مرآة العقول الجزء ١

مرآة العقول16%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 358

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 358 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41496 / تحميل: 6207
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

- عن أبي سعيد، مردود بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر العسقلاني: « قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الاشعث، فكتب الحجاج الى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط وأحلق لحيته فاستدعاه، فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج الى خراسان فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها الى أن توفي سنة ١١٠، وكان ثقة إن شاء الله تعالى، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به»(١) .

وليعلم أن توثيق ابن سعد - مع عداوته الكثيرة وبغضه الشديد لاهل البيتعليهم‌السلام الى حد ضعف الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ووصف روايته بالاختلاف والاضطراب، الى غير ذلك من آيات اعراضه عن أهل البيت والائمة الطاهرين منهم - لعطية هذا دليل قاطع على صحة روايته، ومن لم يحتج به فأولئك أشد حرورية واعوجاجاً من ابن سعد.

٢٤ - عطية من رجال أحمد

ان عطية هذا من رجال أحمد بن حنبل في ( مسنده ) - كما ستعرف - وأحمد لا يروى الا عن ثقة، كما قال التقي السبكي في مقام توثيق رجال سند حديث: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » وهو الحديث الاول من الباب الاول من كتابه، قال بعد كلام له: « وأحمدرحمه‌الله لم يكن يروي الا عن ثقة، وقد صرح الخصم [ يعنى ابن تيمية ] بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: ان القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو الا عن ثقة عنده كما لك وأحمد بن حنبل وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أن أحمد لا يروى الا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه »(٢) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٦.

(٢). شفاء الاسقام ١٠ - ١١.

٤١

وبعد الاطلاع على ذلك لا يبقى ريب في كون عطية ثقة، لان عدم رواية أحمد عن غير الشقة لا يخلو اما انه لا يروي عنه سواء بواسطة أو بلا واسطة، وذلك هو الظاهر بل المتعين كما ستعرفه عن قريب، فلا شك في وثوق عطية، وأما أنه لا يروي عنه بلا واسطة، لكن المانع من الرواية عنه مباشرة موجود في هذه الصورة أيضاً، فلا شك في ثقته على الصورتين.

٢٥ - اكثار أحمد الرواية عن عطية

لقد أخرج أحمد في ( مسنده ) عن عطية روايات كثيرة، كما لا يخفى على من طالعه، بل انه أخرج حديث الثقلين بالخصوص عنه عن أبي سعيد الخدري، وظاهر أن أحمد لم يرو الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، كما ذكر عبد الوهاب السبكي في ( طبقات الشافعية ) حيث قال بترجمته: « وقال أبو موسى المديني لم يخرج الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته ».

وبهذا كله ظهر أن نسبة تضعيف عطية الى أحمد افك عظيم وظلم كبير، فالعجب من ابن الجوزي كيف خاض في غمار جحود فضائل أهل البيت حتى أنكر الحقائق ونفى البديهيات، وكيف صدرت منه هذه المجازفة بحق أحمد ومسنده وهو حنبلي المذهب؟

٢٦ - وثاقة عطية عند سبط ابن الجوزي

لقد صرح الحافظ سبط ابن الجوزي بوثاقة عطية، ورد تضعيفه حيث قال(١) بعد أن أورد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك « فان قيل: فعطية ضعيف، قالوا والدليل على ضعف الحديث أن الترمذي قال: وحدثت بهذا الحديث أو

__________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٤٢.

٤٢

سمع مني هذا الحديث محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - فاستطرفه.

والجواب: ان عطية العوفي قد روى عن ابن عباس والصحابة وكان ثقة، وأما قول الترمذي عن البخاري فانما استطرفه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا أحله الا لطاهر لا لحائض ولا جنب »، وعند الشافعي يباح للجنب العبور في المسجد وعند أبي حنيفة لا يباح حتى يغتسل للنص، ويحمل حديث علي على أنه كان بذلك كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخصوصاً بأشياء ».

٢٧ - قال ابن معين: صالح

ان نسبة تضعيف عطية الى يحيى بن معين مردودة بنقل الدوري - وهو من كبار العلماء الثقات - عن ابن معين بأنه صالح، فقد قال الحافظ ابن حجر بترجمة عطية ما نصه: « قال الدوري عن ابن معين صالح »(١) .

فسقط ما نسبه ابن الجوزي الى ابن معين.

٢٨ - عطية من رجال بعض الصحاح

ان عطية من رجال ( الادب المفرد ) للبخاري و ( صحيح الترمذي ) و ( صحيح أبي داود )، وهذان الاخيران من ( الصحاح الستة ) عندهم، بل ان الترمذي روى حديث الثقلين بالذات عن عطية في صحيحه.

وعظمة مرويات ( الصحاح الستة ) وجلالة رواتها عند ابناء السنة قديماً وحديثاً واضحة لا تحتاج الى بيان، فان أفاد قدح ابن الجوزي في عطية شيئاً فانما يفيد اسقاط الصحاح لا غير.

٢٩ - لم يتفرد عطية عن أبى سعيد به

ان اقدام ابن الجوزي على القدح في عطية - كمحاولة يائسة

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٥.

٤٣

لتضعيف حديث الثقلين - دليل واضح على عدم اطلاعه في الحديث، وذلك: أن عطية على فرض كونه ضعيفاً غير متفرد بنقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، فلا يضر في حديث الثقلين في رواية أبي سعيد فضلا عن مطلق الحديث الوارد بالاسانيد والطرق والالفاظ المتكثرة.

نعم لم يتفرد عطية في نقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، بل رواه عنه أبو الطفيل أيضاً - وهو من طبقة الصحابة - وذلك واضح كل الوضوح لمن راجع ( استجلاب ارتقاء الغرف ) للسخاوي، و ( جواهر العقدين ) للسمهودي، و ( وسيلة المآل ) لابن باكثير و ( الصراط السوي ) للشيخاني القادري.

٣٠ - ثبوت الحديث غير متوقف على رواية أبى سعيد

ثم انه لو سلمنا كون عطية ضعيفاً، وسلمنا تفرده برواية الحديث عن أبي سعيد، فلا ضرر على صحة حديث الثقلين كذلك، لعدم توقف صحته على رواية أبي سعيد، فقد وقفت - بحمد الله تعالى ومنه - على تنصيص جماعة من أعلام المحققين على رواية أكثر من عشرين من الصحابة حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العدد أكثر من عدد التواتر بمراتب عديدة، كما فصلناه في مجلد حديث الولاية.

٣١ - توثيق ابن الطباع عبد الله بن عبد القدوس

وأما قدح ابن الجوزي في عبد الله بن عبد القدوس فهو مردود بتوثيق الحافظ محمد بن عيسى بن الطباع اياه، كما قال الحافظ المقدسي بترجمة عبد الله المذكور: « وحكى ابن عدي عن محمد بن عيسى انه قال: هو ثقة »(١) .

__________________

(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.

٤٤

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « وحكي عن محمد بن عيسى انّه قال: هو ثقة »(١) .

ترجمة محمد بن عيسى بن الطباع

قال الذهبي بترجمته: « ابن الطباع، محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ الكبير، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: ثقة.

قلت: توفى سنة أربع وعشرين مائتين، وهو في عشر الثمانين، وله تصانيف ومعارفرحمه‌الله

قال الاثرم: قال أحمد بن حنبل: ان ابن الطباع لبيب كيس - يعني محمد بن عيسى - و قال البخاري: سمعت علياً قال: سمعت عبد الرحمن ويحيى يسألان ابن الطباع عن حديث هشيم وما أعلم به منه، وقال أبو حاتم: سمعت محمد بن عيسى يقول: اختلف ابن مهدي وأبو داود في حديث لهشيم هل سمعه أو دلسه؟ فتراضيا بي فأخبرتهما »(٢) .

وترجم له أيضاً بقوله: « وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى ابن الطباع الحافظ نزيل الثغر بأذنة، سمع مالكاً وطبقته، قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحواً من أربعين ألف حديث »(٣) .

٣٢ - توثيق ابن حبان عبد الله بن عبد القدوس

وعبد الله بن عبد القدوس موثوق عند ابن حبان أيضاً، فقد أورده في الثقات قائلا: « عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي من أهل الري،

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٤١١.

(٣). العبر ١ / ٢٩٣.

٤٥

يروي عن الاعمش وابن أبي خالد، روى عنه سعيد بن سليمان و [ محمد ] ابن حميد، [ ربما أغرب ] »(١) .

وقال ابن حجر بترجمته: « ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب »(٢) .

ثم ان لتوثيق ابن حبان قيمة كبيرة ودرجة من الاعتبار عظيمة، ذلك لان ابن حبان ممن يعادي أهل البيتعليهم‌السلام ويسيء اليهم، فقد زعم بالنسبة الى الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بأنه آت بالعجائب وواهم ومخطيء كما لا يخفى على من راجع ( الميزان للذهبي ٣ / ١٥٨ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨ ) لابن حجر العسقلاني.

