قواعد الحديث

قواعد الحديث21%

قواعد الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 263

قواعد الحديث
  • البداية
  • السابق
  • 263 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105922 / تحميل: 7758
الحجم الحجم الحجم
قواعد الحديث

قواعد الحديث

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

من الشهر ، ثم أخذها في النقصان يوماً فيوماً في النصف الأخير منه ، وزيادة أدمغة الحيوانات وألبانها بزيادة النور ، ونقصانها بنقصانه.

و كذلك زيادة البقول والثمار نمواً ونضجاً عند زيادة نوره ، حتى أنّ المزاولين لها يسمعون صوتاً من القثاء والقرع والبطيخ عند تمدده وقت زيادة النور ، وكإبلاء نور القمر الكتان ، وصبغه بعض الثمار ، إلى غيرذلك من الأمور التي تشهد بها التجربة(١) .

قالوا : وإنّما اختص القمر بزيادة ما نيط به من أمثال هذه الأمور بين سائر الكواكب لأنه أقرب [٣٤ / ب] إلى عالم العناصر منها ؛ ولأنه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار جميع الكواكب ، ونوره أقوى من نورها ، فيشاركها شركة غالب عليها فيما نيط بنورها من المصالح بإذن خالقها ومبدعها جلّ شأنه.

ا لثالث : ما يتعلق به من السعادة والنحوسة ، وما يرتبط به من الأمور التي هو علامة على حصولها في هذا العالم ، كما ذكره الديانيون من المنجمين ، ووردت به الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل التسليمات.

كما رواه الشيخ الجليل عماد الإِسلام ، محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه ، في الكافي عن الصادقعليه‌السلام  ، قال : « من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى »(٢) .

وكما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن الكاظمعليه‌السلام  : « من تزوج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد »(٣) .

وكما رواه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي طاب ثراه في تهذيب الأخبار عن الباقرعليه‌السلام  : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بات ليلة

________________________

(١) لمعرفة المزيد من ذلك انظر : كتاب الدلاثل : ٨٢ وما بعدها ، وغيره من الكتب المختصّة بهذا العلم.

(٢) الكافي ٨ : ٢٧٥ ، الحديث ٤١٦ / وأنظر علل الشرائع : ٥١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٩ ، الحديث ٢ / وانظر من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٤ ، الحديث ١٢٠٦ / تهذيب الأحكام ٧ : ٤١١ ، الحديث ١٦٤٣ / علل الشرائع : ٥١٤.

١٤١

عند بعض نسائه فانكسف القمرفي تلك الليلة فلم يكن منه فيها شيء.

فقالت له زوجته : يا رسول الله بابي أنت وأمي كل(١) هذا البُغْض؟

فقال : لها : ( ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت أن [٣٥ / أ]

وفي آخر الحديث ما يدل على أن المجامع في تلك الليلة إن رزق من جماعه ولداً وقد سمع بهذا الحديث لا يرى ما يحب(٢) .

هداية :

ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلوية إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال ، أو أنّها شريكة في التاثير ، فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده.

و علم النجوم المبتني على هذا كفر والعياذ بالله ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته.

وإن قالوا : إنّ اتصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته وإرادته ؛ كما أنّ

________________________

(١) لفظة « كل » يمكن أن تقرأ بالنصب على المفعولية المطلقة ، أي : تبغضي كلّ هذا البعض ؛ ويمكن أن تكونة مرفوعة بالإبتداء بحذف الخبر ، أي : كلُّ هذا البغض حاصل منك لي ، منه قدس سره ، هامش المخطوط.

ثم أن هذا المقطع من الحديث ـ قول الزوجة ـ ورد بالفاظ مختلفة انظر مصادر ألحديث الآتية.

والفيض الكاشاني ـ قدس سره ـ في كتابه الوافي ١٢ : ١٠٥ ، أو المجلد ألثالث كتاب النكاح الباب ١٠٦ ، بعد أن أثبت أن بين الفقيه والتهذيب والكافي اختلاف في هذه العبارة قال : قولها : أكل هذا البغض ، تقديره اتبغضني بغضا يبلغ كل هذا ، فحذف واقيم مقام المحذوف ، وقد صحف بتصحيفات باردة ، وفسر تفسيرات كاسدة ، وليس إلّا كما ذكرناه فانه كلمة شائعة لها نظيرات.

(٢) التهذيب ٧ : ٤١١ قطعة من الحديث ١٦٤٢ وفيه « كل هذا للبغض ». وفيه ما لا يخفى حيث إنّ اللام فيه للعهد ، وهو بعيد / وفي الطبعة الحجرية منه ٢ : ٢٢٩ نحوه ، وفي هامشه : أكل هذا للبغض ، وفي ترتيب التهذيب ٣ : ١٢٧ هكذا : أكلّ هذا البغض / وفي الكافي ٥ : ٤٩٨ / حديث ١ / من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٧ / المحاسن : ٣١١ حديث ٢٦ من كتاب العلل / وانظر روضة المتقين ٨ : ١٩٧. وفي الجميع كما تقدم قطعة من حديث.

١٤٢

حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحوه وكما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة ؛ فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده.

وما روي من صحة علم النجوم ، وجواز تعلمه محمول على هذا المعنى ، كما رواه الشيخ الجليل عماد الاسلام محمد بن يعقوب الكليني ، في كتاب الروضة من الكافي ، عن عبد الرحمن بن سيابة(١) ، قال ، قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام  : جعلت فداك إنّ الناس يقولون : إن النجوم لا يحل [٣٥ / ب] النظر فيها ، وهي تعجبني ، فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني ، وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها ، وأشتهي النظر فيها.

فقالعليه‌السلام  : « ليس كما يقولون ، لا تضرّ بدينك ».

ثم قال : « إنكم تبصرون في شيء منها كثيره لا يدرك ، وقليله لا ينتفع به ، تحسبون على طالع القمر ».

ثم قال : « أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة »؟ فقلت : لا والله.

قال : « أتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة »؟ قلت : لا والله.

قال : « أفتدري كم بين الشمس وبين السكينة(٢) من دقيقة »؟ قلت : لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط.

فقال : « أفتدري كم بين السكينة واللوح المحفوظ من دقيقة »؟ قلت :

________________________

(١) عبد الرحمن بن سيابة الكوفي البجلي البزار ، من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام . وروى عنه. وعنه روى أبان بن عثمان الأحمر ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عنه ، ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم. اعتمده الإمام الصادقعليه‌السلام  في توزيع المال على عيالات من قتل مع زيد بن علي بن الحسينعليهما‌السلام .

تنقيح المقال ٢ : ١٤٤ رقم ٦٣٧٨ / رجال الشيخ الطوسي : ٢٣٠ رقم ١٢٠ / جامع الرواة ١ : ٤٥١ / مجمع الرجال ٤ : ٧٩ / اختيار معرفة الرجال ، الأرقام : ٦٢٢ ، ٧٣٤ ، ١٤٧ ، وغيرها / معجم رجال الحديث ٩ : ٣٣٢ / ٦٣٨٥.

(٢) في المصدر عوضها « السنبلة » ، والمثبت أفضل للمجهولية.

١٤٣

لا ، ماسمعته من منجم قط.

قال : « ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون دقيقة ».

ثم قال : « يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه علم القصبة التي في وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعددما خلفها ، وعدد ما أمامها ، حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة(١) ».

إكمال :

ا لأمور التي يحكم بها المنجمون ، من الحوادث الاستقبالية ، اُصول بعضها مأخوذ من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، وبعض الاصول يدعون فيها التجربة ؛ وبعضها مبتنٍ على اُمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها ، كما يؤمي إليه قول الصادقعليه‌السلام  : « كثيره لا يدرك ، وقليله لاينتج »(٢) ، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم ، وتطرق الخطأ إلى بعض أحكامهم.

ومن اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه ، وصدّقت أحكامه لا محالة ، كما نطق به كلام الصادقعليه‌السلام  في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل(٣) ، ولكن هذا أمر عزيز المنال ، لا يظفر به إلّا القليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ولابن سينا كلام في هذا الباب ، قال في فصل المبدأ والمعاد ، من إلهيات الشفاء : لو أمكن انساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعا ، وطبائعها لفهم كيفية [جميع] ما يحدث في المستقبل.

وهذا المنجّم القائل بالأحكام ـ مع أن أوضاعه الأولى ، ومقدماته ، ليست مستندة(٤)

__________________

(١) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ رقم ٢٣٣.

(٢) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ حديث ٢٣٣ وفيه : « وقليله لا ينتفع ».

(٣) انظر صفحة ٥٩ هامش ٣.

(٤) في المصدر : تستند.

١٤٤

إلى برهان ، بل عسى أن يدّعي فيها التجربة أو الوحي ، وربما حاول قياسات شعرية أوخطابية في إثباتها ـ فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات ، وهي التي في السماء ، على أنّه لا يضمن من عنده الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء ، ولو ضمن لنا ذلك ووفّى به لم يمكنه أن يجعلنا [ونفسه] بحيث تقف على وجود جميعها في كل وقت. وإن كان جميعها ـ من حيث فعله وطبعه ـ معلوماً عنده.

ثم قال في آخر كلامه : فليس لنا اذن إعتماد على أقوالهم ، وأن سلّمنا [متبرعين] أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة(١) .

خاتمة :

قد ألف السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه ، كتاباً ضخماً ، سماه « فرج الهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم »(٢) ، يتضمن الدلالة على كون النجوم علامات ودلالات على ما يحدث في هذا العالم ، وأنّ الأحاديث عن الأنبياء من لدن إدريس على نبينا وعليه السلام إلى عهد أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ناطقة بذلك(٣) [٣٦ / ].

و ذكر أن إدريس أول من نظر في علم النجوم(٤) ، وأن نبوة موسىعليه‌السلام  عُلمت بالنجوم(٥) .

ونقل أن نبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً مما علمه بعض المنجمين ،

________________________

(١) الشفاء ، قسم الاهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الأول : ٤٤٠. وما بين المعقوفات من المصدر.

