الفضائل

الفضائل36%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67147 / تحميل: 7699
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأُمّي ممّ تتنفّس؟ قال: (يا ابن مسعود، نُعيت إلى نفسي)، فقلت: ألا توصي يا رسول الله؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟)، فقلت: إلى عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: (والذي نفسي بيده لو اتبعوا آثار قدَمَيه لدخلوا الجنّة أجمعين).

(خبر آخر): قيل لمّا آخى الله سبحانه وتعالى بين الملائكة، آخى بين جبرئيل وميكائيل، فقال سُبحانه وتعالى: (إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحد كما أطول من عمر الآخر فأيّكما يؤثر أخاه بالحياة دون نفسه؟ فاختار كلّ منهما الحياة، فقال: عزّ وجل أفلا تكونان مثل عليّ بن أبي طالب حيث آخيت بينه وبين حبيبي محمّد وقد آثره بالحياة على نفسه في هذه الليلة، وقد بات على فراشه يفديه بنفسه اهبطا فاحفظاه من عدوّه فهبطا إلى الأرض، فجلَس جبرئيل (عليه السلام) عند رأسه وميكائيل (عليه السلام) عند رجليه وهما يقولان: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب مَن مثلك وقد باهى الله تعالى بك ملائكة السموات وفاخر بك).

(خبرٌ آخر): عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال كنت عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في بعض غزواته، فمررنا بوادٍ مملوء نملاً فقلت: يا أمير المؤمنين: ترى يكون أحد من خلق الله تعالى يعلَم كم عدد هذا قال: (نعم يا عمّار، أنا أعرف رجلاً يعلم عدده وكم فيه ذكَر وكم فيه أُنثى)، فقلت: من ذلك الرجل يا مولاي؟ فقال: (يا عمّار أما قرأ‌ت في سورة يس: ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) ؟)، فقلت: بلى يا مولاي، فقال: (أنا ذلك الإمام المبين).

(خبرٌ آخر): قيل جاء‌ت فاطمة إلى أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي باكية فقال: (يا يبكيك يا قرّة عيني لا أبكى لك الله عيناً)، قالت: يا أبتي إنّ نساء قريش يعرنني ويقلن إنّ أباك زوّجك بفقيرٍ لا مال له، فقال (صلّى الله عليه وآله): (يا فاطمة، اعلمي أنّ الله اطلع على الأرض اطّلاعةً فاختار منها أباك، ثمّ اطلع اطّلاعةً ثانية فاختار منها بعلك ابن عمّك ثمّ أمرني أنْ أُزوّجك به، أفلا ترضين أنْ تكوني

١٠١

زوجة من اختاره الله وجعله لك بعلاً)، فقالت (عليها السلام): (رضيت وفوق الرضا يا رسول الله صلّى الله عليك).

(خبر آخر) وعن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: ّ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قال: نزلت في محمّد وأهل بيته، حين جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثمّ أدار عليهم الكساء وقال: (اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم)، وكانت أمّ سلمة قائمة في الباب فقالت: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنا منهم؟ فقال لها: (يا أُمّ سلمة أنت على خير، أنت على خير).

(وعن إبراهيم بن مهران) أنّه قال: كان في الكوفة رجلٌ تاجر يكنّى بأبي جعفر، وكان حسَن المعاملة مع الله تعالى ومَن أتاه من العلويّين يطلب منه شيئاً أعطاه ويقول لغلامه: اكتب هذا ما أخذ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وبقي على ذلك زماناً، ثمّ قعد به الوقت وافتقر فنظر يوماً في حسابه فجعل كلّ ما هو عليه اسم حيّ من غرمائه بعث إليه يطالبه، ومَن مات ضرب على اسمه فبينا هو جالس على باب داره إذ مرّ به رجل فقال: ما فعل بمالك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟!

فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً ودخَل منزله، فلمّا جنّه الليل رأى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكان الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان أمامه، فقال لهما النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ما فعل أبوكما؟) فأجابه عليّ (عليه السلام) مِن ورائهما: (ها أنا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فقال له:

(لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقّه؟)، فقال عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله، هذا حقّه قد جئت به)، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ادفعه إليه) فأعطاه كيساً من صوفٍ أبيض فقال:

(إنّ هذا حقّك فخذه فلا تمنع مَن جاء إليك مِن ولدي يطلب شيئاً؛ فإنّه لا فقر عليك بعد هذا)، قال الرجل: فانتبهت والكيس في يدي فناديت زوجتي وقلت لها: هاكِ فناولتها الكيس وإذا فيه ألف دينار فقالت لي: يا ذا الرجل اتقّ الله تعالى، ولا يحملك الفقر على أخذ مالا تستحقّه، وإنْ كنت خدعت بعض التجّار على ما به فاردده إليه فحدّثتها بالحديث فقالت: إنْ كنت

١٠٢

صادقاً فارني حساب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأحضَر الدستور وفتحه فلَم يجد فيه شيئاً من الكتابة بقدرة الله تعالى.

(خبر آخر) عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (حبّ عليّ (عليه السلام) حسنة لا تضرّ معها سيّئة، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة)، وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (خُلقت أنا وعليّ من نورٍ واحد فمحبّي محبّ عليّ ومبغضي مبغض عليّ).

(وعن ابن عبّاس (رضي الله عنه)) برواية عكرمة مولاه قال: مررنا بجماعة وقد أخذوا في سبّ عليّ (عليه السلام) فقال لي مولاي عبد الله بن عبّاس: أدنني من القوم، فأدنيته منهم فقال (رضي الله عنه): يا قوم، من الساب لله تعالى؟ فقالوا: معاذ الله يا ابن عمّ رسول الله، فقال: مَن الساب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقالوا: ما كان ذلك، قال فمن الساب لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قالوا: كان ذلك.

فقال: والله لقد سمِعت رسول الله بأُذني هاتين وإلاّ صُمّتا أنّه قال: (مَن سبّ عليّاً فقد سبّني، ومَن سبّني فقد سبّ الله تعالى، ومَن سبّ الله تعالى ألقاه على منخريه في النار)،وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها فمَن أراد المدينة فليأت الباب)، قيل دخل أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب (عليه السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو في منزل أُمّ سلمة، ورأسه في حِجر جبرئيل وهو في صورة دحية الكلبي، فسلّم وجلَس فقال له جبرئيل: (وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين خذ رأس ابن عمّك وضعه في حِجرك فأنت أولى به منّي) فأخذ رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضعه في حِجره فاستيقظ رسول الله فرأى رأسه في حِجر ابن عمّه عليّ (عليه السلام) فقال له: (يا عليّ وأين الرجل الذي كان رأسي في حِجره؟)، فقال له: (يا رسول الله، ما رأيت إلاّ دحية الكلبي)، قال له: (ما قال لك عند دخولك؟)، فقال: (لمّا دخلت سلّمت عليه فقال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين) قال: (هنيئا لك يا عليّ فإنّه الروح الأمين، أخي جبرئيل وهو أوّل من سلّم عليك بإمرة المؤمنين).

١٠٣

وعنه (عليه السلام) قال: (دعاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات ليلة من الليالي وهي ليلة مدلهمّة سوداء، فقال لي: خذ سيفك ومرّ في جبل أبي قُبيس فكلّ مَن رأيته فاضربه على رأسه بهذا السيف ققصدت الجبل فلمّا علوته وجدت عليه رجلاً أسود هائل المنظر كأنّ عينيه جمرتان فألهاني منظرة فقال: إليّ يا علي، إليّ يا عليّ فدنوت إليه وضربته بالسيف فقطعته نصفين فسمِعت الضجيج من بيوت مكّة بأجمعها، ثم أتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو بمنزل خديجة فأخبرته بالخبَر فقال: أتدرى من قتلت يا علي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال قتلت اللاّت والعزّى والله لا عادت تُعبد بعدها).

وعنه (عليه السلام) قال: (دعاني رسول الله وهو بمنزل خديجة (رضي الله عنها) ذات ليلة، فلمّا صرت إليه قال: اتبعني يا عليّ، فما زال يمشي وأنا خلفه ونحن نخرق دروب مكّة حتى أتينا الكعبة وقد أنام الله تعالى كل عين، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا عليّ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: اصعد على كتفي، ثمّ انحنى النبيّ فصعدت على كتفه فقلبت الأصنام على رؤوسها ونزلت وخرجنا من الكعبة حتى أتينا منزل خديجة (رضي الله عنها)، فقال لي: أوّل من كسر الأصنام جدّك إبراهيم (عليه السلام) ثمّ أنت يا علي، آخر من كسر الأصنام).

فلمّا أصبح أهل مكّة وجدوا الأصنام منكوسة مكبوتة على رؤوسها، فقالوا: ما فعل هذا بآلهتنا إلاّ محمد وابن عمّه، ثمّ لم يقم في الكعبة صنم).

(وقيل): دخل ضرار صاحب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) على معاوية ابن أبي سفيان بعد وفاته (عليه السلام) فقال معاوية لضرار صف لي عليّاً وأخلاقه الرضية، فقال: والله كان شديد القوى بعيد المدى يتفجّر الإيمان من جوانبه وتنطق الحمكة من نواحي لسانه، فيقول فصلاّ ويحكم عدلاً، فأُقسم بالله فقد شاهدته في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائمٌ قابض على لحيته يتمَلْمَل تململ السليم، ويئنّ أنين الحزين ويقول: (يا دنيا إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت فغرّي غيري لا حان حينك، أجلك قصير وعيشك حقير، في قليلك حساب وفي كثيرك عقاب، قد طلقتك

١٠٤

ثلاثاً لا رجعة لي فيك، آه من بُعد الطريق وقلّة الزاد)، فقال معاوية: كان عليّ والله لكذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن المرأة إذا ذُبِح ولدها في حِجرها، قال: فلمّا سمع معاوية بكى وبكى الحاضرون.

