مرآة العقول الجزء ١

مرآة العقول11%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 358

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 358 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39782 / تحميل: 5947
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن حسين الصيقل قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا يقبل الله عملا إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ألا إنّ الإيمان بعضه من بعض.

٣ - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال عمن رواه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

________________________________________________________

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : إلا بمعرفة: أي معرفة أصول العقائد، فلا يقبل أعمال المشركين والمخالفين، ومن لا يؤمن بالمعاد والمجسمة والمجبرة وأشباههم أو الأعم منها ومن معرفة طريق العمل، وكيفيته وشرائطه بالاجتهاد أو التقليد، وقولهعليه‌السلام : ولا معرفة إمّا معطوف على عملا و « لا » مؤكدة للنفي أو معطوف على قوله: لا يقبل الله و « لا » لنفي الجنس.

قولهعليه‌السلام فمن عرف: أي أصول الدين بالعلم اليقيني، دلته أي حثته على العمل ورغبته فيه أو فروعه، فتدله على كيفية العمل أو الأعم منهما، ومن لم يعمل فلا معرفة له بالأصول، لأنّ العلم اليقيني يبعثه لا محالة على العمل كما عرفت، أو كمال اليقين إنما يكون بالعمل كما ورد: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، بل يذهب عنه العلم الحاصل مع ترك العمل كما سيأتي.

قولهعليه‌السلام إنّ الإيمان إمّا أن يراد بالإيمان نفس المعرفة، أي كلّ مرتبة من مراتب الإيمان في القوة والكمال يحصل من مرتبة أخرى منه سابقه لأجل العمل بها، أو مجموع العلم والمعرفة والعمل والطاعة كما هو المستفاد من أكثر الأخبار فالمراد أن كلا من جزئية العلمي والعملي يحصل من الآخر ولعله أظهر.

الحديث الثالث مرسل.

قولهعليه‌السلام كان ما يفسد: قيل أي كان الفساد في عمله الّذي لم يكن من علم أكثر من الصلاح فيه، وكلما كان كذلك كان قبيحا غير مطلوب للحكيم.

١٤١

باب استعمال العلم

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي قال سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يحدث، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في كلام له العلماء رجلاًن رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل أمّا اتباع الهوى فيصد عن الحقّ وطول الأمل ينسي الآخرة.

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم و

________________________________________________________

باب استعمال العلم

الحديث الأول ضعيف على المشهور، معتبر عندي.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : مقرون إلى العمل: أي قرن العلم مع العمل في كتاب الله كقوله تعالى( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) وعلق المغفرة والنجاة عليهما، فمن علم عمل، ومن عمل علم، أمر في صورة الخبر أي يجب أن يكون العلم مع العمل بعده، والعمل مع العلم، وقوله: والعلم يهتف، بالعمل أي يصيح ويدعو صاحبه بالعمل على طبقه، فإن أجابه وعمل استقر فيه، وتمكن، وإلا ارتحل عنه بدخول الشك والشبهة عليه أو بنسيانه، ويحتمل أن يكون المراد بمقرونية العلم مع العمل عدم افتراق الكامل من العلم عن العمل بحسب مراتب كما له وعدم افتراق بقاء العلم واستكماله عن العمل على وفق العلم، فقوله: فمن علم. أي علما كاملا باقياً عمل، ومن عمل علم

١٤٢

العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه.

٣ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن علي بن محمّد القاساني عمن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا.

٤ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه قال جاء رجل إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فسأله عن مسائل فأجاب ثمّ عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسينعليه‌السلام مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به

________________________________________________________

أي أبقى علمه واستكمله، تفصيل لما أجمل قبله، وقوله: والعلم يهتف، أي مطلقاً فإن أجابه وعمل قوي واستقر وتمكن في قلبه وإلا ضعف وزال عن قلبه، ذكرهما بعض الأفاضل والأخير أظهر.

الحديث الثالث ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام عن الصفا، هو مقصوراً جمع الصفاة وهي الحجر الصلد الّذي لا ينبت، شبه العلم والموعظة بماء المطر وعدم تأثيره وثباته في القلوب بعدم استقرار المطر في الحجر الأملس، ولعله محمول على عدم التأثير التام غالباً لئلا ينافي ما مر من شدة حسرة من دعا إلى خير ولم يعمل به، أو على ما عرف السامع من حاله عدم العمل به، والسابق على عدمه، ويمكن حمل السابق على ما إذا كان عاملا وقت الدعوة فترك بعده والأول أظهر.

الحديث الرابع ضعيف.

قولهعليه‌السلام ولما تعلموا: الواو للحال، أي إذا كان من شأن علمكم وعرفتم ذلك من أنفسكم بترك العمل بما علمتم، فالأصلح لكم ترك طلب العلم، فإن ترك العمل مع العلم جحود بما عرفه وكفر به، والجاهل لا يلزمه الإنكار ولا يكون منه الجحود، كذا قيل، ولعلهعليه‌السلام إنما قال ذلك للمخالفين الّذين كانوا في زمانهعليه‌السلام ، وكانوا

١٤٣

لم يزدد صاحبه إلا كفراً ولم يزدد من الله إلا بعدا.

٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له بم يعرف الناجي قال من كان فعله لقوله موافقاً فأثبت له الشهادة ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مستودع.

٦ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في كلام له خطب به على المنبر أيها الناس إذا علمتم فاعملوا

________________________________________________________

لا ينفعهم العلم ولا العمل لكفرهم وضلالهم، وأول العلوم الّتي كانت حصلت لهم العلم بأحقية أهل البيتعليه‌السلام للخلافة ولم يعملوا به، ويحتمل أن يكون الغرض الحث على العمل والإخلاص في طلب العلم لا ترك التعلم، فإنه واجب، والعمل واجب آخر مكمل للأول، والله يعمل.

الحديث الخامس ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام فأبث له الشهادة: في بعض النسخ هكذا بالباء الموحدة والثاء المثلثة من البث بمعنى النشر، ويمكن أن يقرأ بصيغة المضارع المعلوم وبصيغة الأمر وبصيغة الماضي المعلوم، وفي بعضها بالموحدة أولا ثمّ المثناة من البت بمعنى القطع، وفي بعضها فأثبت بالمثلثة ثمّ الموحدة ثمّ المثناة من الإثبات، ويحتمل الوجوه الثلاثة أيضاً كسابقه، وفي بعضها فإنما بث له الشهادة، وسيأتي هذا الحديث في باب المستودع والمعار، وفيه فأتت له الشهادة بالنجاة، وهو أظهر.

قولهعليه‌السلام فإنما ذلك مستودع: أي إيمانه غير مستقر وثابت في قلبه، بل يزول بأدنى شبهة، فهو كالوديعة عنده يؤخذ عنه، أو أنه مع عدم العمل بالعلم يحكم بإيمانه ظاهراً بمقتضى إقراره، لكن لا ينفعه في الآخرة كثيراً لأنّه كالمنافق، فكأنه سلب عنه في الآخرة لزوال حكمه عنه.

الحديث السادس مرفوع.

١٤٤

بما علمتم لعلكم تهتدون إنّ العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الّذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما حائر بائر لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا ولا تدهنوا في الحق

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : العامل بغيره: أي بغير العلم أو بغير ما علم وجوب العمل به من الأعمال، والباء صلة والحائر هو الّذي لا يهتدي لجهة أمره، والاستفاقة الرجوع إلى ما شغل عنه وشاع استعماله في الرجوع عن السقم إلى الصحة، ومنه استفاقة المريض والمجنون والمغمى عليه، وفيه إشعار بأن الجهل كالجنون والسكر والمرض.

قولهعليه‌السلام والحسرة أدوم: مبتدأ وخبر ويحتمل أن يكون عطفا على قوله الحجة عليه أعظم، ويكون قوله هذا العالم بدلا من قوله عليه، والضمير في منها راجعاً إلى الحجة والحسرة جميعاً باعتبار كلّ واحدة منهما، والأول أولى، والبائر الهالك.

قولهعليه‌السلام لا ترتابوا: أي لا تمكنوا الريب والشك من قلوبكم، بل ادفعوه عن أنفسكم لكيلا تعتادوا به وتصيروا من أهل الشك والوسواس، فتكونوا من الكافرين، والحاصل النهي عن التفكّر في الشكوك والشبهات فإنها توهن اليقين وينتهي إلى حد الشك، قال بعض الأفاضل: الريب مصدر رابني الشيء إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة فلق النفس واضطرابها، والارتياب الوصول إلى الريبة والوقوع فيها، وليس الريب في هذا الحديث مستعملا في الشك أو التهمة أو غيرهما من لوازم معناه الأصلي أو ملزوماته الّتي شاع استعماله فيها، والمراد لا توقعوا أنفسكم في القلق والاضطراب بالتوغل في الشبهات، أو بمعارضة العلم في مقتضاه من العمل فينتهي أمركم إلى أن تشكوا في المعلوم، والمتيقن لكم، وقوله: لا تشكوا أي لا توقعوا أنفسكم في الشك واحذروا من طريانه على العلم فيوصلكم إلى الكفر وينتهي إلى الشك فيما يكون الشك فيه كفرا.

قولهعليه‌السلام ولا ترخصوا لأنفسكم: أي لا تسهلوا لأنفسكم أمر الإطاعة والعصيان

١٤٥

فتخسروا وإن من الحقّ أن تفقهوا ومن الفقه أن لا تغتروا وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه ومن يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعص الله يخب ويندم.

٧ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عمن ذكره، عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إذا سمعتم العلم فاستعملوه ولتتسع قلوبكم فإن العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر

________________________________________________________

ولا تخففوا عليها من الحقوق، فتقعوا في المداهنة في أمر الدين والمساهلة في باب الحقّ واليقين، فتكونوا من الخاسرين، أو لا ترخصوا لأنفسكم في ارتكاب المكروهات وترك المسنونات، والتوسع في المباحات فإنها طرق إلى المحرمات، ويؤيده بعض الروايات وهذا في باب العمل كما أن سابقه كان في باب العلم.

قولهعليه‌السلام وإن من الحقّ أن تفقهوا: أي من حقوق الله الواجبة عليكم أن تتفقهوا والتفقه تحصيل المعرفة بجميع ما هو معدود من العلوم الشرعية، أصولها وفروعها.

