الفضائل

الفضائل18%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67002 / تحميل: 7647
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

الفضائل

لأبى الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل ابن أبي طالب القمّي

نزيل المدينة النبوية

وهو صاحب كتاب (إزاحة العلّة) المذكور في (البحار) وكان من مشايخ الإجازة، روى عنه فخار بن مَعْد الموسوي وروى هو عن أبيه وعن العماد الطبَري صاحب كتاب (بشارة المصطفى) (المطبوع في النجَف)، وقد عاصَر ابن إدريس، وتوفّي في حدود سنة ٦٦٠ هـ‍، منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف ١٩٦٢ م - ١٣٨١ هـ‍.

١

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، مِن الآن إلى يوم الدين.

٢

إحياء عليّ (عليه السلام) للميّت

  حدّثني الشيخ الفقيه (أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمّي) قال: حدّثني الشيح محمّد بن أبى مسلم بن أبي الفوارس الدارمي، وقد رواه كثير من الأصحاب، حتى انتهى إلى أبي جعفر ميثم التمّار، قال: بينما نحن بين يدَي مولانا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة وجماعة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مُحدقون به كأنّه البدر في تمامه بين الكواكب في السماء الصاحية، إذ دخَل عليه من الباب رجلٌ طويل علية قِباء خز أدكَن متعمّم بعمامةٍ أتحميّة صفراء وهو مقلّد بسيفين، فدخَل من غير سلام ولَم ينطق بكلام فتطاول الناس بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق، وشخَصوا إليه بالأحداق، ومولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لا يرفع رأسه إليه، فلمّا هدأت من الناس الحواس فحينئذٍ أفصَح عن لسانه كأنّه حسام جُذِب مِن غمده، ثمّ قال: أيّكم المجتبى في الشجاعة، والمعمّم بالبراعة، والمدرّع بالقناعة، أيّكم المولود في الحرَم، والعالي في الشيَم، والموصوف بالكرَم؟

٣

أيّكم الأصلع الرأس، والثابت الأساس، والبطل الدعّاس، والآخذ بالقَصاص، والمضيّق للأنفاس؟ أيّكم غصنُ أبي طالب الرطيب، وبطَله المهيب، والسهم المصيب والقسم والنجيب؟ أيّكم خليفة محمّد (صلّى الله عليه وآله) الذي نُصِر به في زمانه، وعزّ به سلطانه، وعظُم به شأنه؟ أيّكم قاتل العُمَرين وآسر العُمَرين؟ فعند ذلك رفَع أمير المؤمنين (عليه السلام) رأسه إليه فقال له (عليه السلام): (يا مالك، يا أبا سعْد بن الفضل بن الربيع بن مدركة ابن نجيبة بن الصلْت بن الحارث بن الأشعث بن السمعمع الدويني، سل عمّا بدا لك، فأنا كنزُ الملهوف، وأنا الموصوف بالمعروف، أنا الذي أفرعتني الصمّ الصلاب، وأنا المنعوت في كلّ كتاب، أنا الطود والأسباب أنا ق والقرآن المجيد، وأنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم، أنا علي موآخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وزوج ابنته ووارث عِلمه وعيبة حكمته والخليفة مِن بعده).

فقال الإعرابي: بلَغنا عنك إنّك معجز النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والإمام الولي ليس لك مطاول فيطاولك، ولا مُمانع فيصاولك، أهو كما بلغنا عنك يا فتى قومه؟ قال عليّ (عليه السلام): (قل ما بدا لك)، فقال: إنّي رسولٌ إليك من ستّين ألف رجُل يُقال لهم (العقيمية)، وقد حملوا معي رجُلاً ميّتا قد مات منذ مدّة وقد اختُلِف في سببِ موته وهو على باب المسجِد فإنْ أحييته علِمنا أنّك وصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صادقٌ نجيب الأصل وتحقّقنا أنّك حجّة الله في أرضه، وخليفةٌ في عباده، وإنْ لم تقدِر على ذلك ردَدته على قومه وعلِمنا أنّك تدّعي غير الصواب وتُظهِر مِن نفسِك مالا تقدِر عليه.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا أبا جعفر، (وهو ميثم التمّار) اركب بعيراً وطُف في شوارع الكوفة ومحلاّتها، ونادِ مَن أراد أنْ ينظر إلى ما أعطى الله عليّاً أخا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، بعل فاطمة (عليها السلام) ممّا أودعه رسول الله مِن العِلم فيه فليخرج إلى النجف غداً)، فهرع الناس إلى النجف فلمّا رجع

٤

ميثم من النداء قال له عليّ (عليه السلام): (خذ الإعرابي إلى ضيافتك، فغداة غد سيأتيك الله بالفرج) قال ميثم: فأخذت الإعرابي ومعه محمل فيه ميّت فأنزلته منزلي وأخدمته أهلي، فلمّا صلّى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الفجْر خرَج وخرجْت معه ولَم يبقَ في الكوفة بَرٌّ ولا فاجر إلاّ و خرَج إلى النجف، فقال (عليه السلام): (يا أبا جعفر، علَيَّ بالإعرابي وصاحبه الميّت) فخرجتُ مِن عنده وإذا أنا بالإعرابي وهو راجل تحت القبّة التي فيها الميّت فأتى بها إلى النجف، فعند ذلك قال (عليه السلام): (يا أهل الكوفة، قولوا فينا ماتَرَونه، وارووا عنّا ما تسمعونه، وأوردوا ما تُشاهدونه منّا)، ثمّ قال: (يا إعرابي، ابرك جملَك واخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين).

قال ميثم: فاخرج تابوتا من الساج وفيه من قصَب وطاء ديباج فحلّه وإذا تحته بدرة من اللؤلؤ وفيها غلامٌ قد تمّ عذاره بذوائب كذوائب المرأة الحسناء، فقال (عليه السلام): (يا إعرابي كم لميّتك هذا) فقال: أحد وأربعون يوماً، فقال: (ما كان سبب موته)، فقال الإعرابي: يا فتى، أهله يريدون أنْ تُحييه ليخبرهم مَن قتَلَه فيعلموه، لأنّه بات سالماً وأصبح مذبوحاً من الأُذن إلى الأُذن، فقال له (عليه السلام): (مَن يطلب بدمه؟) قال خمسون رجلاً من قومه يعضُد بعضُهم بعضاً في طلَب دمِه، فاكشف الشكّ والريب يا أخا رسول الله، فقال (عليه السلام):

  (هذا الميّت قتَلَه عمّه؛ لأنّه تزوّج ابنته فخلاّها وتزوّج غيرها فقتَلَه حُنقا عليه) فقال الإعرابي: لسنا نرضى بقولك وإنّما نريد أنّ يشهد هذا الغلام بنفسه عند أهله، مَن قتله حتى لا يقع بينهم السيف والفتنة والقتال، فعند ذلك قام عليّ (عليه السلام) فحمِد الله وأثنى عليه وذكَر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فصلّى عليه ثمّ قال: (يا أهل الكوفة، ما بقرة بني إسرائيل بأجلّ مِن عليّ أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإنّها أحيَت ميّتاً بعد سبعة أيّام) ثمّ دنا من الميّت فقال: (إنّ بقرة بني إسرائيل ضرَب بعضها الميّت فعاش، وأنا أضربه ببعضي فإنّ بعضي عند الله خيرٌ مِن البقرة كلّها) ثمّ هزّه برجله اليُمني وقال: (قُم بإذن الله تعالى يا مدرك بن حنضلة بن غسّان بن يحيى بن سلامة ابن الطبيب

٥

ابن الأشعث، فها قد أحياك الله تعالى على يدَيّ عليّ بن أبي طالب).

قال ميثم التمّار: فنهَض غلامٌ أحسَن من الشمس أوصافاً ومِن القمر أضعافاً وقال: لبّيك لبّيك يا حجّة الله تعالى على الأنام، والمتفرّد بالفضل والإنعام، فقال له عليّ (عليه السلام): (مَن قاتلك؟) فقال: قاتلي عمّي الحاسد حبيب بن غسّان، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (انطلق إلى اهلك يا غلام) قال لا حاجة بي إلى أهلي، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولِمَ؟)، قال: أخاف أنْ أُقتَل ثانية ولا تكون أنتَ فمَن يحييني؟ فالتفت الإمام (عليه السلام) إلى الإعرابي وقال: (امض أنت إلى أهلِك واخبرهم بما رأيت) فقال الإعرابي: وأنا أيضاً قد اخترت المقام معك إلى أنْ يأتي الأجل فلعَن الله تعالى مَن انجلى له الحق ووضح وجعل بينه وبين الحقِّ سِترا، فأقاما مع عليّ (عليه السلام) إلى أنْ قتَلا معه بصفّين وسار أهل الكوفة إلى منازلهم واختلفوا في أقاويلهم فيه (عليه السلام)

٦

  خبر ابن عبّاس في فضل عليّ

(خبر آخر): عن ابن عبّاس (رضي الله عنه)، قال سمِعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (أعطاني الله تعالى خمساً وأعطى عليّاً (عليه السلام) خمساً، أعطاني جوامِع الكلِم وأعطى عليّاً جوامع العِلم، وجعَلني نبيّاً وجعَله وصيّاً، وأعطاني الكوثر وأعطاه السلسبيل، وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام، وأسرى بي إليه وفتَح له أبواب السماوات والحُجب حتى نظَر إليّ ونظرت إليه) قال: ثمّ بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقلتُ له: ما يُبكيك يا رسول الله، فداك أبي وأُمّي قال: (بابن عبّاس، إنّ أوّل ما كلّمني به ربّى (قال يا محمّد انظر تحتك)، فنظرت إلى الحُجُب قد انخرقت وإلى أبواب السماء قد انفتَحَت ونظرت إلى عليّ وهو رافعٌ رأسه إليّ، فكلّمني وكلّمته وكلّمني ربّي عزّ وجل).

قال: فقلت: يا رسول الله بما كلّمك ربّك قال: (قال لي: (يا محمّد، إنّي جعلتُ عليّاً وصيّك ووزيرك وخليفتك من بعدك، فاعلمه فها هو يسمَع كلامك) فأعلَمته وأنا بين يدَي ربّى عزّ وجل فقال لي: (قد قبلت واطّلعت) فأمر الله تعالى الملائكة يتباشرون به وما مرَرت بملأٍ من ملائكة السماوات إلاّ هنّأوني وقالوا يا محمد والذي بعثك بالحق نبيا لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عزّ وجل ابن عمك ورأيت حملة

٧

العرش قد نكّسوا رؤوسَهم إلى الأرض، فقلتُ: يا جبرائيل، لمَ نكّس حمَلة العرش رؤوسهم؟ قال: يا محمّد، ما مِن ملَك من الملائكة إلاّ وقد نظَر إلى وجه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) استبشاراً به ما خلا حمَلَة العرش، فإنّهم استأذنوا الله عزّوجل في هذه الساعة فأذِن لهم فنظروا إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فلمّا هبَطت جعلتُ أُخبره بذلك وهو يُخبرني به، فعلمتُ أنّي لم أطأ موطئاً إلاّ وقد كُشِف لعليّ عنه حتى نظر إليه).

