الشمس وراء السحب

الشمس وراء السحب10%

الشمس وراء السحب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 964-438-162-9
الصفحات: 375

  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13584 / تحميل: 9059
الحجم الحجم الحجم
الشمس وراء السحب

الشمس وراء السحب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
ISBN: ٩٦٤-٤٣٨-١٦٢-٩
العربية

الشمس وراء السحب

١
٢

الشمس وراء السحب

المؤلف: كمال السيد

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحیم

٥

٦

بسـم الله الرحمن الرحـيم

لا ينتمي هذا الكتاب الذي بين يديك ـ عزيزي القارىء ـ الى هم الدراسات التاريخية بالرغم من تاريخ الحوادث بقدر ما يعد عملاً يرنو الى المستقبل ذلك ان مسألة المهدي تشكل اليوم جوهر الاسلام ومستقبله

كما ان كاتب الرواية يؤمن ايماناً ملتهباً يتجاوز الايمان الفلسفي بأن « المهدي » الذي واكب تاريخ الرسالات كنبوءة وبشارة قد استحال الى حقيقة انسانية حية منذ ١٥ شعبان ٢٥٦ هـ تموز عام ٨٧٠ م

و من هنا فهو يسعى الى أن تكون روايته القادمة عن « عالم الغد » العالم الذي تطمح اليه الانسانية وتسعى في الوصول اليه

الناشر

٧

لن أهديه الى أحد ..

لأن البطل الأخضر ..

ما يزال يجوب المدن الخائفة ..

وما تزال الشمس محاصرة ..

بالسحب الجليد ..

 كمال السيّد

٨

فجر السلام

« وينفلق عمود الفجر عندما تشتد

الظلمات في الهزيع الأخير من الليل ».

في ذلك الزمن العصيب

بعد أن ذبح الضمير

وقد هوت ..

* * *

فيه الحضارةُ للمغيب

يا أيها القلب الكسير

واجتاحت الوطن الخصيب

حتّام هذا الانتظار؟

في الليلة الظلماء

يا أيها البدر المنير

ألاف الذئاب

إلام هذا الانتظار؟!

فإذا الكواكب في انطفاء

فجّر مسافات الغياب

واذا السلام...

وأزح بكفيّك الضباب

مسمّر فوق الصليب

وأطلّ من حجب الغيوم

* * *

أطلّ من خلف السحاب

في ذلك الزمن المرير

هذي مدائننا الحزينة ..

فقدت سواقينا الخرير

يلفها ذلّ الأسار

وتهافتت فيه النسائم ..

وغشى مساجدنا الغبار

بعد عنف الزمهرير

تبكي المآذن ..

وتراجع الحبّ الكبير

ألف قنديل يضي ء الدرب

أمام عربدة الغرائز ..

في زمن التتار

٩

هجرتْ حمائمها القبابْ

هبطت الى الأرض الحزينة ..

وعوت حواليها الذئابْ

وهي تبكي ..

وتهشّمت فيها مصابيح النهار

في الظلام

وغدا الفرات بلا مياه ..

هبطت ملائكة السماء

وغاب دجلة في السراب

هبطت كأسراب الحمام

* * *

ونسائم من جنّة الفردوس

ومضى الزمان يلفّه عام وعام

تهمس : يا نيام!

وأطلّ بدر في الفضاء

هبّوا فقد ولد الإمام(١)

أطلّ من خلل الغمام

ويا بذور ..

ولاح نجم في السماء

مدّي جذورك في القبورْ

كأنه قلب ..

وتأمّلي وجه السماء

توهّج في هيام

تطلعي نحو الإمامْ

ما بالها الملّوية السمراء

الشمس تبعث دفئها ..

تصدع بالأذان؟!

من خلف أكوام الغمام(٢)

قبل انفلاق الفجر ..

وترقّبي زمن الربيع

قبل حلوله ..

ترقبي فجر السلام

قبل الأوان

* * *

وتكاد تهتف : يا نيام!

هبّوا فقد ولد السلام

* * *

في ذلك البيت المضيء

في ظلمة الزمن الرديء

__________________

(١) وقبيل الفجر في منتصف شعبان ولد الامام المنتظر.

(٢) الامام المهدي : ( وامّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيّبتها عن الابصار السحب). إكمال الدين ٢/ ٤٨٣.

١٠

ارهاصات الفجر

١١
١٢

١

هلال شوال ما يزال مبتسماً فقد اشرق زمن الحرية ، وانتهى الى أمد ليل الطاغية الطويل

الخليفة الجديد يتخذ قرارات تنم عن ارادة في أن يسود الخير والسلام ربوع البلاد..

ولكن لعنة غامضة ما تزال تطارد الشاب الذي أقدم على اغتيال والده في تلك الليلة الخريفية من سنة ٨٦١ م.

عمت الفرحة انحاء البلاد وكان أكثر الناس فرحاً العلويون الذين ابتهجوا بالسياسة الجديدة

فقد الغيت الاجراءات التعسفية كما اطلقت جميع أموالهم المجمدة وافرج عن السجناء الذين اعتقلوا لتهم واهية ، أو بسبب زيارة مرقدي الإمام علي في النجف ونجله سبط النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الامام الحسين في كربلاء.

