عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام37%

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 154

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام
  • البداية
  • السابق
  • 154 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64145 / تحميل: 7191
الحجم الحجم الحجم
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

مؤلف:
العربية

عقيلة قريش

آمنة بنت الحسين عليه السلام

١
٢

عقيلة قريش

أمنة بنت الحسين عليه السلام

تأليف

 السيد محمى علي الحلو

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥
٦

الإهداء

إلى الحجة المهدي المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف

بين يديك

إحدى حقائقكم المضيّعة ..

فاقبلوها ـ سيدي ـ شاهداً

على مظلومياتكم ..

محمد علي

٧
٨

كلمة المؤسسة

المواجهة بين الحق والباطل :

المواجهة بين الخير والشر بين الحق والباطل بين أهل الله وأوليائهم وأهيل الشياطين وأتباعهم المواجهة بين هذين التيارين ، كانت على وجه البسيطة منذ سرت نزعة العدوان والشر إلى مسارب النفس الإنسانية وتأصلت فيها ، ومنذ داخلتها الوساوس الشيطانية ، ونسجت حول صفاء النفس ورحمانيتها غشاوة الكدورة والعداوة والبغضاء فراح تيار الشر والباطل يتلون في التصدي للخير والحق ، ويتعسف في ظلمه ومواجهته لتيار الحق.

وفي كل زمان ومكان تجد أن التاريخ أثبت لنا ألوانا ، وصورا شتى من هذه المواجهة وهذا التعدي والجور والتنكيل بالحق وأهله ، باعتبار أن أهل الحق وأتباعه ثلة قليلة ، على طول التاريخ. وأن أتباع التيار الآخر المقابل لهم هم الكثرة الكاثرة ، وتشير إليه البداهة ، وهو ما أقره الذكر الحكيم بقوله :( وأكثرهم للحق كارهون ) .

٩

ولذلك كان الأنبياء وأوصياؤهم وأهلوهم وذرياتهم ، على طول سلسلة النبوات المتعاقبة على البشرية ، باعتبار أنهم أصدق مصاديق الحق والخير ، بل هم منبع إشعاع الحقائق والخيرات ، وإليهم تعود كل مكرمة وفضيلة ؛ لذلك كانوا أشد بلاء ، وأكثر عرضة للطعون والمواجهة من قبل تيار الشر والباطل ، فكانوا ـ وهم المنزهون ـ يوصفون بأقبح الأوصاف ، وينعتون بأشنع النعوت. هذا في أحسن حالات الصراع ، ناهيك عن التشريد والمطاردة والتقتيل ، وهو السبب الذي حدى بالسماء أن ترسل هذا العدد الضخم والكبير من الأنبياء والمصلحين منذ بدء الخليقة ، وحتى النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونبينا المصطفى الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل بيته الأطهار ، وأوصياؤه الكرام البررة الذين اختارتهم السماء بعنايتها ، لم يكونوا بدعا من الرسل وأوصيائهم في أن تحيط بهم دوائر الشر والطغيان ، وأن تكال إليهم ظلما وعدوانا أنواع التهم ، وأن يطاردوا في أوطانهم ، ويلاحقوا في أصقاع منافيهم ، وجحور تواريهم ، وأن تجري عليهم صنوف البلاء ، وشدائد المحن ، وفظيعات الرزايا ، مما لم يجر له نظير في التاريخ أحيانا.

وعقيلة قريش ، كما أطلق عليه البعض وهي آمنة بنت الحسينعليهما‌السلام ، لم تنفرد في قصة صراع الحق والباطل والخير والشر بل ، انفردت في أسلوب المواجهة هذه المرة بالشكل الذي لفق له المبطلون ، وزور حقائق التاريخ بعض أشرار التزوير ، ورواد الرذيلة والباطل ، فراحوا يغرون الأمة والبسطاء والسذج بأقاويل وتلفيقات زوروها من جربان سفاسفهم ، اتهموا بها وألصقوها بخيار هذه الأمة وسادتها ، يحدوهم الأمل في إسقاطهم من

١٠

أعين الناس ، وإبعاد الأمة عنهم ؛ لأنهم رأوا أفئدة الناس تهوي إليهم ، وفي ذلك تبديد لأحلامهم ومطامحهم الدنيوية.

هذا الكتاب :

والكتاب الذي بين يديك هو نموذج من نماذج الصراع والمواجهة التي أشرنا إليها ، وهو يعد محاولة علمية جديدة في مضمار رد الزيف والباطل ضمن إطار المواجهة بين الخير والشر ، والحق والباطل. فلقد بذل المؤلف حفظه الله جهدا علميا ملحوظا ومتميزا في إخراج كتابه هذا مستعينا بمهمات المصادر التاريخية والحديثية والأدبية ، وبين بشكل جلي تهافت الشبهات التي لم يُحبك صناعها صياغتها وتدبيجها ، وأبان عوارها ، وعدم انطباقها على من أرادوها غرضا لسهامهم الصفراء المسمومة.

ومؤسستنا دفاعا عن حريم آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأداء لوظيفتها التي أنشئت من أجلها ، حينما عرض عليها المؤلف كتابه ، وجدت فيه أحد أسباب الدفاع عن أهل البيتعليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ومحاولة جيدة لتنزيههم عما ألحقه بهم أعداؤهم ، بل أعداء المذهب الحق ، والدين القويم. كما وجدت فيه فرصة ومادة علمية لإماطة اللثام عن خبط وخلط في كتب التاريخ والأدب في حق السيدة الجليلة آمنة بنت الحسين سلام الله عليهما ، والملقبة بسكينة. ولغلبة لقبها عليها ، فقد تعارف على تسميتها بسكينة بين العام والخاص ، الأمر الذي أتاح فرصة ذهبية للمتصيدين في الماء العكر ، ولأصحاب المطامع والأغراض المشؤومة في استغلال هذا الاسم الكريم لإفراغ جام حقدهم ، وعدائهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الأطهارعليهم‌السلام .

١١

وتؤمن مؤسسة السبطينعليهما‌السلام العالمية بأن المنافحة عن أهل الحق ، إنما تعني إعلاء كلمة الحق ، ولذا فقد سلكت هذا السبيل ، متخطية العقبات والصعاب من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة التي رسمتها في نظامها.

وكان لها أثارة في هذا الطريق من ذي قبل وهو كتاب «المولى في الغدير» ، والذي لقي استقبالا حافلا من العلماء والفظلاء ، وثناء جميلا للصياغة التي خرج بها الكتاب لأول مرة ، فهو فصل مستل من الجزء الأول من كتاب «الغدير» للعلامة الأميني ، وقد حوى هذا الفصل أهم أبحاث الغدير ، بل محورها الذي دارت عليه مجلداته الأحد عشر ، كما كانت للمؤسسة إصدارات أخر على هذا الطريق ، طريق الدعوة إلى تعقل الحق ، ونبذ العصبية المذهبية ، وقراءة التاريخ والتراث الإسلامي قراءة جديدة أكثر اتزانا وموضوعية ، ثم تلمس مواقع الحق والعدل ومعرفتها ؛ لغرض معرفة أهله ، ثم قبول الحق وإن كان فيه مرارة وشجا في الحلق. فإن في ذلك إراحة الضمير ، ورضا الرب تعالى.

وبعد عرض الكتاب على المؤسسة تمت مطالعته بدقة ، وأضافت إليه ما رأته ضروريا ، وما كان فات المؤلف ذكره من موارد ونكات مهمة ، كما عمدت إلى تدوين ثبت بالمصادر ، حتى خرج الكتاب بحلته النهائية هذه التي بين يديك.