فقال ابن عبّاس (رضي الله عنه): فقلت: يا رسول الله: أوصني، فقال: (عليك بمودّة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، والذي بعثني بالحقّ نبيّا لا يَقبل الله تعالى مِن عبدٍ حسنَةً حتى يسأله عن حبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو بقول أعلم، فمَن مات على ولايته قُبِل عمَله ما كان منه، وإنْ لم يأتِ بولايته لا يُقبَل مِن عملِه شيء، ثمّ يؤمَر به إلى النار، يابن عباس، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً إنّ النار لأشدّ غضَباً على مُبغِض عليّ (عليه السلام) منها على مَن زعَم أنّ لله ولداً، يابن عبّاس لو أنّ الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين اجتمعوا على بغض عليّ بن أبي طالب مع ما يقَع من عبادتهم في السموات، لعذّبهم الله تعالى في النار).

قلتُ: يا رسول الله، وهل يبغضه أحد؟ قال: (يابن عبّاس، نعَم يبغضه قومٌ يُذكر مِن أنّهم مِن أُمّتي لم يجعَل الله لهم في الإسلام نصيباً، يا ابن عبّاس، إنّ مِن علامة بُغضهم له تفضيلهم لمَن هو دونه عليه، والذي بعثَني بالحقّ نبيّاً ما بعَث الله نبيّاً أكرم عليه منّي ولا وصيّاً أكرَم عليه من وصيّي).

قال ابن عبّاس فلَم أزَل له كما أمَرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأوصاني بمودّته وأنّه لأكبر عملي عندي، قال ابن عبّاس: ثمّ مضى مِن الزمان ما مضى وحضَرَت رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة، فقلتُ فِداك أبي وأُمّي يا رسول الله، (صلّى الله عليه وآله) وقد دنا أجلُك فما تأمرني؟ قال: (يا ابن عبّاس، خالف مَن خالف عليّاً ولا تكونّن لهم ظهيراً ولا وليّاً).

قلت: يا رسول الله، ولِم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟ قال: فبكى (صلّى الله عليه وآله) ثمّ قال: (يا ابن عبّاس سبَق فيهم علم ربّي، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً لا يخرج أحدٌ ممّن خالفه من الدنيا وأنكر حقّه

٨

حتى يُغيّر الله تعالى ما به من نعمة، يا ابن عبّاس إذا أردتَ أنْ تلقى الله تعالى وهو عنك راضٍ فاسلك طريقة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومل معه حيث مال، ارض به إماما، وعاد من عاداه ووال من والاه، يا ابن عبّاس حذر من أنْ يدخلك شكٌّ فيه؛ فإنّ الشكّ في عليّ كُفرٌ بالله تعالى).

(خبرٌ آخر) عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (إنّ جبرائيل (عليه السلام) نزَل علَيّ وقال: يا محمّد، إنّ الله تعالى يأمرك أنْ تقوم بتفضيل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خطيباً على المنبر؛ ليبلّغوا من بعدهم ذلك عنك، ويأمر جميع الملائكة أنْ يسمَعوا ما تذكره، والله يوحي إليك يا محمّد إنّ مَن خالفَك في أمرك فله النار، ومن أطاعك فله الجنّة).

فأمَر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) منادياً نادى بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرَج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ورقى المنبر، وكان أوّل ما تكلّم به: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم) ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (أيّها الناس، أنا البشير أنا النذير أنا النبي الأُمّيّ، وأنا مبلّغكم عن الله عزّ وجل في رجلٍ لحمه لحمي ودمه دمي، وهو عيبة عِلمي وهو الذي انتخبه الله تعالى من هذه الأُمّة واصطفاه وهذّبه وتولاّه، وخلقني وإيّاه من نورٍ واحد وفضّلني بالرسالة وفضّله بالإمامة والتبليغ عنّي، وجعلني مدينة العِلم وجعلَه الباب خازن العلم والمفتّش منه الأحكام، وخصّه بالوصية وأبان أمره وخوّفَ من عداوته، وأزلَف لمَن والاه وغفَر لشيعته وأمر الناس جميعا بطاعته، وأنّه عزّ وجل ويقول: مَن عاداه عاداني ومَن والاه والاني، ومَن آذاه آذاني ومن ناصبه ناصبني، ومن خالفه خالفني ومن أبغضه أبغضني، ومَن أحبّه أحبّني ومَن أراده أرادني ومَن كاده كادني ومن نصره نصرني، أيّها الناس، اسمعوا لما آمركم به وأطيعوه فأنا أُخوّفكم عقاب الله تعالى: ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) )، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

٩

وقال: (معاشر الناس، هذا مولى المؤمنين وحجّة الله على الخلق أجمعين، اللهم إنّي قد بلّغت وهُم عبادك وأنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا ارحم الراحمين، استغفر الله لي ولكم).

ثمّ نزَل عن المنبر فاتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال: (يا محمّد، إنّ الله تعالى يُقرئك السلام ويقول لك: جزاك الله تعالى عن تبليغك خيراً؛ فقد بلّغت رسالات ربّك ونصحت لأُمّتك وأرضيت المؤمنين وأرغمت الكافرين، يا محمّد، إنّ ابن عمّك مبتلى ومبتلىً به، يا محمّد، قل في كلّ أوقاتك الحمد الله ربّ العالمين وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والحمد لله حق حمده).

(خبرٌ آخر): عن جابر بن يزيد الجعفي قال: خدمت سيّدنا الإمام عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وودّعته وقلتُ أفدني فقال: (يا جابر، بلّغ شيعتي منّي السلام وأعلمهم أنّه لا قرابة بيننا وبين الله عزّ وجل ولا يقترب إليه إلاّ بالطاعة له، يا جابر، مَن أطاع الله وأحبّنا فهو وليّنا ومَن عصى الله لم ينفعه حبّنا، ومَن أحبّنا وأحب عدوّنا فهو في النار، يا جابر، مَن هذا الذي سأل الله تعالى فلَم يعطه، وتوكّل عليه فلم يكفِه، ووثق به فلَم يُنجّه، يا جابر انزل الدنيا منك كمنزلٍ نزلته فإنّ الدنيا للتحويل عنها، وهل الدنيا إلاّ دابّة ركِبتها في منامك فاستيقظت وأنتَ على فراشك، هي عند ذوي الألباب كفئ الظلال، لا إله إلا الله أعذار لأهل دعوة الإسلام، والصلاة تثبيت للإخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزويد في الرزق، والصيام والحج لتسكين القلوب، والقصاص والحدود لحقن الدماء، فإنّ أهل البيت نظام الدين، جعلنا الله وإيّاكم من الذين يخشون ربّهم بالغيب وهُم من الساعة مشفقون).

(وممّا قاله النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في فضل عليّ وأهل بيته): عن ابن عبّاس (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم جالساً إذا أقبل الحسن (عليه السلام) فلمّا رآه بكى ثمّ قال: (إليّ إليّ يا بنيّ)، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيمن، ثمّ أقبل الحسين (عليه السلام) فلمّا رآه بكي ثمّ قال: (إليّ إليّ يا بنيّ) فما زال

١٠

يدنيه حتى أجلسه على فخذه الأيسر، ثمّ أقبلت فاطمة (عليه السلام) فلمّا رآها بكى ثمّ قال: (إليّ إليّ يا بنيّة) فما زال يُدنيها حتى أجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فلمّا رآه بكى ثمّ قال: (إليّ إليّ يا أخي) فما زال يُدنيه حتى أجلسه إلى جنبيه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى أحداً من هؤلاء إلاّ بكيت، أوَ ما فيهم مَن تسر برؤيته؟

فقال (صلّى الله عليه وآله): (والذي بعثني بالحقّ نبيّاً وبشيراً ونذيراً واصطفاني على جميع البرية، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم، أمّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كلّ مؤمن وقائد كلّ تقيّ وهو وصيّي وخليفتي على أُمّتي في حياتي وبعد مماتي، مُحبّه مُحبّي ومُبغضه مُبغضي، وبولايته صارت أُمّتي مرحومة، وبعد وفاتي صارت بالمخالفة له ملعونة فإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأُمّة به بعدي، حتى أنّه ليُزال عن مقعدي وقد جعلَه الله بعدي له، ثمّ لا يزال الأمر به حتى يُضرَب على قَرنه ضربةً تخضّب منها لحيته في أفضل الشهور، وهو شهرُ رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان.

وأمّا ابنتي فاطمة (عليها السلام) فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعةٌ منّى وهي نور عيني وثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبَي وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدَي ربّها جلّ جلاله زهَر نورها للملائكة في السماء كما يزهر الكواكب لأهل الأرض، فيقول الله عزّ وجل للملائكة: يا ملائكتي، انظروا أَمَتي فاطمة سيّدة نساء خلْقي قائمة بين يدَيّ، ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبَلت بقلبها على عبادتي، أُشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النار، وأنّي لما رأيتها تذكّرت ما يَصنع بها بعدى، وكأنّي بها وقد دخَل عليها الذلّ في بيتها وانتُهكت حُرمتها، وغُصبت حقَّها ومُنِعت إرثها، وكُسِر جَنبُها وسقط جنينها، وهي تنادي: وامحّمداه، فلا تُجاب وتستغيث

١١

فلا تغاث فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، فتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة وتذكر فراقي أُخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقدي وفقد صوتي، الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثمّ تُرى ذليلةً بعد أنْ كانت عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره، بملائكةٍ فتناديها بمنادات مريَم ابنة عمران: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة، اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين، ثمّ يبتدئ بها الوجَع فتمرض ويبعث الله عزّ وجل إليها مريم ابنة عمران، فتمرّضها وتُؤنسها في علّتها فتقول عند ذلك: يا ربِّ إنّي قد سئمتُ الحياة، وتبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي، فيلحقها الله عزّ وجل فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علَيّ محزونةً مكروبة مغمومة معصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمّ العن ظالمها وعاقب من غصبها حقّها، وأذلّ من أذلّها وخلّد في النار مَن ضربها على جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

(وأمّا الحسن) فإنّه ابني وولدي ومنّي وقرّة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي، وهو سيّد شباب أهل الجنّة وحجّة الله تعالى على الأئمّة، أمره أمري وقوله قولي فمَن تبِعه فإنّه منّي ومن عصاه فليس منّي، وأنّي نظرت إليه فذكرت ما يجرى عليه من الذلّ بعدي فلا يزال الأمر به حتى يُقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد بموته، ويبكيه كلُّ شيء حتى الطير في جوِّ السماء والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعمَ عيناه يوم تعمى الأعيُن ومَن حزَن عليه لم يحزَن قلبه يوم تحزَن القلوب، ومَن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزِلّ فيه الأقدام.