وظاهر أن هكذا ناصبي عنيد لا يوثق الرافضي أبداً.

٣٣ - توثيق البخاري عبد الله بن عبد القدوس

ولقد وثق البخاري - مع ما هو عليه من التعصب والتعسف - عبد الله بن عبد القدوس على ما نقل عنه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) اذ قال: « وثقه البخاري وابن حبان ».

وقال العسقلاني بترجمته: « قال البخاري: هو في الاصل صدوق، الا أنه يروي من أقوام ضعاف »(٣) .

ولا يخفى أن الرواية عن الضعاف أمر قلما سلم منه أسلافهم، كما لا يخفى على من راجع ( المنهاج ) لابن تيمية وغيره، فلو كان هذا - على تقدير تسليمه - قدحاً في عبد الله بن عبد القدوس لتوجه الى جمهور علمائهم، ولا تسع الخرق على الراقع.

هذا كله مع أن عبد الله بن عبد القدوس قد روى حديث الثقلين

__________________

(١). الثقات ٧ / ٤٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٣). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

٤٦

- الذي أورده ابن الجوزي - عن الاعمش وهو ثقة، فلا كلام حينئذ أصلا

٣٤ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال البخاري

وعبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح البخاري ) في تعليقاته، كما في رمز « خت » الموضوع له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٣٠ ) وغيرها.

ولما ثبت من كلمات علمائهم المحققين أن تخريج البخاري عن رجل دليل على عدالته وان كان في تعليقاته، فلا قيمة لطعن أي طاعن.

قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام الجواب عن الطعن في رجال البخاري: « وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لاي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته. ولا سيما ما انضاف الى ذلك من اطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة اجماع الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا اذا خرج له في الاصول.

فأما ان أخرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجاته من اخراج له فيهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره من أحد منهم طعنا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الامام، فلا يقبل الا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقاً او في ضبطه لخبر بعينه، لان الاسباب الحاملة للائمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك انه لا يلتفت الى ما قيل فيه. قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه الا بحجة ظاهرة،

٤٧

وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما »(١) .

وبما ذكره صرح الشيخ ملا علي القاري في شرح المشكاة عند ما ذكر الصحيحين(٢) .

فعلى فرض ثبوت طعن يحيى بن معين في عبد الله بن عبد القدوس، فان الوقوف على هذين النصين وأمثالهما يكفي للاعراض عنه وعدم الالتفات اليه واغترار ابن الجوزي به كاشف عن عدم خبرته ومجازفته.

٣٥ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال الترمذي

وان عبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح الترمذي ) أيضاً، كما يعلم من رمز « ت » المعين له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) وغيرهما.

٣٦ - جرح عبد الله بن عبد القدوس لا يقدح في الحديث

ولو تنزلنا، وفرضنا عبد الله بن عبد القدوس رجلا مقدوحاً، فان ذلك لا يخل بثبوت أصل حديث الثقلين، بل لا يضر فيه حتى برواية الاعمش عن عطية عن أبي سعيد، لعدم تفرد عبد الله بن عبد القدوس بروايته عن الاعمش، فلقد رواه عن الاعمش: محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، ومحمد بن فضيل ابن غزوان الضبي، كما لا يخفى على من راجع ما تقدم عن ( مسند أحمد ) و ( صحيح الترمذي ).

فما ادعاه ابن الجوزي لا يفيده بحال، بل لو تأملت جيداً لظهر لك ان

__________________

(١). هدى الساري ٢ / ١٤٢ - ١٤٤.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ١٦.

٤٨

رواية عبد الله لهذا الحديث عن الاعمش مؤيدة لصدق سائر رواته عنه، ويظهر أيضاً لك صدقه في روايته عن الاعمش.

أضف الى هذا أنه كما لم يتفرد عبد الله في روايته حديث الثقلين عن الاعمش، كذلك الاعمش لم يتفرد في روايته عن عطية، فقد رواه عنه أيضاً: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، وأبو اسرائيل اسماعيل بن خليفة العبسي الملائي، وهارون بن سعد العجلى، وكثير بن اسماعيل التيمي النواء، كما هو غير خاف على ناظر أحاديث ( مسند ) أحمد و ( معاجم ) الطبرانيّ في الباب.

٣٧ - ما أورده في جرح ابن داهر مجمل

وأما قول ابن الجوزي في الطعن في عبد الله بن داهر: « واما ابن داهر فقال احمد ويحيى ليس بشىء، ما يكتب منه انسان فيه خبر » فهو مردود بأن الطعن هذا - على تقدير ثبوت صدوره عنهما - مبهم، كما لا يخفى على من راجع ( التدريب ) للسيوطي وغيره، ويتضح لكل متتبع لاقوال الفحول والمحققين من القوم: ان الطعن المبهم لا يقبل من أي كائناً من كان، وقد جاء بيان ذلك بالتفصيل في مجلد حديث الولاية.

ثم ان السبب في اساءة ظنهما - على تقدير الثبوت - بعبد الله بن داهر انما هو اكثاره رواية فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما قال الذهبي: « قال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو متهم في ذلك »(١) .

ولا شك في ان الطعن في هكذا رجال لمثل هذه الاسباب غير مسموع، لانه ناشئ عن كمال بغضهم وانحرافهم عن اهل البيتعليهم‌السلام .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٤١٧.

٤٩

٣٨ - عبد الله بن داهر غير واقع في طرق الحديث

وذكر ابن الجوزي لعبد الله بن داهر بصدد الطعن في حديث الثقلين عجيب جداً، لانه لم يقع في سند من أسانيد هذا الحديث الشريف، وهذه أسانيده وطرقه مذكورة في كتب أعاظم الحفاظ وكبار أعلام أهل السنة، بل وكذلك عبد الله بن عبد القدوس، فان وقوعهما في سند هذا الحديث يختص بهذا السند الطريف الذي ذكره ابن الجوزي تمهيدا للطعن فيه، وكأنّه غافل عن أن المراجعة الواحدة لمسند احمد وصحيح مسلم وصحيح الترمذي يظهر تلبيسه ويكشف سوء نيته.

٣٩ - استنكار المحققين قدح ابن الجوزي في الحديث

ولما ذكرنا وغيره استنكر جماعة من اكابر محققيهم وأعاظم محدثيهم ايراد ابن الجوزي حديث الثقلين في كتابه ( العلل المتناهية ) ومنهم:

١ - سبطه ، حيث قال في ( التذكرة ) بعد أن نقل الحديث عن مسند احمد: « فان قيل: فقد قال جدك في كتاب ( الواهية ): أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، عن محمد بن المظفر، عن محمد العتيقى، عن يوسف بن الدخيل عن ابى جعفر العقيلي، عن احمد الحلواني، عن عبد الله بن داهر، ثنا عبد الله ابن عبد القدوس، عن الاعمش، عن عطية، عن ابى سعيد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعناه. ثم قال جدك: عطية ضعيف، وابن عبد القدوس رافضي، وابن داهر ليس بشيء.

قلت: الحديث الذي رويناه أخرجه احمد في ( الفضائل )، وليس في اسناده احد ممن ضعفه جدي، وقد اخرجه ابو داود في سننه والترمذي أيضاً وعامة المحدثين، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح. والعجب كيف خفى عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ارقم: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الى آخر ما سبق ».

٢ - السخاوي حيث قال بعد ايراد الحديث وتأييده « وتعجبت من

٥٠

ايراد ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، بل أعجب من ذلك قوله « انه حديث لا يصح » مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في ( صحيح ) مسلم »(١) .

٣ - السمهودي بعد اثبات الحديث وروايته عن الصحاح والمسانيد، قال: « ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، فاياك أن تغتر به، وكأنه لم يستحضره حينئذ »(٢) .

ولا يخفى أن هذا الكلام حسن ظن به، وكيف يصدق عاقل ذلك ويذعن أن يكون ابن الجوزي - مع ما هو عليه من سعة النظر وكثرة الاطلاع كما يقول مترجموه - غافلا عن طرق حديث الثقلين المتكاثرة المروية في الصحاح والمسانيد والمعاجم، أمثال مسند ابن راهويه، ومسند أحمد، ومسند عبد بن حميد، ومسند الدارمي، وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وفضائل القرآن لابن أبى الدنيا، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وكتاب السنة لابن ابى عاصم، ومسند البزار، والخصائص للنسائي، ومسند أبى يعلى، والذرية الطاهرة للدولابي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبى عوانة، والمصاحف لابن الانباري، والامالي للمحاملى، والولاية لابن عقدة، والطالبيين للخفاجى، والمعاجم الثلاثة للطبراني، والمستدرك للحاكم، وشرف النبوة للخركوشي، ومنقبة المطهرين، وحلية الاولياء لابي نعيم، وكتاب طرق حديث الثقلين لابن طاهر المقدسي وغيرها.