والمؤسسة إذ تقدم هذا الإصدار إلى الطليعة المسلمة والمؤمنة ، يحدوها الأمل من حملة الأقلام ، والقراء الأعزاء ، التوجه إلى النتيجة التي أسفر عنها الكتاب ، من التأكيد على الاسم الحقيقي للسيدة الجليلة عقيلة قريش والطالبيين آمنة بنة الحسينعليهما‌السلام ، والملقبة بسكينة ، وأن كل ما قيل من

١٢

شعر فيها ، فهو في الحقيقة يعود على سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، ثم التحذر من نقل الروايات ، وخاصة روايات الأغاني ، التي أريد منها الطعن على أهل البيتعليهم‌السلام عموما ، والتقليل ـ باعتقادنا ـ من آثار واقعة الطف الدامية والأليمة ، والتي أخذت تلتهب وتأخذ طريقها في ضمائر الناس ، وتؤثر في النفوس ، باعتبار أن ابنة الحسينعليه‌السلام ، شهيد الطف ، وصريع الغدر الأموي ، هذه حالها وهذه سيرتها.

فضائل «سكينة» في سطور :

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الكتاب ليس بصدد التعرض لحياة السيدة الكريمة آمنة بنة الحسينعليهما‌السلام ، وإلا لكان له معها موقف آخر ، إنما الكتاب بصدد رد الشبهات المحمومة التي دسها أعداء أهل البيتعليهم‌السلام في تضاعيف الكتب والمؤلفات ، وفي معرض وضع النقاط على الحروف لروايات طالما تناقلها المؤرخون والكتاب بين غافل عنها ، ومتغافل يريد الوقيعة في جانب أهل البيتعليهم‌السلام ، كما يهيب بالأقلام المؤمنة والنزيهة الترفع عن نقل أكاذيب الأخبار وإلصاقها بأقدس البيوت وأشرفها.

فإنه لم يعرف عن البيت النبوي الطاهر ، خاصة في أولاد الأئمة الأطهار ، وبالخصوص بين النساء ، من عرف بالميوعة والتهتك والابتذال إلى الحد الذي وصفوا به ابنة الإمام الحسينعليه‌السلام ، السبط الشهيد ، ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيد شباب أهل الجنة. ومن ينتقص من الإمام الحسينعليه‌السلام في ابنته ، إنما ينتقص من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه قال : «حسين مني وأنا من حسين» ، والسيدة آمنة ـ سلام الله عليها ـ هي بضعة الحسينعليه‌السلام ، والذي كان يحبها حبا جما ، كانعليه‌السلام يظهر حبه لها ولأمها الرباب ـ رضوان الله عليها.

١٣

والحسينعليه‌السلام معصوم ، والمعصوم لا يحب ولا يبغض إلا في الله ، والذي يحبه الإمام الحسينعليه‌السلام إنما هو من أحباء الله وأوليائه. فهل سمعت أذن الدنيا أن الله يحب المتخلعين المرحين الفرحين ، وتلك آياته تنهى عن المرح ، كما أنه تعالى لا يحب الفرحين.

ورد في الخبر أن الحسن المثنى بن الحسن السبطعليه‌السلام أتى عمه الحسينعليه‌السلام يخطب إحدى ابنتيه فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبداللهعليه‌السلام :«أختار لك فاطمة ، فهي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أما في الدين : فتقوم الليل كله ، وتصوم النهار ، وفي الجمال : تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل» (١) .

يالله يالله ما أعظمها من كلمة بحق هذه السيدة العظيمة المستغرقة في جميع أوقاتها في ذات الله. فالمستغرق في الله ، هو الذي راح يسبح في الفناء ونزعت نفسه إلى الغاية القصوى من القداسة ، وابنة النبوة جديرة في الفناء في الذات الإلهية ، ولم لا وهي سليلة فاطمة وعلي والحسينعليهم‌السلام ، وتتصل بانبوة ينبوع السماء بواسطة جدتها الزهراءعليها‌السلام ، بل حسبها أن يقال : ابنة الحسين السبطعليه‌السلام . فهي بهذا الوصف الذي وصفها به أبوها ، لم تبق في قوس اللقاء الربوبي منزعا ، حتى بلغت الغاية في الاندفاع نحو القدس الذي لا يتناهي. وبعد هذا ، فمن أين يكون لها لفتة إلى ما حولها من نواميس الحياة؟! ومن أين يتأتي لها ـ بعد ذلك الاستغراق ـ الانعطاف إلى لوازم معاشرة الناس ، وعوارض الدنيا الفانية؟!

لقد شغلتها الآخرة عن الاولى ، فهي بين عبادةوزهادة ، وتذكير

_________________

(١) إسعاف الراغبين لمحمد بن الصبان المصري المطبوع بهامش نور الأبصار : ٢١٠.

١٤

وتفكير ، وتسبيح وتقديس ، ونظر دائم إلى نور الملكوت ، مما لا ترى معه شيئا يدور حولها ، هذا معنى الاستغراق مع الله.

ولا شك أن ابنة النبوة قد حازت أرقى وأعلى مراتب الاستغراق ، فالإمامعليه‌السلام يصف حالاتها بقوله : (غالب عليها). ومن هنا جاء حب الإمام الحسينعليه‌السلام الشديد لها ، وقد أخذت بمجامع قلبه ، وتركته قداستها وطهرها يزداد حنوا عليها ، حتى وصفهاعليه‌السلام بأنها : (خيرة النساء) ، لما وقف عليها يوم الطف ، ورآها باكية نادبة ، فقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

ولاندري كيف تكون منزلة من يصفها الإمام المعصوم من السمو والعظمة ، وهو حجة الله على عباده ، بأنها من خيرة النساء؟!

والسيدة آمنةعليها‌السلام علاوة على ذلك ، عاشت في كنف إمامين كان الجهال والأبعدون والمتسكعون وأهل اللهو ، فضلا عن العلماء وأصحاب النفوذ ، يهتدون بكلمة واحدة منهم ، ويصلحون بموقف بسيط ، أو إشارة عابرة ، والتاريخ شهيد على ذلك. فأخوها الإمام زين العابدينعليه‌السلام وسيد الساجدين ، ذلك الذي تعرف البطحاء وطأته ، والبيت يعرفه والحل والحرم ، وحسبك به مربيا وهاديا ومرشدا. وابن أخيها الإمام الباقرعليه‌السلام ، باقر علوم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذلك الذي كانت علماء الدنيا وما زالت تنحني إجلالا له ، وخضوعا بما عنده من علوم الرسالة المحمدية الخالدة ، وبخوعا وتسليما له هيبة وفرقا من قوة الحجة وسطوع البرهان.

١٥

فهل يقبل منطق ، أو يرتضي لك عقل ، أن تعيش تلك السيدة الجليلة في ظلهما وفي بيوتهما ، وهي تدخل المغنين عليها وتستمع إليهم ، وتساهر الشعراء والمتخلعين حتى الصباح؟ ماهذا الهراء والنعيق؟! ولقد أحسن من قال : حدث العاقل بما لا يليق ، فإن صدق فلا عقل له.