(وقيل): إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب (عليه السلام) صعد المنبر يوماً في البصرة بعد الظفَر بأهلها وقال: (أقول قولاً لا يقوله أحدٌ غيري إلاّ كان كافراً، أنا اخو نبيّ الرحمة وابن عمّه وزوج ابنته وأبو سبطيه)، فقام إليه رجل من أهل البصرة وقال: أنا أقول مثل قولك هذا، أنا أخو الرسول وابن عمّه ثمّ لم يتمّ كلامه حتى أخذته الرجفة فما زال يرجف حتى سقط ميّتاً لعنه الله.

وعنه (عليه السلام) أنّه كان ذات يوم على منبر البصرة، إذ قال: (أيّها الناس، سلوني قبل أنْ تفقدوني، سلوني عن طُرق السموات فإنّي أعرف بها من طُرق الأرض)، فقام إليه رجل مِن وسَط القوم وقال: أين جبرئيل في هذه الساعة فرمَق بطرفه إلى السماء ثمّ رمق بطرفه إلى المشرق ثمّ رمَق بطرفه إلى المغرب فلَم يجد موطناً فالتفت إليه وقال: (يا ذا الشيخ، أنتَ جبرئيل)، قال فصفَق طائراً من بين الناس فضجّ عند ذلك الحاضرون وقالوا: نشهد أنّك خليفة رسول الله حقّاً.

(وعن مقاتل بن سليمان) قال: قال جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): (كان وصيّ آدم (عليه السلام) شيت بن آدم هِبة الله، وكان وصيّ نوح سام وكان وصيّ إبراهيم إسماعيل، وكان وصيّ موسى يوشع بن نون، وكان وصيّ داود سليمان، وكان وصيّ عيسى شمعون وكان وصيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو خير الأوصياء).

حدثنا محمّد بن عبد الجبّار العطّار مرفوعاً عن زيد بن الحارث، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم التميمي، عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال: بينما أنا بين يدي رسول الله إذ قام ثمّ ركَع وسجَد شكراً لله تعالى، ثمّ قال: (يا جندب، مَن أراد أنْ ينظر إلى آدم في عِلمة وإلى نوح في فهمه وإبراهيم في خلّته وموسى

١٠٥

في مناجاته وعيسى في سياحته وأيّوب في صبره ببلائه، فلينظر إلى هذا الرجل المُقبل الذي هو الشمس والقمر الساري والكوكب الدرّي، أشجع الناس قلباً وأسخاهم كفّاً، فعلى مبغضه لعنة الله تعالى)، قال: فالتفت الناس لينظروا مَن هو المقبل وإذا بعليّ بن أبى طالب (عليه السلام).

خبر خولة الحنفية

قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدايني قال: حدّثني عبد الله ابن هاشم، عن الكلبي قال: أخبرني ميمون بن صعب المكّي بمكّة قال: كنّا عند أبي العبّاس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة بذكرنا خولة الحنفية، ونكاح أمير المؤمنين (عليه السلام) لها، فقال: أخبرني أبو الحسن عبد الله بن أبى الخير الحسيني قال: بلغني أنّ الباقر محمّد بن عليّ كان جالساً ذات يوم إذ جاء‌ه رجلان فقالا: يا أبا جعفر ألستَ القائل إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لم يرضَ بإمامة من تقدّم؟

قال: بلى، فقالا له: هذه خولة الحنفيّة نكحها مِن سبيهم وقبل هديّتهم ولَم يُخالفهم عن أمرهم مدّة حياتهم، فقال الباقر: (مّن فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله بن حزام؟)، (وكان محجوباً قد كُفّ بصره) فحضر فسلّم على الباقر وأجلسه إلى جانبه وقال: (يا جابر، عندي رجلان ذكرا أنّ أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب رضي بإمامة مَن تقدّم عليه)، فسألهما الحجّة في ذلك فذكروا له خولة فبكى جابر حتى أخضلّت لحيته بالدموع ثمّ قال: والله يا مولاي لقد خشيت أخرج من الدنيا ولا أُسأل عن هذه المسألة، وأنّي والله كنت جالساً إلى جانب أبي بكر وقد سبّوا بني حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قِبل خالد بن الوليد، وبينهم جارية مراهقة، فلمّا دخَلَت المسجد قالت: أيّها الناس ما فعل محّمد (صلّى الله عليه وآله)؟ قالوا: قُبِض، فقالت: هل له بنية تُقصَد؟ فقالوا: نعم هذه تربته (صلّى الله عليه وآله) فنادت السلام عليك يا رسول الله، اشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأشهد أنّك عبده ورسوله، وأنّك تسمع كلامي وتقدر على ردّ جوابي وأنّنا سُبينا مِن بعدك ونحن نشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله، ثمّ جلست فوثب رجلان من المهاجرين والأنصار أحدهما طلحة والآخر الزبير فطرحا ثوبيهما عليها، فقالت:

١٠٦

ما بالكم يا معاشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟! فقالا لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم: إنّنا نزكّي ولا نصلّي أو نصلّي فلا نزكّي، فقالت لهما: والله ما قالها أحد من بني حنيفة، وإنّا نضرب صبياننا على الصلاة من التسع وعلى الصيام من السبع، وأنّا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيّام ويوصي مريضنا بها لوصيّة والله، يا قوم ما نكثنا ولا غيّرنا ولا بدّلنا حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا، فإنْ كنت يا أبا بكر بحق فما بال عليّ لم يكن سبقك علينا وإنْ كان راضياً بولايتك فلِم لا تُرسله إلينا يقبض الزكاة منّا ويسلّمها إليك، والله ما رضي ولا يرضى، قتلت الرجال ونهَبت الأموال وقطعت الأرحام فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة افعل ما أنت فاعله، فضجّ الناس وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما إنّا لمغالون في ثمنك فقالت: أقسمت بالله وبمحمّد رسول الله أنّه لا يملكني ويأخذني إلاّ مَن يخبرني بما رأت أُمّي وهي حامل بي، وأيّ شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلامة التي بيني وبينها؟

وإلاّ فإنْ ملكني أحد ولم يخبرني بذلك بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويكون مطالباً بدمي، فقالوا لها: أبدي رؤياك التي رأت أُمّك وهي حامل بك حتى نُبدي لك العبارة بالرؤيا، فقالت الذي يملكني هو اعلم بالرؤيا منّي وبالعبارة من الرؤيا فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلَسا، فدخل أمير المؤمنين وقال: (ما هذا الرجف في مسجد رسول الله؟) قالوا: يا عليّ، امرأة من بني حنيفة حرّمت نفسها على المؤمنين، وقالت: مَن أخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي وهي حامل بي ووعدها لي فهو يملكني فقال أمير المؤمنين: (ما ادعت باطلاً اخبروها تملكوها)، فقالوا: يا أبا الحسن ما فينا مَن يعلم الغيب أما علِمت أنّ ابن عمّك رسول الله قُبِض وأنّ أخبار السماء انقطعت من بعده؟!

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما ادعت باطلاً أُخبرها أملكها بغير اعتراض)، قالوا: نعم، فقال (عليه السلام): (يا حنيفة، أُخبرك أملكك)، فقالت: من أنت أيّها المجتري دون أصحابه؟ فقال: (أنا عليّ بن أبي طالب)، فقالت: لعلّك الرجل الذي نصّبه لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

١٠٧

صبيحة يوم الجمعة، بغدير خم علَماً للناس؟ فقال: (أنا ذلك الرجل)، قالت: من أجلك أُصبنا ومِن نحوك أُوتينا؛ لأنّ رجالنا قالوا: لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلاّ إلى مَن نصّبه محمّد (صلّى الله عليه وآله) فينا وفيكم علماً، فقال أمير المؤمنين: (إنّ أجركم غير ضائع، وأنّ الله تعالى يُؤتي كلّ نفس ما أتَت من خير، ثمّ قال: يا حنفية، ألم تحمل بك أُمّك في زمان قحط مَنعت السماء قطرها والأرض نباتها وغارت العيون حتى أنّ البهائم كانت تريد المرعى فلا تجد، وكانت أُمّك تقول: إنّك حملٌ ميشوم في زمانٍ غير مبارك، فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأنْ وضعتك وأنّها تقول: إنّك حمل ميشوم وفي زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أُمّي لا تطّيرين بي فأنا حملٌ مبارك نشوت نشواً صالحاً ويملكني سيّد وأُرزق منه ولداً يكون لبني حنيفة عزّاً)، فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فإنّه كذلك، فقال: (وبه أخبرني ابن عمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).

فقالت: ما العلامة بيني وبين أُمّي؟ فقال: (إنّها لمّا وضعتك كتَبَت كلامك والرؤيا في لوحٍ من نحاس وأودعته عتبة الباب فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به فلمّا كانت ثمان سنين عرضَت عليك فأقررت به ثمّ جمعت بينك وبين اللوح فقالت لك: يا بنية، إذا نزل بساحتكم سافكٌ لدمائكم ناهبٌ لأموالكم سابٍ لذراريكم وسُبيت فيمن سُبى فخذي اللوح معك واجتهدي أنْ لا يملكك من الجماعة إلاّ مَن يخبرك بالرؤيا بما في هذا اللوح)، قالت: صدقت يا أمير المؤمنين فأين اللوح قال (في عقيصتك)، فعند ذلك دفَعت اللوح إلى أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ قالت: يا معاشر الناس، اشهدوا أنّي قد جعلت نفسي له عبدة، فقال (عليه السلام): (بل قولي زوجة)، فقالت: اشهدوا أنّي قد زوجت نفسي كما أمرني بعليّ (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): (قد قبلتك زوجةً) فماج الناس فقال جابر: والله يا أبا جعفر ملَكها بما ظهر من حجّة و تبيّن مِن بيّنته فلَعَن الله تعالى مَن اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق ستراً.

