مرآة العقول الجزء ١

مرآة العقول22%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 358

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 358 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39657 / تحميل: 5928
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس، فأقبل يعبدالله عزّوجلّ مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: يا يحيى، أتبكي مما قد نحل من جسمك! وعزتي وجلالي لو اطلعت على النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج(١) ، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه، فبلغ ذلك أمه، فدخلت عليه، وأقبل زكريا واجتمع الاحبار والرهبان، فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك.

فقال زكريا: يا بني، ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني. قال: أنت أمرتني بذلك يا أبه، قال: ومتى ذلك يا بني؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني.

فقام يحيى، فنفض مدرعته، فأخذته أمه، فقالت: أتأذن لي - يا بني - أن أتخذ لك قطعتي لبود(٢) تواريان أضراسك، وتنشفان دموعك؟ فقال لها: شأنك. فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه، وتنشفان دموعه، فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه، فحسر عن ذراعيه، ثم اخذهما فعصرهما، فتحدرت الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا إلى ابنه وإلى دموع عينيه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني، وهذه دموع عينيه، وأنت أرحم الراحمين.

وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا، فإن رأى يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل، وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة، فجلس في غمار الناس(٣) ، والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم

______________

(١) في نسخة: المسوح.

(٢) اللبود: جمع لبد، وهو كل شعر أو صوف متلبد، سمي به للصوق بعضه ببعض.

(٣) غمار الناس: جمعهم المزدحم المتكاثف.

٨١

ير يحيى، فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى: أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان، يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال: واغفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل على ام يحيى، فقال لها: يا ام يحيى، قومي فاطلبي يحيى، فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا وقد ذاق الموت.

فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل، فقالوا لها: يا ام يحيى، أين تريدين؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فمضت ام يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم، فقالت له: يا راعي، هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت: نعم، ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فقال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا قدميه في الماء رافعا بصره إلى السماء، يقول: وعزتك مولاي، لا ذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك.

وأقبلت أمه، فلما رأته ام يحيى دنت منه، فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها، وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل، فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له ام يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف، فإنه ألين؟ ففعل، وطبخ له عدس، فأكل واستوفى ونام، فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، فنودي في منامه: يا يحيى بن زكريا، أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري! فاستيقظ فقام فقال: يا رب اقلني عثرتي، إلهي فو عزتك لا استظل بظل سوى بيت المقدس. وقال لامه: ناوليني مدرعة الشعر، فقد علمت أنكما ستورداني المهالك. فتقدمت امه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا: يا ام يحيى، دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه، ولن ينتفع بالعيش.

فقام يحيى فلبس مدرعته، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس،

٨٢

فجعل يعبدالله عزّوجلّ مع الاحبار، حتى كان من أمره ما كان(١) .

٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدّثنا عمي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: معاشر الناس، من أحسن من الله قيلا، وأصدق من الله حديثا؟ معاشر الناس، إن ربكم جل جلاله أمرني أن اقيم لكم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا، وأن أتخذه أخا ووزيرا.

معاشر الناس، إن عليا باب الهدى بعدي، والداعي إلى ربي، وهو صالح المؤمنين( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) .

معاشر الناس إن عليا مني، ولده ولدي، وهو زوج حبيبتي، أمره أمري، ونهيه نهيي.

معاشر الناس، عليكم بطاعته واجتناب معصيته، فإن طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي.

معاشر الناس، إن عليا صديق هذه الامة وفاروقها ومحدثها، إنه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها، إنه باب حطتها، وسفينة نجاتها، وإنه طالوتها وذو قرنيها.

معاشر الناس، إنه محنة الورى، والحجة العظمى، والآية الكبرى، وإمام أهل الدنيا، والعروة الوثقى.

معاشر الناس، إن عليا مع الحق، والحق معه، وعلى لسانه.

معاشر الناس، إن عليا قسيم النار، لا يدخل النار ولي له، ولا ينجو منها عدو له، إنه قسيم الجنة، لا يدخلها عدو له، ولا يزحزح عنها ولي له.

معاشر أصحابي، قد نصحت لكم، وبلغتكم رسالة ربي، ولكن لا تحبون الناصحين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم(٣) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) تنبيه الخواطر ٢: ١٥٨، بحار الانوار ١٤: ١٦٥/٤.

(٢) فصلت ٤١: ٣٣.

(٣) بشارة المصطفى: ١٥٣، بحار الانوار ٣٨: ٩٣/٧.

٨٣

[ ٩ ]

المجلس التاسع

وهو يوم الجمعة

السابع عشر من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٥٠/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد البلوي، قال: حدثني إبراهيم بن عبيد الله، عن أبيه، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: سادة الناس في الدنيا الاسخياء، وفي الآخرة الاتقياء(١) .

٥١/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزّوجلّ عليه: الاجلال له في عينه، والود له في صدره، والمواساة له في ماله، وأن يحرم غيبته، وأن

______________

(١) صحيفة الامام الرضا عليه السلام: ٢٦١/١٩٩، تحف العقول: ٢١٢، روضة الواعظين: ٣٨٤، بحار الانوار ٧١: ٣٥٠/١.

٨٤

يعوده في مرضه، وأن يشيع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا(١) .

٥٢/٣ - حدّثنا الحسين(٢) بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن سنان، قال: حدّثنا أبوالجارود زياد بن المنذر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولاية عليّ بن أبي طالب ولاية الله، وحبه عبادة الله، واتباعه فريضة الله، وأوليائه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله، وحربه حرب الله، وسلمه سلم الله عزّوجلّ(٣) .

٥٣/٤ - حدّثنا عليّ بن أحمد الدقاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، عن عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الحسني، عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: مر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام برجل يتكلم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثم قال: إنك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك، فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك(٤) .

٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوقي، عن شعيب، عن أبي بصير، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يحدث عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوما لاصحابه: أيكم يصوم الدهر؟ فقال سلمان (رحمة الله عليه): أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فأيكم يحيي الليل؟ فقال سلمان: أنا يا رسول الله. قال: فأيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال سلمان: أنا

______________

(١) الخصال: ٣٥١/٢٧، من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٤٦، بحار الانوار ٧٤: ٢٢٢/٣.

(٢) في نسخة: الحسن.

(٣) بحار الانوار ٤٠: ٤/٥.

(٤) بحار الانوار ٧١: ٢٧٦/٤.

٨٥

يا رسول الله. فغضب بعض أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن سلمان رجل من الفرس، يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش، قلت: أيكم يصوم الدهر؟ فقال: أنا، وهو أكثر أيامه يأكل. وقلت: أيكم يحيي الليل؟ فقال: أنا، وهو أكثر ليله نائم. وقلت: أيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال: أنا، وهو أكثر نهاره صامت.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: مه يا فلان، أنى لك بمثل لقمان الحكيم، سله فإنه ينبئك. فقال الرجل لسلمان: يا أبا عبدالله، أليس زعمت أنك تصوم الدهر؟ فقال: نعم. فقال: رأيتك في أكثر نهارك تأكل! فقال: ليس حيث تذهب، إني أصوم الثلاثة في الشهر، وقال الله عزّوجلّ:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) وأصل شعبان بشهر رمضان، فذلك صوم الدهر، فقال: أليس زعمت أنك تحيي الليل؟ فقال: نعم. فقال: أنت أكثر ليلك نائم! فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من بات على طهر فكأنما أحيا الليل كله، فأنا أبيت على طهر. فقال: أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم؟ قال: نعم، قال: فأنت أكثر أيامك صامت! فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن، مثلك في أمتي مثل سورة التوحيد( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) (٢) فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن، فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الايمان، والذي بعثني بالحق يا علي، لو أحبك أهل الارض كمحبة أهل السماء لك لما عذب أحد بالنار، وأنا أقرأ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل يوم ثلاثا مرات. فقام وكأنه قد ألقم حجرا(٣) .