قولهعليه‌السلام أن لا تغتروا: أي بعلمكم وعملكم أو تنخدعوا من النفس والشيطان والنصيحة إرادة الخير للمنصوح له، والغش إظهار خلاف ما أضمر، والاسم منه الغش بالكسر كما ذكره في مصباح اللغة، والخيبة: الحرمان والخسران، وفي بعض النسخ بالجيم من الوجوب بمعنى السقوط أو من الوجيب بمعنى الخوف، والحاصل أن من يطع الله يأمن من العقوبات، ويستبشر بالمثوبات، ومن يعص الله يخب من الدرجات العلى ويندم على تفويت الفريضة وتضييع العمر.

الحديث السابع: ضعيف.

قولهعليه‌السلام إذا سمعتم العلم: المراد بالعلم المذعن به لا نفس التصديق، والمقصود أنه بعد حصول العلم ينبغي الاشتغال بأعماله والعمل على وفقه عن طلب علم آخر، وقولهعليه‌السلام : ولتتسع قلوبكم، أي يجب أن يكون طلبكم للعلم بقدر تتسعه قلوبكم، ولا تستكثروا منه، ولا تطلبوا ما لا تقدرون على الوصول إلى كنهه، فإنه حينئذ يستولي

١٤٦

الشيطان عليه فإذا خاصمكم الشيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون فـ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) فقلت وما الّذي نعرفه قال خاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله عز وجل.

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن

________________________________________________________

الشيطان عليكم ويوقعكم في الشبهات، وقيل: يعني ينبغي أن يكون اهتمامكم بالعمل لا بكثرة السماع والحفظ إلى حد يضيق قلوبكم عن احتماله، وذلك إنما يكون بترك العمل، لأنّ العالم إذا عمل بعلمه لا يضيق قلبه عن احتمال العلم، وقولهعليه‌السلام فإذا خاصمكم، تنبيه على دفع ما يتوهم من أن القناعة من العلم بما يسعه القلب يؤدي إلى العجز عن مخاصمة الشيطان بأن الإقبال على الشيطان بما تعرفون من العقائد المعتبرة في أصل الإيمان يكفي في رفعه، فإن كيد الشيطان كان ضعيفا، والمراد بقوله: خاصموا(١) بما ظهر لكم من قدرة الله عز وجل: خاصموه بآثار قدرته الظاهرة في الرسول أو على يده الدالة على رسالته وبآثار قدرته الظاهرة في الوصي من فطانته وعلمه وصلاحه بعد تنصيص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عينه أو صفاته وبما ظهر من قدرته تعالى في كلّ شيء، فإنه يدل على قدرته علي إنشاء النشأة الآخرة وأثابه المطيع وتعذيب العاصي، فإن بهذه المعرفة تنبعث النفس على فعل الطاعات وترك السيئات ثمّ كلما ازداد عملا وسيعاً ازداد بصيرة ويقينا.

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

أقول: أراد بالمستأكل بعلمه من يجعل العلم(٢) وسيلة لتحصيل الدنيا، والأكل هنا أعم من الأكل بالمعنى اللغوي وهذا مجاز شائع.

الحديث الأول: ضعيف على المشهور، معتمد عندي.

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المتن « خاصموه »، والأمر سهل.

(٢) في نسخة: علمه.

١٤٧

قيس قال سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهومان لا يشبعان طالب دنيا وطالب علم فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب أو يراجع ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ومن أراد به الدنيا فهي حظه.

٢ - الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أراد الحديث لمنفعة

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام منهومان: النهمة بالفتح إفراط الشهوة وبلوغ الهمة في الشيء وقد نهم بكذا فهو منهوم أي مولع به حريص عليه، وقيل: ليس في الحديث دلالة على أن الحرص في تحصيل العلم والإكثار منه مذموم، وأن المراد به غير علم الآخرة كما ظن، بل المراد من صدره أن من خاصية الدنيا والعلم أن من ذاق طعمهما لا يشبع منهما، ثمّ بين الممدوح من ذلك والمذموم منه، وذكر أن من اقتصر على الحلال من الدنيا فهو ناج أكثر منه أو أقل، ومن تناولها من غير حلها فهو هالك أكثر منها أو أقل، وكذلك من أخذ العلم من أهله وعمل به فهو ناج أكثر من تحصيله أو أقل، ومن أراد به الدنيا فليس له في الآخرة نصيب أكثر منه أو أقل، وقيل: المراد بطالب العلم من يكون شهوته في طلب العلم لحصول العلم له، فلذا ذم حرصه، والأول أظهر.

قولهعليه‌السلام أو يراجع: في بعض نسخ الحديث ويراجع، فالمعنى إلا أن يتوب إلى الله ويراجع الناس فيؤدي الحقوق إلى أهلها وهنا أيضاً يحتمل أن تكون أو بمعنى الواو وربما يقال الترديد من الراوي، ويحتمل تخصيص التوبة بما إذا لم يقدر على رد المال الحرام إلى صاحبه، والمراجعة بما إذا قدر عليه، وقرأ هنا يراجع على بناء المجهول أي يراجعه الله بفضله أو على بناء الفاعل أي يراجع الله ذلك المتناول من غير الحل في الجملة، كثيراً بالطاعات وترك أكثر الكبائر من المعاصي، فيرجع الله عليه بفضله واستحقاقه له بمراجعته إلى الله والأول أظهر.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور لكنه معتبر.

١٤٨

الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة.

٣ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.

٤ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا رأيتم العالم محباً لدنياه فاتهموه على دينكم فإن كلّ محب لشيء يحوط ما أحب وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أوحى الله إلى داودعليه‌السلام لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم.

٥ - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله

________________________________________________________

الحديث الثالث ضعيف.

الحديث الرابع ضعيف.

قولهعليه‌السلام يحوط ما أحب: أي يحفظ ويتعهد من هذا الشيء ومن مقابله ما أحب، ومحبة المقابل للشيء المنافي له لا يجامع حبّ ذلك الشيء فمن أحب الدنيا لم يحب الآخرة.

قولهعليه‌السلام لا تجعل بيني وبينك: أي لا تجعل المفتون بالدنيا المعجب بها وسيلة بيني وبينك إلى حصول معرفتي ومعرفة ديني وشريعتي، فيمنعك عن طريق محبتي أي عن الطريق إلى حصول معرفتي ومعرفة ديني وشريعتي، فيمنعك عن طريق محبتي أي عن الطريق إلى ما أحبه أو يمنعك عن الوصول إلى درجة محبتي لك أو محبتك لي.

الحديث الخامس ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام أمناء الرسل: لأنهم مستودعو علومهم، وقد أمروا بأخذ علومهم

١٤٩

وما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.

٦ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله عمن حدثه، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من طلب العلم ليباهي به

________________________________________________________

منهم، واتباع السلطان يشمل قبول(١) الولاية منهم على القضاء ونحوه، والخلطة بهم والمعاشرة معهم اختياراً والرضا بها.

قولهعليه‌السلام فاتهموه على دينكم، أي لا تعتمدوا على فتاويهم وقضاياهم في الدين ولا تسألوهم عن شيء من المسائل.

الحديث السادس مرسل.

قولهعليه‌السلام ليباهي: المباهاة والمماراة: المجادلة، والمراد أن من طلب العلم لتحصيل الرئاسة ومن وجوهها الّتي يناسب طلب العلم المفاخرة وادعاء الغلبة به وذلك مع العلماء لا يصل إلى النزاع والجدال، حيث لا يمارون لعلمهم بقبحه ومع الجهال المتلبسين بلباسهم يورث النزاع والجدال، ومنها صرف وجوه الناس إليه من العالم الرباني فتحصل له الرئاسة(٢) .

قولهعليه‌السلام فليتبوأ مقعده من النار: أي يتخذها منزلاً والأمر للتهكم قال الجزري معناه لينزل منزله في النار، يقال: بوأه الله منزلاً أسكنه إياه وتبوأت منزلا: اتخذته، وقولهعليه‌السلام : إنّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها دليل لما قبله، وأهل الرئاسة من أوجب الله على عباده المراجعة إليهم، والأخذ عنهم والتسليم لهم من أئمّة الحقّ صلوات الله عليهم.

وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول: رحم الله عبداً أحيى أمرنا، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمه الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا، قال: فقلت له: يا بن رسول الله فقد روي لنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

__________________

(١) في نسخة: قبوله الولاية.

(٢) وفي نسخة: لتحصل به الرياسة.

١٥٠

العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار إنّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها.

باب

لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه

١ - علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يا حفص يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد

________________________________________________________

أنه قال: من تعلم علما يماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار! فقالعليه‌السلام : صدق جدي أفتدري من السفهاء؟ فقلت: لا يا بن رسول الله قال: هم قصاص مخالفينا، وتدري من العلماء؟ فقلت: لا يا بن رسول الله، قال: هم آل محمد، الّذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودتهم، ثمّ قال: وتدري ما معنى قوله أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟ قلت: لا، قال: يعني بذلك والله ادعاء الإمامة بغير حقها، ومن فعل ذلك فهو في النار.

وبإسناده عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من استأكل بعلمه افتقر، فقلت له: جعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوماً يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم ولا يعدمون على ذلك منهم البر والصلة والإكرام فقالعليه‌السلام : ليس أولئك المستأكلين إنما المستأكل بعلمه الّذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عز وجل ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا.

أقول: يمكن حمل الخبرين على بيان الفرد الكامل منها لكن لا ضرورة تدعو إليه.

باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه

الحديث الأول ضعيف.

ولعل للعالم ههنا بحسب ما يعلمه من المسائل كما أو كيفا كاليقيني والظني والاجتهادي والتقليدي مراتب لا يتناهى، وكذا الجاهل يقابله بحسب تلك المراتب،

١٥١

٢ - وبهذا الإسناد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال عيسى ابن مريم على نبينا وآله وعليه‌السلام ويل للعلماء السوء كيف تلظى عليهم النار.

٣ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا بلغت النفس هاهنا وأشار بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة.

________________________________________________________

فلكل عالم شدة تكليف بالنسبة إلى الجاهل الّذي يقابله.

الحديث الثاني ضعيف.

قولهعليه‌السلام للعلماء السوء: قال الجوهري: ساءه يسوؤه سوءا بالفتح نقيض سره والاسم السوء بالضم، وتقول: هذا رجل سوء بالإضافة، ثمّ تدخل عليه الألف واللام، فتقول: هذا رجل السوء قال الأخفش: ولا يقال: الرجل السوء، ولا هذا رجل السوء بالضم « انتهى » والظاهر أن السوء هنا بالفتح مجروراً بالإضافة كالضارب الرجل، وليس السوء في مثل هذا الموضع صفة بل مضاف إليه، لكن الإضافة ههنا في معنى التوصيف، أي المضاف موصوف بما أضيف إليه والمشتق منه محمول على المضاف، وقوله: كيف تلظى أي تتلهب وتشتعل.