(٢) ضبط المؤلفقدس‌سره الاسم هكذا : ( فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم ) ، أنظر صحيفة : ٩ منه.

(٣) أنظر : الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حُجة : ٨٥.

(٤) أنظر ، صحيفة : ٢١ ، ٢٢ ، منه.

(٥) راجع ، صحيفة : ٢٧ ، منه.

١٤٥

وصدّق به بالدلائل النجومية(١) .

وأنّ بعض أحوال مولانا وإمامنا صاحب الأمرعليه‌السلام  مما أخبر به بعض المنجمين من اليهود بقم ، وذكر أنّ بعض أكابر قم واسمه أحمد بن إسحاق(٢) أحضر ذلك المنجم اليهودي وأراه زايجة طالع ولادة صاحب الأمرعليه‌السلام  ، فلمّا أمعن النظر فيها قال : لا يكون مثل هذا المولود إلّا نبياً ، أو وصيّ نبيّ ، وأنّ النظر يدل على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلأ دان بدينه وقال بولايته(٣) .

وروى عطر الله مرقده في الكتاب المذكورعن يونس بن عبد الرحمن(٤) ، قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام  : أخبرني عن علم النجوم ما

________________________

(١) راجع ، صحيفة : ٢٩ ـ ٣٥ ، منه.

(٢) لعله أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي ، ثقة عين جليل القدر ، شيخ القميين ووافدهم على الأئمةعليه‌السلام  عدّ من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكريعليه‌السلام  ومن الاثبات الثقات السفراء الذين ترد عليهم التوقيعات عن الناحية المقدسة. ولم اجد ما ذكره السيد ابن طاووس عنه في شيء من كتب التراجم المشار اليها. له كتب منها علل الصلاة وعلل الصوم ومسائل الرجال وغيرها.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٥٠ ت ٢٩٤ / رجال النجاشي : ٩١ ت ٢٢٥ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٩٨ ت ١٣ ، ٤٢٧ ت ١ / الفهرست للشيخ : ٢٦ ت ٧٨ / الخلاصة ١٥ ت ٨ من القسم الأول / مجمع الرجال ١ : ٩٥ ـ ٩٧ / رجال ابن داود : ٣٦ ت ٥٩.

(٣) فرج المهموم : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤) يونس بن عبد الرحمن ، أبو محمد ، مولى علي بن يقطين ، من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضاعليهما‌السلام ، وثقه كل من ترجم له ، وصفه النديم بقوله : « علآمة زمانه ، كثير التصنيف والتاليف » ولم لا؟‍‍‍‍‍‍‍‍! وهو أحد وجوه الطائفة ، عظيم المنزلة. وكان الإمام الرضاعليه‌السلام  يشير اليه في الفقه والفتيا ، منها قوله : ـ عندما سأله عبد العزيز القمي وكيلهعليه‌السلام  عمن ياخذ معالم دينه ـ خذ عن يونس بن عبد الرحمن. مات سنة ٢٠٨ هـ = ٨٢٣ م.

ترجم له في : تنقيح المقال ٣ : ٣٣٨ ت ١٣٣٥٧ / جامع الرواة ٦ : ٢٩٣ الرجال للنجاشي : ٤٤٦ ت ١٢٠٨ / رجال بن داود : ٣٨٠ ت ١٧٠٨ الفهرست للطوسي : ١٨١ ت ٧٨٩ / مجمعالرجال ٦ : ٢٩٣ / الفهرست للنديم : ٢٧٦ / اختيار معرفة الرجال الأرقام : ٣٥٧ ، ٤٠١ ، ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، ٥٠٣ ، والفهرست من ٣١٨ ـ ٣٢٢ / الخلاصة : ١٨٤ ت ١ / معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٩٨ ت ١٣٨٣٤ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٦٤ ت ١١ و ٣٩٤ ت ٢.

١٤٦

هو؟

قال : « علم من علم الأنبياء ».

قال « قلت : كان علي بن أبي طالب [عليه‌السلام ] يعلمه؟.

فقال : « كان أعلم الناس به »(١) .

و أورد قدس الله روحه أحاديث متكثرة من هذا القبيل طوينا الكشح عن ذكرها خوفاً من التطويل(٢) .

و ذكر طاب ثراه ما أورده السيد الجليل ، جمال العترة ، الرضيرضي‌الله‌عنه ، في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، للمنجم الذي نهاه عن المسير إلى النهروان(٣) (٤) ؛ ثم إنهرحمه‌الله  أطنب في تضعيف تلك الرواية وتزييفها ، بالطعن في سندها [٣٧ / ] تارة ، وفي متنها اُخرى.

أمّا السند ، فقال : إن في طريقها عمر بن سعد بن أبي وقاص(٥) ،

________________________

(١) فرج المهموم : ٢.

(٢) فرج المهموم : ٨٥.

(٣) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة رقم ٧٦ اولها : « أتزعم أنك تهدي ألى الساعة ».

(٤) النهروان : ـ بفتح النون وكسرها أغلب ـ ثلاثة مدن عليا ووسطى وسفلى ، بلدة واسعة تقع بين بغداد وواسط ، كانت بها وقعت لأمير المؤمينعليه‌السلام  مع الخوارج مشهورة سنة ٣٧ ـ ٣٨ اثبت فيهاعليه‌السلام  عدة اُمور غيبية ، منها موضوع ذو الثدية ، ومنها عدد ألقتلى منالفريقين ، ومنها موضع الخوراج عندما أخبره المخبر عن ارتحالهم ، وغير ذلك مما كان سبباً لوضوح الحق لجمع من الشاكين.

أنظر : معجم البلدان ٥ : ٣٢٥ / مراصد الإطلاع ٣ : ١٤٠٧ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٩ و ١٧٥ / البداية والنهاية ٥ : ٣١٢.

(٥) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، أبو حفص ، قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام  في وقعة كربلاء الشهيرة. قتله وأولاده المختار بن عبيدة الثقفيرحمه‌الله  ، في وقعة الجارز قرب الموصل سنة ٦٦ ، ٦٧ وقيل ٦٥= ٦٨٤ ـ ٦٨٦.

إنظر : سيرأعلام النبلاء ٤ : ٣٤٩ ت ١٢٣ / الجرح والتعديل ٦ : ١١١ ت ٥٩٢ / مراة الجنان١ : ١٤١ / ميزان الإعتدال ٣ : ١٩٨ ت ٦١١٦ وغيرها كثير.

١٤٧

مقاتل(١) الحسينعليه‌السلام  (٢) .

________________________

(١) كذا في الأصل المخطوط وبعض النسخ ألناقلة عن المصدر ، ولعله من باب انه لم يباشر القتل بيده وانما كان الآمر ، إذ الصحيح كما في المصدر « قاتل ».

(٢) الظاهر أن السيد ابن طاووس قدس الله سره يناقش سند الرواية ألتي روأها الشيخ ألصدوق فان سندهقدس‌سره في اماليه هكذا « حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القرشي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبدالله بن عوف بن أم الأحمر ، قال : « ».

١٤٨

فانه توهم أن عمر بن سعد هذا هو بن أبي وقاص وهذا منه عجيب لاُمور هي :

أولاً : أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قتل سنة ٦٥ أو ٦٦ أو ٦٧ كما تقدم.

ثانياً : أن نصر بن مزاحم المنقري ألراوي عنه هو صاحب وقعة صفين.

ثالثاً : أن نصر هذا توفي سنة ٢١٢ هـ ويعد من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

رابعاً : أن عمر بن سعد لم يكن معروفاً بروأيته للأخبار حتى أنه لم يرو عنه العامة في صحاحهم شيئاً إلا النسائي.

خامساً : عند مراجعة كتاب وقعة صفين نراه يشخصه هكذا « عمر بن سعد بن أبي ألصيد الأسدي » ويحيل عليه في باقي الموارد بقوله عن « عمر بن سعد » أو « عمرو » ولا بد أن يكون هو هذا لا ذاك.

سادساً : قال في تنقيح المقال في مقام الرد على النجاشي ما لفظه : « ولذا أعترض بعضهم على النجاشي في اطلاقه روايته عن الضعفاء بانه قد روى عن عمرو بن سعيد وزرارة الثقتين ».

اذن مما يمكن الجزم بان السيد ابن طاووس قد وهم في ذلك.

ثم إن كان في هذا السند خدشة فما بال الطرق الباقية والأسانيد الاُخرى فانه لدى التتبع وجدنا لها عدة طرق هي :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق ، وهي التي وقعت مورد الكلام والبحث من قبل السيد ابن طاووس.

ب ـ رواية الإحتجاج ، رواها الشيخ الطوسي وفيها أن المنجم من أصحابه ، وهي نحو رواية الأمالى.

جـ ـ رواية الاحتجاج ، وهي مفصلة غير الاولى رواها بسنده إلى سعيد بن جبير.

د ـ رواية نهج البلاعة ، رواها ألسيد ألرضي قدس سره بسنده وفيها أن المنجم من أصحابه وهي نحو رواية الشيخ الصدوق وألاحتجاج الاولى.

هـ ـ رواية فرج المهموم ، روى السيد ابن طاووس هذه بسنده الى محمد بن جرير الطبري الى قيس بن سعد وهي رواية مفصلة وفيها اسئلة واجوبة

و ـ رواية فرج المهموم ، وهي الثانية رواها السيد بسنده الى الأصبغ بن نباته وهي قريبة من حيث اللفظ بالأولى.

١٤٩

و أما المتن ، فقال طاب ثراه : إني رأيت فيما وقفت عليه أنّ المنجم الذي قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام  هذه المقالة هو عفيف بن قيس(١) ، أخو الأشعث ابن قيس(٢) ، ولو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه

ز ـ رواية إبن الأثير ، حكى الواقعة إبن ألأثير في كامله من دون الإشارة الى تفصيلها.

