مستدرك الوسائل خاتمة 6 الجزء ٢٤

مؤلف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 417
مؤلف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 417
تنبيهات:
ارتأينا ان نذكر للقارئ الكريم جملة تنبيهات حول عملنا في الفائدة السادسة بالذات، لما في ذلك من أهمية بالغة، وهي:
الأوّل:
لقد سبق التنبيه في مقدمة تحقيق خاتمة مستدرك الوسائل الجزء الأول، وعند التعريف بهذه الفائدة صفحة: ٥٣ الفقرة (٨) على تصحيح الأردبيليقدسسره بعض طرق الشيخ إلى أصحاب الأُصول والمصنفات في مشيخة التهذيب في هذه الفائدة، مع عدم وجود تلك الطرق في المشيخة، كما هو الحال في الطرق: ٨٧ و ٩١ و ١٠٧ و ١٠٨ و ١٢٠ و ١٥٤ وكثير غيرها.
وقد استبعدنا هناك أن تكون كل هذه الأُمور قد صدرت سهواً من قلم الأردبيليقدسسره كما ذهب إلى ذلك جملة من الأعلام، بما فيهم المحدث النوري نفسه الذي اعترض على بعض الطرق كما في الطريق [١٠٨] وغيره بعدم وجودها في المشيخة وقد اكتشفنا من خلال متابعتنا الحثيثة للأسانيد المتصلة بأصحاب الأُصول والمصنفات في أوائل التهذيب ممّن لم يذكر
الشيخ طرقاً لهم في المشيخة، ومقارنة ذلك بطرقه إليهم في الفهرست ان الأردبيليقدسسره في رسالة تصحيح الأسانيد المنقولة خلاصتها في هذه الفائدة قد اعتمد على تلك الأسانيد مباشرة، وجعلها بمثابة الطرق إلى أصحاب الأُصول والمصنفات، الذين لم تذكر طرقهم في مشيخة التهذيب، وذلك ضمن اعتبارات خاصة ألمح لها الأردبيلي في ديباجة رسالته في آخر جامع الرواة ٢: ٤٧١ من الفائدة الرابعة. ويدلُّ على ذلك قوله فيها: « وأيضاً رأيت الشيخرحمهالله يروي الحديث عن أُناس آخر معلقاً وليس له في المشيخة ولا في الفهرست إليهم طريق. إلى أن ألقي في روعي أن أنظر في أسانيد التهذيب والاستبصار لعل الله يفتح إلى ذلك باباً، فلما رجعت إليهما فتح الله إلى أبواباً، فوجدت لكل من الأُصول والكتب طرقاً كثيرة غير مذكورة فيهما، أكثرها موصوفة بالصحة والاعتبار ».
هذا ولم نتعرض في هوامش تلك الطرق إلى مناقشة هذا المبنى الرجالي في تتميم طرق المشيخة من أسانيد التهذيب لحاجته إلى بحث مستقل، فلاحظ.
الثاني:
ان الطرق التي ستذكر في هذه الفائدة منقولة من جامع الرواة الفائدة الرابعة ٢: ٤٧٤ تحت عنوان « في أسانيد كتابي الشيخ » وسوف يصرح المصنف بذلك، وقد قمنا بتخريج هذه الطرق من مصادرها دون الإشارة إلى جامع الرواة عقيب كل طريق، إلاّ في الحالات الخاصة التي تقتضي ذلك.
الثالث:
قد يحصل من الإشارة في متن هذه الفائدة إلى رقم الحديث في بعض الكتب الحديثية لا سيما التهذيب والاستبصار بعض التفاوت بين الرقم المشار إليه وبين رقمه المخرج في الهامش، مع ان المراد واحد، وقد
نتج هذا التفاوت من جراء ترقيم الأحاديث المكررة والمعطوفة على ما تقدمها بعبارة (مثله) أو نحوه عند طبع كتابي التهذيب والاستبصار، بينما اعتمدت النسخ الخطية منهما من قبل المؤلف ولم تؤخذ الأحاديث المكررة فيهما بعين الاعتبار من حيث عدد الأحاديث في الأبواب.
الرابع:
في أغلب الأحيان تتم الإشارة في المتن إلى تسلسل الحديث في بابه، كأن يقال: في الحديث العاشر من الباب كذا، ونحن لم نعتمد على تسلسل الأحاديث في أبوابها في التخريج، بل اعتمدنا على تسلسلها العام في كل جزء، بغية تسهيل مراجعتها للقارئ، وفي المثال ربما يكون الحديث العاشر هو الحديث التسعين أو غير ذلك. مع ان المراد واحد، وربما يجد القاري ان الحديث في المثال هو ليس العاشر في بابه لما ذكرناه في التنبيه الثاني.