______________

(١) الانعام ٦: ١٦٠.

(٢) الاخلاص ١١٢: ١.

(٣) فضائل الاشهر الثلاثة: ٤٩/٢٥، معاني الاخبار: ٢٣٤/١، بحار الانوار ٢٢: ٣١٧/٢، و ٧٦: ١٨١/١.

٨٦

٥٥/٦ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة الكوفي، قال: حدّثنا جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة، من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزّوجلّ أصلح الله له فيما بينه وبين الناس(١) .

٥٦/٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن محمّد ابن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنها، فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح يستغفر له(٢) .

٥٧/٨ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن سلمة الاهوازي، عن إبراهيم بن محمّد، قال: حدّثنا أبوالحسين عليّ بن المعلى الاسدي، قال أنبئت عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنه قال: إن لله بقاعا تسمى المنتقمة، فإذا أعطى الله عبدا مالا لم يخرج حق الله عزّوجلّ منه، سلط الله عليه بقعة من تلك البقاع، فأتلف ذلك المال فيها، ثم مات وتركها(٣) .

٥٨/٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، وسعد بن عبدالله، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن

______________

(١) الخصال: ١٢٩/١٣٣، ثواب الاعمال: ١٨١، بحار الانوار ٧١: ١٨١/٣٦.

(٢) تحف العقول: ٣٦٣، بحار الانوار ١٠٤: ٩٩/٨٠.

(٣) معاني الاخبار: ٢٣٥/١، من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٩٩/٩٠٤، بحار الانوار ٩٦: ١١/١٤.

٨٧

النعمان، عن محمّد بن فضيل، عن غزوان الضبي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: أنا حجة الله، وأنا خليفة الله، وأنا صراط الله، وأنا باب الله، وأنا خازن علم الله، وأنا المؤتمن على سر الله، وأنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمّد نبي الرحمة صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

٥٩/١٠ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدّثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، قال: حدثني سليمان بن مقبل المديني، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في مسجد قبا وعنده نفر من أصحابه، فلما بصر بي تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه تبرق، ثم قال: إلي يا علي، إلي يا علي، فما زال يدنيني حتى ألصق فخذي بفخذه، ثم أقبل على أصحابه، فقال: معاشر أصحابي، أقبلت إليكم الرحمة بإقبال علي أخي إليكم.

معاشر أصحابي، إن عليا مني وأنا من علي، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي ووصيي، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، من أطاعه أطاعني، ومن وافقه وافقني، ومن خالفه خالفني(٢) .

٦٠/١١ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويدخل

______________

(١) بحار الانوار ٣٩: ٣٣٥/١.

(٢) بحار الانوار ٤٠: ٤/٦.

٨٨

جنة عدن منزلي، ويمسك قضيبا غرسه ربي عزّوجلّ، ثم قال له: كن فيكون(١) ، فليتول عليّ بن أبي طالب، وليأتم بالاوصياء من ولده، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، إلى الله أشكو أعداءهم من امتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وايم الله ليقتلن بعدي ابني الحسين، لا أنالهم الله شفاعتي(٢) .

و صلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة فكان.

(٢) بحار الانوار ٤٤: ٢٥٧/٦.

٨٩

[ ١٠ ]

المجلس العاشر

وهو يوم الثلاثاء

لعشر بقين من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٦١/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن سيف التمار، عن أبي بصير، قال: قال الصادق أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عزّوجلّ إلى ملكيه: إني قد عمرت عبدي عمرا، فغلظا وشددا وتحفظا، واكتبا عليه قليل عمله وكثيره، وصغيره وكبيره(١) .

٦٢/٢ - وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّوجلّ:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ) (٢) فقال: توبيخ لابن ثماني عشرة سنة(٣) .

٦٣/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا

______________

(١) الكافي ٨: ١٠٨/٨٤، الخصال: ٥٤٥/٢٤، بحار الانوار ٧٣: ٣٨٨/٥.

(٢) فاطر ٣٥: ٣٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ١١٨/٥٦١.

٩٠

محمّد بن الحسن الصفار، عن سلمة بن الخطاب، عن عليّ بن الحسن، عن أحمد بن محمّد المؤدب، عن عاصم بن حميد، عن خالد القلانسي، قال: قال الصادق جعفر ابن محمّد عليهما السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه، ظاهره مما يلي الناس، لا يرى إلا مساوئ، فيطول ذلك عليه، فيقول: يا رب، أتأمر بي إلى النار! فيقول الجبار جل جلاله: يا شيخ، إني أستحيي أن أعذبك وقد كنت تصلي في دار الدنيا، اذهبوا بعبدي إلى الجنة(١) .

٦٤/٤ - حدّثنا محمّد بن علي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي القاسم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمر العدني بمكة، عن أبي العباس بن حمزة، عن أحمد بن سوار، عن عبيد(٢) الله بن عاصم، عن سلمة، بن وردان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات، وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم، إلا ناداه ربه عزّوجلّ: جلست إلى حبيبي، وعزتي وجلالي لاسكننك الجنة معه ولا ابالي(٣) .

٦٥/٥ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني المكتب، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى الحبال الطبري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشاب، قال: حدّثنا محمّد بن محصن، عن يونس بن ظبيان، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن الناس يعبدون الله عزّوجلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا(٤) من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حبا له عزّوجلّ فتلك

______________

(١) الخصال: ٥٤٦/٢٦، بحار الانوار ٨٢: ٢٠٤/٤.

(٢) في نسخة: عبد.

(٣) بحار الانوار ١: ١٩٨/١.

(٤) في نسخة: فرقا.

٩١

عبادة الكرام، وهو الامن، لقوله عزّوجلّ:( وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) (١) ، ولقوله عزّوجلّ:( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (٢) فمن أحب الله أحبه الله، ومن أحبه الله عزّوجلّ كان من الآمنين(٣) .

٦٦/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(٤) .

٦٧/٧ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم المؤدب، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن بشار، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن عبد الحميد بن أبي العلاء، عن ثابت بن دينار، عن سعد بن طريف الخفاف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أنا خليفة رسول الله ووزيره ووارثه، أنا أخو رسول الله ووصيه وحبيبه، أنا صفي رسول الله وصاحبه، أنا ابن عم رسول الله وزوج ابنته وأبو ولده، أنا سيد الوصيين ووصي سيد النبيين، أنا الحجة العظمى والآية الكبرى والمثل الاعلى وباب النبي المصطفى، أنا العروة الوثقى، وكلمة التقوى، وأمين الله تعالى ذكره على أهل الدنيا(٥) .

٦٨/٨ - حدّثنا أحمد بن هارون رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر بن جامع، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن هارون بن الجهم، عن

______________

(١) النمل ٢٧: ٨٩.

(٢) آل عمران ٣: ٣١.

(٣) الخصال: ١٨٨/٢٥٩، علل الشرائع: ١٢/٨، بحار الانوار ٧٠: ١٧/٩، و: ٢٠٤/١٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٤٧، الخصال: ٢٧/٩٦، بحار الانوار ٧١: ٤١٤/٣٣، ويأتي في المجلس (٥٨) الحديث (١٣).

(٥) بحار الانوار ٣٩: ٣٣٥/٢.

٩٢

الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة(١) .

٦٩/٩ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن العباس بن معروف، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن طلحة بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أتاني جبريل من قبل ربي جل جلاله، فقال: يا محمّد، إن الله عزّوجلّ يقرئك السلام ويقول: بشر أخاك عليا بأني لا اعذب من تولاه، ولا أرحم من عاداه(٢) .

٧٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد الاسدي البردعي، قال: حدثتنا رقية بنت إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيها، عن آبائه عليهم السلام: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت(٣) .

