آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم

آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم0%

آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 250

آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مرتضى الرضوي
تصنيف: الصفحات: 250
المشاهدات: 19711
تحميل: 6590

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 250 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19711 / تحميل: 6590
الحجم الحجم الحجم
آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم

آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

آخر...) (1) .

(وكما أثبت الشيعة مِن كتب السنَّة أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي بعث عقيدة التشيُّع ودعا إليها، أثبتوا - أيضاً - مِن طرق السنة أنَّ النبي أوَّل مَن أطلق لفظ الشيعة على مَن أحبَّ عليَّاً وتابعه.

قال الشيخ محمد حسين المظفر في كتاب (تاريخ الشيعة ص5) طبع النجف الأشرف - العراق.

جاء في كتاب: الصواعق المُحرقة لابن جحر، وفي كتاب النهاية لابن الأثير: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا علي، إنَّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين).

وجاء في الدر المنثور للسيوطي: إنَّ النبي (صلى الله عليه [ آله ] وسلم) قال: (إنَّ هذا - وأشار إلى علي - وشيعته هم الفائزون يوم القيامة).

ثمَّ قال صاحب تاريخ الشيعة: فكانت الدعوة إلى التشيُّع لعلي مِن محمد، تمشي معه جنباً لجنب مع الدعوة إلى شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله.

وبهذا يتبيَّن معنى أنَّ المصدر الأوَّل والأخير للشيعة، والتشيُّع هو النبي دون سواه، فإنْ كان التشيُّع هو السبب لتمزيق وحدة المسلمين، وتفريق كلمتهم - كما زعم بعض أهل السنة - فالمسؤول عن ذلك هو النبي وحده دون سواه) (2) .

* * *

____________________

(1) بحث حول الولاية ص65 الطبعة الثالثة عام 1402 هـ.

(2) تجارب محمد جواد مغنية بقلمه ص238 ط دار الجواد بيروت.

٢١

طعن الإمام الشوكاني (*) في المذاهب:

لسدِّ باب الاجتهاد

ومِن عجيب صنع المُقلِّدة أنَّهم يقبلون ممَّن ينتسب إلى مذهبهم، الترجيح بين الروايتين لإمامهم وإنْ كان ذلك المرجِّح مقلِّداً غير مجتهد. ولا قريباً مِن رتبة المجتهد ومَن جاء هو كإمامهم، أو فوق إمامهم وأخبرهم مِن الراجح مِن ذينك القولين لم يلتفتوا، ولا قبلوا قوله ولو عضد ذلك بالآيات المحكمة، والأحاديث المتواترة.

____________________

(*) الإمام الشوكاني هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن صلاح بن علي بن عبد الله الشوكاني، الخولاني، ثمَّ الصنعاني (أبو عبد الله) ولد في (1173هـ 1760م) وتوفِّي (1350 هـ 1843 م).

مُفسِّر، محدِّث، فقيه، أصولي، مؤرِّخ، أديب، نحوي، منطقي، مُتكلِّم، حكيم.

ولد بهجرة شوكان مِن بلاد خولان، في (28 ذي القعدة)، ونشأ بصنعاء وولي القضاء، وتوفِّي بصنعاء في جمادي الآخرة ودفن بخزيمة.

مِن تصانيفه الكثيرة: البدر الطالع بمحاسن مِن بعد القرن السابع، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقِّ في علم الأصول، فتح القدير الجامع بين فنَّي الرواية والدراية مِن علم التفسير، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، والدر النضيد في إخلاص التوحيد. وله شعر (معجم المؤلِّفين تراجم مصنفي الكتب العربيَّة: 11 | 53) و ترجمة القمِّي: في الكُنى والألقاب: 2 | 371 وقال: شوكان: موضع بالبحرين، وبلد بين أبيورد وسرخس.

٢٢

بلْ يقبلون مِن موافقهم مجرَّد التخريج على مذهب إمامهم، والقياس على ما ذهب إليه ويجعلونه ديناً، ويحللون به ويحرمون.