فالسيدة سكينة ما فارقت المدينة منذ عادت إليها بعد واقعة كربلاء ، بل ولم تتخلف ـ بما توحي إليه الشواهد ـ عن بيت أخيها السجادعليه‌السلام ، الذي كان دائم البكاء والحزن على أبيه الحسينعليه‌السلام ، فلا غرو أن ورثت السيدة آمنة عن أخيها الحزن السرمدي على أبيها ، خاصة وقد أدركت هي حادثة الطف الأليمة ووعتها ، فهي يومذاك قد جاوزت سن التكليف قليلا ، ومع عدم وجود خبر قطعي يركن إليه في تحديد عمرها ، فإنه يمكن الاستنتاج من بعض القرائن والشواهد التاريخية أنها كانت بين (١١ ـ ١٤) عاما. ولعلنا نستطيع أن نستقرب تاريخ ولادتها بين سنتي ٤٧ و ٤٨ هـ.

وبعد الإمام السجادعليه‌السلام لاذت في كنف ابن أخيها الإمام الباقرعليه‌السلام ، فهي امرأة وحيدة تحتاج إلى من يكفلها ، خاصة مع انقطاعها إلى العبادة ، وتبتلها لله عز وجل. وتاريخ الإمامين الهمامين بين يديك ، فهل تجد فيه أن بيوتهم كانت محتشدا للشعراء؟( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .

وهل تجد شيئا من هذا يتوافق مع ما زوره آل الزبير ، ونشره آل مروان ، وروج له من هو في الميل والهوى مع آل أمية ، والجميع هم أعداء الله وأعداء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأعداء أهل بيتهعليهم‌السلام ؟

فالكذاب الأشر زبيري ، والمروج البطر أموي ، وناهيك بهما من مبغضين وعدوين لدودين لأهل البيتعليهم‌السلام بالخصوص ، ولبني هاشم

١٦

عموما بما فيهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولا نريد الدخول ـ هنا ـ في أبحاث تاريخية جانبية ، فتاريخ الأسرتين الأسود يشهد على سوء فعالهم ، وعدائهم للدين. لكن المهم الذي يجب أن يعرفه القارئ مسبقا ، أن رائد وضع الأحاديث والأخبار الطاعنة في أهل البيتعليهم‌السلام هو مصعب الزبيري ، ثم تلاه الزبير بن بكار ، بعد أن أخزتهم ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير ، بما شاع من ملاحمها ، ومغامراتها مع شعراء الخلاعة والمجون والمغنين ، في مجالس لهو وطرب وسكر يندى لها الجبين الحر والحيي ، ولكن من أين تخجل أوجه سكبت بلذات الفجور حياءها؟! وبدل أن يدفنوا عارهم ، راحوا فزحزحوه إلى أشرف البيوت التي تقف في مواجهة باطلهم ، وانحرافهم عن الدين.

ووجد المدائني ، رفيق مصعب ، ومن بعده المبرد والزجاجي وأبو علي القالي في هذه الأخبار مادة جيدة لمؤلفاتهم أولا ، وليحققوا بعض أغراضهم في النيل من البيت العلوي الطاهر ثانيا ؛ لما جبلوا عليه من نزعة أموية. وأخيرا جاء أبو الفرج الإصفهاني متوجا أعمال أولئك بكتابه «الأغاني» عيبة السفاسف ، وجراب الهزال ، وجعبة الضلال ، ويكفيك قول ابن الجوزي فيه عن غيره من الأقوال الكثيرة : ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر(١) .

فهل يتصور عاقل ـ بعد هذا ـ أن أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمودتهم ، وآمنة بنت الحسينعليهما‌السلام ـ سكينة ـ من ذوي القربى قطعا وجزما ،

_________________

(١) المنتظم١٨٥ : ١٤ رقم ٢٦٥٨ وفيات سنة ٣٥٦.

١٧

يصدر منهم مثل هذه القبائح والمنكرات؟!( أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا ) .

وهكذا جازى آل الزبير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته وذريتهعليهم‌السلام ؟ ومن قبل ترك زعيمهم وكبيرهم خلف ابن الزبير بن العوام ، ونجعة السوء ، الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبه في الجمعة والجماعة.

وجانب آخر من حياتها يعطينا عنه خبرا ما جاء في الخبر من أن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما اختار فاطمة بنت الحسين على اختها سكينة ، كان يقال : إن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين. وقد علمت من ذي قبل قول الإمام الحسينعليه‌السلام في ابنته فاطمة من أنها تقوم الليل كله ، وتصوم النهار. فإذا كان هذا حال فاطمة وهي مع ذلك تصلح لرجل ، فما ظنك بأختها ، التي لا تصلح لرجل ، من حال التبتل والعبادة؟

وبعد هذا وذاك ، فأين تكون تلك المخاريق التي ألصقوها بابنة النبوة من مقيل الحق والصدق؟ ألا إنها أهلك من ترهات البسابس. لا جرم أنهم جاءوا بأذني عناق ، فهذه سجية القوم تجاه أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، شنشنة نعرفها من (أخزم) ، وقد ملؤوا حشفا بسوء كيلة ، وسيعلم الذين ظلموا محمدا وآل محمد أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة لأهل التقوى.

وأخيرا وليس آخرا رواية سهل بن سعد الساعدي الصحابي الشهير ، وقد صادف دخوله الشام يوم وصول سبايا كربلاء إليها ، وصادف أن سأل سكينة عن جاجتها ، بعد أن عرفها نفسه ، وعرفها باستحفائها السؤال ، فقالت له : قل لصاحب الرأس ـ تعني رأس الحسينعليه‌السلام ـ أن يقدم الرأس أمامنا ، حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٨

مثل هذا الموقف من هذه السيدة العلوية الجليلة ، تستشعر منه مدى حرص ابنة النبوة ، وسليلة الإباء ، وغيرتها أنها لا ترضى بالنظر إليها وإلى حرم آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبارا وصغارا. وتتجلى من ذلك الموقف الغاية التي بلغتها «سكينة» ـ سلام الله عليها ـ من العفة والطهر والقداسة ، والروح الملائكية.

أو يصدر منها ـ بعد ذلك ـ ما نقلوا من أفائك ، من كانت هذه نشأتها وسلوكها وسيرتها حتى وفاتها؟!( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغيرما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .

والنتيجة التي نخلص إليها حول إيمان وتقوى وزهد ابنة النبوة ، وربيبة الرسالة ، وصاحبة الخلق المحمدي ، والنهج العلوي ، والشمائل الحسينة ، هي ما نجمله في النقاط التالية :

١ ـ عاشت وتوفيت تحت ظلال الإيمان ، وفي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. جوار جدها المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي ظل أخيها وابن أخيهاعليهما‌السلام .

٢ ـ كان غالب عليها الاستغراق مع الله تعالى.

٣ ـ كانت من خير نساء زمانها.

٤ ـ إنها من ذوي القربى الذين أوجب الله مودتهم.

٥ ـ إنها من أشرف وأرفع بيوت العرب ، بل الدنيا بأسرها.

٦ ـ إنها لم تكن تصلح لزوج لعزوفها عن الدنيا كلية.

٧ ـ كان الإمام الحسينعليه‌السلام يحبها حبا جما ، وله بها تعلق شديد ؛ لكثرة عبادتها وتبتلها لله تعالى. والمعصوم لا يحب ولا يبغض إلا في الله ، ولمن

١٩

هو مع الله في المبدأ والمنتهى.

٨ ـ كانت شديدة الغيرة على بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع عفافها وشدة حفاظها على حجابها.

٩ ـ ورثت إباء أبيها الإمام الحسينعليه‌السلام وشجاعته ، حيث ردت على طاغية زمانها وفرعونه يزيد بن معاوية ، واعترضت عليه ، وهي الصبية الصغيرة ، وقد عرفت أنها في أكثر التقادير كانت بنت(١٤) سنة.