الخامس:
في هذه الفائدة دراسة رجالية موسعة بجميع طرق الشيخ الطوسيقدسسره ، بحيث لم يترك طريق في التهذيب والاستبصار
والفهرست إلاّ وقد حكم عليه بأنه صحيح، أو موثق، أو حسن، أو مختلف فيه، أو ضعيف، أو مجهول، كما سيأتي بيانه في أول الفائدة.
ونحن لم نعقب على الطرق الصحيحة أو المختلف فيها إلاّ نادراً، وركزنا الحديث في الهامش على بيان سبب الحكم في ما ورد فيه التصريح في المتن بأنه مجهول، أو ضعيف، أو حسن، أو موثق.
فاذا ما صُرِّح بضعف طريق بحثنا في رجال ذلك الطريق رجلاً رجلاً وميزنا الضعيف فيهم، ثم نذكر بعد هذا في الهامش بأن الطريق المذكور ضعيف بفلان، لأنا لم نجد في ذلك الطريق من هو ضعيف غيره في كتب الرجال، بغض النظر عن اختلاف المباني العلمية في التوثيقات العامة،
فالغرض هو تحقيق النص وتعضيدهُ، وقد نضطر أحياناً إلى مخالفته فيما إذا خالف النصُّ المشهور، كأن يحكم بضعف طريق لا يوجد في رجاله غير الثقة، وهكذا.
السادس:
قد يقتصر في رسالة تصحيح الأسانيد (الفائدة الرابعة في جامع الرواة) على ذكر الطريق الصحيح في الفهرست أو مشيخة التهذيبين، ويدع ذكر غير الصحيح، أما إذا لم يكن هناك ثمة طريق صحيح إلى أحد المشايخ، فإنه يتم التنبيه على سائر الطرق إليه بتفصيل دقيق مع ترك الاقتصار إلاّ في النادر.
وقد سرنا على وفق هذا المنهج في الغالب، مع التنبيه أحيانا على بعض الطرق التي لم تذكر وفقاً لما يقتضيه الحال، فلاحظ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ للهِ وَصلّى اللهُ عَلى مُحمَّدٍ وآلِهِ آلِ اللهِ
الفائدة السادسة
[نبذ ممّا يتعلَّق بكتاب التهذيب]
في نبذ ممّا يتعلّق بكتاب التهذيب، الذي هو أعظم كتب الحديث في الفقه منزلة، وأكثرها منفعة، بل هو كاف للفقيه فيما يبتغيه من روايات الأحكام، مغن عمّا سواه في الغالب، ولا يغني عنه غيره في هذا المرام، مضافاً إلى ما اشتمل عليه من الفقه والاستدلال، والتنبيه على الأُصول، والرجال، والتوفيق بين الأخبار، والجمع بينها بشاهد النقل والاعتبار.
وقد مرّ في ترجمته في الفائدة الثالثة(١) أنّ الشيخ شرع في هذا الكتاب ولمّا بلغ سنّهُ ستّاً وعشرين، وهذا ممّا يقضي منه العجب.
ثم أن طريقته في نقل الأحاديث في هذا الكتاب مختلفة.
قال السيد الأجل بحر العلومرحمهالله : فإنّه قد يذكر في التهذيب والاستبصار جميع السند كما في الكافي، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدور كما في الفقيه، واستدرك المتروك في آخر الكتابين، فوضع له مشيخته المعروفة، وهي فيهما واحدة غير مختلفة، وقد ذكر فيها جملة من الطرق إلى أصحاب الأُصول والكتب، ممّن صدر الحديث بذكرهم، وابتدأ بأسمائهم، ولم يستوف الطرق كلّها، ولا ذكر الطريق إلى كلّ من روى عنه بصورة التعليق، بل ترك الأكثر لقلّة روايته عنهم، وأحال التفصيل إلى فهارسة الشيوخ المصنّفة في هذا الباب.
وزاد في التهذيب الحوالة على كتاب الفهرست، الذي صنّفه في هذا
__________________
(١) تقدم ذلك في الجزء الثالث صحيفة:
المعنى، وقد ذهبت فهارسة الشيوخ بذهاب كتبهم، ولم يبق منها إلاّ القليل، كمشيخة الصدوق، وفهرست الشيخ الجليل أبي غالب الزراري، ويعلم طريق الشيخ منهما بوصل طريقه إليهما بطريقهما إلى المصنفين، وقد يعلم ذلك من طريق النجاشي، فإنه كان معاصراً للشيخ، مشاركاً له في أكثر المشايخ: كالمفيد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون، وغيرهم.