الحديث الثالث: حسن كالصحيح.

قولهعليه‌السلام : إذا بلغت النفس قيل: المراد بالنفس الروح الحيواني فإنه قد يطلق عليه كما يطلق على النفس الناطقة، وقيل: المراد ببلوغ النفس إلى الحلق قطع تعلّقها عن الأعضاء، والانتهاء في قطع التعلّق إلى الحلق والرأس، وهو في آخر ساعة من الحياة الدنيوية، قال بعض المفسرين: من لطف الله بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين، ثمّ يصعد شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى الصدر، ثمّ ينتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على الله تعالى والوصية والتوبة، ما لم يعاين، والاستحلال من أرباب الحقوق وذكر الله سبحانه، فيخرج روحه وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته رزقنا الله ذلك بمنه وفضله.

قولهعليه‌السلام لم يكن للعالم: أي العالم بأمور الآخرة فيكون المراد بعد ظهور

١٥٢

ثم قرأ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) (١) .

٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن

________________________________________________________

أحوال الآخرة، لأنّه حينئذ عالم بعلم العيان لا ينفعه التوبة، ويحتمل أن يكون المراد قبل ظهور أحوال الآخرة، وبالعالم العالم مطلقاً لا بهذا الأمر المخصوص، ويكون المراد أن الجاهل تقبل توبته في هذه الساعة بخلاف العالم، فإنه لا بد له من تدارك لما فاته في الجملة، وهو خلاف المشهور إلا أن تحمل على التوبة الكاملة.

قولهعليه‌السلام « إنما التوبة » أي قبول التوبة الّذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده، والتوبة هي الرجوع والإنابة، إذا نسبت إلى الله سبحانه تعدت بعلى، وإذا نسبت إلى العبد تعدت بإلى، ومعنى التوبة من العبد رجوعه إلى الله بالطاعة والانقياد بعد عصيانه، والتوبة من الله رجوعه بالعطف على عبده بإلهامه التوبة أولا ثمّ قبوله إياها منه آخراً، فلله توبتان وللعبد واحدة بينهما، قال الله تعالى( ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ) (٢) فالتوبة في قوله سبحانه( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ ) من تاب عليه إذا قبل توبته، إلا أن « على » هذه ليست هي « على » في قولهم: تاب عليه، وقوله تعالى( بِجَهالَةٍ ) أي متلبسين بها، قيل: المراد بالجهالة هنا هي السفاهة الّتي تلزم المعصية ولذا قيل: من عصى الله فهو جاهل، وأمّا قوله سبحانه( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) فيعني به من قبل أن يشرب في قلوبهم حبه فيتعذر عليهم الرجوع، وأمّا الحصر المدلول بلفظة « إنما » فلا ينافي قبولها ممّن أخرها إلى قبيل المعاينة كما ورد في الأخبار لأنّ وجوب القبول غير التفضل به كذا قيل، ويحتمل أن يكون المراد بقوله( مِنْ قَرِيبٍ ) قبل حضور الموت كما يومئ إليه آخر الرواية.

الحديث الرابع ضعيف.

__________________

(١) سورة النساء: ١٧.

(٢) سورة التوبة: ١١٨.

١٥٣

النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل -( فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ) (١) قال هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره.

باب النوادر

١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري رفعه قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول روحوا أنفسكم ببديع الحكمة فإنها

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام فكبكبوا: يقال كبه على وجهه أي صرعه فأكب، والكبكبة: تكرير الكب، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى، وقولهعليه‌السلام : هم قوم، تفسير لضمير « هم » أو للغاوون، والأول أظهر، وذكر أكثر المفسرين أن ضمير « هم » راجع إلى الآلهة، ولا يخفى أن ما ذكرهعليه‌السلام أنسب لفظا ومعنى، والعدل كلّ أمر حق يوافق العدل والحكمة من العقائد الحقة والعبادات والأخلاق الحسنة.

باب النوادر

أي أخبار متفرقة مناسبة للأبواب السابقة ولا يمكن إدخالها فيها، ولا عقد باب لها لأنها لا يجمعها باب، ولا يمكن عقد باب لكل منها.

الحديث الأول مرفوع.

قولهعليه‌السلام روحوا: من الروح بمعنى الراحة أو بمعنى نسيم الريح ورائحتها الطيبة، والأول أظهر أي صيروا أنفسكم في راحة طيبة ببديع الحكمة، أي ما يكون مبتدعاً غير متكرر من الحكمة بالنسبة إلى أنفسكم فإن النفوس تكل وتعيا بالمتكرر من المعرفة، وتكرار تذكرها، كما تكل الأبدان بالمتكرر من الفعل، ويحتمل أن يكون المراد ببديع الحكمة نفائسها وجلائلها، وبكلال النفوس ما يحصل

__________________

(١) سورة الشعراء: ٩٤.

١٥٤

تكل كما تكل الأبدان.

٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان، عن درست بن أبي منصور، عن عروة ابن أخي شعيب العقرقوفي، عن شعيب، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول يا طالب العلم إنّ العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع وعينه

________________________________________________________

لها من الفتور عن الطاعات وعدم الرغبة إلى الحقّ بسبب الاشتغال بالشهوات، أو الكسل الّذي يحصل لها بكثرة الطاعات، فإن نفائس الحكمة ينبه النفس وينشطها بل يحييها بعد موتها كما هو المجرب.

الحديث الثاني ضعيف.

قولهعليه‌السلام إنّ العلم ذو فضائل كثيرة: أقول: لما أرادعليه‌السلام التنبيه على فضائل العلم شبهه بشخص كامل روحاني له أعضاء وقوي كلها روحانية بعضها ظاهرة وبعضها باطنة، فالظاهرة كالرأس والعين والأذن واللسان واليد والرجل، والباطنة كالحفظ والقلب والعقل والهمة والحكمة، وله مستقر روحاني ومركب وسلاح وسيف وقوس وجيش ومال وذخيرة وزاد ومأوى ودليل ورفيق كلها معنوية روحانية ثمّ إنهعليه‌السلام بين انطباق هذا الشخص الروحاني بجميع أجزائه على هذا الهيكل الجسماني إكمالا للتشبيه، وإيماء إلى أن العلم إذا استقر في قلب إنسان يملك جميع جوارحه، ويظهر آثاره من كلّ منها، فرأس العلم وهو التواضع يملك هذا الرأس الجسداني ويخرج منه التكبر والنخوة الّتي هو مسكنها، ويستعمله فيما يقتضيه التواضع من الانكسار والتخشع وكما أن الرأس البدني بانتفائه ينتفي حياة البدن فكذا بانتفاء التواضع عند الخالق والخلائق تنتفي حياة العلم فهو كجسد بلا روح لا يصير مصدراً لأثر وهاتان الجهتان ملحوظتان في جميع الفقرات، وذكره يوجب الإطناب وما ذكرناه كاف لأولي الألباب.

قولهعليه‌السلام وعينه البراءة من الحسد: لأنّ العالم إذا حسد يخفى علمه عن

١٥٥

البراءة من الحسد وأذنه الفهم ولسانه الصدق وحفظه الفحص وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور ويده الرحمة ورجله زيارة العلماء وهمته السلامة

________________________________________________________

غيره، وذلك يوجب عدم تذكره ونقص علمه، وكذا يوجب عدم استعلامه ما لا يعلمه عمن يعلمه لأنّه يبغضه بحسده ولا يريد أن يعلم الناس أنه قابل للتعليم، فالحاسد علمه أعمى، ولما كان الحسد بالعين نسب إليها، « وأذنه الفهم » أي فهم المراد والمقصود، لأنّ الذهن إذا لم يفهم المعنى المقصود كان كالذي يخاطب بما لا يسمع، وأيضا الأذن آلة للفهم فناسبه « ولسانه الصدق » لأنّه إذا لم يكن مع العلم الصدق كان كالأبكم، إذ كما أن الأبكم لا ينتفع الناس بمنطقة فكذا العالم الكاذب لا ينتفع الناس بإفاداته، لعدم اعتمادهم عليه « وحفظه الفحص » هو البحث والكشف عن الشيء والعلم بدون الفحص كالذي لا حفظ له فيغفل عن كثير وينسى كثيرا.

« وقلبه حسن النية » وهو أن لا يكون له مقصود في طلب العلم وبذله إلا رضى الرب سبحانه، حتّى يترتب عليه الحياة الأبدية، فالعلم العاري عن ذلك كمن لا قلب له فلا حياة له، والمناسبة ظاهرة، و « عقله » أي ما هو فيه بمنزلة النفس للبدن، أو بمنزلة القوة المميزة بين الحسن والقبيح، والمراد بمعرفة الأشياء والأمور إمّا معرفة جميع الأمور الّتي لا بد من معرفتها أو معرفة الدنيا وفنائها، وما يوجب الزهد فيها والإعراض عنها والتوجه إلى جناب الحقّ تعالى ومعرفة من يجب متابعته، ويجوز أخذ العلم عنه، فإن معرفة هذه الأشياء يوجب حصول العلم الكامل، وتحصيله من معدنه وإفاضة العلوم الربانية عليه، فهي بالنسبة إلى مجموع العلم كالنفس أو كالقوة المميزة في أن العلم لا يحصل إلا بها، ولها تعلّق تام بالقلب المتقدم ذكره، ويمكن حمله على معرفة مبادئ العلوم الحقة وما يتوقف تحصيلها عليه، والأوسط أظهر.

« ويده الرحمة » أي الرحمة على المحتاجين إليه من العلم أو الأعم منه ومن غيره، والعلم مع عدمها كالذي لا يدله، وكذا زيارة العلماء كالرجل له، إذ لولاها لما انتقل

١٥٦

وحكمته الورع ومستقره النجاة وقائده العافية ومركبه الوفاء وسلاحه لين الكلمة وسيفه الرضا وقوسه المداراة وجيشه محاورة العلماء وماله الأدب

________________________________________________________

العلم من أحد إلى آخر، والمراد بالسلامة إمّا سلامته من المعاصي أو سلامة الناس من شره.