وفي الختام نقدم جزيل شكرنا للمحقق المفضال السيد عدنان علي الحسيني حفظه الله ؛ فأنه قد بذل غاية المجهود في تحقيق وتدقيق الكتاب بما لا مزيد عليه فجزاه الله خير الجزاء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عباس الساويز الكاشاني

عيد الغدير ١٤٢٣

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المقصد الثاني

وهو يشتمل على وقائع الطريق حتى ورود الرَّكْب الحسيني أرض الشام

ويكون على فصلين:

الفصل الأول

الركب الحسينيّ في الكوفة

٨١

٨٢

الفصل الأول

« الرَّكْب الحسينيّ في الكوفة »

الرأس المقدّس يسبق الركْب إلى الكوفة:

مرّ بنا أنّ الطبري من المؤرّخين الذين رووا أنّ عمر بن سعد أرسل برأس الإمامعليه‌السلام - بعد قتله مباشرة - مع خولّي بن يزيد، وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله ابن زياد، لكنّه حينما يواصل روايته(١) . يقول: (فأقبل به خولّي، فأراد القصر فوجد باب القصر مُغلقاً، فأتى منزله(٢) ، فوضعه تحت أُجانه في منزله، وله امرأتان، امرأة من بني أسد، والأُخرى من الحضرميين، يُقال لها: النوّار ابنة مالك بن عقرب، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرميّة.

قال هشام: فحدّثني أبي، عن النوّار بنت مالك قالت: أقبل خوّلي برأس الحسين فوضعه تحت أُجانة في الدار، ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه، فقلت له: ما الخبر عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر! هذا رأس الحسين معك في الدار! قالت:

____________________

(١) تُلاحَظ هنا ثغرة تأريخية؛ إذ لا نعلم كيف انفرد خولّي بالرأس، وكيف اختفى حميد بن مسلم الأزدي عن مسرح قصّة حمْل الرأس إلى ابن زياد!

(٢) وكان منزله على فرسخ من الكوفة. (راجع مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٣٠٤، ورياض الأحزان: ١٦).

٨٣

فقلت: ويلَك! جاء الناس بالذهب والفضّة، وجئت برأس ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! لا والله، لا يجمع رأسي ورأسك بيتٌ أبداً!

قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار، فدعا الأسدية فأدخلها إليه، وجلست انظر، فوالله، ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الأُجانة! ورأيت طيراً بيضاً تُرفرف حولها!

قال: فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد ...)(١).

أمّا السيّد هاشم البحراني فيقول: (إنّ عبيد الله بن زياد لعنه الله، بعدما عُرِض عليه رأس الحسينعليه‌السلام ، دعا بخولّي بن يزيد الأصبحي وقال له: خُذْ هذا الرأس حتّى أسألك عنه.

فقال: سمعاً وطاعة.

فأخذ الرأس وانطلق به إلى منزله، وكان له امرأتان، إحداهما ثعلبية، والأُخرى مُضَرية، فدخل على المضريّة، فقالت: ما هذا؟!

فقال: هذا رأس الحسين بن عليّ وفيه مُلك الدنيا!

فقالت له: أبشِر! فإنّ خصمك غداً جدّه محمّد المصطفى!

ثم قالت: والله، لا كنت لي ببعْل، ولا أنا لك بأهل! ثمّ أخذت عموداً من حديد وأوجعت به دماغه!

فانصرف من عندها وأتى به إلى الثعلبية، فقالت: ما هذا الرأس الذي معك؟

قال: هذا رأس خارجيّ، خرج على عبيد الله بن زياد.

فقالت: وما اسمه؟

فأبى أن يُخبرها ما اسمه، ثمّ تركه على التراب وجعل عليه أُجانة.

قال: فخرجت امرأته في الليل، فرأت نوراً ساطعاً من الرأس إلى عنان السماء! فجاءت إلى الأجانة، فسمعت أنيناً وهو يقرأ! إلى طلوع الفجر! وكان آخر ما قرأ:

____________________

(١) تأريخ الطبري: ٣: ٣٣٥.

٨٤

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) ، وسمعت حول الرأس دويّاً كدويّ الرعد! فعلمت أنّه تسبيح الملائكة!

فجاءت إلى بعْلها وقالت: رأيت كذا وكذا، فأيّ شيء تحت الأجانة؟!

فقال: رأس خارجي، فقتله الأمير عبيد الله بن زياد، وأُريد أن أذهب به إلى يزيد بن معاوية؛ ليُعطيني عليه مالاً كثيراً!

قالت: ومَن هو؟!

قال: الحسين بن عليّ!

فصاحت وخرّت مغشيّة عليها! فلما أفاقت قالت: يا ويلك! يا شرّ المجوس! لقد آذيت محمّداً في عترته! أما خفت من إله الأرض والسماء؛ حيث تطلب الجائزة على رأس ابن سيّدة نساء العالمين؟!

ثمّ خرجت من عنده باكية، فلما قامت رفعت الرأس وقبّلته ووضعته في حِجْرها وجعلت تُقبّله وتقول: لعن الله قاتلك! وخصمه جدّك المصطفى!

فلما جَنّ الليل غلب عليها النوم، فرأت كأنّ البيت قد انشقّ بنصفين وغشيَه نور! فجاءت سحابة بيضاء، فخرج منها امرأتان، فأخذتا الرأس من حِجْرها وبكَتا!

قالت: فقلت لهما: بالله، مَن أنتما؟

قالت إحداهما: أنا خديجة بنت خويلد! وهذه ابنتي فاطمة الزهراء! ولقد شكرناك، وشكر الله لك عملك، وأنت رفيقتنا في درجة القدس في الجنّة!

قال: فانتبهت من النوم والرأس في حِجرها، فلما أصبح الصبح جاء بعْلُها لأخذ الرأس، فلم تدفعه إليه وقالت: ويلك! طلّقني! فوالله، لا جمعني وإيّاك بيت!

فقال: ادفعي لي الرأس وافعلي ما شئت!

فقالت: لا والله، لا أدفعه إليك!

٨٥

فقتلها وأخذ الرأس، فعجّل الله بروحها إلى الجنّة في جوار سيّدة النساء)(١).

منازل الطريق من كربلاء إلى الكوفة (٢) :

لم نجد في المصادر التأريخيّة - في ضوء مُتابعتنا - ذكراً وتفصيلاً لما جرى على الركب الحسيني في الطريق بين كربلاء والكوفة، غير أنّ هناك خبراً كاشفاً، عن أنّ (الحنّانة) كانت أحد هذه المنازل، يقول الشهيد الأوّل (ره): (فإذا نزلتَ الثويّة، وهي الآن تلّ بقُرب الحنّانة، عن يسار الطريق لمن يقصد من الكوفة إلى المشهد، فصلّ عندها ركعتين، كما روي أنّ جماعة من خواصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام دُفنوا هناك، وقُلْ ما تقوله عند رؤية القبّة الشريفة، فإذا بلغت العَلَمَ وهي الحنّانة، فصلّ ركعتين، فقد روى محمّد بن أبي عمير، عن المفضّل قال: جاز الصادقعليه‌السلام بالقائم المائل في طريق الغريّ فصلّى ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟

____________________

(١) مدينة المعاجز: ٤: ١٢٤ رقم ١٨٥، وانظر: ص١١٤، وهذه الرواية بهذا النحو رواها المرحوم السيّد البحراني مُرسلة، ولعلّه قد انفرد بها.

