الفضائل

الفضائل27%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67132 / تحميل: 7688
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والحجاج بالعراق ، وعثمان بن حبارة بالحجاز ، وقرة بن شريك بمصر ) : امتلأت الأرض والله جوراً(١)

والفارق التأريخي هو انه مع جبروته وظلمه فقد تمت في عهده فتوحات واسعة وهذا يبين ان أمر الفتوحات لا يرتبط بعدالة الحاكم بل أن الإسلام كدين أقوى من الحام كفرد فقد يكون الخليفة جائراً ظالماً ، ولكن الناس تدخل في الدين الحنيف بإعتبار التوحيد والقرآن والصورة الكلية للإسلام .

وفي عهده قتل سعيد بن جبير شهيداً ، قتله الحجاج الثقفي في الكوفة .

الوليد والإمام زين العابدينعليه‌السلام

وهنا مجموعة من الشواهد التي مرّ بها السجادعليه‌السلام أيام الوليد :

أولاً : خشية المخزومي من الإمامعليه‌السلام : بالغ ولاة المدينة الإساءة إلى الإمام السجادعليه‌السلام وكان منهم هشام بن اسماعيل المخزومي والي المدينة من قبل عبد الملك بن مروان ( ت ٨٦ هـ ) ، بالرغم من وصية سيده عبد الملك بعدم التحرش بالإمامعليه‌السلام وعدم أيذائه ودار دولاب الحياة ومرت الأيام وإذا بالمخزومي يعزل من قبل الوليد بن

ــــــــــــــــ

(١) المصدر السابق .

١٠١

عبد الملك ( ت ٩٦ هـ ) ويجلد امام دار مروان بن الحكم وكانت خشية المخزومي هي ان يقابله الإمام السجادعليه‌السلام بالمثل وينتقم منه ولكن السجادعليه‌السلام كان أرفع من ذلك وأسمي فقد أمرعليه‌السلام أصحابه وخواصه الا يتعرضوا لهشام المخزومي ، بعد ان أذله الله وسلبه سلطته وعلم المخزومي بذلك فاستبدل سلوكه تجاه الإمامعليه‌السلام بسلوك آخر فكان ، وهو يرى زين العابدينعليه‌السلام ، لا يتمالك نفسه إلا بالهتاف : الله اعلم حيث يجعل رسالته(١)

ودلالات ذلك :

١ ـ كان مبدأهعليه‌السلام العفو عن الظالمين الذين ظلموه ويؤيده قولهعليه‌السلام : ( لو ان قاتل أبي أودع عندي السيف الذي قتل به أبي لأديته إليه )(٢) وتواتر الروايات القائلة بعفوه وسماحة نفسه تسقط الروايات المتعارضة التي تصوره وكأنه كان محباً للانتقام ، من ظالميه .

٢ ـ انهعليه‌السلام كان يقابل ظالميه ، وبعد ان هبطوا إلى أقصى حالات الضعف ، بالإحسان والرأفة كما حصل مع هشام المخزومي ، ومروان بن الحكم وعياله ونحوهم .

ثانياً : السجاد ودعاء الكرب : ولى الوليد على المدينة صالح بن عبد الله المري ، وكتب إليه بإخراج العلوي الحسن بن الحسن من السجن ،

ــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ج ٨ ص ٦١ والكامل في التاريخ لابن الاثير ج ٤ ص ٢٠١ .

(٢) نور الأبصار ص ١٣٧ .

١٠٢

وضربه خمسمائة سوط فأخرجه إلى المسجد ليضربه أمام الناس ولما سمع الإمام زين العابدينعليه‌السلام بذلك خفّ إليه وأشار عليه بدعاء الكرب حتى يفرج الله عنه وهو : ( لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العليّ العظيم ، سبحان الله رب السموات السبع ورب [ الأرضين السبع ] ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ) فجعل الحسن يردد هذا الدعاء ، حتى صرف الله عنه فلم ينفذ الوالي ما أمر به ، واشفق عليه ، وكتب إلى الوليد بشأنه ، فأمره بالإفراج عنه(١)

ثالثاً : سراج الدنيا في ظلمات بني أمية : ولى الوليد على المدينة سنة ٨٧ هـ عمر بن عبد العزيز وكان الأخير يتظاهر بالعدل والتقوى ، ولكنه كان يتجاهل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ففي بداية ولايته على المدينة أحضر عمر بن عبدالعزيز : عروة بن الزبير ، وأبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم من فقهاء المدينة يطلب منهم العون على أمر الدين وتقويمه عند الأعوجاج كي لا يزلّ فيهوى في النار(٢) ولم يدع

ــــــــــــــــ

(١) الإتحاف بحب الأشراف ص ٧٦ .

(٢) تأريخ الطبري ج ٧ ص ٧١ والكامل لأبن الأثير ج ٤ ص ٢٠١ .

١٠٣

السجادعليه‌السلام إلى الإجتماع فكيف يكون ذلك ، وهو القائل : ( ان علي بن الحسين سراج الدنيا وجمال الإسلام وزين العابدين )(١)

قال في الكشكول : ( لما وضح لعمر بن عبد العزيز ميل الناس عن بني أمية لافراطهم في سب باب مدينة علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ] ، وأخذت الأندية تلهج بوخامة هذه الدنية أراد أن يبرر موقفه أمام الناس فاظهر الإستياء من هذه الفعلة ومنع العمال والولاة مما اعتادوه من لعن أمير المؤمنين وردّ على العلويين فدكاً رجاء ان يستميل القلوب ويستهوي الأفئدة وإلا فهو ما جبل عليه من العداء فان الشجرة المرّة لا تنبت إلا مرّاً(٢) .

مع هشام بن عبد الملك

حج هشام ابن عبد الملك ( ت ١٢٥ هـ ) في زمن أبيه(٣) في سنة ٨٥ أو ٨٦ هجرية على الأرجح وكان عمره آنذاك في حدود الرابعة عشرة من العمر ذلك لأن ولادته كانت سنة نيف وسبعين كما في تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٤٧ وتولى الخلافة بعد حوالي عشرين سنة من تأريخ قصيدة الفرزدق ، أي سنة خمس ومائة للهجرة .

ــــــــــــــــ

(١) تأريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٨ .

(٢) الكشكول فيما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ السيد حيدر الاملي ص ١٥٦ .

(٣) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ج ١ ص ١٥٣ بسنده المتصل الى عبد الله بن محمد عن أبيه .

١٠٤

وكان قد أحتشد بالبيت الحرام ذلك العام ، جمهور غفير من الحجيج للطواف والصلاة والتبرك بالحجر الأسود حتى ان هشاماً لما رأى ازدحام الناس على الحجر وتعسر عليه استلامه برفق ، وضع له منبر جلس عليه ينظر الجمع على راحته ويسلم من مدافعة الرجال .

وبينما هو على ذلك الحال ، أقبل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ونور الإمامة يسطع من محياه ، وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، فهابه الحجيج ، وبصر به بعض من يعرفه من الحجاج فنادى بأعلى صوته : (هذا بقية الله في أرضه ، هذا بقية النبوة ، هذا إمام المتقين ، وسيد العابدين ) فتقهقر الجمع ، حتى استلم الحجر وحده وقام باداء ما وجب عليه من دون تدافع أو مزاحمة فتعجبت حاشية هشام من ذلك ، وأخذوا يتساءلون عنه فتغير لون هشام ـ وهو الشاب المرشح للخلافة ـ ولم يرقه ان ينوه بمعرفته بالسجادعليه‌السلام أخر ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الزمان فانكر معرفته ظاهراً ، وهو على معرفةٍ به باطناً .

فقيّض الله له ولياً يضمر إيمانه بآل البيتعليه‌السلام في وقت كان معروفاً بشاعر البلاط الأموي وهذا المتفاني بحب ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الفرزدق ( همام بن غالب بن صعصعة ت ١١٠ هـ ) ، فقال شعراً جميلاً يعرّف به زين العابدين وفضل أهل البيتعليه‌السلام

والجدير بالذكر ان الفرزدق كان قد دخل مع أبيه على الإمام عليعليه‌السلام في البصرة سنة ٣٧ هـ فسأل الإمامعليه‌السلام عن الفرزدق ـ ولم يكن له من العمر اكثر من سبع وعشرين سنة ـ فقيل انه يقول الشعر ، فأرشدهعليه‌السلام الى ما هو خير له من ذلك وهو تعلم القرآن وعمل بالنصيحة واستفادها في شعره لاحقاً .