فيالله وللمسلمين! مع كلِّ عاقل إنَّ الربَّ واحد، والنبي واحد والأمَّة واحدة، والكتاب واحد.

وبالجملة، فكلُّ مَن يعقل لا يخفى عليه أنَّ هذه المذاهب قد صار كلَّ واحد كالشريعة عند أهله، يذودن عنه كتاب الله وسنة رسوله. ويجعلونه جسراً يدفعون به كلَّ مَن يُخالفه كائناً مَن كان.

* * *

سدُّ باب الاجتهاد نسخٌ للشريعة

والعجب أنَّ هؤلاء مكاسير المُقلِّدة لم يقفوا حيث أوقفهم الله مِن القصور، وعدم العلم النافع، فقاموا على أهل العلم قومة جاهليَّة وقالوا: باب الاجتهاد قد انسدَّ، وطريق الكتاب والسنَّة قد ردمت.

وهذه المقالة مِن هؤلاء الجهَّال تتضمَّن نسخ الشريعة، وذهاب رسمها، وبقاء مجرَّد اسمها، وأنَّه لا كتاب ولا سنَّة؛ لأنَّ العلماء العارفين بهما إذا لم يبق لهم سبيل على البيان الذي أمر الله سبحانه عباده بقوله: ( وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ... ) 3: 187.

وبقوله:

٢٣

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا - إلى قوله - أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) 3: 159.

فقد انقطعت أحكام الكتاب والسنَّة، وارتفعت مِن بين العباد، ولم يبق إلاَّ مجرَّد تلاوة القرآن، ودرس كتب السنَّة، ولا سبيل إلى التعبُّد بشيء ممَّا فيهما.

ومِن زعم هؤلاء الجهلة أنَّه مَن يقضي أو يفي بما فيهما، أو يعمل لنفسه بشيء ممَّا اشتملا عليه فدعواه باطلة وكلامه مردود.

فانظر إلى هذه الفاقِرة العظمى، والداهية الدهياء، والجهلاء، والبدعة العمياء الصمَّاء!!!

سبحانك هذا بهتان عظيم.

- وللإمام الشوكاني -

يا ناقداً لمقال ليس يفهمه

مَن ليس يفهم قل لي كيف ينتقد

يا صاعداً في وعور ضاق مسلكها

أيصعد الوعر مَن في السهل يرتعد

يا ماشياً في فلاة لا أنيس بها

كيف السبيل إذا ما اغتالك الأسد

يا خائض البحر لا يدري سباحته

ويلي عليك أتنجو أنْ علا الزبد

ومنها:

إنِّي بُليت بأهل الجهل في زمن

قاموا به ورجال العلم قد قعدوا

٢٤

قوم يدق جليل القول أنَّهم

أعدى العداة لمن في علمه سدد

إذا رأوا رجلاً قد نال مرتبة

في العلم دون الذي يدرونه جحدوا

أو مال عن زائف الأقوال ما تركوا

باباً مِن الشرِّ إلاَّ نحوه قصدوا

أمَّا الحديث الذي قد صحَّ مخرجه

كالأمَّهات فما فيهم لها ولد

تراهم إنْ رأوا مَن قال حدَّثنا

قالوا له ناصبي ما له رشد

وإنْ ترضي على الأصحاب بينهم

قالوا باغض للآل مجتهد

يا غارقين بشوم الجهل في بدع

ونافرين عن الهدي القويم هدوا

ما باجتهاد فتي في العلم منقصة

النقص في الجهل لا حيَّاكم الصمدُ

لا تُنكروا مورداً عذاباً لشاربه

إنْ كان لا بدَّ مِن إنكاره فردوا

وإنْ أبيتم فيوم الحشر موعدنا

في موقف المصطفى والحاكم الأحد (1)

* * *

____________________

(1) جاء ذكر هذه الأبيات تحت عنوان: جهاد الشوكاني للمقلِّدين في كتاب: (ولاية الله والطريق إليها ص 330) طبعة مصر.