ألم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزي؟

نعم كان، الا أنه شاء ان يخدع ناظر كتابه بأن روايته منحصرة بهذا الطريق، وبما أن رجاله ضعفاء بزعمه فالحديث إذا لا يصح. هكذا شاء الا ان الله كشف سره وهتك ستره بأيدى أهل نحلته. والحمد لله رب العالمين.

٤ - ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) و ( تتمة الصواعق )، فقال بعد أن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٥١

روى الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: « وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن ارقم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم غدير خم ».

ثم جعل يؤيد الحديث ويثبته بأقوال العلماء ورواياته الكثيرة.

وقال في ( تتمة الصواعق ): « ولم يصب ابن الجوزي في ايراده في ( العلل المتناهية ) ».

٥ - المناوى : « قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه ابو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز ابن الاخضر. ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي »(١) .

٦ - حسن زمان في ( القول المستحسن ) عن المناوي بلفظه.

٧ - الشيخانى القادرى في ( الصراط السوي ) بعد أن ذكر الحديث قال: « وقد أخطأ ابن الجوزي حيث ذكر هذا في ( واهياته ) على عادته في ذلك، غافلا عما ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ».

٤٠ - رواية ابن الجوزي حديث الثقلين

لقد عثرنا على رواية ابن الجوزي حديث الثقلين في ( كتاب المسلسلات )(٢) في سياق يدل على اعتقاده بصحته، وأما ايراده اياه في ( العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ) فلعله كان قبل روايته اياه بهذا الطريق، أو أنه يقدح في طريقه المذكور هناك فقط، ان لم يكن غفلة أو تعصباً وعلى كل حال فهذا نص ما جاء في المسلسلات:

__________________

(١). فيض القدير ٣ / ١٤ - ١٥.

(٢). نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة كتبت في حياة المؤلف سنة ٥٨١ كتبها على بن ملكداد الجنزى وفي آخرها قراءات وسماعات أهمها ما هو بخط المؤلف. وهي ضمن المجموع رقم ٣٧ ق ٦ - ٢٧، انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ) فهرس حديث ص ٤٠ ) وهذا الحديث في الورقة ٨ أ - ب.

٥٢

« الحديث الخامس »: قال شيخنا أدام الله أيامه: انا محمد بن ناصر قال: انا محمد بن علي بن ميمون قال: انا أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي قال: ثنا الحسين بن محمد الفزاري قال: ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال: ثنا يحيى بن حسن بن فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الازدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة:

عن أبى بكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يرد علي الحوض راية علي أمير المؤمنين وامام الغر المحجلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه، فأقول: ردوا رواء، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً، وجه امامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم في السماء.

قال الشيخ: اشهدوا علي عند الله ان أبا الفضل بن ناصر حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا الغنائم بن النرسي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا عبد الله محمد بن علي العلوي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان القاضي محمد بن عبد الله حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسين بن محمد بن الفرزدق حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسن بن علي بن بزيع حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان يحيى بن حسن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله أن أبا عبد الرحمن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحارث بن حصيرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان صخر بن الحكم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان حبان بن الحارث حدثني بهذا، قال: اشهدوا علي عند الله ان الربيع بن جميل الضبي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان مالك بن ضمرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا ذر الغفاري حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان

٥٣

جبرئيلعليه‌السلام حدثني بهذا عن الله جل وجهه وتقدست أسماؤه ».

٥٤

*(٣)*

قدح ابن تيمية

قال ابن تيمية في كتابه الذي ألفه رداً على العلامة الحلّيرضي‌الله‌عنه :

« قال الرافضي: العاشر - ما رواه الجمهور من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق. وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته وعلي سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الامام.

والجواب من وجوه:

أحدها - ان لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فقال: اما بعد أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب

٥٥

ربي، وانّي تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمر بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله، وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكبها الى الناس: اللهم اشهد - ثلاث مرات.

واما قوله « وعترتي فإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض »، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا أنه لا يصح.

وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على ان أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، لكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه »(١) .

وهذا الكلام يشتمل على أباطيل:

١ - دعوى عدم دلالة الحديث على وجوب التمسك بالعترة

أما ما زعمه من دلالة لفظ حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) على وجوب التمسك بالكتاب فقط، وأنه لا دلالة فيه على وجوب التمسك بالعترة، فهو - بالاضافة الى بعده عن دأب المحدثين وأهل الكلام - يفيد سوء فهمه وكثرة وهمه. ولما كان كلام الشيخ محمد أمين بن محمد معين السندي - وهو

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٠٤ - ١٠٥.

٥٦

من أكابر محدثي أبناء السنة المتأخرين - حول رواية مسلم المذكورة كافياً في الرد على هذا الزعم الفاسد، فاننا ننقله بنصه:

تحقيق محمد أمين السندي في معنى الحديث

« ووجدنا في أهل البيت سلام الله تعالى عليهم أجمعين وتحيته، حديث التمسك المشهور، وفتشنا عن مخرجيه، فاذا هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه، ولفظه من حديث زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد يا أيها الناس انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه، واني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وحث فيه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات - الحديث.

فنظرنا فيه فوجدناه يعبر عن القرآن واهل البيت بالثقلين، وهو كل نفيس خطير مصون، ففهمنا نفاسة أهل البيت وخطرهم وصونهم من قبيل كل تلك الاوصاف التي للقرآن، للجمع بينهما بذلك، وعلمنا أن هذه الأوصاف وغيرها للقرآن، يرجع عمدتها الى إفادة علوم المعارف الالهية والاحكام الشرعية، فظننا أنها في أهل البيت على منوالها في القرآن راجعة الى افادة تلك العلوم، وقد اعتضدنا في هذا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه واني تارك فيكم الثقلين »، فان النبي لا يوصى أمته بعده الا بالقيام على الحق والسنة، فترك الثقلين فيها والوصية بهما ليس الا لكونهما خليفتين منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الارشاد الى ذلك.

فظننا أنه كما وقع التصريح بالتمسك بكتاب الله فكذا المراد التمسك بأهل البيت، ان كان قوله « أهل بيتي » عطفاً على أولهما بتقدير لفظ « ثانيهما » بقرينة القرين أو فهمه من غير تقدير، ولا صحة لعطفه على « كتاب الله »

٥٧

للزوم كونهما أولين وعدم ذكر الثاني رأساً، فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الاخذ بمذهبهم. وان كان عطفاً على « بكتاب الله » في قوله: « فتمسكوا بكتاب الله » - وهو القريب الظاهر من الوجه الاول - وفيهم كونه ثاني الامرين من الامر بالتمسك كالاول، كان التصريح بالتمسك بهم في حديث مسلم هذا كالتمسك بالقرآن.

وهذا كله في لفظ هذا الحديث بناءاً على ظاهر الكلام، فانتظرنا لفظاً في هذا الحديث يفسر حديث مسلم على ما فهمنا، فاذا الترمذي أخرج - وقال حسن غريب - انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك امر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك بهما بعد حث على وجه ابلغ، وهو قوله: « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » فقلنا حديث مسلم حديث صحيح ظاهر في معنى فسره على ذلك المعنى حديث حسن آخر، فثبت معناه نصاً من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فآمنا به في نظائره من صحاح الاحاديث، والحمد لله رب العالمين.

ومع هذا لم نال جهداً في طلب الطرق الاخرى تزيد الصحة على الصحة ويؤيد بعضها بعضاً، فوجدنا أخرج أحمد في مسنده ولفظه: انى أوشك أن أدعي فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به.

٥٨

فازددنا منه أن كل اخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وان كان وحياً من الله سبحانه - لكن هذا وحي أظهره به وأسنده الى الله سبحانه فقال: « أخبرني اللطيف الخبير »، وفيه من تأكد أخبار كونهم على الحق كالقرآن، وصونهم أبداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير. وفيه ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انهما لن يفترقا » ليس بدعاء مجرد - على بعد أن يكون مراداً - بل هو اخبار من الله سبحانه وتعالى، وان قوله في بعض الروايات « اني سألت لهما ذلك » دعاء مجاب متحتم باخبار اللطيف تعالى.

ومن تجلي ألفاظ لطفه أن سرى روح القدس الحق في علومهم كسرايته في القرآن، أو سرى سر الاتحاد بين مداركهم وبين القرآن فنيطت به أشد نياط لن يتفرقا بسببه أبداً، والى ذلك التلويح باختيار اللطيف هاهنا من بين اسماء الله تعالى.