١٠٥

قصيدة الفرزدق :

قال : انا اعرفه ، وانشأ الفرزدق(١)

(يا سائلي أين حلّ الجود والكرم

عندي بيانٌ إذا طلابه قدم)

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التقيّ النقي الطاهر العلم

اذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الأقوام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياءً ويغضى من مهابته

فما يكلّم إلا حين يبتسم (٢)

بكفه خيزرانٌ ريحها عبقٌ

من كفّ أروع في عرنينه شممٌ (٣)

من جدّه دان فضل الأنبياء له

وفضل أمتّه دانت له الأمم

ــــــــــــــــ

(١) المناقب ج ٣ ص ٣٠٦ .

(٢) الإغضاء : إدناء الجفون وأغضى على الشيء : سكت .

(٣) الخيزران : بضم الزاء شجرٌ هنديٌّ ، وهو عروق ممتدة في الأرض وعبق به الطيب بالكسر عبقاً بالتحريك : أي لزق به ورجلٌ عبق : إذا تطيّب بأدنى طيب لم يذهب عنه أياماً والأروع : من يعجبك بحسنه وجهارة منظره والعرنين : بالكسر ، الأنف والشّمم : محرّكة ، ارتفاع قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها وقوله : من كفّ : فيه تجريد مضاف إلى الأروع .

١٠٦

ينشق نور الهدى عن نور غرته

كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم (١)

مشتقّةٌ من رسول الله نبعته

طابت عناصره والخيم والشيم (٢)

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

الله فضّله قدماً وشرّفه

جرى بذاك له في لوحه القلم

فليس قولك : من هذا ؟ بضائره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما

يستوكفان ولا يعروهما العدم (٣)

سهل الخليقة لا تخسى بوادره

يزينه اثنان : حسن الخلق والكرم (٤)

حّمال أثقال أقوام إذا فدحوا

حلو الشمائل تحلو عنده نعم (٥)

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته

رحب الفناء أريبٌ حين يعترم (٦)

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

عمّ البرية بالإحسان فانقشعت

عنها الغيابة والإملاق والعدم

ــــــــــــــــ

(١) انجابت السحابة : انكشفت .

(٢) الخيم : بالكسر ، السجية والطبيعة والشيم : بكسر الشين وفتح الياء : جمع الشيمة بالكسر ، وهي الطبيعة .

(٣) استوكف : استقطر .

(٤) البوادر : جمع البادرة وهي ما يبدو من حدّتك في الغضب من قول أو فعل .

(٥) فدحه الدين : أثقله .

(٦) النقيبة : النفس والعقل ، والمشورة ونفاذ الرأي والطبيعة والأريب : العاقل وقوله : يعترم على المجهول من العرام ، أي عاقل إذا أصابته شدة .

١٠٧

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر ، وقربهم منجى ومعتصم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل : من خير أهل الأرض ؟ قيل : هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمةٌ أزمت

والأسد أسد الشرى والبأس محتدم (١)

لا ينقض العسر بسطاً من أكفهم

سيان ذلك وإن أثروا وإن عدموا (٢)

يستدفع السوء والبلوى بحبهم

ويستربّ به الإحسان والنّعم

مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بدءٍ ومختومٌ به الكلم

يأبي لهم أن يحلّ الذّمّ ساحتهم

خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هضم (٣)

أيّ الخلائق ليست في رقابهم

لأوّلية هذا أوله نعم

من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا

فالدين من بيت هذا ناله الأمم

ولم يرق هشام تلك المصارحة التي سترها دون الشاميين ، وكبر عليه مدح الإمام زين العابدينعليه‌السلام بمحضره فأمر بسجن الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة ، والظاهر أنه أوصى بقطع صلته وعطائه من البلاط ولكن الفرزدق لم يعبأ بذلك .

ــــــــــــــــ

(١) الأزمة : الشدة ، وأزمت أي لزمت والشرى : ( كعلى ) طريق في سلمى كثيرة الأسد واحتدم عليه غيظاً : تحرّق ، والنار التهبت ، والدم اشتدت حمرته حتى تسوّد وفي بعض النسخ البأس بالباء الموحدة ، وفي بعضها بالنون وعلى الأول المراد أن شدتهم وغيظهم ملتهب في الحرب وعلى الثاني المراد أن الناس محتدمون عليهم حسداً .

(٢) أثرى : أي كثر ماله .

(٣) خيم : أي لهم خيم والندى : المطر ، ويستعار للعطاء الكثير وهضم : ( ككتب ) جمع هضوم ، يقال يد هضوم أي تجود بما لديها .

١٠٨

ووصلته هدية مالية من الإمامعليه‌السلام هي أعظم هدايا ذلك الزمان قيل انها اثني عشر الف درهم ، وقيل ألف دينار مشفوعة بالعذر بعدم وجدان الأكثر فأرجعها الفرزدق خوفاً من فوات الأجر الإلهي الذي توخاه من حبه لآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلمه الإمامعليه‌السلام بقبول الله تعالى نصرته لذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهمعليه‌السلام لا يرجعون بعطاياهم .

دلالات قصيدة الفرزدق :

١ ـ لاشك ان قصيدة الفرزدق تعدّ من أعظم الوثائق التاريخية التي تكشف حب الأمة الإسلامية لآل البيتعليه‌السلام في القرن الأول الهجري وتكشف أيضاً عن معرفة الأمة (على لسان الفرزدق ) لفضائل ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطهارتهم وتقواهم وعصمتهم وديباجة القصيدة تشير الى أدب جم ونظر بعيد وبلاغة متناهية وهذا ينطبق على أدب الفرزدق وشاعريته .

٢ ـ ان ذكر تلك القصيدة الرائعة في مصادر تاريخية واسعة يدلّ على تواترها وشيوعها بين الناس لم لا وقد وصف الفرزدق بأعظم وصفٍ ، وهو انه فاز بحب أهل البيتعليه‌السلام .

فقال ابن العماد الحنبلي ( ت ١٠٨٩ هـ ) في شذرات الذهب : ( مما يرجى له الزلفى وعظيم الفائدة بحميته في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدحه زين العابدين علي بن الحسين وإعرابه عن الرغبة والرهبة )(١) وقال ابن خلكان في الوفيات واليافعي في مرآة الجنان : ( للفرزدق مكرمة يرجى له فيها الرحمة في دار الآخرة )(٢) ثم ذكر الرواية تلازمها تلك القصيدة الرائعة وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( قال الفرزدق للسجادعليه‌السلام انما قتل هذا لله عز وجل ونصرةً للحق وقياماً بحق رسول الله في ذريته ، ولست أعتاض عن ذلك بشيء )(٣) . وقال السيوطي في شرح شواهد المغني : ( قال الفرزدق للسجادعليه‌السلام حين رد الصلة : يا ابن رسول الله ما قلته الا غضباً لله عز وجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كنت لآخذ عليه شيئاً )(٤)

ــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ج ١ ص ١٤٢ .

(٢) مرآة الجنان ج ١ ص ٢٣٩ .

(٣) البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٩ .

(٤) شرح شواهد المغني ص ٢٥٠ طبعة مصر .

١٠٩

وقال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ( سمعت الحافظ فقيه الحرم محمد بن احمد بن علي القسطلاني يقول : سمعت شيخ الحرمين أبا عبد الله القرطبي يقول : لو لم يكن للفرزدق عند الله عمل الا هذا لدخل الجنة به ، لانها كلمة حق عند ذي سلطان جائر )(١)

وصح إسناد هذه الرواية ، بقسميها الواقعة والقصيدة ، عن السبكي(٢) ( ت ٧٧١ هـ ) ، وأبو نعيم(٣) ( ت ٤٣٠ هـ ) ، والاصبهاني(٤) ( ت ٣٥٦ هـ ) ، ومحمد بن مسعود العياشي ( من أعيان المائة الثالثة)

٣ ـ ان السبب الباعث لإنشاء الفرزدق قصيدته هو تجاهل هشام ( ولي العهد ) بمعرفة زين العابدينعليه‌السلام عند استفهام أهل الشام منه ، بعدما شاهدوا جلالة الإمامعليه‌السلام وهيبته فتقهقر جمع الحجيج عن الحجر ، حتى استلمه ولن يعبأ الفرزدق بسطوة هشام ولا جبروت أبيه الخليفة الظالم ، فقال قولة الحق في الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) كفاية الطالب ص ٣٠٦ .

(٢) طبقات الشافعية الكبرى ج ١ ص ١٥٣ .

(٣) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٩ .

(٤) الأغاني ج ١٩٠ ص ٤٠ .