٢٥

ومِن كلام الزمخشري (1) (رض):

إذا سألوا عن مذهبي لم أُبح به

وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإنْ حنيفاً قلت قالوا بأنَّني

أُبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وإنْ مالكيَّاً قلت قالوا بأنَّني

أُبيح لهم أكل الكلاب وهم هموا

وإنْ شافعياً قلت قالوا بأنَّني

أُبيح نكاح البنت والبنت محرم

وإنْ حنبليَّاً قلت قالوا بأنَّني

ثقيل حلولي بغيض مجسم

وإنْ قلت مِن أهل الحديث وحزبه

يقولون تيس ليس يدري ويفهم

تعجَّبت مِن هذا الزمان وأهله

فما أحد مِن ألسن الناس يسلم

وأخرني دهري وقدَّم معشراً

على أنَّهم لا يعلمون.. وأعلم

____________________

(1) وهو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، ولِد يوم الأربعاء 27 مِن شهر رجب سنة (467 هـ) سبعاً وستِّين وأربعمئة بزمخشر بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين وبعدها راء: قرية كبيرة مِن قرى (خوارزم) وتوفِّي رحمه الله ليلة عرفة سنة (583 هـ) بجرجانية بعد رجوعه مِن مكَّة. مصنفاته: منها: تفسير الكاشف المسمَّى: حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل، المفرد المركب في العربية، الفائق في تفسير الحديث، أساس البلاغة، المفصل في النحو، وغيرها، أنظر تفسير الكاشف: 4 | 307 طبعة مصر.

٢٦

ومُذ أفلح الجهَّال أيقنت أنَّني

أنا الميم والأيَّام أفلح (1) أعلم (2)

____________________

(1) الأعلم والأفلح هو: مشقوق الشفتين الأعلى والأسفل ولا يستطيع النطق بحرف الميم.

(2) تفسير الكشاف: 4 | 310 طبعة مصر.

٢٧

تسمية السنَّة بأهل السنَّة (1) والجماعة

قال العلاَّمة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره (حقائق التنزيل وعيون الأقاويل) المعروف بالكشاف: (ثمَّ تعجَّب مِن المتسمّين بالإسلام، المتسمَّين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظمة مذهباً، ولا يغرنَّك تسترهم بالبلكفة؛ فإنَّه مِن منصوبات أشياخهم والقول ما قال أحد العدلية فيهم).

لجماعة سمُّوا هواهم سنَّةً

وجماعة حمر لعمري موكفة

قد شبُّهوه بخلقه وتخوفوا

شنع الورى فتستَّروا بالبلفكة

تفسير الكشاف 2| 116 ط مصر.

* * *

____________________

(1) قال المرحوم الشيخ محمود أبو رية طاب ثراه:

إنَّنا لا نعرف شيئاً اسمه (أهل السنة) ولا شيئاً آخر يقابلها مِن سائر الفرق، أو المذاهب التي استحدثت بين المسلمين لتعريفهم، وبخاصة فإنَّ وصف أهل السنَّة هذا لم يكن معروفاً قبل معاوية بن أبي سفيان، وقد استحدثوه في عهده في العام الذي وصفوه بأنَّه (عام الجماعة) نفاقاً للسياسة لعنها الله، وما كان إلاَّ عام الفرقة. انظر: شيخ المضيرة أبو هريرة ص 309 الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر عام 1969 م.

٢٨

تمهيد

وصف حالة المسلمين اليوم

مِن الواضح الغني عن البيان، ما وصلت إليه حالة المسلمين، ولا سيَّما في هذه القرون الأخيرة، مِن الضعف والسقوط والذلَّة، وتحكُّم الأجانب بهم، واستعبادهم، واستملاك أراضيهم وديارهم، وجعلهم خولاً وعبيداً، يستعملونهم كاستعمال البهائم في مصالحهم، ويستغلُّونهم بوضع الأغلال في أعناقهم، إلى ما فوق ذلك مِن الهوان، والخسران، ممَّا لا يُحيط به وصف واصف، ولا يستطيع تصويره ريشة مصوُّر، كلُّ ذلك جلي وواضح..