هذا ونحن في مقام تعريف هذا الراوي وقفنا حيارى إذ هو تارة يرد « عمر بن سعد » ، واُخرى « عمرو بن سعد » ، وثالثة هما ولكن أبني « سعيد » ، ورابعة هو « عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي » ، ومعه لم نتمكن من ترجمته ترجمة وافية.

١٥٠

نعم اشار الأستاذ عبد السلام هارون ألى ان له ترجمة في الميزان وذلك في هامش كتاب وقعة صفين : ٣. ولم نعرف الدليل الذي استند اليه في تطبيق المترجم في ميزان الإعتدال على المذكورفي وقعة صفين ، اللهم إلا لقول الذهبي « شيعي بغيض ».

ولدى مراجعة هذه الروايات وما كتب حول الواقعة نرى أيضاً أن ألمنجم تارة لم يصرح به ، وثانية : أنه من أصحابه ، وثالثة : أنه عفيف بن قيس أخ الأشعث بن قيس ، ورابعة : أنه دهقان من دهاقنة المدائن الفرس ، وخامسة : أن الدهقان هو سر سفيل ، وسادسه : أنّه سر سقيل بن سوار ، وسابعة : أنه مسافر بن عفيف ألأزدي. وثامنة : أنه عفيف ولكن في وقعة النخيلة مع أصحاب المستورد من بني سعد بعد وقعة النهروان.

ولزيادة الإطلاع انظر : الاحتجاج : ٢٣٩ ، ٢٤٠ / أمالي ألشيخ الصدوق : ٣٣٨ ت ١٦ من المجلس ٦٤ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٣ والكامل في الادب ٢ : ١٩٣ / فرج ألمهموم : ٥٦ ، وغيرها / وبحار الأنوار٥٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٨ / منهاج البراعة ٥ : ٢٧٠ ، مصادر نهج البلاغة واسانيده ٢ : ٨١ ـ ٨٥.

________________________

(١) أجمع ، المؤرخون أنه ابن عم ألأشعث ، واخيه لأُمه ، روى عن النبي ، وعنه أبناه اياس ويحيى وقد اختلف أرباب التراجم في أنّه بن معدى كرب والذي وفد على ألنبي ، أو هو غيره ، ينقل عنه تمنيه أن لو كان أسلم يوم وفد فكان ثاني أمير المؤمنينعليه‌السلام  وذلك في قصة مسطورة.له ترجمة في : تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٠ رقم ٤٢٧ / الإصابة ٢ : ٤٨٧ / الجرح والتعديل ٧ : ٢٩ / الإستيعاب ٣ : ١٦٣ / اسد الغابة ٣ : ٤١٤.

(٢) الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية الكندي ، أبو محمد ، قيل أسمه معدي كرب ، غلب عليه الأشعث لشعث رأسه ، له صحبة ، كان من قواد أمير المؤمنينعليه‌السلام  يوم صفين ، تزوج أم فروة أخت أبي بكر ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنه روى أبو وائل ، والشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبد الرحمن بن مسعود ، والسبيعي ، غلب عليه سوء العاقبة حتى اعان على قتل أمير المؤمنين. ونهيهعليه‌السلام  من الصلاة في مسجده وقد عده الإمام الباقر من المساجد الملعونة مات سنة ٤٠ هـ = ٦٦٠ م.

له ترجمة في : سير اعلام النبلاء ٢ : ٣٧ رقم ٨ / تهذيب التهذيب ١ : ٣١٣ رقم ٦٥٣ / اإستيعاب ١ : ١٠٩ / أسد ألغابة ١ : ٩٧ / الإصابة ١ : ٥١ رقم ٢٥٥ / خلاصة تذهيب

١٥١

السلام قد حكم في صاحبه هذا ـ الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضاً ـ بأحكام الكفار إما بكونه مرتداً عن الفطرة فيقتله في الحال ، أوبردّة عن غير الفطرة فيتوّبه ، أو يمتنع من التوبة فيقتله ، لأنّ الرواية قد تضمنت أنّ « المنجم كالكافر »(١) ، أو كان يجري عليه أحكام الكهنة أو السحرة ، لأنّ الرواية تضمنت أن « المنجم كالكاهن أو الساحر ».

وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّهعليه‌السلام  حكم على هذا المنجم الذي هوصاحبه بأحكام الكفار ولا السحرة ، ولا الكهنة ، ولا أبعده ، ولا عزره ، بلقال : « سيروا على اسم الله » ، والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه ، وهذا يدل على تباعد الرواية من صحة النقل ، أو يكون لها تأويل غيرظاهرها موافق للعقل.

ومما ينبه على بطلان ظاهر هذه الرواية قول الراوي فيها : إنّ من صدّقك فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله.

ونعلم أنّ الطلائع للحروب يدلّون على السلامة من هجوم الجيوش ، وكثيرمن النحوس ، ويبشرون بالسلامة ، وما لزم من ذلك أن نوليهم الحمد دون ربهم ، ومثال ذلك [٣٨ / أ] كثير فتكون لدلالات النجوم اُسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم(٢) . هذا كلامه أعلى الله مقامه. فتأمل مبانيه بعين البصيرة ، وتناول معانيه بيد غير قصيرة ، والله الهادي.

* * *

________________________

الكمال : ٣٩ / تنقيح المقال ١ : ١٤٩ رقم ٩٧٤.

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة ٧٦. وكذا ما بعدها.

(٢) فرج المهموم : ٥٦ ـ ٥٩.

١٥٢

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  :

« اللهم ، اجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر إليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه للتوبة ، واعصمنا فيه من الحَوْبة ، واحفظنا من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة ، إنك المنان الحميد ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ».

أ صل « اللّهمّ » عند الخليل(١) وسيبويه(٢) يا الله ، فحذف حرف المندا ،

________________________

(١) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، الأزدي ، اليحمدي ، ألأديب ألنحوي ، العروضي ، نسبة ألى علم العروض الذي اخترعه ، سأل يوماً عن ما يقوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، فقال : ما أقول في حق أمرىء كتمت مناقبه أوليائه خوفاً ، واعدائه حسداً ، ثم ظهرمن بين الكمتين ما ملأ الخافقين. وسأل أيضاً ما ألدليل على أن علياً إمام الكل في الكل؟ فقال : أحتياج ألكل إليه ، واستغنائه عن كل ، كان من كبار أصحابنا المجتهدين ، وفضله وعلمه أشهرمن أن يذكر ، شيخ الناس في علوم الأدب ، والبلاغة ، زهده وقناعته مشهوران ، له العين في اللغة وكفى ، ومعاني الحروف ، وتفسير حروف اللغة ، وكتاب العروض ، وغيرها.

مات سنة ١٧٠ هـ =٧٨٦ م.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٤٠٢ / م ٣٧٦٩ / الخلاصة : ٦٧ ت ١٠ رجال ابن داود : ١٤١ت ٥٦٤ / اعيان الشيعة ٦ : ٣٣٧ / تأسيس الشيعة : ١٥٠ ، ١٧٨ / سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٢٩ت ١٦١ / الفهرست للنديم : ٤٨ / طبقات القراء ١ : ٢٧٥ ت ١٢٤٢ / خلاصة تذهيب الكمال : ١٠٦ / البداية والنهاية ١٠ : ١٦١ / الجرح والتعديل ٣ : ٣٨٠ ت ١٧٣٤ الأنساب : ٤٢١ ، ب / شذرات ألذهب ١ : ٢٧٥ / روضات الجنات ٣ : ٢٨٩ ت ٢٩٤.

(٢) سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ، أصله من فارس ، نشأ في البصرة ، أخذ العربية عن جمع من فطاحلها الى أن عدّ من أبناء بجدتها ، بل أصبح علامة الدنيا فيها ، أمثال الخليل ،

١٥٣

وعوض عنه الميم المشددة(١) .

وقال ، الفرّاء(٢) وأتباعه : أصلها يا الله أُمّنا بالخير ، فخففت بالحذف لكثرة الدوران على الألسن ،(٣) .

واُورد عليه : أنّه لو كان كذلك لقيل في نحو اللّهمّ اغفر لنا ، اللهم واغفرلنا بالعطف ، كما يقال : اُمنا بالخير واغفر لنا ، ورفضهم ذلك رأساً بحيث لم

________________________

ويونس ، والأخفش ، وعيسى ، وغيرهم له : الكتاب وكفى به ، حتى أنه أصبح يهدى ( اهداه الجاحظ الى محمد بن عبد الملك ) ، وقال في حقه ـ الجاحظ ـ : إن جميع كتب الناس عيال عليه مات سنة ١٨٠ هـ = ٧٩٦ م وقيل غيرذلك.

له ترجمة في : تاريخ بغداد ١٢ : ١٩٥ ت ٦٦٥٨ / بغية الوعاة ٢ : ٢٢٩ ت ١٨٦٣ / وفيات الأعيان ٣ : ٤٦٣ ت ٥٠٤ / البداية والنهاية ١٠ : ١٧٦ شذرات الذهب ١ : ٢٥٢ / الفهرست للنديم : ٥٧ / معجم الأدباء ١٦ : ١١٤ ت ١٣ سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٥١ ت ٩٧ / روضات الجنات ٥ : ٣١٩ / ٥٣١ / الكامل ٥ : ١٤٢ / انباه الرواة ٢ : ٤٣٦ رقم ٥١٥ / مرآة الجنان ١ : ٤٤٥.

(١) لرأي سيبويه أنظر : الكتاب ١ : ٣٦١ ، باب ما ينصب على المدح والتعظيم وفيه حكى قول الخليل / ولسان العرب ١٣ : ٤٧٠ / تاج العروس ٩ : ٣٧٤ / مادة « اله » فيهما.

(٢) الفراء يحيى بن زياد الأقطع الديلمي النحوي ، أبو زكريا. إمام أهل اللغة من الكوفيين وأعلمهم بالنحو والأدب. له في الفقه والكلام وكذا النجوم والطب يد تذكر ، قال ثعلب : لولا الفرّاء لماكانت عربية ولسقطت.

له مؤلفات كثيرة أملاها كلها حفظاً ، منها : معاني القرآن ، المذكر والمؤنث ، اللغات ، ألفاخر ، مشكل اللغة.

