الذي أَتقَنَ كلّ شئٍ ) (٥) .

وإعطاء كل شيءٍ خَلْقَه ـ صورته وشكله ـ الذي يوافق المنفعة المنوطة به( ثم هدى ) عرفه كيف يرتفق بما أعطي(٦) .

__________________

١ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٦.

اسمه تعالى أمان من عذاب الآخرة ، كما هو أمان في الدنيا ، وأمان من كل شر إطلاقاً. ٢ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٧.

٣ ـ طه : ٥٠.

٤ ـ السجدة : ٧.

٥ ـ النمل : ٨٨.

٦ ـ تفسير الصافي : ٢ | ٦٧.

٤٨

وإحسان كل شيء خَلَقَه : ملاءمة أجزائه بعضها لبعض المنوط بها الغرض والغاية من خلقه وإحسان كل شيءٍ بحسبه.

وإتقان كل شيءٍ : إحكام خلقه وتسويته على ما ينبغي له. فالكون منتظم بنظامٍ ـ لا فوقه نظام ـ سالم عن أي نقص متوهم فيه ، والكل على نسق واحد ، لا تفاوت فيه من حيث العطاء والحسن وجمال الصنع ،( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) (١) . والعالم كله سالم باسم الله السلام ، وإليك ماوعدناه سابقاً :

قال الشيخ الصدوق عند تفسيره لأسماء الله الحسنى :

( السلام ) : معناه المسلم وهو توسع ، لأن السلام مصدر، والمراد به أن السلامة تنال من قبله ، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ واللذاذة. ومعنى ثانٍ : أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنفص والزوال والانتقال والفناء والموت. وقوله عز وجل :( لَهُم دارُ السَّلامُ عنْدَ رَبّهِمْ ) (٢) ، فالسلام هو الله عز وجل ، وداره الجنة. ويجوز أن يكون سماها سلاماً ؛ لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا ، من مرض ، ووصب ، وموت ، وهرم ، وأشباه ذلك ، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات. وقوله عز وجل :( فَسلامٌ لَكَ مِنْ أَصحابِ اليَمينِ ) (٣) يقول : فسلامة لك منهم أي : يُخبرك عنهم سلامة. والسلامة في اللغة : الصواب والسداد أيضاً ، ومنه قوله عز وجل :( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) (٤) ، أي: سداداً وصواباً ، ويقال : سمي الصواب من القول سلاماً ، لأنه يسلم من العيب والإثم(٥) .

__________________

١ ـ الملك : ٣.

٢ ـ الأنعام : ١٢٧.

٣ ـ الواقعة : ٩١.

٤ ـ الفرقان : ٦٣.

٥ ـ كتاب التوحيد. ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

أقول روى الصدوق الباقري « يقول قول الله عز وجل : ( والله يدعو إلى دار السلام ) فقال : إن السلام هو الله عز وجل وداره التي خلقها لأوليائه الجنة » معاني الأخبار ١٧٧ ، الآية : ٢٥ من يونس.

٤٩

ومع تفسير السلام بالسداد والصواب تربعت الوجوه(١) : الأمان من الشر ، والمصون من العيب ، ومعطي السلام ، والصواب والسداد ، وعلى الوجه الرابع أي السلام بمعنى الصواب والسداد جائز إطلاقه على الله تعالى وإرادة معناه المذكور ؛ لأن كل كلامه عزّ وجلّ صواب وسداد وحق ، بل هو الحق بحقيقته ، وقد وصف نفسه بقوله عز من قائل :( فتعالى الله المَلِكُ الحق لا إله إلاّ هو ربّ العرش الكريم ) (٢) .

ولابدّ أن يراد بالصواب المفسّر به السلام الحق أو المحقّ الحقّ ، وقد جاء في القرآن الكريم ذلك في مواضع منها :( ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ) (٣) . وأما غيره من المخلوقين ، فيجوز إطلاقه بما للصواب من المعاني ومنها السلام.

وأما السلام بمعنى المنيل للسلامة فمقصور عليه تعالى ، إذ لا يهب السلامة لأهلها إلا الله عزّ وجلّ ، نعم السلام بمعنى ترك الشر ، أو ترك الحرب ، يصح قصده في المخلوق حقيقة ، ولكن لا يوفق العبد له الا بإعانته تعالى ، وهكذا سائر الأمور.