قولهعليه‌السلام : وحكمته، أي ما به اختياره للصدق والصواب، والورع اجتناب المحرمات والشبهات، أي ما به يختار الصدق والصواب، وهو التحرز عن ارتكاب ما لا يليق من القول والاعتقاد والفعل والنية ويمكن أن يراد بالحكمة ما تقتضيه حكمته، وربما يقرأ بفتح الحاء والكاف، وهو المحيط من اللجام بحنك الدابة، أي المانع لمركبه من الخروج عن طريقه والتوجه إلى خلاف مقصده « ومستقره » أي محل استقراره ومسكنه الّذي إذا وصل إليه سكن، واستقر فيه النجاة والتخلص عن الشكوك والشبهات، فإن العلم والعالم لا يستقران ولا يطمئنان إلا إذا وصلا إلى حد اليقين، أو لا يترك الحركة والسعي في تحصيل النجاة إلا مع حصولها بعد الموت، فما دام في الدنيا لا يفتر عن السعي، لتحصيل النجاة الأخروية، ويحتمل أن يكون المستقر مصدراً ميميّاً أي استقراره في قلب العالم يوجب النجاة عن الجهل والعقوبات والحمل على المبالغة.

« وقائده » أي ما يقوده ويجره نحو مستقره الّذي هو النجاة: العافية من الآفات والعاهات والأمراض النفسانية « وسيفه الرضا » أي الرضا بالقضاء، أو بما وقع من العدو بالنسبة إليه، وعدم التعرض لدفعه، ولعلهعليه‌السلام إنما شبه الرضا بالسيف والمداراة بالقوس لأنّ بالسيف يدفع العدو القريب، وبالقوس يدفع العدو البعيد، والرضا والصبر يدفعان المضرة العاجلة، والمداراة وحسن الخلق يدفعان المضرات المتوقعة، ومحاورة العلماء: مكالمتهم ومجاوبتهم، فإنها تقوية وتعينه كتقوية الأعوان والأنصار، والمراد بالمال البضاعة الّتي يتجر بها، وبالذخيرة ما يحرز لوقت الحاجة، فالأدب كالبضاعة للعلم، واجتناب الذنوب كالذخيرة له لتقوي العلم به

١٥٧

وذخيرته اجتناب الذنوب وزاده المعروف وماؤه الموادعة ودليله الهدى - ورفيقه محبة الأخيار.

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم وزير الإيمان العلم ونعم وزير العلم الحلم ونعم وزير الحلم الرفق ونعم وزير الرفق الصبر.

٤ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام قال جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله ما العلم قال الإنصات قال ثمّ مه قال:

________________________________________________________

يوما فيوماً، وينتفع به عند الحاجة.

« ودليله » أي ما يدله ويرشده إلى الحقّ والنجاة الهدي أي هدى الله تعالى بتوسط الأنبياء والأوصياءعليه‌السلام ، وتوفيقه وتسديده، « ورفيقه » أي ما يؤمن بمرافقته من قطع طريقه إلى النجاة « محبة الأخيار » وفي تحف العقول « صحبة الأخيار » ولعله أنسب.

الحديث الثالث صحيح.

قولهعليه‌السلام نعم وزير الإيمان: الوزير الّذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، ويحمل عنه ما حمله من الأثقال، والمراد بالإيمان التصديق بإلهيته سبحانه ووحدانيته وصفاته الكمالية، وبالرسول وبما جاء به، وبالعلم معرفة المعارف بأدلتها معرفة يوجب مراعاتها اضمحلال الشبه والشكوك وبالحلم الأناة، وأن لا يزعجه هيجان الغضب وهي حالة نفسانية توجب ترك المراء والجدال، وأن لا يستفزه الغضب، والرفق الميل إلى التلطف، وتسهيل الأمر والإعانة، ويحتمل أن يكون المراد بالرفق إعمال الحلم، والعبرة هي العبور العلمي من الأشياء إلى ما يترتب عليها وتنتهي إليه، وتقوية كلّ سابق مما ذكر بلا حقه لا يحتاج إلى البيان.

الحديث الرابع ضعيف على المشهور.

قوله: ما العلم؟ لعل سؤال السائل كان عمّا يوجب العلم أو عن آداب طلبه أو

١٥٨

الاستماع قال ثمّ مه قال الحفظ قال ثمّ مه قال العمل به قال ثمّ مه يا رسول الله قال نشره.

٥ - علي بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم صنف يطلبه للجهل والمراء وصنف يطلبه للاستطالة والختل

________________________________________________________

عما يدل على حصوله، ويحتمل أن يكون غرضه استعلام حقيقته فأجابهعليه‌السلام ببيان ما يوجب حصوله أو يدل على ثبوته، لأنّه الّذي ينفعه، فالحمل على المبالغة، والإنصات السكوت عند الاستماع فإن كثرة المجادلة عند العالم يوجب الحرمان عن علمه.

قوله: ثمّ مه؟ أصلها « ما » قلبت الألف هاء أو حذفت وزيدت الهاء للسكت.

الحديث الخامس مرفوع، وسنده الثاني مجهول، ورواه الصدوق (ره) في الأمالي عن جعفر بن محمّد بن مسرور، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن محمّد بن عبد الجبار عن محمّد بن زياد، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة عن ابن عباس، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام بأدنى تغيير، ورواه أيضاً في الخصال عن محمّد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود عن سعيد بن علاقة عنهعليه‌السلام مثله.

قولهعليه‌السلام بأعيانهم: أي بخواصهم وأفعالهم المخصوصة بهم، أو بالشاهد والحاضر من أفعالهم كما قيل، وقال في القاموس: العين الحاضر من كلّ شيء، فالمراد بصفاتهم ما عداً أفعالهم من صفاتهم المتصفين بها، وقيل: فاعرفهم بأعيانهم أي أقسامهم ومفهومات أصنافهم، وهي ما ذكره بقولهعليه‌السلام : صنف، إلى قوله: والعقل وصفاتهم أي علاماتهم الّتي يعرف بها كلّ صنف من غيره، وهو ما ذكره بقوله: فصاحب الجهل إلى آخره، وقيل: المراد بأعيانهم مناظرهم من هيئاتهم وأوضاعهم كالتسربل بالخشوع والتخلي من الورع، قال في القاموس: العين منظر الرجل، وبصفاتهم علاماتهم من أفعالهم وهو قريب من الأول، وقيل: المعنى أعرفهم بسبب الحاضر من أفعالهم وعلاماتهم و

١٥٩

وصنف يطلبه للفقه والعقل فصاحب الجهل والمراء موذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع فدق الله من

________________________________________________________

يكون الواو في قوله: وصفاتهم بمعنى مع، أي مع صفاتهم وخواصهم الّتي خصهم الله تعالى بها مما فعله بهم من العقاب على الأولين، والإثابة على الثالث على الوجه الّذي ذكرهعليه‌السلام بعد ذكر علامة كلّ واحد من الأصناف الثلاثة، وحينئذ يكون الكلام على سياقة اللف والنشر المرتب أو بالعكس، بأن يكون المراد بأعيانهم خواصهم الّتي خصهم الله تعالى بها من العقاب والثواب، وبصفاتهم علاماتهم، والباء للإلصاق، والواو بمعنى مع أو للعطف، واللف على خلاف ترتيب النشر، والجهل السفاهة وترك الحلم، وقيل: ضد العقل، والمراء المجادلة من غير غرض ديني والاستطالة: العلو والترفع والختل بالمعجمة المفتوحة والمثناة الفوقانية الساكنة: الخداع كما ذكره في النهاية، في شرح هذا الخبر، والفقه: معرفة الأمور الدينية، والمراد بالعقل تعقل الأمور وفهمها، أو المعنى أنه يطلب العلم ليستعمله العقل، ويعمل بمقتضاه أو لتكميل العقل الفطري، والأندية جمع النادي وهو مجتمع القوم ومجلسهم ومتحدثهم ما داموا فيه مجتمعين، فإذا تفرقوا فليس بنادي، وقولهعليه‌السلام : بتذاكر العلم متعلّق بالمقال، أي يصف العلم والحلم، ولا يتصف بهما، أو يصف نفسه بهما مع خلوه عنهما، ويذكر المسائل المشكلة ويتكلم فيها، ليظهر علمه وليس بعالم، ويظهر الحلم أحيانا وليس بحليم، والتسربل تفعلل من السربال وهو القميص أي أظهر الخشوع للتشبه بالخاشعين والتزيي بزيهم مع خلوه عنه لخلوه من الورع اللازم له.

قولهعليه‌السلام فدق الله من هذا: دعاء عليه أو خبر عمّا سيلحقه، وكذا نظائره وقوله من هذا: أي بسبب كلّ واحدة من تلك الخصال، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الشخص فكلمة « من » تبعيضية، والمراد بدق الخيشوم وهو أعلى الأنف وأقصاه: إذلاله وإبطال أمره، ورفع الانتظام عن أحواله وأفعاله، وبقطع الحيزوم بفتح الحاء المهملة وضم الزاء المعجمة، وهو ما استدار بالظهر والبطن، أو ضلع الفؤاد أو ما اكتنف

١٦٠

هذا خيشومه وقطع منه حيزومه وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره وصاحب الفقه

________________________________________________________

بالحلقوم من جانب الصدر: إفساد ما هو مناط الحياة والتعيش في الدنيا أو في الدارين والخب بالكسر: الخدعة، والخبث والغش، يقال رجل خب وخب بالفتح والكسر أي خداع، والملق بالتحريك: المداهنة والملاينة باللسان والإعطاء باللسان ما ليس في القلب.

قولهعليه‌السلام على مثله: أي من يساويه في العز والمرتبة من أشباهه وهم أهل العلم وطلبته، وقوله: من دونه أي من غيره يعني من غير صنفه وجنسه، أو ممّن هو دونه، ومن هو خسيس بالنسبة إليه وهاتان الفقرتان كالتفسير والبيان لخبه وملقه.

قولهعليه‌السلام فهو لحلوانهم: في بعض النسخ بالنون وهو بضم الحاء المهملة وسكون اللام: أجرة الدلال والكاهن وما أعطي من نحو رشوة، والمراد به ههنا ما يعطيه الأغنياء فكأنه أجرة لما يفعله بالنسبة إليه أو رشوة على ما يتوقع منه بالنسبة إليهم، وفي بعض النسخ لحلوائهم بالهمزة أي لأطعمتهم اللذيذة، والحطم: الكسر المؤدي إلى الفساد، يعني يأكل من مطعوماتهم ويعطيهم من دينه فوق ما يأخذ من مالهم، فلا جرم يحطم دينه ويهدم إيمانه ويقينه.