والأقطع عرف به أبوه زياد ؛ لقطع يده في معركة فخ حيث شهدها مع الحسين بن علي بن الحسن المثلّث ، وكان من الشيعة الإمامية ، وكان الفرّاء يظهر الاعتزال مستتراً به.

أخذ عن أبي بكر بن عياش ، والكسائي ، ومحمد بن حفص. وروى القراءة عن عاصم وإبنالجهم ، مات سنة ٢٠٧ هـ = ٨٢٣ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ٢٣٠ / وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ت ٨٩٨ / روضات الجنّات ٨ : ٢٠٩ ت ٧٥١ / البداية والنهاية ١٠ : ٢٦١ / رياض ألعلماء ٥ : ٣٤٧ / معجم الأدباء ٢٠ : ٩ ت ٢ / تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٧٢ ت ٣٦٨ / غاية النهاية ٢ : ٣٧١ ت ٣٨٤٢ / تهذيب التهذيب١١ : ١٨٦ت ٣٥٤ / تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٩ ت ٧٤٦٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٩ / تأسيس الشيعة : ٦٩ ، ٣٢١ / سير أعلام النبلاء ١٠ : ١١٨ت ١٢.

(٣) اُنظر معاني القرآن ١ : ٢٠٣.

١٥٤

يسمع منهم أصلاً يدل على أنّ الأصل خلافه.

وقد يذبّ عنها بأنها لما خففت صارت كالكلمة الواحدة ، فلم يعامل ما يدل على الطلب ـ أعني لفظة « اُمّ » ـ معاملة الجملة ، بل جعلت بمنزلة دال زيد مثلاً ، فلم يعطف عليها شيء كما لا يعطف على جزء الكلمة الواحدة [٣٨ / ب].

« والطلوع » : يمكن أن يراد به الخروج من تحت الشعاع ، وأن يراد به ظهوره للحس كما هو الظاهر ، وكذلك يمكن أن يراد به الطلوع الخاص في هذه الليلة ، وأن يراد به الطلوع في الزمان الماضي مطلقاً.

و كذلك قولهعليه‌السلام  : « وأزكى من نظر إليه » وتزكية النفس تطهيرها عن الرذائل والأدناس ، وجعلها متصفة بما يُعدها لسعادة الدارين ، وفلاحالنشأتين.

« والعبادة » أقس الذل والخضوع ، ولذلك لا تليق إلا لله.

« والتوبة » لغة : الرجوع(١) ، وتضاف إلى العبد ، وإلى الرب تعالى ، ومعناها على الأول : الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعلى الثاني : الرجوع عن العقوبة إلى العفو والرحمة.

وفي الاصطلاح : الندم على الذنب ، لكونه ذنباً.

وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بها من المباحث ، في الحديقة الحادية والثلاثين(٢) في شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب التوبة.

وقد أوردنا فيها أيضاً كلاماً مبسوطاً في شرح الأربعين حديثاً(٣) الذي ألفناه

________________________

(١) الصحاح ١ : ٩١ / القاموس : ٧٩ ، مادة « توب » فيهما.

(٢) أنظر صحيفة ١٣١ هامش ١.

(٣) الأربعين : ٢٣٢ ، عند شرحه للحديث الثامن والثلاثون الذي رواه بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام     عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

مَن تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته.

ثم قال : إن السنة لكثير ،

١٥٥

بعون الله تعالى.

تتمة :

لعل المراد من العصمة في قولهعليه‌السلام  : « واعصمنا فيه من الحوبة » ، معناها اللّغوي ، أي الحفظ عن السوء ، فإن ارادة معناها الاصطلاحي المذكور في الكلام ـ أعني لطف يفعله الله بالمكلّف ، بحيث لا يكون له معه داع إلى فعل المعصية مع قدرته عليها ـ لا يساعد عليه قولهعليه‌السلام  « من الحوبة » ، لأنّ العصمة بهذا المعنى لم يعهد [٣٩ / ] تعديتها بلفظة من.

« والحوبة » ـ بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة ـ : الخطيئة.

و « الإيزاع » : الإلهام ، والمشهور في تعريفه أنه إلقاء الخبر في القلب مندون استفاضة فكرية ، وينتقض طرده بالقضايا البديهية ، وعكسه بالانشائيات بعامة التصورات ، ولو قيل : إنّه إلقاء المعنى النظري في القلب من دون استفاضة فكرية لكان أحسن ، مع أن فيه ما فيه.

و المراد بايقاع « الشكر » في القلب ليس الشكر الجناني فقط بل ما يعم الأنواع الثلاثة ، والغرض صرف القلب إلى أداء الشكر اللساني والجناني والأركاني بأجمعها.

و قد تقدم الكلام في الشكر مبسوطاً في الحديقة التحميدية ـ وهي شرح الدعاء الأول من هذا الكتاب الشريف ، الذي أرجو من الله سبحانه التوفيق لإكماله ـ وذكرنا هناك نبذة من مباحث الحمد والشكر ، وما قيل من الطرفين في

________________________

من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته.

ثم قال : إن الشهر لكثير ،

من تاب قبل موته بجمعة قل الله توبته.

ثم قال : إن الجمعة لكثير ،

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته.

ثم قال : إن يوما لكثير ،

من تاب قبأ ، أن يعاين قبل الله توبته.

١٥٦

وجوب شكر المنعم عقلاً وسمعاً ، وما سنح لنا من الكلام في دفع شبه القائلين بانحصار وجوبه في السمع ، وبيان فساد معارضتهم خوف العقاب على ترك الشكر بخوف العقاب على فعله(١) .

و « الجنن » بضم الجيم وفتح النون : جمع جُنّة ـ بالضم ـ وهي الستر.

و « العافية » دفع الله سبحانه عن العبد ما هو شرّ له ، ويستعمل في الصحة البدنية والنفسية معاً ، وقد تقدم الكلام فيها في الحديقة الثالثة والعشرين وهي شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب العافية(٢) .

تبصرة :

الضمائر الراجعة إليه سبحانه من أول هذا الدعاء إلى هنا بأجمعها ضمائرغيبة ، ثم إنّهعليه‌السلام  عدل عن ذلك الأسلوب وجعلها من هنا إلى آخر الدعاء ضمائر خطاب ، ففي كلامهعليه‌السلام  التفات من الغيبة إلى الخطاب.

ولا يخفي أن بعض اللطائف والنكت التي أوردها المفسرون فيما يختص بالالتفات في سورة الفاتحة يمكن جريانه هنا(٣) .

وأنا قد تفردت ـ بعون الله وحسن توفيقه ـ باستنباط نكت لطيفة في ذلك الالتفات ، مما لم يسبقني إليها سابق ، وقد أوردت جملة منها فيما علّقته من الحواشي على تفسير البيضاوي(٤) ، وشرذمة منها في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى(٥) ، وبعض تلك النكت يمكن اجراؤها فيما نحن فيه ، فعليك بمراجعتها ، وملاحظة ما يناسب المقام منها.

________________________

(١) و (٢) انظر صحيفة : ١٥٠ هامش : ٢.

(٣) على نحو المثال أنظر : انوار التنزيل ١ : ٣١ / الكشاف ١ : ١٣ / الفخر الرازي ١ : ٢٥٣. وما يتعلق من التفاسير في الآية ٥ من سورة الفاتحة.

(٤) المطبوع على الحجر في هامش التفسير أنظر صحيفة : ٢ منه.

(٥) المعروة الوثقى : ٣٣ ، ضمن الحبل المتين ، وعدّ فيه نحواً من ١٤ نكتة.

١٥٧

والضمائر المجرورة في قولهعليه‌السلام  : « وأسعد من تعبد لك فيه » إلى آخر الدعاء راجعة إلى الهلال بمعنى الشهر ، وليس كذلك المرفوع في طلع عليه ، والمجرور في نظر إليه ، ففي الكلام استخدام من قبيل قول البحتري(١) [٤٠ / ] :

فسقى الغضا والساكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحي وضلوعي(٢)

ولعلّه لا يقدح في تحقق الاستخدام كون إطلاق الهلال على الشهر مجازاً لتصريح بعض المحققين من أهل الفن بعدم الفرق بين كون المعنيين في الاستخدام حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين ، وأن قصره بعضهم على الحقيقيين ، على أن كون الاطلاق المذكور مجازاً محل كلام.

وتعبيرهعليه‌السلام  عن اقتراف المعصية بالمباشرة استعارة مصرّحة ، فإن حقيقة المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة.

والاضافة في « جنن العافية » من قبيل لجين الماء ، ويجوز جعله استعارة بالكناية مع الترشيح.

________________________

(١) أبو عبادة البحتري ، الوليد بن عتبة وقيل عبيد الطائي ، شاعر كبير ، أحد أشعر أبناء زمانه وهم : المتنبي ، وأبو تمام ، والبحتري ، ولد في منبج بالقرب من حلب رحل الى العراق زمن المتوكل العباسي له ديوان شعر مطبوع يوصف شعره لسلاسته وقوته بسلاسل الذهب والحماسة ـ. مات سنة ٢٤٨ هـ = ٨٩٨ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١١٧ / وفيات الاعيان ٦ : ٢١ رقم ٧٧٠ / تاريخ بغداد ١٣ : ٤٧٦ رقم ٧٣٢١ / دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٣٦٥ / الاعلام ٨ : ١٢١ / معجم الادباء ١٩ : ٢٤٨ / ٩٣ / مرآة الجنان ٢ : ٢٠٢ / الاغاني ٢١ : ٣٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٨٦. وغيرهاكثير.

(٢) الديوان ١ : ١٧٠ من قصيدة يمدح فيها ابن نيبخت وفيه :

فسقى الغضا والنازليه وان هم

شبوه بين جوانح وقلوب

وانظر معاهد التنصيص ٢ : ٢٦٩ ت ١٢٣ وجامع الشواهد ٢ : ١٦٩

استشهد به كل من صاحب المطول والمختصر في بحث الاستخدام من علم البديع باعتبار كلمة ( الغضا وان لها معنيان )

١٥٨

خاتمة :

اسم التفضيل في قولهعليه‌السلام  : « اللّهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه » ، كما يجوز أنْ يكون للفاعل على ما هو القياس ، يجوز أن يكون للمفعول أيضاً ، كما في نحو : أعذر ، وأشهر ، وأشغل ، أي اجعلنا من أعظم المرضيين عندك.