والغرض من التفصيل بيان ما يصح إطلاقه عليه تعالى مما لا يصح ، وليس في غير الله الاحتراز عما يلزمه التنزيه ، وهو مخلوق لا ينفك عن النقائص والحاجة مهما كان نوعه.

ومعنى توقيفية الأسماء : أنها موقوفة(٤) ، حتى يصحبها دليل من الشرع والعقل السليم على التنزيه عن النقائص والحاجة ، والذي جاء في دعاء الجوشن الكبير ألف اسم(٥) . وفي عدد الأسماء الحسنى أو أسماء الله تعالى على الإطلاق بين أهلها خلاف ، والبحث مشبع في محله(٦) ، وتقدم من الأحاديث فيها.

__________________

١ ـ أي صارت وجوه معاني السلام أربعة وهي الأمان من الشر و

٢ ـ المؤمنون : ١١٦.

٣ ـ يونس : ٨٢.

٤ ـ فلا يقال لله : ( يا صحيح ) مع أن السلام في اللغة قد جاء تفسيره بالصحة والعافية.

٥ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٤ ـ ٣٩٧.

٦ ـ البحار : ٩٣ | ٢٣٦ ـ ٢٧٣.

٥٠

قال المرحوم ابن فهد الحلي :

السلام : معناه ذو السلام ، والسلام في صفته تعالى : هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة ونقص : وقيل معناه المسلم(١) والمراد بصاحب القيل : الشيخ الصدوقرحمه‌الله ، وقد تقدم قوله فراجع(٢) .

قال السبزواري في شرح « يا رب التحية والسلام »(٣) كما في الدعاء : « اللهم أنت السلام ومنك السلام ، ولك السلام ، وإليك يعود السلام »(٤) . ثم أخذ في شرح سلام بعضنا على بعض ، بأنه لا بد أن يسلم الكل ، لبركته(٥) . أي لاسم الله تعالى البركة كلها. وإن من المواهب السامية أن أذن لنا الله على الدوام بذكر اسمه السلام الطيب المبارك ، وهو من أسمائه الحسنى ، نلهج به صباحاً ومساءً وفي كل أيام الدهر ، عسى أن تطيب به نفوسنا وقلوبنا ، وتغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا.

__________________

١ ـ عدة الداعي : ٣٠٤.

٢ ـ سبق قريباً ، وانظر التوحيد ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

٣ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٧.

٤ ـ شرح الأسماء الحسنى ١٠٩.

٥ ـ المصدر نفسه.

٥١
٥٢

 الفصل الثاني

السلام تحية الله ألتي أختارها للمسلمين

٥٣
٥٤

السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين

يعطي هذا العنوان أمرين : السلام تحية الله تعالى ، وأنه التحية المختارة للمسلمين.

أما الأمر الأول : فيدل عليه عدد من آي القرآن الكريم ، تنص على سلام الله عز وجل على الأنبياء المرسلين تارة بلفظ الجمع ، وأخرى تنوه بأسماء جمع منهمعليهم‌السلام ، يأتي من ذكر النوعين قريباً.

وأما الأمر الثاني : فيستفاد من نفس الآي الآتي ذكرها ، ومن أمره تعالى نبيه بالتحميد والتسليم على عباد الله المصطفين ، وعلى المؤمنين إذا جاؤوه قبل كل شيءٍ ، ومن فعل الملائكة المصرح بهم في القرآن الكريم والحديث ، وهو من مظاهر الحب والتواصل بين جميع الخلائق وكيف لا والسلام متعارف للكل ومتفق عليه من البشر ، وإن اختلف شكل التعارف فيما بينهم كما يأتي بيانه ، وإليك من الوحي النازل في موضوع السلام على عدد من الرُّسل المصرحة بأسمائهم وأفرادهم ، أو بلفظ الجمع ، أو جاء الأمر بتسليم البعض على البعض ، أو في قصص أقوام سابقين ، وأمم الأنبياءعليهم‌السلام الذين قد جاء ذكرهم في القرآن ، أو ما قالته الملائكة عند نزولهم على الأنبياء ، أو دخولهم على أهل الجنة ، أو غيرها مما هو في الكتاب العزيز يتلى صباحاً ومساءً :

٥٥

( سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمينَ ) (١) .

( سَلامٌ عَلى إبْراهيمَ ) (٢) .

( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهرُونَ ) (٣) .

( سَلامٌ عَلى ءالِ ياسِينَ ) (٤) .

( وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ ) (٥) .