وإنَّ السبب الوحيد هو: تفرُّق المسلمين، وتباغضهم، وتعاديهم، وسعي كلِّ طائفة منهم لتكفير الأُخرى، فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة يسعون في هلاكهم وإبادتهم، وما هو إلاَّ الجهل المطبق، والعصبية العمياء.

فالجهل يمدُّهم، ويطغيهم، ومكائد الأجنبي المستعبد تشدُّهم، وتُغريهم، وقد أفاضت أقلام الأعلام والخُطباء وطفحت الصحف والمؤلفات في هذا الموضوع، حتَّى أُوشك أنْ يكون في الأحاديث التي صار يمجُّها الطبع وينبو عنها السمع؛ لأنَّ الطبع موكل بمعاداة المعادات، وكراهة المُكررات (1) .

____________________

(1) أصل الشيعة وأصولها ص 22 ط القاهرة عام 1377 هـ.

٢٩

٣٠

التقيَّة

عند الشيعة الإماميَّة

(مَن لا تقيَّة له لا دين له)

الإمام الصادق (عليه السلام)

٣١

التقيَّة في نظر الشيعة والسنَّة

أسباب نشوء التقيَّة

هي: أنَّ السلطة الحاكمة قد صادرت حريَّة الرأي، والعقيدة وتذرَّعت بالتنكيل، والخشونة فالتجأ المسلمون إلى إبطان عقيدتهم حفاظاً على أنفسهم، ومذهبهم.

فإن كانت التقيَّة تعدُّ جريمة فهي مِن فعل السياسات الحاكمة آنذاك.

والتقيَّة: إيمان صحيح، وقانون طبيعي في ظلِّ السلطات الجائرة.

عقيدة الشيعة الإمامية في التقيَّة

قال العلاَّمة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر (1) :

____________________

(1) هو: الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل المظفر النجفي. عالم جليل وأديب بارع.

ولِد في النجف الأشرف في الخامس مِن شعبان سنة (1323) هـ، بعد وفاة والده بستة أشهر، فكفله أخواه الشيخ عبد النبي، والشيخ محمد حسن، فنشأ عليهما وتعلَّم المبادئ، وقرأ مقدِّمات العلوم على بعض الأفاضل، ثمَّ حضر في الفقه والأُصول على الميرزا محمد حسين

٣٢

روي عن صادق آل البيت (عليهم السلام) في الأثر الصحيح:

(التقيَّة ديني ودين آبائي) و(مَن لا تقيَّة له لا دين له). وكذلك هي:

لقد كانت التقيَّة شعاراً لآل البيت (عليهم السلام) دفعاً للضرر عنهم، وعن أتباعهم، وحقناً لدمائهم، واستصلاحاً لحال المسلمين، وجمعاً لكلمتهم، ولمَّاً لشعثهم، وما زالت سمة تُعرف بها الاماميَّة دون غيرها مِن الطوائف والأُمم، وكلُّ إنسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه، أو ماله بسبب نشر مُعتقده، أو التظاهر به لا بدَّ أنْ يتكتَّم، ويتَّقي مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضية فطرة العقول.

مِن المعلوم أنَّ الإمامية وأئمتهم لاقوا مِن ضروب المحن، وصنوف الضيق على حرِّياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أيَّة طائفة، أو أُمَّة أُخرى، فاضطرُّوا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيَّة بمكانة المخالفين لهم، وترك مظاهرتهم، وستر عقائدهم، وأعمالهم المُختصَّة بهم عنهم؛ لما كان يعقب ذلك مِن الضّرر في الدنيا.

ولهذا السبب امتازوا (بالتقيَّة) وعُرفوا بها دون سواهم.

وللتقيَّة أحكام مِن حيث وجوبها وعدم وجوبها، بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيَّة.