(وأمّا الحسين) فإنّه منّي وهو ابني وولدي وخير الخلْقِ بعد أخيه، وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وخليفة ربِّ العالمين، وكهف المتحيّرين وحجّة الله تعالى على الخلق أجمعين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة وباب نجاة الأُمّة أمره أمري وطاعته طاعتي، ومَن تبعه فإنّه منّي ومَن عصاه فليس منّي، وأنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يُصنع به بعدي

١٢

وكأنّي به وقد استجار بحرَمي فلا يُجار فأضمّه في منامي إلى صدري، وآمره بالرحلة مِن دار هجرتي فأُبشّره بالشهادة فيرتحل إلى أرض مقتله وموضع مصرعه، لأرضِ كرْبٍ وبلاء وقتلٍ وفناء، فتنصره عصابةٌ من المسلمين أُولئك سادة شهداء أُمّتي يوم القيامة، وكأنّي انظر إليه وقد رُمِيَ بسهم فخرّ من فرسه صريعاً، ثمّ يُذبَح كما يُذبح الكبش مظلوماً).

ثمّ بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبكى مَن حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ويقول اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي)، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (إذا كان يوم القيامة يُزيّن العرش بكلّ زينه، ثمّ يؤتى بمنبرين من نور طولهما مِئة ميل، فيوضع أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش، ثمّ يؤتى بالحسن والحسين (عليهما السلام)، فيقوم الحسن (عليه السلام) على أحدهما والحسين (عليه السلام) على الآخر، يُزيّن الربُّ تبارك وتعالى بهما عرشه كما تُزيّن المرأة قرطاها).

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (إذا كان يوم القيامة تأتي ابنتي فاطمة (عليها السلام) على ناقة من نوق الجنّة مدبّجة الجنبين خطامها من اللؤلؤ الرطَب، قوائمها من الزمّرد الأخضر ذنبها من المسك الأذفَر، عيناها من ياقوتٍ أحمر عليها قبّة من نور يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، وباطنها من عفوِ الله وظاهرها من رحمة الله، على رأسها تاجٌ من نور وللتاج سبعون ركناً، كلّ ركن مرصّع بالدرّ والياقوت يُضيء لأهل الجنّة كما يضيء الكوكب الدرّيّ في أُفُق السماء، عن يمينها سبعون ألف ملَك وجبرئيل آخذٌ بخطام الناقة وهو ينادى بأعلى صوته: يا أهل الموقف، غُضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلا يبقى يومئذٍ نبيّ ولا كريم ولا صدّيق ولا شهيد إلاّ غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين، فتجوز حتى تُحاذي عرش ربّها جلّ جلاله فتنزل بنفسها عن ناقتها فتقول: إلهي وسيّدي احكم بيني وبين من ظلمني، واحكم بيني وبين من قَتَل ولدي، فإذا النداء من قِبل الله تعالى: يا حبيبتي وبنت حبيبي سلي تُعطَي واشفعي تُشفّعي وعزّتي وجلالي لأجاوزنّ ظلم ظالم، فتقول: يا ألهي،

١٣

ذرّيتي وشيعة ذرّيتي ومحبّي ذرّيتي، فإذا النداء من قِبل الله عزّ وجل أين ذرّية فاطمة وشيعتها وشيعة ذرّيتها ومحبّو ذرّيتها، فيقبلون وقد أحاطوا بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنّة وصلّى الله عليها وعلى أبيها).

(خبر آخر): قال سماعة بن مهران أنّ الصادق (عليه السلام) قال له: (يا سماعة، مَن شرُّ الناس؟)، قال: نحن يابن رسول الله، قال: فغضب (عليه السلام) حتى احمرّت وجنتاه، ثمّ استوى جالساً وكان متّكئا وقال:

(يا سماعة، مَن شرّ الناس عند الناس؟)، فقلت: والله ما كذبتك يا ابن رسول الله، نحن شرّ الناس؛ لأنّهم سمّونا كفّار، أو رفَضةً فنظر إليّ ثمّ قال: (كيف بكم وبهم إذا سيق بكم إلى الجنّة وسيق بهم إلى النار، فينظرون إليكم فيقولون مالنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار؟!، يا ابن مهران، إنّه مَن أساء منكم إساء‌ةً مشينا إلى الله تعالى بأقدامنا يوم القيامة فنُشفّع فيه، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، ولا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجلٌ واحد، فتنافسوا في الدرجات وأكدوا عدوّكم المفزع).

حديث مولد النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)

قال الواقدي: أوّل ما افتتح به عقيل ابن أبي وقّاص حين خطَب آمنة لعبد الله بن عبد المطّلب أنْ قال: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا من نسلِ إبراهيم، ومن شجرة إسماعيل، من غصن نزال ومن ثمرة عبد مناف)، ثمّ أثنى على الله تعالى ثناءً بليغاً، وقال فيه جميلاً وأثنى على اللات والعزّى ومناة، وذكرهم بالجميل وقال: لا يستغني عنكم مع هذا كلّه وعقَد النكاح ونظر إلى وهَب وقال: يا أبا الوداج، زوّجت كريمتك آمنة من ابن سيّدنا عبد المطّلب على صداق أربعة آلاف درهَم بيض هجرية جياد، وخمسمِئة مثقال ذهبٍ أحمر، قال: نعم، ثمّ قال: يا عبد الله، قبلت بهذا الصداق يا أيّها السيّد الخاطب، قال: نعم، ثمّ دعا لهما بالخير والكرامة ثمّ أمر وهَب أنْ تُقدّم المائدة فقُدّمت مائدة خضرة، فأُتي من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض، فأكلوا وشرِبوا، قال: ونثَر عبد المطّلب على ولده قيمة ألف

١٤

درهم من النثار وكان متّخذاً من مسك بنادق ومن عنبرٍ ومن سُكّر ومِن كافور، ونثر ذهَب بقيمة ألف درهم عنبر وفرح الخلق بذلك فرَحاً شديداً.

(قال الواقدي): فلمّا فرغوا من ذلك نظر عبد المطّلب إلى وهَب وقال: وربّ السماء إنّي لا أُفارق هذا السقف أو أُؤلّف بين ولدي عبد الله وحليلته، فقال وهب: بهذه السرعة لا يكون فقال عبد المطّلب: لا بدّ من ذلك فقام وهب ودخل على امرأته برّة وقال لها: اعلمي أنّ عبد المطّلب قد حلَف بربّ السماء أنّه لا يفارق هذا السقف أو يؤلّف بين ولده عبد الله وبين زوجته آمنة، فقامت المرأة من وقتها ودعَت بعشرة من المشاطات وأمرتهنّ أنْ يأخذنَ في زينة آمنة، فقعدن حول آمنة فواحدة منهن تنقش يديها، وواحدة تخضّب رجليها، وواحدة تسرّح ذوائبها ووحدة تمسحها بالملاء، فلمّا كان عند غروب الشمس وفرغن من زينتها نصَبوا سريراً من الخيزران وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج والوشي، وأُقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجاً وعلى جبينها إكليلاً وعلى عنقها مخانق الدرّ والجواهر، وتختّمت بأنواع الخواتيم.

وجاء وهَب وقال لعبد المطّلب: يا سيدي قم إلى العروس، فقام عبد المطّلب إلى العروس وهي كأنّها فلقة قمر، من حُسنها، وتقدّم عبد المطّلب إلى السرير وقبّله وقبل عين العروس، فقال عبد المطّلب لولده عبد الله: اجلس يا ولدي معها على السرير وافرح برؤيتها، قال فرفع عبد الله قدمه وصعد إلى السرير وقعد إلى جنب العروس، وفرح عبد الله وكان من عبد الله إلى أهله ما يكون من الرجال إلى النساء، فواقعها فحملت بسيّد المرسلين وخاتم النبيّين وقام من عندها إلى عند أبيه فنظر إليه أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه وبقي عليه من أثر النور كالدرهم الصحيح، وذهب النور إلى ثدي آمنة فقام عبد المطّلب إلى عند آمنة ونظَر إلى وجهها، فلم يكن النور كما كان في عبد الله بل أنور، فذهب عبد المطّلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك، فقال حبيب: اعلم أنّ هذا النور هو صاحب النور بعينه، وصار في بطن أُمّه فقام عبد المطّلب وخرج مع

١٥

الرجل وبقي عبد الله عند أهله إلى أنْ ذهبت الصفرة من يديه، وذلك أنّ العرب كانوا إذا دخلوا بأهلهم يخضّبون أيديهم بالحنّاء، ولا يخرجون من عندهم وعلى أيديهم أثر من الحنّاء، فبقي عبد الله أربعين يوماً وخرج ونظر أهل مكّة إلى عبد الله والنور قد فارق موضعه، فرجع عبد المطّلب من عند حبيب وقد أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شهر واحد في بطن أُمّه، ونادت الجبال بعضها بعضاً والأشجار بعضها بعضاً والسماوات بعضها يستبشرون ويقولون: ألا أنّ محمّداً قد وقع في رحم أُمّه آمنة وقد أتى عليه شهرٌ ففرحت بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون فرحاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ثمّ إنّ الله تعالى أراد قضاه على فاطمة بنت عبد المطّلب، فورد عليه كتاب من يثرب بموت فاطمة وكان في الكتاب أنّها ورِثت مالاً كثيرا خطيراً فاخرج إلى عندهم بأسرع ما تقدر عليه، قال عبد المطّلب لولده عبد الله: يا ولدي، لا بدّ لك أنْ تجيء معي إلى المدينة، فسافر مع أبيه ودخَلا مدينة يثرب وقبض عبد المطّلب المال، ولمّا انتهيا من دخولهما المدينة بعشر أيّام اعتلّ عبد الله علّةً شديدة وبقي خمسة عشرَ يوماً، فلمّا كان يوم السادس عشَر ماتَ عبد الله فبكى عليه أبوه عبد المطّلب بكاءً شديداً، وشقّ سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطّلب وإذا بهاتف يهتف ويقول: قد مات مَن كان في صلبه خاتم النبيّين وأيّ نفسٍ لا تموت.

فقام عبد المطّلب فغسّله وكفّنه في سكّةٍ يقال لها (شين)، وبنى على قبره قبّةً عظيمة من جصٍ وآجر وأحكمه ورجع إلى مكّة، واستقبله رؤساء قريش وبنو هاشم واتّصل الخبر إلى آمنة بوفاة زوجها، فبكَت ونفشت شعرها وخدشت وجهها ومزّقت جيبها ودعت بالنايحات ينُحن على عبد الله، فجاء بعد ذلك عبد المطّلب إلى دار آمنة وطيّب قلبها ووهَب لها في ذلك الوقت ألف درهم بيض وتاجَين قد اتّخذهما عبد مناف لبعض بناته، وقال لها: يا آمنة، لا تحزني فإنّك عندي جليلة لأجل مَن في بطنك فلا يهمّك أمرك فسكتت وطيّب قلبها.