( يا نُوحُ اهْبِط بِسَلامٍ مِنْا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ) (٦) .

( وَقُلِ الحَمدُ للهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذينَ اصْطَفى ) (٧) .

( وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (٨) .

( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً ) (٩) .

( وَالْمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيكُمْ ) (١٠) .

فسند تحية المسلمين في العالم أجمع بالسلام هو القرآن الكريم ، وهو دستور لأهل العالم كلهم ، ولو لم يكن في الإسلام إلا السلام لكان من الأحرى أن يعتنقوه لو عقلوه ، وهل يعقله إلا من خرج عن أسر الهوى ، وتحرر من رقّ الشيطان ، وعشق السلام والإسلام لا يدعو إلا إليه ، وأن يدخل الناس في السِلم كافة ، وينبذوا الحروب ، وليس السلام إلا لسلامة الجميع. وإن الإسلام من التسليم كما سبق به الحديث العلوي(١١) . ومبدأ الكل من السلام وهو اسم الله تعالى ، ومن ثم صار هذا شعاراً لازماً

__________________

١ ـ الصافات : ٧٩.

٢ ـ الصافات : ١٠٩.

٣ ـ الصافات : ١٢٠.

٤ ـ الصافات : ١٣٠.

٥ ـ الصافات : ١٨١.

٦ ـ هـود : ٤٨.

٧ ـ النـمل : ٥٩.

٨ ـ الأنعام : ٥٤.

٩ ـ الذاريات : ٢٥.

١٠ ـ الرعد : ٢٣ ـ ٢٤.

١١ ـ عند تفسير السلام في اللغة نقلاً من أصول الكافي ٢ | ٤٥.

٥٦

للمسلمين ، يتعاهدونه عند كل تلاقٍ وفراقٍ ، حتى لا تفارقهم السلامة في أبدانهم ، ومعاشهم ، بل ومعادهم يوم الحشر الأكبر ، وحتى يدخلوا دار السلام ـ وهي الجنة ، كما سمعتها في الآي المتقدم ذكرها(١) ، وتسمعها ـ ولا يدرك حقيقة هذا القول إلا من ذاق طعم العافية ، وأحبها لإخوانه ، وكل ولد آدمعليه‌السلام فهلم نستمع الحديث :

« كان أصحاب رسول الله صلى عليه وآله ، إذا أتوه يقولون له : أنعم صباحاً ، وأنعم مساءً ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فأنزل الله :( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) (٢) ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أبدلنا الله بخير من ذلك ، تحية أهل الجنة السلام عليكم »(٣) . إشارة إلى قوله تعالى :( إلا قيلاً سلاماً سلاماُ ) (٤) ، وإلى الحكاية عن أهل الجنة أيضاً :( وتحيتهم فيها سلام ) (٥) ، والجنة طيبة ، وأهلها طيبون وكل ما فيها طيب ، والسلام تحية من عند الله مباركة طيبة ، اختارها للطيبين المسلمين حقاً ، والسلام من أطيب أقوالهم ـ أقوال أهل الجنة ـ لا يقولون ولا يسمعون فيها إلا سلاماً ، وأهل السلام اليوم أهل السلام غداً في الجنة.

والصادقي : « السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا »(٦) .

والنبوي : « إن السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا ، وأماناً لأهل ذمتنا »(٧) .

حديث وهب اليماني قال : « إن الله قال لآدم انطلق إلى هؤلاء الملأ

__________________

١ ـ في كلام الصدوق وغيره ، وحول الأسماء الحسنى السلام ، وقوله عز وجل :( لهم دار السلام ) الأنعام : ١٢٧.

٢ ـ المجادلة : ٨.

٣ ـ تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي ٢ | ٣٥٥ ، البحار ٧٦ | ٦.

٤ ـ الواقعة : ٢٦. أي قولاً.

٥ ـ يونس : ١٠.

٦ ـ البحار ٧٦ | ١٢ ، هو نبوي أيضاً جاء في مجمع الأمثال للميداني ٢ | ٤٥٠ ، وكتاب أمثال الحديث ٣٢٥.

٧ ـ كنز العمال ٩ | ١١٣ ، الرقم ٢٥٢٣٧ ، أي السلام من أسمائه الحسنى وضعه في الأرض.

٥٧

من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فسلم عليهم ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة »(١) .

