مرآة العقول الجزء ١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 358

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 358
المشاهدات: 36700
تحميل: 5189


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 358 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36700 / تحميل: 5189
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

باب أدنى المعرفة

١ - محمّد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلوي وعلي بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمداني جميعا، عن الفتح بن يزيد، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سألته عن أدنى المعرفة فقال الإقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

________________________________________________________

وبما هداهم إليه من المعرفة، كما قال تعالى:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) (١) والحاصل أن وجوده تعالى أظهر الأشياء ولا يحتاج في ظهوره إلى بيان أحد، وقد أظهر الدلائل على وجوده وعلمه وقدرته في الآفاق وفي أنفسهم، وهو مظهر الأنبياء والرسل وفضلهم وكمالهم وهو مفيض العلم والجود عليهم، وعلى جميع الخلق، فهو سبحانه المظهر لنفسه ولغيره وجوداً وكمالا ومعرفة كما قال سيد الشهداءعليه‌السلام في دعاء يوم عرفة: كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي الّتي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا. إلى آخر الدعاء.

باب أدنى المعرفة

الحديث الأول: مجهول وأبو الحسنعليه‌السلام يحتمل الثاني والثالث.

قولهعليه‌السلام لا شبه له، أي في شيء من الصفات، أو في استحقاق العبادة « ولا نظير » له في الإلهية وأنه قديم غير محتاج إلى علة، ولا مخرج من العدم إلى الوجود « مثبت » أي محكوم عليه بالوجود والثبوت لذاته بالبراهين القاطعة « موجود » إمّا من الوجود أو من الوجدان، أي معلوم، وكذا قوله: غير فقيد، أي غير مفقود زائل الوجود أو لا يفقده الطالب، وقيل أي غير مطلوب عنه الغيبة حيث لا غيبة له.

__________________

(١) سورة القصص: ٥٦.

٣٠١

٢ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن طاهر بن حاتم في حال استقامته أنه كتب إلى الرجل ما الّذي لا يجتزأ في معرفة الخالق بدونه فكتب إليه لم يزل عالماً وسامعاً وبصيراً وهو الفعال لما يريد وسئل أبو جعفرعليه‌السلام - عن الّذي لا يجتزأ بدون ذلك من معرفة الخالق فقال ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء لم يزل عالماً سميعاً بصيرا.

٣ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح، عن سيف بن عميرة، عن إبراهيم بن عمر قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن أمر الله كله عجيب إلا أنه قد احتج عليكم بما قد عرفكم من نفسه.

________________________________________________________

الحديث الثاني: ضعيف وآخره مرسل.

قوله في حال استقامته، نقل أنه كان مستقيما ثمّ تغير وأظهر الغلو وهو من أصحاب الرضاعليه‌السلام .

قولهعليه‌السلام : وهو الفعال: أي بمجرد الإرادة بلا مزاولة، وفيه رد على من قال إنه واحد لا يصدر عنه إلا الواحد.

قوله: وسئل، يحتمل أن يكون من تتمة مكاتبة طاهر بن حاتم، ويحتمل أن يكون حديثاً آخر مرسلا.

الحديث الثالث: صحيح، والعجيب: الأمر العظيم الغريب المخفي سببه، والمراد أن أمر الله كله من الخفايا الّتي لا يطلع عليها إلا بتعريف وتبيين من الله سبحانه وإعطائه القلوب مبادئ معرفته، إلا أنه احتج على عباده بما عرفهم من نفسه وأعطاهم مبادئ معرفته ولم يحتج عليهم ولم يكلفهم بما سواه، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض لمعرفة ما لم يكلفه به من أمره سبحانه ويكلف تحقيق ما لم يعط مبادئ معرفته، وبعض الفضلاء قرأ ألا بالتخفيف حرف تنبيه، فالمراد أنه تعالى أظهر لكم الغرائب من خلقه وصنعه واحتج عليكم بها.

٣٠٢

باب المعبود

١ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب وعن غير واحد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عبد الله بالتوهم فقد كفر ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته الّتي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام حقا.

وفي حديث آخر( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) .

٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه

________________________________________________________

باب المعبود

الحديث الأول: صحيح وآخره مرسل.

قوله: من عبد الله بالتوهم: أي من غير أن يكون على يقين في وجوده تعالى وصفاته أو بأن يتوهمه محدوداً مدركاً بالوهم « فقد كفر » لأنّ الشك كفر، ولأن كلّ محدود ومدرك بالوهم غيره سبحانه، فمن عبده كان عابداً لغيره فهو كافر.

قوله: ومن عبد الاسم: أي الحروف أو المفهوم الوصفي له دون المعنى، أي المعبر عنه بالإسم « فقد كفر » لأنّ الحروف والمفهوم غير الواجب الخالق للكل تعالى شأنه، وإنما الاسم بلفظه ومفهومه تعبير عن المعنى المقصود، أن يعبر عنه أي ذاته المتعالي عن إحاطة العقول والأذهان والإدراكات.

قوله: ومن عبد الاسم والمعنى أي مجموعهما أو كلّ واحد منهما.

قولهعليه‌السلام فعقد عليه قلبه: أي اعتقد المعنى وإلهيته أو أنه يعبده اعتقاداً جازما صادقاً ونطق به لسانه.فإن الاعتقاد بالقلب إذا فارق الإقرار باللسان لم يكن كافياً في الإسلام، والإيمان، ولا بد من النطق به مع التمكن.

الحديث الثاني: حسن.