١٦

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بطن أُمّه شهران أمر الله تعالى منادياً في سماواته وأرضه، ينادى في السماوات والأرض والملائكة أنْ استغفروا لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) وأُمّته، كل هذا ببركة النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بطن أُمّه ثلاثة أشهر، كان أبو قحافة راجعاً من الشام، فلمّا بلغ قريباً من مكّة وضعت ناقته جمجمتها على الأرض ساجدة، وكان بيد أبي قحافة قضيب فضربها بأوجع ضرب فلَم ترفع رأسها، فقال أبو قحافة، فما أرى ناقة تركَت صاحبها وإذا بهاتف يهتف ويقول: لا تضرب يا أبا قحافة، مَن لا يطيعك، ألا ترى أنّ الجبال والبحار والأشجار سوى الآدميّين سجدوا لله؟ فقال أبو قحافة: يا هاتف: وما السبب في ذلك؟ قال اعلم أنّ النبيّ الأُميّ قد أتى عليه في بطن أُمّه ثلاثة أشهر، قال أبو قحافة ومتى يكون خروجه؟ قال: سترى يا أبا قحافة إنْ شاء الله تعالى، فالويل كلّ الويل لعبَدَة الأصنام من سيفه وسيف أصحابه، قال أبو قحافة: فوقفت ساعة حتى رفعَت الناقة رأسها فركبتها وجئت إلى عبد المطّلب.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أربعة أشهر، كان زاهد على الطريق من الطائف وكان له صومعة بمكّة على مرحلة، قال: فخرج الزاهد وكان اسمه حبيباً فجاء إلى بعض أصدقائه بمكّة، فلمّا بلغ أرض الموقف وإذا بصبيٍّ قد وضع جبينه على الأرض وقد سجَد على جبهته قال حبيب: فدنوت منه فأخذته وإذا بهاتف يهتف ويقول: خلِّ عنه يا حبيب، ألا ترى إلى الخلائق من البرّ والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكراً لمّا أتى على النبيّ الزكيّ الرضيّ المرضيّ في بطن أمّه خمسة أشهر، وهذا الصبيّ قد سجَد لله شكراً قال حبيب: فتركت الصبيّ ودخلت مكّة وبيّنت ذلك لعبد المطّلب وعبد المطّلب يقول: اكتم هذا الاسم فإنّ لهذا الاسم أعداء، قال: وذهب حبيب إلى صومعته فإذا الصومعة تهتزّ ولا تستقر وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كلّ راهب مكتوب يا أهل البِيَع و الصوامع، آمنوا بالله وبرسوله محمّد بن عبد الله فقد آن

١٧

خروجه، فطوبى ثمّ طوبى لمَن آمن به، والويل كلّ الويل لمَن كفَر به وردّ عليه حرفاً ممّا يأتي به من عند ربّه، قال حبيب: فقلت السمع والطاعة إنّي لمؤمنٌ وطائع غير منكر.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله في بطن أُمّه ستّة أشهر، خرج أهل المدينة واليمَن إلى العيد وكان رسمهم أنّهم كانوا يجعلون في كلّ سنة ستّة أعياد، وكانوا يذهبون عند شجرةٍ عظيمة يقال لها ذات أنواط، وهي التي سمّاها الله في كتابه ومناة الثالثة الأُخرى، فذهبوا في ذلك العيد وأكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من الشجرة، وإذا بصيحةٍ عظيمةٍ من وسط الشجرة، وهو هاتفٌ يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ ) الآية، وقال: (يا أهل اليمَن، ويا أهل اليمامة، ويا أهل البحرين، ويا مَن عبد الأصنام، ويا من سجَد للأوثان، جاء الحقّ وزهَق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً. يا قوم، قد جاء‌كم الهلاك قد جاء‌كم التلَف قد جاء‌كم الويل والثبور)، قال: ففزعوا من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيّرين متعجّبين من ذلك.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بطن أُمّه سبعة أشهر، جاء سواد بن قارب إلى عبد المطّلب فقال له: اعلم يا أبا الحارث، أنّي كنت البارحة بين النوم واليقظة فرأيت أبواب السماء مفتّحة، ورأيت الملائكة ينزلون إلى الأرض معهم ألوان الثياب يقولون: زيّنوا الأرض فقد قرُب خروج مَن اسمه محمّد، وهو نافلة عبد المطّلب رسول الله إلى الأرض وإلى الأسود والأحمر والأصفر، والى الصغير والكبير والذكر والأُنثى، صاحب السيف القاطع والسهم النافذ، فقلت لبعض الملائكة: مَن هذا الذي تزعمون فقال: ويحك هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف فهذا ما رأيت، فقال له عبد المطّلب، اكتم الرؤيا ولا تُخبر بها أحداً لننظر ما يكون.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في بطن أُمّة ثمانية أشهر، كان في بحر الهوى حوتٌ يقال له طينوسا وهي سيّدة الحيتان، فتحرّكت

١٨

الحيتان وتحرّكت الحوت واستوَت على ذنبها وارتفعت وارتفع الموج عنها، فقالت الملائكة إلهنا وسيّدنا ترى ما تفعل طينوسا ولا تطيعنا وليس لنا بها قوّة (قال): فصاح استحيائيل الملَك صيحةً عظيمةً وقال لها: قرّي يا طينوسا، ألا تعرفين مَن تحتك؟ فقالت طينوسا: يا استحيائيل، أمَر ربّي يوم خلَقني أنْ إذا ولِد محمّد بن عبد الله استغفري له ولأُمّته والآن سمِعت الملائكة يبشر بعضُهم بعضاً؛ فلذلك قُمتُ وتحرّكْتُ، فناداها استحيائيل: قرّي واستغفري فإنّ محمّداً قد ولد فلذلك انبطَحَتْ في البحر وأخذَت في التسبيح والتهليل والتكبير والثناء على ربِّ العالمين.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بطن أُمّه تسعة أشهر، أوحى الله إلى الملائكة في كلّ سماء أنْ اهبطوا إلى الأرض، فهبَط عشرة آلاف ملَك بيد كلّ ملَك قنديل يشتعل بالنور بلا دهن، مكتوبٌ على كلّ قنديل لا إله إلا الله محمّد رسول الله يقرأه كلّ عربيّ كاتب، ووقفوا حول مكّة في المفارز، وإذا بهاتف يهتف ويقول: نور محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: فأُورد الخبر إلى عبد المطّلب فأمر بكتمانه إلى أنْ يكون.

(قال الواقدي): فلمّا كمُلت تسعة أشهر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) صار لا يستقرُّ كوكبٌ في السماء إلاّ ينتقل من موضع إلى موضع، يبشرون بعضهم بعضاً والناس ينظرون إلى الكواكب في السماء سائرات لا يستقرّنّ، فأقام ذلك ثلاثين يوماً.

(قال الواقدي): فلمّا تمّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) تسعة أشهر نظرت أمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) آمنة إلى أُمّها برة وقالت: يا أُمّاه، إنّي أُحبُّ أنْ أدخل البيت فأبكى على زوجي ساعة وأقطر دمعي على شبابه وحُسن وجهه، فإذا دخلت البيت وحدي فلا يدخل علَيّ أحد، فقالت لها برة: ادخلي يا آمنة، وابكي فحقّ لك البكاء، قال، فدخلتْ آمنة البيت وحدها، وقعت وبكت وبين يديها شمعٌ يشتعل وبيدها مغزل من آبنوس وعلى مغزلها فلَقة من عقيقٍ أحمر، وآمنة

١٩

تبكي وتنوح إذ أُوجعت مِن طلقها فوثبَت إلى الباب لتفتحه فلَم ينفتح فرجِعت إلى مكانها وقالت: وا وحدتاه، وأخذها الطلق والنفاس وما شعَرت بشيء، حتى انشقّ السقف ونزَلَتْ من فوق أربع حوريّات، وأضاء البيت لنور وجوههن وقُلن لآمنة: لا بأس عليك يا جارية، إنّا جئناك لخدمتك فلا يهمّك أمرك وقعدَت الحوريّات واحدة على يمينها وواحدة على شمالها وواحدة بين يديها وواحدة من ورائها، فهوّمَت عين آمنة وغفَت غفوة (قال) ابن عباس: ما كان من أمر أُمّ النبيّ إلاّ أنّها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها، فانتبهت أُمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فإذا النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تحت ذيلها قد وضع جبينه على الأرض ساجداً لله، ورفع سبّابتيه مشيراً بهما لا إله إلاّ الله.

(قال الواقدي): ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ليلةِ الجمعة قبل طلوع الفجْر، في شهر ربيع الأوّل ليلة سبعة عشَر منه في سنة تسعة آلاف وتسعمِئة وأربعة أشهر وسبعة أيّام من وفاة آدم (عليه السلام).

(قال الواقدي): ونظرَت أُمّه آمنة وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإذا هو مكحّل العينين منقّط الجبين والذقن، وأشرق في وجنتَي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نورٌ ساطع في ظلمة الليل ومرّ في سقف البيت وشقّ السقف، ورأت آمنة من نور وجهه (صلّى الله عليه وآله) كلَّ منظرٍ حسِن وقُصِر بالحرَم، وسقَط في تلك الليلة أربع وعشرون شرفة من إيوان كسرى، وأُخمِدَت في تلك الليلة نيران فارس، وأبرَق في تلك الليلة برقٌ ساطع في كل بيتٍ وغرفة في الدنيا، ممّا قد علم الله تعالى وسبَق في علمه أنّهم يؤمنون بالله ورسوله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ولم يطلع في بقاع الكفر - بأمر الله تعالى - وما بقيَ في مشارق الأرض ومغاربها صنمٌ ولا وثَنٌ إلاّ وخرّت على وجوهها ساقطةً على جباهها خاشعة،؛وذلك كلّه إجلالاً للنبيّ (صلّى الله عليه وآله).

(قال الواقدي): فلمّا رأى إبليس لعنه الله تعالى وأخزاه ذلك، وضَع التراب على رأسه وجمَع أولاده وقال لهم: يا أولادي اعلموا أنّني ما أصابني منذ خُلِقت مثل هذه المصبية، قالوا:وما هذه المصيبة قال: اعلموا أنّه قد ولد

٢٠

في هذه الليلة مولود اسمه محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) يُبطل عبادة الأوثان ويمنع السجود للأصنام ويدعوا إلى عبادة الرحمان. قال: فنثروا التراب على رؤوسهم ودخَل إبليس لعنه الله تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولاده مكرهين أربعين يوماً.

(قال الواقدي): فعند ذلك أخذَت الحوريّات محمّداً (صلّى الله عليه وآله) ولفَفْنَهُ في منديل رومي، ووضعنه بين يدَي آمنة ورجَعن إلى الجنّة يبشرْن الملائكة في السماوات: ولِد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ونزَل جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) ودخلا البيت على صورة آدميَّين وهما شابّان، ومع جبرئيل طشتٌ مِن ذهَب ومع ميكائيل إبريقٌ من عقيقٍ أحمر، فأخذ جبرائيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وغسّله وميكائيل يصبّ الماء عليه فغسّلاه وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزِعة مبهوتة، فقال لها جبرئيل:

(يا آمنة، لا تغسّليه مِن النجاسة فإنّه لم يكن نجِساً ولكن غسّلناه من ظلمات بطنِك)، وفرِغا من غسلِه وكحّلا عينيه ونقّطا جبينه بزرقةٍ كانت معهم ومسكٍ عنبر وكافورٍ مسحوقٍ بعضه ببعض، فذرا فوق رأسه (صلّى الله عليه وآله) قالت آمنة وسمِعت جلبة وكلاماً على الباب فذهب جبرئيل إلى عند الباب فنظر ورجَع إلى البيت وقال: (ملائكة سبعُ سماوات على الباب يريدون السلام على النبيّ (صلّى الله عليه وآله))، فاتّسع البيت مدّ النظر ودخلوا عليه موكباً بعد موكب، وسلّموا عليه وقالوا: السلام عليك يا محمّد، السلام عليك يا محمود، السلام عليك يا أحمَد، السلام عليك يا حامد.

