السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث18%

السّلام في القرآن والحديث مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 320

السّلام في القرآن والحديث
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40217 / تحميل: 7380
الحجم الحجم الحجم
السّلام في القرآن والحديث

السّلام في القرآن والحديث

مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الفـصل الخامـس

السَـلام قَـبل الـكـلاَم

٨١
٨٢

السـلام قبـل الكـلام

من الإدب الإسلامي السامي الابتداء بالسلام عند المواجهة ، التي لها جمالها وكرامتها ، ومن ثّم جاء الأمر به قبل كلّ شيءٍ ، في الكتاب العزيز ، والأحاديث المرويّة عن أهل البيتعليهم‌السلام .

من الكتاب العزيز آي :

١ ـ( وَإِذا جاءَكَ الّذينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (١) . أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مجيء المؤمنين ومواجهتهم بالسلام عليهم قبل تبليغ البشارة بشمول الرحمة للتائبين منهم ، وسائر الأمور.

٢ ـ( يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيكُمْ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُم تَعْمَلُونَ ) (٢) . بدأت الملائكة بالسلام على العاملين قبل قولهم لهم : ادخلوا الجنة.

٣ ـ( قال سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي إنَّهَ كانَ بي حَفِيّاً ) (٣) . قدّم إبراهيمعليه‌السلام السلام على آزر ، ثم ضمن له أن يستغفر له.

__________________

١ ـ الأنعام : ٥٤.

٢ ـ النحل : ٣٢.

٣ ـ مريم : ٤٧.

٨٣

٤ ـ( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قال إِنّا مِنْكم وَجِلُونَ ) (١) . كان سلام الملائكة المبشرة لإبراهيمعليه‌السلام قبل تبادل الكلام بينهم.

ففي الآي المتلوّة نوع من الدلالة على قبليّة السلام على الكلام.

والأحاديث المروية عن أهل البيتعليهم‌السلام منها :

١ـ النبوي : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه وقال : ابدأوا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه »(٢) .

٢ ـ الصادقي قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه »(٣) .

٣ ـ الآخر : « ولا تدع إلى طعامك أحداً حتى يسلّم »(٤) .

٤ ـ النبوي : « السلام قبل السؤال ، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه »(٥) .

٥ ـ الآخر : « لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام »(٦) .

٦ ـ الحسيني أي الحديث المروي عن الحسينعليه‌السلام : « قال له رجل ابتداءً كيف أنت عافاك الله؟ فقالعليه‌السلام له : السلام قبل الكلام عافاك الله ، ثم قالعليه‌السلام : لا تأذنوا لأحد حتى يسلّم »(٧) .

أقـول :

لا مانع أن تكون كلمة قالها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقولها أحد المعصومينعليهم‌السلام أيضاً(٨) .

__________________

١ ـ الحجر : ٥٢.

٢ ـ أصول الكافي ٢ | ٦٤٤ ، باب التسليم ، الحديث ٢.

٣ ـ الوسائل ٨ | ٤٣٧.

٤ ـ الوسائل ٨ | ٤٣٧ ، البحار ٧٦ | ٣.

٥ ـ كنز العمال ٩ | ١٢٢ ، الرقم ٢٥٢٩٢.

٦ ـ كنز العمال ٩ | ١٢٩ ، الرقم ٢٥٣٣٦.

٧ ـ تحف العقول ٢٤٦ ، في قصار هذه المعاني ، البحار ٧٨ | ١١٧.

٨ ـ كما في حديث ١ و ٢.

٨٤

ثم إن دعاء الإمام الحسينعليه‌السلام بالعافية للرجل من تطابق الجواب والسؤال ، وللتنبيه له بالأدب الإسلامي ، والإنساني عند المواجهة وافتتاح الكلام بالسلام ، وتعليم الجاهل بالأحكام ، وأنه كالمريض الذي ينبغي له الدعاء بالعافية ، وإن كان التعارف بهذه الكلمة لمجرد الدعاء ، ومن التحية ، ولكن الإمامعليه‌السلام نوى بها التنبيه والتعليم ، وغيرهما من المعاني المتناسبة.

ثم إن النهي المشدد عن الكلام قبل السلام ؛ لصون كرامة المواجهة ورعاية حقوق الأخوّة الإسلامية ، بل وحقّ إنسان مع إنسان آخر وهو السلام الضامن عن نيل الشر ، وقد سبق حديث الصدوق عن الصادقعليه‌السلام وفيه الجواب عن سؤال معنى التسليم في الصلاة؟ فقال : التسليم علامة الأمن ، وتحليل الصلاة ـ إلى أن قالعليه‌السلام : ـ كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم(١)

والعادة مستمرة بين بعض طوائف العرب : إذا دخل داخل عليهم ولم يسلّم أو لم يأكل من طعام ربّ البيت ، خيف منه ، وعلم أنّه أضمر أمراً لابد منه ، والسلام أو أكل الطعام عندهم علامة الأمن منه.

٧ ـ العلوي : « أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مرّ بنا رجل ولم يسلّم والطعام بين أيدينا أن لا ندعوه إليه »(٢) .

__________________

١ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٦ ، معاني الأخبار ١٧٦.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٥٦.

٨٥
٨٦

الفـصل السـادس

سَـلاَم الاستـئذَان وَالإعـلاَم

٨٧
٨٨

سلام الاستئذان والإعلام

المهمة هنا رعاية حقوق الناس ، والحظر عن أي تصرف فيها بلا إذن سابق ، وأنّ حُرمة أموالهم كحُرمة دمائهم ، والدخول في بيوتهم وممتلكاتهم بدون إجازة مُسبقة منهي عنه بالكتاب العزيز ، وسنة رسول الله ، وأحاديث أهل البيت عليهم سلام الله تعالى.

فمن الكتاب العزيز آية :

١ ـ( يأَيّها الّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غُيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلّكُم تَذَّكَرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجدُوا فيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وإِنْ قِيلَ لَكُم اِرجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَليمٌ ) (١) .