٧١/١١ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثني أحمد(٤) بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا عبدالله بن صالح بن أبي سلمة النصيبيني، قال: حدّثنا أبوعوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، قالت: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال: هذا سيد العرب، فقلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: أنا

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٢٥٣/٣٢.

(٢) بحار الانوار ٣٩: ٢٩٧/١٠٠.

(٣) الخصال: ٢٥٣/١٢٥، تحف العقول: ٥٦، بحار الانوار ٧: ٢٥٨/١.

(٤) زاد في النسخ: بن محمّد، والصواب ما أثبتناه، انظر: معجم رجال الحديث ٢: ٣٦٣، الجامع في الرجال: ١٩٦، وللسند نظائر في مصنفات الشيخ الصدوق، منها: الخصال: ٣٦١/٥١، و ٣٦٢/٥٢، و ٤٠٧/٦، و ٤٧٨/٤٦، التوحيد: ١٧٨/١١، و ١٩٤/٨، و ٢٧٧/٣.

٩٣

سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فقلت: وما السيد؟ قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي(١) .

٧٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين القاضي العلوي العباسي، قال: حدثني الحسن بن عليّ الناصر (قدس الله روحه)، قال: حدثني أحمد بن رشيد(٢) ، عن عمه أبي معمر سعيد بن خثيم، عن أخيه معمر، قال: كنت جالسا عند الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، فجاء زيد بن عليّ بن الحسين عليه السلام فأخذ بعضادتي الباب، فقال له الصادق عليه السلام: يا عم، أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة. فقالت له أم زيد: والله ما يحملك على هذا القول غير الحسد لابني. فقال عليه السلام: يا ليته حسد، يا ليته حسد، ثلاثا. ثم قال: حدثني أبي، عن جدي عليهما السلام: أنه يخرج من ولده رجل يقال له زيد، يقتل بالكوفة، ويصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشا، تفتح لروحه أبواب السماء، يبتهج به أهل السماوات، تجعل روحه في حوصلة طير أخضر يسرح في الجنة حيث يشاء(٣) .

٧٣/١٣ - حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، قال: حدّثنا الاشعث بن محمّد الضبي، قال: حدثني شعيب بن عمر، عن أبيه، عن جابر الجعفي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام وعنده زيد أخوه عليه السلام، فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي، فقال أبوجعفر عليه السلام: يا معروف، أنشدني من طرائف ما عندك، فأنشده:

لعمرك ما إن أبومالك

بوان ولا بضعيف قواه

ولا بألد(٤) لدى قوله

يعادي الحكيم إذا ما نهاه

______________

(١) معاني الاخبار: ١٠٣/١، ٢، بحار الانوار ٣٨: ٩٣/٨.

(٢) في نسخة: رشد.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥٠/٤، بحار الانوار ٤٦: ١٦٨/١٢.

(٤) الالد: الخصيم المعاند الذي لا يميل إلى الحق.

٩٤

ولكنه سيد بارع

كريم الطبائع حلو نثاه(١)

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

قال: فوضع محمّد بن عليّ عليهما السلام يده على كتفي زيد وقال: هذه صفتك يا أبا الحسين(٢) .

وصلّى الله على ومحمّد وآله

______________

(١) النثا: ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيئ.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥١/٥، بحار الانوار ٤٦: ١٦٨/١٤.

٩٥

[ ١١ ]

المجلس الحادي عشر

وهو يوم الجمعة

لست بقين من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٧٤/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيد الله فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزّوجلّ عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى.

فقيل له: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما. فقال: إن الله تبارك

٩٦

وتعالى كريم، يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة(١) من لبن يفطر بها صائما، أو شربه من ماء عذب، أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه، وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره إجابة والعتق من النار، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، أما اللتان ترضون الله بهما: فشهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله حوائجكم والجنة، وتسألون الله فيه العافية وتتعوذون به من النار(٢) .

٧٥/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن إسحاق بن محمّد، عن حمزة بن محمّد، قال: كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام: لم فرض الله عزّوجلّ الصوم؟ فورد في الجواب: ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير(٣) .

٧٦/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدّثنا موسى ابن داود، قال: حدّثنا الوليد بن هشام، قال: حدّثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي، قال: دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم باكيا، فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أدخل علي الشاب يا معاذ. فأدخله عليه، فسلم فرد

______________

(١) المذقة: الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.

(٢) فضائل الاشهر الثلاثة: ٧١/٥١، من لا يحضره الفقيه ٢: ٥٨/٢٥٤، الخصال: ٢٥٩/١٣٥، ثواب الاعمال: ٦٦، التهذيب ٣: ٥٧/١٩٨، و ٤: ١٥٢/٤٢٣، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٩/٢٦.

(٣) الكافي ٤: ١٨١/٦، من لا يحضره الفقيه ٢: ٤٣/١٩٤، بحار الانوار ٩٦: ٣٦٩/٥٠.

٩٧

عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله عزّوجلّ ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها، ولا يغفر لي أبداً.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هل أشركت بالله شيئا؟ قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا. قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا، فقال: النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. قال: فإنها أعظم من الارضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات السبع ونجومها ومثل العرش والكرسي. قال: فإنها أعظم من ذلك.

قال: فنظر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليه كهيئة الغضبان ثم قال: ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم أم ربك. فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربي! ما شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم! قال الشاب: لا والله، يا رسول الله، ثم سكت الشاب.

فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك. قال: بلى، أخبرك أني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الاموات وأنزع الاكفان، فماتت جارية من بعض بنات الانصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليها الليل، أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان، فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب، ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني

٩٨

أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار، فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا، فما ترى لي يا رسول الله؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار، فما أقربك من النار! ثم لم يزل صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ويشير إليه، حتى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة، فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مسحا(١) ، وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى: يا رب، هذا عبدك بهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم. يا سيدي يا رب، إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا، فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي ولا تبطل دعائي، ولا تقنطني من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي، فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) يعني الزنا( أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان( ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ ) يقول عزّوجلّ: أتاك عبدي يا محمّد تائبا فطردته، فأين يذهب، وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟ ثم قال عزّوجلّ:( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان( أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ

______________

(١) المسح: كساء من شعر.

٩٩

تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (١) .

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خرج هو يتلوها ويتبسم، فقال لاصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا.

فمضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، وقد اسود وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول: سيدي، قد أحسنت خلقي، وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي، وأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري، إلى الجنة تزفني، أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والارض، ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر لي خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع، وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول، أبشر فإنك عتيق الله من النار. ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لاصحابه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثم تلا عليه ما أنزل الله عزّوجلّ فيه وبشره بالجنة(٢) .

٧٧/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال حدّثنا أحمد بن صالح، عن حكيم بن عبد الرحمن، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم،

______________

(١) آل عمران ٣: ١٣٥، ١٣٦.

(٢) بحار الانوار ٦: ٢٣/٢٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

١٢ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن علي رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إياكم والكذب المفترع قيل له وما الكذب المفترع قال أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الّذي حدثك عنه.

________________________________________________________

الحديث الثاني عشر مرفوع أو ضعيف إذ الظاهر أن محمّد بن علي هو أبو سمينة.