فإن قلت : مجيء اسم التفضيل بمعنى المفعول غير قياسيّ ، بل هومقصورعلى السماع.

قلت : لمّا وقع في كلامهعليه‌السلام  كفى ذلك في تجويز هذا الاحتمال ، ولا يحتاج فيه إلى السماع من غيره قطعاً ، فإنهعليه‌السلام  أفصح العرب في زمانه.

هذا ، وفي كلام بعض أصحاب القلوب ، أنّ علامة رضى الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه تعالى ، وهذا يشعر بنوع من اللزوم بين الأمرين.

ولو اُريد باسم التفضيل هنا ما يشملهما ، من قبيل استعمال المشترك في معنييه معاً لم يكن فيه كثير بعد ، ومثله في كلام البلغاء غير قليل [٤١ / أ].

وتعدية الرضاء بالقضاء ، على بقية المطالب التسعة ـ التي ختم بهاعليه‌السلام  هذا الدعاء ـ للاعتناء به ، والاهتمام بشأنه ، فإنّ الرضا بالقضاء من أجلّ المقامات ، وَمَنْ حازه فقد حاز أكمل السعادات ، وصحت منه دعوى المحبة ، التي بها يرتقي إلى أرفع الدرجات ، ولم يتشعب خاطره بورود الحادثات ، واعتوار المصيبات ، ولم يزل مطمئنّ البال ، منشرح الصدر ، متفرغ القلب للاشتغال بمايعنيه من الطاعات والعبادات ، ومن لم يرض القضاء دخل في وعيد « من لم يرض بقضائي »(١) الحديث.

________________________

(١) الظاهر انه اشارة للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده الى الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن آبائه عن جده امير المؤمنين قال : « سمعت رسول الله

١٥٩

ومع ذلك لا يزال محزوناً مهموماً ، ملازماً للتلهف والتأسف ، على أنّه لمكان كذا؟ ولِمَ لا يكون كذا؟ ، فلا يستقر خاطره أصلاً ، ولا يتفرغ لما يَعنيه أبداً.

ونعم ما قال بعض العارفين : « إنّ حسرتك على الأمور الفانية ، وتدبيرك للأمور الاتية قد أذهبا بركة ساعتك التي أنت فيها ».

* * *

________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري ). وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( في كل قضاء الله خيرة المؤمن ) ».

انظر : عيون اخبار الرضا ١ : ١٤١ ت ٤٢ / التوحيد : ٣٧١ ت ١١ / وعنهما في البحار ٦٨ : ١٣٨ ت ٢٥ / دعوات الراوندي : ١٦٩ رقم ٤٧١ / وعنه في البحار ٧٩ : ١٣٢ ت ١٦ / وهكذاكنز العمال ١ : ١٠٦ ت ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، عن الطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الايمان / والجامع الصغير ٢ : ٦٤٦ ت ٩٠٢٧ / فيض القدير ٦ : ٢٢٤ ت ٩٠٢٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وبذلك يثبت وثاقة احمد بن الغضائري واعتباره.

 الاكثار من جرح الثقات

نعم يبقى البحث في النقاش المشهور في قبول قوله ، وهو أنه قد أكثر من جرح الثقات وتعدى الحد فيه ، ولم يرَ الأصحاب له مبرراً ، ولأجله وهّنوا تضعيفاته ، ورموه بعدم التحقيق.

قال الوحيد البهبهاني : « قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو من قدحه ، وجرح أعاظم الثقات وأجلاء الرواة الذين لا يناسبهم ذلك. وهذا يشير الى عدم تحقيقه حال الرجال كما هو حقه ، أو كون أكثر ما يعتقده جرحاً ليس في الحقيقة جرحاً وقال الشهيد الثانيرحمه‌الله ( شرح البداية )(١) : وقد اتفق لكثير من العلماء جرح بعض فلما استفسر ذكر ما لا يصلح جارحاً ، قيل لبعضهم : لمَ تركت حديث فلان؟. فقال : رأيته يركض على برذون(٢) وبالجملة لا شك أن ملاحظة حاله توهن الوثوق بمقاله الخ »(٣) .

وقال السيد بحر العلوم : « هذا الشيخ الذي قد بلغ الغاية في تضعيف الروايات والطعن في الرواة ، حتى قيل : إن السالم من رجال الحديث من سلم منه ، وإن الاعتماد على كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب فانه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلاء الأصحاب المعروفين

__________________

١ ـ وهو كتاب ( درايته ) ، أنظر ص ٧١ منه.

٢ ـ البرذون « ضرب من الدواب دون الخيل وأقدر من الحمر » أقرب الموارد ، مادة برذن.

٣ ـ تعليقة منهج المقال ص ٢٤.

٢٠١

بالتوثيق واعتمد في الطعن عليهم ـ غالباً ـ أموراً لا توجب قدحاً فيهم الخ »(١) .

وعليه لا يبقى وثوق بكون جرحه وتضعيفه للرواة جارياً على الأصول المعتبرة ، فكيف يصح الركون اليه؟.

الطريق الى رجال ابن الغضائري

الجهة الثانية أن هذا الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري لم يصل الينا بنفسه بطريق معتبر ، وإنما أدرجه السيد ابن طاووس في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ) منسوباً اليه. لكن يشكل الاعتماد عليه لأمرين.

أحدهما أن الشيخ الطوسي لم يذكر لابن الغضائري إلا الكتابين اللذين ألفهما في المصنفات والأصول وقد تلفا. فلو كان له كتاب ثالث في الضعفاء لما خفي عن مثل الشيخ المصاحب له ، والشريك معه في الدراسة على أبيه الحسين بن عبيد اللّه ، كما صرح به في ( رجاله ) قائلاً : « سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته »(٢) .

وبذلك استشهد شيخنا الطهراني في ( الذريعة )(٣) على استبعاد أن يكون لابن الغضائري كتاب ثالث خفي على الشيخ الطوسي ، وقال : « والظاهر أنه لم يكن له تأليف آخر وإلا لذكره ».

على أن الشيخ الطوسي لم يحك تلف الكتابين فقط ، وإنما قال : « وعمد بعض الورثة الى إهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب ». وإطلاقه شامل لكتاب الضعفاء على تقدير أن يكون من تصنيفه.

__________________

١ ) رجال السيد بحر العلوم ج ٢ ص ٣٦٩

٢ ـ رجال الشيخ الطوسي ص ٤٧٠

٣ ـ أنظر ج ١٠ ص ٨٨

٢٠٢

ولذا أهمل ذكره في ( فهرسته ) حيث لم يبق له مصنَّف ليذكر من أجله ، كما أهمل ذكره الشيخ النجاشي في ( رجاله ) لذلك. ولو بقي له كتاب بعده لما خفي على النجاشي ، فانه كالشيخ الطوسي مصاحب له ، وشريك في الدراسة على أبيه الحسين ، حيث قال : « قرأته أنا وأحمد بن الحسينرحمه‌الله على أبيه ». كما أنه شريكه في الدراسة على احمد بن عبد الواحد ، حيق قال : « قرأ احمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة على احمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه »(١) .

بل صرح السيد بحر العلوم بأن النجاشي تلميذ لابن الغضائري ، حيث قال : « ما اتفق للنجاشيرحمه‌الله من صحبة احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائريرحمه‌الله فانه كان خصيصاً به صحبه وشاركه وقرأ عليه وأخذ منه ونقل عنه ما سمعه أو وجده بخطه الخ ». ونص على أنه شيخ النجاشي عند ذكر مشايخه(٢) . واستظهر ذلك شيخنا الطهراني في ( الذريعة )(٣) من قول النجاشي في ترجمة علي بن محمد بن شيران : « كنا نجتمع معه عند احمد بن الحسين »(٤) قائلاً : « والاجتماع عند العالم والحضور في مجلسه لا يكون إلا للاستفادة العلمية عنه ، ولعل ذلك وجه استظهار آية اللّه بحر العلوم في ( الفوائد الرجالية ) أنه كان من مشايخ النجاشي كوالده ، ولكنه بعيد لقصر عمره ، كما نذكره وإن استظهره القهبائي أيضاً في ( مجمع الرجال ) من هذه الترجمة ».

__________________

١ ـ رجال النجاشي ص ٦١ ـ ١٨٢.

٢ ـ رجال السيد بحر العلوم ج ٢ ص ٤٩ ـ ٦٤.

٣ ـ أنظر ج ٤ ص ٢٨٩.

٤ ـ رجال النجاشي ص ١٩٢.

٢٠٣

مع السيد بحر العلوم

لكن السيد بحر العلوم ـ قدست نفسه ـ ناقش في تلف كتب ابن الغضائري بقوله : « لما يظهر من النجاشي من اطلاعه عليها ، وإخباره عنها. وقد بقي بعضها الى زمان العلامة الخ »(١) . ونقول :

أما دعوى وجود بعض كتب ابن الغضائري في زمان العلامة فقد سبق(٢) الجواب عنها.

وأما دعوى اطلاع النجاشي عليها فالجواب عنها :

أولاً : أن النجاشي كان مصاحباً لابن الغضائري وشريكاً في الدراسة بل وتلميذاً ، فلا يكشف نقله عنه في كتاب ( رجاله ) عن اطلاعه على كتبه وإخباره عنها ، لامكان نقله عنه بالسماع أو غيره ، ولذا يقبل منه وإن سقطت كتب ابن الغضائري عن الاعتبار.