١١٠

الإمامعليه‌السلام في شخصيته

وكان الإمام السجادعليه‌السلام كريماً في نفسه ، جليلاً في قومه وكان القوم يعظّمون مقامه ويثنون على إمامته وعبادته وتقواه كان أفضل هاشمي في زمانه(١) ، وكان ذو فضل عظيم على أهل بيته وعصره ولقد أوتي من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثله ولا قبله إلا من مضى من سلفه(٢) ، وكان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله(٣) ، وروى عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلا والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء(٤) ، وله من الخشوع وصدقة السر وغير ذلك من الفضائل(٥)

ولعل كتاب محمد بن طلحة القرشي الشافعي كان قد جمع صفات زين العابدينعليه‌السلام جمعاً رائعاً ، فقال :

ــــــــــــــــ

(١) قاله حماد بن زيد من أبرز فقهاء البصرة ( تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٩)

(٢) قاله عبد الملك بن مروان ، على الرغم من عداوته للإمامعليه‌السلام ( بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٧٥)

(٣) قاله الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٢٤٠)

(٤) قاله الشيخ المفيد في ( الإرشاد ج ٢ ص ١٣٨ و ١٥٣)

(٥) قاله ابن تيمية في ( منهاج السنّة ج ٢ ص ١٢٣)

١١١

 ( كان قدوة الزاهدين وسيد المتقين ، وإمام المؤمنين ، شيمته تشهد له أنّه من سلالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً ، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجدّه ، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها درّت له اخلاق التقوى فتفوّقها ، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها ، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها ، وحالفته وظائف الطاعة فتحلّى بحليتها ، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع طريق الآخرة ، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافرة المسافرة وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة )(١)

حج خمساً وعشرين حجة راجلاً(٢) وكان المشي من المدينة إلى مكة يستغرق حوالي عشرين يوماً وإذا كانت المسافة بين مكة والمدينة حوالي ٤٠٠ كليومتراً وكان معدل مشي الإنسان في اليوم ٢٠ كيلومتر استغرق الذهاب ثلاثة أسابيع ، والإياب ثلاثة أخرى وإذا افترضنا ان أداء المناسك يستغرق أسبوعين استغرق حج الإمامعليه‌السلام شهرين من كل سنة .

وكان فساد الوضع الإجتماعي وقلّة الموالين يدعوانه إلى تكثيف العمل الإرشادي ، وتربية الناس على التعبد لله عزّ وجلّ ،

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ .

(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ١٠٣ .

١١٢

فكانعليه‌السلام يبذل وقتاً ثميناً في موعظة المؤمنين وتدريس المتعلمين في الوقت الذي يقوم فيه بتأدية العبادات كالصلاة والصيام والحج وجهاد النفس ( الجهاد الأكبر ) فيتوهم المتوهم ( وهو عباد البصري ) ويسأله عن سبب تركه الجهاد الأصغر ، فيجيبه الإمامعليه‌السلام ، بان العلّة تكمن في قلّة الموالين الذين يعتمد عليهم في عمل عظيم كالقيام بالسيف فإذا وجدوا ( فالجهاد معهم أفضل من الحج )(١)

وكانت شخصية السجادعليه‌السلام تجذب أطراف إجتماعية متباعدة كالزهري عالم بني أمية ، والفرزدق شاعر البلاط الأموي ، وسعيد بن جبير التابعي الجليل ، ومحمد بن أسامة من بني هاشم ، وكان يصل الجميع بفكره ونصائحه ومحبتهعليه‌السلام

فهذا الزهري ، عندما عاقب شخصاً ومات في العقوبة ، خرج هائماً وتوحش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين فنصحه الإمام زين العابدينعليه‌السلام وقال له :

(إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بديّة مسلّمة إلى أهله واخرج الى أهلك ومعالم دينك ) فقال له : فرّجت عني يا سيدي ! الله أعلم حيث يجعل رسالته ورجع الى بيته ولزم علي بن الحسينعليه‌السلام ، وكان يعدّ عند البعض من أصحابه ، ولذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ! ما فعل نبيك ؟

ــــــــــــــــ

(١) المناقب ج ٣ ص ٢٩٨ والاحتجاج ص ١٧١ .

١١٣

يعني علي بن الحسينعليه‌السلام (١) إلا ان الحق ان الزهري كان من حاشية آل مروان ، ولم يثبت أنه كان من أتباع أهل البيتعليه‌السلام أصلاً .

أما الفرزدق ( همام بن غالب ) فقد ذكرنا قصيدته ودلالالتها العقائدية ، وانه قالها كلمة حقٍ عند سلطان جائر .

وهذا سعيد بن جبير يأتم بعلي بن الحسينعليه‌السلام ، فكان زين العابدينعليه‌السلام يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر وذكر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال : أنت شقي بن كسير ؟ قال : أمي كانت أعرف بي ، سمتني سعيد بن جبير .

قال : ما تقول في أبي بكر وعمر ، هما في الجنة أو في النار ؟

قال : لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها .

قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل قال أيهم أحبّ إليك ؟

قال : أرضاهم لخالقي قال فأيهم أرضى للخالق ؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم قال : أبيت أن تصدقني ؟ قال : بل لم أحب أن أكذبك(٢)

ــــــــــــــــ

(١) المناقب ج ٣ ص ٢٩٨ .

(٢) روضة الواعظين ص ٢٤٨ .

١١٤

وهذا محمد بن أسامة عندما حضرة الموت ، دخلت عليه بنو هاشم ، فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم ، وعليّ دين فأحبّ أن تضمنوه عني فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( أما والله ثلث دينك عليّ ) ثم سكت وسكتوا فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( عليّ دينك كله ) ثم قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أولاً إلا كراهة أن تقولوا : سبقنا )(١) وهكذا خلق الأولياء أبناء الأنبياءعليه‌السلام

وكان الإمام السجادعليه‌السلام يحنو على آل عقيل ويكرمهم ، لما لهم من مواقف مشرفة يوم عاشوراء ، فقد ضحى أبناء عقيل وأحفاده الشبان بين يدي الإمام الحسينعليه‌السلام وكانعليه‌السلام يقول : ( إني أذكر يومهم مع أبي عبد اللهعليه‌السلام فأرقّ لهم )(٢) وكان من برهعليه‌السلام بآل عقيل انه بنى دورهم التي هدمها الأمويون(٣) وكانت ترد الإمامعليه‌السلام أموالٌ من مصادر مختلفة ، فكان يستثمرها في ذلك .

ــــــــــــــــ

(١) روضة الكافي ج ٨ ص ٣٣٢ .

(٢) كامل الزيارات ص ١٠٧ .

(٣) غاية الاختصار ص ١٦٠ .

١١٥

الأيام الأخيرة

ذكر جملة من المؤرخين(١) ان الوليد بن عبد الملك ( ت ٩٦ هـ ) قد دسّ سماً للإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وقيل ان هشام بن عبد الملك ( ت ١٢٥ هـ ) سمه(٢) ولأن شهادتهعليه‌السلام كانت أيام ملك الوليد الممتدة من سنة ٨٦ وحتى سنة ٩٦ للهجرة ، فانه يحتمل ان الوليد قد أوعز الى أخيه هشام بسمه في المدينة في شهر محرم الحرام سنة ٩٥ للهجرة ولا يوجد من بين المصادر التاريخية تأريخاً دقيقاً يبين وقت إطعام السم إلا انه من المؤكد انه قد حصل في شهر محرم الحرام والسم لا يدع للمرء فرصة العيش إلا فترة زمنية قصيرة .

ولنعش تلك الأيام الأخيرة من حياة الإمام السجادعليه‌السلام بين الوريقات القادمة .

ــــــــــــــــ

(١) ابن حجر في الصواعق المحرقة ص ١٢٠ وابن الصباغ في الفصول المهمة والشبراوي في الإتحاف ص ٥٢ .

(٢) دلائل الإمامة لابن جرير الطبري ص ٨٠ ومناقب ابن شهر اشوب ج ٢ ص ٢٦٩ وتاريخ القرماني ص ١١١ .

١١٦

وصايا السجادعليه‌السلام لأهل بيته

وكان من عادة آل البيتعليه‌السلام إذا علموا بدنو الأجل وقرب الوفادة على الله تعالى أوصلوا أهليهم بحسن طاعة الله تعالى وحسن التعامل مع الناس وكان الإمام السابق يوصي الإمام اللاحق بوصايا الإمامة والحكمة .