التفسـير :

قال الشيخ الصدوق طاب ثراه : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ومحسن بن أحمد ، عن أبان بن الأحمر ، عن

__________________

١ ـ النور : ٢٧ ـ ٢٨. اشتملت على أحكام وآداب تخص الحقوق منها : المنع من دخول البيوت غير بيت الداخل قبل الاستئذان والتسليم ، والرجوع عند عدم الإذن ، والإذن في الدخول لمرة ويجب الاستئذان للمرة الأخرى كما في النبوي الوسائل ٨ | ٩٨٥. إلا في الإذن الصريح في الدوام.

٨٩

عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( لا تَدْخلُوا بيُوتاً غَيرَ بيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأنِسُوا وتُسَلِمُوا عَلى أَهلِها ) ؟ قال : الاستئناس وقع النعل والتسليم »(١) .

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قلنا : يا رسول الله ما الاستئناس؟ قال : « يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ، يتـنحنح على أهل البيت »(٢) وفي رواية : « ويؤذن أهل البيت »(٣) .

ولا ينافى التسبيح والتحميد والتكبير والتنحنح مع التسليم ، لأنها ليست من نوع الكلام الممنوع قبل السلام ، وكل ذلك للإسماع والاستئذان ووجوهه ثلاثة :

قال الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسنرضي‌الله‌عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « الاستئذان ثلاثة : أوّلهنّ يسمعون ، والثانية يحذرون ، والثالثة إن شاؤوا أذنوا ، وإن شاؤوا لم يفعلوا فيرجع المستأذن »(٤) .

وقال الطبرسي : روي أنّ رجلاً استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتنحنح ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة يقال لها روضة : « قومي إلى هذا فعلميه وقولي له : قل : السلام عليكم أأدخل؟ فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : ادخل »(٥) .

وقال القمي : الاستئناس هو الاستئذان(٦) .

__________________

١ ـ معاني الأخبار ١٦٣.

٢ ـ تفسير مجمع البيان ٧ | ١٣٥ ، تفسير نور الثقلين ٣ | ٥٨٥.

٣ ـ مجمع البحرين ـ أنس ـ.

٤ ـ الخصال ١ | ٩١.

٥ ـ تفسير مجمع البيان ٧ | ١٣٦ ، تفسير نور الثقلين ٣ | ٥٨٦ ، تفسير الميزان ١٥ | ١١٥.

٦ ـ تفسير القمي ٢ | ١٠١.

والنبوي : « سئل عن الاستئذان في البيوت؟ قال : من دخلت عينه قبل أن يستأذن فقد عصى الله ولا إذن له ». الدرّ المنثور ٥ | ٣٩.

٩٠

أقـول : قوله تعالى :( حَتّى تَسْتَـأْنِسُوا ) قيل فيه وجهان :

أحدهما : أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له استأنس ، فالمعنى : حتى يؤذن لكم كقوله :( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) (١) وهذا من باب الكناية والإرداف(٢) ، لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن فوضع موضع الإذن.

والثاني : أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف : استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً. والمعنى حتى تسلّموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا(٣) ؟

وقيل : كان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حُيّيتم صباحاً وحُيّيتم مساءً ، ثم يدخل ، فربّما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ، فصد الله عن ذلك ، وعلم الأحسن والأجمل.

وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به ، وباب الاستئذان من ذلك : بينا أنت في بيتك إذا رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحايي إسلام ولا جاهلية ، وهو ممَّن سمع ما أنزل الله فيه ، وما قال رسول الله ، صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، ولكن أين الأُذن الواعية(٤) ؟.

ولدخول بيوت الأهل ، والأرحام ، والمشاهد ، والأعتاب المقدسة ، وبيوت الله جلّ جلاله ، آداب قد بينها الكتاب والحديث ، فمن الأول قوله تعالى :

__________________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ من جعل الشيء رديفاً لآخر ، وصرح في المتن بالمقصود.

٣ ـ تفسير الكشاف ٣ | ٢٢٦ ، ومنه آية( ءانَسَ مِن جانِب الطُّورِ ناراً ). القصص : ٢٩. أي : أبصر ناراً ، وكان نور الربّ تعالى قد تجلى للجبل.

٤ ـ تفسير الكشاف ٣ | ٢٢٧.

٩١

 ١ ـ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ) (١) . وصدر الآية نفي الحرج عن الأعمى ، والأعرج ، والمريض(٢) ، وأرباب البيوت ، من دخولها والأكل منها ، وبيوت الآباء ، والأمهات ، والإخوة ، والأخوات ، والأعمام ، والعمات ، والأخوال ، والخالات ، ومالكي المفاتيح ، والأصدقاء ، أن يأكلوا جميعاً أو أشتاتاً ثم قال عزّ وجلّ :( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا ) .

ويريد تعالى من( بيوتاً ) البيوت المذكورة في الآية بيوت الأهل ، والأرحام ، فعلى الداخل لكلٍ منهما السلام : تحية الله المباركة الطيبة سلام الاستئذان قبل الأكل منها ، سواء أكان أحد فيها أم لا ؛ فإن ملائكة الله في كل مكان موجودون ، وعلى الأقل الملكان الموكلان الكاتبان لأعمال الإنسان ، وقد سبق ذكر آي للملائكة الموكلة عليه منها :( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين ) (٣) .

التفسير :

١ ـ روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى أبي الصباح قال : « سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على

____________

١ ـ النور : ٦١.

٢ ـ كان أهل المدينة يتحرجون من أكل الطعام مع الأعمى والأعرج والمريض من ذوي قرباهم ، وجاء الإسلام يدفع عللهم للتحرج مع هؤلاء الدر المنثور ٥ | ٥٨.

٣ ـ الانفطار : ١٠ ـ ١١. والكاتبان أحدهما الملك المسمى بـ « الرقيب » ، والثاني « العتيد ».

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : ( قيل : إن عمر كان يعسّ بالليل ، فسمع صوت رجل وامرأة في بيت ، فارتاب فتسور الحائط ، فوجد امرأة ورجلاً ، وعندهما زقّ خمر ، فقال : يا عدوّ الله ، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته! قال : يا أمير المؤمنين ، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث ، قال الله تعالى : ( ولا تجسسوا ) [ سورة الحجرات : ١٢ ] ، وقد تجسست. وقال : ( واتوا البيوت من أبوابها ) [ سورة البقرة : ١٨٩ ] ، وقد تسورت. وقال : ( وإذا دخلتم بيوتاً فسلموا ) [ سورة النور : ٦١ ] ، وما سلَّمت ).