فإذا علم روايته للأصل أو الكتاب بتوسط أحدهم، كان ذلك طريقاً للشيخ.
والحاجة إلى فهرست الشيخ، أو غيره متوفّرة فيمن لم يذكرهم الشيخ في المشيخة لتحصيل الطريق إليه، وفيمن ذكره فيها لاستقصاء الطرق والوقوف على الطريق الأصح، أو الأوضح، والرجوع إليه في هذا القسم معلوم، بمقتضى الحوالة الناصّة على إرادته، وكذا الأول، لأن الظاهر دخوله فيها، كما يستفاد من فحوى كلامه في أول المشيخة وآخرها، مع أنّ ثبوت تلك الطرق له في معنى الإحالة عليها فيما رواه في الكتابين وغيرهما، ولا يتوقف على التصريح، ولا يلزم من جواز الرجوع في المتروك من السند، جوازه مع الاستقصاء لحصول الاشتباه معه في تعيين الكتاب الذي أخرج منه الحديث، فإنه قد يخرجه من كتب من تقدّم من المحدّثين، وقد يخرجه من كتب من تأخّر، فلا يتميّز المأخذ، ولا يمكن الحكم بصحة الحديث إذا صحّ الطريق إلى البعض، ولو صحّ إلى الكلّ ففي الصحة وجهان من احتمال تلقّي الحديث من أفواه الرجال، ومن بعد هذا الاحتمال من عادة المصنّفين، فإن المعهود [منهم](١) أخذ الحديث من الكتب،
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يتضح في الأصل، وأثبتناه من الحجرية والمصدر.
ولاستعلام الواسطة المتروكة طريق آخر، هو [ردّ](١) المتروك إلى المذكور، بأن يَثْبُت للشيخ مثلاً في أسانيد الكتابين طريق إلى صاحب الأصل، أو الكتاب، فيحكم بكونه طريقاً في المتروك، وبمثله يمكن تحصيل الطرق المتروكة في الكافي، وغيره من كتب الحديث، وتصحيح أكثر الروايات المرويّة فيها بحذف الاسناد، لوجود الطرق الصحيحة إلى رجال السند في تضاعيف الأخبار، ومثله تركيب الأسانيد بعضها (مع)(٢) بعض، أو مع الطرق الثابتة، وليس شيء منها بمعتمد، إذ قد يختص الطريق ببعض كتب أصحاب الحديث، بل ببعض روايات البعض، كما يعلم من تتبع الإجازات، والرجال، ويظهر من أحوال السلف في تحمّل الحديث، فلا يستفاد حكم الكلّ من البعض، لكنّه لا يخلو من التأييد خصوصاً مع الإكثار، انتهى(٣) .
قلت: ومع الإكثار كثيراً ما يظنّ، بل يطمئن الناظر أنّه هو الطريق، ورحى مطالب الأسانيد (ومسائل)(٤) الرجالية تدور على الظنون.
ثم إنهرحمهالله وضع مشيخة، ذكر فيها طرق الشيخ في المشيخة والفهرست، وأشار إلى الصحة، والضعف، والخلاف، من غير إشارة إلى ما يظهر من طرقه في الأسانيد، ولكن فارس هذا الميدان العالم الجليل المولى الحاج محمّد الأردبيلي، جمع في رسالته التي سمّاها (بتصحيح الأسانيد) وذكر مختصرها في (جامعه) ما فيهما وما يظهر من أسانيد الكتابين، ونحن نورد ما أورده، لما فيه من الفوائد ما لا تحصى، جزاه الله
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يتضح في الأصل، وأثبتناه من الحجرية والمصدر.
(٢) في الحجرية: من.
(٣) رجال السيد بحر العلوم ٤: ٧٤ ٧٦.
(٤) كذا في الأصل والحجرية، والظاهر: والمسائل.
تعالى عن العلماء الراسخين، بل الإسلام والمسلمين، خير جزاء المحسنين.
قالرحمهالله في صدر الرسالة بعد كلمات: فطمحت النظر إلى أحاديث كتابَي التهذيب والاستبصار، قدّس الله روح مؤلّفهما، ورفع في فراديس الجنان قدره، بما بذل الجهد فيهما، فرأيت الشيخرحمهالله يذكر مجموع السند، في أوائل الكتاب، ثم يطرح ابتداء السند لأجل الاختصار، ويبتدئ بذكر أهل الكتب، وأصحاب الأُصول، ويذكر في المشيخة والفهرست طلباً لإخراج الحديث من الإرسال طريقاً، أو طريقين، أو أكثر، إلى كلّ واحد منهم، ومن كان مقصده الاطلاع على أحوال الأحاديث، فينبغي له أن يطمح نظره إلى المشيخة، ويرجع إلى الفهرست.