قولهعليه‌السلام إياكم والكذب المفترع: قيل أي الكذب الحاجز بين الرجل وبين قبول روايته من فرع فلان بين الشيئين إذا حجز بينهما، أو هو من فرع الشيء ارتفع وعلا، وفرعت الجبل أي صعدته لأنّه يريد أن يرفع حديثه بإسقاط الواسطة، أو المراد به الكذب الّذي يزيل عن الراوي ما يوجب قبول روايته، والعمل بها أي العدالة من افترعت البكر افتضضتها وأزلت بكارتها أو الكذب الّذي أزيل بكارته يعني وقع مثله من السابقين من الرواة، أو الكذب المبتدأ أي المستحدث، وفيه إيماء إلى أنه لم يقع مثله من السابقين أو المتعلّق بذكر أحد ابتداء، ومن قولهم بئس ما افترعت به أي ابتدأت به، والمفترع على الأخيرين اسم مفعول وعلى الثلاثة الأول اسم فاعل، وقيل: المراد أنه كذب هو فرع لكذب رجل آخر، فإن ساندته إليه فإن كان كاذباً أيضاً فلست بكاذب بخلاف ما إذا أسقطته فإنه إن كان كاذباً فأنت أيضاً كاذب، وقيل الافتراع بمعنى التفرع، فإنه فرع قوله على صدق الراوي، فإن قال في نفسه إذا رواه الفرع عن الأصل فقد قاله الأصل، فيجوز لي أن أسنده إلى الأصل، فأسنده إليه فإنما كان كذباً لأنّه غير جازم بصدوره عن الأصل، ولعل الفرع قد كذب عليه أو سها في نسبته إليه، ولا بد له من تجويز ذلك، فلا يحصل له الجزم به فهو كاذب في قوله، وإن قدرنا أن الأصل قد قاله كما أن المنافقين كانوا كاذبين في شهادتهم بالرسالة لأنهم كانوا غير جازمين به، وإنما كان كذباً مفترعاً لأنّه فرع على كذب مقدر، ولعله لم يكن كذباً فهو ليس بكذب صريح بل هو كذب مفترع، كما أنه صدق مفترع، ومنهم من صحف وقرع بالقاف من الاقتراع بمعنى الاختيار.

١٨١

١٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أعربوا حديثنا فإنا قوم فصحاء.

١٤ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل.

١٥ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر

________________________________________________________

الحديث الثالث عشر صحيح.

قولهعليه‌السلام أعربوا حديثنا: الإعراب الإبانة والإفصاح، والمراد إظهار الحروف وإبانتها بحيث لا تشتبه بمقارباتها، وإظهار حركاتها وسكناتها، بحيث لا يوجب اشتباها ويحتمل أن يراد به إعرابه عند الكتابة بأن يكتب الحروف بحيث لا يشتبه بعضها ببعض، أو يجعل عليها ما يسمى اليوم عند الناس إعرابا، كما كان دأب القدماء ورعاية الجمع أحوط.

الحديث الرابع عشر ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام حديث أبي: أي أحاديث كلّ واحد منهم مأخوذة من الآخر ومنتهية إلى قول الله تعالى، ولا مدخل فيها للآراء والظنون فلا اختلاف في أحاديثهم، ويومئ إلى أنه يجوز رواية ما سمع من أحدهم عن غيرهعليه‌السلام كما مر.

الحديث الخامس عشر مجهول.

وقال في الإيضاح: شينولة بفتح الشين المعجمة وإسكان الياء المنقطة تحتها نقطتين وضم النون وإسكان الواو، والخبر يدل على صحة تحمل الحديث بالوجادة، وعلى جواز الرجوع إلى الكتب المؤلفة قبلهعليه‌السلام والاعتماد عليها والعمل

١٨٢

وأبي عبد اللهعليه‌السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال حدثوا بها فإنها حق.

باب التقليد

١ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد الله بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له -( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (١) فقال أمّا والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم

________________________________________________________

بما فيها، ويضم تلك الأخبار بعضها إلى بعض، ورعاية ما كان الشائع بين السلف من الرجوع إليها والعمل بها، وروايتها وإجازتها والاحتجاج بها، يحصل العلم بجواز العمل بأخبار الآحاد الّتي تضمنتها الكتب المعتبرة، وسنحقق ذلك في المجلد الآخر من كتاب بحار الأنوار إنشاء الله تعالى.

باب التقليد

الحديث الأول حسن، إذا الظاهر أن عبد الله هو الكاهلي، أو مجهول لاحتمال غيره، وسيأتي هذا الحديث في باب الشرك راوياً عن العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن يحيى وهو أصوب.

قولهعليه‌السلام قلت له اتخذوا أحبارهم: أي سألته عن معنى هذه الآية، والأحبار العلماء والرهبان العباد، ومعنى الحديث أن من أطاع أحداً فيما بأمره به مع أنه خلاف ما أمر الله تعالى به وعلمه بذلك أو تقصيره في التفحص فقد اتخذه رباً وعبده من حيث لا يشعر، كما قال الله تعالى:( أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ) (٢) وذلك لأنّ العبادة عبارة عن الطاعة والانقياد وأمّا من قلد عالماً أفتى بمحكمات القرآن والحديث، وكان عدلا موثقاً به، فإنه ليس بتقليد له، بل تقليد لمن فرض الله طاعته، وحكم بحكم الله عز وجل، وإنما أنكر الله تعالى تقليد هؤلاء أحبارهم ورهبانهم وذمهم على ذلك،

__________________

(١) سورة التوبة: ٣١.

(٢) سورة يس: ٦٠.

١٨٣

ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون.

٢ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن محمّد الهمذاني، عن محمّد بن عبيدة قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام يا محمّد أنتم أشد تقليداً أم المرجئة قال قلت قلدنا وقلدوا فقال لم أسألك عن هذا فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول فقال أبو الحسنعليه‌السلام إنّ المرجئة نصبت رجلاً لم تفرض طاعته وقلدوه

________________________________________________________

لأنهم إنما قلدوهم في الباطل بعد وضوح الحقّ وظهور أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلذا لم يكونوا معذورين في ذلك، وقد يقال أحلوا لهم حراماً، ناظر إلى العلماء والأحبار، وقوله: وحرموا عليهم حلالا، ناظر إلى الرهبان.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام أم المرجئة: قد يطلق المرجئة في مقابل الشيعة من الإرجاء بمعنى التأخير لتأخير هم علياًعليه‌السلام عن درجته، وكأنه المراد هنا، وقد يطلق في مقابلة الوعيدية إمّا من الإرجاء بمعنى التأخير لأنهم يؤخرون العمل عن النية والقصد وإما بمعنى إعطاء الرجاء لأنهم يعتقدون أنه لا يضر مع الأيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقيل: كان الشائع في سابق الزمان التعبير بالقدرية والمرجئة عمن يضاهي المعبر عنه في هذه الأعصار بالمعتزلة والأشاعرة في أصول الاعتقادات، كما ورد في رواية ابن عباس أنه قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الّذين ضاهوا النصارى في دينهم، فقالوا لا قدر ومن المرجئة الّذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا: الله أعلم.

قولهعليه‌السلام لم تفرض طاعته: على بناء المجهول أي لم يفرض الله تعالى طاعته، ومع ذلك لا يخالفونهم في شيء أو على بناء المعلوم أي لم يفرضوا على أنفسهم طاعتهم، إمّا لأنهم على الباطل فلم يجب عندهم متابعتهم، أو لأنهم يجوزون الاجتهاد على

١٨٤

وأنتم نصبتم رجلاً وفرضتم طاعته ثمّ لم تقلدوه فهم أشد منكم تقليدا.

٣ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله جل وعز -( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) فقال والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم.

باب البدع والرأي والمقاييس

١ - الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام الناس فقال أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله يتولى فيها رجال رجالا فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ولو أن الحق

________________________________________________________

خلافهم، والحاصل أن رسوخهم في التقليد والمتابعة أشد منكم، وهذه شكاية منهعليه‌السلام عن بعض الشيعة.

الحديث الثالث: مجهول كالصحيح وقد مر الكلام فيه.

باب البدع والرأي والمقاييس

الحديث الأول موثق كالصحيح.