وخلال فترة وجيزة تم بناء مرقد الامام الحسين الذي ظل طوال عقد من السنين ارضاً زراعية وتكربها وتجوسها ثيران الحراثة كل عام.

١٣

 احدث سقوط الطاغية دوياً كبيراً هز المجتمع الاسلامي وكانت سامراء التي هي مركز الزلزال في طليعة المدن التي هزها الحادث.

على أن الدفء الذي غمر الأرض بعد شتاء قارس لم يدم طويلاً فلقد اسفر المشهد الجديد عن وجود قوى تريد كسب المزيد من الثراء والنفوذ والسلطان.

فقد وجد « محمد المنتصر » نفسه محاصراً في قصره بسامراء

كل ما استطاع فعله حتى الآن أنه أمر باخلاء العاصمة الجديدة « المتوكلية » بل وهدم جميع منشآتها ونقل مواد البناء الى سامراء فالمتوكلية مشروع فاشل ولد ميتاً لأن مشروع النهر الذي يعد شريان حياتها كان فاشلاً فتحققت نبوءة الرجل المبارك « علي بن محمد ».

نحن ، الآن في نهايات عام ٢٤٧ هـ مطلع العام الميلادي الجديد ٨٦٢ م وزعماء الحركة الانقلابية من ضباط الحرس والجيش الاتراك قد بلغوا ذروة نفوذهم ويريدون الآن تحقيق اكبر ما يمكن من التسلط « وصيف » « بغا الشرابي » « أوتامش » و « باغرا » ، وقد ظهرت شخصية انتهازية ظهور النباتات المتسلقة تلك هي شخصية رئيس الوزراء الجديد « احمد بن الخصيب » وقد بدا واضحاً أنه قد كسب ثقة الاتراك.

١٤

 المشهد الآن داخل القصر خليفة شاب في الخامسة والعشرين من العمر ، يمتاز برجاحة عقل وحسن تدبير انه يفكر بانقاذ الخلافة من براثن النفوذ التركي المتسلط واستعادة المجد العباسي

أربعة ضباط اتراك يضمر كل منهم للآخر الكيد ويحاول افتراس صاحبه قبل أن يفترسه ، فيما ظهر ابن الخصيب حرباء تتلون حسب الظروف وأفعى تنفث سمها وحقدها في كل اتجاه.

أما بغا الكبير فقد كان يخطو خطواته الأخيرة نحو القبر بعد أن ذرف على التسعين لقد اكتفى بمساندة الاتراك وتأييد الحركة الانقلابية فقط ما دام ابنه بغا الصغير المعروف بالشرابي أحد قادتها ومنفذيها.

شعر المنتصر أنه ارتكب خطأ فادحاً بتعيينه أحمد بن الخصيب رئيساً للوزراء ، خاصة بعد أن تناهت اليه حادثة مؤلمة(١) أثارت استياء الناس.

كان المنتصر قد كسب شعبية ومحبوبية بين الناس بسبب سياسته المعتدلة وتخفيفه من محنة العلويين ولكن ثمة أشياء كانت تلقي ظلالها على وجه المنتصر أنه في كل الاحوال قاتل أبيه ، وقاتل الأب لكن يكون طيباً في نظر الناس مهما تفانى في طيبته! ان سياسة رئيس الوزراء ونفوذ الزعامات التركية قد اصبح واقعاً مريراً يحس بوطأته الشعب ، وكان المنتصر يدرك ذلك جيداً ،

١٥

ولذا اجتاحته مشاعر الندم المريرة منذ بدء العام الهجري الجديد الذي أطل مع ربيع سنة ٨٦٢ هـ.

واضحى قصر « المحدث » بؤرة للمؤامرات والدسائس من جديد ، وما أثار مخاوف الاتراك ان المنتصر قد اصبح كئيباً يعاني من موجات حزن تنتابه بين فترة وأخرى.

كان قمر محرم الحرام بدراً بهياً ، ولم تفلح نسائم آذار المنعشة في أن تدخل البهجة على النفس المعذبة « المنتصر » يعيش احزانه وحيداً تحاصره مشاعر الندم ما الذي فعله؟! ان كل شيء كان يحلم في تحقيقه يتحطم على صخرة التعسف التركي البغيض هؤلاء القتلة الذين مزقوا أبي إرباً ارباً فعلوا ذلك لكي تصبح الخلافة العوبة بايديهم ها أنا اصبح دمية في أيديهم واجتاحته موجة من الغضب فغمغم ولكن باصرار :

ـ سوف أمزقهم جميعاً قتلني الله ان لم اقتلهم وافرق جمعهم(٢) !

لكنه يشعر باليأس اليأس من الاصلاح وكيف يمكنه مقاومة العاصفة المجنونة

ان هؤلاء الاجلاف قد استعذبوا التسلط سيوفهم في أيديهم والخناجر ؛ واسهل ما عندهم ذبح الانسان من الوريد الى الوريد الذين يعرفون « المنتصر » يعرفون مأساة الذي اكتشف أنه لم يحصد سوى الريح

١٦

 في المساء امتطى المنتصر حصانه والهبه بالسياط فانطلق به نحو الافق البعيد لكأنه يريد الهرب لا يدري الى أين؟! وعندما عاد الى القصر كان يتصبب عرقاً(٣) فألقى بنفسه في إيوان كانت تهب خلاله نسائم باردة.