وعدم الافتراق هذا بينهما انما هو في الحكم، فلا يحكمون بحكم لا يحكم به الكتاب، والسنة في هذا الحديث داخل في الكتاب على ما صرحوا به، فظاهر الحث بالتمسك بهم التمسك بأخذ الاحكام الالهية منهم، دليله قرانهم في ذلك بكتاب الله والاخبار بترتب عدم الضلال عليه كما بالتمسك بالكتاب، فلا احتمال لان يحمل التمسك بهم من حيث المودة والصلة بهم في هذا الحديث وكان ذلك ظاهر من هذا الحديث كما ذكرنا كالنص به.

ولكن مع هذا انتظرنا ما يدل على تصريح التمسك بهم في أخذ العلوم من حديث آخر، فيفسر هذا الحديث ويعينه في ظاهره، فاذاً قد ورد في خبر قريش: « وتعلموا منهم فانهم اعلم منكم »، فقلنا اذا ثبت هذا العموم في علماء قريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لانهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقيتهم.

ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا نصاً فيهم يدلنا على امامتهم في العلم، فوجدنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت » فعلمنا انهم الحكماء العارفون العلماء الوارثون الذين وقع الحث

٥٩

على التمسك في دين الله تعالى وأخذ العلوم عنهم، وايدنا في ذلك ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) انتهى.

وكيف لا وهم أحد الثقلين، فكما أن القرآن حبل ممدود من السماء فكذلك اهل هذا البيت المقدس صلوات الله تعالى وتسليماته عليهم أجمعين. وقد قال قائلهم (ع) مخبراً عن نفسه القدسي وسائر رهطه المطهرين:

وفينا كتاب الله انزل صادقاً

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

ومما نزل فيهم من الكتاب الآية المتقدمة، وقد ذكر جملة ما نزلت فيهم من الآيات الشيخ أبو الفضل ابن حجر في الصواعق فليطلب فيه.

وكذلك أيدنا فيه ما ثبت عن سيد الساجدين عليه وعلى آبائه التسليمات الناميات المباركات والتحيات الطيبات الزاكيات: انه اذا كان تلى قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يقرأ دعاءاً طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: « وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر » الى ان قال: « فإلى من يفزع خلف هذه الامة وقد درست أعلام الملة ودانت الامة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) ، فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة وتأويل الحكم، الا أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله تعالى بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم الا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الافات، وافترض مودتهم في الكتاب » انتهى. و ذكره ابن حجر في الصواعق.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٢٣ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد مرسلا قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام دعامة الإنسان العقل والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظا ذاكرا

________________________________________________________

التي لا يعرفه إلا الله العقل كما مر في الخبر، قيل: ويحتمل أن يكون المراد أن حجة الله على العباد أي ما يقطع به عذرهم، فيبكتهم اللطف بهم بإرسال النبي والمتوسط في الإيصال إلى معرفته تعالى ومعرفة الرسول، والطريق إلى المعرفة بين العباد وبين الله هو العقل ويناسب هذا إيراد لفظة « على » أو لا وتركها ثانيا.

الحديث الثالث والعشرون مرسل.

قولهعليه‌السلام دعامة الإنسان: الدعامة بكسر الدال عماد البيت، والمراد أن قيام أمر الإنسان ونظام حاله بالعقل، ويحتمل أن يكون بالنظر إلى النوع، فلو لا العقل لما بقي النوع، لأنّ الغرض من إيجاد الإنسان المعرفة الّتي لا تحصل إلا بالعقل والعقل يحصل أو ينشأ منه الفطنة، وهي سرعة إدراك الأمور على الاستقامة وهذا كالدليل السابق.

قولهعليه‌السلام وبالعقل: أي كاملة يكمل أي الإنسان وهو أي العقل الكامل دليله أي دليل الإنسان، يدله على الحق، ومبصره بصيغة اسم الفاعل على بناء الأفعال أو التفعيل، أي جاعله بصيراً وموجب لبصيرته كقوله تعالى( فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً ) (١) أو بكسر الميم وفتح الصاد اسم آلة أي ما به بصيرته، أو بفتح الميم والصاد اسم مكان، أي ما فيه بصيرته وعلمه، وفي القاموس: المبصر والمبصرة: الحجة، ومفتاح أمره أي به يفتح ما أغلق عليه من الأمور الدينية والدنيوية والمسائل الغامضة.

قولهعليه‌السلام فإذا كان تأييد عقله من النور: اعلم أن النور لما كان سبباً لظهور المحسوسات يطلق على كلّ ما يصير سبباً لظهور الأشياء على الحس والعقل، فيطلق

__________________

(١) سورة النمل: ١٣.

٨١

فطنا فهما فعلم بذلك كيف ولم وحيث وعرف من نصحه ومن غشه فإذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله

________________________________________________________

على العلم وعلى أرواح الأئمّةعليه‌السلام ، وعلى رحمة الله سبحانه، وعلى ما يلقيه في قلوب العارفين من صفاء وجلاء، به يظهر عليهم حقائق الحكم ودقائق الأمور، وعلى الرب تبارك وتعالى لأنّه نور الأنوار، ومنه يظهر جميع الأشياء في الوجود العيني، والانكشاف العلمي، وهنا يحتمل الجميع، ومن قال بالعقول المجردة ربما يفسر النور هنا بها، وتأييده بإشراقها عليه كما أومأنا سابقاً إليه، وقد عرفت ما فيه « كان عالماً » ذاكراً لربه بحيث لا يشغله عنه شيء فطنا فهما في غاية الكمال فكان كاملا في القوتين النظرية والعملية وما يذكر بعد ذلك بعضه إشارة إلى الأولى وبعضه إلى الثانية كما سيظهر.

قولهعليه‌السلام فعلم بذلك كيف: أي كيفية الأعمال والأخلاق أو كيفية السلوك إلى الآخرة، والوصول إلى الدرجات العالية أو حقائق الأشياء و « لم » أي علقة الأشياء السالفة وغايتها، أو علل وجودها وما يؤدي إليها كعلة الأخلاق الحسنة فإنه إذا عرفها يجتنبها، أو أنه يتفكّر في علقة العلل ومبدء المبادئ وسائر العلل المتوسطة، أو يتفكّر في دلائل جميع الأمور ولا يأخذها بمحض التقليد و « حيث » أي يعلم مواضع الأمور فيضعها فيها، كالإمامة في أهل بيت الرسالة والنصيحة فيمن يقبلها، والحكمة فيمن هو أهل لها، أو حيثيات الأشياء والأحكام واعتباراتها المختلفة الموجبة لاختلاف أحوالها و « عرف من نصحه » أي يقبل النصح منه وإن كان عدوه وعرف غش من غشه وإن كان صديقه، أو عرف صديقه الواقعي من عدوه الواقعي، بما يظهر منهم أو بنور الإيمان كما كان للأئمّةعليه‌السلام يعرفون كلا بسيماهم.

قولهعليه‌السلام عرف مجراه، اسم مكان أو مصدر، أي سبيله الّذي يجري فيه إلى الحقّ أو يعلم أنه متوجه إلى الآخرة ويعمل بمقتضى هذا العلم ولا يتشبث بالدنيا

٨٢

وأخلص الوحدانية لله والإقرار بالطاعة فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات ووارداً على ما هو آت يعرف ما هو فيه ولأي شيء هو هاهنا ومن أين يأتيه وإلى ما هو صائر وذلك كله من تأييد العقل

________________________________________________________

وشهواتها « وموصولة ومفعوله » كلّ منهما إمّا اسم مفعول أو مصدر أو اسم للمصدر، أي ما ينبغي الوصل معه من الأشخاص والأعمال والأخلاق وما ينبغي أن يفصل عنه من جميع ذلك، أو يعلم ما يبقى له في النشأة الآخرة، ويصل إليه وما ينقطع عنه من أمور الدنيا الفانية، وقيل: أي ما يوصل إلى المقصود الحقيقي وما يفصله عنه وهو بعيد.

وأخلص الوحدانية لله: أي علم أنه الواحد الحقيقي الّذي لا جزء له في الخارج ولا في العقل ولا في الوهم، وصفاته عين ذاته ولا تكثر فيه بوجه من الوجوه ولا شريك له في الإلهية، والإقرار بالطاعة: أي أقر بأنه لا يستحق الطاعة غيره سبحانه « فإذا فعل ذلك » أي إخلاص الوحدانية والطاعة، ويحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى الرجل المؤيد، أي إذا فعل فعلا كان مستدركاً بذلك الفعل لما فات والأول أظهر.

« على ما هو آت » أي من الأعمال الحسنة أو المراتب العالية « يعرف ما هو فيه » أي النشأة الفانية وفناؤها ومعيبها أو من العقائد والأعمال والأخلاق، فإن كانت حقة لزمها وإن كانت باطلة تركها.

قولهعليه‌السلام : ولأي شيء هو ههنا، أي يعرف أنه تعالى إنما أنزله إلى الدنيا لمعرفته وعبادته وتحصيل السعادات الأخروية فيبذل همته فيها.