قولهعليه‌السلام إنما بدء وقوع الفتن: والبدء الابتداء أو المبتدأ، والفتنة: الامتحان والاختبار، ثمّ كثر استعماله لما يختبر به من المكروه ثمّ كثر استعماله بمعنى الضلال والكفر والقتال، والأهواء جمع الهواء وهو بالقصر الحب المفرط في الخير والشر وإرادة النفس، والحاصل أن أوّل الفتن أو منشأها وعلتها متابعة المشتهيات النفسانية، وابتداع الأحكام في الدين بسببها، وقولهعليه‌السلام يخالف فيها كتاب الله تعالى، توضيح وبيان لقوله: تبتدع، ويقال: تولاه أي اتخذه ولياً أي حبيباً أو ناصرا

١٨٥

خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الّذين سبقت لهم من الله الحسنى.

٢ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمّد بن جمهور العمي يرفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله.

٣ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن جمهور رفعه قال من أتى ذا بدعة فعظمه فإنما يسعى في هدم الإسلام.

٤ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن جمهور رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة قيل يا رسول الله وكيف ذلك قال إنه قد أشرب قلبه حبها.

٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن

________________________________________________________

أو أولى بالتصرف، ويمكن أن يكون المراد بالتولي المتابعة، والحجى بكسر المهملة ثمّ الجيم المفتوحة: العقل، والضغث: القطعة من الحشيش المختلط رطبه باليابس، وقيل: ملأ الكف من الشجر والحشيش أو الشماريخ.

قولهعليه‌السلام فهنالك: أي عند امتزاج الحقّ بالباطل واشتباههما، والاستحواذ الغلبة.

الحديث الثاني ضعيف.

قولهعليه‌السلام فليظهر: أي مع التمكن وعدم الخوف على نفسه، أو على المؤمنين.

الحديث الثالث ضعيف.

الحديث الرابع ضعيف.

قولهعليه‌السلام أشرب، على بناء المجهول أي خالط قلبه حبها، كما قال الله تعالى:( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) (١) ولعل المعنى أنه لا يوفق للتوبة الكاملة أو غالبا.

الحديث الخامس: صحيح.

__________________

(١) سورة البقرة: ٩٣.

١٨٦

معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن عند كلّ بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلا به يذب عنه ينطق بإلهام من الله ويعلن الحقّ وينوره ويرد كيد الكائدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله.

٦ - محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب رفعه، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال إن من أبغض الخلق إلى الله عز وجل لرجلين رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام يكاد: على بناء المجهول أي بها يمكر أو يحارب أو يراد بسوء ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم أي يكاد أن يذهب بها الإيمان، والأول أصوب، والولي هنا الناصر أو الأولى بالأمر.

قولهعليه‌السلام يعبر عن الضعفاء: أي يتكلم من قبل الضعفاء العاجزين عن إظهار الحقّ وبيان حقيقته بالأدلة ودفع الشبهة عن الدين، ويحتمل أن يكون يعبر عن الضعفاء ابتداء كلام الصادقعليه‌السلام أي عبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالولي عن الأئمّة الّذين استضعفوا في الأرض والأول أظهر، والظاهر أن قوله: فاعتبروا، من كلام الصادقعليه‌السلام .

الحديث السادس: سنده الأول ضعيف والثاني مرفوع، لكنه مذكور في نهج البلاغة وإرشاد المفيد والاحتجاج وغيرها بأدنى اختلاف.

قولهعليه‌السلام : فهو حائر بالمهملتين، وفي بعض النسخ بإعجام الأول فقط، وفي بعضها بإعجامهما والمعاني متقاربة، وقصد السبيل: استقامته، أي مائل ومتجاوز أو حيران عن السبيل المستقيم المستوي، وقوله: مشغوف، في بعض النسخ بالغين المعجمة وفي بعضها بالمهملة، وبهما قرأ قوله تعالى( قَدْ شَغَفَها حُبًّا ) (١) وعلى الأول معناه دخل حبّ كلام البدعة شغاف قلبه أي حجابه، وقيل: سويداءه، وعلى الثاني غلبه حبه وأحرقه،

__________________

(١) سورة: يوسف ٣٠.

١٨٧

قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدي من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته.

ورجل قمش جهلا في جهال الناس عان بأغباش الفتنة قد سماه أشباه الناس عالماً ولم يغن فيه يوما سالما.

________________________________________________________

فإن الشعف بالمهملة شدة الحب وإحراقه القلب، واللهج بالشيء محركة: الولوع فيه والحرص عليه، أي هو حريص على الصوم والصلاة وبذلك يفتتن به الناس وقولهعليه‌السلام عن هدى من كان قبله، إمّا بفتح الهاء وسكون الدال أو بضم الهاء وفتح الدال، والأول بمعنى السيرة والطريقة.

قولهعليه‌السلام رهن: وفي بعض النسخ رهين، قال المطرزي هو رهن بكذا ورهين به أي مأخوذ به، والقمش جمع الشيء من ههنا وههنا، وكذا التقميش، وذلك الشيء القماش، والمراد بالجهل ما أخذ من غير المأخذ الشرعي، بل بالأوهام والاستحسانات والقياسات أو روايات غير ثابتة عن الحجة.

قولهعليه‌السلام : عان بأغباش الفتنة: كذا في أكثر النسخ بالعين المهملة والنون من قولهم عني فيهم أسيراً أي أقام فيهم على إساره واحتبس، وعناه غيره حبسه، والعاني الأسير أو من عني بالكسر بمعنى تعب، أو من عني به فهو عان أي اهتم به واشتغل، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة من غني بالمكان كرضى أي أقام به، أو من غني بالكسر أيضاً بمعنى عاش، وفي أكثر نسخ النهج والإرشاد وغيرهما غار بالغين المعجمة ولراء المهملة المشددة، وفي بعض نسخ النهج بالعين المهملة والدال المهملة من العدو بمعنى السعي أو من العدوان، والغبش محركة ظلمة آخر الليل، والإضافة من قبيل لجين الماء أو لامية، والمراد بأشباه الناس: الجهال والعوام، لخلوهم عن معنى الإنسانية وحقيقتها.

قولهعليه‌السلام ولم يغن فيه: قال في النهاية في حديث عليعليه‌السلام ورجل سماه الناس عالماً ولم يغن في العلم يوما تاما من قولك غنيت بالمكان أغنى إذا قمت به « انتهى ».

قولهعليه‌السلام سالما: أي من النقص بأن يكون نعتا لليوم كما في روايات المخالفين

١٨٨

بكر فاستكثر ما قل منه خير مما كثر حتّى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضياً ضامنا لتخليص ما التبس على غيره وإن خالف قاضياً سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه.

________________________________________________________

أو من الجهل بأن يكون حالا عن ضمير الفاعل.

قولهعليه‌السلام بكر: أي خرج في طلب العلم بكرة، كناية عن شدة طلبه واهتمامه في كلّ يوم، أو في أوّل العمر وابتداء الطلب، وقال الفاضل التستري (ره): كان المراد أنه بكر في العبادات فاستكثر منها، مع أن ما قل منه خير مما كثر « انتهى » و « ما » في قوله مما قل، موصولة، وهي مع صلتها صفة لمحذوف وتقديره: فاستكثر من جمع شيء قليله خير من كثيره، وكون قليله خيراً بالنسبة إلى كثيره لا في نفسه، ويحتمل أن تكون « ما » مصدرية أي قلته خير من كثرته، وقيل قل مبتدأ بتقدير أن، وخير خبره كقولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وقيل: الجملة معترضة بين الكلام وفي النهج فاستكثر من جمع ما قل، ويروى بالتنوين بأن يكون المصدر بمعنى المفعول، فلا يحتاج إلى تقدير وبدونه يحتاج كما هنا، والمراد بذلك الشيء الشبهات المضلة والآراء الفاسدة والعقائد الباطلة، أو الأعمال المبتدعة، أو زهرات الدنيا، والأول أظهر بقرينة قوله: حتّى إذا ارتوى من أجن، والآجن الماء المتغير أستعير للآراء الباطلة والأهواء الفاسدة وقيل: في الكلام لف ونشر فالبكور في طلب الدنيا وما قبله للعلم، والارتواء متعلّق بما قبله، والاكتناز بالبكور، ولا يخفى بعده.