شرح النهج ١ | ١٨٢.

ومن استدلال الرجل بالآية الأخيرة في النفس شيء ، والمناسبة آية ( غير بيوتكم ) [ النور : ٢٧ ].

٩٢

أنفسكم ) (١) الآية؟ قال : هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ، ثم يردّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم »(٢) .

٢ ـ الباقري الآخر : « إذا دخل منكم الرجل بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربنا ، يقول الله : تحية من عند الله مباركة طيبة )(٣) .

٣ ـ قال القمي : وقيل : إذا لم ير الداخل بيتاً أحداً فيه يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يقصد به الملكين الذين عليه شهوداً(٤) .

٤ ـ النبوي : « إذا دخل أحدكم بيته فليسلم ؛ فإنه ينزله البركة وتونسه الملائكة »(٥) .

٥ ـ العلوي : « دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في بعض حجراته ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فلما دخلت قال لي : ياعلي أما علمت أن بيتي بيتك ، فما لك تستأذن عليّ؟ قال : فقلت : يا رسول الله أحببت أن أفعل ذلك. قال : يا علي أحببت ما أحب الله وأخذت بآداب الله »(٦) .

٦ ـ الصادقي : « إذا دخلت منزلك فقل : بسم الله وبالله ، وسلم على أهلك ، فإن لم يكن فيه أحد فقل : بسم الله وسلام على رسول الله وعلى أهل بيته ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فرّ الشيطان من منزلك »(٧) .

٧ ـ الصادقي الآخر قال : « يسلّم الرجل إذا دخل على أهله ، وإذا

__________________

١ ـ الأهل بمنزلة نفس الإنسان كما في آية :( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) النحل : ٧٢.

٢ ـ معاني الأخبار ١٦٢ ـ ١٦٣. وتفسير البرهان ٣ | ١٥٣ ، البحار ٧٦ | ٥.

٣ ـ تفسير البرهان ٣ | ١٥٣ ، البحار ٧٦ | ٣.

٤ ـ تفسير البرهان ٣ | ١٥٣ ، تفسير القمي ٢ | ١٠٩.

٥ ـ البحار ٧٦ | ٧.

٦ ـ البحار ٧٦ | ١٤ ـ ١٥.

٧ ـ البحار ٧٦ | ١١.

٩٣

دخل يضرب بنعليه ، ويتنحنح ويصنع ذلك حتى يؤذنهم أنه قد جاء ، حتى لا يرى شيئاً يكرهه »(١) .

ومن الكتاب العزيز أيضاً قوله تعالى :

٢ـ( يأَيّها الَّذين ءامَنُوا لِيسْتَئْذِنكُمْ الَّذينَ مَلَكَتْ أَيْمنُكُمْ وَالَّذينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُم مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلوةِ الفَجْرِ وَحينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلوةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الاياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكيمٌ * وَإِذا بَلَغَ الأَطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَليَسْتَئْذِنُوا كَمَا اسْتَئْذَنَ الّذين مِنْ قَبْلِهِمْ كذلِك يُبيّنُ اللهُ لَكُمْ ءايتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٢) .

التفسير :

١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : وأما قوله :( يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ـ إلى قوله :ثلاث عورات لكم ) قال : إن الله تبارك وتعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد : لا أب ، ولا أخت ، ولا أم ، ولا خادم إلا بإذن. والأوقات : بعد طلوع الفجر ، ونصف النهار ، وبعد العشاء الآخرة ، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال :( ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ) . يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات(٣) .

أقول : قوله : ( بعد طلوع الفجر ) ظاهره المنافاة مع قوله تعالى :( من قبل صلوة الفجر ) ولعل النسخة الصحيحة ( قبل طلوع الفجر )(٤) . ويمكن

__________________

١ ـ البحار ٧٦ | ١١ ـ ١٢. في الصادقي الآخر : « إذا استأذن أحدكم فليبدأ بالسلام ، فإنه اسم من أسماء الله عزَّ وجلّ، فليستأذن من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيت ، فإنما أُمرتم بالاستئذان من أجل العين » مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

٢ ـ النور : ٥٨ ـ ٥٩.

٣ ـ تفسير القمي ٢ | ١٠٨.

٤ ـ وقد راجعنا بعض المخطوطات من تفسير القمي فلم نجد فيه ما يدفع ذلك ، وفي كلها لفظة ( بعد طلوع الفجر ) طبق المطبوع موجودة.

٩٤

أن يقال : بأن وقت نزول الآية لعل عادة الناس كانت على أداء فريضة الصبح بعد مضيّ شيء من الفجر ، لا مقارناً له ، وعليه لفظ ( بعد طلوع الفجر ) لا ينافي قوله تعالى :( من قبل صلوة الفجر ) بل ينطبق عليه تماماً ، وإنما أضاف تعالى ( قبل ) إلى صلاة الفجر ، لا إلى الفجر ، حتى لا يكون منافياً لبعد طلوعه ، فتدبّره جيداً.

٢ ـ قال الشيخ الكليني طاب ثراه : عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، جميعاً عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جرّاح المدايني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ليستأذن( الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلم منكم ثلاث مرّات ) كما أمركم الله عزّ وجلّ(١) ، ومن بلغ الحُلُم فلا يلج على أمه ، ولا على أخته ، ولا على خالته ، ولا على سوى ذلك إلا بإذن ، فلا تأذنوا حتى يسلم ، والسلام طاعة لله عزّ وجلّ ».

قال : وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحُلُم في ثلاث عورات ، إذا دخل في شيءٍ منهن ولو كان بيته في بيتك ؛ قال : وليستأذن عليك بعد العشاء التي تسمى العتمة ، وحين تصبح ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، إنما أمر الله عز وجل بذلك للخلوة ، فإنها ساعة غِرة وخلوة »(٢) .

أقول : قولهعليه‌السلام : « فلا تأذنوا حتى يسلم ، والسلام طاعة لله عز وجل » يماثله قول الإمام الحسينعليه‌السلام في حديث تقدم ذكره(٣) : « لا تأذنوا لأحد حتى يسلم » ، وقوله روحي فداه : « والسلام طاعة لله » لامتثال أمره جل جلاله :( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) ومنه يعلم مدى الاهتمام بالسلام في الشريعة الإسلامية.