١٠٨

وعن عبد الله بن عبّاس (رضي الله عنه) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (علّمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألف باب من العِلم، ففتح لي من كل باب ألف باب)، قال فبينما أنا معه (عليه السلام) بذي قار وقد أرسل ولده الحسن (عليه السلام) إلى الكوفة ليستنفر أهلها فيستعين بهم على حرب الناكثين من أهل البصرة، إذ قال لي: (يا بن عبّاس)، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: (فسوف يأتي ولدي الحسن من هذه الكور ومعه عشرة آلاف فارس وراجل لا يزيد فارس ولا ينقص فارس)، قال ابن عبّاس (رضي الله عنه): فلمّا طالعنا الحسَن بالجند لم يكن لي هَم إلاّ مسائلة الكاتب عن كمّية الجند فقال لي: عشرة آلاف فارس وراجل، قال: فعلمت أنّ ذلك من تلك الأبواب التي علّمه بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

(وقيل) لمّا ماتت فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (عليه السلام) أقبل عليّ (عليه السلام) وهو باك فقال له النبيّ: (ما يبكيك لا أبكى الله لك عينا؟)، قال: (توفيت أُمّي يا رسول الله)، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (بل وأُمّي يا عليّ فلقد كانت تجوّع أولادها وتشبعني وتشعث أولادها وتدهنني، والله لقد كانت في دار أبي طالب نخلة وكنّا نتسابق إليها من الغداة لنلتقط ما يقَع منها في الليل وكانت (رضي الله عنها) تأمر جاريتها وتلتقط ما تحتها من الغلس ثمّ تجنيه فيخرج بنو عمّي فتناولني ذلك).

ثمّ نهض (صلّى الله عليه وآله) وأخذ في جهازها وكفَنها بقميصه (صلّى الله عليه وآله) وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدماً ويتأنّى بين الآخر وهو حافي القدَم فلمّا صلّى عليها كبّر سبعين تكبيرة، ثمّ وسّدها في اللحد بيده الكريمة بعد أنْ نام في قبرها ولقّنها الشهادتين فلمّا أُهيل عليها التراب وأراد الناس الانصراف جعل يقول (صلّى الله عليه وآله): (ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام))، فقالوا له: يا رسول الله، فعلت فعلاً ما رأينا قط مثله مشيت متأنّيا حافي القدّم وكبّرت سبعين تكبيرة، ونمت في لحدها وجعلت قميصك عليها، وقلت لها: ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل فقال (صلّى الله عليه وآله): (أمّا التأنّي في وضع أقدامي في حال تشييع الجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة، وأمّا نومي في لحدها

١٠٩

فإنّي ذكرت لها في حال حياتها ضغطة القبر فقالت: واضعفاه فنمت في لحدها لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك، وأمّا تكفينها بقميصي فإنّي ذكرت لها القيامة وحشر الناس عراة، فقالت، وافضيحتاه فكفنّتها به لتقوم يوم القيامة، وأمّا قولي لها ابنك فإنّه نزل الملكان وسألاها عن ربّها فقالت: الله ربّي وقالا لها: من نبيك؟ فقالت: محمّد وقالا لها: مَن وليّك وإمامك فاستحيت أنْ تقول ولدي فقلت: لها قولي ولدك عليّ بن أبى طالب ابنك ابنك فأقرّ الله تعالى بذلك عينها).

وقيل كان مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخرج من الجامع بالكوفة فيجلس معه ميثم التمّار (رضي الله عنه) يحادثه فقال له ذات يوم: (ألا أُبشّرك يا ميثم، أنْ أُريك الموضع الذي تُصلَب فيه والنخلة التي تعلّق على جذعها؟)، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فجاء به إلى رحبة الصيارفة وقال له ههنا ثمّ أراه نخلة وقال له: (يا ميثم على جذع هذه) فما زال ميثم (رضي الله عنه) يتعاهد النخلة حتى قُطِعت وشُقّت نصفين فسُقِف بنصف منها وبقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد النصف في الموضع ويقول لبعض جوار الموضع: يا فلان إنّي مجاورك عن قريب فأحسن جواري، فيقول ذلك في نفسه: يريد أنْ يشترى داراً في جواري، ولا يعلم ما يُريد بقوله حتى قُبِض أمير المؤمنين (عليه السلام) وظفَر معاوية بأصحابه فأخذ ميثم التمّار فيمن أخذ فأمر معاوية بصلبه فصُلِب على تلك الخشبة في ذلك المكان، فلمّا رأى ذلك الرجل أنّ ميثم قد صُلِب في جواره قال: إنّا الله وإنّا إليه راجعون، ثمّ أخبر الناس بقصّة ميثم وبما قال له في حال حياته، وما زال ذلك الرجل يكنس تحت تلك الخشبة ويبخّرها ويصلّي عندها ويكرّر الرحمة عليه.

(وممّا رواه ابن عبّاس) أنّه قال: كنت في مسجد رسول الله وقد قرأ القارئ: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ

١١٠

وَالآصَالِ ) فقلت: يا رسول الله، ما البيوت فقال (صلّى الله عليه وآله): (بيوت الأنبياء (عليهم السلام))، وأومأ بيده إلى بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام).

(وعنه (رضي الله عنه)) قال: أقبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقالوا له: يا رسول الله، جاء أمير المؤمنين، فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنّ عليّاً سمّي بإمرة المؤمنين قبلي)، فقيل قبلك يا رسول الله؟ فقال: (وقبل موسى وعيسى)، قالوا: وقبل موسى وعيسى يا رسول الله؟ قال (وقبل سليمان بن داود) ولم يزل يعد الأنبياء كلّهم إلى آدم ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (إنه لما خلق الله آدم طينا خلَق بين عينيه ذرّة تسبّح الله وتقدّسه.

فقال: عزّ وجل لأسكنك رجلاً أجعله أمير الخلق أجمعين، فلمّا خلق الله تعالى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أسكن الذرّة فيه فسمّي أمير المؤمنين قبل خلق آدم).

(وقال أمير المؤمنين) لمّا بايعه الملعون عبد الرحمان بن ملجم قال له: (إنّك غيور في بيعتي ولتخضبنّ هذه من هذا) وأشار إلى كريمته ورأسه، فلمّا هلّ شهر رمضان جعل يفطر ليلة عند الحسَن وليلة عند الحسين، فقال في بعض الليالي: كم مضى من الشهر؟ فقالا له: كذا وكذا يوماً، فقال لهما: (في العشرة الآخرة تفقدان أباكما فكان كما قال (ع)).

١١١

خبر قلع الصخرة

ومن فضائله (عليه السلام) أنّه لمّا سار إلى صفّين أعوز أصحابه الماء فشكَوا إليه الماء، فقال: (سيروا في هذه البرّية واطلبوا الماء)، فساروا يميناً وشمالاً وطولاً وعرضاً فلَم يجدوا ماء‌ً فوجدوا صومعة وبها راهب فنادوه وسألوه عن الماء فذكر أنّه يُجلب إليه في كلّ أُسبوع مرّة واحدة فرجعوا إلى أمير المؤمنين فأخبروه بما قال الراهب، فقال (عليه السلام): (الحقوا بي)، ثمّ سار غير بعيد، فقال: (احفروا هاهنا)، فحفروا فوجدوا صخرةً عظيمةً، فقال: (اقلبوها تجدوا تحتها الماء)، فتقدّم إليها أربعون رجلاً فلَم يُحرّكوها، فقال (عليه السلام): (إليكم عنها)، فتقدّم وحرّك شفتيه بكلامٍ لم يُعلَم ما هو ثمّ دحاها بالهواء ككرةٍ في الميدان، فقال الراهب وهو ينظر إليه، (وقد أشرف عليه): من أين أنت يا فتى؟ فنحن

١١٢

أُنزِل في كتابنا إنّ هذا الدير بنيَ على البئر والعين وأنّها لا يظهر إلاّ نبيّ أو وصيَّ نبيّ فأيّهما أنت، فقال: (أنا وصيّ خير الأنبياء، أنا وصيّ سيّد الأنبياء، أنا وصيّ خاتم الأنبياء، ابن عمّ قائد الغرّ المُحجّلين أنا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين).

قال: فلمّا سمع الراهب نزَل من الصومعة وخرَج ومشى وهو يقول: مدّ يدك فأنا أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّ عليّ بن أبي طالب وصيّه وخليفته من بعده، قال: ثمّ شرب المسلمون من العين وماؤها أبيض من الثلج وأحلا من العسَل فرووا منه وسقوا خيولهم وملؤوا رواياهم ثمّ أعاد صلوات الله عليه وآله الصخرة إلى موضعها، ثمّ ارتحل من نحوها إلى ديارهم.

قال: أخبرنا الواقدي عن جابر عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قيل: جاء إلى عمر بن الخطّاب غلام يافع فقال له: إنّ أُمّي جحدَت حقّي من ميراث أبي وأنكرتني وقالت: لست بولدي فأحضرها وقال لها: لم جحدت ولدَك هذا وأنكرتي وقالت: إنّه كاذب في زعمه، وليَ شهود بأنّي بكرٌ عاتق ما عرفت بعلاً وكانت قد رشَت سبعة نفَر كلّ واحد بعشرة دنانير وقالت لهم: اشهدوا بأنّي بكرٌ لم أتزوّج ولا أعرف بعلاً، فقال لها عمر بن الخطّاب: أين شهودك فأحضرتهم بين يديه فقال بمَ تشهدون؟ فقالوا له: نشهد أنّها بكرٌ لم يمسّها ذكَر ولا بعل.