(قال الواقدي): فلمّا دخل من الليل ثُلثه أمر الله تعالى جبرئيل (عليه السلام) يحمل من الجنّة أربعة أعلام، فحمل جبرئيل الأعلام ونزَل إلى الدنيا ونصب علَماً أخضر على جبلِ قاف، مكتوباً عليه بالبياض سطران (لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله) (صلّى الله عليه وآله)، ونصَب علَماً آخر على جبل أبي قُبيس له ذوابتان مكتوب على واحد منهما شهادة (أنْ لا إله إلا الله) ، وفي الثانية (لا دين إلاّ دين محمّد بن عبد الله) ، ونصب علَماً آخر على سطح بيت الله الحرام له ذوابتان

٢١

مكتوب على واحدة منهما (طوبى لمن آمن بالله وبمحمّد والويلُ لمَن كفَر به وردّ عليه حرفاً ممّا يأتي به من عند ربّه) ، ونصب علَماً آخر على ضريح بيت الله المقدِس وهو أبيَض عليه خطّان مكتوبان بالسواد (لا غالب إلاّ الله والثاني النصر لله ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله)) .

(قال الواقدي): وذهب استحيائيل ووقَف على ركنِ جبل أبي قُبيس ونادى بأعلى صوته: (يا أهل مكّة آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا)، وأمر الله تعالى غمامة أنْ تُرفع فوق بيت الله الحرام وتنثر على البيت ريشَ الزعفران والمِسك والعنبَر، فارتفعت الغمامة وأمطرت على ذلك البيت، فلمّا أصبحوا رأَوا ريش الزعفران والمِسك والعنبَر يمطر على البيت، وخرجت الأصنام من بيت الله الحرام وجاؤا إلى عند الحجَر وانكبّوا على وجوههم، وجاء جبرئيل بقنديلٍ أحمر له سلسلة من جزعٍ أصفر وهو يشتعل بلا دهن بقدرة الله تعالى.

(قال الواقدي): وأبرَق من وجه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) برقٌ وذهَب في الهواء حتى التزق بعنان السماء، وما بقيَ بمكّةَ دارٌ ولا منظرٌ إلاّ ودخَلَه ذلك النور، ممّن سبَق في قدرة الله تعالى وعِلمه أنّه يؤمن بالله وبرسوله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وما بقِيَ في تلك الليلة كتاب من التوراة والإنجيل والزبور وممّا كان فيه اسم محمّد (صلّى الله عليه وآله) أو نعته إلاّ وقطر تحت اسمه قطرة دم، قال: لأنّ الله تعالى بعثه بالسيف، وما بقيَ في تلك الليلة ديرٌ ولا صومعةٌ إلاّ وكُتِب على محاريبها اسم محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فبقيَت الكتابة إلى الصباح حتى قرأها الرهبانية والديرانية وعلموا أنّ النبيّ الأُمّي قد ولِد.

(قال الواقدي): فعندها قامت آمنة وفتَحَت الباب وصاحت صيحةً وغُشيَ عليها، ثمّ دعت بأُمّها برة وأبيها وهَب وقالت: ويحكما أين أنتما أما رأيتما ما جرى علَيّ، إنّي وضعت ولَدي وكان كذا وكذا تصف لهما ما رأته قال: فقام وهَب ودعا بغلامٍ وقال: اذهب إلى عبد المطّلب وبشّره وأهل مكّة على

٢٢

المنابر، وقد صعدوا الصروح ينظرون إلى الذي رأوا من العجائب ولا يدرون ما الخبَر، وكذلك عبد المطّلب قد صعد مع أولاده فما شعروا بشيء حتى قرَع الغلام الباب ودخل على عبد المطّلب وقال: يا سيّدنا أبشر فإنّ آمنة وضعَت ذكراً فاستبشَر بذلك وقال: قد علِمتُ أنّ هذه براهين ودلايل لمولودي، فذهب عبد المطّلب إلى آمنة مع أولاده ونظروا إلى وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووجهه كالقمر ليلة البدر يسبّح ويكبّر في نفسه فتعجّب منه عبد المطّلب.

(قال الواقدي): فأصبح أهل مكّة في يوم الثاني صبيحة يوم السبت، ونظروا إلى القنديل والسلسلة والى ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمَامة وينظرون إلى الأصنام وقد خرَجَت من مراكزها مكبّات على وجوهها، وبقيَ الخلق على ذلك وجاء إبليس أخزاه الله على صورة شيخ زاهد وقال: يا أهل مكّة، لا يهمنّكم أمر هذا فإنّما أخرج الأصنام بهذا الميل العفاريت والمردَة واسجدوا لهنّ فلا يهمنّكم، وأمر إبليس لعنه الله تعالى أنْ تُرد الأصنام إلى جوف بيت الله الحرام ففعلوا ذلك، وإذا بهاتف يهتف ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً) .

(قال الواقدي): فأرسَل الله تعالى إلى البيت حُلَلاً من الديباج الأبيض مكتوباً عليها بخطٍ أسود: ( بسم الله الرحمن الرحيم * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا وقمراً مُنِيرًا ) .

(قال الواقدي): فتعجّب الناس من ذلك فبقيت الحُلَل على البيت أربعين يوماً، فذهب رجلٌ من آل إدريس كان بالثعلَبان وأتى، وكانت يده دسمة فتمسّح بتلك الحُلَل والتُحَف بها فارتفعت الحلل من ليلتها ولو لم يلتحف بها لبقيت على بيت الله الحرام هي والديباج إلى يوم القيامة.

(قال الواقدي): فاجتمع رؤساء بنى هاشم وذهبوا إلى حبيب الراهب، وقالوا يا حبيب، بيّن لنا خبَر هذه الحُلَل وخروج الأصنام من جوف بيت الله الحرام، والكواكب السائرات والبرقُ الذي أبرق في هذه الليلة والجلبات التي سمعنا، فما هي؟ فقال حبيب: أنتم تعلمون

٢٣

إنّ ديني ليس دينُكم وأنا أقول الحق، إنْ شئتم فاقبلوا وإنْ شئتم لا تقبلوا، ما هذه العلامات إلاّ علامات نبيٍّ مرسَل في زمانكم هذا، ونحن وجدنا في التوراة ذُكِر وصفُه وفي الإنجيل نعتُه وفي الزبور اسمه، واسمه في الصحف وهو الذي يبطل عبادة الأوثان والأصنام، ويدعوا إلى عبادة الرحمان، ويكون على العالم قاطعُ السيف طاعنُ الرمح نافذ السهم تخضَع له ملوك الدنيا وجبابرتها، فالويل كلّ الويل لأهل الكفر والطغيان وعبَدَة الأوثان من سيفه ورمحه وسهمه، فمَن آمن نجا ومَن كفَر هلَك فقام الخلق من عنده مغمومين مكروبين ورجعوا إلى مكّة محزونين.

(قال الواقدي): وأصبح عبد المطّلب في يوم الثاني ودعا بآمنة وقال: هاتي ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي، فجاءت آمنة ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) على ساعدها، فقال عبد المطّلب: اكتميه يا آمنة ولا تُبديه لأحد فإنّ قريشاً وبني أُميّة يرصدون في أمره، قالت له آمنة السمع والطاعة فجاء عبد المطّلب ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) على ساعده وأتى به إلى البيت الحرام، وأراد أنْ يمسح بدنه باللات والعزّى لتسكن دمدمة قريش وبني هاشم ودخل عبد المطّلب بيت الله الحرام، فلمّا وضَع رجله في البيت سمِع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: (بسم الله وبالله)، وإذا البيت يقول: السلام عليك يا محمّد، ورحمة الله وبركاته، وإذا بهاتفٍ يهتف ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً) ، فتعجّب عبد المطّلب من صغر سنّه وكلامه، وممّا قال له البيت فتقدّم عبد المطّلب لخزَنَة البيت وأمَرهم أنْ يكتموا ما سمِعوا من البيت ومحمّد (صلّى الله عليه وآله).

(قال الواقدي): فتقدّم عبد المطّلب إلى اللاّت والعزّى وأراد أنْ يمسح بدَن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) باللاّت والعزّى، فجُذِبَ من ورائه فالتفت إلى ورائه فلَم يرَ أحداً، فتقدّم ثانياً فجَذَبَه مِن ورائه الجاذب فنظَر إلى ورائه فلَم يرَ أحداً، ثمّ تقدّم ثالثاً فجذَبه الجاذب جذْبةً شديدة حتى أقعدَه على عجزه وقال: مه يا أبا الحارث، أتمسح بدناً طاهراً ببدنٍ نجس.

٢٤

(قال الواقدي): فعند ذلك وقف عبد المطّلب على باب بيت الله الحرام والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) على ساعده وأنشأ يقول:

الحمد الله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيِّب الأردان

قد ساد في المهد على الغُلمان

أُعيذه بالبيت ذي الأركان

حتى أراه مبلغ الفتيان

أُعيذه من كلّ ذي شنان

حتى يكون بلغة الغشيان

مِن حاسدٍ ذي ناظرٍ معيان

(قال الواقدي): وخرَج عبد المطّلب متفكراً ممّا سمِع وردّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلى أُمّه، وقد وقَعَت الدمدمة بين قريش وبني هاشم بسبب محمّد (صلّى الله عليه وآله).

(قال الواقدي): فلمّا كان اليوم الثالث اشترى عبد المطّلب مهداً من خيزرانٍ أسوَد مشبّكات من عاجٍ مرصّع بالذهَب الأحمر، وله بكرتان من فضّةٍ بيضاء ولونه من جزَعٍ أصفَر، وغشّاه بجلالِ ديباجٍ أبيَض مكوكَب بالذهب وبعث إليها من الدرّ و اللؤلؤ الكبار الذي تلعب به الصبيان في المهد، وبعث بألوان الفَرش، وكان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إذا انتبه من نومه يُسبّح الله تعالى بتلك الخرَز.