قولهعليه‌السلام خبره: بضم الخاء أي علمه، أو بالتحريك دعاء عليه بالاستيصال والفناء بحيث لا يبقى له خبر بين الناس، والأثر بالتحريك ما يبقى في الأرض عند المشي وقطع الأثر إمّا دعاء عليه بالزمانة كما ذكره الجزري، أو بالموت فإن أثر المشي من لوازم الحياة، أو المراد به ما يبقى من آثار علمه بين الناس، فلا يذكر به والأوسط أظهر، والكآبة بالتحريك والمد وبالتسكين: سوء الحال والانكسار من شدة الهم

١٦١

والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه يعمل ويخشى وجلا داعياً مشفقاً مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه.

وحدثني به محمّد بن محمود أبو عبد الله القزويني، عن عدة من أصحابنا منهم جعفر بن محمّد الصيقل بقزوين، عن أحمد بن عيسى العلوي، عن عباد بن صهيب البصري

________________________________________________________

والحزن، والمراد بها ههنا الحزن على فوت الفائت، أو عدم حصول ما هو متوقع له من الدرجات العالية، والسعادات الأخروية.

قولهعليه‌السلام قد تحنك في برنسه: وفي الكتابين قد انحنى في برنسه والبرنس بضم الباء وسكون الراء والنون المضمومة: قلنسوة طويلة كان يلبسها النساك والعباد في صدر الإسلام، وعلى نسخة الكتاب يومئ إلى استحباب التحنك للصلاة، والحندس بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة والدال المكسورة: الليل المظلم أو ظلمة الليل، وقوله: في حندسه بدل من الليل، ويحتمل أن يكون « في » بمعنى « مع » ويكون حالا من الليل والضمير راجع إلى الليل، وعلى الأول يحتمل إرجاعه إلى العالم.

قولهعليه‌السلام ويخشى: أي من لا يقبل منه وجلا أي خائفا من سوء عقابه داعياً إلى الله طالباً منه سبحانه التوفيق للهدي والثبات على الإيمان والتقوى، مشفقاً من الانتهاء إلى الضلال أو مشفقاً على الناس، متعطفا عليهم بهدايتهم والدعاء لهم، « مقبلا على شأنه » أي على إصلاح نفسه، وتهذيب باطنه « عارفا بأهل زمانه » فلا ينخدع منه « مستوحشا من أوثق إخوانه » لما يعرفه من أهل زمانه.

قولهعليه‌السلام : فشد الله من هذا أركانه، أي أعضائه وجوارحه أو الأعم منها ومن عقله ودينه وأركان إيمانه، والفرق بين الصنفين الأوّلين إمّا بأن الأول غرضه الجاه والتفوق بالعلم، والثاني غرضه المال والترفع به أو بأن الأول غرضه إظهار الفضل

١٦٢

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن رواة الكتاب كثير وإن رعاته قليل وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية والجهال يحزنهم

________________________________________________________

على العوام، وإقبالهم إليه، والثاني مقصوده قرب السلاطين والظلمة والتسلط على الناس بالمناصب الدنيوية.

الحديث السادس ضعيف.

قولهعليه‌السلام إن رواة الكتاب: يحتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن في الموضعين، فالمعنى أن الحافظين للقرآن بتصحيح ألفاظه وتجويد قراءته وصون حروفه عن اللحن والغلط كثير، ورعاته بتفهمه وتدبّر معانيه واستعلام ما أريد به من أهله، ثمّ استعمال ذلك كله على ما يقتضيه قليل « وكم من مستنصح للحديث » برعاية فهم معانيه، والتدبّر فيه، والعمل بما يقتضيه « مستغش للقرآن » بعدم رعاية موافقة الحديث له، وتطبيقه عليه، ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب ما يشمل الحديث أيضا، فالمراد بمستنصح الحديث من يراعي لفظه وبمستغش الكتاب من لا يتدبّر في الحديث ولا يعمل بمقتضاه، فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر، والأول أظهر يقال: استنصحه أي عده نصيحا خالصاً عن الغش واستغشه أي عده غاشا غير ناصح، فمن عمل بالحديث وترك القرآن فكأنه عد الحديث ناصحه، والقرآن غاشا له.

قولهعليه‌السلام فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية: يعني أن العلماء العاملين يحزنهم ترك رعاية الكتاب والحديث، والتفكّر فيهما والعمل بهما، لما يعلمون في تركهما من سوء العقاب عاجلا وآجلا والجهال يهمهم حفظ روايته ويغمهم عدم قدرتهم عليه، لما يزعمونه كمالا وفوزا، ويمكن تقدير مضاف أي يحزنهم ترك حفظ الرواية، وقيل: المراد حفظ الرواية فقط، أي يصير ذلك سبب حزنهم في الآخرة، ومنهم من

١٦٣

حفظ الرواية فراع يرعى حياته وراع يرعى هلكته فعند ذلك اختلف الراعيان

________________________________________________________

قرأها يخزيهم من الخزي أي يصير هذا العلم سبباً لخزيهم في الدارين، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالعلماء أهل بيت النبوة سلام الله عليهم، ومن يحذو حذوهم ممّن تعلم منهم، ويكون المراد أنهمعليه‌السلام يحزنهم ترك رعاية القرآن من التاركين لها، الحافظين للحروف فإنهم لو رعوه لاهتدوا به، وأقروا بالحق، والجهال وهم الّذين لم ينتفعوا من القرآن بشيء لا رواية ولا دراية ويحزنهم حفظ الرواية من الحافظين لها التاركين للرعاية لما رأوا أنفسهم قاصرين عن رتبة أولئك، ويحسبون أنهم على شيء وأنهم مهتدون، فتغبطهم نفوسهم، ويؤيد هذا المعنى ما يأتي في الروضة من قول أبي جعفرعليه‌السلام في رسالته إلى سعد الخير، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، فإن في قولهعليه‌السلام : يعجبهم هناك بدل يحزنهم هنا، دلالة على ما قلنا، ويحتمل أن يكون المراد بالجهال هناك الحافظين للحروف فإنهم جهال في الحقيقة، ولا يجوز إرادته هيهنا لأنّه لا يلائم الحزن « انتهى » والأظهر أن المراد بالعلماء الّذين يستحقون هذا الاسم على الحقيقة، وهم الّذين يتعلمون لوجه الله تعالى ويعملون به، وبالجهال الّذين يطلبون العلم للأغراض الدنية الدنيوية ولا يعملون به، كما مر بيان حالهم، فالعلماء الربانيون يحزنون إذا فاتهم رعاية الكتاب والعمل به لفوت مقصودهم، وغيرهم من علماء السوء لا يحزنون بترك الرعاية، إذ مقصودهم حفظ الرواية فقط، وقد تيسر لهم، لكن ذلك يصير سبباً لحزنهم في الدنيا لأنّ الله تعالى يذلهم ويسلب عنهم علمهم، ويكلهم إلى أنفسهم، وفي الآخرة للحسرات الّتي تلحقهم لفوت ما هو ثمرة العلم والمقصود منه.

والحاصل أن مطلوب العلماء ما هو تركه يوجب حزنهم ومطلوب الجهال ما هو فعله يورث حزنهم وخزيهم، ولا يبعد أن يكون الترك في قوله ترك الرعاية زيد من النساخ، فتكون الفقرتان على نسق واحد، ويؤيده ما رواه ابن إدريس في كتاب

١٦٤

وتغاير الفريقان.

٧ - الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد الرحمن بن أبي نجران عمن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة عالماً فقيها

________________________________________________________

السرائر مما استطرفه من كتاب أنس العالم للصفواني عن طلحة بن زيد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، فكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب، والعلماء يحزنهم الدراية، والجهال يحزنهم الرواية.

قولهعليه‌السلام فراع يرعى حياته: أي حياة نفسه أبداً ونجاته من المهالك وهو الّذي يراعي الكتاب ويطلب علمه لله ويعمل به، وراع يرعى هلكته بالتحريك أي هلاك نفسه وعقابه الأخروي، وهو الّذي ليس مقصوده إلا حفظ لفظ القرآن والحديث وروايتهما من غير تدبّر في معانيهما، أو عمل بهما، وأمّا قوله: فعند ذلك أي عند النظر إلى قلوبهم وضمائرهم، والاطلاع على نياتهم وسرائرهم كما قيل، أو عند ظهور الحياة والهلاك في الآخرة اختلف الراعيان أي راع الحياة وراعي الهلكة، أو راعي اللفظ وراعي العمل [ به ] وتغاير الفريقان بعد أن كانا متحدين بحسب الظاهر أو في الدنيا ممدوحين عند جهال الناس.

الحديث السابع ضعيف.

قولهعليه‌السلام أربعين حديثا: هذا المضمون مشهور مستفيض بين الخاصة والعامة بل قيل: إنه متواتر، واختلف فيما أريد بالحفظ، فقيل: المراد الحفظ عن ظهر القلب فإنه هو المتعارف المعهود في الصدر السالف، فإن مدارهم كان على النقش على الخواطر لا على الرسم في الدفاتر، حتّى منع بعضهم من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوي عن ظهر القلب، وقد قيل: إن تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة، وقيل: المراد الحراسة عن الاندراس بما يعم الحفظ عن ظهر القلب والكتابة والنقل بين الناس ولو من كتاب وأمثال ذلك، وقيل: المراد تحمله

١٦٥

________________________________________________________

على أحد الوجوه المقررة الّتي سيأتي ذكرها في باب رواية الكتب، والحق أن للحفظ مراتب يختلف الثواب بحسبها، فأحدها: حفظ لفظها، سواء كان في الخواطر أو في الدفاتر، وتصحيحه واستجازتها وإجازتها وروايتها، وثانيها: حفظ معانيها والتفكّر في دقائقها واستنباط الحكم والمعارف منها، وثالثها: حفظها بالعمل بها والاعتناء بشأنها والاتعاظ بمودعها، ويومئ إليه بعض الأخبار، وفي بعض الروايات هكذا: من حفظ على أمتي أربعين حديثا، فالظاهر أن على بمعنى اللام أي حفظ لأجلهم كما قالوه في قوله تعالى( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (١) أي لأجل هدايته إياكم، ويحتمل أن يكون بمعنى « من » كما قيل في قوله تعالى( إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) (٢) ويؤيده روايات، ويحتمل تضمين معنى الاشتقاق أو العطف أو التحنن أو أضرابها.