فقال الغلام: بيني وبينها علامة أذكرها لها عسى تعرف ذلك، فقال: قل ما بدا لك، فقال الغلام: فإنّه كان والدي في سعد بن مالك، فقال له الحارث المزني وأنّي رُزقت في عامٍ شديد المحل وبقيت عامين كاملين أرضع شاة، ثمّ أنّني كبرت وسافر والدي مع جماعة في تجارة فعادوا ولم يعد والدي معهم، فسألتهم عنه فقالوا: إنّه درج فلمّا عرفَت والداتي الخبَر أنكرتني وقد أخرتني الحاجة، فقال عمر: هذا مشكل لا يحلّه إلاّ نبي أو وصيّ نبيّ فقوموا بنا إلى أبي الحسن عليّ (عليه السلام) فمضى الغلام وهو يقول: أين منزل كاشف الكروب أين خليفة هذه الأُمّة؟ فجاؤوا به إلى منزل عليّ بن أبي طالب كاشف

١١٣

الكروب، ومحلّ المشكلات، فوقف هناك يقول: يا كاشف الكروب عن هذه الأُمّة، فقال له الإمام: (ومالك يا غلام؟)، فقال: يا مولاي أُمّي جحدتني حقّي وأنكرتني وزعمَت أنّي لم أكن ولدها، فقال الإمام (عليه السلام): (أين قنبر؟) فأجابه:لبّيك يا مولاي، فقال له: (امض واحضر المرأة إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فمضى قنبر وأحضرها بين يدَي الإمام فقال لها: (ويلك لِم جحدت ولدك؟)، فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا بِكر ليس لي ولَد ولم يمسّني بشَر.

فقال لها: (لا تعدلي الكلام بابن عمّ بدر التمام، ومصباح الظلام)، قالت: يا مولاي، احضر قابلة تنظرني أنا بكرٌ عاتق أم لا فأُحضرَت فلمّا خلَت بها أعطتها سواراً كان في عضدها وقالت لها: اشهدي بأنّي بكر فلمّا خرجَت مِن عندها قالت له: يا مولاي إنّها بكر، فقال (عليه السلام): (كذبَت العجوز يا قنبر، عرّ العجوز وخُذ منها السوار)، قال قنبر: فأخرجته مِن كتفها فعند ذلك ضجّ الخلايق فقال الإمام (عليه السلام): (اسكتوا فأنا عيبة علم النبوّة)، ثمّ أحضر الجارية وقال لها: (يا جارية، أنا زين الدين أنا قاضي الدين، أنا أبو الحسن والحسين (عليه السلام) إنّّي أُريد أنْ أُزوّجك من هذا الغلام المدّعي عليك أفتقبلينه منّي زوجاً؟) فقالت: لا يا مولاي، أتبطل شرع محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟

فقال لها: بماذا؟ فقالت: تزوّجني بولدي كيف يكون ذلك؟ فقال الإمام: (جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً لِم لا يكون هذا منك قبل هذه الفضيحة؟)، فقالت: يا مولاي خشيت على الميراث، فقال لها (عليه السلام): (استغفري الله تعالى وتوبي إليه) ثمّ أنّه (عليه السلام) أصلح بينهما وألحق الولد بوالدته وبإرث أبيه وصلّى الله على محمّد وآله.

١١٤

خبر ضرب الماء

وممّا روي عنه (عليه السلام) أنّه كان جالساً في جامع الكوفة إذ أتوه جماعة من أهل الكوفة، فشكوا إليه زيادة الفرات وطغيان الماء فنهض (عليه السلام) وقصد الفرات حتى وقَف بموضع يُقال باب المروحة وأخذ القضيب بيده اليمنى وحرّك شفتيه بكلامٍ لا يفهمه أحد، وضرب بالقضيب الماء ضربة فهبط نصف ذراع فقال لهم: (يكفى هذا؟)، فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ثمّ ضرب ثانية

١١٥

فهبط نصف ذراع آخر فقال لهم: (يكفي هذا؟)، فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، فقال بكلامٍ لا نعرفه وضربه ثالثة فنقص ذراعاً آخر، فقال: (يكفي هذا؟)، فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: (والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة لو شئت لأبنت لكم الحيتان في قراره)، وهذه فضيلة لا يقدر عليها أحد ونقل مثلها عن غيره (عليه السلام).

وممّا رويَ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يقول: (تفوح روائح الجنّة من قبل قَرن الشمس وا شوقاه إليك يا أويس القرني، ألا مَن لقيه فليقرأه عنّي السلام)، فقيل: يا رسول الله ومَن أُويس القرني؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنْ غاب لم يتفقّدوه وإنْ ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته إلى الجنّة مثل ربيعة ومضر آمن بي وما رآني ويُقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين في صفّين).

(قال ابن شاذان) تأمّل أيّها الطاعن بقلبك وانظر بعينك هذه الآيات التي خصّه الله بها والمعجزات التي شرّف الله بها هذا الإمام وجعلها دالّة عليه وهدايته إليه (ليهلك مَن هلَك عن بيّنة ويَحيي مَن حيى عن بيّنة).

خبر المقدسي

ومّما روي من فضائله (عليه السلام) : من حديث المقدسي ما يغني سامعه عمّا سِواه، وهو ما حُكي لنا أنّه كان رجل من أهل بيت المقدس ورَد إلى مدينة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو حسَن الثياب مليح الصورة، فزار حجرة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقصد المسجد ولم يزَل ملازماً له مشتغلاً بالعبادة صائم النهار قائم الليل وذلك في زمان عمر بن الخطّاب حتى رؤي أعبد الخلق، والخلق يتمنّون أنْ يكونوا مثله، وكان يأتي إليه ويسأله حاجة فيقول المقدسي: الحاجة إلى الله تعالى ولم يزَل على ذلك حتى عزَم الناس على الحج فجاء المقدسي إلى عمر وقال له: يا أبا حفص قد عزَمت على الحج ومعي وديعة أحب أنْ تستودعها منّي إلى حين عودي من الحج، فقال له عمر: هات الوديعة فأحضَر حقّة مِن عاج عليها قفل مِن حديد مختوم بخاتم الشاب فتسلمه عمر وخرج الشاب مع الوفد، وخرج عمر معه إلى الوفد وقال للمتقدّم على الوفد أوصيك

١١٦

بهذا الشاب وعليك به خيراً فرجع عمر، وكان في الوفد امرأة من الأنصار مازالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل، فلمّا كان في بعض الأيّام دنت منه وقالت: يا شاب إنّي أرقّ لهذا الجسم الناعم المترف كيف بلبس الصوف؟ فقال لها: هذا جسم يأكله الدود ومصيره التراب هذا له كثير، فقالت: إنّي أغار على هذا الوجه المضيء كيف تشعثه الشمس؟ فقال لها: يا هذه اتقي الله وكفى فقد اشغلني كلامك عن عبادة ربّي، فقالت له: لي إليك حاجة فإنْ قضيتها فلا كلام، وإنْ لم تقضها لي فما أنا بتاركتك حتى تقضيها لي، فقال لها: ما حاجتك؟ قالت: حاجتي أنْ تواقعني فزجرها وخوّفها من الله تعالى فلَم يردّها ذلك وقالت: والله لئن لم تفعل ما أمرتك به لأرمينّك بداهية من دواهي النساء ومكرهنّ لا تنجوا منها.

فلم يلتفت ولم يعبأ بكلامهما، فلمّا كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليلته من عبادة ربّه ثمّ رقد في آخر الليل وغلب عليه النوم، فاتته وتحت رأسه مزادة فيها زاده فنزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيساً فيه خمسمِئة دينار، ثمّ عادت بها إلى تحت رأسه فلمّا ثور الوفد قامت الملعونة وقالت: يا لله ويا للوافد ويا وفد الله امرأة مسكينة وقد سُرِقت نفقتها ومالي إلاّ الله وأنتم فجلس المتقدّم على الوفد وأمر رجالاً من الأنصار والمهاجرين أنْ يفتّشوا رجال الأنصار والمهاجرين، ففتّشوا الفريقين فلَم يجدوا شيئاً، ولم يبقَ من الوفد أحد إلاّ وفتّش رحله ولم يبقَ إلاّ المقدسي فأخبروا متقدّم الوفد بذلك.

فقال: يا مقدّم ما ضرّكم لو فتشتموه فله أُسوة بالمهاجرين والأنصار وما يُدريكم أنْ يكون ظاهره مليحاً وباطنة قبيحاً، ولم تزل المرأة حتى حملتهم على تفتيش رحله فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يُصلّي، فلمّا رآهم أقبل عليهم وقال لهم: ما بالكم وما خبركم؟ قالوا: هذه المرأة الأنصارية ذكرت أنّها قد سُرق لها نفقة كانت معها، وقد فتّشنا رجال الوفد بأسرها ونحن لا نتقدّم إلى رحلك إلاّ بإذنك؛ لِما سبق من وصيّة عمر بن الخطّاب فيما يعود إليك، فقال: يا قوم، ما يضرّني ذاك فتّشوا ما أحببتم وهو واثق من نفسه، فأوّل ما نفضوا المزادة

١١٧

التي فيها زاده وقَع منها الهميان فصاحت الملعونة الله أكبر هذا والله كيسي ومالي وهو كذا دينار، وفيه عقدٌ لؤلؤ ووزنه كذا وكذا مثقالاً، فاختبروه فوجدوه كما قالت الملعونة، فمالوا عليه بالضرب المُوجِع والسبِّ والشتم وهو لا يُجيب جواباً فسلسلوه وقادوه راجلاً إلى مكّة، فقال لهم: يا وفد الله بحق هذا البيت إلاّ ما تصدّقتم عليّ وتركتموني أقضي الحج وأشهد الله تعالى ورسوله بأنّي إذا قضيت الحج عدت إليكم وتركت يدَي في أيديكم فأوقَع الله الرحمة في قلوبهم فأطلقوه، فلمّا قضى مناسك الحجّ وما وجَب عليه من الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم: ها أنا عدت إليكم فافعلوا بي ما تريدون.