القصر يكاد يكون مهجوراً ذلك المساء ولم يكن أحد يستطيع الاقتراب من المنتصر هيبة له انه يفضل أن يكون وحيداً مع احزانه وعذاباته

لم يغف المنتصر طويلاً حتى هبّ من نومه مرعوباً يبكي تطارده اشباح مخيفة..

ونهض من مكانه يدور في أروقة القصر لكأنه يبحث عن شيء وعندما وقعت عيناه على أحد موظفي القصر قال له بحزن :

ـ اين ذلك البساط(٤) ؟

وأدرك أيوب قصد الخليفة :

ـ عليه آثار دماء فاحشة وقد عزمت أن لا أفرشه من ليلة الحادثة.

قال المنتصر :

ـ لم لا تغسله وتطويه؟

ـ اخشى أن يشيع الخبر عندما نفرشه؟

قال المنتصر بمراراة :

ـ وهل تظن ان الحادثة بقيت سراً ان الأمر اشهر من ذلك

١٧

٢

تنفس العلويون الصعداء في الحجاز والعراق ولأول مرة ومنذ اكثر من ربع قرن زالت عنهم هواجس الخوف والتشرد ، وذاقوا حلاوة الأمن والحرية وفي هذه الفترة الوجيزة تحسنت اوضاعهم المعيشية ، وشد بعضهم الرحال الى العاصمة سامراء خاصة بعد إعادة « فدك » تلك الأرض الزراعية الخصيبة وكانت « حكيمة » شقيقة الامام علي الهادي في طليعة الوافدين وقد جاءت مصطحبة معها ابن الامام الاكبر محمد الذي يكنى بأبي جعفر وله من العمر ثمانية عشر عاماً.

وتمكنت السيدة حكيمة من شراء بيت قريب من بيت شقيقها الحبيب وبدا للكثير منهم أن الزمن يبتسم لأبناء علي بعد عبوس طويل ولكن الى حين.

فلقد بدا واضحاً أن القادة الاتراك يمسكون بقبضات فولاذية على مقاليد الحكم ، وسكنت حمى النفوذ وشهوة الحكم نفوسهم.

فقد تستحيل همسة في البلاط الى هاجس مخيف ، وكان المنتصر يدرك سوء الاوضاع فاقدم على خطوة جريئة ، عندما

١٨

وصلته انباء مؤكدة عن تحركات عسكرية بقيادة الامبراطور تيفوئيل تستهدف اجتياح مدن مصر الساحلية

ولذا استدعى وصيف قائلاً له :

ـ ان طاغية الروم يهدد حدودنا بغزو وشيك وليس هناك من يستطيع صده إلا أنا أو أنت فما رأيك فاما أن تتوجه أنت أو أنا!!

قال وصيف :

ـ بل أنا!

وهكذا بدأت الاستعداد على قدم وساق في تجهيز حملة عسكرية لصد الغزو الرومي القادم.

وقد ورد في وثيقة الحملة إجراء اثار هواجس « وصيف » وهو ضرورة مرابطة وصيف في الجبهة الشمالية مدة أربع سنين وستكون عودته بتصريح من الخليفة نفسه(٥) .

وقد لقيت هذه الخطوة ترحيباً من قبل ابن الخصيب بسبب عداء شخصي مع وصيف(٦) .

ولكن حالة المنتصر النفسية فيما يبدو كانت تتدهور نحو الأسوأ واستحالت لياليه الى كوابيس.

وكان دائم النظر الى السجادة التي شهدت مصرع أبيه يتأمل في بقع الدماء التي لم تفلح المياه في ازالتها تماماً

وما ضاعف فجيعته صور ونقوش بالفارسية أثارت اهتمامه وفي إحدى دوائر السجادة الفارسية فارس متوج تحيطه كتابة

١٩

فارسية فسأل عن معناها

قطب المترجم حاجبيه واعتصم بالصمت ولكن المنتصر اصر على ترجمتها فقال المترجم :

ـ الكتابة تقول : أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز قتلت أبي فلم اتمتع بالملك إلا ستة اشهر.

واجتاحت المنتصر موجة من الحزن المرير ، فجلس عند الصورة فيما غادر الجميع المكان

أثارت هذه التصرفات هواجس الاتراك ، فقد ينتقم المنتصر لأبيه وكان ابن الخصيب يزيد من مخاوفهم من وجود « المعتز » و « المؤيد » فهناك ميثاق رسمي يقضي بانتقال الخلافة الى المعتز في حالة موت المنتصر!

وفي مطلع صفر عاد وصيف الى سامراء بذريعة واهية وبدأ التخطيط لدفع المنتصر الى خلع المعتز والمؤيد من ولاية العهد.

في البداية قاوم المنتصر هذه الضغوط ولكنه شعر أن رفضه لذلك سيؤدي الى تفكير الاتراك باغتيال أخويه سيما وأن الظروف السياسية السائدة مواتية.

القي القبض على الاميرين « المعتز » و « المؤيد » ليلاً ونقلا الى حجرة في القصر..