وقد تصفحت ( رجال النجاشي ) وسبرته ، وأحصيت الموارد التي نقل فيها عن احمد بن الغضائري فبلغت ثلاثة وعشرين مورداً ، لم يخبر فيها عن كتبه كما يقول السيد ـ قدست نفسه ـ ، وإنما أخبر عنه بلفظ قال تارة ، ولفظ ذكر أخرى ، على غرار إخباره عن والده الحسين ، وسائر مشايخه الآخرين ، وربما قرنه بهم في النقل ، كما في قوله عند ترجمة احمد بن اسحاق : « قال أبو الحسن علي بن عبد الواحد الخمريرحمه‌الله واحمد بن الحسينرحمه‌الله ». وقوله عند ترجمة سهل بن زياد : « ذكر ذلك احمد بن علي بن نوح ، واحمد بن الحسين رحمهما اللّه »(٣) .

__________________

١ ـ رجال السيد بحر العلوم ج ٢ ص ٤٩.

٢ ـ أنظر ص ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٣ ـ رجال النجاشي ص ٦٦ ـ ١٣٢.

٢٠٤

 نعم هناك مورد واحد نقل فيه النجاشي عن ( تأريخ ابن الغضائري )(١) لكنه لا يصلح دليلاً لكون النقل في بقية الموارد عن كتبه ، بل يستظهر منه العكس ، وإلا لما كان وجه لتخصيص هذا المورد بالنقل عن الكتاب والظاهر أن النجاشي يلحظ هذه الخصوصية في النقل ، ولذا نقل كثيراً عن شيخه أحمد بن علي بن نوح بلفظ ذكر وقال ، إلا في بعض الموارد فانه قال : « ورأيت بخط أبي العباس أحمد بن علي بن نوح الخ »(٢) .

و ثانياً : أن نقل النجاشي عن كتب ابن الغضائري على فرضه لا يكشف عن عدم عروض التلف لها بعد موته ، حيث لا مانع من نقله عنها في حياته ، لاصطحابهما واشتراكهما في الدراسة.

ويشهد باطلاع النجاشي على ما كان لديه من كتب في حياته قوله في ترجمة محمد بن علي بن النعمان : « وله كتاب ( افعل لا تفعل ) رأيته عند احمد بن الحسين بن عبيد اللّهرحمه‌الله ، كتاب كبير حسن الخ »(٣)

وثالثاً : أن نقل النجاشي عن كتب ابن الغضائري لا يثبت لنا الطريق المعتبر اليها ، فما نقله عنها في ( رجاله ) قبلناه ، دون ما ينسبه المتأخرون اليها ، مثل نقل العلامة عن كتاب ( الضعفاء ) المبحوث عنه.

ثانيهما : أن السيد ابن طاووس الناقل لهذا الكتاب قد صرح بعدم وجود طريق متصل اليه ، فانه قد جمع في كتابه ( حل الاشكال ) الأصول الرجالية الخمسة المذكورة في صدر البحث ، ومنها ( رجال ابن الغضائري ) لكنه لم يدرج كتاب ( الاختيار ) من كتاب أبي عمرو الكشي في كتابه إلا بعد أن حرره وهذب أخباره متناً وسنداً ووزعها في طي الكتاب على تراجم الرجال.

____________

١ ـ رجال النجاشي ص ٥٦.

٢ ـ رجال النجاشي ص ٨١.

٣ ـ رجال النجاشي ص ٢٢٨.

٢٠٥

ولما ظفر الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني بهذا الكتاب لابن طاووس ورآه مشرفاً على التلف انتزع منه ما حرره ابن طاووس ، ووزعه في كتابه من خصوص كتاب ( الاختيار ) وسماه ( التحرير الطاووسي ) ولا يزال مخطوطاً(١) ، وأثبت في أوله بعض ما ذكره ابن طاووس في أول كتابه عند ذكره الكتب الخمسة التي جمعها فقال : « من كتب خمسة ولي بالجميع روايات متصلة عدا كتاب ابن الغضائري »(٢) .

وعليه فلا يثبت اعتبار هذا الكتاب بنقل ابن طاووس له بعد أن اعترف بعدم الطريق اليه. ولذا صرح شيخنا الطهراني في ( الذريعة )(٣) بأن إدراج السيد ابن طاووس كتاب ابن الغضائري في كتابه ( حل الاشكال ) لم يكن « لأجل اعتباره عنده فتبرأ من عهدته بصحة النسبة اليه ، ولم يكتف بذلك أيضاً بل أسّس في أول الكتاب ضابطة كلية تفيد وهن التضعيفات التي وردت في هذا الكتاب ، حتى لو فرض أنه كان معلوم النسبة الى مؤلفه الخ ».

وقد جرى الشيخ عناية اللّه القهبائي على منوال ابن طاووس فجمع تلك الأصول الرجالية الخمسة في كتابه ( مجمع الرجال ) ، لكنه اعتمد في إثبات ( رجال ابن الغضائري ) على كتاب ابن طاووس السابق بتوسط أستاذه الشيخ عبد اللّه التستري ، فانه الذي استخرجه من كتاب ابن طاووس.

وذكر الشيخ القهبائي في صدر كتابه خطب الأصول الرجالية ، ولم

__________________

١ ـ نقل شيخنا في ( الذريعة ) أنه رأى نسختين من ( التحرير ) إحداهما عند السيد محمد علي السبزواري في الكاظمية ، والاخرى في الخزانة الرضوية. وأخبرني شفاهاً أنه رأى نسخة في الكاظمية في مكتبة المرحوم آية اللّه السيد حسن الصدر الكاظمي.

٢ ـ الذريعة ج ٣ ص ٣٨٥ ـ ٣٨٦.

٣ ـ أنظر ج ٤ ص ٢٨٨.

٢٠٦

يكن لابن الغضائري خطبة لكتابه ، وإنما نقل ما ذكره الشيخ التستري في مقدمته قائلاً : « وقال شيخنا التستري في عنوان كتاب الشيخ احمد بن الحسين الموضوع لذكر الرجال المذمومين : إعلم ـ أيدك اللّه وإيانا ـ إني لما وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال ، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف ، وقد كنت رزقت بحمد اللّه تعالى النافع من تلك الكتب إلا كتاب ابن الغضائري ، فإني كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا هذا ، وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملاً عليه ، فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفرداً عنه الخ »(١) .

و هذا صريح في أنه لم يكن للشيخ القهبائي ولا لشيخه التستري طريق إلى كتاب ابن الغضائري ، كما لا طريق لابن طاووس إليه. بل صرح التستري بأنه لم يسمع لهذا الكتاب وجوداً في زمانه فضلاً عن أن يراه ، وإنما نقله عن ابن طاووس تبركاً بخطه ، وأخذه عنه تلميذه القهباني.

إ ذن فينحصر الاستدلال على اعتبار ( رجال ابن الغضائري ) بنقل العلامة عنه في ( خلاصته ) وابن داود في ( رجاله ) قائلاً في مقدمته : « فصنفت هذا المختصر لنخب كتاب الرجال للشيخ أبي جعفررحمه‌الله ، والفهرست له ، وما حققه الكشي والنجاشي ، وما صنفه البرقي والغضائري ، وغيرهم ». ونحتمل أن يكون لهذين العلمين طريق حسي معتبر الى ذلك الكتاب ، وهو كاف في اعتباره ، إلا أن الذي يوهن هذا الاحتمال أمور.

الأول أن العلامة وابن داود قد صحبا السيد ابن طاووس ، وتتلمذا له ، واعتمدا عليه في تنقيح تنويع الحديث وتجديده ، وهذا مما يوجب قوة الظن باعتمادهما عليه في شأن هذا الكتاب ، لا أن لهما طريقاً معتبراً اليه

____________

١ ـ مجمع الرجال ج ١ ص ١٠ ـ ١١.

٢٠٧

 قد اختصا به دون استاذهما ، أستاذ الفن ، كما اعتمد عليه الشيخ التستري في نقله. بل قال ابن داود في كتاب ( رجاله )(١) عند ذكر استاذه ابن طاووس « ربّاني وعلمني وأحسن إليّ ، وأكثر فوائد هذا الكتاب من إشاراته وتحقيقاته ، جزاه اللّه عني أفضل جزاء المحسنين الخ ».

الثاني أن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني نقل في كتابه ( التحرير الطاووسي ) تصريح ابن طاووس بعدم وجود طريق الى كتاب ابن الغضائري ولم يعقبه بشيء ولم يذكر له طريقاً اليه ، فلو كان للعلامة وابن داود طريق لما خفي على مثل هذا الشيخ المتأخر عنهما ، والمتضلع في الأحاديث وأسنادها وأحوال رجالها ، كما يشهد له كتابه ( منتقى الجمان ).

الثالث أن ابن داود ذكر في مقدمة ( رجاله ) طريقه الى الشيخ الطوسي والنجاشي والكشي ، كما ذكر طريقه الى الصدوق والمفيد وسلار والسيد المرتضى وأبي الصلاح ، وكلها تبتدئ باستاذه المحقق الحلي ، ولم يذكر له طريقاً الى ابن الغضائري ، وهذا الاهمال في قوة التصريح بعدمه ولو كان للعلامة طريق لما خفي عليه عادة ، لأنهما عاشا في بلد واحد مصطحبين ، وتلميذين لابن طاووس ، والمحقق الحلي.

فيكون نقلهما عن ( رجال ابن الغضائري ) اعتماداً على شيخهما ابن طاووس ، واجتهاداً منهما في صحة نسبته اليه ، كما اعتمد جماعة على ( كتاب الفقه ) المنسوب الى الإمام الرضا (ع) حين وثقوا بصحة تلك النسبة وإن لم يكن لهم طريق متصل يثبت ذلك ، ولم يعتمد عليه آخرون لعدم وثوقهم بصحتها.

و حيث لم يثبت صحة نسبة هذا الكتاب الى ابن الغضائري فلا يصح الاعتماد على ما ورد فيه. بالاضافة لما سبق من جرحه لأعاظم الثقات مستنداً

____________

١ ـ أنظر ص ٤٦.

٢٠٨

 الى أمور لا تصلح للجرح.