٣٠٣

سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها الله مما هو مشتق قال فقال لي. يا هشام الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت. يا هشام قال فقلت زدني قال إن لله تسعة وتسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كلّ اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء

________________________________________________________

قوله: الله مشتق من إله، اعلم أنه اختلف علماء اللسان في لفظ الجلالة هل هو جامد أو مشتق، فذهب الخليل وأتباعه وجماعة من الأصوليين وغيرهم إلى أنه علم للذات ليس بمشتق، وذهب الأكثر إلى أنه مشتق ثمّ غلب على المعبود بالحق، وهذا الخبر يدل على الثاني، وقولهعليه‌السلام : من إله إمّا اسم على فعال بمعنى المفعول، أي المعبود أو غيره من المعاني الّتي سيأتي ذكرها، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام، وقيل: عوض عن المحذوف، أو فعل إمّا بفتح اللام بمعنى عبد لأنّه معبود، أو بالكسر بمعنى سكن، لأنّه يسكن إليه القلوب، أو فزع لأنّ العابد يفزع إليه في النوائب، أو من أله الفصيل إذا ولع بأمه، إذ العباد مولعون بالتضرع إليه في الشدائد، أو تحير لأنّ الأوهام تتحير فيه، وقيل: مشتق من وله إذا تحير وقيل: من لاه بمعنى ارتفع، لأنّه مرتفع عن مشاكلة الممكنات، وقيل: من لاه يلوه إذا احتجب لأنّه محتجب عن العقول، وظاهر الخبر اشتقاقه من الإله بمعنى المعبود.

قولهعليه‌السلام : والإله يقتضي مألوها، الظاهر أنه ليس المقصود أولا الاستدلال على المغايرة بين الاسم والمسمى، بل المعنى أن هذا اللفظ بجوهره يدل على وجود معبود يعبد، أو أنه بمعنى المعبود كما قيل، أو يقتضي كونه معبودا، ثمّ بين أنه لا يجوز عبادة اللفظ بوجه، ثمّ استدل على المغايرة بين الاسم والمسمى، ويحتمل أن يكون استدلالا بأن هذا اللفظ يدل على معنى، والدال غير المدلول بديهة، وعلى هذا يحتمل أن يكون ما يذكر بعد ذلك تحقيقاً آخر لبيان ما يجب أن يقصد بالعبادة، وأن يكون تتمة لهذا الدليل تكثيراً للإيراد، وإيضاحا لما يلزمهم من الفساد، بأن

٣٠٤

وكلها غيره. يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق أفهمت. يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله

________________________________________________________

يكون المعنى أن العقل لما حكم بالمغايرة فمن توهم الاتحاد إن جعل هذه الحروف معبوداً بتوهم أن الذات عينها، فلم يعبد شيئاً أصيلا إذ ليس لهذه الأسماء بقاء واستمرار وجوداً لا بتبعية النقوش في الألواح أو الأذهان، وإن جعل المعبود مجموع الاسم والمسمى فقد أشرك وعبد مع الله غيره، وإن عبد الذات الخالص فهو التوحيد، وبطل الاتحاد بين الاسم والمسمى، والأول أظهر، ويحتمل أن يكون المراد بالمألوه من له إلا له كما يظهر من بعض الأخبار أنه يستعمل بهذا المعنى، كقولهعليه‌السلام : كان إلها إذ لا مألوه وعالما إذ لا معلوم فالمعنى أن الإله يقتضي نسبة إلى غيره ولا يتحقق بدون الغير، والمسمى لا حاجة له إلى غيره، فالاسم غير المسمى، ثمّ استدلعليه‌السلام على المغايرة بوجهين آخرين: « الأول »: أن لله تعالى أسماء متعددة فلو كان الاسم عين المسمى لزم تعدد الآلهة لبداهة مغايرة تلك الأسماء بعضها لبعض، قوله: ولكن الله أي ذاته تعالى لا هذا الاسم « الثاني »: أن الخبز اسم لشيء يحكم عليه بأنه مأكول، ومعلوم أن هذا اللفظ غير مأكول، وكذا البواقي، وقيل: إنّ المقصود من أوّل الخبر إلى آخره بيان المغايرة بين المفهومات العرضية الّتي هي موضوعات تلك الأسماء وذاته تعالى الّذي هو مصداق تلك المفهومات، فقولهعليه‌السلام : والإله يقتضي مألوها معناه أن هذا المعنى المصدري يقتضي أن يكون في الخارج موجود هو ذات المعبود الحقيقي، ليدل على أن مفهوم الاسم غير المسمى والحق تعالى ذاته نفس الوجود الصرف بلا مهية أخرى، فجميع مفهومات الأسماء والصفات خارجة عنه، فصدقها وحملها عليه ليس كصدق الذاتيات على المهية إذ لا مهية له كلية ولا كصدق العرضيات إذ لا قيام لأفرادها بذاته تعالى، ولكن ذاته تعالى بذاته الأحدية البسيطة مما ينتزع منه هذه المفهومات، وتحمل عليه، فالمفهومات كثيرة والجميع غيره، فيلزم من عينية تلك المفهومات تعدد الآلهة.

قوله: الخبز اسم للمأكول، حجة أخرى على ذلك، فإن مفهوم المأكول اسم

٣٠٥

جل وعز غيره قلت نعم قال فقال نفعك الله به وثبتك.يا هشام قال هشام فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا.

٣ - علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أو قلت له جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد قال فقال إن من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه.

باب الكون والمكان

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة قال:

________________________________________________________

لما يصدق عليه كالخبز، ومفهوم المشروب يصدق على الماء، ومفهوم الملبوس على الثوب والمحرق على النار، ثمّ إذا نظرت إلى كلّ من هذه المعاني في أنفسها وجدتها غير محكوم عليها بأحكامها، فإن معنى المأكول غير مأكول إنما المأكول شيء آخر كالخبز، وكذا البواقي، ولا يخفى ما فيه، ويقال: تناضل فلان عن فلان إذا تكلم بعذره ورمى عنه، وحاج مع أعدائه وذب عنه من نضله نضلا أي غلبه، وانتضلوا وتناضلوا: رموا للسبق، والإلحاد في الأصل: الميل والعدول عن الشيء، ثمّ غلب استعماله في العدول عن الحق.