تساءل المعتز بعدما أغلقت عليهما الباب :

٢٠

ـ لم تراه أحضرنا؟!

قال المؤيد الذي أدرك ما يجري :

ـ يا شقي للخلع.

ـ لا أظنه يفعل ذلك!

ـ يا شقي هو نعم ولكن هؤلاء الاتراك!

في الاثناء فتحت الباب ليدخل مبعوث رسمي من قبل البلاط ومعه كاتب لضبط وتدوين ميثاق التنازل عن ولاية العهد.

بادر المؤيد للموافقة فوراً :

ـ السمع والطاعة.

ولكن المعتز قال :

ـ لن أفعل ذلك!

لكزه المؤيد قائلاً :

ـ انه القتل اذا لم تفعل!

قال المعتز مخاطباً :

ـ ابلغه بذلك.

ـ اشار المبعوث الرسمي الى جلاوزته ، فانقضوا على المعتز وجره ليوضع في حجرة أخرى

سمع المؤيد بكاءً ـ يأتي من الحجرة التي أودع فيها أخوه فصاح بالشرطة :

ـ ماذا تفعلون يا كلاب؟! دعوني اكلمه.

٢١

 وجاءت الموافقة على اللقاء ، فدخل المؤيد على أخيه وربت على كتفه فكف عن البكاء قال المؤيد :

ـ يا جاهل لماذا تقتل نفسك اتظنهم لا يفعلون ذلك وقد قتلوا اباك وهو هو

ـ وماذا تريدني أفعل؟! اخلع نفسي وقد انتشر ذلك في الآفاق؟!

ـ الخلع أفضل من القتل.

سكت لحظات ثم استطرد قائلاً :

ـ اذا كان الله قد كتب لك أن تكون خليفة فستكون نصيبك.

استسلم المعتز.

تم ضبط محضر في تنازل الاميرين اللذين أمرا بتسليم وثيقة التنازل الى الخليفة في حضور القادة الاتراك.

قال المؤيد :

ـ نجدد ثيابنا؟

قال الموظف المسؤول :

ـ ولم لا ولكن هنا سوف نحضر ما تطلبان من ثياب!

تم اللقاء في جو متوتراً نسبياً ، سلم الاميران على الخليفة الذي رحب بأخويه

تساءل المنتصر :

ـ هذا كتابكما؟!

٢٢

سكت المعتز فقال المؤيد مستدركاً الوضع :

ـ نعم يا أمير المؤمنين.

والتفت الى أخيه قائلاً :

تكلم :

غمغم المعتز :

ـ نعم يا أمير المؤمنين كتابي وتوقيعي :

قال المنتصر بشجاعة :

ـ اتظنان انني خلعتكما طمعاً في أعيش حتى يكبر ولدي؟!

لا والله ولكن هؤلاء

وأشار الى الاتراك مستأنفاً :

ـ الحوا عليّ في خلعكما فخفت أن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم بحديدة فيأتي عليكما

وأدرك الأخوان أن المنتصر لا يعرف الخداع ولذا بادرا الى تقبيل يديه لكنه ضمهما الى صدره بحبّ.

وقام رئيس الوزراء الذي كان يبتسم بارتياح بتحرير(٧) وثيقة التنازل لتعميمها على جميع ولايات الدولة الاسلامية المترامية الأطراف.

٢٣

٣

سيطرت حمى الهواجس على القصر حيث يقيم الخليفة الذي مضت على حكمه خمسة أشهر ، وما زالت روحه المعذبة مثقلة بمشاعر الاثم وبدأت لقاءات الاتراك تتخذ طابع التوجس من اجراءات الخليفة الذي قد ينقض عليهم في لحظة ما

ومن يرى القائدين « وصيف » و « بغا الشرابي » لابد وأن يدرك انهما ما يزالان يحكمان بقبضة حديدية على مصير البلاد ، كما أنه سيكتشف من لقاءاتهما المستمرة أنهما بدءا يتوجسان من « المنتصر » الذي لا يمكن السيطرة عليه.

وكان يثير خوفهما أنه لا يمكن اغتياله فلقد كان « مهيباً » شجاعاً ، فطناً متحرزاً(٨) ولذا بدأوا يفكرون بوسائل أخرى(٩) .

الرواق الذي اتخذه المنتصر مجلساً له كان مقفراً فقد انطلق الخليفة المعذب ينهب ميدان الخيل بحصانه امعاناً في الفرار كان بغا ووصيف يتمشيان خلال أروقة القصر عندما صادفهما موظف في القصر يعمل كاتباً في ديوان جيش الشاكرية(١٠) .

قال الموظف وكان يتقن الفارسية :

٢٤

 ـ ألم يجد الفراش بساطاً غير هذا ليفرشه تحت أمير المؤمنين؟

قال وصيف :

ـ لماذا؟!

ـ فيه صورة شيروية قاتل أبيه « أبرويز »

وتبادل القائدان نظرات ذات معنى ، قال بغا بعدها :

ـ يجب أن يحرق حالاً!

لف البساط بسرعة وقبل أن يعود المنتصر ليحرق في حضرة القائدين ، وكانا ينظران الى وهج النار والى الذهب قد بدأ يسيل براقاً تحت السنة النار والدخان(١١) .