والحديث في اللغة يرادف الكلام، سمي به لأنّه يحدث شيئاً فشيئاً، وفي اصطلاح عامة المحدثين كلام خاص منقول عن النبي أو الإمام أو الصحابي أو التابعي أو من من يحذو حذوه، يحكى قولهم أو فعلهم أو تقريرهم، وعند أكثر محدثي الإمامية لا يطلق اسم الحديث إلا على ما كان عن المعصومعليه‌السلام ، وظاهر أكثر الأخبار تخصيص الأربعين بما يتعلّق بأمور الدين من أصول العقائد والعبادات القلبية والبدنية، لا ما يعمها وسائر المسائل من المعاملات والأحكام، بل يظهر من بعضها كون تلك الأربعين جامعة لأمهات العقائد والعبادات والخصال الكريمة، والأفعال الحسنة، وعلى التقادير فالمراد ببعثه فقيها عالماً أن يوفقه الله لأنّ يصير من الفقهاء العالمين العاملين، أو المراد بعثه في القيامة في زمرتهم لتشبهه بهم، وإن لم يكن منهم، وعلى بعض المحتملات الأول أظهر، وعلى بعضها الثاني كما لا يخفى.

ثم اعلم أن الفقيه يطلق غالباً في الأخبار على العالم العامل الخبير بعيوب النفس وآفاتها، التارك للدنيا، الزاهد فيها، الراغب إلى ما عنده تعالى من نعيمه وقربه ووصاله واستدل بعض الأفاضل بهذا الخبر على حجية خبر الواحد وتوجيهه ظاهر.

__________________

(١) سورة البقرة: ١٨٥.

(٢) سورة المطففين: ٢.

١٦٦

٨ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عمن ذكره، عن زيد الشحام، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل -( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ) (١) قال قلت ما طعامه قال علمه الّذي يأخذه عمن يأخذه.

________________________________________________________

الحديث الثامن مرسل.

قوله تعالى( إِلى طَعامِهِ ) (٢) بعدها قوله تعالى:( أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً، وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) (٣) .

قولهعليه‌السلام علمه: أقول هذا بطن الآية ولا ينافي كون المراد من ظهرها طعام البدن، فإنه لما كان ظاهراً لم يتعرض له، وكما أن البدن محتاج إلى الطعام والشراب لبقائه وقوامه واستمرار حياته كذلك الروح يحتاج في حياته المعنوي بالإيمان إلى العلم والمعارف والأعمال الصالحة ليحيي حياة طيبة ويكون داخلا في قوله تعالى( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) ولا يكون من الّذين وصفهم الله تعالى في كلامه العزيز في مواضع شتى بأنهم موتي، ثمّ إنّ الغذاء الجسماني لما كان وجوده ونموه بنزول المطر من السماء إلى الأراضي القابلة لتنشق وتنبت منها أنواع الحبوب والثمار، وألوان الأزهار والأنوار والأشجار والحشائش، فيتمتع بها الناس والأنعام فكذلك الغذاء الروحاني يعني العلم الحقيقي إنما يحصل بأن تفيض أمطار العلم والحكمة من سماء الرحمة - وهو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث سماه الله تعالى سماء وأقسم به في مواضع من القرآن، وبه فسر قوله تعالى( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) وفسر البروج بالأئمّةعليه‌السلام على أراضي القلوب القابلة للعلم والحكمة، فينبت الله تعالى فيها أنواع ثمرات العلم والحكمة أو على قلوب الأئمّةعليه‌السلام ، فإنهم شجرة النبوة ليثمروا أنواع ثمرات العلم والحكمة

__________________

(١) سورة عبس: ٢٤.

(٢) سورة الأنعام: ١٢٢.

(٣) سورة البروج: ١.

١٦٧

٩ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه.

________________________________________________________

ليغتذي بها أرواح القابلين للتربية وينتفع بها غيرهم أيضاً من الّذين كالأنعام بل هم أضل سبيلا، فإنهم أيضاً ينتفعون بالعلوم الحقة وإن كان في دنياهم، كما قال تعالى( مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) والحاصل على الوجهين أنه ينبغي له أن يأخذ علمه عن أهل بيت النبوة الّذين هم مهابط الوحي، وينابيع الحكمة الآخذين علومهم من رب العزة حتّى يصلح أن يصير غذاء لروحه ويحييه حياة طيبة.

الحديث التاسع ضعيف.

قولهعليه‌السلام الوقوف عند الشبهة: أي التثبت عند اشتباه الحكم وعدم وضوحه وترك الحكم والفتوى خير من أن يلقي نفسه فجأه في الهلكة، وهي بالتحريك الهلاك

قولهعليه‌السلام لم تروه: صفة لقوله حديثاً كنظيره أو حال وهو إمّا على المجهول من باب الأفعال أو التفعيل أي لم تحمل على روايته، يقال: رويته الشعر أي حملته على روايته، وأرويته أيضا، ويمكن أن يقرأ على المعلوم من أحد البابين أي لم تحمل من تروي له على روايته، أو على بناء المجرد أي تركك حديثاً لم تكن راوياً له على حاله فلا ترويه خير من روايتك حديثاً لم تحصه، والإحصاء لغة العد، ولما كان عد الشيء يلزمه الاطلاع على واحد واحد مما فيه، استعمل في الاطلاع على جميع ما في شيء والإحاطة العلمية التامة بما فيه فإحصاء الحديث عبارة عن العلم بجميع أحواله متنا وسنداً وانتهاء إلى المأخذ الشرعي، وقوله: حديثاً لم تحصه، إظهار في موضع الإضمار، لكثرة الاعتناء بشأنه لأنّه عبارة أخرى عن معنى قوله: حديثاً لم تروه.

١٦٨

١٠ - محمد، عن أحمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن الطيار أنه عرض على أبي عبد اللهعليه‌السلام بعض خطب أبيه حتّى إذا بلغ موضعاً منها قال له كف واسكت ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحقّ قال الله تعالى( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

١١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول وجدت علم الناس كله في أربع أولها

________________________________________________________

الحديث العاشر: حسن أو موثق.

قولهعليه‌السلام كف واسكت: الأمر بالكف عند بلوغ ذلك الموضع إمّا لأنّ من عرض الخطبة فسر هذا الموضع برأيه وأخطأ أو لأنّه كان في هذا الموضع غموض ولم يتثبت عنده القاري، ولم يطلب تفسيره منهعليه‌السلام ، أو لأنّهعليه‌السلام أراد إنشاء ما أفاد وبيان ما أراد لشدة الاهتمام به، فأمره بالكف، ويحتمل أن يكون شرحا وبيانا لهذا الموضع من الخطبة، والقصد استقامة الطريق أو الوسط بين الطرفين وهو العدل والطريق المستقيم ويحتمل على بعد أن يكون المراد بالقصد مقصود القائل.

قولهعليه‌السلام ويجلوا: أي يذهبوا عنكم فيه العمى أي عمى القلب، والجهالة والضلالة.

الحديث الحادي عشر: ضعيف.

قولهعليه‌السلام في أربع: أي ما يحتاج الناس إلى معرفته من العلوم منحصر في أربع، وتأنيث الأربع باعتبار المعرفة المفهومة من قولهعليه‌السلام : أن تعرف في المواضع الآتية، وتذكير الأول وأخواتها باعتبار العلم، أو المراد أوّل أقسامها. أولها: أن تعرف ربك، بوجوده وصفاته الكمالية الذاتية والفعلية بحسب طاقتك، وثانيها: معرفتك بما صنع بك من إعطاء العقل والحواس والقدرة، واللطف بإرسال الرسل وإنزال الكتب

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٧.

١٦٩

أن تعرف ربك والثاني أن تعرف ما صنع بك والثالث أن تعرف ما أراد منك والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك.

١٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما حق الله على خلقه فقال أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عمّا لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه.

١٣ - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن علي بن حنظلة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا.

________________________________________________________

وسائر نعمه العظام، وثالثها: معرفتك بما أراد منك وطلب فعله، أو الكف عنه وبما أراد من طريق معرفته وأخذه من مأخذه المعلومة بالعقل والنقل، ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك كاتباع أئمّة الضلال، والأخذ من غير المأخذ، وإنكار ضروري الدين، ويدخل في هذا القسم معرفة سائر أصول الدين سوى معرفة الله تعالى فإنها من ضروريات الدين، والإعدام إنما تعرف بملكاتها، وإن أمكن إدخالها في الأول لأنها من توابع معرفة الله وشرائطه، ولذا وصف تاركها في الآيات والأخبار بالمشرك، فعلى هذا يمكن أن يكون المراد بالرابع المعاصي، ويكون الثالث مقصوراً على الطاعات.

الحديث الثاني عشر حسن.

قولهعليه‌السلام أن تقولوا: يمكن تعميم القول بحيث يشمل اللساني والقلبي، « فقد أدوا إلى الله حقه » اللازم عليهم في بيان العلم وتعليمه، ومنهم من عمم وقال: لأنّه إذا قال ما علمه قولا يدل على إقراره ولا يكذبه بفعله وكف عمّا لا يعلمه هداه الله إلى علم ما بعده، وهكذا حتّى يؤدي إلى أداء حقوقه.

الحديث الثالث عشر ضعيف.

قولهعليه‌السلام على قدر رواياتهم(١) عنا: أي كيفا أو كما أو الأعم منهما وهو أظهر

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « روايتهم ».

١٧٠

١٤ - الحسين بن الحسن، عن محمّد بن زكريا الغلابي، عن ابن عائشة البصري رفعه أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال في بعض خطبه أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه الناس

________________________________________________________

وهذا طريق إلى معرفة الرجال غير ما ذكره أرباب الرجال، وهو أقوى وأنفع في هذا الباب فإن بعض الرواة نرى أخبارهم مضبوطة ليس فيها تشويش كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما وبعضهم ليسوا كذلك كعمار الساباطي، وكذا نرى بعض الأصحاب أخبارهم خالية عن التقية كعلي بن جعفر، وبعضهم أكثرها محمولة على التقية كالسكوني وأضرابه، وكذا نرى بعض الأصحاب رووا مطالب عالية ومسائل غامضة وأسرار كثيرة كهشام بن الحكم ومفضل بن عمر، ولم نر في أخبار غيرهم ذلك، وبعضهم رووا أخباراً كثيرة، وذلك يدل على شدة اعتنائهم بأمور الدين، وبعضهم ليسوا كذلك وكل ذلك من مرجحات الرواة ويظهر الجميع بالتتبع التام فيها.