وليست هي بواجبة على كلِّ حال، بلْ قد يجوز، أو يجب خلافها في بعض الأحوال، كما إذا كان في إظهار الحقِّ، والتظاهر به نصرة

____________________

النائيني، والشيخ ضياء الدين العراقي، وعمدة استفادته مِن أخيه الشيخ محمد حسن المذكور، وحضر - أيضاً - في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الأصفهاني عدَّة سنين، وأضاف إلى دراسة العلوم الدينية، العلوم الرياضية، ومبادئ العلوم الطبيعية، على الطريقة الحديثة.. وأسَّس (جمعيَّة منتدى النشر) عام (1354 هـ) وانتُخب لرئاستها مِن سنة (1357) هـ وجُدِّد انتخابه في كلِّ دورة. وله آثار علميَّة جيَّدة طبع منها: السقيفة، المنطق، عقائد الشيعة، أصول الفقه وغيرها. توفِّي في عام (1383هـ). (طبقات أعلام الشيعة: نقباء البشر في القرن الرابع عشر 1| 372، 373).

٣٣

للدين، وخدمة للإسلام، وجهاد في سبيله، فإنَّه يُستهان بالأموال، ولا تعزُّ النفوس.

وقد تحرم التقيَّة في الأُمور التي تستوجب قتل النفوس المحترمة، أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم، أو بإفشاء الظلم والجور فيهم (أو السبب بتفريقهم، وتمزيق شملهم).

وعلى كلِّ حال، ليس معنى التقيَّة عند الإمامية أنَّها تجعل منهم جماعة سرِّية لغاية الهدم والتخريب، كما يُريد أنْ يُصوِّرها بعض أعدائهم غير المتورِّعين في إدراك الأُمور على وجهها، ولا يكلِّفون أنفسم فَهْم الرأي الصحيح عندنا.

كما أنَّه ليس معناها أنَّها تجعل الدين، وأحكامه سرَّاً مِن الأسرار، لا يجوز أنْ يذاع لمَن لا يدين به، كيف وكتب الإمامية، ومؤلفاتهم فيما يخصُّ الفقه والأحكام، ومباحث الكلام، والمعتقدات قد ملأت الخافقين، وتجاوزت الحدَّ الذي ينتظر مِن أيَّة أُمَّة أنْ تدين بدينها!

بلى: إنَّ عقيدتنا في التقيَّة قد استغلَّها مَن أراد التشنيع على الإمامية (1) فجعلوها مِن جملة المطاعن فيهم، وكأنَّهم كان لا يشفي غليلهم إلاَّ أنْ تُقدَّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور، التي يكفي فيها أنْ يُقال: هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت مِن الأُمويين والعباسيين بلْ العثمانيّين.

____________________

(1) نظراء أحمد أمين المصري صاحب فجر الإسلام. محب الدين الخطيب صاحب الخطوط العريضة، محمد مال الله البحريني صاحب الشيعة، وتحريف القرآن وما شاكلهم مِن العلماء في العصر الحاضر: إحسان إلهي ظهير الباكستاني، وإبراهيم الجبهان الوهابي وعبد الله محمد الغريب المصري وغيرهم مِن أدعياء الإسلام.

٣٤

وإذا كان طعن مَن أراد أنْ يطعن يستند إلى عدم زعم مشروعيتها مِن ناحية دينية فإنَّا نقول له:

أوَّلاً: إنَّنا متّبعون لأئمتنا (عليهم السلام)، ونحن نهتدي بهداهم، وهم أمرونا بها، وفرضوها علينا وقت الحاجة، وعندهم مِن الدين، وقد سمعت قول الصادق (عليه السلام): (مَن لا تقيَّة له لا دين له).

وثانياً: قد ورد تشريعها في القرآن الكريم ذلك قوله تعالى:

( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ) النحل: الآية 106.

وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر، الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر؛ خوفاً مِن أعداء الإسلام وقوله تعالى: ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً... ) . وقوله تعالى: ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ... ) (المؤمن: 28) (1) .

* * *

____________________

(1) عقائد الإمامية ص 72، 74 طبعة مصر عام 1377 هـ مطبعة نور الأمل شارع القلعة بالقاهرة.

٣٥

٣٦

التقيَّة

في نظر علماء السنَّة

٣٧

التقية في نظر علماء السنَّة

1- قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً... ) .