قولهعليه‌السلام : واكتنز: في بعض النسخ فأكثر، وفي الإرشاد وغيره واستكثر، وهما ظاهران وأمّا الاكتناز فهو بمعنى الاجتماع والامتلاء وهو لازم، فالإسناد إمّا مجازي أو في الكلام تقدير أي اكتنز له العلوم الباطلة، وقال الجوهري: هذا أمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غناء ومزية، والمعضلات على صيغة الفاعل: المشكلات.

قولهعليه‌السلام حشوا: أي كثيراً بلا فائدة.

١٨٩

ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ لا يحسب العلم في شيء مما أنكر ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهباً إن قاس شيئاً بشيء لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له لا يعلم ثمّ جسر فقضى فهو مفتاح عشوات ركاب شبهات خباط جهالات لا يعتذر مما لا يعلم

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ثمّ قطع، أي جزم، وفي النهج « به » وفي غيره « عليه ».

قولهعليه‌السلام : فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت: اللبس بفتح اللام وأصله اختلاط الظلام أو بالضم بمعنى الإلباس كذا قيل، وقال ابن ميثم: وجه هذا التمثيل أن الشبيهات الّتي تقع على ذهن مثل هذا الموصوف إذا قصد حل قضية مبهمة تكثر فتلتبس على ذهنه وجه الحقّ منها، فلا يهتدي له لضعف ذهنه فتلك الشبهات في الوهن تشبه نسج العنكبوت وذهنه فيما يشبه الذباب الواقع فيه فكما لا يتمكن الذباب من خلاص نفسه من شباك العنكبوت لضعفه كذلك ذهن هذا الرجل لا يقدر على التخلص من تلك الشبهات.

أقول: ويحتمل أيضاً أن يكون المراد تشبيه ما يلبس على الناس من الشبهات بنسج العنكبوت لضعفها وظهور بطلانها، لكن تقع فيها ضعفاء العقول فلا يقدرون على التخلص منها لجهلهم وضعف يقينهم والأول أنسب بما بعده.

قوله لا يحسب العلم: بكسر السين من الحسبان أي يظن أن العلم منحصر فيما يعلم، أو بضم السين من الحساب أي لا يعد ما ينكر علما.

قوله: لا يرى أن ما وراء ما بلغ مذهبا: أي أنه لوفور جهله يظن أنه بلغ غاية العلم فليس بعد ما بلغ إليه فكره لأحد مذهب، وموضع تفكّر.

قولهعليه‌السلام فهو مفتاح عشوات: أي يفتح على الناس ظلمات الشبهات والجهالات، ويركب الشبهات زعما منه أنه توصله إلى الحق.

قولهعليه‌السلام خباط جهالات الخبط: المشي على غير استواء، أي خباط في الجهالات أو بسببها.

١٩٠

فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم يذري الروايات ذرو الريح الهشيم - تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء يستحل بقضائه الفرج الحرام ويحرم بقضائه الفرج الحلال لا مليء بإصدار ما عليه ورد ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام بضرس قاطع: كناية عن عدم إتقانه للقوانين الشرعية وإحاطته بها يقال لم يعض فلان على الأمر الفلاني بضرس: إذا لم يحكمه.

قولهعليه‌السلام يذري الروايات ذرو الريح الهشيم: قال الفيروزآبادي: ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته، وقال: الهشيم: نبت يابس متكسر، أو يابس كلّ كلاء وكل شجر، ووجه التشبيه صدور فعل بلا روية من غير أن يعود إلى الفاعل نفع وفائدة، فإن هذا الرجل المتصفح للروايات ليس له بصيرة بها ولا شعور بوجه العمل بها، بل هو يمر على رواية بعد أخرى، ويمشي عليها من غير فائدة كما أن الريح الّتي تذري الهشيم لا شعور لها بفعلها، ولا يعود إليها من ذلك نفع، وإنما أتى الذر ومكان الإذراء لاتحاد معنييهما، وفي بعض الروايات يذر الرواية قال الجزري: يقال ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه إذا أطارته ومنه حديث عليعليه‌السلام يذروا الرواية ذرو الريح الهشيم، أي يسرد الرواية كما تنسف الريح هشيم النبت، وأمّا بكاء المواريث وصراخ الدماء فالظاهر أنهما على الاستعارة ولطفهما ظاهر، فيحتمل حذف المضاف أي أهل المواريث وأهل الدماء.

قولهعليه‌السلام لا مليء: المليء بالهمز: الثقة الغني، والإصدار الإرجاع، أي ليس له من العلم والثقة قدر ما يمكن أن يصدر عنه انحلال ما ورد عليه من الإشكالات والشبهات قال الجزري: المليء بالهمزة الثقة الغني، وقد ملؤ فهو مليء بين الملاءة بالمد، وقد أولع الناس بترك الهمزة وتشديد الياء، ومنه حديث عليعليه‌السلام لا مليء والله بإصدار ما عليه ورد.

قولهعليه‌السلام ولا هو أهل لما منه فرط: فرط - بالتخفيف - بمعنى سبق وتقدم، أي

١٩١

٧ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي شيبة الخراساني قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلا بعداً وإن دين الله لا يصاب بالمقاييس.

________________________________________________________

ليس هو أهل لما ادعاه من علم الحقّ الّذي من أجله سبق الناس، وتقدم عليهم بالرئاسة والحكومة وربما يقرأ بالتشديد أي ليس هو من أهل العلم كما يدعيه لما فرط فيه وقصر عنه، وفي الإرشاد: ولا يندم على ما منه فرط، وليست هذه الفقرة في النهج أصلاً، وقال ابن أبي الحديد: في كتاب ابن قتيبة ولا أهل لما فرط به، أي ليس بمستحق للمدح الّذي مدح به، وقال: فإن قيل: تبينوا الفرق بين الرجلين الّذين أحدهما وكله الله إلى نفسه والآخر رجل قمش جهلا؟ قيل أمّا الرجل الأول فهو الضال في أصول العقائد كالمشبه والمجبر ونحوهما، ألا تراه كيف قال: مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة، وهذا يشعر بما قلناه من أن مراده به التكلم في أصول الدين وهو ضال عن الحق، ولهذا قال: إنه ضال عن هدى من كان قبله، وأمّا الرجل الثاني فهو المتفقة في فروع الشرعيات وليس بأهل لذلك، ألا تراه كيف يقول: جلس بين الناس قاضياً « انتهى » أقول: ويمكن الفرق بأن يكون المراد بالأول من نصب نفسه لمناصب الإفادة والإرشاد، وبالثاني من تعرض للقضاء والحكم بين الناس، ولعله أظهر، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بالأول العباد المبتدعين في العمل والعبادة كالمتصوفة والمرتاضين بالرياضات الغير المشروعة، وبالثاني علماء المخالفين ومن يحذو حذوهم حيث يفتون الناس بالقياسات الفاسدة والآراء الواهية، وفي الإرشاد وأن أبغض الخلق عند الله رجل وكله إلى نفسه، إلى قوله رهين بخطيئته قد قمش جهلا فالأكل صفة لصنف واحد.

الحديث السابع: ضعيف على المشهور ويشمل جميع أنواع القياس حتّى منصوص العلة والقياس بطريق الأولى، وأكثر الأصحاب أخرجوهما، والكلام فيه موكول إلى آخر مجلدات كتابنا الكبير إن شاء الله القدير.

١٩٢

٨ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان رفعه، عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام قالا كلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

٩ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم قال قلت لأبي الحسن موسىعليه‌السلام جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتّى إنّ الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به فقال

________________________________________________________

الحديث الثامن: مرفوع.

قولهعليه‌السلام كلّ بدعة ضلالة: يدل على أن قسمة بعض أصحابنا البدعة إلى أقسام خمسة تبعاً للعامة باطل، فإنها إنما تطلق في الشرع على قول أو فعل أو رأي، قرر في الدين، ولم يرد فيه من الشارع شيء لا خصوصاً ولا عموماً، ومثل هذا لا يكون إلا حراما أو افتراء على الله ورسوله.