ومن ذلك ان مجموعة من أصحاب الإمام زين العابدينعليه‌السلام دخلت عليه أيام مرضه لعيادته ، فقالوا له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله فدتك أنفسنا قالعليه‌السلام : ( في عافية والله المحمود على ذلك ) ثم قال لهم : ( كيف أصبحتم جميعاً ) قالوا : أصبحنا لك والله يا ابن رسول الله محبين وادين قالعليه‌السلام : ( من أحبنا الله تعالى أدخله الله ظلاً ظليلاً يوم لا ظل إلا ظله ، ومن أحبنا يريد مكافأتنا كافأه الله عنا بالجنة ، ومن أحبنا لغرض دنياً أتاه رزقه من حيث لا يحتسب )(١)

ومما أوصى به ولده : ( إذا أصابتكم مصيبة أو نزلت بكم فاقة فليتوضأ الرجل ويحسن وضوءه ويصلي أربع ركعات أو ركعتين ، وبعد الفراغ يقول : يا موضع كل شكوى ، يا سامع كل نجوى ، يا شافي كل بلاء ، ويا عالم كل خفية ، ويا كاشف ما يشاء يا نجي

ــــــــــــــــ

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢١٨ .

١١٧

موسى ، ومصطفى محمد ، يا خليل إبراهيم ، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته ، وضعفت قوته ، وقلّت حيلته ، دعاء الغريب الغريق الفقير الذي لا يجد لكشف ما فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين ، لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من من الظالمين ) ثم قالعليه‌السلام : ( من أصابه البلاء ودعا بهذا الدعاء أصابه الفرج من الله تعالى )(١)

وقالعليه‌السلام : ( يا بنيّ أخذ بيدي جدي وقال : يا بنّي أفعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن أهله كنت أهله وإن شتمك رجل وتحول الى يسارك وأعتذر إليك ، فأقبل منه )(٢) و( جالسوا أهل الدين والمعرفة ، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم ، فإن أبيتم إلا مجالسة الناس فجالسوا أهل المروآت )(٣)

وقالعليه‌السلام لبعض ولده : ( ان الله تعالى رضيني لك و لم يرضك لي ، وأوصاك بي ولم يوصني بك ، فعليك بالبر تحفة يسيرة )(٤) و( اعلم أن خير الآباء للابناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط فيه ، وخير الأنباء للآباء من لم يدعه التقصير الى العقوق له )(٥)

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة للأربلي ص ١٦٥ .

(٢) مشكاة الأنوار ص ٦٥ .

(٣) رجال الكشي ص ٤١٩ .

(٤) تحف العقول ص ٦٧ .

(٥) العقد الفريد ج٣ ص ٨٩ .

١١٨

وقالعليه‌السلام : ( يا بني خمسة لا تصاحبهم ولا توافقهم ولا تحادثهم إياك ومصاحبة الكذاب فانه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فانه بائعك بأكلة أو أقل منها وإياك ومصاحبة البخيل فانه يخذلك فيما تكون إليه أحوج وإياك ومصاحبة الأحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة قاطع رحمه ، فاني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع(١) قال تعالى : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَى‏ أَبْصَارَهُمْ ) (٢) . وقال الله تعالى :( وَالّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ ) (٣)  وقال الله تعالى : (( الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٥) (٤) .

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة ص ٢٠٠ .

(٢) سورة محمد : الآية ٢٢ ـ ٢٣ .

(٣) سورة الرعد : الآية ٢٥ .

(٤) سورة البقرة : الآية ٢٧ .

(٥) الوافي ج٣ ص ١٠٥ .

١١٩

ثم قالعليه‌السلام : ( أحبكم الى الله أحسنكم عملاً ، وأعظمكم عند الله عملاً أسعاكم لعياله ، وأكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالى )(١)

وقالعليه‌السلام : ( يا بنّي اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعتك له )(٢) ( وإياك ومعادات الرجال فانها لن تعدمك مكر حليم أو مفاجأة لئيم )(٣)

وصايا السجادعليه‌السلام لإبنه الباقرعليه‌السلام

وفي أيام مرضهعليه‌السلام أيضاً جمع أولاده محمداً والحسن وعبد الله وزيداً والحسين وأوصى بالإمامة إلى أبنه محمد بن عليعليه‌السلام ، وكناه الباقر وجعل أمرهم إليهعليه‌السلام وقال له :

(يا بنّي : العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم واعلم ان العلم أبقى ، واللسان أكثر هذراً وان صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين بهما إصلاح شأن المعائش : ملء مكيالٍ

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ٦٧ .

(٢) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٨ والبيان والتبيين للجاحظ ج ٢ ص ٥٩ .

(٣) بحار الأنوار ج ١٧ ص ١٦٠ الطبعة القديمة .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الصحيفة قال: (لا يمنعني فيها ما ألقى من أهل بيتك وولدك أمراً فظيعاً مِن قتلهم لنا وعداوتهم لنا وسوء مُلكهم ويوم قدرتهم فأكره أنْ تسمعه فتغتم ويُحزنك ولكنّي أُحدّثك بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخذ عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من العلم، تنفتح من كلّ باب ألف باب، وأبو بكر وعمر ينظرون إليّ وهو يشير لي بذلك فلمّا خرجت قالا: ما قال لك؟ قال: فحدّثتهم بما قال فحرّكا أيديهما ثمّ حكيا قَولي ثّم ولّيا يُردّدان قولي ويخطران بأيديهما).

ثمّ قال: (يا ابن عبّاس إنّ ملك بني أُميّه إذا زال فأوّل ما يملك من بني هاشم وُلدُك فيفعلون الأفاعيل)، فقال ابن عبّاس: لأنْ يكون نسختي ذلك الكتاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس.

١٦١

خبر صحيفة الكتابي

(وعن سُليم بن قيس) أنّه قال: أقبلنا من صفّين مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فنزل العسكر قريباً من دير نصراني قال: فخرج إلينا من الدير شيخٌ جميل الوجه حسَن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يديه قال: فجعل يتصفّح الناس حتى أتى عليّاً (عليه السلام) فسلّم عليه بالخلافة ثمّ قال: إنّي رجل من نسل رجلٍ من حواريّ عيسى بن مريم (عليه السلام) وكان من أفضل حواريه الاثني عشر وأحبّهم إليه وأبرّهم عنده، وإليه أوصى عيسى بن مريم وأعطاه كُتبه وعلمه وحكمته، فلم يزَل أهل بيته على دينه متمسّكين بحبله فلَم يكفروا ولو لم يرتدّوا ولم يغيّروا تلك الكتب.

فملّته لم تُبدّل ولم تُرد ولم تنقض وتلك الكتب عندي وإملاء عيسى وخطّ نبيّنا بيده، فيه كلّ شيء يفعل الناس، كم ملك وكم يملك منهم وكم يكون في كلّ زمان كل ملك منهم، ثمّ إنّ الله تعالى يبعث رجلاً من العرَب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمان من أرض تهامة من قريةٍ يقال لها مكّة يُقال له: أحمد وله اثنا عشر اسماً فذكر مبعثه ومولده وهجرته ومَن يقاتله ومَن ينصره ومَن يعاديه، وكم يعيش وما تلقى أُمّته من الفرقة والاختلاف وفيه تسمية كلّ إمامِ هدى وتسمية كلّ إمام ضلال إلى أنْ ينزل المسيح (عليه السلام) من السماء في ذلك الكتاب ثلاثة عشَر رجلاً من ولد إسماعيل

١٦٢

بن إبراهيم خليل الرحمان خيرة الله خلقه إلى الله، والله وليّ مَن والاهم وعدوّ مَن عاداهم، فمَن أطاعهم أطاع الله ومن أطاع الله فقد اهتدى، ومَن عصاهم ضل طاعتهم لله رضى ومعصيتهم لله معصية مكتوبين بأسمائهم ونسبِهم ونعوتهم وكم يعيش كلّ واحد منهم بعد واحد، وكم رجل منهم يستر دينه ويكتمه من قومه وما يظهر منهم، ومَن يملك وتنقاد له الناس حتى ينزل عيسى (عليه السلام) على آخرهم فيصلّي عيسى خلفه ويقول: (أنّكم الأئمّة لا ينبغي لأحد أنْ يتقدّمكم) فيتقدّم ويصلّي بالناس وعيسى خلفه الأوّل أفضلهم وله مثل أُجورهم وأُجور من أطاعهم واهتدى بهديهم، أحمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واسمه محمّد بن عبد الله ويس وطه والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي والقائد في الساجدين (يعني في أصلاب النبيّين) وهو نبيّ الله وخليل الله وحبيب الله وخيرته.