قولهعليه‌السلام : ومن أين يأتيه، أي النعم والخيرات ويعلم مولاها فيشكره ويتوكل عليه ولا يتوسل بغيره تعالى في شيء منها، أو الأعم منها ومن البلايا والآفات والشرور والمعاصي فيعلم أن المعاصي من نفسه الأمارة ومن الشيطان، فيحترس منهما وكذا سائر الأمور وعللها.

قولهعليه‌السلام وإلى ما هو صائر، أي إلى أي شيء هو صائر، أي الموت وأحوال القبر وأهوال الآخرة ونعيمها وعذابها، أو الأعم منها ومن درجات الكمال، ودركات النقص والوبال، وإضافة التأبيد إلى العقل إمّا إلى الفاعل أو إلى المفعول فتفطن.

٨٣

٢٤ - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العقل دليل المؤمن.

٢٥ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن السري بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعود من العقل.

٢٦ - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثمّ قال له أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك إياك آمر وإياك أنهى وإياك أثيب وإياك أعاقب.

٢٧ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسين بن خالد، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الرجل آتيه وأكلمه ببعض كلامي فيعرفه كله ومنهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثمّ يرده علي كما كلمته ومنهم من آتيه فأكلمه فيقول أعد علي فقال يا إسحاق وما تدري لم هذا قلت لا قال الّذي تكلمه ببعض كلامك فيعرفه كله

________________________________________________________

الحديث الرابع والعشرون ضعيف.

الحديث الخامس والعشرون ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : أعود، أي أنفع.

الحديث السادس والعشرون ضعيف في المشهور وقد مر الكلام فيه.

الحديث السابع والعشرون مجهول وفي بعض النسخ الحسن بن خالد وهو أيضاً مجهول والظاهر الحسين كما في العلل.

قوله: ثمّ يرده علي: أي أصل الكلام كما سمعه أو يجيب على ما كلمته والثاني أظهر.

قولهعليه‌السلام : وما تدري لم هذا؟ قيل: إنما قالعليه‌السلام ذلك تتمة لسؤاله ولذا

٨٤

فذاك من عجنت نطفته بعقله وأمّا الّذي تكلمه فيستوفي كلامك ثمّ يجيبك على كلامك فذاك الّذي ركب عقله فيه في بطن أمه وأمّا الّذي تكلمه بالكلام فيقول أعد علي فذاك الّذي ركب عقله فيه بعد ما كبر فهو يقول لك أعد علي.

٢٨ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن بعض من رفعه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتّى تنظروا كيف عقله.

٢٩ - بعض أصحابنا رفعه، عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يا مفضل لا يفلح من لا يعقل.

________________________________________________________

أتى بالعاطف فصدقه السائل بقوله « لا » أي لا أدري ويحتمل أن يكون قوله: وما تدري استفهاما أي أو ما تدري لكن لا يحسن الواو فإنه لا وجه للعطف حينئذ والأحسن الاستئناف « انتهى » ثمّ اعلم أنه يحتمل أن يكون كلامهعليه‌السلام في الجواب جارياً على وجه المجاز، لبيان اختلاف الأنفس في الاستعدادات الذاتية أي كأنه عجنت نطفته بعقله مثلا، وأن يكون المراد أن بعض الناس يستكمل نفسه الناطقة بالعقل واستعداد فهم الأشياء وإدراك الخير والشر، عند كونه نطفة، وبعضهم عند كونه في البطن، وبعضهم بعد كبر الشخص واستعمال الحواس وحصول البديهيات وتجربة الأمور، وأن يكون المراد الإشارة إلى أن اختلاف المواد البدنية له مدخل في اختلاف العقل.

الحديث الثامن والعشرون مرسل.

قولهعليه‌السلام فلا تباهوا به: من المباهاة بمعنى المفاخرة، وقال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون من المهموز فخفف، أي لا تؤانسوا به حتّى تنظروا كيف عقله، قال الجوهري بهات بالرجل وبهئت به بالفتح والكسر بهاء وبهوءا: أنست به.

الحديث التاسع والعشرون ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : لا يفلح من لا يعقل، الفلاح: الفوز والنجاة، والمراد بمن لا يعقل

٨٥

ولا يعقل من لا يعلم وسوف ينجب من يفهم ويظفر من يحلم والعلم جنة والصدق عز والجهل ذل والفهم مجد والجود نجح وحسن الخلق مجلبة للمودة

________________________________________________________

من لا يتبع حكم العقل، ولا يكون عقله مستولياً على هوى نفسه، أو من لا يكون عقله كاملا، أو يتعقل ويتفكّر فيما ينفعه ولا يعقل ولا يستولي عقله، أو لا يكون عقله كاملا أو يتعقل من لا يحصل العلم ليصير ذا علم، أو من لا يكون عالماً بما يجب عليه وما ينبغي تعقله والتدبّر فيه.

قولهعليه‌السلام : وسوف ينجب، النجيب: الفاضل النفيس في نوعه، والمراد أنه من يكون ذا فهم فهو قريب من أن يصير عالماً، ومن صار عالماً فقريب من أن يستولي عقله على هوى نفسه.

قولهعليه‌السلام ويظفر: أي الحلم سبب للظفر على العدو أو الظفر بالمقصود، أو الاستيلاء على النفس والشيطان.

قولهعليه‌السلام والعلم جنة: أي وقاية من غلبة القوي الشهوانية والغضبية والدواعي النفسانية ومن أن يلتبس عليه الأمر وتدخل عليه الشبهة أو سبب للاحتراز عن شر الأعادي كالجنة إذ بالعلم يمكن الظفر على الأعادي الظاهرة والباطنة.

قولهعليه‌السلام والصدق عز: أي شرف أو قوة وغلبة، وقيل: المراد بالصدق هنا الصدق في الاعتقاد ولذا قابله بالجهل، فإن الاعتقاد الكاذب جهل، كما أن الاعتقاد الصادق علم.

قولهعليه‌السلام والفهم مجد: المجد نيل الشرف والكرم.

قولهعليه‌السلام والجود نجح، النجح بالضم: الظفر بالحوائج.

قولهعليه‌السلام مجلبة: هي إمّا مصدر ميمي حمل مبالغة، أو اسم مكان أو اسم آلة والأول أوفق بنظائره.

٨٦

والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس والحزم مساءة الظن وبين المرء والحكمة نعمة

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام لا تهجم عليه اللوابس: الهجوم الإتيان بغتة، واللوابس الأمور المشتبهة، والحاصل أن من عرف أهل زمانه وميز بين حقهم وباطلهم، وعالمهم وجاهلهم، ومن يتبع الحقّ ومن يتبع الأهواء منهم، لا يشتبه عليه الأمور، ويتبع المحقين ويترك المبطلين، ولا تعرض له شبهة، بكثرة أهل الباطل وقلة أهل الحقّ وغلبة المبطلين وضعف المحقين.

قوله: والحزم مساءة الظن، الحزم إحكام الأمر وضبطه والأخذ فيه بالثقة، والمساءة مصدر ميمي، والمراد أن إحكام الأمر وضبطه والأخذ فيه بالثقة يوجب سوء الظن، أو يترتب على سوء الظن بأهل الزمان بعدم الاعتماد عليهم في الدين والدنيا وهذا مما يؤكد الفقرة السابقة، « فإن قيل »: قد ورد في الأخبار أنه يجب حسن الظن بالإخوان وحمل أقوالهم وأفعالهم على المحامل الصحيحة وهذا ينافيه؟ « قلت » يحتمل الجمع بينهما بوجهين، الأول: أن تلك الأخبار محمولة على ما إذا ظهر كونهم من المؤمنين، وهذا على عدمه، الثاني: أن يقال حمل أفعالهم وأقوالهم على المحامل الصحيحة لا ينافي عدم الاعتماد عليهم في أمور الدين والدنيا، حتّى يظهر منهم ما يوجب اطمئنان النفس بهم، والوثوق عليهم، وسيأتي بعض القول في ذلك في كتاب الإيمان والكفر.

قولهعليه‌السلام بين المرء والحكمة: أقول: يحتمل هذا الكلام وجوها من التأويل إذ يمكن أن يقرأ العالم بكسر اللام وبفتحها، ومجروراً بالإضافة ومرفوعا، وعلى كلّ من التقادير يحتمل وجوها: « الأول »: ما ذكره بعض أفاضل المحشين قد سقى الله روحه، حيث قال: لعل المراد بكون الشيء بين المرء والحكمة كونه موصلا للمرء إليها، وواسطة في حصولها له، كما ورد في رواية جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين العبد والكفر ترك الصلاة، أي تركها موصل للعبد إلى الكفر، والغرض أن ما أنعم الله به على العالم من العلم والفهم والصدق على الله، واسطة للمرء توصله إلى

٨٧

العالم والجاهل شقي بينهما.