(المسألة الرابعة): اعلم أنَّ للتقيَّة أحكاماً كثيرة ونحن نذكر بعضها:

الحكم الأول: إنَّ التقيَّة إنَّما تكون إذا كان الرجل في قوم كفّار، ويخاف منهم على نفسه، وماله فيداريهم باللسان، وذلك بأنْ لا يظهر العداوة بالّلسان، بل يجوز أيضاً أنْ يظهر الكلام المُوهم للمحَّبة والموالاة، ولكنْ بشرط أنْ يُضمر خلافه وأنْ يُعرض في كلِّ ما يقول، فإنَّ للتقيَّة تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب...

الحكم الرابع: ظاهر الآية يدل أنَّ التقيَّة إنَّما تحلُّ مع الكفَّار الغالبين، إلاَّ أنَّ مذهب الشافعي (رضي الله عنه): أنَّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلَّت التقيَّة محاماة على النّفس.

الحكم الخامس: التقيَّة جائزة لصون النّفس، وهل هي جائزة

٣٨

لصون المال؟ يُحتمل أنْ يحكم فيها بالجواز لقوله (صلى الله عليه وسلم): (حرمة مال المسلم كحرمة دمه).

ولقوله (صلّى الله عليه وسلم): (مَن قُتل دون ماله فهو شهيد) (1) .

2- وقال الزمخشري في تفسيره:

في تفسير قوله تعالى: ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً... ) : رخَّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة محالفة ومعاشرة ظاهرة، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء، وانتظار زوال المانع مِن قشر العصا، وإظهار الطرية... (2) .

3- وقال الخازن في تفسيره:

التقيَّة لا تكون إلاَّ مع خوف القتل، مع سلامة النيَّة، قال الله تعالى: ( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ) (60| 106). ثمَّ هذه التقيَّة رخصة... الخ (3) .

4- وقال النسفي في تفسيره:

( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً... ) (3 | 28). إلاَّ أنْ تخافون جهتهم أمراً يجب اتِّقاؤه، أي ألاَّ يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك، فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة، وإبطان المعاداة (4) .

____________________

(1) انظر: تفسير الفخر الرازي: 8| 13 طبعة دار الفكر عام 1401هـ.

(2) تفسير الكشاف: 1| 422، تفسير غريب القرآن للنيسابوري 3 | 178 بهامش تفسير الطبري طبع بولاق.

(3) تفسير الخازن: 1| 277.

(4) تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن: 1 |277 طبع مصر.

٣٩

5- وقال الخطيب الشربيني في تفسيره:

( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ... ) ، أيْ على التلفُّظ بالكفر فتلفَّظ به ( ... وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ) فلا شيء عليه؛ لأنَّ محل الإيمان هو القلب... (1) .

6- وقال النيسابوري في تفسيره:

( ... فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ... ) ، قيل: في الآية دليل على أنَّ التقية جائزة عند الخوف؛ لأنَّه علَّل إظهار هذه الشرايع بزوال الخوف مِن الكفار (2) .

7- وقال الزمخشري في تفسيره:

روي أنَّ أناساً مِن أهل مكَّة فُتنوا فارتدُّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه، وكان فيهم مَن أُكره، وأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو مُعتقد للإيمان. منهم عمار بن ياسر، وأبواه: ياسر، وسمية، وصهيب، وبلال، وخباب، عذِّبوا...

فأمَّا عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً... الخ (3)

8- وقال إسماعيل حقِّي في تفسيره:

( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ... ) أُجبِر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه، أو على عضو مِن أعضائه...؛ لأنَّ الكفر اعتقاد، والإكراه على القول دون الاعتقاد، والمعنى: لكنَّ المكره على الكفر باللسان ( ... وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ... ) لم تتغير عقيدته. وفيه دليل على أنَّ الإيمان المنجي المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب (4) .

____________________

(1) تفسير السراج المنير: 2| 263.

(2) تفسير غرائب القرآن: 3 |178 بهامش تفسير الطبري.

(3) الكشاف عن حقائق التنزيل 2| 430 ط مصر.

(4) روح البيان 5 |84.

٤٠