__________________

١ ـ أي قال الله عز وجل :( يأَيّها الَّذينَ ءامَنُوا لِيسْتَأذِنَكُم ) النور : ٥٨ ـ ٥٩.

٢ ـ الكافي ٥ | ٥٢٩ ، باب آخر من باب الدخول على النساء ، كتاب النكاح ، الحديث ١.

٣ ـ الحديث ٦ من ( ٥ ـ السلام قبل الكلام ).

٩٥

٣ ـ وقالرحمه‌الله أيضاً : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضَّال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل :( الذين ملكت أيمانكم ) قال ؛ « هي خاصة في الرجال دون النساء ، قلت : فالنساء يستأذنّ في هذه الثلاث ساعات؟ قال : لا ، ولكن يدخلن ويخرجن ،( والّذين لم يَبْلُغُوا الحُلُم منكم ) قال : من أنفسكم(١) قال : عليكم استئذان كاستئذان من قد بلغ في هذه الثلاث ساعات »(٢) .

٤ ـ وقال : محمد بن يحيى عن أحمد ين محمد ؛ وعدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله ، جميعاً عن محمد بن عيسى ، عن يوسف بن عقيل ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلُم منكم ثلاث مرات من قبل ) ومن بلغ الحُلُم منكم فلا يلج على أمه ، ولا على أخته ، ولا على ابنته ، ولا على من سوى ذلك إلا بأذن ولا يأذن لأحد حتى يسلّم(٣) ، فإن السلام طاعة الرحمن »(٤) .

بيـان :

قولهعليه‌السلام : « ولا يأذن لأحد حتى يسلم ؛ فإن السلام طاعة الرحمن » ، هي الجملة المتقدمة الذكر مع تغيير غير مضر ، ولئن دلت على شيءٍ ، فإنها دالة على مزيد الاهتمام بالسلام والمنع المشدد عن تركه ، لأن السلام طاعة الله : طاعة الرحمن ، وما حال من ترك الطاعة؟ وهل جزاؤه إلا الذل والهوان؟ فترى أهل البيت عليهم السالم لإكبارهم أمر السلام ، وإن

__________________

١ ـ قولهعليه‌السلام : « من أنفسكم » بيان ( منكم ) وتفسيره أي : من الأحرار. قولهعليه‌السلام : « عليكم » كذا في النسخ ، والظاهر « عليهم » ولعل المعنى كأنه تعالى وجه الخطاب إلى الأطفال هكذا ، أو أنهم لما كانوا غير مكلفين فعليكم أن تأمروهم بالاستئذان. مرآة العقول ٢٠ | ٣٦٦.

٢ ـ الكافي ٥ | ٥٢٩ ـ ٥٣٠.

٣ ـ أي : لا يأذن صاحب البيت لأحد حتى يسلم. مرآة العقول ٢٠ | ٣٦٦.

٤ ـ الكافي ٥ | ٥٣٠.

٩٦

الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أعظمهم إكباراً له واهتماماً به عملاً وقولاً.

ولتتميم الفائدة نذكر رابع أحاديث الشيخ الكليني في هذا الصدد :

٥ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن ربعي بن عبد الله ، عن الفضل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «( يأيّها الّذين ءامَنُوا ليستأذنكم ) قيل : من هم؟ فقال : هم المملوكون من الرجال ، والنساء(١) ، والصبيان الذين لم يبلغوا ، يستأذنون عليكم عند هذه الثلاث العورات من بعد صلاة العشاء وهي العتمة ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، ومن قبل صلاة الفجر ، ويدخل مملوككم [ غلمانكم ] من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن إن شاؤوا »(٢) .

بـيـان :

هذه الأحاديث الأربعة مع كلام القمي المتقدم ، تنص على الاستئذان بمقتضى تفسيرها للآية ، وأن على المأذون في هذه الساعات الثلاث وغيرها السلام عند الدخول كائناً من كان ؛ لأن السلام طاعة الرحمن ، ولعل الإضافة إلى الرحمن إشارة إلى أن الرحمة اقتضت أن تسلموا كي تعيشوا حياة سالمة طيبة ومباركة كما في الآية : قال تعالى :( تحية من عند الله مباركة طيبة ) وتكونون أبداً سالمين ، وإخوة متحابين ، متبادلين الوفاء بينكم ، يرحم بعضكم بعضاً ، كما قال عز وجل :( مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ والّذينَ مَعهُ أَشِدّاءَ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (٣) .

وللشيخ المجلسي ، طاب ثراه ، حول آية الاستئذان تعليق مبسط يلي

__________________

١ ـ قيل : ذكر النساء فيه لا ينافي حديث زرارة الدال على وجوب الاستئذان على الرجال فقط ، لأنه محمول على الاستحباب. هامش الكافي ٥ | ٥٣٠.

٢ ـ الكافي : ٥ | ٥٣٠.

٣ ـ الفتح : ٢٩.

٩٧

قسم منه : وفي اللباب عن ابن عباس : يعنى الإماء ، لأن على العبيد أن يستأذنوا في هذه الأوقات وغيرها ،( والذين لم يبلغوا الحُلُم منكم ) قال المحقق الاسترابادي أي : من الأحرار، وكأنه أريد بهم الأطفال المميزون بين العورة وغيرها.

قيل : وعبر عن البلوغ بالاحتلام ، لأنه أقوى دلائله ( ثلاث مرات ) في اليوم والليلة ، وقيل : ( ثلاث مرات ) كل مرة في وقت ، والظاهر أن المراد بها ثلاثة أوقات ، كما بينه بقوله ـ تعالى ـ( من قبل صلوة الفجر ) لأنه وقت القيام من المضاجع ، وطرح الثياب من النوم ، ولبس ثياب اليقظة ؛( وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ) ، لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة ؛( ومن بَعد صلوة العشاء ) ، لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والاستخلاف بثياب النوم ؛( ثلاث عورات لكم ) وفي الكشاف سمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة ؛ لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها ، والعورة : الخلل(١) .