________________________________________________________

الحكمة، فإن المرء إذا عرف حال العالم أتبعه وأخذ منه، فيحصل له الحكمة ومعرفة الحقّ والإقرار به والعمل على وفقه، وكذا بمعرفة حال الجاهل، وأنه غير عالم فهم صادق على الله يترك متابعته، والأخذ منه ويسعى في طلب العالم، فيطلع عليه ويأخذ منه، فالجاهل باعتبار سوء حاله باعث بعيد لوصول المرء إلى الحكمة، وهو شقي محروم يوصل معرفة حاله المرء إلى سعادة الحكمة، وهذا الكلام كالتفسير والتأكيد لما سبقه، ويحتمل أن يحمل البينية في الأول على التوسط في الإيصال، وفي الثاني على كون الشيء حاجزا مانعاً من الوصول، فالجاهل شقي مانع من الوصول إلى الحكمة، ثمّ قال: ولا يبعد أن يقال: المراد بنعمة العالم، العالم نفسه، والإضافة بيانية أو يكون العالم بدلا من قوله: نعمة، فإن العالم أشرف ما أنعم الله بوجوده على عباده.

الثاني ما ذكره بعض أفاضل الشارحين أيضاً حيث قال: لعل المراد به أن الرجل الحكيم من لدن عقله وتميزه إلى بلوغه حد الحكمة متنعم بنعمة العلم ونعيم العلماء فإنه لا يزال في نعمة من أغذية العلوم وفواكه المعارف، فإن معرفة الحضرة الإلهية لروضة فيها عين جارية وأشجار مثمرة قطوفها دانية، بل جنة عرضها كعرض السماء والأرض، والجاهل بين مبدء أمره ومنتهى عمره في شقاوة عريضة، وطول أمل طويل، ومعيشة ضنك وضيق صدر وظلمة قلب، إلى قيام ساعته، وكشف غطائه، وفي الآخرة عذاب شديد « انتهى كلامه » وهو مبني على الإضافة.

الثالث ما ذكره الوالد العلامة نقلا عن مشايخه العظام قدس الله أرواحهم: وهو أن يقرأ نعمة بالتنوين ويكون العالم مبتدأ والجاهل معطوفا عليه، وشقي خبر كلّ منهما، والضمير في بينهما راجع إلى المرء والحكمة، والحاصل أن الّذي يوصل المرء إلى الحكمة هو توفيق الله تعالى وهو من أعظم نعمه على العباد، والعالم والجاهل يشقيان ويتعبان بينهما، فمع توفيقه تعالى لا يحتاج إلى سعي العالم ولا يضر منع

٨٨

________________________________________________________

الجاهل، ومع خذلانه تعالى لا ينفع سعي العالم ويؤيد هذا ما في بعض النسخ من قوله يسعى مكان شقي.

الرابع: أن يقرأ العالم بالفتح إمّا مجروراً بالإضافة البيانية أو مرفوعاً بالبدلية أي بين المرء والحكمة نعمة هي العالم، فإن بالتفكّر فيه وفي غرائب صنعه تعالى يصل إلى الحكمة، والجاهل شقي محروم بين الحكمة وتلك النعمة.

الخامس: أن يقرأ العالم بالكسر مرفوعاً على البدلية ويكون الضمير في بينهما راجعاً إلى الجاهل والحكمة، والمعنى أن بين المرء ووصوله إلى الحكمة نعمة هي العالم، فإن بهدايته وإرشاده وتعليمه يصل إلى الحكمة، والجاهل يتوسط بينه وبين الحكمة شقي يمنعه عن الوصول إليها.

السادس: أن يقرأ العالم بالكسر والجر بالإضافة اللامية، وضمير بينهما راجعاً إلى الحكمة، ونعمة العالم أي يتوسط بين المرء والحكمة نعمة العالم، وهي إرشاده وتعليمه، والجاهل محروم بين الحكمة وتلك النعمة أي منهما جميعا.

السابع ما ذكره بعض الشارحين أيضا: وهو أن يكون البين مرفوعاً بالابتدائية ونعمة خبره مضافاً إلى [ العالم بكسر اللام والجاهل أيضاً مرفوعاً بالابتدائية وشقي خبره مضافاً إلى ] بينهما، وضمير بينهما راجعاً إلى المرء والحكمة، وقال: المراد بالعالم إمام الحقّ وبالجاهل إمام الجور، وحاصل المعنى: أن وصل المرء مع الحكمة نعمة للإمام تصير سبباً لسروره، لأنّ بالهداية يفرح الإمام وإمام الجور يتعب ويحزن بالوصل بين المرء والحكمة، ولا يخفى ما فيه.

الثامن: قرأ بعضهم نعمة العالم بفتح النون يعني أن الموصل للمرء إلى الحكمة تنعم العالم بعلمه، فإذا رآه المرء انبعث نفسه إلى تحصيل الحكمة، والجاهل له شقاوة حاصلة من بين المرء والحكمة، أو المتعلم والعالم، وذلك لأنّه لا يزال يتعب نفسه إمّا بالحسد أو الحسرة على الفوت، أو السعي في التحصيل مع عدم القابلية.

٨٩

والله ولي من عرفه وعدو من تكلفه والعاقل غفور والجاهل ختور وإن شئت أن تكرم فلن وإن شئت أن تهان فاخشن ومن كرم أصله لان قلبه.

________________________________________________________

أقول: والكلام يحتمل وجوها آخر ذكرها يوجب الإطناب، ويمكن فهم بعضها مما أومأنا إليه من المحتملات والله تعالى وحججهعليه‌السلام أعلم بحقائق كلامهم.

قولهعليه‌السلام ولي من عرفه: أي محبة أو ناصره، أو المتولي لأموره حتّى يبلغ به حد الكمال.

قولهعليه‌السلام من تكلفه: أي تكلف معرفته وأظهر من معرفته ما ليس له، أو طلب من معرفته تعالى ما ليس في وسعه وطاقته.

قولهعليه‌السلام غفور: أي يعفو عن زلات الناس، أو يستر عيوبهم، أو يصلح نفسه وغيره، من غفر الأمر بمعنى أصلحه.

قولهعليه‌السلام ختور: هو من الختر بمعنى المكر والخديعة، وقيل: بمعنى خباثة النفس وفسادها، قال الفيروزآبادي: الختر: الغدر والخديعة، وخترت نفسه خبثت وفسدت.

قولهعليه‌السلام تهن: الظاهر تهان كما في بعض النسخ، وعلى ما في أكثر النسخ يمكن أن يقرأ على المعلوم من وهن يهن بمعنى ضعف.

قولهعليه‌السلام ومن كرم أصله: لعل المراد بكرم الأصل كون النفس فاضلة شريفة أو كون طينته طيبة كما يدل عليه قوله: خشن عنصره وإنما نسب اللين إلى القلب والغلظة إلى الكبد، لأنهما من صفات النفس ولكل منهما مدخلية في التعطف والغلظة، وسرعة قبول الحقّ وعدمها، فنسب في كلّ من الفرقتين إلى أحدهما ليظهر مدخليتهما في ذلك، ويحتمل أن يكون الأول إشارة إلى سرعة الانقياد للحق وقبوله، والثاني إلى عدم الشفقة والتعطف على العباد، ويمكن أن يكون النكتة في العدول عن القلب إلى الكبد التنبيه على أن الجاهل لا قلب له، فإن القلب يطلق على محل المعرفة

٩٠

ومن خشن عنصره غلظ كبده ومن فرط تورط ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه ومن لم يعلم لم يفهم ومن لم يفهم لم يسلم ومن لم يسلم لم يكرم ومن لم يكرم يهضم ومن

________________________________________________________

والإيمان، قال سبحانه:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) (١) وربما يجعل لين القلب إشارة إلى عدم المبالغة في القهر والغلبة والتسلط، وغلظة الكبد إلى قوة القوي الشهوانية، لأنّ الكبد آله للنفس البهيمية، والقوة الشهوية لأنّه آلة للتغذية وتوزيع بدل ما يتحلل على الأعضاء، فيوجب قوة الرغبة في المشتهيات.

قولهعليه‌السلام ومن فرط: بالتشديد أو التخفيف بمعنى قصر، أي من قصر في طلب الحقّ وفعل الطاعات أوقع نفسه في ورطات المهالك، أو بالتخفيف بمعنى سبق أي من استعجل في ارتكاب الأمور وبادر إليها من غير تفكّر للعواقب أوقع نفسه في المهالك، قال الجوهري: فرط في الأمر يفرطه أي قصر فيه، وضيقه حتّى فات، وكذلك التفريط وفرط عليه أي عجل وعداً ومنه قوله تعالى( إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا ) (٢) وفرط إليه مني قول، أي سبق، وقال: الورطة الهلاك، والتورط الوقوع فيها، والتوغل: الدخول في الأمر بالاستعجال من غير روية.

قولهعليه‌السلام جدع أنف نفسه: أي جعل نفسه ذليلاً غاية الذل، والجدع قطع الأنف.