(٢) قال البراقي: كانت الكوفة واسعة كبيرة تتّصل قُراها وجباباتها إلى الفرات الأصلي وقُرى العذار، فهي تبلغ ستّة عشر ميلاً وثُلُثي ميل.

وقال البراقي أيضاً: أحد حدودها خندق الكوفة المعروف (بكري سعد)، والحدّ الآخر القاضي الذي هو بقرب القائم إلى أن يصل قريباً من القرية المعروفة اليوم بـ (الشنافيّة)، والحدّ الآخر الفرات، الذي هو مُمتدّ من الديوانية إلى الحسكة إلى القرية المعروفة اليوم بـ (أبو قوارير) وهي منزل الرماحيّة، والحدّ الرابع قرى العذار التي هي من نواحي الحلّة السيفيّة. (راجع: تاريخ الكوفة: ١٣٤).

وقال ياقوت الحموي: ذكر أنّ فيها من الدور خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب، وستّة آلاف دار لليمن. (مُعجم البلدان: ٤: ٤٩٢).

٨٦

فقال:(هذا موضع رأس جدّي الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، وضعوه هاهنا لما توجّهوا من كربلاء، ثمّ حملوه إلى عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه ...) (١) .

وقال الشيخ محمّد مهدي الحائري: (وقال المرحوم - وحيد عصره - شيخنا النوري نوّر الله مضجعه: إنّه كان قريباً من النجف الأشرف ميل من الجص والآجر، ويقال له: القائم. ويسمّونه: بالعَلَمْ. فلما قُبض أمير المؤمنينعليه‌السلام وجاءوا إلى النجف الأشرف، فلما وصلوا إلى العَلَم والقائم انحنى تعظيماً لأمير المؤمنين كالراكع فسمّوه بالحنّانة، وزيد في شرفه أنّه لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة ووصل هناك وقد مضى من الليل شطره، فوضع اللعين الحامل الرأس المبارك في ذلك المقام، وهذا أوّل منزل نزل به رأس الحسينعليه‌السلام في طريق الكوفة، بقي غريباً وحيداً في ذلك المقام، ثمّ بنوا مسجداً في ذلك المكان وسُمِّي بمسجد الحنّانة، ويُستحب فيه الدعاء والزيارة وقيل: سُمّي بالحنانة؛ لأنّه لما وضِع رأس الحسينعليه‌السلام في ذلك الموضع سُمِع من الرأس الشريف حنين وأنين إلى الصباح، والله العالم)(٢) .

بقيّة الركب الحسينيّ:

تفاوتت المصادر التأريخية في عدد الباقين من الركب الحسينيّ، وفي أسماء الأسرى منهم، حينما أُخذوا من كربلاء إلى الكوفة، فقد قال ابن سعد في طبقاته: (ولم يفلت من أهل بيت الحسين بن عليّ الذين معه إلاّ خمسة نفر: عليّ بن

____________________

(١) المزار: ٦٩، وانظر: جواهر الكلام: ٢٠: ٩٣.

(٢) معالى السبطين: ٢: ٩٦.

٨٧

الحسين الأصغر، وهو أبو بقيّة وِلْد الحسين بن عليّ اليوم، وكان مريضاً فكان مع النساء، وحسن بن حسن بن عليّ،(١) وله بقيّة، وعمرو بن حسن بن عليّ ولا بقيّة له، والقاسم بن عبد الله بن جعفر، ومحمّد بن عقيل الأصغر، فإنّ هؤلاء استُضعفوا، فقدم بهم وبنساء الحسين بن عليّ وهنّ: زينب، وفاطمة ابنتا عليّ بن أبي طالب، وفاطمة، وسكينة ابنتا الحسين بن علي، والرباب بنت أنيف(٢) الكلبية امرأة الحسين بن علي، وهي أمّ سكينة وعبد الله المقتول ابنَي الحسين بن علي، وأمّ محمّد بنت حسن بن عليّ امرأة عليّ بن حسين، وموالي لهم ومماليك عبيد وإماء، قدم بهم على عبيد الله بن زياد مع رأس الحسين بن علي ورؤوس مَن قُتِل معه رضي الله عنه وعنهم)(٣) .

وقال الطبري: (وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد، ثمّ أمر حميد بن بكير الأحمري، فأذّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة، وحمل معه بنات الحسين وأخواته

____________________

(١) قال السيّد ابن طاووس (ره): (وروى مُصنِّف كتاب المصابيح: أنّ الحسن بن الحسن المثنّى قَتل بين يدي عمّه الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفساً، وأصابته ثماني عشرة جراحة، فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة، فحمله إلى الكوفة وداواه حتّى برئ وحملَه إلى المدينة) (راجع: اللهوف: ١٩١).

ومفاد ظاهر هذا الخبر، أنّ الحسن المثنّى لم يكن مع الأسرى في الركب الحسينيّ، الذين أُخذوا من كربلاء إلى الكوفة.

(٢) المشهور أنّ الربابّ بنت امرئ القيس.

(٣) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد / تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي (ره): ص٧٨، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: ٣: ٣٠٣ في نقله عن طبقات ابن سعد. وانظر: تسمية مَن قُتِل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٧.

٨٨

ومَن كان معه من الصبيان وعليّ بن الحسين مريض)(١) .

وفي مقاتل الطالبيين: (وحمل أهله أسرى، وفيهم عمرو، وزيد، والحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن عليّ قد ارتثّ جريحاً، فحُمل معهم، وعليّ بن الحسين الذي أمّه أمّ ولد، وزينب العقيلة، وأمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين ...)(٢) .

وقال الشيخ عماد الدين الطبري في كامل البهائي: (وكنّ جميعهنّ عشرين نسوة، وكان لزين العابدين في ذلك اليوم اثنان وعشرون سنة، ولمحمّد الباقر أربع، وكانا كلاهما في كربلاء وحفظهما الله تعالى)(٣) .

ويُستفاد من (الفائدة الثالثة) التي ذكرها المحقِّق السماوي في كتابه إبصار العين: أنّ زوجة الشهيد جنادة بن الحرث السلمانيرضي‌الله‌عنه كانت في الركب الحسيني أيضاً، وهي أمّ الشهيد عمرو بن جنادةرضي‌الله‌عنه الغلام ذي الإحدى عشرة سنة من العمر، وكذلك كانت عائلة الشهيد مسلم بن عوسجةرضي‌الله‌عنه (٤) في هذا الركب، وأمّ الشهيد وهب الذي كان نصرانيّاًرضي‌الله‌عنه (٥) ، وآخرون قد يكشف عنهم التحقيق الدقيق.

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٥، وانظر: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٤٤، ومُثير الأحزان: ٨٣ وفيه أيضاً في ص ٩٨: (قال علي بن الحسينعليه‌السلام :(أُدخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر رجلاً مغلَّلون ...) .

(٢) مقاتل الطالبيين: ١١٩، وانظر: اللهوف: ١٩١، وانظر: تاريخ أبي الفداء: ١: ٢٦٦ وفيه: (ثمّ بعث ابن زياد بالرؤوس وبالنساء والأطفال إلى يزيد بن معاوية وفيهنّ ابنة عقيل بن أبي طالب ...).

(٣) الكامل البهائي لعماد الدين الطبري: ٢٩٠.

(٤) راجع: إبصار العين: ٢٢٠.

(٥) راجع: أمالي الصدوق: ١٣٧ المجلس ٣٠، حديث رقم ١.