يراه بقلبله ويكلّمهم بلسانه وأنّه يذكر فهو أكرم خلق الله على الله وأحبّهم إلى الله، فلَم يخلق الله تعالى نبيّاً مرسلاً ولا ملَكاً مقرّباً من عصر آدم إلى من سِواه خيراً عند الله ولا أحبّ إلى الله، فيقعده الله تعالى يوم القيامة بين يدي عرشه ويشفّعه في كلّ من شفع له وباسمه جرى القلَم في اللوح المحفوظ، وفي أُمّ الكتاب يذكر محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصاحبه حامل اللواء يوم القيامة بين يدي عرشه يوم الحشر الأكبر وأخوه وزيره وخليفته ووصيّه في أُمّته وأحبّ خلق الله إليه بعده عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عمّه لأبيه وأُمّه ووليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بعده، ثمّ أحد عشَر رجلاً من بعده من ولد محمّد (صلّى الله عليه وآله) من ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) سميّا ابنَيّ هارون شبّر وشُبير، وتسعة من ولده أصغرهما وهو الحُسين واحد بعد واحد فآخرهم الذي يؤمّ لعيسى بن مريم وفيه تسمية كلّ مَن يملك منهم ومَن يستتر منهم حديثه، وأوّل من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على أهل الأرض كلّها فلمّا بُعث

١٦٣

هذا النبيّ وأبي حتى آمن به وصدّقه وكان شيخاً كبيراً فمات وقال لي: إنّ خليفة محمّد الذي هو في هذا الكتاب اسمه ونعته سيمرّ بك إذا مضى ثلاث أئمّة من أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار، وهُم عندي مسمّون بأسمائهم وقبائلهم: وهم فلان وفلان وفلان وكم يملك كلّ واحدٍ منهم فإذا جاء بعدهم الذي كان له الحق فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه، فإنّ الجهاد معه مثل الجهاد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والموالي له كالموالي لله ولمحمّد، والمعادي له كالمعادي لله ولمحمّد.

يا أمير المؤمنين مدّ يدك حتى أُبايعك فإنّي أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك خليفته على أُمّته وشاهده على خلقه وحجّته على عباده، وأنّ الإسلام دين الله وأنا ابرأ إلى الله من كلّ دينٍ خالف الإسلام وأنّه دين الله تعالى الذي اصطفاه ورضيه لأوليائه، وأنّه دين عيسى بن مريم (عليه السلام) ومِن قبله كان من الأنبياء والمرسلين الذين دان لهم مَن مضى من آبائي، وأنّي أتولّى وليك وأبرأ من عدوّك وأتولّى الأئمّة الأحد عشر مِن ولدك وأتبرأ من عدوّهم وممّن خالفهم وأبرأ منهما وممّن ظلمهم وجحَد حقّهم من الأوّلين والآخرين.

فعند ذلك ناوله يدَه المباركة وبايعه فقال له: (أرني كتابك) فناوَله إيّاه فقال لرجلٍ من أصحابه: (قم مع هذا الرجل فانظر ترجماناً يفهم كلامه فينسخه لك بالعربيّة مفسّراً فأتي به مكتوباً بالعربية)، فلمّا أنْ أتوه قال لولده الحسين (عليه السلام): (آتني بذلك الكتاب الذي بعثه إليك)، فأتى به فقال: (اقرأه وانظر أنت يا فلان الذي نسخته في هذا فإنّه خطّي بيدي إملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فقرأه فما خالفه حرفاً واحداً ما فيه تقديم ولا تأخير كأنّه إملاء رجلٍ واحد على رجلين فعند ذلك حمِد الله الإمام (عليه السلام) وأثنى عليه، فقال: (الحمد الله الذي لو شاء لم تختلف الأُمّة ولم تفترق، والحمد الله الذي لم ينسني ولم يُضيّع أجرى ولم يحمل ذكرى عنده وعند أوليائه ورسله إذ طفى وحمل عند أولياء الشياطين وحزبهم)، قال: ففرح

١٦٤

بذلك مَن حضَر من شيعته من المؤمنين،وساء ذلك كثيراً ممّن كان حوله من المعاندين حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.

(وبالإسناد) يرفعه عن سلمان والمقداد وأبي ذر قالوا: إنّ رجلاً فاخر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ فاخر أهل الشرق والغرب والعجَم والعرَب فأنت أكرمهم وابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأكرمهم زواجاً وعمّاً وأعظمهم حَزما وحِلماً، وأقدمهم سلماً وأكثرهم علماً بسنّتي وأشجعهم قلباً في لقاء الحرب وأجودهم كفّاً وأزهدهم في الدنيا وأشدهم جهاداً وأحسنهم خلقاً وأصدقهم لساناً وأحبّهم إلى الله وإليّ، وستبقى بعدى ثلاثين سنة تعبد الله تعالى وتصبر على ظلم قريش لك، ثمّ تجاهد في سبيل الله إذا وجدت أعواناً فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله، ثمّ تُقتل شهيداً فتخضّب لحيتك من دم رأسك قاتِلك يعدل عاقر ناقة صالح في البغضاء لله والبعد من الله، يا عليّ، إنّك مِن بعدي في كلّ أمرٍ غالب مغلوب مغصوب تصبر على الأذى في الله وفى رسوله محتسباً أجرك غير ضايع عند الله، فجزاك الله بعدي عن الإسلام خيراً).

(وبالإسناد) يرفعه عن سلمان وأبي ذر والمقداد أنّه أتاهم رجلٌ مسترشد في زمن خلافة عمر بن الخطّاب وهو رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم يسألهم فقالوا له: عليك بكتاب الله فالزمه، وبعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّه مع الكتاب لا يفارقه، فإنّا نشهد أنّا سمعنا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه يقول: (إنّ عليّاً مع الحقّ والحقُّ معه، يدور معه كيفما دار، وأنّه أوّل مَن آمن بي وأوّل مَن يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل، وهو وصيّي ووزيري وخليفتي في أُمّتي من بعدي فيُقاتل على سنّتي)، فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمّون أبا بكر الصدّيق وعمر الفاروق؟ فقالوا له: جهَل الناس حقّ عليّ كما جهِلوا خلافة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجهلوا حقّ

١٦٥

أمير المؤمنين (عليه السلام) وما ذلك لهما باسم؛ لأنّه اسم غيرهما والله إنّ عليّاً هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، والله إنّ عليّاً خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنّه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلّمنا جميعاً عليه بإمرة المؤمنين يوم بايعناه في غدير خم.

خبر كلام النخل الصيحاني

(وبالإسناد) يرفعه عن جابر، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (خرجت أنا ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى صحراء المدينة فلمّا صرنا في الحدائق بين النخل صاحت نخلة بنخلة: هذا النبيّ المصطفى وذا عليّ المرتضى، ثمّ صاحت ثالثة برابعة هذا موسى وذا هارون، ثمّ صاحت خامسة بسادسة هذا خاتم النبيّين وذا خاتم الوصيّين، فعند ذلك نظَر إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مبتسماً وقال لي: يا أبا الحسن، ما سمِعت؟ قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ما تسمّي هذه النخيل؟ قلتُ: الله ورسوله اعلم قال: تسمّيها الصيحاني؛ لأنّها صاحت بفضلي وفضلك يا عليّ).

(وبالإسناد) يرفعه إلى جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه الحسين (عليه السلام)، عن عليّ (عليه السلام) أنّه حدّثني عمر بن الخطّاب قال: سمِعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (فضل عليّ (عليه السلام) على هذه الأُمّة كفضل شهر رمضان على ساير الشهور، ثمّ فضل عليّ (عليه السلام) على هذه الأُمّة كفضل يوم الجمعة على ساير الأُيّام، فطوبى لمَن آمن به وصدّق بولايته، والويل كلّ الويل لمَن جحده وجحد حقّه، إنّ حقّا على الله أنْ لا ينيله شيئاً مِن رَوحه يوم القيامة، ولا تناله شفاعة محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

(وبالإسناد) عن الإمام جعفر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه الحسين (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (فاطمة قلبي وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري والأئمّة من ولدها أُمنائي وحبلها الممدود، فمَن اعتصم بهم نجا ومَن تخلّف عنهم هوى).

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن عبّاس (رضي الله عنه) قال: رفع القطر عن بني

١٦٦

إسرائيل بسوء آرائهم في أنبيائهم، وأنّ الله تعالى يرفع القطر عن هذه الأُمّة ببغضهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

خبر الأعرابي مع النبي

(وبالإسناد) يرفعه إلى سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أنّه قال: كنا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ دخل أعرابي فوقف وسلّم علينا فرددنا عليه السلام، فقال: أيّكم بدر التمام ومصباح الظلام محمّد رسول الله الملك العلاّم. أهذا هو الصبيح الوجه؟ فقلنا: نعم يا أخا العرَب اجلس، فجلس فقال له: يا محمّد آمنت بك ولم أرَك وصدّقتك قبل أنْ ألقاك غير أنّه بلغني عنك أمر.