(قال الواقدي): فلمّا كان اليوم الرابع جاء سواد بن قارب إلى عبد المطّلب وكان عبد المطّلب قاعداً على باب بيت الله الحرام، وقد حفَّ به قريش وبنو هاشم فدَنا سواد بن قارب وقال: يا أبا الحارث، اعلم أنّي قد سمِعت أنّه ولد لعبد الله ذكر وأنّهم يقولون فيه عجائب، فأُريد أنْ انظر إلى وجهه هُنيئة، وكان سواد بن قارب رجلاً إذا تكلّم سُمِع وكان رجلاً صدوقاً فقام عبد المطّلب وسواد بن قارب وجاء إلى دار آمنة (رضي الله عنها)، ودخلا جميعاً والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان نائماً فلمّا دخلا القبّة قال عبد المطّلب: اسكت يا سواد حتى ينتبه من نومه فسَكت، فدخلا قليلاً قليلاً حتى دخلا القبّة ونظرا إلى وجه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو في مهده نائم وعليه هيبة الأنبياء، فلمّا كشَف الغطاء عنه برَق وجهه برقاً شقّ السقف بنوره والتزق في عنان السماء فألقى عبد المطّلب

٢٥

وسواد أكمامهما على وجهيهما من شدّه الضوء، فعندها انكبّ سواد على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال لعبد المطّلب: أشهد على نفسي أنّى آمنت بهذا الغلام بما يأتي به مِن عند ربّه، ثمّ قبّل وجنات النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وخرجا جميعاً، ورجع سواد إلى موضعه وبقيَ عبد المطّلب فرحاً نشيطاً.

(قال محمّد بن عمر الواقدي): فلمّا أتى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) شهر، كان إذا نظر إليه الناظر يتوهمّ أنّه من أبناء سنَة لوقارة جسمه، وتمام فهمه (صلوات الله عليه وآله)، وكانوا يسمعون من التسبيح والتمجيد والثناء على الله تعالى.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شهران مات وهَب جدّه أبو أُمّه آمنة، وجاء عبد المطّلب وجماعة من قريش وبني هاشم وغسّلوه وهَيّأوه وحنّطوه وكفّنوه ودفنوه على ذيل الصفا.

(قال الواقدي) فلمّا أتى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أربعة أشهر ماتت أُمّه آمنة (رضي الله عنها)، فبقيَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بلا أُم ولا أَب وهو من أبناء أربعة أشهر فبقيَ يتيماً في حِجر جدّه عبد المطّلب أبى أبيه (رضي الله عنه) فاشتدّ على عبد المطّلب موت آمنة ليتم محمّد (صلّى الله عليه وآله) فلم يأكل ولم يشرَب ثلاثة أيّام فبعث عبد المطلب إلى عند بناته عاتكة وصَفية وقال لهما: خذا محمّداً (صلّى الله عليه وآله)، والنبيّ لا يزداد إلاّ بكاءً ولا يسكن، وكانت عاتكة تلعق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عسلاً صافياً ولا يزداد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلاّ تمادياً في البكاء.

(قال الواقدي): فضجر عبد المطّلب فصار لا يتهنّأ إنْ ينظر إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو في تلك الحالة، فقال لابنته عاتكة: احضري نساء قريش فلعلّه أنْ يقبل ثدي واحدة منهنّ ويرضعن ولدي وقرّة عيني محمّداً، فقالت ابنته عاتكة: السمع والطاعة يا أبتي، فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو نساء بني هاشم وقريش ودعتهن إلى إرضاع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في أربعمِئة وستّين جارية من بنات صناديد قريش وأصل بني هاشم فتقدّمت كلّ واحدة ودفعن - أراد أنّهنّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضعن ثديهن في فم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فما قبِل واحدة وبقين متحيّرات

٢٦

وكان عبد المطّلب جالساً فأمر بإخراجهنّ فخرجْن، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) لا يزداد إلاّ بكاء‌ً وحُزناً لغيبة اللبن عنه (صلّى الله عليه وآله)، فخرَج عبد المطّلب من الدار مهموماً مغموماً إلى الكعبة وقعَد عند أستارها ورأسه بين ركبتيه كأنّه امرأة ثكلى، وإذا بعقيل ابن أبي وقّاص قد أقبل وهو شيخ من قريش وأسنّهم، فلمّا رأى عبد المطّلب مغموماً قال له: يا أبا الحارث: مالي أراك مغموماً فقال له عبد المطّلب: يا سيّد قريش: اعلم أنّ نافلتي يبكي ولا يسكن شوقاً إلى اللبن من حين ماتت أُمّه، وأنا لا أتهنّأ بطعامٍ ولا بشرابٍ محزون على ولدي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وعرضت عليه نساء قريش وبني هاشم فلَم يقبل ثدي واحدةٍ منهنّ؛ وذلك أنّه ما من امرأة إلاّ وبها عيب وأنّ محمّداً لا يقبل ثدي مَن بها عيب فلهذا امتنع، فتحيّرت وانقطعَت حيلتي فقال عقيل: يا أبا الحارث، إنّي لأعرف في أربعة وأربعين صنديد مِن صناديد العرب امرأة عاقلة، أفصح لساناً وأصبح وجهاً وأرفع حسَبَاً ونسَبَاً، وهي حليمة بنت أبي ذويب ابن عبد الله بن الحارث بن سخنة بن ناصر بن سعد بن بكير بن زهر بن منصور بن عكرمة بن قيس ابن مضر بن نِزار بن معْد بن عدنان بن أكرَد بن سخيب بن يعرب بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمان.

(قال الواقدي): فقال عبد المطّلب يا سيّدي وسيد قريش، لقد نبّهتني بأمرٍ عظيم وفرّجت عنّي، ثمّ دعا عبد المطّلب بغلامٍ أسمه شمر دل وقال له: قم يا غلام، واركب ناقتك واخرج نحو حيّ بني سعد بن أبى بكر وادع لي أبا ذويب بن عبد الله بن الحارث السعداوي، فذهَب الغلام واستوى على ظهر ناقته، وكان حي بني سعد من مكّة على ثمانية عشَر ميلاً في طريق جدّة، قال: فذهب الغلام نحو حيّ بني سعد فلَحِق بهم وإذا خيمتهم من مسح وخوص وكذلك خيم الأعراب في البوادي، فدخل شمر دل الحيّ وسأل عن خيمة عبد الله بن الحارث فأعطوه الأثر فذهب شمر دل إلى الخيمة، فإذا بخيمةٍ عظيمة رضيّة زاجة في الهواء من خوص وإذا على باب الخيمة غلامٌ أسود، فاستأذن شمردل في الدخول فدَخل الغلام وقال: أنعم صباحاً يا أبا ذويب

٢٧

قال: فحيّاه عبد الله وقال له: ما الخبَر يا شمر دل فقال: اعلم يا سيدي إنّ مولاي أبا الحارث عبد المطّلب قد وجّهني نحوك وهو يدعوك فإنْ رأيت يا سيدي أنْ تجيبه فافعل، قال عبد الله: السمع والطاعة، وقام عبد الله من ساعته ودعا بمفتاح الخزانة وعطى التاج ففتح باب الخزانة وأخرج منها جوشنة فأفرغه على نفسه، فأخرج بعد ذلك دِرعاً فاصلاً فأفرغه على نفسه فوق جوشنة، استخرج بيضةً عادية فقلّبها على رأسه وتقلد بسيفين واعتلّ رِمحاً ودعا بنجيب فركبِه كالدكّة، وجاء نحو عبد المطّلب فلمّا دخل تقدّم شمر دل وأخبَر عبد المطّلب، وكان جالساً مع رؤساء مكّة مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وجماعة من قريش، فلمّا رأى عبد المطّلب عبد الله قام على قدميه واستقبله وعانقه وصافحه وأقعده على جنبه والزق ركبتيه بركبتيه ولم يتكلّم حتى استراح، ثمّ قال له عبد المطّلب، يا أبا ذويب، أتدرى بماذا دعوتك؟ قال يا سيّدي وسيد قريش ورئيس بني هاشم، حتى تقول فأسمع منك وأعمل بأحسنه.

قال: اعلم يا أبا ذويب أنّ نافلتي محمّد بن عبد الله مات أبوه ولم يبن عليه أثر، ثمّ ماتت أُمّه وهو ابن أربعة أشهر وهو لا يسكن من البكاء إلى اللبن، وقد عرضت عليه أربعة وستين جارية من أشرف وأجلّ بني هاشم فلَم يقبَل لواحدة منهن لبناً، والآن سمعنا أنّ لك بنتاً ذات لبَن فإنْ رأيت أنْ تنفذها لترضع ولدى محمّداً (صلّى الله عليه وآله)، فإنْ قبِل لبنها فقد جاء‌تك بأسرها وعلى غناك وغنى أهلك وعشيرتك، وإنْ كان غير ذلك ترى ممّا رأيت من النساء غيرها فافعل، ففرح عبد الله فرحاً شديداً ثمّ قال: يا أبا الحارث، إنّ لي بنتين فأيّهما تريد قال: عبد المطّلب أُريد أكملها عقلاً وأكثر لبناً وأصوَن عِرضاً فقال عبد الله: هاتيك حليمة، لم تكن كأخواتها بل خلقها الله تعالى أكمل عقلاً وأتمّ فهماً وأفصح لساناً وأثجّ لبناً وأصدق لهجةً وأرحم قلباً منهن جميعاً.

(قال الواقدي): فقال عبد المطّلب: إنّي وربّ السماء ما رأيت إلاّ تلك فقال عبد الله: السمع والطاعة فقام من ساعته واستوى على متن جواده وأخذ نحو

٢٨

بني سعد بعد أنْ أضافه، فلمّا وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة وقال لها أبشري فقد جاء‌تك الدنيا بأسرها، فقالت حليمة: ما الخبَر؟ قال عبد الله: اعلمي أنّ عبد المطّلب رئيس قريش وسيّد بني هاشم سألَني إنفاذك إليه لترضعي ولده وتبشري بالعطاء الجزيل والسير الجميل، قال: ففرحت حليمة بذلك وقامت من وقتها وساعتها واغتسلت وتطيّبت وتبخّرت وفرغت من زينتها، فلمّا ذهب من الليل نصفَه قام عبد الله وزيّن ناقته وكانت مشرفه، فركبَت عليها حليمة وركَب عبد الله فرسه وكذلك زوجها بكر بن سعد السعدي، وخرجوا من دارهم في داج من الليل فلمّا أصبحوا كانوا على باب مكّة ودخلوها، وذهبت حليمة إلى دار عاتكة وكانت تلاطف محمّداً (صلّى الله عليه وآله) وتلعقه العسَل والزبد الطري.

فلمّا دخلت الدار وسمِع عبد المطّلب بمجيئها جاء من ساعته ودخل الدار ووقَف بين يدَي حليمة، ففتحت حليمة جيبها وأخرجت ثديها الأيسر وأخذت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فوضعته في حجرها، ووضعت ثديها في فمه والنبي (صلّى الله عليه وآله) يترك ثديها الأيسر ويضطرب إلى ثديها الأيمن، فأخذت حليمة ثديها الأيمن من النبي (صلّى الله عليه وآله) ووضعت ثديها الأيسر في فمه؛ وذلك أنّ ثديها الأيمن كان جهاماً لم يكن فيه لبن، وخافت حليمة أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إذا مصّ الثدي الأيمن ولم يجد فيه شيئاً لا يأخذ بعده الأيسر، فيأمر عبد المطّلب بإخراجها من الدار.