وفي مجمع البيان : لأن الإنسان يضع في هذه الأوقات ثيابه فتبدو عورته(٢) . وعن السدّي أن أناساً من الصحابة كان يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الأوقات ، ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله سبحانه أن يأمروا الغلمان والمملوكين أن يستأذنوا في هذه الساعات(٣)

وفي مجمع البيان : أراد به الصبي الذي يميز بين العورة وغيرها وهو ظاهر الأكثر ، وأيضاً : ظاهره كما تقدم أن حكم غير الأوقات الثلاثة حكمها إذا كانت مشتملة على ما اشتملت تلك ؛ فإن المقصود مراعاة التستر في مظان الخلاء.

وأيضاً : الظاهر أن المراد بـ ( بعد صلوة العشاء ) وقت النوم تمام الليل ، فالظاهر وجوب الاستئذان عند الدخول على من في مظنة حالة

__________________

١ ـ تفسير الكشاف ٣ | ٢٥٣.

٢ ـ تفسير مجمع البيان ٧ | ١٥٤.

٣ ـ تفسير مجمع البيان ٧ | ١٥٤.

٩٨

يستقبح الدخول عليه فيها بغير إذن ، وأن المراد بالاستئذان كل ما يحسن ويتحقق الإعلام بأنه يريد الدخول ويريد الإذن فيه(١) .

ثم إن الله سبحانه نادى كبار المؤمنين ولم يأمرهم بالأمر لهؤلاء ؛ لأنهم أولياؤهم وهم في طاعتهم ، فكأنه منهم فعل غيرهم ، فالظاهر أنه أوجب عليهم ذلك ، وجعل تمشيته وإتمامه في عهدتهم ، فكأنه آكد من الأمر بالأمر.

ومما ينبه عليه قوله تعالى :( ليس عليكم ولا جناح بعدهن ) . فإن الظاهر أنه لا يجب على السادات أمرهم وتخويفهم من الترك ، وزجرهم عنه ، والسعي في إتمام ذلك بكل ما أحتيج إليه في ذلك حسن والله أعلم. فهذا الأمر للوجوب نظراً إلى السادة قطعاً، وإلى البالغ من العبيد والإماء ظاهر ؛ لأن ظاهر الأمر للوجوب ، ولا مانع منه في حقهم. وإن قيل بالتخلف لمانع في حق من يشاركهم فيه ، وأما بالنسبة إلى من لم يبلغ فيحتمل أن يكون متوجهاً إلى الأولياء ، ويختص بهم وجوبه ، ولكن حيث كان الكلام في المميز قال شيخنا هو خلاف الظاهر

وفي الكشاف :

ثم أعذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات ، وبين وجه العذر في قوله :( طوافون عليكم بعضكم .. ) يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة ، يطوفون عليكم للخدمة ، وتطوفون عليهم للاستخدام ؛ فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأدى إلى الحرج ، وهو استئناف لبيان العذر وهو كثرة المخالطة والمداخلة ، وفيه دليل على تعليل الأحكام. وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاثة وبين غيرها بأنها عورات أي : هن ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة(٢) .

واعلم أنه يجوز أن يراد بـ( طوافون عليكم ) الخدمة وبـ( بعضكم

__________________

١ ـ تفسير مجمع البيان ٧ | ١٥٤ عند تفسير قوله تعالى :( والذين لم يبلغوا الحلم منكم ) قال : من أحراركم ، وأراد به الصبي

٢ ـ تفسير الكشاف ٣ | ٢٥٣.

٩٩

 على بعض ) السادة والأطفال ، ويحتمل أن يراد بالأول الاطفال والمماليك جميعاً من حيث الخدمة ، وبالثاني السادة للاستخدام ، كما هو ظاهر الكشاف(١) ، ويمكن أن يراد بالأول جهة الخدمة مختصة بالمماليك أو بهم وبالأطفال ، وبالتالي جهة المخالطة فيكون من الجانبين من جانب السادة وغيرهم فتدبر.

وقال في كنز العرفان : ظن قوم أن الآية منسوخة ، لا والله ما هي بمنسوخة لكن الناس تهاونوا بها ، وأنما أطنبنا الكلام في تفسير الآيات لتوقف فهم الأخبار عليه. والغِرة بالكسر : الغفلة(٢) .

هذا بعض فوائد الكلام حول الاستئذان ونشير أيضاً إلى بعضها الآخر من أحاديث الشيخ الكليني طاب ثراه فقال :

٦ ـ أحمد بن محمد عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يستأذن على أبيه؟ قال : « نعم ، قد كنت أستأذن على أبي ، وليست أمي عنده ، إنما هي أمرأة أبي ، توفيت أمي وأنا غلام ، وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه ولا يحبان ذلك مني والسلام أصوب وأحسن »(٣) .

٧ ـ ما رواه الكليني بإسناده إلى جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خرج رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يريد فاطمةعليها‌السلام ، وأنا معه ، فلما انتهيت إلى الباب وضع يده عليه فدفعه(٤) ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة : عليك السلام يا رسول الله ، قال أدخل؟ قالت : أدخل يا رسول الله ، قال : أدخل أنا ومن معي؟ فقالت : يا رسول الله ليس علي قناع ، فقال : يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ، ففعلت ؛ ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة : وعليك

__________________

١ ـ تفسير الكشاف ٣ | ٢٥٣.

٢ ـ مرآة العقول ٢٠ | ٣٦٢ ـ ٣٦٥. الغرة إشارة إلى قولهعليه‌السلام : « فإنها ساعة غِرّة وخلوة ». الكافي ٥ | ٥٢٩.

٣ ـ الكافي ٥ | ٥٢٨. وفي هامشه : لعل المنعي : أن السلام أحسن وأصوب أنواع الاستئذان.

٤ ـ في هامش المصدر المتقدم : في بعض النسخ [ فرفعه ].

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرتشي في الحكم

و من كلام له: أيتها النفوس المختلفة و القلوب المتشتّتة، الشاهدة أبدانهم و الغائبة عنهم عقولهم أظأركم على الحق(١) و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد هيهات أن أطلع بكم سرار العدل(٢) أو أقيم اعوجاج الحق.

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان و لا التماس شي‏ء من فضول الحطام، و لكن لنرد المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك.

و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي البخيل فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول(٣) فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق.

____________________

(١) أظأركم: أعطفكم.

(٢) سرار، في الأصل: آخر ليلة من الشهر، و المراد هنا: الظلمة. أي: أن اطلع بكم شارفا يكشف عمّا عرض على العدل من الظلمة.