ومن هنا يحتمل وضع هذا الكتاب من بعض الكذابين منسوباً الى ابن الغضائري لغرض جرح ثقات رواتنا ، وإسقاط أحاديثهم عن الاعتبار ، فرآه ابن طاووس وأدرجه في كتابه ، ونبّه على عدم الطريق اليه ليخرج من عهدته ، وتبعه تلميذاه فيه.

و ليس هذا بغريب بعدما أكثر الوضّاعون من وضع الأحاديث ونسبتها الى النبي (ص) وأهل بيته ، كما سبق(١) .

ولذا قال شيخنا الطهراني في ( الذريعة )(٢) : « إن نسبة ( كتاب الضعفاء ) هذا اليه ( أي ابن الغضائري ) مما لم نجد له أصلاً حتى أن ناشره قد تبرأ من عهدته بصحته ، فيحق لنا أن ننزه ساحة ابن الغضائري عن الاقدام في تأليف هذا الكتاب والاقتحام في هتك هؤلاء المشاهير بالعفاف والتقوى والصلاح الخ ». وقال : « فالظاهر أن المؤلف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة ، وكان يريد الوقيعة بهم بكل حيلة ووجه ، فألف هذا الكتاب ، وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويهاً ليقبل عنه جميع ما أراد إثباته من الوقائع الخ ».

وعلى فرض عدم كونه موضوعاً يقوى احتمال مّد يد أثيمة اليه حرفت فيه ودست تضعيف أولئك الثقات في الفترة التي فقد فيها الكتاب أي منذ وفاة ابن الغضائري حتى عصر ابن طاووس. وليس هذا بعيداً بعدما كان المغيرة بن سعيد يدس في الكتب من الأحاديث ما يريد.

«يحرّفون الكلم عن مواضعه »(٣) «ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون »(٤) .

____________

١ ـ أنظر ص ١٣٥ ، وما بعدها.

٢ ـ أنظر ج ٤ ص ٢٩٠ ، وج ١٠ ص ٨٩.

٣ ـ النساء / ٤٥.

٤ ـ الصف / ٨.

٢٠٩

٢١٠

ـ ٦ ـ

الأحاديثُ المُضمَرَة

ـ ٧ ـ

الأحاديثُ المَوقَوفة

٢١١

ا لاضمار في اللغة الاخفاء ، فيقال : أضمر الضمير في نفسه. إذا أخفاه وأضمرت الأرض الرجل. إذا غيّبته(١) . ولذا سمي الضمير من الأسماء ضميراً لخفائه ، مقابل الاسم الظاهر.

فالأحاديث المضمرة هي التي أضمر فيها المسؤول وأخفي فعبّر عنه ، إما بالضمير البارز مثل صحيح زرارة « قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء الخ «(٢) ، وحديث سماعة « سألته عن الرجل به الجرح والقرح الخ »(٣) . وإما بالضمير المستتر مثل حديث سماعة قال : « قال إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين الخ »(٤) . ولأجله سميت بالمضمرة. وهي مجموعة كبيرة من الأحاديث أثبتها مشايخنا الأقدمون في مجاميعهم ، وليست كالموقوفة أحاديث معدودة.

والوقف في اللغة السكون ، فيقال : وقف القارئ على الكلمة. إذا نطق بها مسكّنة الآخر قاطعاً لها عما بعدها(٥) . فتكون الكلمة موقوفاً عليها.

فالأحاديث الموقوفة هي المروية عن مصاحب المعصوم (ع) مع الوقوف عليه وعدم وصل السند الى المعصوم (ع) ، ولذا سمي الراوي موقوفاً عليه ، كما سمي حديثه موقوفاً.

وذكر الشهيد الثاني : أن الموقوف قسمان مطلق ومقيد ، فالمطلق ما ذكرناه ، والمقيد ما لو كان الموقوف عليه غير مصاحب للمعصوم (ع)

__________________

١ ـ أقرب الموارد ، مادة ضمر.

٢ ـ الوسائل ح ١ ب‍‌ ١ ـ نواقض الوضوء.

٣ ـ الوسائل ح ٢ ب‍‌ ٢٢ ـ النجاسات.

٤ ـ الوسائل ح ١٧ ب‍‌ ١ ـ الخلل في الصلاة.

٥ ـ أقرب الموارد ، مادة وقف.

٢١٢

 فان كان من التابعين سمي حديثه مقطوعاً أيضاً(١) .

و يخص بحثنا الموقوف المطلق ، لأنه الذي يمكن صدور الحكم فيه عن المعصوم (ع) بلا واسطة بينه وبين الراوي الموقوف عليه مثل حديث أبي بصير « لا تعاد الصلاة من دم لم يبصره إلا دم الحيض »(٢) . وحديث عمر بن أذينة الوارد في المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك ، قال : « يخرج الولد ويخاط بطنها »(٣) . وصحيح زرارة ، قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر الخ »(٤) .

فالفرق بين الموقوف والمضمر ، أن الحكم في الموقوف يقف عند الراوي ، فلا يتعداه ، حيث لم يسنده الى غيره لا بالتصريح ولا بالاضمار فنحتمل أنه رأي رآه بمقتضى اجتهاده ، كما نحتمل أنه نقله عن المعصوم (ع) أو غيره من الفقهاء. أما الحكم في المضمر فلا نحتمل استناده إلى رأي الراوي حيث صرح فيه باسناده الى غيره ، وإن لم نعلم أن ذلك الغير هو المعصومعليه‌السلام . فالاشكال في المضمر أهون منه في الموقوف.

____________

١ ـ الدراية للشهيد الثاني ص ٤٥ ـ ٤٧.

٢ ـ نقل هذا الحديث الشيخ يوسف البحراني موقوفاً على أبي بصير عن موضع من كتاب ( التهذيب ) ولذا ناقش فيه جماعة ، لكن نقله عن موضع آخر منه وعن ( الكافي ) مسنداً ( الحدائق ج ٥ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ). وكذا الشيخ محمد بن الحسن الحر نقله مسنداً عن الكليني والشيخ الطوسي معاً باختلاف يسير في ألفاظه ( الوسائل ج ١ ب‍‌ ٢١ ـ النجاسات ).

٣ ـ الوسائل ج ٧ ب‍‌ ٤٥ ـ الاحتضار.

٤ ـ نقله الشيخ محمد بن الحسن الحر عن الكليني موقوفاً على زرارة ونقله عن الشيخ الطوسي مسنداً عن أحد الباقرين (ع) ، كما نقله عن ابن ادريس مسنداً عن الامام الباقر (ع). ( الوسائل ج ١ ب‍‌ ٤٢ ـ الجنابة ).

٢١٣

وحيث لا تثبت حجية الحديث إلا بعد إحراز صدور ما حكاه عن المعصوم (ع) ولو تعبداً لوثاقة الراوي فلا بد من النظر في هذين القسمين من الأحاديث في مبحثين.

 الأحاديث المضمرة

أحدهما في الأحاديث المضمرة. قد اختلف الفقهاء فيها على أقوال ثلاثة.

الأول : عدم حجيتها مطلقاً ، أي سواء كان الراوي المضمر من وجوه الراواة وفقهائهم كزرارة ، أو من غيرهم من الثقات ، لاحتمال عود الضمير فيها الى غير المعصوم (ع) ، وهو يكفي في عدم الحجية.

نسب الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني هذا القول الى جمع من الأصحاب(١) واختاره الشهيدان حيث خدش الأول منهما في مضمر محمد بن مسلم « سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعاً. قال : يعيد الصلاة »(٢) . بأنه مجهول المسؤل. وعقّبه الثاني بقوله : « فيحتمل كونه غير إمام »(٣) مع أن محمد بن مسلم من فقهاء الرواة. كما اختاره الشيخ محمد حسن في ( جواهره )(٤) ، حيث خدش في صحيح محمد بن اسماعيل بن بزيع « سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين الخ »(٥) بأنه مضمر في

__________________

١ ـ منتقى الجمان ج ١ ص ٣٥.

٢ ـ الوسائل ح ٧ ب‍‌ ١١ ـ الخلل في الصلاة.

٣ ـ شرح اللمعة ج ١ ص ١٤١.

٤ ـ الجواهر ـ كتاب النكاح ـ ولاية الوصي.

٥ ـ الوسائل ح ١ ب‍‌ ٨ ـ أولياء العقد.

٢١٤

( الكافي ، والتهذيب ) فلا يصلح للمعارضة.

الثاني : حجيتها مطلقاً : اختاره الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في كتاب ( المعالم ) عند البحث عن حسنة محمد بن مسلم « قلت له الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة »(١) ، حيث أورد عليها العلامة في ( المختلف ) : بأن الراوي لم يسند الحكم فيها الى الامام (ع) وإن كانت عدالته تقتضي الإخبار عنه. فأجابه في ( المعالم ) : بأن « الممارسة تنبه على أن المقتضي لنحو هذا الاضمار في الأخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمةعليهم‌السلام ، فكان يتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن إمام واحد ، ولا فصل بينها يوجب إعادة ذكر الامامعليه‌السلام بالاسم الظاهر ، فيقتصرون على الاشارة اليه بالمضمر. ثم أنه لمّا عرض لتلك الأخبار الاقتطاع والتحويل الى كتاب آخر تطرق هذا اللبس ، ومنشأه غفلة المقتطع لها ، وإلا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين ، لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول الخ ».

وتبعه الشيخ يوسف البحراني ، حيث صّدر كلامه هذا بقوله : « وللّه در المحقق الشيخ حسن في ( المعالم ) حيث رد ذلك فقال الخ »(٢) .

وتبعهما الشيخ المامقاني ، فانه بعد أن خدش في حجية المضمر صريحاً « لاحتمال أن لايكون المراد بالضمير هو المعصوم (ع) » قال بحجية مضمرات مطلق الموثقين من أصحابنا مستدلاً عليه بقوله : « لأن ظاهر حال أصحاب الأئمة (ع) أنهم لا يسألون إلا منهم ، ولا ينقلون حكماً شرعياً يعمل به العباد إلا عنهم الخ »(٣) .