الحديث الثالث صحيح.

قولهعليه‌السلام : إنّ الأسماء صفات، ربما يستدل به على أن المراد بالأسماء في هذه الأخبار المفهومات الكلية لا الحروف، ويمكن أن يقال لدلالتها على الصفات أطلقت عليها مجازا، أو كما أن الصفات تحمل على الذوات فكذا الأسماء تطلق عليها فلذا سميت صفات مجازا.

باب الكون والمكان

الحديث الأول: صحيح.

٣٠٦

سأل نافع بن الأزرق أبا جعفرعليه‌السلام فقال أخبرني عن الله متى كان فقال متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ( صاحِبَةً وَلا وَلَداً )

________________________________________________________

قوله:عليه‌السلام أخبرني عن الله متى لم يكن؟ الظاهر أن السائل كان غرضه السؤال عن ابتداء وجوده تعالى فنفىعليه‌السلام الابتداء بأنه يستلزم سبق العدم وهو أزلي يستحيل العدم عليه، وقيل: لما كان « متى » سؤالا عن الزمان المخصوص من بين الأزمنة لوجوده، ولا يصح فيما لا اختصاص لزمان به، أجابهعليه‌السلام بقوله: متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان، ونبه به على بطلان الاختصاص الّذي أخذ في السؤال، ثمّ صرح بسرمديته بقوله: سبحان من لم يزل ولا يزال، وبعدم مقارنته للمتغيرات واستحالة التغير عليه بدخول شيء فيه واتصافه به، أو خروج شيء منه حتّى يصح الاختصاص بزمان باعتبار من الاعتبارات بقوله فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً

وتفصيله أن متى عند الحكماء نسبة المتغيرات إلى مقدار تغيرها والتغير هو الحركة والزمان مقدارها، فالواقع في الزمان أو لا وبالذات هو نفس الحركة والاستحالة، سواء كان من مكان إلى مكان ويقال له النقلة، أو من وضع إلى وضع كدوران الفلك والفلكة، أو من كم إلى كم يقال له النمو والذيول، أو من كيف إلى كيف يقال له الاستحالة، وغير الحركة كالأجسام وما يتبعها إنما يقع في الزمان بتبعية الحركة لا بحسب المهية والذات، فكل ما لم يكن حركة ولا متحركاً ولوجوده علاقة بالمتحرك فليس بواقع في الزمان فلا يصح السؤال عنه بمتى، ولذا نبهعليه‌السلام على فساد السؤال عنه بمتى بقوله: متى لم يكن، فإن من خاصية المنسوب إلى الزمان أنه ما لم ينقطع نسبته عن بعض أجزاء الزمان لم ينسب إلى بعض آخر، فالموجود في هذا اليوم غير موجود في الغد ولا في الأمس، ولكن الباري جل جلاله لا يتصور في حقه تغير وتجدد بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في إضافته ونسبته.

٣٠٧

٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال جاء رجل إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام من وراء نهر بلخ فقال إني أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك فقال أبو الحسنعليه‌السلام سل عمّا شئت فقال أخبرني عن ربك متى كان وكيف كان وعلى أي شيء كان اعتماده فقال أبو الحسنعليه‌السلام إنّ الله تبارك وتعالى أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف وكان اعتماده على قدرته فقام إليه الرجل فقبل رأسه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن علياً وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والقيم بعده بما قام به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنكم الأئمّة الصادقون وأنك الخلف من بعدهم.

________________________________________________________

الحديث الثاني: صحيح والظاهر « أين كان » بدل « متى كان » كما هو في التوحيد وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام لينطبق عليه الجواب، وعلى هذه النسخة يمكن أن يتكلف بأن متى كان لا يصح إلا لما في الزمان، والزمان لا يكون إلا لذي مادة جسمانية يلزمه الأين، وليس له تعالى أين لأنّه خالق الأين.

قوله: وعلى أي شيء كان اعتماده؟ أي استمداده في خلق ما خلق، أو يكون هذا سؤالا عن المكان، فإن المكان في عرف الجمهور ما يعتمد الشيء عليه، وقولهعليه‌السلام : أين الأين، مما يوهم كون الماهيات مجعولة بالجعل البسيط، ومن لا يقول بذلك يقول لما كانت المهية أيضاً في حال العدم لا تحمل على الشيء، وبعد الوجود تحمل عليه، صح أنه جعل الأين أينا، وقولهعليه‌السلام بلا أين: يحتمل وجهين: أحدهما: نفي الأين عنه تعالى، والثاني نفيه عن الأين تنبيها على أن الأين الّذي هو من جملة مخلوقاته لا أين له، وإلا لزم التسلسل في الأيون، فخالق الكل أجل من أن يكون له أين، وكان اعتماده على قدرته أي لا اعتماد له على شيء أصلاً إذ الاعتماد للشيء على الغير إنما نشأ من نقصان وجوده وقصور ذاته كالجواهر الجسمانية وما يتبعها، والله تعالى تام الحقيقة والوجود وهو المبدع للأشياء، فلا اعتماد له على شيء بل كان اعتماد الكل على قدرته الّتي هي عين ذاته.

٣٠٨

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال جاء رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام فقال له أخبرني عن ربك متى كان فقال ويلك إنما يقال لشيء لم يكن متى كان إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ولم يكن له كان ولا كان لكونه كون كيف ولا كان له أين ولا كان في شيء ولا كان على شيء ولا ابتدع

________________________________________________________

الحديث الثالث: ضعيف.