وإنّي(١) لمّا رجعت إليهما ألفيت كثيراً من الطرق الموردة(٢) فيهما معلولاً على المشهور، بضعف، أو جهالة، أو إرسال، وأيضاً رأيت الشيخرحمهالله يروي الحديث عن أُناس أُخَر معلّقاً، وليس له في المشيخة ولا في الفهرست إليهم طريق، ولم يبال الشيخ (قدّس الله روحه) بذلك، لكون الأُصول والكتب عنده مشهورة، بل متواترة، وإنّما يذكر الأسانيد لاتّصال السند، ولذا تراه لا يقدح عند الحاجة إليه في أوائل السند، بل إنّما يقدح فيمن يذكر بعد أصحاب الأُصول، لكن المتأخرين من فقهائنا (رضوان الله عليهم) (يقولون)(٣) : حيث أنّ تلك الشهرة لم تثبت عندنا، فلا بدّ لنا من النظر في جميع السند، فبذلك أسقطوا كثيراً من أخبار الكتابين
__________________
(١) الكلام لا زال للأردبيليقدسسره
(٢) في المصدر: المورودة، وما في الأصل هو الصحيح ظاهراً.
(٣) ما بين القوسين غير واضح في الأصل، وأثبتناه من الحجرية والمصدر.
عن درجة الاعتبار.
وقد خطر بخاطر هذا القليل البضاعة، المجهد نفسه لإيضاح هذه الصناعة، أنّه إن حصل لي طريق يكون لطريقة الشيخرحمهالله مقوّياً، وقرينة للمتأخرين والاعتبار، لكانت تلك الأحاديث الغير المعتبرة من هذين الكتابين معتبرة، ولمن أراد الاطلاع على طرق هذين الكتابين منهلاً (مروية)(١) .
وكنت أفتكر برهة من الزمان في هذا الأمر، متضرعاً إلى الله سبحانه، ومستمداً من هداياته، وألطافه التي وعدها المتوسلين إلى جنابه بقوله:( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٢) إلى أن القي في روعي أن أنظر في أسانيد التهذيب والاستبصار، لعلّ الله تعالى يفتح إلى ذلك باباً، فلمّا رجعت إليهما، فتح الله لي أبوابها، فوجدت لكلّ من الأُصول والكتب طرقاً كثيرة، غير مذكورة فيهما، أكثرها موصوفة بالصحة والاعتبار، فأردت أن أجمعها للطالبين للهداية والاستبصار، وليكون عوناً وردءً للناظرين في الأخبار مدى الأعصار، ثم إني اكتفيت في جمعها لاطمئنان القلب، وحصول الجزم للناظر إليها، على ضبط قدر قليل منها، لأنّ المنظور فيما نحن فيه الاختصار، فنظرت أوّلاً إلى الفهرست، والمشيخة، فكتبت:
الطريق الذي يحكم من غير خلاف بصحّته.
والطريق الذي يحكم من غير خلاف بضعفه.
وفي الطريق الذي كان خلافياً، ولم أقدر على ترجيحه، كتبت اسم
__________________
(١) مروية: كذا في الأصل والحجرية والمصدر، والظاهر: مروياً، صفة للمنهل واحد المناهل، وهو موضع الشرب، لسان العرب ١١: ٦٨٠، نهل.
(٢) العنكبوت: ٢٩ / ٦٩.
الشخص الذي صار الطريق بسببه مختلفاً فيه، حتى أن الناظر فيه يكون هو الذي يرجّحه.
ثم كتبت تحت كلّ واحد من الطرق الضعفية، والمرسلة، والمجهولة: الطرق الصحيحة، والحسنة، والموثّقة التي وجدتها في هذين الكتابين، وأشرت إلى أنّها في أيّ باب، وأيّ حديث من هذا الباب، حتى يكون للناظر مبرهناً ومدلّلاً، وله إلى مأخذه سبيلاً سهلاً، وبذلت الجهد، وصرفت الوسع، فجاء كتابي هذا بحمد الله سبحانه وتعالى وافياً شافياً، وجعلت لما رأيت في المشيخة علامة المشيخة، ولما في الفهرست (ست)، وفي التهذيب (يب)، وفي الاستبصار (بص)(١) قالرحمهالله : وأرجو من الناظر فيه أن ينظر بعين الإنصاف، ويجانب طريق الغيّ والاعتساف، وإن اطلع أحياناً في تعداد الأحاديث على سهو أو خطأ، مع أنّه لا يضرّ بالمقصود، يكون ساعياً لإصلاحها، ولا يجعلني غرضاً لسهام الملامة، فإنّ الإنسان مشتق من النسيان، وإن كنت ذكرت من الطرق المذكورة في رسالتي المزبورة كثيراً، لكن اختصرت في هذه الفائدة بأربعة أو خمسة منها(٢) ، انتهى.