(٣) الحائف: الجائر الظالم. و الدول، جمع دولة بالضم و هي المال. و قد سمي المال «دولة» لأنه يتداول، أي ينتقل من يد ليد.

١٦١

مع المظلوم

من كلام له: إني أريدكم للّه و أنتم تريدوني لأنفسكم أيها الناس، أعينوني على أنفسكم، و ايم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، و لأقودنّ الظالم بخزامته(١) حتى أورده منهل الحق و إن كان كارها

المال للنّاس

من كلام رائع كلّم به عبد اللّه بن زمعة، و هو من أنصاره، و ذلك انه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا. فقال: إن هذا المال ليس لي و لا لك و جناة أيديهم(٢) لا تكون لغير أفواههم

____________________

(١) الخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير ليشدّ فيها الزمام و يسهل قياده.

(٢) أي: جناة أيدي العامة.

١٦٢

امانة

من كتاب له الى الأشعث بن قيس عامله على اذربيجان: و إنّ عملك ليس لك بطعمة(١) و لكنه في عنقك أمانة.

ليس لك أن تفتات في رعية(٢) ، و في يديك مال من مال اللّه عزّ و جلّ، و أنت من خزّانه حتى تسلّمه إليّ، و لعلّي أن لا أكون شرّ ولاتك(٣) و السلام.

لاضربنّك بسيفي

من كتاب له إلى بعض عمّاله و قد اختطف ما قدر عليه من أموال الأمة و هرب إلى الحجاز: فلمّا أمكنتك الشدّة في خيانة الأمّة أسرعت الكرّة و عاجلت الوثبة و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف

____________________

(١) عملك: ما وليت لتعمله في شؤون الأمة. طعمة: المأكلة و المكسب.

(٢) تفتات: تستبد.

(٣) يرجو أن لا يكون شر المتسلطين عليه. و لا يحقّ الرجاء إلا إذا استقام.

١٦٣

الذئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة(١) فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثّم من أخذه(٢) .

كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما؟

فاتّق اللّه و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني اللّه منك لأعذرنّ الى اللّه فيك(٣) و لأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلاّ دخل النار و اللّه لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة(٤) و لا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما

الوالى و الرّشوة

من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: أمّا بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة

____________________

(١) الأزلّ: السريع الجري. الكسيرة: المكسورة.

(٢) التأثم: التحرّز من الإثم، و هو الذنب.

(٣) اي: لأعاقبنّك عقابا يكون لي عذرا عند اللّه من فعلتك هذه.

(٤) الهوادة: الصلح، أو الاختصاص بالميل.

١٦٤

دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان(١) ، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ(٢) و غنيّهم مدعوّ.

ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(٣) ، و من طعمه بقرصيه ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفّة و سداد. فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا. و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص(٤) و لا عهد له بالشّبع أ و أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى(٥) ؟ أ و أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر؟ و كأني بقائلكم يقول: «إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان؟» أ لا و إنّ الشجرة البرّية أصلب عودا، و الروائع الخضرة أرقّ جلودا، و النباتات البدوية أقوى وقودا و أبطأ خمودا و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها

____________________

(١) تستطاب: يطلب لك طيّبها. الألوان: أصناف الطعام. الجفان، جمع جفنة، و هي: القصعة.

(٢) عائلهم: فقيرهم و محتاجهم. مجفو: مطرود من الجفاء.

(٣) الطمر: الثوب الخلق.

(٤) القرص: الرغيف.

(٥) غرثى: جائعة. حرّى: عطشى.

١٦٥

الوالى و الهوى

من كتاب له إلى الأسود بن قطيبة صاحب جند حلوان، و هي إيالة من إيالات فارس: أما بعد، فإنّ الوالي إذا اختلف هواه(١) منعه ذلك كثيرا عن العدل.

فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء، فإنه ليس في الجور عوض من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله(٢) .

و اعلم أنه لن يغنيك عن الحقّ شي‏ء أبدا، و من الحقّ عليك حفظ نفسك، و الاحتساب على الرعية بجهدك(٣) .

اخفض جناحك

من كتاب له الى بعض عماله: و اخفض للرعية جناحك و ابسط لهم وجهك و ألن لهم جانبك،

____________________

(١) اختلف الهوى: جرى مع أغراض النفس حيث تذهب. و وحدة الهوى: توجّهه الى أمر واحد، و هو إجراء العدالة.

(٢) اي: ما لا تستحسن مثله لو صدر من غيرك.

(٣) الاحتساب على الرعية: مراقبة أعمالها و تقويم ما اعوجّ منها و إصلاح ما فسد.

١٦٦

و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحية(١) ، حتى لا يطمع العظماء في حيفك(٢) و لا ييأس الضعفاء من عدلك

علّم الجاهل

من كتاب له إلى قسم بن العباس، و هو عامله على مكة: علّم الجاهل و ذاكر العالم، و لا يكن لك إلى الناس سفير إلاّ لسانك و لا حاجب إلاّ وجهك. و لا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها(٣) .

و انظر الى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من قبلك(٤) من ذوي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع الفاقة، و ما فضل عن ذلك فاحمله إليها لنقسمه في من قبلنا.

و مر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا...

____________________

(١) آس بينهم: شارك و سوّ بينهم.

(٢) الحيف: الظلم.

(٣) ذيدت: دفعت و منعت. الورد: الورود. يقول: إذا منعت الحاجة أول ورودها لا تحمد على قضائها فيما بعد، لأن حسنة القضاء لا تذكر في جانب سيئة المنع.

(٤) قبلك: عندك.

١٦٧

الوالى الخائن

من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي، و قد خان في بعض ما ولاّه من أعماله: و لئن كان ما بلغني عنك حقّا لجمل أهلك و شسع نعلك خير منك(١) . و من كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة أو يؤمن على خيانة(٢) فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء اللّه.

الاخلاق الكريمة

من كتاب له الى الحارث الهمذاني: و احذر كلّ عمل يعمل به في السرّ و يستحى منه في العلانية. و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. و لا تحدّث الناس

____________________

(١) الجمل يضرب به المثل في الذلة و الجهل. الشسع: سير بين الإصبع الوسطي و التي تليها في النعل، كأنه زمام

(٢) أي: على دفع خيانة.