قوله:عليه‌السلام كان ولم يزل: في التوحيد بإسقاط الواو.

قوله حياً بلا كيف: أي بلا حياة له زائدة على ذاته ولا من الكيفيات الّتي تعد من توابع الحياة.

قوله ولم يكن له كان: الظاهر أن كان اسم لم يكن لأنّهعليه‌السلام لما قال كان أوهم العبارة زمانا لأنّ كان يدل على الزمان، نفىعليه‌السلام ذلك بأنه كان بلا زمان، والتعبير بكان لضيق العبارة، وقيل: أي لم يتحقق له كون شيء من الصفات الزائدة « ولا كان لكونه » أي لوجوده « كون كيف » بالإضافة، أي ثبوت كيف واتصاف بكيفية، وليس في التوحيد لفظ كون في البين وهو الظاهر، ومنهم من فصل « ولم يكن له » عن « كان » أي لم يكن الكيف ثابتا له بأن يكون الواو للعطف التفسيري أو الحال، وكان ابتداء كلام تامة وقوله وكان ثانياً ناقصة حال عن اسم كان، أي كان أزلا والحال أنه ليس له كون كيف بل كونه منزه عن الاتصاف بالكيف، ومنهم من قال: المراد أنه لم يجز أن يقال في حقه تعالى كان ومقابله الّذي هو لا كان، لأنّ مثل هذا الكون الّذي وقع فيه التغير هو كون أمر وجوده عارض زائد كوجود الكيفيات الزائدة، ويمكن فصل كيف عمّا قبله فالمعنى ولا كان له كون أي حدوث، وكيف يكون كذلك وليس له أين ومكان ولا نحو من أنحاء التغير في الصفات أيضا.

قوله ولا كان في شيء: لا كون الجزء في الكل والجزئي في الكلي، والحال في المحل والمتمكن في المكان.

قوله: ولا كان على شيء: نفي مكان العرفي، كما أن الأول نفي ما هو مصطلح

٣٠٩

لمكانه مكانا ولا قوي بعد ما كون الأشياء ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئاً ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئاً ولا يشبه شيئاً مذكوراً ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه لم يزل حياً بلا حياة وملكاً قادراً قبل أن ينشيء شيئاً وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون فليس لكونه كيف ولا له أين ولا له حد ولا يعرف

________________________________________________________

المتكلمين والحكماء فهوعليه‌السلام نفى أولا عنه سبحانه الأين مجملا، ثمّ نفى عنه تفاصيله وجميع معانيه مع نفي أمور يستلزمه التأين.

قوله لمكانه: أي ليكون مكانا أو لمنزلته بأن يكون المراد بالمكان المنزلة أو يكون لمكانة بالتنوين، أي ليس له مكان عرفي كالسرير تتخذه الملك، ليكون مكانا له يرفعه الخدم.

قوله شيئاً مذكورا: أي مكونا له ومذكوراً بين أهل الأرض، ولعل المقصود التعميم أي كلّ شيء يذكر في النطق أو في الذهن فهو منزه عن مشابهته، وفي التوحيد في رواية أخرى ولا يشبهه شيء مكون.

قوله من الملك: بالضم أي السلطنة والعظمة « قبل إنشائه » أي إنشاء شيء لقدرته على إيجاد الأشياء وإبقائها على الوجود وإعدامها بعد الوجود وإبقائها على العدم، وكونه جامعاً في ذاته لما يحتاج إليه فعله وحاجة الماهيات إليه في الوجود مطلقاً لذواتها.

« بعد ذهابه » أي ذهاب ما أنشأ أو إنشائه، وقولهعليه‌السلام : « لم يزل حياً بلا حياة » أي مغايرة لذاته، ناظر إلى قوله حياً بلا كيف، وقوله: وملكاً قادراً إلى قوله:ولا كان ضعيفا، وإلى قوله ولا كان خلوا، وقوله « وملكاً جباراً بعد إنشائه الكون » أي قوياً على الإبقاء وإفاضة الوجود واستمرار الإيجاد، وعلى الإفناء بعد إفاضة الوجود واستمرار الإيجاد، وقولهعليه‌السلام فليس لكونه كيف، إمّا تأكيد لما سبق، أو المعنى ليس بعد إنشائه للكون بوجوده كيف كما لم يكن قبل الإنشاء لكونه كيف، لعدم إمكان تغيره واتصافه بما يستكمل به « ولا له أين ولا له حد » فينتهى ويحاط

٣١٠

بشيء يشبهه ولا يهرم لطول البقاء ولا يصعق لشيء بل لخوفه تصعق الأشياء كلها كان حياً بلا حياة حادثة ولا كون موصوف ولا كيف محدود ولا أين موقوف عليه ولا مكان جاور شيئاً بل حي يعرف وملك لم يزل له القدرة والملك أنشأ ما شاء حين

________________________________________________________

« ولا يعرف » بعد الكون « بشيء يشبهه » حيث لا شبه له، لا يهرم لطول البقاء كما في المعمرين من البشر لو هن قواهم « ولا يصعق » أي لا يغشى عليه لخوف أو غيره، لأنّ وجوده وكمالاته بذاته، فلا يمكن زواله والتغير فيه « بل لخوفه » لأنّ الكل محتاج إليه مجبور بقدرته مسخر له مضطر إليه « تصعق الأشياء كلها » أي تهلك أو تضعف عند ظهور قدرته وتجليه، كما قال( خَرَّ مُوسى صَعِقاً ) (١) وقال سبحانه( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ ( مَنْ فِي )الْأَرْضِ ) (٢)

« ولا كون موصوف » النفي راجع إلى القيد، والمراد أنه ليس له وجود موصوف بكونه زائداً عليه، لأنّ وجوده عين ذاته أو بكونه في زمان أو مكان لأنّ وجوده منزه عنهما، أو المراد أنه ليس له وجود موصوف محدود بحد حقيقي يخبر عن ذاتياته أو بحد ونهاية.