٨٩

متى دخل الركب الحسينيّ الكوفة؟

أكثر المصادر التأريخيّة، تذكر أنّ عمر بن سعد كان قد ارتحل من كربلاء إلى الكوفة في اليوم الحادي عشر بعد الزوال، حاملاً معه بقايا الركب الحسينيّ، وفي ضوء حساب المسافة وسرعة الدوابّ في ذلك العصر، فإنّ الأرجح أنّ عمر بن سعد ومَن معه يُمسون عند مشارف الكوفة أوّل الليل - أيّ ليلة الثاني عشر - هذا إذا كان قد جدّوا السير إلى الكوفة.

من هنا؛ فإنَّ الأرجح أنَّ الركب الحسينيّ قد بات ليلة الثاني عشر في صحبة عسكر ابن سعد، في منزل من منازل الطريق القريبة جدّاً من الكوفة أو على مشارفها، والظاهر أنّ عمر بن سعد كان قد دخل الكوفة نهار اليوم الثاني عشر مع عسكره وبقيّة الركب الحسيني أسرى وسبايا، ودخوله الكوفة نهاراً لا ليلاً أمرٌ يقتضيه العامل الإعلامي، وزهو الانتصار، والمباهاة بالظفر، في صدر كلٍّ من ابن زياد وابن سعد وأعوانهما.

وهناك أيضاً إشارات تأريخية، تؤكِّد أنّ دخول عمر بن سعد الكوفة كان في النهار، منها: ما رواه سهل بن حبيب الشهرزوري قال: فدخلتُ الكوفة فوجدت الأسواق مُعطّلة، والدكاكين مُغلّقة، والناس مجتمعون خلقاً كثيراً، حلقاً حلقاً، منهم مَن يبكي سرّاً، ومنهم مَن يضحك جهراً، فتقدّمت إلى شيخ منهم وقلت له: يا شيخ، ما نزل بكم؟! أراكم مُجتمعين كتائب! ألكم عيد لستُ أعرفه للمسلمين؟!

فأخذ بيدي وعدل بي ناحية عن الناس، وقال: يا سيّدي، ما لنا عيد! ثمّ بكى بحرقة ونحيب!

فقلت: أخبرني يرحمك الله؟!

قال: بسبب عسكرين أحدهما منصور، والآخر مهزوم مقهور!

فقلت: لمن هذان العسكران؟!

٩٠

فقال: عسكر ابن زياد، وهو ظافر منصور! وعسكر الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، وهو مهزوم مكسور!

ثمّ قال: وا حرقتاه! أن يدخل علينا رأس الحسين!

فما استتمّ إذ سمعت البوقات تُضرب، والرايات تخفق قد أقبلت، فمددت طرْفي وإذا بالعسكر قد أقبل ودخل الكوفة)(١) .

إعلان حالة الطوارئ القصوى في الكوفة!

لما وصل إلى ابن زياد خبر عودة جيشه، بقيادة عمر بن سعد إلى الكوفة، أمر أن لا يحمل أحدٌ من الناس السلاح في الكوفة، كما أمر عشرة آلاف فارس أن يأخذوا السكك والأسواق، والطرُق والشوارع؛ خوفاً من النّاس أن يتحرّكوا حميّة وغيرة على أهل البيتعليهم‌السلام ، إذا رأوا بقيّتهم بتلك الحالة من الأسر والسبي، وأمر أن تُجعل الرؤوس في أوساط المحامل أمام النساء، وأن يُطاف بهم في الشوارع والأسواق؛ حتّى يغلب على الناس الخوف والخشية.(٢)

كما أمر عبيد الله بن زياد أن يضعوا الرأس المقدّس على الرمح، ويُطاف به في سكك الكوفة وقبائلها، واجتمع مئة ألف إنسان للنظر إليه، منهم مَن كان يُهنِّئ، ومنهم مَن كان يُعزّي!(٣).

____________________

(١) مدينة المعاجز: ٤: ١٢١.

(٢) راجع: معالي السبطين: ٢: ٥٧، وروضة الشهداء: ٢٨٨.

(٣) راجع: كامل البهائي: ٢٩٠ / ولا يخفى على المتتبّع العارف أنّ عدد نفوس أهل الكوفة آنذاك (سنة ٦١ هـ ق) قد يربو على ثلاثمئة ألف نسمة؛ ذلك لأنّ الكوفيين الذين كاتبوا الإمام الحسينعليه‌السلام في سنة ٦٠ هـ بعد موت معاوية، ذكروا له عن وجود مئة ألف مقاتل! فلو أنّ كلّ =

٩١

كيف استقبلت الكوفة بقيّة الركب الحسينيّ؟!

كانت الكوفة قد خرجت عن بكرة أبيها؛ لتشهد احتفال ابن زياد بمقدم جيشه الظافر في الظاهر! ولتشهد بقايا العسكر الذي قاتله جيش عمر بن سعد، ولتتصفّح وجوه السبايا!

ومن أهل الكوفة مَن كان يعلم بحقيقة مجرى الأحداث، ويُدرك عُظم المصاب وفظاعة الجناية التي ارتكبتها الكوفة بالأساس، ويدري أنّ السبايا المحمولين مع عمر بن سعد هم بقيّة آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الرؤوس المشالات على أطراف الأسنّة هي رؤوس ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وأصحابه، وهم خير أهل الأرض يومذاك، فكان يبكي لعُظم الرزيّة!

ومنهم مَن كان أُمويّ الميل والهوى، أو جاهلاً لم يعلم بحقائق الأحداث، مُتوهّماً أنّ والي الكوفة وأميرها قد فتح فتحاً جديداً على ثغْر من ثغور المسلمين! وجيء إليه بسبايا من غير المسلمين، فكان يضحك جهراً ويُهنِّئ مَن يلقاه بهذه المناسبة!!

قال صاحب رياض الأحزان: (وقد مُلئت شوارعها - أي الكوفة - وسككها وأزقَّتها من الرجال والنسوان، والشيوخ والشبّان، والصبايا والصبيان، من الموالف

____________________

= واحد من هؤلاء ينتمي إلى عائلة من ثلاثة أفراد (في ضوء حساب المعدّل)، لكان مجموع نفوس الكوفة آنذاك حوالي ثلاثمئة ألف نسمة، ويُساعد على ما ذهبنا إليه، أنّ عمر بن الخطّاب في سنة ٢٢ هـ. ق كان قد صرّح بصدد أهل الكوفة قائلاً: وأيّ شيء أعظم من مئة ألف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير؟! وأُحيطت الكوفة على مئة ألف مقاتل. (راجع: الكامل في التاريخ: ٣: ٣٢)، وهذا في سنة ٢٢ هـ؛ فلا شكّ أن نفوسهم بعد ٣٨ سنة قد بلغ حوالي ثلاثة أمثال عددهم سنة ٢٢ هـ.

٩٢

والمخالف، وحزب الرحمان، وأولياء الشيطان، منهم باكٍ ومُنتحب، ومنهم ضاحك وطرِب، منهم عارف بالواقعة العظمى، وأنّها جرت على آل النبيّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم جاهل غافل عن البلوى)(١) .

وروى الشيخ الطوسي بسنده، عن حذلم بن ستير(٢) ، قال: (قدمت الكوفة في المحرّم سنة إحدى وستّين، مُنصرف عليّ بن الحسينعليهما‌السلام بالنسوة من كربلاء، ومعهم الأجناد يُحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل على الجِمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة يبكين ويلتدمْن!(٣) ، فسمعت عليّ بن الحسينعليهما‌السلام وهو يقول بصوت ضئيل - وقد نهكته العلّة! وفي عنُقه الجامعة! ويده مغلولة إلى عنقه! -:(إنّ هؤلاء النسوة يبكين! فمَن قتلنا؟!) (٤) .