عاد « المنتصر » من رحلته اليومية منهمكاً ولفت نظره وهو يلج الرواق وجود بساط جديد

فاستدعى الفرّاش قائلاً :

ـ أريد أن تفرش نفس البساط :

قال الفرّاش :

ـ ومن أين آتي به؟!

قال المنتصر :

ـ وماذا حصل له؟

ـ ان وصيفاً وبغا أمراني بإحراقه.

سكت المنتصر وانطوى على جراح لا تندمل.

٢٥

 وبدا واضحاً خلال تلك الفترة العاصفة ان بغا الشرابي أو بغا الصغير هو الحاكم الحقيقي بالرغم من استبسال المنتصر في استعادة قدرة الحكم

وكانت الأمور تجري وفقاً لأهواء القادة الاتراك الذين كانوا يلاحقون شخصيات العهد البائد

وكان بعض الاشخاص يختفون في ظروف غامضة ولا يعرف أحد عن مصيرهم حتى « محبوبة » جارية المتوكل الأثيرة لم تسلم من التصفيات فقد استدعيت للغناء فرفضت فاجبرت على ذلك لكنها غنت بلحن حزين وذكرت ليلة اغتيال سيدها ، فأصدر وصيف أمراً بسجنها.

وانقطعت اخبارها من ذلك الوقت(١٢) !

وفي تلك المدينة التي نسى أهلها الله كان الامام الهادي ينظر الى الأفق البعيد ويرى حمرة الشفق الملتهب ويرى سحباً داكنة قادمة سوف تغمر الظلمات الأرض وقوافل البشر الحائرة وقد تاهت بها السبل وفيما كانت أصوات الغناء والموسيقى تتسرب من نوافذ القصور كانت تمتمات الدعاء تتعالى من منزل في « درب الحصا » حيث يقطن الامام منذ خمسة عشر عاماً.

عاد كافور الخادم متعباً وقد دفعته نفحات الهواء البارد في تلك الليلة التي اشتد فيها هبوب الرياح الشمالية ، الى أن يدس نفسه في الفراش

٢٦

 يتوجب عليه في هذا الوقت أن يأتي بسطل من الماء من السرداب واعداد الوضوء لسيده الذي يتهيأ عادة في مثل هذا الوقت لأداء صلاة الليل

لكن دفء الفراش وأمنه عقوبة السيد كانا يدفعانه الى تناسي مهمته الأخيرة

لم يكن قد أغمض عينيه عندما تناهت اليه خطى تتجه الى حجرته

قال الامام بلهجة فيها عتب.

ـ ألا تعرف رسمي؟ أنني لا اتطهر إلا بماء بارد فلم سخنت لي ماء؟!

فوجىء كافور وقال بدهشة :

ـ ولكن يا سيدي لم آت بالماء أصلاً!!

نظر الامام عبر الباب المشرعة الى السماء وقال :

ـ الحمد لله والله ما تركنا رخصة ولا رددنا منحة

الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته ووفقنا للعون على طاعته.

وامتلأت نفس كافور اجلالاً لهذا الانسان الطاهر الذي عبد الله وحده فأكرمه الله بماء دافىء تحمله الملائكة(١٣) !

مضت ساعة من الليل وتناهت طرقات متواليات على باب المنزل الغارق في سكينة الليل

٢٧

 كان الطارق « يونس النقاش » يرتجف ولكن ليس بسبب البرد افسح كافور الخادم ليدخل المنزل لابد وأن الأمر جدّ خطير!

قال يونس وهو يرتجف :

ـ يا سيدي أوصيك بأهلي خيراً!

قال الامام :

ـ وما الخبر؟

ـ عزمت على الرحيل.

مبتسماً قال الامام :

ـ ولم يا يونس؟

ـ وجه بغا الصغير اليّ بفص ثمين لا تعرف له قيمة وطلب مني أن انقشه فانكسر نصفين والموعد غداً وهو من تعرف ياسيدي!! إما ألف سوط أو القتل.

قال الامام مهدئاً :

ـ امض الى منزلك الى غدٍ فما يكون إلا خيراً.

ـ وماذا أقول لرسوله؟!

ـ اسمع ما يخبرك به ، فلن يكون إلا خيراً.

ابتسامة الامام وعيناه اللتان تتألقان بنور شفاف بعثت الدفء في قلب الرجل الخائف الذي انقلب الى أهله انه يعرف الامام يعرفه من سنين طويلة رجل مبارك كلما التقاه في الطريق يتفتح في قلبه الأمل في الحياة ما تزال الدنيا في خير

٢٨

وما يزال هناك قلب ينبض بحب الناس جميعاً.

وفي صباح اليوم التالي.

كان يونس منطلق الوجه قال لكافور وقد استفسره عما حصل :

ـ جاءني الرسول يقول : ياسيدي الجواري اختصمن ، فهل يمكنك أن تجعله نصفين ونضاعف لك الأجرة؟

ـ وبماذا اجبته؟

ـ قلت له : أمهلني حتى أتأمل كيف أعمله(١٤) .

وضحكا معاً ، وكان ينبوع يتدفق حباً للإمام.