وقيل: المراد بالكون الموصوف الوجود المتصف بالتغير أو عدمه عمّا من شأنه التغير المعبر عنهما بالحركة والسكون « ولا كيف محدود » المراد بالكيف إمّا مطلق الصفة فيكون النفي راجعاً إلى القيد، أو الكيفيات الجسمانية فيكون راجعاً إليهما معا، « ولا أين موقوف عليه » أي أين يكون وقوفه وقيامه عليه، أو يتوقف وجوده عليه « ولا مكان جاور شيئاً » بالمهملة أي مكان خاص مجاور المكان آخر، أو بالمعجمة كما في بعض النسخ، أي مجاوز عن مكان آخر بأن يكون فوقه مثلا « بل حي يعرف » على المجهول أي يعرف أنه حي بإدراك آثار يعد من آثار الحي لا باتصافه بمفهوم الحياة الّتي هي صفة قائمة بموصوفها، أو على المعلوم أي يعرف الأشياء بذاته « وملك لم يزل له القدرة » أي له القدرة والعز والسلطنة

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٤٣.

(٢) سورة الزمر: ٦٨.

٣١١

شاء بمشيئته لا يحد ولا يبعض ولا يفنى كان أولا بلا كيف ويكون آخراً بلا أين و( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) ويلك أيها السائل إن ربي لا تغشاه الأوهام ولا تنزل به الشبهات.

________________________________________________________

لذاته، لا بكون الأشياء وسلطنته عليها، ثمّ لما أثبتعليه‌السلام توحيد ذاته ونفي الزائد من العلم والقدرة وغيرهما أمكن أن يتوهم أن صدور الأشياء عنه يكون على وجه الإيجاب كفعل الطبائع العديمة الشعور، فأزال ذلك التوهم بأن إيجاد كلّ ما شاء في وقته الخاص بمحض مشيته وعلمه الّذي هو عين ذاته، ثمّ رجع إلى نفي المثالب عنه تأكيداً لما سبق وتوضيحا، فقال: « ولا يحد » لأنّ الحد إنما يكون لما له جزء فيحد بأجزائه وليس هو كذلك ولذا قال عقيبه « ولا يبعض » أي لا في الخارج ولا بحسب الذهن « ولا يفنى » لمنافاته وجوب الوجود « كان أولا بلا كيف » أي مبدءا موجداً للكل لا بقدرة وعلم يعدان من الكيف، ولا بغير هما من الكيفيات، بل بذاته وصفاته الذاتية « ويكون آخراً » أي باقياً مع ما عداه من الأواخر وبعد فناء ما يفنى منها « بلا أين » أي بلا كونه كونا مادياً زمانياً فلا يكون آخراً بالحدوث على حال أو بالزمان، بدخوله تحت الزمان، ويحتمل أن يكون المراد بالأول المبدأ الفاعل وبالآخر الغاية، فإنه فاعل الكل بلا كيف، وغاية الكل حتّى الماديات بلا مقارنة مادة والتأين بأين كما قيل،( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) أي يفنى جميع الأشياء قبل القيامة إلا ذاته تعالى كما ورد في الأخبار، أو كلّ شيء في معرض الفناء والعدم لا مكانه إلا الواجب الوجود بالذات أو كلّ جهات الأشياء جهات الفناء إلا جهتها الّتي بها ينتسب إليه تعالى، فإنه علتها ووجودها وبقاءها بتلك الجهة( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) : قيل المراد بالخلق عالم الأجسام والماديات أو الموجودات العينية، وبالأمر عالم المجردات أو الموجودات العلمية، ويمكن أن يكون المراد بالأول خلق الممكنات مطلقا، وبالثاني الأمر التكليفي أو الأعم منه ومن التكويني، وهذا أنسب بعرف الأخبار « ولا تغشاه الأوهام » أي لا تحيط به ولا تدركه، وليس علمه بالأشياء بالتوهم « ولا تنزل به الشبهات » أي ليس في أمره من وجوده وكمالاته شبهة لوضوح الأمر أو ليس علمه بالشبهات و

٣١٢

ولا يحار ولا يجاوزه شيء(١) ولا تنزل به الأحداث ولا يسأل عن شيء ولا يندم على شيء و( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ) .

٤ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه قال اجتمعت اليهود إلى رأس الجالوت فقالوا له إن هذا الرجل عالم يعنون أمير المؤمنينعليه‌السلام فانطلق بنا إليه نسأله فأتوه فقيل لهم هو في القصر فانتظروه حتّى خرج فقال له رأس الجالوت جئناك نسألك فقال سل يا يهودي عمّا بداً لك فقال أسألك عن ربك متى كان فقال كان بلا كينونية كان بلا كيف كان لم يزل بلا كم

________________________________________________________

الظنون « ولا يحار من شيء » بالمهملة من الحيرة، وبالمعجمة على صيغة المجهول أي لا يجبره من شيء أحد.

قوله ولا يجاوزه: أي لا يخرج من حكمه ومشيته شيء، وفي بعض النسخ بالراء المهملة من المجاورة، وربما يقرأ بالمهملتين من الحور بمعنى النقص، والمفاعلة للتعدية أي لا ينقصه شيء، ولا يخفى ما فيه، وأحداث الدهر: نوائبه « ولا يسأل عن شيء » أي سؤال احتجاج ومؤاخذة لكمال سلطنته وعلمه وحكمته وعطفه ورحمته، والمراد بما تحت الثرى ما تحت التراب الّذي به نداوة وبلة، أي الطبقة الطينية، قيل: ويحتمل أن يكون المراد بما بينهما ما يحصل من امتزاج القوى العلوية والسفلية، وبما تحت الثرى ما يتكون بامتزاج الماء والتراب، وفي الأخبار في تحقيق ذلك غرائب أوردناها في كتابنا الكبير.