ويقول اليعقوبي في تاريخه: (وحملوهنّ إلى الكوفة، فلما دخلن إليها خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين! فقال عليّ بن الحسين:(هؤلاء يبكين! فمَن

____________________

(١) رياض الأحزان: ٤٨ /، ونقل أيضاً عن تذكرة الأئمّة للعلاّمة المجلسي أنهّ (قال بعض النظّار والمتفرّجين لبعض شماتةً بهم: إنّ الله تعالى نِعْمَ ما كافى هؤلاء به عمّا أحدثوه وأبدعوه وفعلوه!

وكان هو في ذلك، إذ طارت من السماء حجارة وأصابت فمه وسقط ميّتاً لعنه الله).

(٢) في رجال الشيخ الطوسي: ١١٣ ورد اسمه (حذيم بن شريك الأسدي)، وروى الطبرسي في كتابه الاحتجاج عنه حديث ورد الإمام السجّادعليه‌السلام الكوفة مع أهل البيت، وخطبة زينب الكبرى في الكوفة. (راجع: الاحتجاج: ٢: ٣٢٠ رقم ٣٢٢)، وفي البحار: ٤٥: ١٠٨ (بشير بن خزيم الأسدي)، وفي مُستدركات علم رجال الحديث: ٢: ٣٧: (بشير بن جزيم الأسدي: لم يذكروه، وهو راوي خطبة مولاتنا زينبعليها‌السلام بالكوفة.).

(٣) التدمتْ المرأة: ضربت صدرها في النياحة، وقيل: ضربت وجهها في المآتم.

(٤) أمالي الطوسي: ٩١، واللهوف: ١٩٢، وأمالي المفيد: ٣٢٠، والفصول المهمّة: ١٩٢، والمنتخب للطريحي: ٣٥٠.

٩٣

قتلَنا؟!) (١) .

ويقول ابن أعثم الكوفي: (وساق القوم حُرَم رسول الله من كربلاء، كما تُساق الأُسارى! حتّى إذا بلغوا بهم إلى الكوفة خرج الناس إليهم فجعلوا يبكون وينوحون ...)(٢) .

وقال السيد ابن طاووس (ره): (قال الراوي: فأشرفت امرأة من الكوفيّات فقالت: من أيّ الأُسارى أنتنّ؟ فقلن: نحن أُسارى آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فنزلت المرأة من سطحها، فجمعت لهنّ مُلاء وأُزُراً ومقانع، وأعطتهنّ فتغطّين)(٣) .

ويصف حاجب عبَيد الله بن زياد حال الناس ذلك اليوم فيقول: (.. ثمّ أمر بعليّ بن الحسينعليه‌السلام فغُلّ، وحُمل مع النسوة والسبايا إلى السجن، وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلاّ وجدناه ملاء رجالاً ونساء يضربون وجوههم ويبكون ...!!)(٤) .

مسلم الجصّاص يصف حال الكوفة يومذاك!

قال العلاّمة المجلسي (ره): (رأيت في بعض الكُتب المعتبرة(٥) ، روى مُرسلاً عن مسلم الجصاص، قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢: ١٧٧.

(٢) الفتوح: ٥: ١٣٩.

(٣) اللهوف: ١٩١.

(٤) أمالي الشيخ الصدوق: ١٤٠ المجلس ٣١ حديث رقم ٣.

(٥) لا يُعرَف السرّ في عدم ذكر العلاّمة المجلسي (ره) اسم هذا الكتاب الذي وصفه من الكُتب المعتبرة.

٩٤

أُجصّص الأبواب، وإذا أنا بالزعقات(١) قد ارتفعت من جنبات الكوفة! فأقبلت على خادم كان معنا، فقلت: ما لي أرى الكوفة تضجّ؟!

قال: الساعة أتَوا برأس خارجيّ خرج على يزيد.

فقلت: مَن هذا الخارجي؟!

فقال: الحسين بن علي!

قال: فتركت الخادم حتّى خرج، ولطمت وجهي حتّى خشيت على عيني أن تذهب!(٢) ، وغسلت يدي من الجصّ، وخرجت من ظَهر القصر وأتيت إلى الكُناس، فبينما أنا واقف والناس يتوقَّعون وصول السبايا والرؤوس، إذ أقبلت نحو أربعين شِقّة(٣) تُحمل على أربعين جَملاً، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمةعليها‌السلام ، وإذا بعليّ بن الحسينعليه‌السلام على بعير بغير وطاء! وأوداجه تشخب دماً! وهو مع ذلك يبكي ويقول:

يا أُمّة السوء لا سَقياً لربعكم

يا أُمّة لم تراعِ جدّنا فينا

لو أنّنا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تُسيّرونا على الأقتاب عارية

كأنّنا لم نُشيِّد فيكم دينا

بني أُميّة ما هذا الوقوف على

تلك المصائب لا تُلبُّون داعينا(٤)

تُصفِّقون علينا كفَّكم فرحاً

وأنتم في فجاج الأرض تسْبونا

أليس جدّي رسول الله ويلكم

أهدى البريّة من سُبل المضلِّينا

____________________

(١) قال ابن منظور: والزعق: الصياح. (لسان العرب: ٦: ٤٦).

(٢) وفي هذا إشارة إلى أنّ مسلماً الجصّاص كان من مُحبيّ أهل البيتعليهم‌السلام .

(٣) والشِّقّة: الشظيّة أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره. (لسان العرب: ١٠: ١٨٢).

(٤) يُلاحَظ في هذا البيت وما بعده ضعف وركاكة ظاهرة، ولعلّ هذه الأبيات من نظم آخرين ثمّ ألحقت بالأبيات الثلاثة الأُولى، والله العالم.

٩٥

يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزناً

والله يهتك أستار المسيئينا

قال: وصار أهل الكوفة يُناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أمّ كلثوم، وقالت: يا أهل الكوفة، إنّ الصدقة علينا حرام!

وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواهم وترمي به إلى الأرض.

قال: كلّ ذلك والنّاس يبكون على ما أصابهم!

ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم:

صهٍ يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم؟! فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء!

فبينما هي تُخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسينعليه‌السلام (١) ، وهو رأسٌ زهريٌّ قمرىٌّ، أشبه الخلْق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولحيته كسواد السّبج(٢) قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع! والرمح تلعب بها (كذا) يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب، فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمُقدّم المحمِل، حتّى رأينا الدّم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

يا هلالاً لما استتمّ كمالا

غاله خسفه فأبدى غروبا

ما توهّمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مُقدَّراً مكتوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلِّمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا

____________________

(١) ظاهر هذا الخبر يُخالف الأخبار التي مضت قبل هذا، والمصرِّحة بأنّ رأس الإمامعليه‌السلام أُخذ من ساعته إلى ابن زياد بيد خولّي وحميد بن مسلم، إلاّ أنّ الرؤوس المقدّسة جيء من القصر بها إلى حيث يمرّ الركب تلك الساعة داخل الكوفة. والله العالم.

(٢) السَّبَج: حجر أسود شديد السواد برّاق.