فلمّا ألحّت على النبيّ أنْ يأخذ الأيسر والنبيّ يميل إلى الأيمن صاحت عليه: يا ولدي مصّ الأيمن حتى تعلم أنّه سيكون جهاماً يابساً لا شيء فيه، قال: فضبط النبيّ على ثديها وأخرج خلَف الأيمن حتى امتلأت فانفتح باللبن، حتى ملأ شدَقيه كفمّ رأس الزق بأمر الله تعالى وببركته (صلّى الله عليه وآله)، فضجّت حليمة وقالت واعجباً منك يا ولدي، وحقّ ربّ السماء ربّيت بثدي الأيسر اثني عشَر ولداً وما ذاقوا من ثدي الأيمن شيئاً، والآن قد انفتح ببركتك، وأخبَرت بذلك عبد الله فأمرها بكتمان ذلك، فلمّا شبِع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ترك الخلَف من ساعته فقال عبد المطّلب: تكونين عندي

٢٩

نأمر لك بإفراغ دار بجنب داري وأعطيك كل شهر ألف دِرهم بيض ودست ثياب رومية وكلّ يوم عشرة أمنان خُبز حواري ولحماً مشوياً، فلمّا سمِع أبوها عبد الله ذلك أوحى لها أنْ لا تقيمي عنده، قالت يا أبا الحارث، لو جعلت لي مال الدنيا ما أقمتُ عندك وتركت الزوج والأولاد، قال عبد المطّلب: فإنْ كان هكذا فادفع إليك محمّداً على شرطَين، قالت: وما الشرطان؟ قال عبد المطّلب: أنْ تحسني إليه وتنوّميه إلى جنبك، وتدثّريه بيمينك وتوسّديه بيسارك ولا تنبذيه وراء ظهرك، قالت حليمة: وحقّ ربّ السماء إنّي منذ وقَع نظري عليه قد ثبَت حبّه في فؤادي، فلَك السمع والطاعة يا أبا الحارث، ثمّ قال: وأمّا الشرط الثاني أنْ تحمليه إليّ في كلّ جمعة حتى أتمتّع برؤيته؛ فإنّي لا أقدر على مفارقته، قالت: أفعل ذلك إنْ شاء الله تعالى، فأمَر عبد المطّلب أنْ تغسل رأس محمّد (صلّى الله عليه وآله) فغسَلت رأسه وزرّقت جبينه ولفّته في خرق السندس.

ثمّ إنّ عبد المطّلب دفَعه إليها وأخذ أربعة آلاف درهم وقال لها: تعالى يا حليمة، نمضي إلى بيت الله الحرام حتى أسلمه إليك فيه، فحمله على ساعده ودخَل وطاف بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) سبعاً وهو على ساعده ملفوف بخرق السندس، ثمّ إنّه دفعه إليها ومعه أربعة آلاف درهم بيض وأربعون ثوباً من خواصّ كسوته، ووهَب لها أربَع جوارٍ رومية وحلل سندس، ثمّ إنّ عبد الله بن الحارث أتى بالناقة فركبتها حليمة، وأخذت حليمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حجرها وشيّعه عبد المطّلب إلى خارج مكّة، ثمّ أخذت حليمة رسول الله إلى جنبها من داخل خمارها، فلمّا بلغت حليمة إلى حي بني سعد كشفت عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأبرَق من وجناته نور فارتفع في الهواء طولاً وعرضاً حتى التزق إلى عنان السماء.

(قال الواقدي) فلمّا رأى الخلق ذلك لم يبقَ في حيّ بنى سعد صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب إلاّ استقبلوا حليمة وهنّأوها بما رزقها الله تعالى من الكرامة الكبرى، فذهبت حليمة إلى باب خيمتها وبركت الناقة، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حِجرها فما وضعته عند الصغير إلاّ وحمله

٣٠

الكبير وما وضعته عند الكبير إلاّ وأخذه الصغير؛ وذلك كلّه لمحبّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

(قال الواقدي): فبقى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عند حليمة ترضعه وكانت تقول: يا ولدي، وربّ السماء إنّك عندي لأعزّ وِلدي ضمرة، يا قرّة عيني أترى أعيش حتى أراك كبيراً كما رأيتك صغيراً؟، وكانت تُؤثر محمداً على أولادها جداً ولا تفارق محمداً عن عينيها.

(قال الواقدي): قالت حليمة والله ما غسلتُ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) ثوباً مِن بولٍ ولا غائط، بل كان إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب، حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه وتخدمه حتى يقضي حاجته، ولا شممت وربّ السماء من محمّدٍ رائحة نتنة قط، ولا شمَمتُ منه شيئاً أبداً، بل كان يفوح منه رائحة المسك والكافور قالت حليمة: فلمّا أتى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تسعة أشهر ما رأيت ما يخرج منه ألبتّه؛ لأنّ الأرض تبتلع ما يخرج منه فلهذا لم أر.

(قال الواقدي): وكان من حليمة أنْ تحمل محمّداً (صلّى الله عليه وآله) حين كملت له عشرة أشهر، فقامت حليمة يوم الخميس وقعَدَت على باب الخيمة منتظرة لانتباه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، أتزيّنه وتحملة إلى جدّه عبد المطّلب، قال: فلم ينتبه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأبطأ عن الخروج عن الخيمة إلى حليمة، فلم يخرج إلاّ بعد أربع ساعات فخرَج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مغسول الرأس مسرّح الذوائب وقد زرّق جبينه وذقنه، وعليه ألوان الثياب من السندس والإستبرق، فتعجّبت حليمة من زينة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ومِن لباسه ممّا رأت عليه فقالت: يا ولدي، مَن أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة؟ فقال لها محمّد (صلّى الله عليه وآله): (أمّا الثياب فمِن الجنّة وأمّا الزينة فمِن أفعال الملائكة)، قال: فتعجّبت حليمة من ذلك عجباً شديداً، ثمّ حملته إلى عند جدّه في يوم الجمعة فلمّا نظر إليه عبد المطّلب قام إليه واعتنقه وأخذه إلى حجره، فقال: يا ولدي، مِن أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (يا جد، فاستخبر ذلك من حليمة)، فكلّمته حليمة وقالت: ليس ذلك من أفعالنا فأمر عبد المطّلب حليمة أنْ تكتم ذلك وأمَر لها بألف

٣١

درهم بيض وعشرة دسوت ثياب وجارية رومية، فخرجت حليمة من عنده فرحةً مسرورةً إلى حيّها.

(قال الواقدي): فلمّا أتى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) خمسة عشَر شهراً، كان إذا نظر إليه الناظر يتوهّم أنّه من أبناء خمسِ سنين لتمام نموّ جسمة وملاحة بدنه.

(قال الواقدي): فلمّا حمَلَت حليمة النبيّ إلى حيّها حين أخذته من عند عبد المطّلب، وكان لها اثنان وعشرون رأسا من المواشي، فوضَعت في تلك السنة كلّ شاة توماً ببركة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وخرَج من عندها ولها ألف وثلاثون رأساً من الثاغية والراغية.

(قال الواقدي): وكان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار إلى الرعاء ويعودون بالليل إلى منازلهم، فرجعوا ذات ليلة مغمومين فلمّا دخلوا الدار قالت لهم حليمة: مالي أراكم مغمومين قالوا: يا أمّنا إنّ في هذا اليوم جاء ذئب وأخذ شاتين من شياتنا وذهب بها، فقالت حليمة: الخلَف والخير في الله تعالى. فسمِع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قولهم فقال لهم: (لا عليكم فإنّي استرجع الشاة من الذئب بمشيئة الله تعالى).

فقال ضمرة: وا عجباً منك يا أخي، قد أخذها بالأمس فكيف تسترجعها اليوم، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّه صغير في قدرة الله تعالى)، فلمّا أصبحوا قام ضمرة وأخذ رسول الله على كتفه فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (مر بي إلى الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين)، قال: فذهب برسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى ذلك الموضع فعند ذلك نزل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن كتف أخيه ضمرة وسجَد سجدةً لله تعالى وقال: (إلهي وسيدي ومولاي، تعلم حقّ حليمة عليّ وقد تعدّى ذئبٌ على مواشيها، فأسألك أنْ تُلزم الذئب بردّ المواشي إلى عندي)، قال: فما استتمّ دعاء‌ه حتى أوحى الله تعالى إلى جبرائيل أنْ قل للذئب أنْ يردّ المواشي إلى صاحبها.

(قال الواقدي): إنّ الذئب لمّا ذهَب بالشاتين حين أخذها نادى منادٍ: أيّها الذئب احذر الله وبأسه وعقوبته، واحفظ الشاتين اللتين أخذتهما حتى أردّها على خير الأنبياء والمرسلين محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا سمِع الذئب النداء تحيّر ودُهِش ووكّل

٣٢

بتلك المواشي راعياً يرعاها إلى الصباح، فلمّا حضر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ودعا بدعائه قام الذئب وردّ الشاتين وقد قدِم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال: يا محمّد، اعذرني فإنّي لم أعلم أنّها لك، فأخذ ضمرة الشاتين ولم ينقص منها شيء فقال ضمرة: يا محمّد، ما أعجَب شأنك وأنفذ أمرك، فبلغ ذلك إلى عبد المطّلب فأمرهم بكتمانه فكتموه مخافة أنْ تأخذه قريش ويعملون في دمه.

(قال الواقدي): فبقيَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سنتين ونظر إلى حليمة وقال لها: (مالي لا أرى إخوتي بالنهار وأراهم بالليل)، فقالت له: يا سيّدي، سألتني عن إخوتك هم يخرجون في النهار إلى الرعاء، فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (يا أمّاه أحبّ أنْ أخرج معهم إلى الرعاء، وأنظر إلى البرّ والسهل والجبَل، وانظر إلى الإبل كيف تشرب اللبن من أُمهاتها وأنظر إلى القطايع وإلى عجائب الله تعالى في أرضه، وأعتبر من ذلك وأعرف المنفعة من المضرّة)، فقالت له حليمة: أفتحب يا ولدي ذلك قال: نعم.