فقال بعضهم لبعض: لو أراد المفارقة لما عاد إليكم اتركوه فتركوه فرجَع الوفد طالباً مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فأعوز تلك الملعونة زادها في بعض الطريق، فوجدت في بعض الطريق راعياً فسألته الزاد فقال لها عندي ما تَريدين غير أنّي لا أبيعه فإنْ آثرت أنْ تمكنيني مِن نفسك أعطيتك، ففعلت وأخذت منه زاداً فلمّا انحرفت عنه عرض لها إبليس فقال لها: فلانة أنت حامل، قالت: ممّن؟ فقال لها من الراعي، فقالت: وا فضيحتاه، فقال لها: لا تخافي مع رجوعك إلى الوفد قولي لهم: إنّي سمعت قراء‌ة المقدسي فقربت منه فلمّا غلبني النوم دنا منّي وواقعني، ولم أتمكّن من الدفع عن نفسي بعد الفوات، وقد حملت منه وأنا امرأة من الأنصار وما معي جماعة من أهلي.

ففعلت الملعونة ما أشار عليها اللعين إبليس، فلم يشكّوا في قولها لِما عاينوه أوّلاً من وجود المال في رحله، فعكفوا على الشاب وقالوا له: يا هذا ما كفاك السرقة حتى فسقت فأوجعوه ضرباً وأوسعوه شتماً وسبّاً وأعادوه إلى السلسلة وهو لا يردّ جواباً، فلمّا قربوا من المدينة على ساكنها السلام خرَج عمر ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد، فلمّا قربوا منه لم يكن لهم إلاّ السؤال من الوفد عن المقدسي، فقالوا له: يا أبا حفص، ما أغفلك عنه وقد سرَق وفسَق وقصّوا عليه القصّة، فأمر بإحضاره بين يديه وهو مسلسل، فقال: ويلك يا مقدسي، أتُظهر خلاف ما يظنّ فيك حتى فضحك الله تعالى، والله

١١٨

لأنكّلنّ بك أشدّ نكال، وهو لا يردّ جواباً، فاجتمع الخلق عليه وازدحم الناس إليه لينظروا ما يُفعل به، وإذا بنورٍ قد سطع وشعاعٍ قد لمَع، فتأمّله الحاضرون وإذا به عَيبة علم النبوّة عليّ بن أبى طالب فقال: (ما هذا الرهج في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فقالوا له: يا عليّ الشاب المقدسي قد سرَق وفسَق، فقال (عليه السلام): (والله ما سرَق ولا فسَق ولا حجّ أحدٌ غيره)، قال: فلمّا أخبروا عمر قام قائماً فأجلسه مكانه فنظر إلى الشاب المقدسي مسلسلاً مطرقاً إلى الأرض، والمرأة قائمة فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنا محلّ المشكلات، وكاشف الكربات، ويلك قصّي عليّ قصّتك فأنا باب مدينة عِلم الرسول (صلّى الله عليه وآله))، فقالت: يا عليّ إنّ هذا الشاب سَرق مالي وقد شاهده الوفد في مزادته، وما كفاه ذلك حتى كنت ليلة من الليالي قربت منه فاسترقني بقراء‌ته واستنامني، ووثَب إليّ فواقَعني وما تمكّنت من المدافعة عن نفسي خوفاً من الفضيحة وقد حملتُ منه، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): (كذبت يا ملعونة، فيما ادعيت عليه.

يا أبا حفص، اعلم أنّ هذا الشاب مجبوب ليس له إحليل وإحليله في حقّةٍ من عاج، ثمّ قال: يا مقدسي، أين الحقّة)، فعند ذلك رفَع طرفه إلى السماء وقال: يا مولاي مَن أعلمك عن الحقّة فالتفت (عليه السلام) إلى عمر وقال: (يا أبا حفص، قم هات وديعة هذا الرجل)، فأرسل عمر وأحضروا الحقّة ففتحوها فإذا فيها خرقة من حرير، وبها إحليله فعند ذلك قال الإمام: (قم يا مقدسي)، فقام فقال: (جرّدوه من ثيابه لينظر ويتحقّق حاله ممّن اتهمه بالفِسق)، فجرّدوه من ثيابه وإذا هو مجبوب فضجّ العالم، فقال لهم: (اسكتوا واسمعوا منّي حكومةً أخبرني بها ابن عمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال: (يا ملعونة، لقد تجريت على الله، ويلك الم تأتي إليه وقلت له: كيت وكيت فلَم يجبك إلى ذلك، فقلت له: والله لأرمينّك بحيلة من حيل النساء لا تنجو منها)، فقالت: بلى يا عليّ، كان ذلك، فقال (عليه السلام): (ثمّ إنّك استنومتيه فجئت بالكيس فتركتيه في مزادته، أقرّي! فقالت: نعم يا عليّ، فقال (عليه السلام): (اشهدوا عليها) ثمّ قال لها: (وهذا حملك من الراعي الذي طلبت منه الزاد قال لك: إنّي لا أبيعك الزاد

١١٩

ولكن مكنيني من نفسك وخذي حاجتك، ففعلت ذلك وأخذت الزاد وهو كذا وكذا)، قالت: صدقت يا عليّ، وضجّ العالم فسكّتهم عليّ (عليه السلام)، فقال لها: (فلمّا خرجت من الراعي عرَض لك شيخ صفته كذا وكذا فناداك وقال لك: يا فلانة لا بأس عليك أنت حامل من الراعي فصرخت وقلت: وا سوأتاه، فقال لا تخافي وقولي للوفد: استنامني وواقعني المقدسي وقد حملت منه فيصدّقوك لما ظهر لهم من سرقته، ففعلت ذلك كما قال لك الشيخ)، فقالت: كان ذلك يا عليّ، فقال: (هو إبليس اللعين)، فعجب الناس من ذلك، فقال عمر: يا أبا الحسن ما تريد أنْ تصنع بها؟ فقال: (يُحفر لها في مقابر اليهود إلى نصفها وتُرجَم بالحجارة)، ففعل بها ذلك كما أمر مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمّا المقدسي فلم يزل ملازم مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى أنْ قُبِض (رضي الله عنه) فعند ذلك قام عمر وهو يقول: لولا عليّ لهلَك عمر ولم يصدّق إلاّ في ذلك ثمّ انصرف الناس وقد عجبوا من حكومة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومن فضائله (عليه السلام).

قيل: إنّه كان في بعض غزواته وقد دنَت الفريضة ولم يجد ماء يُسبغ به الوضوء فرمَق بطرفه إلى السماء والناس قيام ينظرون فنزل جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) ومع جبرئيل سطل فيه ماء ومع ميكائيل منديل ووضعا السطل والمنديل بين يدي أمير المؤمنين فأسبغ الوضوء من ذلك الماء ومسَح وجهه الكريم بالمنديل فعند ذلك عرجا إلى السماء والخلق ينظر إليهما.

ومن فضائله (عليه السلام) ما ورَد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال (أُعطيت ثلاثاً وعليّ مشاركي فيها وأُعطيَ عليّ ثلاثة ولم أُشاركه فيها)، فقيل: يا رسول الله، وما الثلاث التي شاركك فيها عليّ (عليه السلام)؟ فقال: (لواء الحمد لي وعليّ حامله، والكوثر لي وعليّ ساقيه، والجنّة لي وعليّ قاسمها، وأمّا الثلاث التي أُعطيَت عليّاً ولَم أُشاركه فيها فإنّه أُعطي رسول الله صهراً ولم أُعطَ مثله، وأُعطي زوجته

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

( الشوقيات ) تعطينا أوضح الصور عن شاعريته فهو صاحب نهج البردة التي مطلعها:

ريم على القاع بين البان والعلم

أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وصاحب الهمزية النبوية التي مطلعها:

ولد الهدي فالكائنات ضياء

وفم الزمان تبسم وثناء

وصاحب ذكري المولد التي مطلعها:

سلوا قلبي غداة سلا وتابا

لعل على الجمال له عتابا

وهو الذي يقول في مطلع احدى روائعه:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي

مشتاقة تهفو إلى مشتاق

وله:

حفّ كأسها الحبب

فهي فضة ذهب

وهو القائل في مطلع قصيدة تكريم:

قم للمعلم وفّه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

فنراه محلّقاً بكل ألوان الشعر وضروبه وهو مسلم مقتنع بالإسلام ومتأثر به تأثراً كلياً هتف بأعلى صوته وردد أنغامه وحرك الأحاسيس وأثار الشعور وملك العواطف وهاك قطع ينقد بها المجتمع:

رأيت قومي يذم بعض

بعضاً إذا غابت الوجوه

وان تلاقوا ففي تصاف

كأن هذا لذا أخوه

كريمهم لا يسدّ سمعاً

ووغدهم لا يسدّ فوه

وكلهم عاقل حكيم

وغيره الجاهل السفيه

وذا ابن من مات عن كثير

وذا ابن مَن قد سما أبوه

وذا بإسلامه مدلٌ

وذا بعصيانه يتيه

١٤١

وكلهم قائم بمبدأ

ومبدأ الكل ضيّعوه

فمذ بدا لي أن قد تساوى

في ذلك الغرّ والنبيه

وليس من بينهم نزبه

ولا أنا الواحد النزيه

جعلت هذا مرآة هذا

أنظر فيه ولا أفوه

وشوقي - كما قال مترجموه - عاش في نعمة وترف وسعة في الحال والمال لما كان يغدق عليه الامراء والأثريا فجاء شاعر من شعراء لبنان وهو الشيخ نجيب مروة يقول:

ولو أني جلست مكان شوقي

لفاض الشعر من تحتي وفوقي

وهي أُمنية شاعر والتمني رأس مال المفلس.

وشوقي يجلّ أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأي مسلم لا يحبهم وهل تقبل الأعمال بغير حبهم ومودتهم التي هي فريضة من الله ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) فتراه في ثنايا أشعاره يتفجع لما أصابهم ويتفجر ألماً لرزاياهم فتراه في منظومته الرائعة ( دول العرب وعظماء الإسلام ) يقول:

هذا الحسين دمه بكربلا

روّى الثرى لما جرى على ظما

واستشهد الأقمار أهل بيته

يهوون في الترب فرادى وثُنا

ابن زياد ويزيدُ بغيا

والله والأيام حربُ مَن بغى

لولا يزيد بادئاً ما شربت

مروانُ بالكاس التي بها سقى

ويقول في رواية ( مجنون ليلى ): كان الحسين بن علي كعبة القلوب والأبصار في جزيرة العرب بعد أن قتل أبوه علي ومات أخوه الحسن. وكذلك ظل الحسين قائماً في نفوس الناس هناك صورة مقدسة لبداوة الإسلام تستمد أنضر ألوانها من صلته القريبة بجده رسول الله وبنوّته لرجل كان أشدّ الناس زهداً واستصغاراً لدنياه، وكذلك ظهرت بلاد العرب وقلبها يخفق بإسم الحسين.