قولهعليه‌السلام ومن لم يعلم أي من لم يكن عالماً بشيء لم يميز بين الحقّ والباطل فيه، ومن لم يميز بين الحقّ والباطل لم يسلم من ارتكاب الباطل، بل لا يسلم في شيء أصلاً، أمّا في ارتكاب الباطل فظاهر، وأمّا في ارتكاب الحقّ إن اتفق فلأن القول به بلا علم هلاك وضلالة، ومن لم يسلم لم يكرم على البناء للمفعول أي لم يعامل معه معاملة الكرام بل يخذل، أو على النبإ للفاعل أي لم يكن شريفا فاضلا ومن لم يكرم يهضم على البناء للمفعول أي يكسر عزه وبهاؤه، ويهان أو يترك مع نفسه ويوكل أمره إليه، أو يظلم ومن يهضم كان ألوم أي أشد ملامة وأكثر استحقاقا

__________________

(١) سورة ق: ٣٧.

(٢) سورة طه: ٤٥.

٩١

يهضم كان ألوم ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم.

٣٠ - محمّد بن يحيى رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واغتفرت فقد ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين لأنّ مفارقة الدين مفارقة الأمن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس إلا بالأموات.

________________________________________________________

لأن يلام، ومن كان كذلك كان أجدر بالندامة على ما ساقه إلى نفسه من الملامة بسبب التوغل فيما لا يعلم.

الحديث الثلاثون مرسل.

قولهعليه‌السلام من استحكمت: الخصلة تستعمل في الصفات فضائلها ورذائلها، ولكن استعمالها في الفضائل أكثر، ويقال: أحكمتها فاستحكمت أي صارت محكمة، والمراد بصيرورتها محكمة صيرورتها ملكة، وقوله: لي، باعتبار تضمين معنى الثبوت أو ما يشابهه، كذا قيل، ويمكن أن يقال: لما كان الإمام راعياً للناس رقيباً عليهم، لكان تحصيل هذه الصفات له ولرضاه، فلذا أضافها إلى نفسه، وتتمة الخبر يؤيده، وقوله: احتملته عليها أي قبلته كائنا على هذه الخصلة، وتجاوزت عن فقد ما سواها من خصال الخير، وارتضيت حاله هذه له، والحاصل تجويز نجاته بسبب الخصلة الواحدة، ثمّ استثنىعليه‌السلام من تلك الخصال العقل والدين، فإنه لا يمكن الاكتفاء بأحدهما عن الآخر، ولا بغيرهما عنهما، ثمّ استدلعليه‌السلام على ذلك بقوله لأنّ مفارقة الدين مفارقة الأمن، لأنّ من لا يكون له دين لا يأمن في الدنيا من القتل وأخذ الأموال والذل والصغار وفي الآخرة من عذاب النار، ويحتمل أن يكون المراد بالدين كماله وأخذه من أئمّة الدين، فبفقد ذلك لا يؤمن عليه أن يخرج من الدين بوساوس الشياطين، وعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بالحياة الحياة المعنوية الحاصلة بالعقل والعلم فإنه مع خوف زوالها لا يتهنأ بها، ثمّ بينعليه‌السلام أن فقد العقل فقد الحياة فإن حياة النفس بالعقل والمعرفة، كما أن حياة البدن بالنفس.

٩٢

٣١ - علي بن إبراهيم بن هاشم، عن موسى بن إبراهيم المحاربي، عن الحسن بن موسى، عن موسى بن عبد الله، عن ميمون بن علي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

٣٢ - أبو عبد الله العاصمي، عن علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال ذكر عنده أصحابنا وذكر العقل قال فقالعليه‌السلام لا يعبأ بأهل الدين ممّن لا عقل له - قلت جعلت فداك إن ممّن يصف هذا الأمر قوماً لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول فقال ليس هؤلاء ممّن خاطب الله إنّ الله خلق العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر

________________________________________________________

الحديث الحادي والثلاثون مجهول.

قولهعليه‌السلام إعجاب المرء: الإعجاب مصدر مبني للمفعول، أضيف إلى المفعول يقال: فلان معجب برأيه على بناء المفعول إذا أعجبه رأيه واستحسنه، والعجب أن يظن الإنسان بنفسه منزلة لا يستحقها ويصدق نفسه في هذا الظن، وذلك إنما يحصل من قلّة التميز والمعرفة، وعدم معرفة قبائح النفس ونقائصها، فهو دليل على ضعف العقل.

الحديث الثاني والثلاثون موثق.

قولهعليه‌السلام لا يعبأ: أي لا يبالي بمن لا عقل له من أهل الدين، ولم يعد شريفا ولا يلتفت إليه، ولا يثاب على أعماله ثواباً جزيلا.

قولهعليه‌السلام ممّن يصف هذا الأمر: أي ممّن يقول بقول الإمامية قوماً لا بأس بهم في الاعتقاد والعمل عندنا أي في بلادنا أو باعتقادنا، وليست لهم تلك العقول دل بإتيان لفظة تلك - وهي للإشارة إلى البعيد - على علو درجة العقول المسلوبة عنهم إشارة إلى أن لهم قدراً من العقل اهتدوا به إلى ما اهتدوا إليه، وغرضه السؤال عن حالهم أيعبأ بهم أم لا؟ فقالعليه‌السلام : ليس هؤلاء ممّن خاطب الله وكلفهم بالتكاليف الشاقة، وعرضهم للوصول إلى الدرجات الرفيعة، ولا يعتنى بشأنهم، وفي قوله: بك

٩٣

فقال وعزتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك أو أحب إلي منك بك آخذ وبك أعطي.

٣٣ - علي بن محمد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس بين الإيمان والكفر إلا قلّة العقل قيل وكيف ذاك يا ابن رسول الله قال إنّ العبد يرفع رغبته إلى مخلوق فلو أخلص نيته لله لأتاه

________________________________________________________

آخذ وبك أعطي، دلالة على أن المؤاخذة بالمعاصي والإعطاء بالطاعة بالعقل، وهو مناطهما، فكلما كمل كثرت المؤاخذة والإعطاء، وكلما نقص قلت المؤاخذة والإعطاء، فيصل إلى مرتبة لا يبالي بهم ولا يهتم بأمرهم، ولا يشدد ولا يضيق عليهم.

الحديث الثالث والثلاثون مرسل.

قولهعليه‌السلام إلا قلّة العقل: أي من لم يكن قليل العقل فهو إمّا مؤمن وإما كافر وأمّا قليل العقل، فهو غير متصف بهما، إمّا أصلاً إذا حمل على عدم حصول العقل الّذي هو مناط التكليف، أو كاملا كما في المرجئين لأمر الله أو المعنى: من كان كاملا في العقل فهو مؤمن كامل، ومن كان عارياً عن العقل فهو كافر، ومن كان قليل العقل فهو متوسط بينهما، ومثلعليه‌السلام لقليل العقل مثلا يدل على أن أرباب المعاصي ليست معصيتهم إلا لقلة عقلهم وتدبّرهم، والأظهر أن المراد أنه ليست الواسطة بين الإيمان والكفر، أي ما يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر إلا قلّة العقل ومطابقة التمثيل حينئذ ظاهر، فالمراد بالإيمان الإيمان الكامل الّذي يخرج منه الإنسان بالتوسل بغيره تعالى والاعتماد عليه، فإن مقتضى الإيمان الكامل بقدرة الله تعالى وكونه مالكاً لضر العباد ونفعهم، أن لا يتوكل إلا عليه، ولا يرفع مطلوبه إلا إليه، فمن توسل بغيره تعالى في شيء من أموره فقد خرج من هذا الإيمان ودخل في الكفر الّذي يقابله.

قولهعليه‌السلام : رغبته، أي مرغوبة ومطلوبه وحاجته.

قولهعليه‌السلام لأتاه: إمّا على بناء المجرد فالموصول فاعله، أو على بناء الأفعال ففاعله الضمير الراجع إلى الله والموصول مفعوله.

٩٤

الذي يريد في أسرع من ذلك.

٣٤ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبيد الله الدهقان، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول بالعقل استخرج غور الحكمة وبالحكمة استخرج غور العقل وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح قال وكان يقول التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلص وقلة التربص

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام من ذلك: أي من إتيانه ذلك المخلوق أو من وقت الرفع إليه، أو من ذلك الوقت الّذي يتوقع حصول مطلوبه عند المخلوق.

الحديث الرابع والثلاثون ضعيف.

قولهعليه‌السلام غور الحكمة: قيل أي قعر الحكمة والبالغ منها نهاية الخفاء والحكمة العلوم الحقة والمعارف اليقينية الّتي يدركها العقل، فالوصول إلى أخفاها وحقيقة بواطنها بالعقل وبالحكمة استخرج غور العقل، أي نهاية ما في قوته من الوصول إلى العلوم والمعارف، فإن بالعلم والمعرفة يعرف نهاية مرتبة العقل، أو يظهر نهاية مرتبته ويبلغ كماله.