الحديث الرابع: مرفوع ورأس الجالوت هو مقدم علماء اليهود، وجالوت أعجمي ولما سئل عن زمانه وكان الزمان مخصوصاً بالموجودات الزمانية الّتي لا تخلو من كون حادث وكيف وكم وغاية، نفى عنه تعالى هذه المعاني للتنبيه على أنه لا يصح فيه متى، فقال: كان بلا كينونة، أي وجود زائد أو حادث، « كان بلا كيف » أي صفة زائدة.

قوله وبلا كيف: أي الكيفيات الجسمانية، قوله: « كان » بعد ذلك يحتمل تعلّقه

__________________

(١) وفي بعض النسخ كنسخة الشارح (ره) « ولا يحار من شيء ولا يجاوزه ».

٣١٣

وبلا كيف كان ليس له قبل هو قبل القبل بلا قبل ولا غاية ولا منتهى انقطعت عنه الغاية وهو غاية كلّ غاية فقال رأس الجالوت امضوا بنا فهو أعلم مما يقال فيه.

٥ - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين متى كان ربك فقال له ثكلتك أمك ومتى لم يكن حتّى يقال متى كان كان ربي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ولا غاية ولا منتهى لغايته انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كلّ غاية فقال يا أمير المؤمنين أفنبي أنت فقال ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وروي أنه سئلعليه‌السلام أين كان

________________________________________________________

بالسابق واللاحق وكذا السابق هو قبل القبل أي قبل كلّ ما تعرض له القبلية « بلا قبل » أي من غير أن يكون شيء قبله، أو ليس له ما يتصف بالذات بالقبلية كالزمان « ولا غاية » أي ليس لوجوده ولا حال من أحواله نهاية، ولا ما ينتهي إليه « انقطعت عنه الغاية » أي طرف الامتداد، فإن الامتداد متأخر عنه بمراتب، أو كلّ غاية ونهاية تفرض فهو موجود بعده « وهو غاية كلّ غاية » أي انتهاء وجود الغايات أو موجود بعد كلّ غاية.

الحديث الخامس: مجهول وآخره مرسل.

قوله ثكلتك أمك: قال في المغرب: ثكلت المرأة ولدها: مات منها « وبعد البعد بلا بعد » أي لا شيء بعده، أو ليس له شيء متصف بالبعدية بالذات كما مر في القبل « انقطعت الغايات عنده » فإنه لا امتداد حيث هو فضلا عن طرفه، أو كلّ غاية تفرض فهو موجود بعده « فهو منتهى كلّ غاية » أي منتهى العلل الغائية أو منتهى طلبات العالمين ورغباتهم، وقد زعم الحكماء أن جميع الطبائع من السفليات والعلويات متوجهة إلى تحصيل كمالاتها الممكنة بحسب قابلياتها واستعداداتها والتشبه بما فوقها إلى أن ينتهي إليه سبحانه، فإنه غاية الغايات، والكامل بالذات، وكلماتهم في ذلك طويلة، والله الهادي إلى الحقّ واليقين.

قولهعليه‌السلام إنما أنا عبد: أي مطيع خادم له مقتبس من علمه، وهذا من غاية

٣١٤

ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا فقالعليه‌السلام أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.

٦ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن سماعة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رأس الجالوت لليهود إنّ المسلمين يزعمون أن علياًعليه‌السلام من أجدل الناس وأعلمهم اذهبوا بنا إليه لعلي أسأله عن مسألة وأخطئه فيها فأتاه فقال يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة قال سل عمّا شئت قال يا أمير المؤمنين متى كان ربنا قال له يا يهودي إنما يقال متى كان لمن لم يكن فكان متى كان هو كائن بلا كينونية كائن كان بلا كيف يكون بلى يا يهودي ثمّ بلى يا يهودي كيف يكون له قبل هو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى

________________________________________________________

تواضعه وحبه للرسول صلى الله عليهما وآلهما.

الحديث السادس: ضعيف.

قوله: من أجدل الناس: أي أقواهم في المخاصمة والمناظرة وأعرفهم بالمعارف اليقينية.

قوله: متى كان: تأكيد للسؤال الأول، وقيل: متى الأولى استفهامية، والثانية خبرية، أي: متى، كان لاستعلام حال من لم يكن موجوداً حينا من الدهر ثمّ كان في الوقت الّذي كان، وقيل: متى كان ثانياً شرط وقع حالا « بلا كينونة كائن » أي قبل أن يتكون كائن، أو بلا وجود موجود معه من زمان أو مكان أو غيرهما، أو بلا كينونة ككينونة الكائنات « كان بلا كيف يكون » أي بدون كيف يوجد، سواء كان كيفية موجودة أو استعداداً لها، ولما استشعرعليه‌السلام من السائل إنكاراً لكون الشيء موجوداً بلا كيف ولا زمان، أو كان مظنة ذلك، رد عليه بقوله بلى يا يهودي ثمّ أكد بقوله: ثمّ بلى، وقولهعليه‌السلام : كيف يكون له قبل، أي شيء سابق عليه، وهو قبل كلّ قبل وعلة كلّ شيء بلا غاية، أي امتداد زمان ولا منتهى غاية، أي بلا نهاية لامتداد وجوده وشيء من كمالاته « ولا غاية إليها » قيل: الضمير راجع إلى الغاية، وإلى بمعنى اللام، أي

٣١٥

غاية ولا غاية إليها انقطعت الغايات عنده هو غاية كلّ غاية فقال أشهد أن دينك الحقّ وأن ما خالفه باطل.