٢٩

٤

الجواسيس المبثوثون في القصر وخارجه وهم يعملون لحساب القائد « وصيف » كونوا صورة مخيفة عن « المنتصر » هناك خطط مبيته للخليفة تستهدف تمزيق الاتراك في أول فرصة ، وما زاد هذه المخاوف أن المنتصر ربما تحدث ذلك علناً وربما تفجر غضبه المخزون في نظرة شزراء يلقيها كلما رأى قائداً تركياً مرموقاً(١٥) .

ولذا كان الأتراك قد بدأوا يفكرون في اغتيال المنتصر والفتك به قبل أن يفتك بهم ولكن كيف؟!

سؤال صعب جوابه على الاتراك فالمنتصر من اليقظة والشجاعة ما يصعب فيه اغتياله ولكن هناك نقطة ضعف يمكن استغلالها ان المنتصر يعيش حالة مدمرة من الندم واليأس ولم يكن ينظر الى المستقبل بأمل ، لكن بركان الغضب الذي انفجر في تلك الليلة العاصفة خمد فجأة استحال الى رماد تذروه الرياح أنه يعاني حالة مريرة من الندم وهذا ما جعل القادة الاتراك يتوجسون منه لكنه لم يفكر في تكوين حرس خاص وكانت سياسته المالية

٣٠

المتزنة وابتعاده عن مطاردة مناؤيه من رجال العهد البائد وعدم امتلاكه لشبكة من الجواسيس سوف يسهل من عملية اغتياله بطريقة ما!

صحيح أن الناس بدأوا يميلون اليه ويحبونه ولكن ما فائدة هذا الحب ما دام الناس لا يملكون سلاحاً للدفاع عنه ولا يمكنهم حراسته أيضاً ان القوة الضاربة ما تزال في ايدي الاتراك قوات الحرس والجيش ما تزال في قبضة القادة الاتراك وكلهم مقتنعون بضرورة التخلص من المنتصر باستثناء بغا الكبير فهو الوحيد الذي يعارض ذلك لأن الخليفة القوي يساعد في اقرار النظام ومنع الفوضى

ولكن « وصيفاً » و « بغا الصغير » كانا يفكران بطريقة أخرى ان وجود خليفة ضعيف سوف يضمن للاتراك استمرار نفوذهم من أجل هذا كان يترقبان أول فرصة سانحة

وما دام كل شيء يباع ويشترى ، والذهب ما يزال يخطف العقول والابصار فلا وجود لشيء مستحيل!

كان المنتصر قد عاد من رحلته اليومية مكدوداً تماماً وبدا أنه قد أمعن في الفرار في الفيافي شرق سامراء وكعادته عندما تجتاحه موجة من الحزن المرير أوى الى عزلته ، والقى بنفسه على وسائد خضراء اللون مشوبه بنقوش حمراء.

كانت نسائم نيسان تدور خلال أروقة القصر وستائر حريرية

٣١

شفافة تميل مع النسيم الربيعي المفعم برائحة الورد ومع ذلك فقد كان المنتصر يتصبب عرقاً لكأنه يعاني من رؤيا تعذبه(١٦) .

شاء القدر أن يستيقظ المنتصر وهو يلتهب من الحمى مما استدعى الاتصال بـ « الطيفوري » الطبيب لاجراء فحوصاته اشتعلت في رؤوس الاتراك حمى التآمر

استقبل القادة الاتراك الطبيب قبل أن يدخل على المنتصر وكانت نظراتهم تحرضه بشكل واضح ، فأطرق برأسه ومضى أجرى الطيفوري بعض الفحوصات السريرية ، ونصح المريض بإجراء عملية فصاد للدم ، وتم الاتفاق على أن يجري ذلك بعد العشاء

عندما عاد الطيفوري الى المنزل وجد من ينتظر عودته ، كان الرجل التركي الذي يرتدي حلة من الديباج الاصفر ساكتاً واكتفى بان قدم ثلاثين الف دينار(١٧) انه اكبر مبلغ يراه الطبيب في حياته يستطيع أن يحيا بقية عمره في دعة من العيش يكفي أن يبضع المريض بمشراط مسموم(١٨) لم يصمد الطبيب أمام بريق الذهب ، وضجت نفسه بالوساوس فيما خفت صوت العقل الذي اغتاله بريق الدينار الذهبي

تمت الجراحة وقد بذل الطيفوري جهد الابالسة في اخفاء مشاعره أمام نظرات المنتصر الثاقبة

وعندما غادر القصر كان الطريق الى منزله تغمره ظلمة

٣٢

كثيفة وشعر وهوفي منتصف الطريق أن هناك من يطارد خطواته

لم يشعر المنتصر بأي تحسن ، وعندما تناول كمثرى(١٩) شعر بألم شديد في معدته..

أمه تنظر اليه بحزن تبكي بصمت شباب ابنها لم يكن محظوظاً في الدنيا حتى أبيه كان يتآمر عليه وفي مثل هذا العالم المليء بالذئاب لا يعيش إلا من يكون ذئباً

قال المنتصر بأسى :

ـ يا أماه ذهبت مني الدنيا والآخرة عاجلت أبي فعوجلت(٢٠) !

كفكفت الأم دمعة ثكلى.