قال السيد الطباطبائي :

الأمم والأقوام على اختلافهم في الحضارة ، والتوحش ، والتقدم ، والتأخر لا تخلو في مجتمعاتهم من تحية يتعارفونها عند الملافاة الملاقاة البعض البعض ، على أقسامها وأنواعها ، من الإشارة بالرأس ، واليد ، ورفع القلانس وغير ذلك ، وهي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم.

أنت إذا تأملت هذه التحيات الدائرة بين الأمم على اختلافها وعلى اختلافهم ، وجدتها حاكية مشيرة إلى نوع من الخضوع ، والهوان ، والتذلل ، يُبديه الداني للعالي ، والوضيع للشريف ، والمطيع لمطاعه ، والعبد لمولاه ، وبالجملة تكشف عن رسم الاستعباد الذي لم يزل رائجاً بين الأمم في أعصار الهمجية فما دونها ، وإن اختلفت ألوانه ، ولذلك ما نرى أن هذه التحية تبدأ من المطيع وتنتهي إلى المطاع ، وتشرع من الداني الوضيع وتختتم في العالي الشريف ، فهي من ثمرات الوثنّية التي ترتضع من ثدي الاستعباد.

والإسلام ـ كما تعلم ـ أكبر همه إمحاء الوثنية وكل رسم من الرسوم ينتهي إليها ، ويتولد منها ، ولذلك أخذ لهذا الشأن طريقة سوية ، وسنة مقابلة لسنة الوثنية ، ورسم الاستعباد ، وهو إلقاء السلام الذي هو ينحو أمن المسلم عليه من التعدي عليه(٢) ، ودحض حريته الفطرية الإنسانية الموهوبة له ؛ فإن

__________________

١ ـ الوسائل ٨ | ٤٤٤.

والنبوي : « إذا أتيت قوماً من المسلمين فقل : السلام عليكم ورحمة الله » كنز العمال ٩ | ١١٨ ، رقم الحديث ٢٥٢٧١.

٢ ـ ومن ثم جاء « وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعض ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم » جامع الأحاديث ١٥ | ٥٨٥.

٥٨

أول ما يحتاج إليه الأجتماع التعاوني بين الأفراد هو أن يأمن بعضهم بعضاً ، في نفسه ، وعرضه ، وماله ، وكل أمر يؤول إلى أحد هذه الثلاثة.

هذا هو السلام الذي سنّ الله تعالى إلقاءه عند كل تلاق من متلاقيين ، قال تعالى :( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) [ النور : ٦١ ] ، وقال تعالى :( يا أَيُّها الَّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرُ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأْنِسُوا و‌تُسَلِّمُوا عَلى أَهلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ ) [ النور : ٢٧ ]. وقد أدب الله رسوله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالتسليم للمؤمنين وهو سيدهم فقال :( وإذاجاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [ الأنعام : ٥٤ ] ، وأمره بالتسليم لغيرهم في قوله :( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ) [ الزخرف : ٨٩ ](١) .

يريد طاب ثراه :

أن السلام الإسلامي يحصر الخضوع لله تعالى ؛ لأنه كما تقدم اسم من أسمائه عز وجل ، وملازمة المسلمين له عند كل مواجهة توجيه قهري إلى صاحب الاسم وهو الله تعالى فينحصر الخضوع له دون غيره تعالى :

ولعل السر في الاهتمام به هو هذا المعنى ، أو الاندفاع به إلى شرع الحب ، وإظهار ما انطوى عليه صاحبه من الوفاء والولاء ؛ وذلك من أقوى وسائل المحبة ، والأخوة الإسلامية(٢) .

ومن معاني السلام : أنه دعاء لسلامة صاحبه ، أو كما قيل من الوجوه السلامية له : أن ، معنى ( السلام عليكم ) أي اسم الله عليكم كالظلة تخيم على رؤوسكم ، ويراد بذلك حفظكم ـ وإن من أثر الاسم الأخذ بلفظه كاسم الغني للغنى ، واسم القادر للاقتدار ، والعزيز للعزة وهكذا باقي الأسماء الحسنى.

__________________

١ ـ تفسير الميزان ٥ | ٣١ ـ ٣٢.

٢ ـ ومن مواطن البر ، وقد جاء المثل : « تباروا فإن البر ينمي العدد » كما في الفاخر ٢٦٤.

ويستدعي عليه شكراً موجباً للزيادة ( لئن شكرتم لازيدنكم ) إبراهيم : ٧.

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320