٧ - علي بن محمّد رفعه، عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام أكان الله ولا شيء قال نعم كان ولا شيء قلت فأين كان يكون قال وكان متكئاً فاستوى جالسا وقال أحلت يا زرارة وسألت عن المكان إذ لا مكان.

٨ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أتى حبر من الأحبار أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين متى كان ربك قال ويلك إنما يقال متى كان لما لم يكن فأمّا ما كان فلا يقال متى كان كان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ولا منتهى غاية لتنتهي غايته فقال له أنبي أنت فقال لأمك الهبل إنما أنا عبد من عبيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

باب النسبة

١ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي

________________________________________________________

لا غاية الغايات، وقيل: المراد لا غاية ينتهي هو إليها أو ليس كونه غاية إلى غاية بل هو غاية لما لا ينتهي. وفي التوحيد بسند آخر ولا غاية إليها غاية أي نهاية ينتهي إليها مسافة.

الحديث السابع: مرفوع.

قوله: فأين كان يكون: كان زائدة « أحلت » أي تكلمت بالمحال.

الحديث الثامن: ضعيف، وفي الصحاح: الهبل بالتحريك مصدر قولك: هبلته أمه أي ثكلته.

باب النسبة

الحديث الأول: صحيح.

٣١٦

أيوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ اليهود سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا انسب لنا ربك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثمّ نزلت( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) إلى آخرها.

ورواه محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب.

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألت أبا عبد الله عن( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) فقال نسبة الله إلى خلقه أحداً صمداً أزلياً صمدياً لا ظل له

________________________________________________________

قوله أنسب لنا: أي أذكر نسبه وقرابته، فالجواب بنفي النسب والقرابة، أو نسبته إلى خلقه فالجواب بيان كيفية النسبة.

قوله فلبث ثلاثا: أي ثلاث ليال، والليل قد يؤنث باعتبار ليلاًة فإنها بمعنى الليل، والتأخير لتوقع نزول الوحي فإنه أتم وأكمل وأوفق بالنظام الأعلى.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله: وروى، وفي بعض النسخ ورواه، وهذا هو الظاهر بأن يكون هذا سنداً آخر للخبر السابق إلى أبي أيوب، ويكون محمّد بن يحيى ابتداء الخبر اللاحق.

قوله: وعن، زيادة من النساخ.

قوله إلى خلقه أحدا: أي نسبه أو أنسبه أحداً أو هو منصوب على الحالية أو على المدح، والأحد ما لا ينقسم أصلاً لا وجوداً ولا عقلاً لا إلى أجزاء ولا إلى مهية وإنية مغايرة لها، ولا إلى جهة قابلية وجهة فعلية، وكلما كان شيئاً موجوداً بذاته لا بوجود مغاير يكون واجب الوجود ويكون أزلياً فقوله أزلياً ناظر إلى قوله أحدا، منبه على المراد منه و « الصمد » كما سيذكر: السيد الّذي يقصد إليه في الحوائج، فالكل يقصده لكماله فلا يستكمل بشيء من خلقه، وقوله « صمدياً » مبالغة في كونه صمداً كالأحمري، ويمكن أن يكون ما سيذكر بعد ذلك كله متفرعاً على الصمد أو بعضه على الأحد، وبعضه على الصمد، كما لا يخفى على المتأمل.

قوله لا ظل له: المراد بالظل إمّا السبب أو الحافظ أو الصورة أو المثال كما عند

٣١٧

يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلتها عارف بالمجهول معروف عند كلّ جاهل فردانياً لا خلقه فيه ولا هو في خلقه غير محسوس ولا مجسوس( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ )

________________________________________________________

القائلين بعالم المثال فإن لكل شيء عندهم مثالا في تلك العالم وقيل: المراد رب النوع كما نقل عن شيخنا البهائي والأظهر أن المراد الروح كما يقال عالم الأرواح عالم الظلال، أو المراد الأمكنة الّتي يستقرون عليها، والسقوف الّتي يستظلون تحتها، إمّا حقيقة أو كناية عن جميع أسباب الأشياء وما يمسكها عن الزوال والفساد، والباء إمّا بمعنى مع أو السببية، أي يحفظ الأشياء مع ما تستحفظ بها من الأظلة والأسباب، أو يحفظها بواسطة إيجاده لأظلتها وأسبابها، وقيل: الظل من كلّ شيء شخصه أو وقاؤه وستره، أي لا شخص ولا شبح له يمسكه كالبدن للنفس، والفرد المادي للحصة، ولا واقي له يقيه « وهو يمسك الأشياء بأظلتها » أي بأشخاصها وأشباحها، أو بوقاياتها لأنّه إذا كان صمدياً ومقصوداً في حوائج الكل، لم يكن محتاجاً إلى غيره في شيء، ويكون كلّ شيء غيره محتاجاً إليه، وقيل: المراد به الكنف كما يقال: يعيش فلان في ظل فلان أي في كنفه، وقال في القاموس: الظل: الفيء، والخيال من الجن وغيره يرى، ومن كلّ شيء شخصه أو كنه وهو في ظله في كنفه، وقيل: الظل الجسم في حديث ابن عباس: الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله أي جسمه، وإنما يقال: للجسم الظل، لأنّه عنه الظل ولأنه ظلماني والروح نوراني، وهو تابع له يتحرك بحركته النفسانية « عارف بالمجهول » أي بما هو مجهول للخلق من المغيبات والمعدومات « معروف عند كلّ جاهل » أي ظاهر غاية الظهور حتّى أن كلّ من شأنه أن يخفي عليه الأشياء، ويكون جاهلاً بها هو معروف عنده غير خفي عليه لأنّ مناط معرفته مقدمات ضرورية، فالمراد معرفته بوجه والتصديق بوجوده، ويمكن أن يقال: كلّ عاقل يحكم بأن صانعه لا يشبه المصنوعات وهذا غاية معرفته سبحانه بعد الخوض فيها، إذ لا سبيل إلى معرفة حقيقته إلا بسلب شبه صفات الممكنات عنه، ولا ينافيها الجهل بما هيأت الممكنات وصفاتها المخصوصة بها.