ـ لقد كنت بي باراً ومع الناس طيباً ومع نفسك صادقاً كل الناس يموتون وقليلون الذين يواجهون الموت بشجاعة.

أغمض المنتصر عينيه وغط في اغفاءة عميقة فانسحبت امه بهدوء بعد أن طبعت على جبينه قبلة أودعتها كل أمومتها

في اليوم التالي طلب رؤية ابنه الصغير « عبد الوهاب » فقبله وتمتم بكلمات خافته أن يحميه الله من شرور الذئاب البشرية التي تعوي في قصره

وفي مساء يوم السبت الرابع من شوال سنة ٢٤٨ هـ كان المنتصر يودع الحياة

أطل الهلال متألقاً في سماء حزيران الصافية الشاب المسجى ينظر بعينين فيهما أمل وهو يودع الدنيا الى عالم آخر

٣٣

وراح يغمغم بشعر نبع من قلبه الكسير :

فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها

ولكن الى الرب الكريم أصير(٢١)

واغمض عينيه ليغفو بسلام

وبدأت الاستعدادات لمواراته الثرى حسب المراسم العباسية في دفن الخلفاء سراً ولكن والدته أصرت على إعلان قبره ليكون أول خليفة عرف قبره(٢٢) .

وتم دفنه في الجوسق الخاقاني(٢٣) حيث فتح عينيه على الدنيا فكان أول خليفة عباسي ولد في سامراء وتوفى فيها.

٣٤

٥

كشفت وفاة الخليفة المنتصر عن واقع الخلافة العباسية ومدى تغلغل الاتراك في أجهزة الحكم وسيطرتهم على البلاط العباسي الذي اضحى العوبة بين الضباط الاتراك.

لم يكن المنتصر قد دفن بعد حتى انفجر النزاع بين الاتراك الذين اجتمعوا في القصر الهاروني لاختيار الخليفة الجديد.

وفي يوم الأحد تم تحليف عشرات القادة الاتراك والزنوج وهم عماد الجيش والحرس بقبول الاتفاق الذي سيسفر عن اجتماع كل من بغا الكبير ، بغا الصغير ، ووصيف ، أو تامش أحمد بن الخصيب ، أما باغر الضابط التركي الذي قاد عملية اغتيال المتوكل فقد حرم من حضور الاجتماع فأجج ذلك في صدره مشاعر الحسد والحقد والكراهية خاصة لوصيف فانصرف الى تعزيز نفوذه بين الاتراك ، وتحريضهم على وصيف الذي لا يرى سوى مصالحه الخاصة والأنانية!

كانت فكرة بغا الكبير اختيار خليفة قوي يهابه جميع القادة لأن اختيار خليفة ضعيف سيؤدي تطاحن الاتراك فيما بينهم من

٣٥

أجل النفوذ والسيطرة والاستحواذ على مقاليد الحكم ولكن أحمد بن الخصيب اقنع الجميع بأن مبايعة أحد أبناء المتوكل يعني نهاية النفوذ التركي فقد يفكر أحدهم بالانتقام منهم ثأراً للخليفة المقتول

وهكذا تم الاتفاق على اختيار أحمد بن محمد بن المعتصم.

فالمعتصم هو الذي أسس مجدهم وجعلهم سلاطين في هذه الدولة الكبرى ، وهو ولي نعمتهم.

لم تكن للخليفة الجديد من ميزة سوى أنه العوبة بيد الاتراك ، وفي مراسم عادية منح لقب « المستعين بالله » وحدثت حركة مضادة في سامراء يقودها بعض رجال العهد البائد وترمي الى فرض خلافة المعتز وتعرض موكب الخلافة الى هجوم زمر من المرتزقة والغوغاء(٢٤) ، واستمرت الاشتباكات ثلاث ساعات وأعيد الخليفة الى القصر الهاروني وخلال القلاقل سقط أحد قصور الخلافة في أيدي الناس فنهبت خزانة الدولة ، وسطا الكثيرون على مشاجب السلاح وكسرت أبواب السجن الكبير.

ولكن الاتراك سيطروا على القلاقل باعلانهم عن توزيع المرتبات في مراسم البيعة العامة.

ولم تلبث قوات الجيش والحرس أن فرضت سيطرتها على الأوضاع ولكن الاجواء كان يسودها التوتر

وظهر المستعين خليفة مغلوبا على أمره يحفه أحمد بن

٣٦

الخصيب رئيس الوزراء ومجموعة من الضباط الاتراك في طليعتهم أوتامش ، وصيف ، وبغا الصغير في حين غيب باغر التركي الذي انطوى على احقاده وكراهيته للجميع منتظراً فرصة مواتية للانقضاض على خصومه واثقاً من تأييد قطاعات كبيرة من الجنود الاتراك بزعامة « باكيباك » القائد التركي الجرىء.

قام الحكم الجديد بإجراءات احترازية منها القاء القبض على الاميرين المخلوعين المعتز والمؤيد فأودعا تحت الاقامة الجبرية في قصر الجوسق الخاقاني ووضعت عليهما حراسة مشددة ، ثم ارغما على بيع جميع ممتلكاتهما من أرض زراعية وبساتين مقابل أثمان زهيدة.