ثم شرعرحمهالله في ذكر الطرق.
وربّما نبّهت على فائدة في بعض الطرق أدرجتها في كلامه، مصدّراً بقولي: قلت، وفي آخره: انتهى.
قال (رحمهالله ):
__________________
(١) بناء على مقتضيات المنهج العلمي الحديث في التحقيق، سوف نذكر اسم الكتاب بدلاً من الرمز الخاص به أينما وجد.
(٢) جامع الرواة ٢: ٤٧٤، من الفائدة الرابعة.
فأقول: طريق الشيخ (قدسسره ):
[١] إلى آدم بن إسحاق:
ضعيف في الفهرست(١) .
وإليه: حَسَن في التهذيب، في باب الزيادات في الصيام، في الحديث الخامس والخمسين(٢) ، وفي كتاب المكاسب، قريباً من الآخر بخمسة وأربعين حديثاً(٣) ، وفي باب لحقوق الأولاد بالآباء، قريباً من الآخر باثني عشر حديثاً(٤) ، وفي باب الحدّ في السرقة، في الحديث الخامس والسبعين(٥) ، وفي الإستبصار، في باب الرجل تكون له الجارية يطأها ويطأ غيرها سفاحاً، في الحديث الرابع(٦) .
قلت: في النجاشي: له كتاب، يرويه عنه محمّد بن عبد الجبار، وأحمد بن محمّد بن خالد(٧) ، وهما ثقتان، وطريق الشيخ إلى الأول في
__________________
(١) فهرست الشيخ: ١٦ / ٥٨، وفي الطريق: أبو المفضل الشيباني، وابن بطة (محمد بن جعفر بن أحمد)، والأول: ضعيف في رجال النجاشي: ٣٩٦ / ١٠٥٩، ورجال الشيخ: ٥١١ / ١١٠، وفهرست الشيخ: ١٤٠ / ٦١٠، والثاني: كذلك في رجال النجاشي: ٣٧٣ / ١٠٢٠.
(٢) تهذيب الأحكام ٤: ٣٢٢ / ٩٨٧.
(٣) تهذيب الأحكام ٦: ٣٨٠ / ١١١٦.
(٤) تهذيب الأحكام ٨: ١٨٠ / ٦٣٠.
(٥) تهذيب الأحكام ١٠: ١١٦ / ٤٦١.
(٦) الاستبصار ٣: ٣٦٥ / ١٣٠٩، والطرق في الموارد المذكورة حسنة بإبراهيم بن هاشم القمي لوقوعه فيها، وهو (رضى الله عنه) وإن لم ينص أحد من أصحاب الأُصول الرجالية على وثاقته، إلاّ انه لا ينبغي الإشكال في وثاقته، ولا نعلم أحداً تردد في قبول حديثه من فقهائنا قط، على ان ابنه الفقيه المفسر علي بن إبراهيم قد وثق مشايخه في تفسيره، وكان أبوه من أشهرهم.
(٧) رجال النجاشي: ١٠٥ / ٢٦٢.
الفهرست(١) ، و [إلى](٢) الثاني في المشيخة(٣) صحيح، انتهى.
[٢] وإلى آدم بيّاع اللؤلؤة (٤) :
ضعيف في الفهرست(٥) .
وإليه: موثّق في التهذيب، في باب وصيّة الصبي، قريباً من الآخر بحديثين(٦) .
[٣] وإلى آدم بن المتوكل:
ضعيف في الفهرست(٧) .
قلت: الظاهر اتحادهما، وفي النجاشي: آدم بن المتوكل بياع اللؤلؤة، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللهعليهالسلام ذكره أصحاب الرجال، له أصل،
__________________
(١) فهرست الشيخ: ١٤٧ / ٦٢٩.
(٢) في الأصل: في، وفي الحجرية: إلى، وهو ما اخترناه لمناسبته المقام.
(٣) تهذيب الأحكام ١٠: ٤٤، من المشيخة، والاستبصار ٤: ٣١٤، من المشيخة.
(٤) اللؤلؤة: كذا في الأصل والحجرية، وسيرد مثله أيضاً بعد قليل، وفي المصدر ٢: ٤٧٤، ورجال النجاشي: ١٠٤ / ٢٦٠، وسائر كتب الرجال: اللؤلؤ بالجمع، فلاحظ.