« فردانياً » الألف والنون زائدتان للنسبة، وهي للمبالغة أي لا يقارنه خلقه،

٣١٨

علا فقرب ودنا فبعد وعصي فغفر وأطيع فشكر لا تحويه أرضه ولا تقله سماواته حامل الأشياء بقدرته ديمومي أزلي لا ينسى ولا يلهو ولا يغلط ولا يلعب ولا لإرادته

________________________________________________________

لا مقارنة الحالية فيه أو الدخول فيه، كما قال « لا خلقه فيه » ولا مقارنة المحلية له أو المكانية، كما قال « ولا هو في خلقه » ويشعر هذا إلى ترتب لم يلد ولم يولد على الصمد والمعنى: لا خلقه فيه فيلد خلقه ولا هو في خلقه فيولد من خلقه، غير محسوس بشيء من الحواس الظاهرة وإلا لكان جسما أو جسمانياً « ولا محسوس » أي ملموس تأكيدا، وقيل: أي بشيء من المشاعر الباطنة لكن لم يساعده اللغة، ويمكن أن يكون استعمل فيه مجازا.

قولهعليه‌السلام علا فقرب: أي علا كلّ شيء ذاتا وصفة فقرب علما وقدرة، ودنا بالعلية لكل شيء فصار سبباً لعلوه وبعده عن الأبصار والعقول « فشكر » أي أثاب وجازى وهاتان الفقرتان أيضاً لبيان نوع من ارتباطه ونسبته إلى الخلق، « لا تحويه أرضه » أي لا تضمنه وتجمعه الأرض الّتي هي من مخلوقاته « ولا تقله » أي لا تحمله، والغرض أنه ليس الارتباط بينه وبين خلقه باتصاله بالخلق من جهة السفل فتحويه أرضه، ولا من جهة العلو فتحمله سماواته، بل ارتباطه بأنه حامل الأشياء ومعطي وجودها ومبقيها بقدرته ومربيها والمفيض عليها ما هي قابلة لها برحمته « ديمومي » منسوب إلى مصدر دام يدوم دواماً، وديمومة « أزلي » لا ابتداء لوجوده « لا ينسى ولا يلهو » أي لا يغفل عن شيء لعدم جواز التغير عليه لصمديته « ولا يغلط » لكمال علمه « ولا يلعب » لأنّه من نقص الإدراك وعدم العلم بالعواقب، والصمد الّذي جميع كمالاته بالفعل لا يصدر عنه هذه الأمور « ولا لإرادته فصل » الفصل: القطع، أي لا قاطع لإرادته يمنعها عن تعلّقها بالمراد، وقيل: معناه ليست إرادته فاصلة بين شيء وشيء بل يتعلّق بكل شيء، وقيل: ليس لإرادته فصل، أي شيء يداخله فيكون به راضياً أو ساخطا، إنما كونه راضياً وساخطا بالإثابة والعقاب، كما قال « وفصله جزاء » وعلى الأولين: المراد أن فصله بين أفعال العباد وهو جزاء لهم على أفعالهم لا ظلم وجور عليهم، وقيل: أي

٣١٩

فصل وفصله جزاء وأمره واقع( لَمْ يَلِدْ ) فيورث( وَلَمْ يُولَدْ ) فيشارك( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) .

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد قال قال سئل علي بن الحسينعليه‌السلام عن التوحيد فقال إنّ الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى( قُلْ هُوَ اللهُ

________________________________________________________

ليس إرادته الفعل من العبد إرادة فصل وقطع لا تتخلف بل المقطوع به الجزاء المترتب على الفعل، وفي بعض النسخ: وفضله بالضاد المعجمة، أي سمى فضله على العباد جزاء إذ لا يستحقون بأعمالهم شيئاً وأمره واقع أراد به الأمر التكويني كمال قال سبحانه( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ( لَمْ يَلِدْ ) فيورث على بناء الفاعل أي لم ينفصل عنه شيء داخل فيه فينتقل إذن منه شيء إليه، أو على بناء المفعول فيورثه الولد من صفاته إذ معلوم مشاركة الولد للوالد في النوع والصنف وأكثر الصفات المخصوصة( وَلَمْ يُولَدْ ) فيشارك أي لم ينفصل عن شيء كان هو داخلا فيه فإذن يشارك أي ذلك فيما كان من صفاته، أو يشارك أي يشاركه ذلك الشيء فيما هو من صفاته( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) أي لا مكافئ له في وجوب الوجود.

الحديث الثالث: صحيح.

قولهعليه‌السلام متعمقون: أي ليتعمقوا فيه أو لا يتعمقوا كثيراً بأفكارهم بل يقتصروا في معرفته سبحانه على ما بين لهم، أو يكون لهم معياراً يعرضون أفكارهم عليها، فلا يزلوا ولا يخطأوا، والأوسط أظهر، وآيات الحديد مشتملة على دقائق المعرفة حيث دل بقوله سبحانه( سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) على شهادة الكل بتقدسه وتنزهه ثمّ دل بقوله( وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) على عموم قدرته، وبقوله( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) على أزليته ودوامه وسرمديته، وكونه مبدء كلّ معلوم، وبقوله( وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ) على ظهور آياته ودلائل وجوده ودوامه وعلمه وقدرته، وعلمه بالظواهر والبواطن وكونه

__________________

(١) سورة يس: ٨٢.

٣٢٠