ملاحظة: قال الشريف الرضي: و المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: إنه لنظّار في عطفيه، مختال في برديه

١٦٨

بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذبا. و لا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلا. و تجاوز عند المقدرة و احلم عند الغضب و اصفح مع الدولة(١) .

و إياك و مصاحبة الفسّاق فإن الشرّ بالشرّ ملحق. و احذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود ابليس

اهل الجشع و اهل الفقر

من خطبة له في أهل الجشع و أهل الفاقة: و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، و الشرّ فيه إلاّ إقبالا، و الشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعا.

إضرب بطرفك حيث شئت من الناس: هل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا؟ أين أخياركم و صلحاؤكم، و أحراركم و سمحاؤكم؟ و أين المتورّعون في مكاسبهم؟ و المتنزّهون في مذاهبهم؟ أ ليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا؟ و هل خلقتم إلاّ في حثالة(٢) لا تلتقي بذمّهم الشفتان استصغارا لقدرهم و ذهابا عن ذكرهم. لعن اللّه الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به

____________________

(١) أي عند ما تكون لك السلطة.

(٢) الحثالة: الردي‏ء من كل شي‏ء. و المراد هنا أدنياء الناس و صغار النفوس منهم.

١٦٩

القاضى الجاهل

من كلام له في صفة من يتصدّى للحكم بين الناس و هو ليس أهلا لذلك.

حتى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل(١) جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره»(٢) . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به(٣) ، فهو من لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ. و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب(٤) .

جاهل خبّاط جهالات(٥) ، يذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم(٦) .

____________________

(١) الماء الآجن: الفاسد المتغير الطعم و اللون. شبّه الإمام مجهولات القاضي التي يظنها معلومات، بالماء الآجن. اكتنز: جمع ما عده كنزا. غير طائل: دون و خسيس.

(٢) التخليص: التبيين. التبس على غيره: اشتبه عليه.

(٣) المبهمات: المشكلات. الحشو: الزائد الذي لا فائدة فيه. الرث: الخلق البالي.

(٤) الجاهل بالشي‏ء: من ليس على بيّنة منه، فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه، و إذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته. فهو في ضعف حكمه في مثل نسج العنكبوت ضعفا، و لا بصيرة له في وجوه الخطأ و الإصابة. و قد جاء الإمام في تمثيل حاله بأبلغ ما يكون من التعبير عنه، كما يقول ابن أبي الحديد.

(٥) خبّاط: صيغة مبالغة من خبط الليل، إذا سار فيه على غير هدى. و قد شبه الامام الجهالات بالظلمات التي يخبط فيها السائر.

(٦) الهشيم: ما يبس من النبت و تفتّت. تذرو الريح الهشيم: تطيره فتفرقه و تمزقه.

١٧٠

لا يحسب العلم في شي‏ء مما أنكره، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره، و إن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه(١) تصرخ من جور قضائه الدماء و تعجّ منه المواريث(٢) . الى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلاّلا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه(٣) ، و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر.

يحكم برايه

من كلام له في بعض القضاة أيضا: ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه. ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه. ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا...(٤) و إلهم واحد، و نبيّهم واحد، و كتابهم واحد

____________________

(١) اكتتم به: كتمه و ستره.

(٢) تعجّ: تصرخ. و صراخ الدماء و عج المواريث تمثيل لحدة الظلم و شدة الجور.

(٣) اذا تلي حق تلاوته: إذا أخذ على وجهه و فهم على حقيقته. و الكتاب هو القرآن الكريم.

(٤) استقضاهم: ولاّهم القضاء. يصوّب آراءهم جميعا: يفتي بأن آراءهم جميعا صائبة...

١٧١

و عالمهم منافق

من كلامه في وصف أبناء زمانه: و اعلموا أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، و اللسان عن الصدق كليل، و اللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، فتاهم عارم(١) و شائبهم آثم و عالمهم منافق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم و لا يعول غنيّهم فقيرهم

يعملون في الشّبهات

من خطبة له: و ما كلّ ذي قلب بلبيب، و لا كلّ ذي سمع بسميع، و لا كلّ ناظر ببصير، فيا عجبي، و ما لي لا أعجب، من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها يعملون في الشّبهات و يسيرون في الشهوات.

المعروف عندهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا(٢) .

مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المهمّات على آرائهم،

____________________

(١) شرس: سي الخلق.

(٢) أي: يستحسنون ما بدا لهم استحسانه، و يستقبحون ما خطر لهم قبحه بدون رجوع الى دليل بيّن أو شريعة واضحة.

١٧٢

كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات و أسباب محكمات(١) .

زجر النّفس

من خطبة له: عباد اللّه، زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، و حاسبوها قبل أن تحاسبوا، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق و انقادوا قبل عنف السياق(٢) و اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ

ايّاك

من كلام له لابنه الحسن: يا بنيّ، إياك و مصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك. و إياك و مصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج(٣) ما تكون إليه. و إياك و مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه(٤) . و إياك و مصادقة الكذاب فإنه كالسراب: يقرّب عليك البعيد و يبعد عليك القريب

____________________

(١) يثق كل منهم بخواطر نفسه كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى، على ما بها من جهل و نقص.

(٢) اي: انقادوا الى ما يطلب منكم بالحثّ الرفيق قبل أن تساقوا اليه بالعيف الشديد.

(٣) أحوج: حال من الكاف في «عنك».

(٤) التافه: القليل.

١٧٣

الرّضا و السّخط

من كلام له: أيها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير(١) و جوعها طويل أيها الناس، إنما يجمع الناس الرّضا و السخط.

أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه.

النّفاق و الظّلم

من خطبة له: ثم إياكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها(٢) . و إن لسان المؤمن من وراء قلبه، و إن قلب المنافق من وراء لسانه(٣) ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم

____________________

(١) يقصد: الدنيا.

(٢) تهزيع الشي‏ء: تكسيره. و الصادق اذا كذب فقد انكسر صدقه، و الكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه. و تصريف الأخلاق: تقليبها بين حال و حال:

(٣) اي ان لسان المؤمن تابع لاعتقاده لا يقول إلا ما يعتقد. و المنافق يقول ما ينال به غايته الخبيثة، فإذا قال شيئا اليوم ينقضه غدا، فيكون قلبه تابعا للسانه.