٩٦

يـا أخـي قـلبك الشفيق علينا

مـا لـه قد قسا وصار صليبا

يا أخي لو ترى عليّاً لدى الأسر

مـع الـيُتْم لا يُـطيق وجوبا

كـلّما أوجـعوه بالضرب نادا

ك بـذلٍّ يـغيض دمعاً سكوبا

يـا أخـي ضُـمَّه إليك وقرِّبه

وسـكِّـن فؤاده الـمرعوبا

مـا أذلّ الـيتيم حـين يُنادي

بـأبيه ولا يراه مُجيبا) (١) .

إشارة:

لا شكّ بأنّ الصدقة الواجبة حرام على أهل البيتعليهم‌السلام وعلى ذراريهم، وهي - كما ورد في الأثر(٢) - أوساخ الناس، وأنّها لا تحلّ على محمّد ولا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إنّه لا خلاف في عدم تحريم الصدقة المندوبة، فلماذا منعَتْ السيّدة أمّ كلثوم أو زينبعليها‌السلام الأطفال من أخذ ما كان يُقدِّمه لهم أهل الكوفة من تمر وخبز وجوز؟ ألأنّ ذلك كان صدقة واجبة وهي محرّمة عليهم؟ أمْ كان ذلك احتياطاً، فلرّبما كان بعض ذلك من الصدقة الواجبة؟ أمْ كان ذلك محمولاً على الكراهة أو الحُرمة بتعليل خاص؟

يقول الشيخ الأنصاري (ره) في كتاب الزكاة(٣) ما نصّه: (ثمّ إنّه لا خلاف في عدم تحريم الصدقة المندوبة، وبه وردت أخبار كثيرة، إلاّ أنّ في بعض الأخبار ما يدلّ

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٥: ١١٤ - ١١٥.

(٢) قال ابن عبّاس: (وكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كثيراً ما يقول عن الصدقة: هي أوساخ النّاس، وأنّها لا تحلّ لمحمّد ولا آل محمّد. (كشف الغمّة عن هذه الأمّة للشعراني: ١٥٤). وانظر: وسائل الشيعة: ٦: ١٨٥ باب ٢٩ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٣) كتاب الزكاة: ٣٥٢.

٩٧

على نهي الإمامعليه‌السلام عن ماء المسجد؛ مُعلّلاً بأنّها صدقة، وقد اشتُهر حكاية منع سيدتنا زينب أو أمّ كلثومعليها‌السلام للسبايا عن أخذ صدقات أهل الكوفة؛ مُعلِّلتين بكونها صدقة، ويمكن حملها على الكراهة أو الحرمة، إذا كان الدفع على وجه المهانة كما احتمله في شرح المفاتيح).

وفي طول ذلك، يمكن أن نقول: بأنّ من المحتمل أيضاً، أنّ سيدتناعليها‌السلام أرادت من وراء ردّ عطايا أهل الكوفة ومنع السبايا منها - مع فرض الكراهة - أن تُعرِّف النّاس بأنّ سبايا هذا الركب ليسوا من أيّ الناس، بل هم آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين فرض الله مودّتهم واتِّباعهم، وأنّ يزيد بن معاوية وعامله ابن زياد قد عصيا الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بارتكاب ما ارتكبا من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى ينكشف للنّاس من أهل الكوفة عُظم الجريمة والرزيّة، وفظاعة ما اجترحوه من ذنب الانقياد ليزيد وابن زياد وأتباعهما.

خُطبة بطلة كربلاءعليها‌السلام :

ولما رأت العقيلة زينبعليها‌السلام الحشود الكثيرة من أهالي الكوفة، قد ملأت الشوارع والطرق والسكك، اندفعت إلى الخطابة وإلى التبليغ وإلى تبيان ما جرى على أهل بيت النبوّة، وأخذت تُحمِّل أهل الكوفة مسؤولية نقض العهد والبيعة وقتل ريحانة رسول الله، وتُوخِز ضمائرهم وتُحرق قلوبهم، بتعريفهم عُظم ما اجترحوا من جُرم، وقبح ما ألبسوا أنفسهم من عارٍ لا يُغسَل أبد الدهر!

قال السيّد ابن طاووس (ره): (قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرت إلى زينب بنت عليّ يومئذٍ، ولم أرَ خَفرةً - والله - أنطق منها! كأنّها تُفرغ من لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ! وقد أومأت إلى النّاس أن اسكتوا فارتدّت الأنفاس

٩٨

وسكنت الأجراس!! ثمّ قالت:

الحمد لله، والصلاة على أبي محمّد وآله الطيّبين الأخيار! أمّا بعد، يا أهل الكوفة! يا أهل الختل والغدر! أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة! إنّما مَثَلكم كمَثل الذي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخَلاً بينكم! ألا وهل فيكم إلاّ الصَّلف النَّطف، والصدر الشّنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دِمنة، أو كفضّة (كقصّة خ ل) على ملحودة!؟! ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون!

أتبكون وتنتحبون؟! إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً! وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدره ألسنتكم؟! ألا ساء ما تزرون، وبُعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذّلة والمسكنة!

ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟! وأيّ كريمة له أبرزتم؟! وأيّ دم له سفكتم؟! وأيّ حُرمة له انتهكتم؟! ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء - وفي بعضها - خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض أو ملاء السماء!

أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟! ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون! فلا يستخفّنكم المهل، فإنّه لا يَحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد!

٩٩

قال الراوي: فوالله، لقد رأيت النّاس يومئذٍ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم! ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي حتّى اخضلّت لحيته! وهو يقول: بأبي أنتم وأمّي! كهولكم خير الكهول! وشبابكم خير الشباب! ونساؤكم خير النساء! ونسلكم خير نسل، لا يخزى ولا يُبزى!)(١) .

____________________

(١) اللهوف: ١٩٢، وانظر: أمالي المفيد: ٣٢١، والفتوح: ٥: ١٣٩، وأمالي الطوسي: ١: ٩٠، ومُثير الأحزان: ٨٦، ومناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١١٥، والبحار: ٤٥: ١٦٢.

وروى المرحوم الطبرسي هذه الخطبة الغرّاء، بتفاوت وفيه زيادة: ثمّ أنشأت تقول:

مـاذا تـقولون إنّ قال النبيّ لكم

مـاذا صـنعتم وأنـتم آخر الأُمم

بـأهل بـيتي وأولادي تـكرمتي

مـنهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي

إنّـي لأخشى عليكم أن يحلّ بكم

مثل العذاب الذي أودى على إرَم

ثمّ ولّت عنهم.

وفيه أيضاً: فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :

(يا عمّة اسكتي! ففي الباقي عن الماضي اعتبار، وأنت بحمد الله عالمة غير مُعلّمة، فهمةٌ غير مُفهَّمة، إنّ البكاء والحنين لا يردّان مَن قد أباده الدهر!) .

فسكتت، ثمّ نزلعليه‌السلام وضرب فسطاطه، وأنزل نساءه، ودخل الفسطاط.

الاحتجاج: ٢: ١٠٩ / ويُلاحظ في إضافة الطبرسي (ره) أنّ قوله: (ثمّ نزل وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ودخل الفسطاط) كاشف عن أنّ ما نقله من قول الإمام السجادعليه‌السلام ، كان قد صدر منه إلى عمّتهعليها‌السلام عند مشارف المدينة المنوّرة حين العودة إليها - على احتمال أقوى - أو في كربلاء، عند عودتهم إليها من الشام.

ذلك؛ لأنّهعليه‌السلام لم يكن له فسطاط في مسير السبي والأسر، ولم يكن له أن يُنزل النساء باختياره حيث يشاء! فتأمّل!

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154