الحديث التاسع: حسن.

قولهعليه‌السلام فقهنا: على بناء المعلوم من فقه ككرم أي صار فقيها، أو على بناء المجهول من باب التفعيل وهو أظهر.

قوله ما يسأل ما موصولة وهي مع صلتها مبتدأ والعائد إليه محذوف ويحضره خبره، والجملة مستأنفة وقيل: ما موصولة والجملة صفة للمجلس، وقيل:الجملة حال من فاعل تكون، وقيل: « ما » زائدة ويسأل حال من المجلس، ويحضره حال من صاحبه، وقيل: « ما » نافية أي لا حاجة له إلى سؤال، فقوله: يحضره استيناف بياني والضميران لرجل وفي بعض نسخ المحاسن: إلا وتحضره المسألة، فكلمة ما نافية، ويستقيم الكلام بلا تكلف، وكلمة في في قوله فيما من الله ظرفية أو سببية.

قولهعليه‌السلام إلى أحسن ما يحضرنا: أي ما يكون أقوى سنداً وأبعد من التقية وأصرح في المطلوب، وما قيل: من أنه إشارة إلى القياس بطريق أولى فلا يخفى بعده

١٩٣

هيهات هيهات في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم قال ثمّ قال لعن الله أبا حنيفة كان يقول قال علي وقلت.

قال محمّد بن حكيم لهشام بن الحكم والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياس.

١٠ - محمّد بن أبي عبد الله رفعه، عن يونس بن عبد الرحمن قال قلت لأبي الحسن الأولعليه‌السلام بما أوحد الله فقال يا يونس لا تكونن مبتدعاً من نظر

________________________________________________________

وأوفق الأشياء أي أوفق الأجوبة عن تلك المسألة، لما جاءنا عنكم من أحسن أحاديثكم قياسا عليه أو أوفق الأحاديث للعمومات المروية عنكم، هيهات: أي بعد عن الطريق المستقيم وإصابة الحقّ في ذلك، أي في الأخذ بالقياس الّذي تستأذنني فيه.

قولهعليه‌السلام قال علي وقلت: أي وقلت خلاف قوله، أراد أنه رأى في المسألة رأياً وأنا رأيت فيها رأياً بخلافه وقيل: أراد أنه قال علي قياسا وقلت أنا أيضاً بالقياس وإن وافقه أو يخالف ما روي عن عليعليه‌السلام لأنّ من مذهبه ترجيح القياس على الخبر الواحد، وقيل: كان يقيس حكما على حكم روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام والأول أظهر، وليس ببديع منه، قال الزمخشري في ربيع الأبرار: قال يوسف بن أسباط رد أبو حنيفة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة حديث وأكثر، قيل: مثل ما إذا قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : للفرس سهمان وللرجل سهم، قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم البهيمة أكثر من سهم المؤمن، وأشعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه البدن وقال أبو حنيفة: الإشعار مثلة، وقال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار، وكانعليه‌السلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً وأقرع أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.

الحديث العاشر: مرفوع.

قولهعليه‌السلام بما أوحد الله: أي بأي طريق أعبد الله بالوحدانية، وقيل: أي بما استدل على التوحيد كأنه يريد الدلائل الكلامية فنهاه عن غير السمع، وقوله: ومن

١٩٤

برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ضل ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر.

١١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها فقال لا أمّا إنك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل.

________________________________________________________

ترك كتاب الله مكن أن يكون تعليلاً وتبيينا للجملة السابقة، فإن من ترك اتباع أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ترك ما ورد بالكتاب والسنة في وجوب متابعتهم، وقيل: قوله: من نظر برأيه هلك، أي من نظر في العلوم الدينية برأيه وبدعته وجعل الرأي والقياس مأخذه فقد ضل لأنّ ذلك مسبب عن ترك أهل البيتعليه‌السلام وإنكار إمامتهم وعدم أخذ المعارف والأحكام عنهم، فاحتاج إلى القياس والرأي، فهو تارك لأهل البيتعليهم‌السلام ، ومن تركهمعليه‌السلام ولم يأخذ العلوم عنهم أولا أو بواسطة ضل، لعدم تمكنه من الوصول إلى الحقّ فيها، فينتج من نظر برأيه ضل، فهذا قياس على هيئة الشكل الأول وصغراه مطوي لظهوره وملخص الدليل أنه من نظر برأيه فقد ترك أهل بيت نبيه، ومن تركهم ضل فمن نظر برأيه ضل، وقولهعليه‌السلام : من ترك كتاب الله وقول نبيه كفر، قياس آخر وصغراه مطوي لظهوره وهو أنه من ترك أهل بيت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد ترك كتاب الله وقول نبيه، لدلالتهما على إمامتهم ووجوب طاعتهم وأخذ العلوم عنهم، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر، فمن ترك أهل بيت نبيه كفر، ومن كلا القياسين يتلخص قياس ثالث ينتج: من نظر برأيه كفر.

الحديث الحادي عشر: حسن.

قولهعليه‌السلام فإن أصبت لم توجر: ظاهره أنه مع إصابة الحكم لا يكون آثما وهو خلاف المشهور، ويمكن أن يكون على سبيل التنزيل، وقال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون المراد النظر بالقياس، والمراد بقوله: إن أصبت لم توجر، الإصابة في

١٩٥

١٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

١٣ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قلت أصلحك الله إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شيء إلا وعندنا فيه شيء مسطر وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ثمّ يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شيء فينظر بعضنا إلى بعض وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه فقال وما لكم وللقياس إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثمّ قال إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإن جاءكم ما لا تعلمون فها وأهوى بيده إلى فيه ثمّ قال لعن الله أبا حنيفة كان يقول قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة وقلت ثمّ قال أكنت تجلس إليه فقلت لا ولكن هذا كلامه فقلت أصلحك الله أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بما يكتفون به في عهده قال نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة فقلت فضاع من ذلك شيء فقال لا هو عند أهله.

________________________________________________________

أصل الحكم وعلته، ويحتمل أن يكون المراد النظر في الكتاب والسنة، والاستنباط من العمومات لا بطريق القياس، فربما يكون مصيباً في الحكم والاستنباط كليهما، ولم يكن مأجوراً لتقصيره في تتبع الأدلة، وتحصيل الظن، وعدم دليل آخر والمصنف حملها على الأول فأوردها في هذا الباب « انتهى » وفيه ما لا يخفى.

الحديث الثاني عشر: مجهول.

الحديث الثالث عشر: موثق.

قولهعليه‌السلام فها: الظاهر أنه إشارة إلى السكوت، و « ها » حرف تنبيه، وقيل: هو اسم فعل بمعنى خذ، ويحتمل أن يكون فها للمفرد، ويحتمل أن يكون فهاؤا للجمع وقوله: وأهوى على الأول كهوي على الثاني للحال بتقدير « قد » والباء في بيده للتعدية، والمعنى إذا جاءكم ما لا تعلمون فخذوا من أفواهنا، والأول أظهر.

١٩٦

١٤ - عنه، عن محمد، عن يونس، عن أبان، عن أبي شيبة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ضل علم ابن شبرمة عند الجامعة إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخط عليعليه‌السلام بيده إنّ الجامعة لم تدع لأحد كلاما فيها علم الحلال والحرام إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحقّ إلا بعداً إن دين الله لا يصاب بالقياس.

١٥ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ السنة لا تقاس ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان إنّ السنة إذا قيست

________________________________________________________

الحديث الرابع عشر: مجهول.