١٧٤

بكلام تدبّره في نفسه: فإن كان خيرا أبداه، و إن كان شرا واراه(١) .

و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه و أمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا. و إن جماعة في ما تكرهون من الحق خير من فرقة في ما تحبّون من الباطل(٢) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، فكان من نفسه في شغل و الناس منه في راحة

العشيرة

من خطبة له: أيها الناس، إنه لا يستغني الرجل، و إن كان ذا مال، عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم، و هم أعظم الناس حيطة من ورائه و ألمّهم لشعثه(٣) و أعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به.

و من يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة

____________________

(١) واره: أخفاه.

(٢) أي: من يحافظ على نظام الالفة و الاجتماع، و إن ثقل عليه أداء بعض حقوق الجماعة و شقّ عليه ما تكلّفه به من الحق، فذلك هو الجدير بالسعادة، دون من يسعى للشقاق و هدم نظام الجماعة، و إن نال بذلك حقا باطلا و شهوة وقتية، فقد يكون في حظه الوقتي شقاؤه الأبدي، ذلك لأنه متى كانت الفرقة أصبح كل واحد عرضه لشرور سواه، فولّت الراحة و فسدت حال المعيشة.

(٣) الحيطة: الرعاية. و الشعث: التفرق و الانتشار.

١٧٥

طبائع الإنسان

من كلام له في طبائع الانسان: و له(١) موادّ الحكمة و أضداد من خلافها: فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع. و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص. و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ. و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ(٢) . و إن ناله الخوف شغله الحذر.

و إن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة(٣) و إن أفاد مالا أبطره الغنى(٤) .

و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع. و إن عضّته الفاقة شغله البلاء. و إن جهده الجوع قعد به الضعف. و إن إفرط به الشّبع كظّته البطنة(٥) .

فكلّ تقصير به مضرّ، و كلّ إفراط له مفسد

الزّمان و اهله

و من بديع قوله: إذا استولى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظنّ برجل لم تظهر

____________________

(١) أي للقلب.

(٢) التحفظ: التوقّي و التحرّز من المضرّات.

(٣) الغرة: الغفلة. سلبته: ذهبت به عن رشده.

(٤) أفاد: استفاد.

(٦) كظته: كربته و آلمته. البطنة: امتلاء البطن حتى يضيق النفس.

١٧٦

منه خزية(١) فقد ظلم و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظنّ برجل فقد غرّر(٢)

كم من صائم

و من كلامه في معنى الصوم و الصلاة: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ. و كم من قائم(٣) ليس له من قيامه إلاّ السهر و العناء. حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم

اصناف النّاس

من خطبة له في سوء طباع الناس بزمانه: أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن كنود(٤) يعدّ فيه المحسن مسيئا، و يزداد الظالم عتوّا، لا ننتفع بما علمنا و لا نسأل عمّا جهلنا و لا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا(٥) . فالناس على أربعة أصناف:

____________________

(١) الخزية: البلية تصيب الانسان فتذله و تفضحة

(٢) غرّر: أوقع بنفسه في الغرر، أي: الخطر.

(٣) أي: قائم للصلاة.

(٤) العنود: الجائر. الكنود: الكفور.

(٥) القارعة: الخطب.

١٧٧

منهم من لا يمنعهم الفساد إلاّ مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره(١) .

و منهم المصلت لسيفه و المعلن بشرّه، قد أشرط نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه(٢) . و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا. و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا: قد طامن من شخصه و قارب من خطوه و شمّر من ثوبه و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية.

و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه و انقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ و خائف مقموع و ساكت مكعوم و داع مخلص و ثكلان موجع(٣) . قد أخملتهم التقيّة(٤) و شملتهم الذّلّة.

____________________

(١) أي: لا يقعد بهم عن طلب الإمارة و السلطان إلا حقارة نفوسهم و ضعف سلاحهم و قلة مالهم.

(٢) أصلت السيف: امتشقه. أشرط نفسه: هيأها و أعدّها للشر و الفساد في الأرض.

أوبق دينه: أهلكه. الحطام، هنا: المال. ينتهزه: يغتنمه أو يختلسه. المقنب: طائفة من الخيل، و إنما يطلب قود المقنب تعزّزا على الناس و كبرا. فرع المنبر: علاه.

(٣) نادّ: هارب من الجماعة الى الوحدة. المقموع: المقهور. المكعوم، من كعم البعير، أي: شدّ فاه لئلاّ يأكل أو يعض. الثكلان: الحزين.

(٤) أخمله: أسقط ذكره حتى لم يبق له بين الناس نباهة. التقية: اتّقاء الظلم بإخفاء الحال.

١٧٨

و قد وعظوا حتى ملّوا و قهروا حتى ذلّوا و قتلوا حتى قلّوا. فاتّعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم، و ارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم

مع كلّ ريح

و من كلامه في ناس زمانه: همج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجأوا إلى ركن وثيق.

ربّ صغير غلب كبيرا

من كلام له: إحذر الكلام في مجالس الخوف، فإنّ الخوف يذهل العقل الذي منه تستمدّ، و يشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي تروم نصرته.

و احذر الغضب ممّن يحملك عليه، فإنّه مميت للخواطر مانع من التثبّت.

و احذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في التسوية بينك و بين خصمك في الإقبال و الاستماع، و لا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك و عليك.

و احذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك. و احذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفّظ، و ربّ صغير غلب كبيرا

١٧٩

سراجه باللّيل القمر

و من خطبة له تحتوي قولا رائعا في محمد و المسيح: و قد كان في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاف لك في الأسوة و دليل على ذمّ الدنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت لغيره أكنافها و فطم عن رضاعها و زوي عن زخارفها.

و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسّد الحجر و يلبس الخشن، و كان إدامه الجوع و سراجه بالليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. و لم تكن له زوجة تفتنه و لا مال يلفته و لا طمع يذلّه، دابّته رجلاه و خادمه يداه.

على منهاج المسيح

قال نوف البكالي: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم، فقال لي: يا نوف، أراقد

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320