(٥) فهرست الشيخ: ١٦ / ٤٦، وفي الطريق: القاسم بن إسماعيل القرشي، وأبو محمد، والأول: من الواقفة كما في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ٦٩ / ٧٣، ومنه يظهر كذبه، والثاني: لم يعرف من هو، فالطريق ضعيف بهما، ولكن ذهب البعض إلى توثيق الأول، وسيرد التصريح بتضعيف الكثير من الطرق، ولا يوجد فيها من يقال بضعفه غيره، وسيأتي ما له علاقة بذلك في تعقيب المصنف على الطريقين [٢٨] و [٢٩] وفي تعليقتنا عليها أيضاً، فلاحظ.
(٦) تهذيب الأحكام ٩: ١٨٤ / ٧٤١، وفي الطريق: الحسن بن سماعة، وجعفر بن سماعة، وهما من الواقفة في رجالي النجاشي: ٤٠ / ٨٤، والشيخ: ٣٤٦ / ٨، لذا عدَّ الطريق موثقاً بهما.
(٧) فهرست الشيخ: ١٦ / ٥٧، وفيه: أحمد بن زيد الخزاعي، ولم نجد فيه مدحاً ولا ذما في سائر كتب الرجال، بل لم يترجم أحواله أصلاً، فالطريق ضعيف به.
ما وجب معه عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان ، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).
٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)
قال المحقق المحدث المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :
وقد مضى في كتابه (الإمامة) وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليهالسلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياءعليهمالسلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ، ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.
على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنهعليهالسلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنهعليهالسلام هرب من المدينة خوفا من القتل.
إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم يتركوا له موضعا للفرار.
ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض
الحسينعليهالسلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليهالسلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسينعليهالسلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.
وقد روي بأسانيد معتبرة ، أنهعليهالسلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج
إلى الكوفة ، قال : «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.ألا ترى مروان ابن الحكم كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.
ألا ترى كيف أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.
فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيتعليهمالسلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال. ولذا صالحه الحسنعليهالسلام ولم يتعرض له الحسينعليهالسلام . ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسينعليهالسلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام العلامة المجلسي).
٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسينعليهالسلام بعياله إلى العراق؟ :(مقتل المقرم ص ١٢٥)
ان الكلمة السديدة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل ، هو أنهعليهالسلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب(١) وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون(يزيد) وطغيان ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.
وعرف سيد الشهداءعليهالسلام من حرائر الرسالةعليهالسلام الصبر على المكاره وملاقاة
__________________
(١) ذرب اللسان : ذو لسان حادّ. ولسان ذرب : أي فصيح.
الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ، نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم .
وفي الحقيقة لقد أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش ، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة فهاهي عقيلة الوحي زينبعليهاالسلام أخت الحسينعليهالسلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :
«هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة».ثم لا ننسى خطبها في الكوفة ومواقفها في الشامعليهاالسلام .
وها هي فاطمة بنت الحسين وأم كلثوم وسكينةعليهمالسلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينبعليهاالسلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور ، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ، ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.
هذا على أنه وإن وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام به.
ينتج من هذا أن جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.
وجاء في (اللهوف) ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسينعليهالسلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.
٥ ـ هل ألقى الحسينعليهالسلام بيده إلى التهلكة؟
٢٨٩ ـ هل عرّض الحسينعليهالسلام نفسه للتهلكة؟ :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)
يقول السيد عبد الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمةعليهمالسلام :
وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ ) [البقرة : ٥٤].
وقد أثنى سبحانه على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) [البقرة : ٢٠٧] وقال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩) [آل عمران : ١٦٩].
٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :
(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)
يقول السيد ابن طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل أنفسهم ، فقال تعالى :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.
ثم يعرض تفسير آية التهلكة بما ذكره الإمام الصادقعليهالسلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وأقاموا في بيوتهم لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : ١٩٥] ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.
٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسينعليهالسلام بنفسه إلى التهلكة؟ :
(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)
يقول السيد نعمة الله الجزائري :
واعلم أن جماعة من مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسينعليهالسلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ، فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من وجوه :
الوجه الأول : أن الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياءعليهمالسلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله تعالى على الخلائق.
الوجه الثاني : أنهعليهالسلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان البعيد ، مصداقا لقولهعليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ، ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم الله ذلّ الدنيا والآخرة.
الوجه الثالث : أن الأنبياء والأئمةعليهمالسلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.