اما أحمد بن الخصيب فما انفك يحرض على مضايقة الامام الهادي وتشديد المراقبة على منزله بل واجباره على التنازل عن داره وبيعها للدولة(٢٥) !

وبعث أحمد بن الخصيب في تلك الفترة رسالة الى محمد بن فرج يطلب منه الحضور الى سامراء والافادة من خدماته ، كان محمد بن فرج قد اطلق سراحه ، من السجن ولكنه لم يسترد ممتلكاته التي جمدت في عهد المتوكل منذ سنة ٤٣٢ هـ

وكتب محمد بن فرج بدوره رسالة الى الامام الهادي يستشيره بقبول اقتراح رئيس الوزراء فجاءه الجواب :

٣٧

 ـ « أخرج ، فإن فيه فرجك ان شاء الله »(٢٦) .

وعندما وصل محمد بن فرج سامراء حاول استرداد أملاكه المحجورة وعندما صدر القرار بإعادتها اليه كان قد توفى(٢٧) .

وسقط بغا الكبير في فراش المرض وذهب اليه المستعين لعيادته ، ثم توفى في اليوم التالي وتحققت مخاوفه من وجود خليفة ضعيف ، فقد استحال القادة الاتراك الى ذئاب شرسة يأكل بعضها بعضاً

حضر احمد بن الخصيب الى منزل الامام الهادي وهدده اذا لم يتنازل عن الدار وتسليمها اليه

وكان ابن الخصيب لا يجرؤ على ذلك في عهد المنتصر وفي حياة بغا الكبير الذي عرف عنه احترامه للعلويين منذ الرؤيا التي رآها قبل اكثر من ربع قرن(٢٨) .

وفي العهد الجديد بدأ العلويون بالفرار مرة أخرى وبدأ فصل جديد من مسلسل التشرد المرير وفي غمرة الاحداث غادر « علي بن محمد » وكان موظفاً في بلاط المنتصر غادر سامراء مولياً شطره صوب البحرين فالاحساء فالبصرة وليشعل بعد خمسة أعوام ثورة الزنوج في منطقة الأهوار جنوبي العراق(٢٩) .

بلغ من نفوذ ابن الخصيب حداً جعله متغطرساً في تصرفاته ووصلت به الوقاحة الى أن يتهدد الامام ويطلب منه

٣٨

تسليم منزله اليه

كان ابن الخصيب ووفقاً لتقارير الجواسيس على اطلاع على حجم الأموال التي ترد منزل الامام خاصة في عهد المنتصر ، وكان يعرف جيداً أن الامام يقوم بصرف الحقوق على الفقراء والمساكين الذين تضاعفت اعدادهم بسبب الفواضى وغياب الاستقرار والنهب.

كما أن انتشار الفكر الامامي بدأ يهدد مركز الحكم في العاصمة بعد أن اصبح الامام الشخصية التي تحظى بالاجلال واحترام الناس جميعاً.

قام رئيس الوزراء بزيارة رسمية الى منزل الامام ، الذي خرج لاستقباله فقال ابن الخصيب :

ـ سر جعلت فداك!

فأجابه الامام بكلمات تزخر بالرموز :

ـ « أنت المتقدم »(٣٠) .

وبعد أن استقر به الجلوس ، وأجال نظره في المنزل ، تأججت أعماقه الخاوية بالاحقاد والأطماع ولم يتمالك نفسه أن قال :

ـ لابد من إخلائها وتسليمها اليّ!

نظر الامام اليه بسكينة ووقار ان هذا المخلوق التافه يرى قدرته في ، منصبه الخطير مستنداً الى قدرة الاتراك غافلاً عن قدرة الله المطلقة قال الامام وقد تجلت أنوار الايمان في عينيه :

٣٩

 ـ لأقعدن لك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية.

وشاء القدر أن يسدد ضربته بغتة لم تمر سوى أربعة أيام فقط حتى أقبل من منصبه إذ رأى القائد أو تامش أن يفرض نفسه رئيساً للوزراء معتمداً على قابليات كاتبه « شجاع بن القاسم »(٣١) .

أما احمد بن الخصيب فقد صودرت جميع ممتلكاته وممتلكات أولاده ونفي الى جزيرة كريت(٣٢) .

واصبح أوتامش الحاكم الفعلي للبلاد فيما عين « شاهك » الخادم مسؤولاً عاماً لادارة شؤون القصر بما في ذلك الخزانة العامة للبلاد.

اسفرت شخصية أوتامش عن ذئب أغبر(٣٣) يفتك بكل من يقف في طريقه فهو وراء تعيين « شاهك » الخادم في مناصبه الجديدة التي تمكنه من الاستحواذ على خزانة الدولة

ودخلت على شبكة النهب والدة المستعين ، أما الخليفة فقد انهمك في الاستمتاع بلذائذه الرخيصة تاركاً تدبير الأمور للوزير الذي تكفل تربية ابن الخليفة والاستحواذ على مخصصاته المالية الضخمة

ولم يقف وصيف وبغا مكتوفي الأيدي ، فقاما بتحريض بعض قطعات الجيش من المتضررين ، فحوصر الجوسق الخاقاني حيث يقيم أوتامش وكاتبه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375