فقال: (وأيّ شيء هو الذي بلغك عنّي؟)، فقال دعوتنا إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله وأنّك محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأجبناك ثمّ دعوتنا إلى الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد فأجبناك، ثمّ لم ترضَ عنّا حتى دعوتنا إلى موالاة ابن عمّك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ومحبّته أنت فرضته في الأرض أم الله تعالى فرضه في السماء؟

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (بل فرضه الله تعالى من السموات على أهل السموات والأرض)، فلمّا سمِع الأعرابي كلامه قال: سمعنا لما أمرتنا به يا نبي الله فإنّه الحقّ من عند ربّنا، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (يا أخا العرب، أعطى الله عليه خمس خصال فواحدة منهن خيرٌ من الدنيا وما فيها، إلا أُنبئك بها يا أخا العرب؟) قال: بلى يا رسول الله.

قال: (أخا العرب كنت جالساً يوم بدر فقد انقضت عنّا الغزاة هبط جبرئيل (عليه السلام) وقال لي: أنّ الله يقرئك السلام ويقول لك: يا محمّد آليت على نفسي بنفسي، وأقسمت عليّ بي أنّي لا أُلهم حبّ عليّ إلاّ مَن أحببته أنا؛ فمَن أحببته ألهمته حبّ عليّ (عليه السلام))، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ألا أُنبئك بالثانية؟)

١٦٧

قلت: بلى يا رسول الله فقال (صلّى الله عليه وآله): (كنت جالسا بعدما فرغت مِن جهاز عمّي حمزة إذ هبط جبرئيل فقال: يا محمّد إنّ الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك: قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتل، وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المعتل، وفرضت الزكاة ووضعتها عن المُعدَم، وفرضت حبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على أهل السموات والأرض فلَم أعط فيه رخصة).

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ألا أنبئك بالثالثة؟) قلت: بلى يا رسول الله، قال: (ما خلق الله خلقاً إلاّ وجعل لهم سيّداً فالنسر سيّد الطيور والثور سيّد البهائم والأسد سيّد السباع والجُمعة سيّد الأيّام ورمضان سيّد الشهور وإسرافيل سيّد الملائكة، وآدم سيّد البشر وأنا سيّد الأنبياء وعليّ سيّد الأوصياء)، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ألا أنبئك يا أخا العرب بالرابعة؟) قلت: بلى يا رسول الله.

قال: (حبّ عليّ بن أبي طالب شجرةٌ أصلها في الجنّة وأغصانها في الدنيا، فمَن تعلّق بها في الدنيا أدخله الجنّة، وبغضه شجرةٌ أصلها في النار وأغصانها في الدنيا فمَن تعلّق بها في الدنيا أداه إلى النار)، ثمّ قال: (صلّى الله عليه وآله): (يا أعرابي، ألا أُنبئك بالخامسة؟)، قلت بلى يا رسول الله قال: (إذا كان يوم القيامة نُصبَ لي منبر على يمين العرش ثمّ نُصب لإبراهيم (عليه السلام) منبر يُحاذي منبري عن يمين العرش، ثمّ يؤتى بكرسيّ عالٍ مشرق زاهر يُعرف بكرسي الكرامة، فينصب بينها فأنا على منبري وإبراهيم على منبره وابن عمّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فما رأت عيناي بأحسن من حبيبٍ بين خليلين)، ثم قال (صلّى الله عليه وآله): (يا أعرابي حبّ عليّ حقٌّ فإنّ الله تعالى يُحبّ محبّيه، وعليّ (عليه السلام) معي في قصرٍ واحد)، فعند ذلك قال الأعرابي: سمعاً وطاعة لله ولرسوله ولابن عمّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

١٦٨

خبر التصديق بالخاتم

(وبالإسناد) يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) قال: كنّا جلوساً عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ ورَد علينا أعرابي أشعث الحال، عليه ثيابٌ رثّة الفقرُ ظاهر بين عينيه، ومعه عياله فلمّا دخل المسجد سلّم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأنشد يقول:

أتيتك والعذارى تبكي برنّة

وقد ذُهِلت أُمّ الصبيّ عن الطفلِ

وأُختٌ وبنتان وأُمّ كبيرةٌ

وقد كِدتُ مِن فقري أُخالط في عقلي

وقد مسّني ضرٌّ وعري وفاقةٌ

وليس لنا مالٌ يمرُّ ولا يحلي

ولسنا نرى إلاّ إليك فرارنا

وأين مفرّ الناس إلاّ إلى الرسُلِ

قال: لما سمع النبي (صلّى الله عليه وآله) كلامه بكى بكاء‌ً شديداً ثمّ قال لأصحابه:

١٦٩

(معاشر الناس، إنّ الله ساق إليكم ثواباً، وقاد إليكم أجراً والجزاء من الله غُرَفٌ في الجنّة تُضاهي غُرَف إبراهيم الخليل (عليه السلام)، مَن منكم يواسي هذا الفقير؟) قال: لم يُجبه أحد، وكان في ناحية المسجد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يصلّي ركَعَات تطوّعاً وكان قائماً فأومأ بيده إلى الأعرابي فدنا منه فدَفَع الخاتم من يده إليه وهو في صلاته، فأخذه الأعرابي وانصرف وقد أحسن مَن قال:

لي خمسة ترتجى بحبّهم الـ

دنيا ويرجى من قبلهم الدين

يأمن بين الأنام تابعهم

لأنّهم في الورى ميامين

ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) غشيه الوحي إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) ونادى: (السلام عليك يا محمّد، ربّك يُقرئك السلام ويقول لك: اقرأ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) ، فعند ذلك قام النبيّ قائماً وقال: (معاشر المسلمين: أيّكم اليوم عمَل خيراً حتى جعله الله وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟)، قالوا: يا رسول الله، ما فينا مَن عمَل اليوم خيراً سوى ابن عمّك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّه تصدّق على الأعرابي بخاتمه وهو في صلاته.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وجبَت الولاية لابن عمّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ قرأ عليهم الآية، قال فتصدّق الناس على الأعرابي ذلك اليوم بخمسمِئة خاتم فأخذها الأعرابي وولّى ولقد أحسن من يقول:

أنا مولى الخمسة نزلت فيهم السور

أهل طه وهل أتى فاقرأوا واعرفوا الخير

والطواسين بعدها والحواميم والزمر

أنا مولى لهؤلاء وعدوٌّ لمـَن كفر

١٧٠

خبر الأسقف

(وبالإسناد) يرفعه إلى أنس ابن مالك أنه قال: وفد الأسقف البحراني على عمر بن الخطّاب لأجل أدائه الجزية فدعاه عمر إلى الإسلام فقال له الأسقف: أنتم تقولون: إنّ لله جنّة عرضها السموات والأرض فأين

١٧١

تكون النار؟ قال: فسكَت عُمر ولم يردّ جواباً، فقال له الجماعة الحاضرين: أجبه يا أمير المؤمنين حتى لا يطعن في الإسلام، قال: فأطرق خجَلاً من الجماعة الحاضرين ساعة لا يرَ جواباً، فإذا بباب المسجد رجلٌ قد سدّه بمنكبيه فتأمّلوه وإذا به عيبة عِلم النبوّة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد دخل، قال: فضجّ الناس عند رؤيته فقام عمر بن الخطّاب والجماعة على أقدامهم، وقال: يا مولاي، أين كنت عن هذا الأسقف الذي قد علانا منه الكلام؟ أخبره يا مولانا قبل أنْ يرتدّ الإسلام، فأنت بدر التمام ومصباح الظلام وابن عمّ رسول الأنام.

فقال الإمام عليّ (عليه السلام): (ما تقول يا أسقف؟)، قال: يا فتى، انتم تقولون أنّ الجنّة عرضها كعرض السماوات والأرض فأين تكون النار؟ قال له الإمام: (إذا جاء الليل أين يكون النهار؟) فقال له الأسقف: من أنت يا فتى؟ دعني حتى أسأل هذا الفظّ الغليظ، أنبئني يا عمر عن أرضٍ طلعت عليها الشمس ساعة ولم تطلع مرّة أُخرى.

قال عمر: أعفني عن هذا واسأل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ قال: أخبره يا أبا الحسن، فقال عليّ (عليه السلام): (هي أرض البحر التي فلقها الله لموسى حتى عبر هو وجنوده، فوقعت الشمس عليها تلك الساعة ولم تطلع قبل ولا بعد، وانطبق البحر على فرعون وجنوده)، فقال الأسقف: صدقت يا فتى قومه وسيّد عشيرته أخبرني عن شيءٍ هو في أهل الدنيا تأخذ الناس منه مهما أخذوا فلا ينقص بل يزداد.