فإن قلت : كيف لم يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليهالسلام ؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وذلك
أنهعليهالسلام رأى أخاه الحسنعليهالسلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ، حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسينعليهالسلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان يتجرأ على قتل الحسينعليهالسلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر بالحسينعليهالسلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
٢٩٢ ـ بين هجرة الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم وهجرة السبطعليهالسلام :
(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)
يقول السيد هاشم معروف الحسني :
هناك هجرتان من أجل الإسلام ورسالة الإسلام :
الأولى منهما : كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظمصلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.
والثانية : قام بها سبطه الزكي الحسين بن عليعليهالسلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.
لقد هاجر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».
وظل الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.
وحين عادت الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ
ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :
«ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».
إنه الحسين ، ابن علي وفاطمة الزهراءعليهمالسلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية.جاء يهاجر [الهجرة الثانية] لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون كالأنعام بيد الولاة والحكام.
ولقد رضي الحسينعليهالسلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.
لقد هاجر الحسينعليهالسلام من مدينة جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.
وهكذا كانت نهضة الحسينعليهالسلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجهاد الحسينعليهالسلام امتدادا لجهاد جده وأبيهعليهالسلام ، مصداقا لقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«حسين مني وأنا من حسين». فعقيدة الحسين هي من النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورسالة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم تحيى وتبقى بالحسينعليهالسلام .
٦ ـ معالم النهضة المقدسة
٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسينعليهالسلام :
(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،
السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)
ماهي رسالة الحسينعليهالسلام ؟
تعال نسأل عنها الإمام الحسين نفسه
في يوم شهادته بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،
كانت خير عنوان للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،
ودم الشهداء الذين معه.
هذه الشعارات هي : المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.
١ ـ المسؤولية :
قال الإمام الحسينعليهالسلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».
هذه الكلمات مشاعل ، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسلصلىاللهعليهوآلهوسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.
ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.
ولقد كان أبو عبد الله الحسينعليهالسلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته الآفات والأخطار.
ثم قال الحسينعليهالسلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».
إنه ينادي : أيها الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق هكذا ترتفع المبادئ فوق الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ، يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.
٢ ـ التصميم :
وقالعليهالسلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».
ها هو الحسينعليهالسلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام ولكن لماذا؟. من أين ينبع هذا التصميم؟.
من الله ورسوله ، ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ، ولا نفسه.
مزيج من الدوافع ، لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية : أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ...والدين في المقدمة.
وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع ، ولا يقبل بأنصاف الحلول.
٣ ـ العزّة :
ثم قالعليهالسلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».
كلمات تنضح بالعزة
إنه لن يسكت ذليلا ، ولن يسكت عبدا والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ولكم تكلّف.
العزة غاليا( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون : ٨].
وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع الإيمان.
٧ ـ أهداف نهضة الحسينعليهالسلام
* مدخل :
قبل أن يسير الحسينعليهالسلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :
«إني لم أخرج أشرا (أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن
المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالبعليهالسلام .فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين».
ففي هذه الوثيقة يبيّن الحسينعليهالسلام ما يلي :
١ ـ أن نهضته ليس غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.
٢ ـ أن نهضته تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٣ ـ أن غايته الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم وأبيه عليعليهالسلام .
٤ ـ أنه سوف يعمل جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.
والحسينعليهالسلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.
٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة :
(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)
لو تصفحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسينعليهالسلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :
١ ـ الثورة على حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.
٢ ـ إقامة الشريعة الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.
٢٩٥ ـ الحسينعليهالسلام فاتح وليس مغامرا :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)
كان الحسينعليهالسلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :
«من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح»(١) .
فإنهعليهالسلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد ، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.
وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدينعليهالسلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله
لما سأله حين رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّادعليهالسلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب!(٢) .
فإنه يشير إلى تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيتعليهمالسلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء(٣) .
كما أن العقيلة زينبعليهاالسلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها وشنارها».
تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين
٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسينعليهالسلام للفيلسوف الألماني (ماربين):
(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)
قال الحكيم الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :
لا يشك صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني
__________________
(١) كامل الزيارات ، ص ٧٥ ؛ وبصائر الدرجات للصفار ، ج ١٠ ص ١٤١.
(٢) أمالي الشيخ الطوسي.
(٣) الصواعق المحرقة ، ص ٨٧.
أمية في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.
عزم الحسينعليهالسلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسينعليهالسلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ، التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسينعليهالسلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسينعليهالسلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسينعليهالسلام . ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.
وأعظم الأدلة على أن الحسينعليهالسلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا يمكنه المقاومة والغلبة.