قولهعليه‌السلام ضل علم ابن شبرمة: قيل: المراد بالعلم أمّا المأخوذ من مأخذه من المسائل، وأمّا ما يظن ويراه بأي طريق كان سواء كان مأخوذا من المأخذ الشرعية أو من الرأي والقياس والضلال إمّا بمعنى الخفاء والغيبوبة حتّى لا يرى، أو بمعنى الضياع والهلاك والفساد، أو مقابل الهدي، فإن حمل العلم على الأول ناسبه الأول من معاني الضلال، لأنّه من قلته بالنسبة إلى ما في الجامعة من جميع المسائل مما لا يرى ولا يكون له قدر بالنسبة إليه وفي جنبه، وإن حمل العلم على الثاني ويشمل جميع ظنونه وآرائه ناسبه أحد الأخيرين من معاني الضلال، فإنه ضائع هالك عند ما أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمخالفته له، وضل هذا العلم أي ظهر ضلاله وخروجه عن الطريقة المستقيمة عند ما ثبت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منهاج الهدى لمخالفته إياه.

الحديث الخامس عشر: مجهول كالصحيح.

قولهعليه‌السلام إنّ السنة لا تقاس: أي لا تعرف بالقياس لما فيها من ضم المختلفات في الصفات الظاهرة وتفريق المتشابهات في الأحكام الواضحة، كما في قضاء صوم الحائض وعدم قضاء صلاتها مع أن مقتضى عقول أكثر الخلق إمّا اشتراكهما فيه أو اختصاص الصلاة به، والحاصل أن ما يقع فيه الخطأ غالباً لا يصلح أن يكون مدركاً للأحكام الشرعية.

١٩٧

محق الدين.

١٦ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى قال سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام عن القياس فقال ما لكم والقياس إنّ الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم.

١٧ - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال حدثني جعفر، عن أبيهعليه‌السلام أن علياًصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس - قال وقال أبو جعفرعليه‌السلام من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم.

________________________________________________________

قوله: محق الدين: على بناء المجهول أي محي، وأبطل الدين شيئاً فشيئاً بإدخال ما ليس فيه وإخراج ما يكون منه عنه حتّى يؤدي إكثار ذلك إلى تركه بالكلية.

الحديث السادس عشر موثق.

قولهعليه‌السلام لا يسأل: أي لم يبين لنا علل كلّ الأحكام وليس لنا أن نسأله عنها حتّى يتبين لنا فكيف يتأتى حقيقة القياس مع خفاء العلة، وقيل: أي لا يأتي في التحليل والتحريم بما يوافق مدارك عامة العباد من المصالح والحكم، حتّى لو سئل عنه أجاب بما هو مرغوب مداركهم ومستحسن طباعهم بل في أحكامه حكم ومصالح لا يصل إليها أفهام أكثر الناس.

الحديث السابع عشر ضعيف.

قولهعليه‌السلام دهره: منصوب على الظرفية ورفعه بالإسناد المجازي بعيد، والارتماس الاغتماس في الباطل والدخول فيه، بحيث يحيط به إحاطة تامة.

قوله: برأيه، أي بظنونه المأخوذة لا من الأدلة والمأخذ المنتهية إلى الشارع بل من الاستحسانات العقلية والقياسات الفقهية.

قوله: فقد ضاد الله: أي جعل نفسه شريكاً لله تعالى في وضع الشريعة لعباده.

١٩٨

١٨ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الحسين بن مياح، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن إبليس قاس نفسه بآدم

________________________________________________________

الحديث الثامن عشر ضعيف.

قولهعليه‌السلام قاس نفسه، يحتمل أن يكون المراد بالقياس هنا ما هو أعم من القياس الفقهي من الاستحسانات العقلية، والآراء الواهية الّتي لم تؤخذ من الكتاب والسنة، ويكون المراد أن طريق العقل مما يقع فيه الخطأ كثيراً فلا يجوز الاتكال عليه في أمور الدين، بل يجب الرجوع في جميع ذلك إلى أوصياء سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا هو الظاهر في أكثر أخبار هذا الباب فالمراد بالقياس هنا القياس اللغوي، ويرجع قياس إبليس إلى قياس منطقي مادته مغالطة، لأنّه استدل أولا على خيريته بأنه من نار ومادة آدم من طين، والنار خير من الطين، فاستنتج من ذلك أن مادته خير من مادة آدم، ثمّ جعل ذلك صغرى، ورتب القياس هكذا، مادته خير من مادة آدم، وكل من كان مادته خيراً من مادة غيره يكون خيراً منه، فاستنتج أنه خير من آدم، ويرجع كلامهعليه‌السلام إلى منع كبرى القياس الثاني، بأنه لا يلزم من خيرية مادة أحد من غيره كونه خيراً منه، إذ لعله تكون صورة الغير في غاية الشرافة، وبذلك يكون ذلك الغير أشرف، كما أن آدم لشرافة نفسه الناطقة الّتي جعلها الله محل أنواره ومورد إسراره أشد نوراً وضياء من النار، إذ نور النار لا يظهر إلا المحسوسات ومع ذلك ينطفئ بالماء والهواء، ويضمحل بضوء الكواكب ونور آدم نور به يظهر عليه أسرار الملك والملكوت ولا ينطفئ بهذه الأسباب والدواعي، ويحتمل أن يكون المراد بنور آدم عقله الّذي به نور الله نفسه، وبه شرفه على غيره، ويحتمل إرجاع كلامه إلى إبطال كبرى القياس الأول بأن إبليس نظر إلى النور الظاهر في النار، وغفل عن النور الّذي أودعه الله في طين آدم لتواضعه ومذلته، فجعله لذلك محل رحمته ومورد فيضه، وأظهر منه أنواع النباتات والرياحين والثمار والمعادن والحيوان، وجعله قابلاً لإفاضة الروح عليه، وجعله محلا لعلمه وحكمته، فنور

١٩٩

فقال خلقتني من نار وخلقته من طين ولو قاس الجوهر الّذي خلق الله منه آدم بالنار كان ذلك أكثر نوراً وضياء من النار.

١٩ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حريز، عن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام - عن الحلال والحرام فقال حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة لا يكون غيره ولا يجيء غيره وقال قال عليعليه‌السلام ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة

________________________________________________________

التراب نور خفي لا يطلع عليه إلا من كان له نور، ونور النار نور ظاهر بلا حقيقة ولا استقرار وثبات، ولا يحصل منها إلا الرماد، وكل شيطان مريد، ويمكن حمل القياس هنا على القياس الفقهي أيضا، لأنّه لعنه الله استنبط أو لا علة إكرام آدم، فجعل علة ذلك كرامة طينته ثمّ قاس بأن تلك العلة فيه أكثر وأقوى، فحكم بذلك أنه بالمسجودية أولى من الساجدية فأخطأ العلة ولم يصب، وصار ذلك سبباً لكفره وشركه، ويدل على بطلان القياس بطريق أولى على بعض معانيه.

الحديث التاسع عشر صحيح.

قولهعليه‌السلام ترك بها سنة: لأنّه لما كان في كلّ مسألة بيان من الشارع وحكم فيها، فمن قال بما لم يكن في الشرع وابتدع شيئاً ترك به سنة وحكما من أحكام الله تعالى، والحاصل نفي مذهب المصوبة الّذين يقولون ليس للشارع حكم معين في كلّ فرع بل فوض الأحكام إلى آراء المجتهدين فحكم كلّ مجتهد في كلّ فرع هو حكم الله الواقعي في حقه وفي حق مقلده، وتصويب لمذهب المخطئة القائلين بأن الشارع قد حكم في كلّ فرع بحكم معين والمجتهد بعد استفراغ الوسع قد يصيب وقد يخطئ، والمخطئ مصاب لبذل جهده وخطأه مغتفر، وللمصيب أجران أحدهما لإصابته والآخر لاجتهاده، وربما يقال هذه الأخبار تدل على نفي الاجتهاد مطلقاً وفيه: أن للمحدثين أيضاً نوعاً من الاجتهاد يقع منهم الخطأ والصواب ولا محيص لهم عن ذلك

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358