لكن ظاهر كلام الشيخ حسن في ( منتقى الجمان )(٤) ينافي الحجية

__________________

١ ـ الوسائل ح ٦ ب‍‌ ٢٠ ـ النجاسات.

٢ ـ الحدائق ج ٥ ص ٣١١ ـ ٣١٢.

٣ ـ مقباس الهداية ص ٤٧.

٤ ـ أنظر ج ١ ص ٣٥.

٢١٥

المطلقة ، حيث قال : « يتفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الامام الذي يروى عنه الحديث ، بل يشار اليه بالضمير ، وظن جمع من الأصحاب أن مثله قطع ينافي الصحة ، وليس ذلك على إطلاقه بصحيح ، إذ القرائن في أكثر تلك المواضع تشهد بعود الضمير الى المعصوم (ع) بنحو من التوجيه الذي ذكرناه الخ ». فاعترف بمنافاة الاضمار للصحة في بعض المواضع.

الثالث : التفصيل بين كون الراوي المضمر من أجلّة الرواة وفقهائهم فيقبل مضمره ، وبين غيره فلا يقبل. نسبه الشيخ المامقاني الى بعض المحققين(١) ، ونسبه في ( تعليقة الروضة ) الى الأكثر قائلاً : « فان كان الراوي فيها من الأجلة والاعيان مثل زرارة ومحمد بن مسلم فالأظهر عند الأكثر حجيتها ، لأن الظاهر أن مثلهما لا يسأل إلا من المعصوم (ع) ، وإلا فلا الخ »(٢) .

وهو ظاهر كلام المحقق الخراساني ، حيث قال عند البحث عن صحيح زرارة في مبحث الاستصحاب : « وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها ، حيث كان مضمرها مثل زرارة ، وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الامامعليه‌السلام »(٣) . وهو الحق.

__________________

١ ـ مقباس الهداية ص ٤٧.

٢ ـ شرح اللمعة ج ١ ص ١٤١ ـ التعليقة.

٣ ـ كفاية الأصول ج ٢ ص ٤٠٠.

٢١٦

تحقيق البحث

فهنا دعويان : إحداهما حجية مضمرات أجلة الرواة وفقهائهم. الثانية عدم حجية مضمرات غيرهم.

أما الأولى فان الراوي لمّا أسند الحكم في حديثه الى غيره بالضمير لم نحتمل فيه استناده الى رأيه وإن قلنا بصحة اجتهاد أولئك الفقهاء في عصر المعصوم (ع) ، فيدور الأمر بين استناده الى المعصوم (ع) بعود الضمير اليه ، وبين استناده الى غيره من أهل الرأي والفتوى. وحيث فرضنا الراوي من الأجلة الذين لا نحتمل فيهم أن يستفتوا غير المعصوم (ع) عن أحكام الدين تعين صدور الحكم عن المعصوم (ع) فكان حجة.

فزرارة ومحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمان ونظائرهم من فقهاء رواة حديث أهل البيت (ع) كانوا مرجع الشيعة في الحكم والفتوى. وقد نوّه الأئمة (ع) بفضلهم ، وأرجعوا الشيعة اليهم ، ورغبوا في أن يفتوا بينهم. فيحصل الوثوق بأنهم لا يستقون الحكم من غير المعصوم (ع).

بل كانوا مرجع غير الشيعة من المسلمين عندما يرتج عليهم باب الحكم فلا يهتدون اليه إلا بمصباح أولئك الفقهاء الذي استمد نوره من أهل بيت الوحي (ع). ولذ لمّا اختصم رجلان الى ابن أبي ليلى في جارية اشتراها أحدهما من الآخر فلم يجد على رَكبَها شعراً فقال : « أيها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شيء تروون عن أبي جعفر (ع) في المرأة لا يكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيباً؟. فقال له محمد بن مسلم : أما هذا نصاً فلا أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه (ع) عن النبي (ص) أنه قال : كل

٢١٧

ما كان في أصل الخلقُ فزاد أو نقص فهو عيب. فقال له ابن أبي ليلى : حسبك. ثم رجع الى القوم فقضى لهم بالعيب »(١) .

وكانوا يناظرون فقهاء العامة وينقضون بعض فتاواهم. فروى عمر بن أذينة قضاء ابن أبي ليلى في واقعة. وقول محمد بن مسلم الثقفي له : « أما إن علي بن أبي طالب (ع) قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال : وما علمك بذلك. قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول : قضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) برد الحبيس ، وإنفاذ المواريث. فقال ابن أبي ليلي : هذا عندك في كتاب. قال : نعم. قال : فأرسل وأئتني به. قال له محمد بن مسلم : على أن لا تنظر في الكتاب إلا في ذلك الحديث. قال : لك ذاك. قال : فأراه الحديث عن أبي جعفر (ع) في الكتاب ، فرد قضيته »(٢) .

ولذا قال الشهيد الثاني عند ترجيح كون الراوي عبد الرحمان بن سيابة في رواية تردد راويها بينه وبين عبد اللّه بن سنان : « ويؤيده كونه سأل ابن أبي ليلى في ذلك ، ومن المستبعد جداً أن عبد اللّه بن سنان الفقيه الجليل الامامي سأل ابن أبي ليلى في ذلك ، بل الموجود في الأخبار أن ابن أبي ليلى كان يسأله ويسأل أصحابه مثل محمد بن مسلم وغيره عن كثير من المسائل »(٣) . وقال الشيخ يوسف البحراني عند ذكر مضمر رواه زرارة والفضيل بن يسار : « وإن كان إضمار مثل هذين العمدتين غير ضائر ، لأنه من المعلوم أنهما وأمثالهما لا يعتمدون على غير الامامعليه‌السلام »(٤) .

__________________

١ ـ الكافي ج ٥ ص ٢١٥ ـ ٢١٦.

٢ ـ الكافي ج ٧ ص ٣٤ ـ ٣٥.

٣ ـ المسالك ج ١ ـ كتاب الوصايا ـ مبحث الوصية المبهمة.

٤ ـ الحدائق ج ٤ ص ٢٢٦.

٢١٨

 بل إن فقاهة أولئك الرواة ، ومعرفتهم بمزايا الأحكام وفن الحديث تمنع من نقلهم كلام غير المعصوم (ع) بأسلوبهم الذي ينقلون به الأحاديث عن المعصومين (ع) حذراً من عروض الالتباس ولو بعد حين. وسبب الاضمار أحد أمور.

ا لأول : وجود القرينة المعيّنة للامام (ع) الذي صدر عنه الحكم عند نقل الراوي ، فاتكل عليها في معرفة مرجع الضمير ، حالية كانت أو مقالية.

الثاني : التقية فلم يجرأ الراوي على التصريح بالامام (ع) خوفاً من ولاة الجور وأذنايهم ، حتى أن الرجل في بعض تلك العصور إذا حدّث عن الامام علي (ع) قال : « عن أبي زينب ». كما سبق(١) .

الثالث : تقطيع الأحاديث عند نقلها عن الأصول وتبويبها في المجاميع الواصلة الينا ، كما أشار اليه الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، فان فقهاء الرواة كانوا يسألون الامام (ع) عن عدة فروع في مجلس واحد أو أكثر ثم يحررون الجميع في أصولهم ، وينقلونه الى غيرهم ، فيصرحون في صدر الكلام بالامام المسؤول ويعطفون عليه مضمرين ، كما في أسئلة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع). ولما بوّب مشايخنا الأحاديث قطّعوها ، وذكروا كل قطعة في بابها فعرض الاضمار.

و أما الدعوى الثانية ، وهي عدم حجية مضمرات باقي الرواة فمن أجل توقف الحجية على إحراز استناد الحكم الى المعصوم (ع) ولو تعبداً بنقل الثقة عنه ، وهذا لم يثبت هنا ، إذ كما يحتمل استناده اليه (ع) يحتمل استناده الى بعض فقهاء الامامية الذين أمرهم الامام (ع) بالافتاء بين الناس ، لتعذر الوصول اليه غالباً ، وأمر الشيعة بالرجوع اليهم وأخذ الحكم منهم ، ولذا نقل عنهم

____________

١ ـ أنظر ص ١٣١ ، وما بعدها.

٢١٩

 كثير من التفاوى في كتب الفقه. كما يحتمل استناده الى بعض فقهاء العامة حيث كانوا قضاة حكّام الدولتين الأموية والعباسية ، فيرجع بعض الشيعة اليهم في الحكم أحياناً لاضطرار أو جهل ، واليك بعض الشواهد على ذلك.

فروى عبد الرحمان بن سيابة فقال : « إن امرأة أوصت اليَّ ، وقالت : ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلانة. فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى ، فقال : ما أرى لها شيئاً ، ما أدري ما الجزء؟. فسألت بعد ذلك أبا عبد اللّه (ع) عنه فقال (ع) : كذب ابن أبي ليلى : لها عشر الثلث ، إن اللّه عز وجل أمر ابراهيم (ع) فقال : اجعل على كل جبل منهن جزءاً(١) . وكانت الجبال يومئذٍ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشيء »(٢) .

و روى أبو ولاد الحنّاط قائلاً : « اكتريت بغلاً الى قصر ابن هبيرة فتوجهت نحو النيل فأخبرت صاحب البغل بعذري ، وأردت أن أتحلل منه فتراضينا بأبي حنيفة ، فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل فقال ما أرى لك حقاً فخرجنا من عنده ، وجعل صاحب البغل يسترجع ، فرحمته مما أفتى به أبو حنيفة فأعطيته شيئاً الخ »(٣) .

وروى خالد بن بكير الطويل فقال : « دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة أبي الى ابن أبي ليلى فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقلال لي ابن أبي ليلى : إن كان أبوك الخ »(٤) .

____________

١ ـ البقرة / ٢٦٠.

٢ ـ الوسائل ح ٢ ب‍‌ ٥٤ ـ الوصايا.

٣ ـ الكافي ج ٥ ص ٢٩٠ ـ التهذيب ج ٧ ص ٢١٥.

٤ ـ الوسائل ح ٢ ب‍‌ ٩٢ ـ الوصايا.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263