١٤٢

ويقول أيضاً في مسرحيته ( مجنون ليلى ):

حنانيك قيسُ إلى مَ الذهول

أفق ساعة من غواشي الخبَل

صهيلُ البغال وصوتُ الحداء

ورنة ركب وراء الجبل

وحاد يسوق ركاب الحسين

يهزّ الجبال إذا ما ارتجل

فقم قيسُ واضرع مع الضارعين

وأنزل بجنب الحسين الأمل

ويطيب له أن يربط الحوادث بيوم الحسين الذي لا يغيب عن خاطره فتراه في رثاء الزعيم مصطفى كامل باشا مؤسس الحزب الوطني والمتوفى سنة 1908 م. يقول:

المشرقان عليك ينتحبان

قاصيهما في مأتم والداني

ومنها:

يُزجون نعشك في السناء وفي السنا

فكأنما في نعشك القمران

وكأنه نعش الحسين بكربلا

يختال بين بكىً وبين حنان

ويقول في اخرى عنوانها ( الحرية الحمراء ):

في مهرجان الحق أو يوم الدم

مهج من الشهداء لم تتكلم

يبدو عليها نور نور دماتها

كدم الحسين على هلال محرم

يوم الجهاد بها كصدر نهاره

متمايلُ الأعطاف مبتسمُ الفم

وهناك عبارات لا يطلقها إلا المتشيع لأهل البيت تجري على لسانه وقلمه كقوله: رضيع الحسينعليه‌السلام ، فان كلمةعليه‌السلام من متداولات شيعة أهل البيت وقوله:

ما الذي نفرّ عني الضبيات العامرية

ألأني أنا شيعيٌ وليلى أموية

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيّه

وعندما يخاطب الرسول الأعظم يطيب له أن يقول:

ابا الزهراء قد جاوزت قدري

بمدحك بيد أن لي انتسابا

وعندما يمرّ بالخلفاء الراشدين ويأتي الدور للامام علي يقول:

العمران يرويان عنه

والحسنان نسختان منه

١٤٣

الشيخ محمد حسين الحُلّي

المتوفى 1352

خليلي هل من وقفة لكما معي

على جدث أسقيه صيّب أدمعي

ليروى الثرى منه بفيض مدامعي

لأن الحيا الوكاف لم يك مقنعي

لأن الحيا يهمي ويقلع تارة

وإني لعظم الخطب ما جفّ مدمعي

خليليّ هبّا فالرقاد محرم

على كل ذي قلب من الوجد موجع

هلُما معي نعقر هناك قلوبنا

إذا الحزن أبقاها ولم تتقطع

هلما نقم بالغاضرية مأتما

لخير كريم بالسيوف موزع

فتىً أدركت فيه علوج امية

مراماً فألقته ببيداء بلقع

وكيف يسام الضيم مَن جده ارتقى

إلى العرش حتى حل أشرف موضع

فتى حلّقت فيه قوادم عزه

لاعلى ذرى المجد الأثيل وأرفع

ولما دعته للكفاح أجابها

بأبيض مشحوذ وأسمر مشرع

وآساد حرب غابها أجم القنا

وكل كميٍ رابط الجأش أروع

يصول بماضي الحدّ غير مكهّمٍ

وفي غير درع الصبر لم يتدرع

إذا ألقح الهيجاء حتفاً برمحه

فماضي الشبا منه يقول لها ضعي

وإن أبطأت عنه النفوس إجابة

فحدّ سنان الرمح قال لها اسرعي

إلى أن دعاهم ربهم للقائه

فكانوا إلى لقياه أسرعَ مَن دُعي

وخروا لوجه الله تلقا وجوههم

فمن سجّد فوق الصعيد وركع

وكم ذات خدر سجفتها حماتها

بسمر قنا خطية وبلمّع

١٤٤

أماطت يد الأعداء عنها سجافها

فاضحت بلا سجف لديها ممنّع

لقد نهبت كفّ المصاب فؤادها

وأيدي عداها كل برد وبرقع

فلم تستطع عن ناظريها تستراً

بغير أكفٍّ قاصرات وأذرع

وقد فزعت مذ راعها الخطب دهشة

وأوهى القوى منها إلى خير مفزع

فلما رأته بالعراء مجدلاً

عفيراً على البوغاء غير مشيّع

دنت منه والأحزان تمضغ قلبها

وحتّت حنين الواله المتفجع

عليّ عزيز أن تموت على ظمأ

وتشرب في كأس من الحتف مترع

تلاكُ بأشداق الرماح وتغتدي

لواردة الأسياف أعذب مكرع

وفي آخرها:

بني غالب هبّوا لأخذ تراثكم

فلم يُجدكم قرع لناب بأصبع

امثل حسين حجة الله في الورى

ثلاث ليال بالعرا لم يشيّع

ومثل بنات الوحي تسرى بها العدى

إلى الشام من دعي إلى دعي

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ حمد الحلي وربما يعرف ب‍ ( الجباوي ) احدى محلات الحلة، عالم معروف يشهد عارفوه له بالفضل والتضلّع. ولد في الحلة سنة 1285 ه‍ ودرس على جملة من أفاضلها منهم الشيخ محمدبن نظر علي وفي سنة 1303 غادر الحلة مهاجراً إلى النجف لاكمال الدراسة وأقام فيها أكثر من ثلاثين سنة فحضر عند الشيخ آية الله الشيخ حسن المامقاني والفاضل الشربياني ثم لازم العالم الشهير الشيخ علي رفيش فكان من أول أنصاره والملازمين له أثناء مرجعيته ثم بعد انكفاف بصره، وفي خلال ذلك تخرّج على يده جملة من الطلاب الروحيين إلى أن كانت سنة 1337 ه‍. عاد إلى مسقط رأسه الحلة بطلب من وجهائها وأقام فيها مرجعاً دينياً محترم الجانب تستفيد الناس من

١٤٥

معارفه وكمالاته وفي آخر أيامه مرض ولازم الفراش حتى الوفاة، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال: عالم مشهور في الفضل والكمال والمعرفة وله اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر والنصيب الوافر في علمي الفصاحة والبلاغة. توفي في الحلة عام 1352 ه‍. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في الصحن الشريف ورثاه جمع من العشراء منهم الشيخ ناجي خميّس.

كتب وألّف في الفقه والأصول وكتب رحلته إلى الحج ورسالة في التجويد والقراءات وجملة من تقريرات أستاذته العلماء الأعلام ولم ينشر له سوى ( الرحلة الحسينية ) وهي التي روى فيها رحلته مع جماعة من الفضلاء إلى زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام سنة 1321 ه‍. ومنها يظهر ذوقه الأدبي ورقة طبعه وأريحيته، طبعت هذه الرحلة بمطبعة ( الحبل المتين ) بالنجف سنة 1329 ه‍. وختمها بالقصيدة التي هي في صدر الترجمة.

١٤٦

الشيخ جواد البلاغي

المتوفى 1352

شعبان كم نعمت عين الهدى فيه

لولا المحرم يأتي في دواهيه

وأشرق الدين من أنوار ثالثه

لولا تغشاه عاشور بداجيه

وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحاً

لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه

رآه خير وليد يستجار به

وخير مستشهد في الدين يحميه

قرت به عين خير الرسل ثم بكت

فهل نهنيه فيه أو نعزيه

ان تبتهج فاطم في يوم مولده

فليلة الطف أمست من بواكيه

أو ينتعش قلبها من نور طلعته

فقد اديل بقاني الدمع جاريه

فقلبها لم تطل فيه مسرّته

حتى تنازع تبريح الجوى فيه

بشرىً أبا حسن في يوم مولده

ويوم أرعب قلب الموت ماضيه

ويوم دارت على حرب دوائره

لولا القضاء وما أوحاه داعيه

ويوم أضرم جو الطف نار وغىً

لو لم يخر صريعاً في محانيه

يا شمس أوج العلى ما خلت عن كثب

تمسى وأنت عفير الجسم ثاويه

فيا لجسم على صدر النبي ربي

توزعته المواضي من أعاديه

ويا لرأس جلال الله توجّه

به ينوء من المياد عاليه

وصدر قدس حوى أسرار بارئه

يكون للرجس شمرمن مراقيه

١٤٧

ومنحر كان للهادي مقبله

أضحى يقبله شمر بماضيه

يا ثائراً للهدى والدين منتصراً

هذي أُمية نالت ثارها فيه

أنى وشيخك ساقي الحوض حيدرة

تقضي وأنت لهيف القلب ضاميه

ويا إماماً له الدين الحنيف لجا

لوذاً فقمت فدتك النفس تفديه

أعظم بيومك هذا في مسرته

ويوم عاشور فيما نالكم فيه

يا من به تفخر السبع العلى وله

إمامة الحق من إحدى معاليه

أعظم بمثواك في وادي الطفوف علاً

يا حبذا ذلك المثوى وواديه

له حنيني ومنه لوعتي وإلى

مغناه شوقي واعلاق الهوى فيه

الشيخ جواد أو الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ طالب البلاغي النجفي ينتهي نسبه إلى ربيعة. مولده ووفاته في النجف ولد سنة 1285 ه‍. وتوفي سنة 1352 ه‍. ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان في النجف الأشرف ودفن فيها في المقبرة المقابلة لباب المراد.

وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب، كان المترجم له نابغة من نوابغ العصور وجهاده بقلمه ولسانه يذكر فيشكر، له عشرات المؤلفات وكلها قيّمة ذات فائدة لا زالت تتلاقفها الأيدي ويعتز بها أهل العلم اذكره يحضر مجالس العلم فاذا اشتد الجدال حول مسألة من مسائل العلم كان يقول: عندي بيان أرجو أن تسمحوا لي باستماعه فإني مريض وإذا رفعت صوتي أخاف أن أقذف من صدري دماً.

كانت تأتيه المسائل من بلاد الغرب فيجيب عنها. وبين أيدينا من مؤلفاته: الرحلة المدرسية، الهدى إلى دين المصطفى جزآن، تفسير القرآن، أنوار الهدى، رسالة التوحيد والتثليث، البلاغ المبين رسالة في الرد على الوهابية.

تعلم العبرية وأتقنها خطاً وقراءة ونطقاً حتى تمكن من المقارنة بين اصولها وبين المترجم إلى اللغة العربية فأظهر كثيراً من مواقع الاختلاف في الترجمة

١٤٨

التي قصد بها التضليل. كانت ترد عليه الرسائل والأسئلة باللغة الانجليزية فشرع يتعلمها لولا أن يفاجأه الأجل المحتوم. كان تحصيله ودراسته على أعلام عصره أمثال الملا كاظم الخراساني والشيخ اغا رضا الهمداني ومن تراثه الأدبي قصيدته التي عارض بها الرئيس ابن سينا في النفس.

نعُمت بأن جاءت بخلق المبدع

ثم السعادة أن يقول لها ارجعي

خلقت لأنفع غاية يا ليتها

تبعت سبيل الرشد نحو الأنفع

الله ( سواها وألهمها ) فهل

تنحو السبيل إلى المحلّ الأرفع

ورائعته التي شارك بها في الحلبة الأدبية عن الحجة المهدي صاحب العصر والزمان التي أثبتها في كتابه الفقهي(1) وأثبتها السيد الأمين في ترجمته في الأعيان. ترجم له صاحب الحصون المنيعة والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر ) والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وله مراسلات شعرية مع الشيخ توفيق البلاغيرحمه‌الله ورثاء للسيد محمد سعيد الحبوبي والكثير من شعره يخص أهل البيت ومنه نوحيته الشهيرة التي يرددها الخطباء في شهر المحرم ومطلعها:

يا تريب الخد في رمضا الطفوف

ليتني دونك نهباً للسيوف

وله من الشعر في ميلاد الحجة المهدي المولود ليلة النصف من شعبان سنة 1256 ه‍. وأولها:

حي شعبان فهو شهر سعودي

وعد وصلي فيه وليلة عيدي

ترجم له الزركلي في ( الاعلام ) وعدد بعض مؤلفاته وقال: وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام 1920 م، انتهى. أقول وآل البلاغي من أقدم بيوت النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب، أنجبت هذه الأسرة عدة من رجال العلم والدين وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة للشيخ محمد علي البلاغي المتوفى سنة 1000 ه‍. ويقول الشيخ اغا بزرك الطهراني في نقباء البشر أن المترجم له ولد سنة 1282 كما أخبره صاحب الترجمة نفسه بمولده

__________________

1 - وهو تعليقة على مباحث البيع من مكاسب الشيخ الانصاري.

١٤٩

وحيث أن الشيخ الطهراني من أخدانه واخوانه وكانت تجمعهما وحدة البلد في سامراء أولاً عند استاذهما المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي ثم النجف ثانياً فقد ألّم بترجمته إلمامة كافية وافية كما كتب عنه الكثير من الباحثين ونشرت المجلات والصحف عن جهاده ومؤلفاته وأكبروا منتوجه العلمي ودفاعه عن الإسلام ومواقفه الصلبة بوجه المادية ودعاتها والطبيعيين وآرائهم.

وشيخنا البلاغي كان على جانب من عظيم من الخلق الاسلامي الصحيح فهو لا يماري ولا يداهن ولا تلين له قناة في سبيل الحق، وكان مع علوّ نفسه متواضعاً يكره السمعة ويشنأ الرفعة، وفي أغلب مؤلفاته يغفل اسمه الصريح فكانت الرسائل تأتيه باسم ( كاتب الهدى النجفي ) ومن العجيب أنه نشر جملة من الرسائل والمقالات باسم غيره، ومؤلفاته تزيد على الثلاثين، ترجم بعضها إلى الفارسية والانجليزية، وقد ذكر الشيخ اغا بزرك في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) أكثر هذه الكتب.

ولا زالت أندية النجف تتحدث عن قوة إيمانه وصلابة دينه وشدة ورعه ومنها موقفه في مجلس عقد في النجف ويقتصر على القادة أمثال الشيخ محمد جواد الجواهري والشيخ عبد الكريم الجزائري وفي مقدمتهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاءقدس‌سره كما حضر المرحوم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي قدس الله أرواحهم وذلك حول الدخول في وظائف الدولة ونظام المدارس الرسمية فكان صوته المجلّي ينبعث عن قلب مكلوم مطالباً باصلاح المدارس والاشراف عليها والتركيز على الأخلاق قبل العلم. انطفأ ذلك المصباح ليلة الاثنين 22 شعبان سنة 1352 ه‍. وكان لنعيه أثر عظيم في العالم الإسلامي وعقدت له مجالس التأبين في البلاد الاسلامية وفي النجف خاصة في جامع الهندي وأنشدت القصائد الرنانة وقد دفن في احدى غرف الصحن الحيدري من الجهة الجنوبية وفي مقدمة القصائد قصيدة المرحوم السيد رضا الهندي وأولها:

إن تمس في ظلم اللحود موسدا

فلقد أضأت بهن ( أنوار الهدى )

١٥٠

السيد حسن بحر العلوم

المتوفى 1355

شطر بيتين في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال:

( قل لمن والى علي المرتضى )

نلت في الخلد رفيع الدرجات

أيها المذنب إن لذت به

( لا تخافنّ عظيم السيئات )

( حبه الاكسير لو ذرّ على )

رمم حلّت بها روح الحياة

وإذا ما شملت ألطافه

( سيئات الخلق صارت حسنات )

ثم ذيلها برثاء الحسينعليه‌السلام ومدح الإمام علي بن أبي طالب (ع):

حبّه فرض على كل الورى

وهو في الحشر أمان ونجاة

كل من والاه ينجو في غد

من لظى النار وهول العقبات

فهو الغيث عطاءً وهبات

وهو الليث وثوباً وثبات

وهو نور الشمس في رأد الضحى

وهو نبراس الهدى في الظلمات

كم بوحي الذكر في تفضيله

صدعت آيات فضل بيّنات

آية التصديق من آياته

حين أعطى في الركوع الصدقات

فهو بالنص وصي المصطفى

وأبو الغر الميامين الهداة

ثم يذكر مصاب الحسين (ع) بقوله:

لهف نفسي حينما استسقاهم

جرعوه من أنابيب القناة

خرّ للموت على وجه الثرى

عينه ترعى النساء الخفرات

١٥١

ثم رضّوا حنقاً صدر الذي

فيه أسرار الهدى منطويات

بأبي ملقى ثلاثاً بالعرى

عارياً تسقي عليه الذاريات

ورضيع يتلظى عطشا

قد رَمى منحره أشقى الرماة

لهف نفسي لربيبات الابا

أصبحت بعد حماها ثاكلات

هجم القوم عليهن الخبا

فغدت بين الأعادي حاسرات

السيد حسن ابن السيد ابراهيم بن الحسين بن الرضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم أديب معروف وعالم جليل ولد في النجف عام 1282 ونشأ على والده المشهور بأدبه وفضله وعلمه وكماله، ومن يشابه أبه فما ظلم، لقد ورت أكثر سجايا أبيه من عزة وإباء وعفة وورع حضر على علماء النجف أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ذلك إلى جنب براعته الأدبية وديوانه يعطينا صورة عن نبله وفضله وبراعته في التاريخ مشهود بها. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره من مديح ورثاء وتهان وتواريخ. توفي بالنجف 19 جمادى الاولى سنة 1355 ه‍. ودفن بمقبرة الاسرة وهو والد العلامة التقي الورع السيد محمد تقي بحر العلوم والعلامة الجليل البحاثة السيد محمد صادق بحر العلوم.

١٥٢

الحاج محمد الخليلي

المتوفى 1355

يا رب عوّضتَ الحسين

بكربلا عما أصابه

إن الذي من تحت قبته

دعاك له استجابه

يممت مرقده لما

أيقنت باب الله بابه

صُبّت على قلبي الهموم

وناظري أبدى انسكابه

وتمثّلت لي كربلا

وحسين ما بين الصحابه

مثل الأضاحي في الثرى

سلب العدى حتى ثيابه

مالي دعوتُ بها فلم

أرَ منك يا رب الإجابه

والقلب مني لاهب

هلا تسكّن لي التهابه

الحاج محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي، عالم ورع وأديب شاعر ولد في النجف ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات على اساتذة مشهورين فنال حظوة كبيرة من العلم واتصل بحلقة الامام الخراساني مضافاً إلى دراسته عند والده العالم الجليل حتى حصل على إجازة اجتهاد من جملة من اعلام عصره واشتهر بالزهد والورع حتى خلف أباه في إمامة الصلاة بالناس واءتمّ به الأتقياء والأولياء والصلحاء ثم انصرف عن ذلك لأنه خاف الرياء والزهو وعكف على الطاعة في زوايا المساجد وحرم الامام أمير المؤمنين (ع) وحفظ القرآن من كثرة

١٥٣

تلاوته له، وإلى جنب ذلك فهو مرح إلى أبعد حدود المرح ولا يكاد جليسه يملّ مجلسه ألّف في الفقه كتاب الطهارة، والخمس، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة: الأول اسماء السور، الثاني الكلمات العربية، الثالث التفسير المستقى من أشهر التفاسير.

نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه وأكثر من النظم في أهل البيتعليهم‌السلام فمن قوله في الإمام الحسينعليه‌السلام :

هل بعد ما طرد المشيب شبابي

أصبو لذكر كواعب أتراب

وأروح مرتاحاً بأندية الهوى

ثملاً كأبناء الهوى متصابي

وتئنّ نفسي للربوع وقد غدا

بيت النبوة مقفر الأطناب

بيت لآل محمد في كربلا

قد قام بين أباطح وروابي

وقال متوسلاً بالعباس بن عليعليهما‌السلام :

أبا الفضل هل للفضل غيرك يرتجى

وهل لذوي الحاجات غيرك ملتجى

قصدتك من أهلي وأهلي لك الفدا

وهل يقصد المحتاج إلا ذوي الحجى

وقال يعاتب بعض أصدقائه في رسالة أرسلها إلى النجف:

لي بالغري أحبّةٌ

ما أنصفوني بالمحبه

أخذوا الفؤاد وخلّفوا

جثمانه في دار غربه

يا دهر ما أنصفتني

كلفتني الأهوال صعبه

حملتني بُعد الديار

وبُعد من أشتاق قربه

قسماً بأيام مضت

في وصل مَن أهواه عذبه

لم يحلُ لي غير الغري

وغير أندية الاحبه

أوّاه هل لي للحمى

من بعد بُعد الدار أويه

لأقبّل الأعتاب من

مولى الورى وأشمّ تربه

١٥٤

حرمٌ ملائكة السما

لطوافها اتخذته كعبه

وبه نشاوى العارفون

قد احتسوا كأس المحبه

وله مستنهضاً أبناء يعرب:

بني يعرب أنتم أقمتم بعزكم

قواعد دين المصطفى أول الأمر

وشيدتم منه مبانيه بالضبا

وسجفتموه بالمثقفة السمر

يهون عليكم ما اشدتم بناءه

تهدده بالهدم رغما يد الكفر

وله راثيا ولده

فمن مخبري عن نبعة قد غرستها

بقلبي حتي اينعت جذها القضا

ومن مخبري عن فلذة من حشاشتي

برغمي قد حزت وما لي سوي الرضا

اريحانه الروح التي ان شممتها

وبي نزل الهم المبرح قوضا

ومصباح انسي ان علي تراكمت

حطوب بعيني سودت سعة الفضا

رحلت وقد خلفت بين جوانحي

لهيب جوي من دونه لهب الغضا

ورحت ولي قلب يقطعه الاسي

وطرف علي اقذي من الشوك غمضا

تمثلك الذكرى كأنك حاظرٌ

فانظر بدراً في الدياجر قد أضا

وقال من قصيدة:

شاقها الراح فجدّت في سراها

أملا تبلغ بالسير مناها

قرّبت كل بعيد شاسع

مذ غدت تذرع في البيد خطاها

قطعت قلب الفلا مذ واصلت

بالسرى سهل الفيافي برباها

يعملات ما جرت في حلبة

والصبا إلا الصبا ظلّ وراها

يا رعاها الله من سارية

كم رعت في سيرها من قد علاها

١٥٥

ويتخلص إلى ركب الإمام الحسينعليه‌السلام :

سادة كادت مصابيح الدجى

يهتدي فيها الذي في الغيّ تاها

وولاة الأمر في الخلق ومن

فرض الله على الخلق ولاها

غدرت فيهم بنو حرب وهم

أقرب الناس إلى المختار طاها

أخرجتهم عن مباني عزّهم

وبيوت طهّر الله فِناها

بالفيافي شتت شملهم

وعليهم ضيقت رحب فضاها

أنزلوهم كربلا حتى إذا

نزلوها منعوهم عذب ماها

بينهم والماء حالت ظلمة

من جموع عدّها لا يتناهى

توفي بالنجف ليلة الخميس 13 ذي الحجة سنة 1355 ه‍. ودفن بمقبرة والده رحمهما الله.

١٥٦

ملا علي الزاهر العوّامي

المتوفى 1355

قال يصف حالة الإمام الحسين (ع) عند فجيعته بأخيه العباس يوم عاشوراء:

أنست رزيتك الأطفال لهفتها

بعد الرجاء بأن تأتي وترويها

أراك يا بن أبي في الترب مُنجدلاً

عليك عين العلى تهمي أماقيها

هذا حسامك يشكو فقد حامله

إذ كنت فيه الردى للقوم تسقيها

وذا جوادك ينعى في الخيام وقد

أبكى بنات الهدى مَن ذا يسليها

شلّت يمين برت يمناك يا عضدي

وذي يسارك شل الله باريها

نامت عيون بني سفيان وافتقدت

طيب الكرى اعين كانت تراعيها(1)

الخطيب علي بن حسن بن محمد بن أحمد بن محسن الزاهر المتولد سنة 1298 ه‍. والمتوفى سنة 1355 ه‍. نائحة أهل البيت وداعيتهم وجاذب القلوب نحو واعيتهم فقد اشاد مؤسسة باسم ( الحسينية ) ولم تزل تعرف باسمه في ( العوامية ) نظم باللغتين: الفصحى والدارجة ومن قصائد قوله في مطلع حسينية نظمها من قلب قريح:

يا ليوث الحروب من آل طاها

أسرجوا الخيل يا ليوث وغاها

وديوانه المخطوط يضم جملة من أشعاره ..

__________________

1 - اعلام العوامية في القطيف.

١٥٧

الشيخ موسى العِصامي

المتوفى 1355

قال في قصيدة حسينية:

أحاطت به وبست الجهات

أحاط بها الخطر المرعبُ

فخيرها قبل حكم الضيا

ونقط الاسنة ما استصوبوا

فإما يعود إلى يثرب

ومن حيث جاء لها يطلب

واما الجبال وشعب الرمال

وظهر الفيافي لها يركب

واما يسير لبعض الثغور

يقيم بها مع من يصحب

فما رغبت منه في واحد

ولو أنصفت لم تكن ترغب

رأت منه قلّة أنصاره

فظنت بكثرتها ترعب

وسامته يخضع وهو الأبي

وأنى يقاد لها المصعب

فناجزها الحرب في فتية

لهم باللقا شهدت يعرب

بها ليل تحسب ان الردى

إذا جدّ ما بينها ملعب

لها الموت يحلو خلال الصفوف

وما مرّ من طعمه يعذب

سواء عليها الفنا والحياة

إذا استرجع التاج والمنصب

لهم دون مركزهم موقف

إلى الحشر ناديه يندب

أشادوا الهدى فوق تاج الأثير

ومبنى الضلال به خرّبوا

١٥٨

فما حزب طالوت ذو البيعتين

ولا أهل بدر وإن أنجبوا

ولا يوم احزابها يومهم

واحدٍ وما بعدها يعقب

ولا الجاهلية ذات الحروب

بحربهم حربها يحسب

بسبعين ألفاً خلال الوغى

تجول وأمدادها تلعب

رسوا كالجبال وهم واحد

وستين لكنهم ذرّب

أجالوا الوغى جولان الرحى

وللحشر نيرانها تلهب

سل الشام عنها وأهل العراق

فهل سلمت منه إذ تهرب

الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد الشهير بالعصامي نسبة إلى بني عصام بطن من هوازن، لامعاً في عصره خطيب وشاعر، ولد في النجف الأشرف سنة 1305 ه‍. ونشأ بها يتعاهد تربيته أعمامه فدرس العربية والمنطق على أساتذة معروفين منهم السيد جواد القزويني كما درس البلاغة على العالم الجليل الشيخ يوسف الفقيه والشيخ عبد الرسول الحلبي والسيد حسين ابن السيد راضي القزويني.

ودرس الفقه والاصول على الشيخ عبد الكريم شرارة والشيخ صادق الحاج مسعود والشيخ المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، وحضر عند الشيخ حسين الدشتي فأخذ عنه علم الحساب والهندسة والكلام والحكمة واشتهر بين أخدانه بالفضل وعرفه جمهور الناس من مواقفه الخطابية إذ كان خطيباً جماهيرياً ومرشداً مصلحاً يخطب ويكتب ويعظ ويرشد أينما حل، ولكن مجتمعه مصاب بداء الأنانية وأمة كما قيل فيها: لا تعمل ولا تحب أن يعمل أحد، لذاك ناوأه الكثير ووقفوا في طريق اصلاحه حتى ودع الحياة بكربلاء في آخر يوم من شهر رمضان عام 1355 ه‍. ونقل جثمانه للنجف حيث دفن رحمه الله.

١٥٩

آثاره العلمية:

1 - منظومة في الإمامة تناهز الثمانمائة بيتاً.

2 - البراءة والولاية، بحث دقيق.

3 - تاريخ الثورة العراقية.

4 - الدعوة الحسينية وأثرها.

5 - الضالة المنشودة في الحياة.

6 - الهدى والاتحاد، أهداه إلى أبطال الدستور في الاستانة بتوسط الصدر الأعظم طلعت باشا.

7 - الدراية في تصحيح الرواية.

8 - بحث في الحجاب، وغيرها مما يزيد على العشرين مؤلفاً، وديوانه الحافل بمختلف المواضيع وطرق سائر الأبواب ومن مراسلاته قصيدته التي أرسلها للشيخ خزعل خان أمير المحمرة ومطلعها:

لك الهنا ولي الأفراح والطرب

مذ ساعفتني بك الأيام والأرب

فقل لساقي الطلى نحيّ الكؤوس وإن

انيط عني في راحاتها التعب

هذا لماك وهذا ثغرك الشنب

فما الحميا وما الأقداح والحبب

أعطاف قدك تصمي لا القنا السلب

وسهم عينيك لا نبعٌ ولا غرب

ووجهك الصبح لكن فاته وضحاً

وثغرك البرق لكن فاته الشنب

ويلاي لا منك يا ريم العذيب فمن

عينيّ جاء لقلبي في الهوى العطب

وكلها بهذه القوة والمتانة والرقة والسلاسة، ومن مشهور غرامياته قوله:

طاف بكاس المدام أغيد

من فضة والسلاف عسجد

وزفّها في الدجى عروساً

توجّها اللؤلؤ المنضد

تلهبت في يديه لكن

بوجنتيه السنا توقد

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206