الحديث الرابع عشر مرسل والغلابي بالغين المعجمة والباء الموحدة، نسبة إلى غلاب لأنّه كان مولى بني غلاب وهم قبيلة بالبصرة.

قولهعليه‌السلام من انزعج: قال الجوهري أزعجه أي أقلعه من مكانه فانزعج « انتهى » أي أن العاقل لا يضطرب ولا ينقلع من مكانه بسبب سماع قول الزور والكذب والبهتان فيه، لأنّه لا يضره بل ينفعه والحكيم لا يرضى بثناء الجاهل بحاله، ومعائبه عليه، لأنّه لا ينفعه بل يضره، وقيل: لأنّ الحكيم عارف بأسباب الأشياء ومسبباتها، وأن التخالف يوجب التنافر، وأن الجاهل لا يميل إلا إلى مشاكلة فلا يثني إلا على الجاهل، أو من يعتقد جهله أو مناسبته له، أو يستهزئ به باعتقاده أو من يريد أن يخدعه، والحكيم لا يرضى بشيء من ذلك، ويمكن تفسيره بوجه آخر وهو أنه لما كان الجاهل عاجزا عن حق إدراك العلم والحكمة والصفات الكمالية الّتي يتصف الحكيم بها بل كلّ ما يتصوره من تلك الكمالات، فإنما يتصوره على وجه هو في الواقع منقصة، فثناؤه عليه إنما هو بالمعاني المذمومة الّتي تصورها من تلك الكمالات، فبالحقيقة مدحه

١٧١

أبناء ما يحسنون وقدر كلّ امرئ ما يحسن فتكلموا في العلم تبين أقداركم.

١٥ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول إنّ الحسن البصري يزعم أن الّذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفرعليه‌السلام فهلك إذن مؤمن آل فرعون

________________________________________________________

ذم وثناؤه هجاء، فلذا قال العارفون بجنابة سبحانه: لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك فإنهم لا يقصدون من الأسماء الّتي يطلقونه عليه تعالى ما فهموه منها، بل يقصدون المعاني الّتي أراده تعالى وهم عاجزون عن فهمها.

قولهعليه‌السلام أبناء ما يحسنون: من الإحسان بمعنى العلم، يقال أحسن الشيء أي تعلمه فعلمه حسنا، وقيل: ما يحسنون أي ما يأتون به حسنا من العلم والعمل والأول أظهر، والمعنى أنه ليس شرف المرء وافتخاره بأبيه وأمه بل بعلمه، أو المراد أنهم إن كانوا يعلمون علم الآخرة فهم أبناء الآخرة، وإن كانوا يعلمون علم الدنيا فهم أبناؤها، أو المراد أنه كما أن نظام حال الابن وصلاحه بالأب كذا نظام حال الناس وصلاحهم بما يعلمونه، وقولهعليه‌السلام : وقدر كلّ امرء ما يحسن، أي مرتبته في العز والشرف بقدر ما يعلمه.

الحديث الخامس عشر ضعيف.

قولهعليه‌السلام فهلك أذن: أي إن كان الكتمان مذموما يكون مؤمن آل فرعون هالكاً حيث قال تعالى فيه( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) (١) ولما كان غرض الحسن إظهار أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن عنده علم سوى ما في أيدي الناس وتكذيبهمعليهم‌السلام فيما يدعون أن عندهم من علوم النبي وإسراره ما ليس في أيدي الناس، وأنهم يظهرون من ذلك ما يشاءون ويكتمون ما يشاءون للتقية وغيرها من المصالح، أبطلعليه‌السلام قوله بأن الكتمان عند التقية أو الحكمة المقتضية له طريقة مستمرة من

__________________

(١) سورة غافر: ٢٨.

١٧٢

ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحاعليه‌السلام فليذهب الحسن يمينا وشمالاً فو الله ما يوجد العلم إلا هاهنا.

باب رواية الكتب والحديث

وفضل الكتابة والتمسك بالكتب

١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قول الله جل ثناؤه -( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) قال هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه.

________________________________________________________

زمن نوحعليه‌السلام إلى الآن، فليذهب الحسن الّذي يزعم انحصار العلم فيما في أيدي الناس يمينا وشمالاً أي إلى كلّ جهة وجانب ليطلبه من الناس، فإنه لا يوجد عندهم أكثر المعارف والشرائع.

قولهعليه‌السلام إلا هيهنا، لعله أشار إلى صدره الشريف أو إلى مكانه المنيف أو إلى بيت النبوة والخلافة.

باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب

الحديث الأول موثق.

قولهعليه‌السلام فيحدث به كما سمعه، لعلهعليه‌السلام جعل الأحسن مكان المفعول المطلق والضمير راجع إلى الأتباع كما أومأنا إليه في حديث هشام، فالمعنى أن أحسن الاتباع أن يرويه كما سمعه بلا زيادة ونقصان ويومئ إلى جواز النقل بالمعنى بمقتضى صيغة التفضيل، وعلى ما ذكرنا سابقاً من التفسير المشهور يكون تفسير المعنى الاتباع أي اتباع الأحسن لا يكون إلا بأن يتبعه قولا وفعلا من غير زيادة ونقص، ويؤيد الأخير قوله تعالى( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) سورة الزمر: ١٨.

(٢) سورة الزمر: ٥٥.

١٧٣

٢ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص قال إن كنت تريد معانيه فلا بأس.

________________________________________________________

الحديث الثاني صحيح.

قولهعليه‌السلام إن كنت تريد معانيه: أي إن كنت تقصد حفظ معانيه فلا تختل بالزيادة والنقصان، فلا بأس بأن تزيد وتنقص في العبارة، وقيل: إن كنت تقصد وتطلب بالزيادة والنقصان إفادة معانيه فلا بأس، وعلى التقديرين يدل على جواز نقل الحديث بالمعنى، وتفصيل القول في ذلك أنه إذا لم يكن المحدث عالماً بحقائق الألفاظ ومجازاتها ومنطوقها ومفهومها ومقاصدها لم تجز له الرواية، وأمّا إذا كان ألما بذلك فقد قال طائفة من العلماء لا تجوز إلا باللفظ أيضا، وجوز بعضهم في غير حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط، قال: لأنّه أفسح من نطق بالضاد، وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي، لأنّ لكل تركيب معنى بحسب الوصل والفصل والتقديم والتأخير وغير ذلك لو لم يراع ذلك لذهبت مقاصدها، بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والاهتمام وغيرهما، وكذا الألفاظ المشتركة والمترادفة، ولو وضع كلّ موضع الآخر لفات المعنى المقصود، ومن ثمّ قال النبي صلى الله وعليه وآله نصر الله عبداً سمع مقالتي وحفظها ووهاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وكفى هذا الحديث شاهداً بصدق ذلك، وأكثر الأصحاب جوزوا ذلك مطلقاً مع حصول الشرائط المذكورة، وقالوا: كلما ذكرتم خارج عن موضوع البحث لأنا إنما جوزنا لمن يفهم الألفاظ، ويعرف خواصها ومقاصدها، ويعلم عدم اختلال المراد بها فيما أداه، وقد ذهب جمهور السلف والخلف من الطوائف كلها، إلى جواز الرواية بالمعنى إذا قطع بأداء المعنى بعينه، لأنّه من المعلوم أن الصحابة وأصحاب الأئمّةعليه‌السلام لم يكونوا يكتبون الأحاديث

١٧٤

٣ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن ابن سنان، عن داود بن فرقد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء قال فتعمد ذلك قلت لا فقال تريد المعاني قلت نعم قال فلا بأس.

________________________________________________________

عند سماعها، ويبعد بل يستحيل عادة حفظهم جميع الألفاظ على ما هي عليه، وقد سمعوها مرة واحدة خصوصاً في الأحاديث الطويلة مع تطاول الأزمنة، ولهذا كثيراً ما يروى عنهم المعنى الواحد بألفاظ مختلفة، ولم ينكر ذلك عليهم، ولا يبقى لمن تتبع الأخبار في هذا شبهة، نعم لا مرية في أن روايته بلفظه أولى على كلّ حال، لا سيما في هذه الأزمان لبعد العهد وفوت القرائن وتغير المصطلحات، وبالغ بعضهم فقال: لا يجوز تغيير « قال النبي » إلى « قال رسول الله » ولا عكسه وهو عنت بين بغير ثمرة، وقال بعض الأفاضل: نقل المعنى إنما جوزوه في غير المصنفات، أمّا المصنفات فقد قال أكثر الأصحاب لا يجوز حكايتها ونقلها بالمعنى، ولا تغيير شيء منها على ما هو المتعارف وهو أحوط.

الحديث الثالث ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام فتعمد ذلك: بالتائين وفي بعض النسخ بحذف إحداهما للتخفيف والتعمد القصد يقال تعمدت الشيء أي قصدته، يعني أتتعمد ترك حفظ الألفاظ وعدم المبالاة بضبطها، أو أنت نسي يقع ذلك منك بغير تقصير، أو المعنى أفتقصد وتريد أن ترويه كيف ما يجيء زائداً على إفادة المعنى المقصود أو ناقصاً عنه « قال: تريد المعاني » أي أتريد رواية المعاني ونقلها بألفاظ غير مسموعة وعبارات مفيدة من غير زيادة ونقصان فيها، ويمكن أن يقال: لما كان قول السائل يحتمل وجهين أحدهما عدم المجيء أصلاً، والآخر عدمه بسهولة استفهمعليه‌السلام وقال: أفتقصد عدم المجيء وتريده عمداً وتترك اللفظ المسموع لأجل الصعوبة فأجاب السائل بأن المراد الأمر الأول، وما في بعض النسخ من قوله: فتعمد بالتاء الواحدة قيل: يجوز أن يكون من المجرد يقال: عمدت الشيء فانعمد، أي أقمته بعماد معتمد عليه، أو من باب الأفعال يقال أعمدته أي جعلت تحته عماداً، والمعنى في الصورتين أفتضم إليه شيئاً من عندك تقيمه وتصلحه به، كما يقام الشيء بعماد يعتمد عليه.

١٧٥

٤ - وعنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك قال سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لجميل ما سمعت مني فاروه عن أبي.

٥ - وعنه، عن أحمد بن محمّد ومحمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن عبد الله

________________________________________________________

الحديث الرابع ضعيف.