قال عليّ (عليه السلام): (هو القرآن والعلوم)، فقال: صدقت أخبرني عن أوّل رسول أرسله الله لا من الجن ولا من الإنس فقال (عليه السلام): (ذلك الغراب الذي بعثه الله تعالى لمّا قتل قابيل أخاه هابيل فبقيَ متحيّراً لا يعلَم ما يصنع به، فعند ذلك بعث غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءةَ أخيه)، قال: صدقت يا فتى فقد بقي لي مسألة واحدة أُريد أنْ يخبرني عنها هذا، وأومأ بيده إلى عمر، فقال: يا عمر أخبرني أين هو الله؟ قال: فغضب عند ذلك وأمسَك ولم يرِدّ جواباً، قال: فالتفت الإمام (عليه السلام) وقال: (لا تغضب يا أبا، حفص حتى لا يقول أنّك قد عجزت)، فقال فاخبره أنت يا أبا

١٧٢

الحسن، فعبد ذلك قال الإمام: (كنت عند رسول الله إذ أقبل إليه ملَك فسلّم فردّ عليه السلام، فقال: أين كنت؟ قال: عند ربّي فوق سبع سماوات قال ثمّ أقبل ملَكٌ آخر فقال: أين كنت؟ قال كنت عند ربّي في تُخوم الأرض السابعة السفلى، ثمّ أقبل ملَكٌ ثالث فقال: أين كنت؟ قال: كنت عند ربّي في مطلع الشمس، ثمّ جاء ملَك آخر فقال: أين كنت؟ قال: كنت عند ربّي في مغرب الشمس فإنّ الله لا يخلو منه مكان ولا هو شيء ولا على شيء ولا من شيء ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ ) ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) ، قال فلمّا سمع الأسقف قوله قال له: مد يدك فإنّي أشهد أنّ لا إله إلاّ ألله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك خليفة الله في أرضه ووصيَّ رسوله، وأنّ هذا الجالس الغليظ الكفل الحبنطي ليس لهذا المكان بأهل، وإنّما أنت أهله فتبسّم الإمام (عليه السلام).

(وبالإسناد) يرفعه إلى المقداد بن الأسود الكندي (رضي الله عنه) قال: كنّا مع سيّدنا رسول الله وهو متعلّق بأسناد الكعبة وهو يقول: (اللهم اعضدني واشدد أزري وأشرح صدري وارفع ذكري)، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) وقال: (اقرأ يا محمّد) ، قال: (وما أقرأ؟) قال: اقرأ ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، مع عليّ بن أبي طالب صهرَك فقرأها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه فأسقطها عثمان بن عفّان حين وحّد المصاحف.

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه قال رسول الله: (يدخل الجنّة من أُمّتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب)، ثمّ التفت إلى عليّ (عليه السلام) وقال: (هم شيعتك وأنت إمامهم).

١٧٣

(وبالإسناد) يرفعه إلى عمر بن الخطّاب أنّه قال: أُعطي لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خمس خصال، فلو كان لي واحدة منها لكان أحبّ لي من الدنيا والآخرة، قالوا: وما هيَ يا عمر، قال: تزوّجه بفاطمة (عليها السلام)، وفتح بابه إلى المسجد حين سُدّت أبوابنا، وانقضاض الكواكب في حجرته، وقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له يوم خيبر (لأعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار يفتح الله تعالى على يديه بالنصر)، وقوله (صلّى الله عليه وآله) له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)، كنت أرجو أنْ تكون فيّ من ذلك واحدة.

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لمّا خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال الحمد الله، فأوحى الله تعالى إليه حمدتني، عبدي وعزّتي وجلالي لولا عبادٌ أُريد أنْ أخلقهم مِن ظهرك لما خلقتك، فارفع رأسك يا آدم، انظر فرفع رأسه فرأى في العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله نبيّ الرحمة وعليّ أمير المؤمنين مقيم الحجّة، فمَن عرف حقّه زكا وطاب ومَن أنكر حقّه كفَر وخاب، أقسمت على نفسي وبعزّتي وجلالي أنّي أُدخل الجنّة من أطاعه وإنْ عصاني وآليت على نفسي أنْ أُدخل النار مَن عصاه وإنْ أطاعني).

١٧٤

حديث أبواب الجنّة

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لمّا أُسريَ بي إلى السماء قال لي جبرئيل (عليه السلام): قد أُمرت بعرض الجنّة والنار عليك، قال: فرأيت الجنّة وما فيها من النعيم ورأيت النار وما فيها من عذاب أليم، والجنّة لها ثمانية أبواب على كلّ بابٍ منها أربع كلمات كلّ كلمة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها لمن يعرفها ويعمل بها)، قال: قال لي جبرئيل (عليه السلام): (اقرأ يا محمّد ما على الأبواب قال: قلت له: قرأت ذلك أمّا أبواب الجنّة فعلى الباب الأوّل مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، لكلّ شيءٍ حيلة وحيلة العيش أربع خصال: القناعة، ونبذ الحقد، وترك الحسَد، ومجالسة أهل الخير

١٧٥

(وعلى الباب الثاني) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، لكلّ شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع: مسح رؤوس اليتامى، والتعطّف على الأرامل، والسعي في حوائج المسلمين، وتفقّد الفقراء والمساكين.

(وعلى الباب الثالث) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، كل شيء هالك إلاّ وجهه، لكلّ شيء حيلة وحيلة الصحّة في الدنيا أربع خصال: قلّة الكلام، وقلّة المنام، وقلة المشي، وقلّة الطعام.

(وعلى الباب الرابع) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله فمَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم والدَيه ومَن كان يؤمن بالله اليوم الآخر فليَقُل خيراً أو يسكت.

(وعلى الباب الخامس) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، فمَن أراد أنْ لا يُشتمَ ومَن أراد أنْ لا يُذَل، ومَن أراد أنْ لا يَظلِم ولا يُظلَم، ومَن أراد أنْ يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله.

(وعلى الباب السادس) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، فمَن أحبّ أنْ يكون قبره واسعاً فسيحاً فليبن المساجد، ومَن أحبّ أنْ لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنِس المساجد وليكنس المساكين، ومَن أحبّ أنْ يبقى طريّاً نضراً لا يبلى فليكسوا المساجد بالبُسُط، ومَن أراد أنْ يرى موضعه في الجنّة فليسكن في المساجد.

(وعلى الباب السابع) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، بياض القلوب في أربع خصال: عيادة المرضى، واتّباع الجنائز، وشراء أكفان الموتى، ورد القرض.

(وعلى الباب الثامن) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ

١٧٦

الله، فمَن أراد الدخول في هذه الأبواب الثمانية فليمسك بأربع خصال وهي الصدقة والسخاء وحسن الخلق وكفّ الأذى عن عباد الله.

ثمّ رأيت أبواب جهنّم فإذا (على الباب الأوّل) منها مكتوبٌ ثلاث كلمات وهي: مَن رجا الله تعالى سَعد، ومَن خاف الله تعالى أمِن، والهالك المغرور مَن رجا غير الله وخاف سِواه

(وعلى الباب الثاني) مكتوب ثلاث كلمات: مَن أراد أنْ لا يكون عُرياناً يوم القيامة فليكس الجلود العارية في الدنيا، ومَن أراد أنْ لا يكون عطشاناً يوم العطش فليسق العطشان في الدنيا، ومَن أراد أنْ لا يكون جائعاً في القيامة فليُطعم البطون الجائعة في الدنيا.

(وعلى الباب الثالث) مكتوب ثلاث كلمات: لعنَ الله الكاذبين، لعنَ الله الباخلين، لعن الله الظالمين.

(وعلى الباب الرابع) مكتوب ثلاث كلمات: أذلّ الله من أهان الإسلام، أذلّ الله من أهان أهل بيت النبيّ، لعَن الله من أعان الظالمين على ظلم المخلوقين.

(وعلى الباب الخامس) مكتوب ثلاث كلمات: لا تتّبع الهوى فإنّ الهوى مجانب الإيمان، ولا تُكثر منطقك فيما لا يعنيك فتقنط من رحمة الله، ولا تكن عوناً للظالمين.

(الباب السادس) مكتوب أنا حرام على المتهجّدين أنا حرام على الصائمين.