أقول: في بعض النسخ « عوز » بالعين المهملة والزاي المعجمة، وعوز كلّ شيء نقصه وقلته، ولعله تصحيف، ويمكن توجيهه بما يرجع إلى الأول.

قولهعليه‌السلام : وبحسن السياسة: أي بحسن الأمر والنهي أو بحسن التأديب من الإمام والمعلم والوالد والمالك وأضرابهم، يحصل الآداب الصالحة الحسنة، ويمكن أن يعم بحيث يشمل سياسة النفس، وقيل: المراد بالسياسة المعاشرة مع الخلق.

قولهعليه‌السلام : حياة قلب البصير: أي قلب البصير الفهم يصير حياً عالماً عارفا بالتفكّر، وهو الحركة النفسانية في المقدمات الموصلة إلى المطلوب، ومنها إلى المطلوب فالفهم يمشي ويتحرك بتفكّره في حال جهله بالمطلوب إلى المطلوب بحسن

٩٥

[ ألف(١) عدة من أصحابنا، عن عبد الله البزاز، عن محمّد بن عبد الرحمن بن حماد، عن الحسن بن عمار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث طويل إن أوّل الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها الّتي لا ينتفع بشيء إلا به العقل الّذي جعله الله زينة لخلقه ونوراً لهم فبالعقل عرف العباد خالقهم وأنهم مخلوقون وأنه المدبر لهم وأنهم المدبرون وأنه الباقي وهم الفانون واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه من سمائه وأرضه وشمسه وقمره وليله ونهاره وبأن له ولهم خالقاً ومدبراً لم يزل ولا يزول وعرفوا به الحسن من القبيح وأن الظلمة في الجهل وأن النور في العلم فهذا ما دلهم عليه العقل.

قيل له فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره قال إنّ العاقل لدلالة عقله الّذي جعله الله قوامه وزينته وهدايته علم أن الله هو الحقّ وأنه هو ربه وعلم أن لخالقه محبة وأن له كراهية وأن له طاعة وأن له معصية فلم يجد عقله يدله على ذلك وعلم أنه لا يوصل إليه إلا بالعلم وطلبه وأنه لا ينتفع بعقله إن لم

________________________________________________________

التخلص والنجاة من الوقوع في الباطل وقلة التربص والانتظار في الوصول إلى الحقّ كذا ذكره بعض الأفاضل ويطلق التفكّر غالباً في الأحاديث على التفكّر والاعتبار بأحوال الدنيا وفنائها ودناءتها وزوال لذاتها، وما يوجب الزهد في الدنيا وترك مشتهياتها والتوجه إلى تحصيل الآخرة وتحصيل سعاداتها، وهذا التفكّر يحيى قلب البصير ويزهده في الدنيا، وينور له طريق الوصول إلى الآخرة، فيتخلص من فتن الدنيا وآفاتها ومضلات الفتن ومشتبهاتها، ويسعى بقدمي الإخلاص واليقين إلى أعلى منازل المقر بين، وقوله: بحسن التخلص يحتمل تعلّقه بيمشي أو بالتفكّر أو بهما، ويحتمل أن يكون حالا عن الماشي أو المتفكّر أو عنهما، وإن كان بعضها بعيداً لفظا وبعضها معنى فلا تغفل.

__________________

(١) من هنا إلى آخر الباب يعني رواية « الف » و « ب » مما لم يوجد في أكثر نسخ الكافي ويظهر من عدم تعرض الشارح لهما أيضاً أنهما غير موجودان في نسخته فلا تغفل.

٩٦

يصب ذلك بعلمه فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الّذي لا قوام له إلا به.

ب - علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي عمير، عن النضر بن سويد، عن حمران وصفوان بن مهران الجمال قالا سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا غنى أخصب من العقل ولا فقر أحط من الحمق ولا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه].

وهذا آخر كتاب العقل [والجهل]

والحمد لله وحده وصلى الله على محمّد وآله وسلم تسليما

٩٧

كتاب فضل العلم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه)

١ - أخبرنا محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا إنّ الله يحب بغاة العلم.

________________________________________________________

باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه

كذا في أكثر النسخ وفي بعضها قبل الباب: كتاب فضل العلم ويؤيد الأول أن الشيخ عد كتاب العقل وفضل العلم كتاباً واحداً من كتب الكافي حيث عدها في الفهرست، ويؤيد الثاني أن النجاشي عد كتاب فضل العلم بعد ما ذكر كتاب العقل من كتب الكافي.

الحديث الأول مجهول.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب العلم فريضة: المراد بالعلم العلم المتكفل بمعرفة الله وصفاته وما يتوقف عليه المعرفة والعلم المتعلّق بمعرفة الشريعة القويمة.

والأول له مرتبتان: الأولى: مرتبة يحصل بها الاعتقاد الحقّ الجازم وإن لم يقدر على حل الشكوك والشبهات، وطلب هذه المرتبة فرض عين، والثانية: مرتبة يقدر بها على حل الشكوك ودفع الشبهات وطلب هذه المرتبة فرض كفاية.

والثاني أي العلم المتعلّق بالشريعة القويمة أيضاً له مرتبتان: إحداهما العلم بما يحتاج إلى عمله من العبادات وغيرها ولو تقليدا، وطلبه فرض عين، والثانية: العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، واصطلح في هذه الأعصار على التعبير

٩٨

٢ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد الله، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال طلب العلم فريضة.

٣ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بعض أصحابه قال سئل أبو الحسنعليه‌السلام هل يسع الناس ترك المسألة عمّا يحتاجون إليه فقال لا.

٤ - علي بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين يقول أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال إن

________________________________________________________

عنها بالاجتهاد وطلبها فرض كفاية في الأعصار الّتي لا يمكن الوصول فيها إلى الحجة، وأمّا في العصر الّذي كان الحجة ظاهراً، والأخذ منه ميسراً ففيه كفاية عن الاجتهاد، وكذا عن المرتبة الثانية من العلم المتكفل بمعرفة الله وصفاته وتوابعه، ثمّ نقول: مراده ظاهراً فرض العين وبحسب ذلك الزمان فيكون المفترض المرتبتين الأوليين من العلمين، ولما بين فرض العلم رغب في المرتبة الغير المفروضة وهو الاشتغال بتحصيل العلوم وضبطها واتخاذه حرفة بقوله: ألا إنّ الله يحب بغاة العلم أي طلبته، فإن بغاة العلم وطلبة العلم ظاهر عرفا في من يكون اشتغاله به دائماً، وكان شغله الّذي يعرف به، ويعد من أحواله طلب العلم.

الحديث الثاني مجهول.

الحديث الثالث مرسل.

الحديث الرابع مرسل.

قولهعليه‌السلام : طلب العلم والعمل به: قيل المراد بهذا العلم العلم المتعلّق بالعمل، ولعله لا ضرورة في تخصيصه به، فإن كلّ علم من العلوم الدينية يقتضي عملا لو لم يأت به كان ذلك العلم ناقصا، كما أن العلم بوجوده تعالى وقدرته ولطفه وإحسانه يقتضي

٩٩

المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه.

٥ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن يعقوب بن يزيد، عن أبي عبد الله رجل من أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب العلم فريضة.

وفي حديث آخر قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا وإن الله يحب بغاة العلم.

٦ - علي بن محمّد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول تفقهوا في الدين فإنه

________________________________________________________

إطاعته في أوامره ونواهيه، والعلم بوجود الجنة يقتضي العمل لتحصيلها، والعلم بوجود النار يقتضي العمل بما يوجب النجاة منها، وهكذا قولهعليه‌السلام : أوجب عليكم المراد إمّا الوجوب الشرعي الكفائي، أو الوجوب العقلي أي أحسن وأليق بأنفسكم والمراد بالمال: الرزق لا فضوله، قد قسمه عادل بينكم، لقوله سبحانه:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (١) وضمنه لقوله تعالى:( وَما مِنْ دَابَّةٍ ( فِي الْأَرْضِ ) إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها ) (٢) « عند أهله » أي الأنبياء والأئمّةعليه‌السلام والذين أخذوا عنهم، وقد أمرتم بطلبه بقوله تعالى:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٣) .

الحديث الخامس مرسل.

الحديث السادس ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام تفقهوا في الدين: حمله الأكثر على تعلم فروع الدين إمّا بالاجتهاد أو بالتقليد، ويمكن حمله على الأعم من الأصول والفروع بتحصيل اليقين فيما يمكن تحصيله فيه وبالظن الشرعي في غيره.

__________________

(١) سورة زخرف: ٣٢.

(٢) سورة هود: ٦.

(٣) سورة النحل: ٤٣.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358