قوله: وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام أمّا كلام أبي بصير أو خبر آخر مرسل.

قولهعليه‌السلام : سواء: لأنّ علومهم كلهم من معدن واحد، بل كلهم من نور واحد، كما سيأتي، وأمّا أحبية الرواية عن الأب فلعله للتقية، فإن ذلك أبعد من الشهرة والإنكار، وأيضا فإن قول الماضي أقرب إلى القبول من قول الشاهد عند الجماهير، لأنّه أبعد من أن يحسد ويبغض، وقيل فيه وجه آخر، وهو أن علو السند وقرب الإسناد من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما له رجحان عند الناس في قبول الرواية، خصوصاً فيما يختلف فيه الأحكام، وفيه وجه آخر وهو أن من الواقفية من توقف على الأب فلا يكون قول الابن حجة عليه فيما يناقض رأيه، بخلاف العكس إذ القائل بإمامة الابن قائل بإمامة الأب من دون العكس كليا، ووجه رابع أيضاً وهو التحرز عن إيهام الكذب فيما إذا سمع من الأب من سماعه بخصوصه من الابن، وذلك لأنّ كلّ مقول لأبي عبد اللهعليه‌السلام مقول لأبيه لفظا، فهو مسموع من أبيه ولو بالواسطة بخلاف العكس، لأنّه يجوز عدم تلفظه ببعض ما سمعه من أبيه بعد، وإن كان موافقاً لعلمه واعتقاده، قيل: ويحتمل تعلّقه بالأخيرة فقط، أي رواية المسموع من أبي عنه أحب إلى من روايته عني للوجوه المذكورة لا سيما الرابع، وقوله: ترويه مبتدأ بتقدير أن كقولك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.

الحديث الخامس صحيح، ويدل على جواز تحمل الحديث بالإجازة وحمل الأصحاب قراءة الأحاديث الثلاثة على الاستحباب، والأحوط العمل به، ولنذكر ما به

١٧٦

ابن سنان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فأضجر

________________________________________________________

يتحقق تحمل الرواية والطرق الّتي تجوز بها رواية الأخبار.

اعلم أن لأخذ الحديث طرقاً أعلاها سماع الراوي لفظ الشيخ، أو إسماع الراوي لفظه إياه بقراءة الحديث عليه، ويدخل فيه سماعه مع قراءة غيره على الشيخ، ويسمى الأول بالإملاء والثاني بالعرض، وقد يقيد الإملاء بما إذا كتب الراوي ما يسمع من شيخه، وفي ترجيح أحدهما على الآخر والتسوية بينهما أوجه، ومما يستدل به على ترجيح السماع من الشيخ على إسماعه هذا الخبر، فلو لا ترجيح قراءة الشيخ على قراءة الراوي لأمره بترك القراءة عند التضجر، وقراءة الراوي مع سماعه إياه، ولا خلاف في أنه يجوز للسامع أن يقول في الأول حدثنا وأنبأنا، وسمعته يقول، وقال لنا، وذكر لنا، هذا كان في الصدر الأول ثمّ شاع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ، وأنبأنا ونبأنا بالإجازة، وفي الثاني مشهور جواز قول أخبرني وحدثني مقيدين بالقراءة على الشيخ، وما ينقل عن السيد ممّن منعه مقيداً أيضاً بعيد، واختلف في الإطلاق فجوزه بعضهم ومنعه آخرون، وفصل ثالث فجوز أخبرني ومنع حدثني، واستند إلى أن الشائع في استعمال أخبرني هو قراءته على الشيخ، وفي استعمال حدثني هو سماعه عنه، وفي كون الشياع دليلاً على المنع من غير شائع نظر.

ثم إن صيغة حدثني وشبهها فيما يكون الراوي متفرداً في المجلس، وحدثنا وأخبرنا فيما يكون مجتمعاً مع غيره، فهذان قسمان من أقسامها، وبعدهما الإجازة، سواء كان معينا لمعين كإجازة الكافي لشخص معين أو معينا لغير معين كإجازته لكل أحد، أو غير معين لمعين كأجزتك مسموعاتي أو غير معين كأجزت كلّ أحد مسموعاتي، كما حكي عن بعض أصحابنا أنه أجاز على هذا الوجه، وفي إجازة المعدوم نظر إلا مع عطفه على الموجود، وأمّا غير المميز كالأطفال الصغيرة فالمشهور الجواز، وفي جواز إجازة المجاز وجهان للأصحاب، والأصح الجواز وأفضل

١٧٧

ولا أقوى قال فاقرأ عليهم من أوله حديثاً ومن وسطه حديثاً ومن آخره حديثا

________________________________________________________

أقسامها ما كانت على وفق هذه الصحيحة بأن يقرأ عليه من أو له حديثاً ومن وسطه حديثاً ومن آخره حديثا، ثمّ يجيزه، بل الأولى الاقتصار عليه، ويحتمل أن يكون المراد بالأول والأوسط والآخر الحقيقي منها أو الأعم منه ومن الإضافي، والثاني أظهر وإن كان رعاية الأول أحوط وأولى، وبعدها المناولة وهي مقرونة بالإجازة وغير مقرونة، والأولى هي أن يناوله كتاباً ويقول هذا روايتي فاروه عني أو شبهه، والثانية أن يناوله إياه ويقول هذا سماعي ويقتصر عليه، وفي جواز الرواية بالثاني قولان، والأظهر الجواز لما سيأتي من خبر الحلال، وهل يجوز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة والمناولة؟ قولان، وأمّا مع التقييد بمثل قولنا إجازة ومناولة فالأصح جوازه واصطلح بعضهم على قولنا أنبأنا وبعدها المكاتبة وهي أن يكتب مسموعة لغائب بخطه ويقرنه بالإجازة أو يعريه عنها، والكلام فيه كالكلام في المناولة، والظاهر عدم الفرق بين الكتابة التفصيلية والإجمالية كان يكتب الشيخ مشيراً إلى مجموع محدود إشارة يأمن معها اللبس والاشتباه: هذا مسموعي ومرويي فاروه عني.

والحق أنه مع العلم بالخط والمقصود بالقرائن لا فرق يعتد به بينه وبين سائر الأقسام ككتابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كسرى وقيصر مع أنها كانت حجة عليهم، وكتابة أئمتناعليه‌السلام الأحكام إلى أصحابهم في الأعصار المتطاولة، والظاهر أنه يكفي الظن الغالب أيضاً في ذلك وبعدها الإعلام وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه، وفي جواز الرواية به قولان، والأظهر الجواز لما سيأتي في خبر الحلال وابن أبي خالد، ويقرب منه الوصية وهي أن يوصي عند سفره أو موته بكتاب يرويه فلان بعد موته، وقد جوز بعض السلف للموصى له روايته ويدل عليه خبر ابن أبي خالد

والثامن: الوجادة وهي أن يقف الإنسان على أحاديث بخط راويها أو في كتابه المروي له معاصراً كان أو لا، فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه حدثنا فلان يسوق الإسناد والمتن، وهذا هو الّذي استمر عليه العمل حديثاً وقديماً، وهو من باب

١٧٨

٦ - عنه بإسناده، عن أحمد بن عمر الحلال قال قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول اروه عني يجوز لي أن أرويه عنه قال فقال إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه.

٧ - علي بن إبراهيم، عن أبيه وعن أحمد بن محمّد بن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الّذي حدثكم فإن كان حقاً فلكم وإن كان كذباً فعليه.

٨ - علي بن محمّد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبي أيوب المدني، عن ابن

________________________________________________________

المنقطع، وفيه شوب اتصال ويجوز العمل به وروايته عند كثير من المحققين عند حصول الثقة بأنه خط المذكور أو روايته وإلا قال بلغني عنه أو وجدت في كتاب أخبرني فلان أنه خط فلان أو روايته، أو أظن أنه خطه أو روايته لوجود آثار روايته له بالبلاغ ونحوه، يدل على جواز العمل بها خبر ابن أبي خالد، وربما يلحق بهذا القسم ما إذا وجد كتاباً بتصحيح الشيخ وضبطه، والأظهر جواز العمل بالكتب المشهورة المعروفة الّتي يعلم انتسابها إلى مؤلفيها، كالكتب الأربعة، وسائر الكتب المشهورة، وإن كان الأحوط تصحيح الإجازة والإسناد في جميعها.

الحديث السادس مرسل.

قولهعليه‌السلام فاروه عنه: أي إعطاء الكتاب لمن يعلم أنه من مروياته كاف في الرواية أو المراد أن العلم بأن الكتاب له ومن مروياته كاف للرواية عنه، سواء أعطي الكتاب أم لا.

الحديث السابع ضعيف على المشهور ويدل على مطلوبية ترك الإرسال بل لزومه.

وقولهعليه‌السلام إذا حدثتم: يحتمل أن يكون على بناء المعلوم أو المجهول، ولا يبعد تعميم الحديث بحيث يشمل أخبار الناس أيضا.

الحديث الثامن مجهول.

١٧٩

أبي عمير، عن حسين الأحمسي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال القلب يتكل على الكتابة.

٩ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتّى تكتبوا.

١٠ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها.

١١ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابه، عن أبي سعيد الخيبري، عن المفضل بن عمر قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام اكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام يتكل على الكتابة: الاتكال الاعتماد، أي إذا كتبتم ما سمعتم اطمأنت نفوسكم لتمكنكم من الرجوع إلى الكتاب إذا نسيتم، وفيه حث على كتابة الحديث، ويحتمل أن يكون المراد الترغيب على الحفظ بدون الكتابة، فإن مع الكتابة يتكل القلب عليه، ولا يسعى في حفظ الحديث والأول أظهر.

الحديث التاسع ضعيف على المشهور ويؤيد المعنى الأول للخبر السابق.

الحديث العاشر موثق كالصحيح.

قولهعليه‌السلام فإنكم سوف تحتاجون إليها: أي في زمان غيبة الإمام أو الأعم منه ومن زمان بعض الأئمّة المستورين عن أكثر شيعتهم لخوف المخالفين.

الحديث الحادي عشر ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام فأورث كتبك: أي اجعلها بحيث يصل إليهم بعدك، ويبقى في أيديهم أو علمهم علمها وحملهم روايتها، والهرج: الفتنة والاختلاف، وهو زمان الغيبة فإنه يكثر فيه الفتنة، واختلاط الحقّ بالباطل، ويدل على جواز الرجوع إلى الكتب في ذلك الزمان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358