(وعلى الباب السابع) مكتوب ثلاث كلمات: حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تحاسبوا، ووبّخوا أنفسكم قبل أنْ توبّخوا، وادعوا الله عزّ وجل قبل أنْ تردوا عليه ولا تقدرون على ذلك).

(وبالإسناد) يرفعه إلى محمّد الباقر بن جعفر الصادق (عليهم السلام) يرويه عن النسَب الطاهر إلى جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ الله تعالى جعَل ذرّية كلّ نبيّ مِن صلبه، وجعل ذرّيتي مِن صُلب عليّ بن أبى طالب (عليه السلام)

١٧٧

وإنّ الله اصطفاهم كما اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، فاتّبعوهم يهدوكم إلى صراطٍ مستقيم فقدّموهم ولا تتقدّموا عليهم؛ فإنّهم أحلمكم صغاراً وأعلمكم كباراً، فاتّبعوهم لا يدخلونكم في ضلالٍ ولا يُخرجونكم من هدى).

(وبالإسناد) يرفعه إلى أنَس بن مالك، والزبير بن العوّام أنّهما قالا: قال رسول الله: (أنا ميزان العِلم وعليّ كفّتاه، والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة (عليها السلام) علاّقته والأئمّة مِن ولدهم عموده فيُنصب يوم القيامة فيُوزن فيها أعمال المحبّين لنا والمبغضين لنا).

(وبالإسناد) يرفعه إلى سعد بن أبي وقّاص أنّه بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله معنا، إذا أقبل علينا من الركن اليماني شيءٌ على هيئة الفيل أعظم ما يكون من الفِيَلة، فتفل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقال: (لُعِنت وخُزيت يا ملعون)، فشك سعد فعند ذلك قام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: (ما هذا يا رسول الله؟).

قال: (أو ما تعرفه يا عليّ؟)، فقال: (الله ورسوله أعلم) فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (هذا إبليس) فوثَب أمير المؤمنين (عليه السلام) مِن مكانه كأنّه أسد وأخَذ بناصيته وجذَبَه مِن مكانه ثمّ قال: (أقتله يا رسول الله؟) فقال (صلّى الله عليه وآله): (أو ما علِمت أنّه مِن المُنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)، فجذبه وتنحّى به خطوات، فقال له إبليس: مالي ومالك يابن أبي طالب دعني مِن يدك فو عزّة ربّي ما يبغضك أحد إلاّ مَن شاركت أباه في أُمّه فخلاّه مِن يده فأُنزل في ذلك: ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ، يعنى بذلك شيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

كشف أمر العاتق الجاهل

(وبالإسناد) يرفعه إلى عمّار بن ياسر وزيد بن أرقم أنّهما قالا: كنّا بين يدَي أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان يوم الاثنين لسبعة عشَر ليلة خلَت من صفَر، وإذا بزعقةٍ عظيمةٍ قد ملأت المسامع، وكان عليّ (عليه السلام) بدكّة القضاء فقال: (يا عمّار ائتني بذي الفقار) وكان وزنه سبعة أمنان وثلث من بالمكّي فجئت به

١٧٨

ثمّ انتضاه مِن غمده وتركه على فخذه وقال: (يا عمّار هذا اليوم أكشف لأهل الكوفة فيه الغمّة ليزداد المؤمن وفاقاً والمخالف نفاقاً يا عمّار، رأيت مَن في الباب؟)، قال عمّار: فخَرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمَل وهي تبكي وتصيح يا غياث المستغيثين، يا بغية الطالبين، ويا كنز الراغبين، ويا ذا القوّة المتين، ويا مُطعِم اليتيم، ويا رازق العدِيم ويا محيي كلّ عظمٍ رميم، ويا قديماً سبَق قِدمه كلّ قديم ويا عون مَن ليس له عون ولا معين، ويا طود مَن لا طود له، ويا كنز مَن لا كنز له، إليك توجّهت وبولّيك توسّلت ولخليفة رسولك قصَدت، فبيّض وجهي وفرّج عنّي كربي.

قال عمّار: وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة فقومٌ لها وقومٌ عليها، فقلتُ: أجيبوا أمير المؤمنين (عليه السلام) أجيبوا عَيبة عِلم النبوّة قال: فنزلَت من القبّة ونزَل القوم معها ودخلوا المسجد، فوقفت المرأة بين يدَي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقالت: يا مولاي، يا مولاي، يا إمام المتّقين إليك أتيت وإيّاك قصدت، فاكشف ما بي من غمّة فأنّك قادر عليه وعالم بما كان وما يكون إلى يوم الوقت المعلوم، فعند ذلك قال (عليه السلام): (يا عمّار، نادِ في الكوفة: ألا مَن أراد أنْ ينظر إلى ما أَعطى الله عليّاً أخا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فليأت المسجد)، قال: فاجتمع الناس حتى امتلأ المسجد بالناس، وصار القدَم على القَدم فعند ذلك قال مولايّ (عليه السلام): ( سلوا ما بدا لكم يا أهل الشام ) .

فنهَض مِن بينهم شيخٌ كبير قد لبِس عليه بُردة يمانيّة وحلّة عريشية وعمامة خراسانية، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ويا كنز الطالبين، ويا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرَب منّي وقد نكّسَت رأسي بين عشيرتي، وأنا موصوف بين العرَب وقد فضحتني في أهلي ورجالي؛ لأنّها عاتقٌ حامل فأنا تلبس بن عفريس لاتّخذ لى نار ولا يُصام لي جار، وقد بقيت حائراً في أمري فاكشف عنّي هذه الغُمّة فإنّ الإمام ترتجيه الأُمّة وهذه الغمّة عظيمة لم أرَ مثلها ولا أعظم منها، فقال أمير المؤمنين: (ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك؟) فقالت: يا مولاي أمّا قوله إنّي عاتقٌ فقد صدَق وأمّا قوله إنّي حامل فو حقّك يا مولاي ما علمتُ مِن نفسي خيانةً قط وأنّي

١٧٩

أعلم أنّك أعلم بي منّي، وأنّي ما كذبت ففرّج عنّي يا مولاي، قال عمّار: فعند ذلك أخذ ذا الفقار وصعد المنبر وقال: (الله أكبر ( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) ثمّ قال: عليّ بقابلة الكوفة) فجاء‌ت امرأة يُقال لها لبنة وهي قابلة نساء أهل الكوفة، فقال لها: (اضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري هذه الجارية أعاتق أم حامل)، ففعلت ما أمرها به (عليه السلام) ثمّ خرَجَت وقالت: نعم يا مولاي هي عاتقٌ حاملٌ وحقّك يا مولاي فعند ذلك التفت الإمام إلى أبي الجارية وقال: (يا أبا الغضَب، ألستَ من قريةِ كذا وكذا من أعمال دمشق؟)، قال: وما هي القرية؟

قال: (قرية يقال لها أسعار)، فقال: بلى يا مولاي، فقال: (مَن منكم يقدر هذه الساعة على قطعةٍ من الثلج؟) قال: يا مولاي الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر عليه ههنا، فقال (عليه السلام): (بيننا وبين بلدكم مِئتان وخمسون فرسخاً؟) قال: نعم يا مولاي.

ثمّ قال: (أيّها الناس انظروا إلى ما أعطى الله عليّاً مِن العلم النبوي، الذي أودعه الله رسولَه من العلم الربّاني)، قال عمّار بن ياسر فمدّ يده (عليه السلام) مِن على منبر الكوفة وردّها وفيها قطعةٌ من الثلج يقطر منها، فعند ذلك ضجّ الناس وماج الجامع بأهلِه فقال (عليه السلام):

(اسكتوا ولو شئت أتيت بجباله، ثمّ يا قابلة خذي هذا الثلج اخرجوا بالجارية واتركي تحتها طشتاً، وضعي هذه القطعة ممّا يلي الفرج فسترين علقةً وزنها سبعة وخمسون درهماً ودانقان)، قال: فقال له جمعنا الله ولك يا مولاي، ثمّ أخذتها وخرجَت بها من الجامع وجاء‌ت بطشت ووضعت الثلجة على الموضع كما أمرها (عليه السلام) فرمَت علقةً كبيرةً فوزنتها القابلة فوجدتها كما قال (عليه السلام)، وأقبلت القابلة والجارية فوضعَت العلقة بين يديه ثمّ قال (عليه السلام): (قم يا أبا الغضَب، خذ ابنتك فوالله ما زنَت وإنّما دخلت الموضع الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين، وكبُرت إلى الآن في بطنها فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنّك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر، وأنّك باب الدين وعموده، قال فضجّ الناس عند ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين، لنا اليوم خمس سنين لم تمطر السماء علينا غيثاً وقد أمسك المطر عن الكوفة

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206