وكان يقول من يوم توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ، وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية) ، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.
من الظاهر أن الحسينعليهالسلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين
في ذلك الزمان ، لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر الوقعة. نعم إن الحسينعليهالسلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.
ولما كان يعلم الحسينعليهالسلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.
نعم إن ظلم بني أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسينعليهالسلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.
ومما يدل على أنه لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة. وليتأمل المتأمل في كلام
الحسينعليهالسلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسينعليهالسلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه إلا بالسهم.
ويغلب على الظن أن غرض الحسينعليهالسلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ، سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.
ونظرا لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسينعليهالسلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية لم يقل الحسينعليهالسلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسينعليهالسلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.
لقد قتل قبل الحسينعليهالسلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب
الديانات وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسينعليهالسلام فاقت الجميع لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسينعليهالسلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ، فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسينعليهالسلام .
المصائب التي تحمّلها الحسينعليهالسلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص الحسينعليهالسلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.
لم تنته المصائب التي وردت على الحسينعليهالسلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ، وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم تنمى الحقيقة الروحانية.
كأن المسلمين بعد قتل الحسينعليهالسلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين وكما أنه لا يشك اثنان في تفوق مصائب الحسينعليهالسلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن بها ظهرت للعالم (مظلومية
آل محمد) فكانت أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسينعليهالسلام (فكان منهم أئمة الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر. وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسينعليهالسلام .
قبل أن تصل سبايا الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ، وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه(١) . وصار يزيد يسمع تقديس الحسينعليهالسلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليهالسلام . قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.
وأخيرا فشيعة الحسينعليهالسلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام ماربين).
__________________
(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله صفحة ٢٠ : ولقد فشا الانكار على يزيد حتى من حريمه وأهل بيته ، حتى أن زوجته هند بنت عمرو بن سهيل وكان زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد فيها فإنها لما أبصرت الرأس مصلوبا على باب دارها ، والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشم منه رائحة طيبة ، عظم مصابه في قلبها فلم تتمالك أن دخلت على يزيد في مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح : رأس ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا. فقام إليها وغطاها وقال لها : أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد قصد بذلك تعمية الامر وإبعاد السبة عنه وذلك بإلقاء التبعة على عامله
إنها لكلمات حرة صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.
٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسينعليهالسلام حتّى مقتله :
(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)
يقول السيوطي : فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.
وأما الحسينعليهالسلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ، ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.
وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل.
وقال له ابن عمر : «لا تخرج ، فإن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).
(وفي رواية تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».
واعتنقه [ابن عمر] وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول :غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.
وكلّمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم يطع أحدا منهم.
وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.
وبعث أهل العراق إلى الحسينعليهالسلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.
فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع
أبيه من قبله. فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ، حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.
ويتابع السيوطي حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته
ولما قتل الحسينعليهالسلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه. اه
٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية
٢٩٨ ـ نهضة الحسينعليهالسلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليهالسلام :
(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)
لقد استطاعت ثورة الحسينعليهالسلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :
١ ـ وضع الحدّ الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.
٢ ـ الشعور بالإثم : ولّد استشهاد الحسينعليهالسلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن ذلك التقصير.
ولقد قدّر لهذا الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين كلما سنحت الفرصة.
٣ ـ تنمية الروح النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت دون الثورة.
ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسينعليهالسلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام عليعليهالسلام وحتى ثورة الحسينعليهالسلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.
أما بعد ثورة الحسينعليهالسلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ، وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت شعار الثأر لدم الحسينعليهالسلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.
٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسينعليهالسلام :(المصدر السابق ، ص ١٣٩)
ونجمل هنا ذكر بعض هذه الثورات :
١ ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسينعليهالسلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسينعليهالسلام . وكانت سنة ٦٥ ه.
٢ ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ، وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين. وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة الأجلاء.
٣ ـ ثورة المختار الثقفي : الّذي خرج من العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسينعليهالسلام ، وذلك سنة ٦٦ ه. فتتبّع المختار قتلة الحسينعليهالسلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف.ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.
٤ ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه ، وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.
٥ ـ ثورة الشهيد زيد بن علي : وفي سنة ١٢٢ ه ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدينعليهالسلام . ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلبرحمهالله .
وكان من نتيجة هذه الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات السنين.
فلسفة الابتلاء
٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء :
(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)
يقول السيد نعمة الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.
ولا مصيبة مثل مصيبة مولانا الحسينعليهالسلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ، وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.
٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)
روي أن رجلا جاء إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب اللهعزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ، فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالبعليهالسلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.