فلمّا أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسَلت رأس محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وسرّحت شعره ودهنته ومشّطته وألبسته ثياباً فاخرة، وجعَلت في رجليه نعلَين من حذاء مكّة وعمَدَت إلى سلّة وأخذت منها أطعمة جيّده وبعثته مع أولادها، وقالت لهم: يا أولادي أوصيكم بسيّدي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، أنْ تحفظوه وإذا جاع فأطعموه وإذا عطَش فاستقوه وإذا أعيى فأقعدوه حتى يستريح، فقبلوا وصيّتها وقالوا لها: يا أُمّنا، إنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لأعزّنا وهو أخونا، وأنفذت معهم عبد الله بن الحارث وزوجها بكر بن سعد، فخرَج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعلى يمينه عبد الله بن الحارث، وعلى يساره زوجها بكر بن سعد، وضمرة وقرّة قدّامه والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) بينهم كالبدر بين النجوم فما بقيَ حجَر ولا مدَر إلاّ وهُم ينادون: السلام عليك يا محمّد، السلام عليك يا أحمَد، السلام عليك يا حامد، السلام عليك يا محمود، السلام عليك يا صاحب القول العدل مخلصاً بالرضا، لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، طوبي لمَن آمن بك والويل لمَن كفَر بك وردّ عليك حرفاً تأتي به من عند ربّك، والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله) يردّ عليهم السلام، وقد تحيّر الذين معه

٣٣

ممّا يرون من العجائب، ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أصابه حرُّ الشمس فأوحى الله تعالى إلى استحيائيل أنْ مد فوق رأس محمّد (صلّى الله عليه وآله) سحابةً بيضاء فمدها، فأرسلت عَزَاليها كأفواه القِرَب ورُشّ القطر على السهل والجبَل، ولم يقطر على رأس محمّد قطرة وسالت من ذلك المطر الأودية، وصار الوحل في الأرض ما خلا طريق محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فإنّه يُنشر فيه من تلك السحابة ريشُ الزعفران وسنابل المِسك، وكان في تلك البرّية شجرةٌ طويلة عادية قد يبست أغصانها وتناثرت أوراقها مُنذ سنين، فاستند النبيّ إليها فأورقَت وأزهرَت وأثمرت وأرسلَت ثمارها من ثلاثة أجناس أخضر وأحمر وأصفر.

وقعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هنالك يكلّم إخوته ورأى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) روضةً خضراء فقال: (يا إخوتي، أُريد أنْ أمرّ بهذه الروضة)، وكان وراء الروضة تلٌّ كؤود وعليه ألوان النبات فقال: (يا إخوتي، ما ذلك التل)، فقالوا: يا محمّد، وراء ذلك البراري والمفاوز فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّي قد اشتهيت أنْ أنظر إليه)، فقال القوم: نحن نمضي معك إليه فقال لهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم وأنا أمضي وحدي وأرجع إليكم سريعاً إنْ شاء الله تعالى)، فقالوا جميعاً: مر يا محمّد، فإنّ قلوبنا متفكّرة بسببك.

(قال الواقدي): ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مرّ في تلك الروضة وحده ونظر إلى تلك البراري، وهو يعتبر ويتعجّب من الروضة حتى بلغ التل فنظر إلى جبلٍ شاهق في الهواء كالحائط، ولا يتهيّأ له صعود لاعتداله وارتفاعه في الهواء، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في نفسه: (إنّي أُريد أنْ أصعد هذا التل فأنظر إلى ما ورائه من العجائب) ، قال الواقدي: فأراد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنْ يصعد الجبل فلَم يتهيّأ له ذلك لاستوائه في الهواء، فصاح استحيائيل في الجبَل صيحةً أرعشته فاهتزّ اهتزازاً وقال له: (أيّها الجبل ويحك اطلع محمّداً (صلّى الله عليه وآله) خيرَ المرسلين فإنّه يريد الصعود عليك، ففرِح الجبَل وتراكم بعضُه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار، فصعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أعلاه، وكان تحت ذلك الجبَل حيّات كثيرة من ألوان شتّى وعقارب كالبغال فلمّا همّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالنزول إلى

٣٤

تحت الجبل صاح بها الملَك استحيائيل صيحةً عظيمة وقال: (أيّتها الحيّات والعقارب، غيّبوا أنفسكم في جحوركم وتحت صخوركم؛ لئلاّ يراكم سيّد المرسلين وسيّد الأولين والآخِرين)، فسارعت الحيّات والعقارب إلى ما أمرهما استحيائيل وغيّبت أنفسها في كلّ جُحرٍ، ونزَل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من الجبل فرأى عينَ ماءٍ بارد أحلى من العسَل وأليَن من الزُبد، فقعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عند العين فنزل جبرئيل (عليه السلام) في ذلك الموضع وميكائيل وإسرافيل ودردائيل، فقال جبرئيل: (السلام عليك يا محمّد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا حامد، السلام عليك يا محمود، السلام عليك يا طه، السلام عليك يا أيّها المدثّر، السلام عليك يا أيّها المليح، السلام عليك يا طاب يا طاب، السلام عليك يا سيّد يا سيّد، السلام عليك يا فارَ قليط، السلام عليك يا طس، السلام عليك يا طسم، السلام عليك يا شمس الدنيا، السلام عليك يا قمَر الآخرة، السلام عليك يا نور الدنيا والآخرة، السلام عليك يا شمس القيامة، السلام عليك يا خاتم النبيّين، السلام عليك يا زهرة الملائكة، السلام عليك يا شفيع المُذنبين، السلام عليك يا صاحب التاج والهراوة، السلام عليك يا صاحب القرآن والناقة، السلام عليك يا صاحب الحجّ والزيارة، السلام عليك يا صاحب الرُكن والمقام، السلام عليك يا صاحب السيف القاطع، السلام عليك يا صاحب الرمح الطاعن، السلام عليك يا صاحب السهم النافذ، السلام عليك يا صاحب المساعي، السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا مفتاح الجنّة، السلام عليك يا مصباح الدين، السلام عليك يا صاحب الحوض المورود، السلام عليك يا قائد المسلمين، السلام عليك يا مُبطل عبادة الأوثان، السلام عليك يا قائد المرسلين، السلام عليك يا مظهر الإسلام، السلام عليك يا صاحب لا إله إلا الله محمّد رسول الله قولاً عدلاً، طوبى لمَن آمن بك والويل لمَن كفَر بك وردّ عليك حرفاً ممّا تأتي به من عند ربّك).

والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) يردّ عليهم السلام فقال لهم: (مَن أنتم؟): قالوا: (نحن عباد الله) وقعدوا حوله قال: فنظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى جبرئيل صلوات الله عليه قال له: (ما اسمك؟) قال: (عبد الله) ونظر

٣٥

إلى وإسرافيل وقال له: (ما اسمك؟) قال: اسمي عبد الله، ونظَر إلى ميكائيل وقال له: (ما اسمك؟) قال: عبد الجبّار، ونظر إلى دردائيل وقال له: (ما اسمك؟) قال: عبد الرحمان فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (كلّنا عباد الله تعالى)، وكان مع جبرئيل طشتٌ من ياقوتٍ أحمر ومع ميكائيل إبريقٌ من ياقوتٍ أخضر وفي الإبريق ماءٌ من الجنّة فتقدّم جبرئيل (عليه السلام) ووضَع فمه على فم محمّد إلى أنْ ذهبَت ثلاث ساعات من النهار، ثم قال: (يا محمّد، اعلم وافهم ما بينته لك) قال: (نعم إنْ شاء الله تعالى)، وقد ملا جوفه عِلماً وفهماً وحكماً وبرهاناً وزاد الله تعالى في نور وجهه سبعة وسبعين ضعفاً، فلم يتهيّأ لأحدٍ أنْ يملا بصره من الرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال له جبرئيل (عليه السلام): لا تخف يا محمّد.

فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ومثلي مَن يخاف وعزّة ربّي وجلاله وجوده وكرَمِه وارتفاعه وعلوّ مكانه، لو علمتُ شيئا دون جلالِ عظمته لقلتُ لم أعرف ربّي قط)، فقال: ونظر جبرئيل إلى ميكائيل وقال: حقٌّ لربّنا أنْ يتّخذ مثل هذا حبيباً ويجعله سيّد وِلد آدم (عليه السلام)، ثمّ إنّ جبرئيل ألقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على قفاه ورفَع أثوابه فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ما تريد تصنع يا أخي جبرئيل؟) فقال جبرئيل (عليه السلام): لا بأس عليك فأخرج جناحه أخضر وشقّ بطن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ببندقة وأدخل جناحه في بطنه وخرق قلبه وشقّ المقلية وأظهر نكتة سواد فأخذها جبرئيل فغسَلَها وميكائيل يصبّ الماء عليه فنادى منادٍ من السماء يقول: يا جبرئيل، لا تقشّر قلب محمّد (صلّى الله عليه وآله) فتوجعه، ولكن اغسله بزغبِك، والزغَب هو الريش الذي تحت الجناح، فأخذ جبرئيل زغبة وغسَل بها قلب محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ ردّ المقلبة إلى القلب والقلب إلى الصدر فقال عبد الله بن العبّاس ذات يوم والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد بلغ مبلغ الرجال: سألت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بأيّ شيءٍ غُسِل قلبُك يا رسول الله، ومن أي شيء.

قال: (غُسل من الشكّ باليقين لا من الكفر، فإنّي لم أكن كافراً قط؛ لأني كنت مؤمناً بالله من قبل أنْ أكون في صُلب آدم (عليه السلام))، فقال له عمر بن الخطاب متى نُبّئت يا رسول الله؟ قال: (يا أبا حفص نُبّئت وآدم (عليه السلام) بين الروح والجسَد) (قال): وأمّا

٣٦

ما كان من أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فإنّ جبرئيل (عليه السلام) قام وصبّ الماء على أرض قزوين فحصَل من ذلك في أرض قزوين أمرٌ عظيم، قال: وعرَج جبرئيل (عليه السلام) وميكائيل إلى السماء فقال إسرافيل لمحمّد (صلّى الله عليه وآله): ما اسمك يا فتى؟ فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، ولي اسمٌ غير هذا)، قال إسرافيل: صدقت يا محمّد، ولكنّي أمرت بأمرٍ فأفعله، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (افعل ما أُمرت به) فقام إسرافيل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحلّ أزرار قميصه، وألقاه على قَفاه وأخرج خاتماً كان معه وعليه سطران: الأوّل لا إله إلا الله، والثاني محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وذلك خاتم النبوّة فوضَع الخاتم بين كتفي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فصار الخاتم بين كتفيه كالهلال الطالع بجسمه، واستبان السطران بين كتفيه كالشامة يقرأها كلُّ عربيّ كاتب، وفرغ إسرافيل من عمله وجاء بين يديّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

ثمّ دنا دردائيل قال: يا محمّد، تنام الساعة، فقال له: (نعم) فوضَع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) رأسه في حِجر دردائيل وغفا غفوةً فرأى في المنام كأنّ شجرة ثابة فوق رأسه وعلى الشجرة أغصان غِلاظ مستويات كلّها، وعلى كلّ غصن من أغصانها غصنٌ وغصنان وثلاثة وأربعة أغصان، ورأى عند ساق الشجرة من الحشيش مالا يتهيّأ وصفه، وكانت الشجرة عظيمةً غليظة الساق زاجة في الهواء، ثابتة الأصل، باسقة الفرع، فنادى منادٍ: يا محمّد، أتدرى ما هذه الشجرة؟ فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (لا يا أخي)، قال: اعلم أنّ هذه الشجرة أنت والأغصان أهلُ بيتك والذي تحته محبّوك وموالوك، فابشر يا محمّد بالنبوةِ الأثير والرياسة الخطيرة، ثمّ إنّ دردائيل أخرج ميزاناً عظيماً كلّ كفّة منه ما بين السماء والأرض فأخذ النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فوضعه في كفّة ووضع أصحابه في الكفّة الثانية فرجح بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ عمَد إلى ألف رجلٍ من خواصّ أُمّته فوضعهم في الكفّة فرجح بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ عمد إلى أربعة آلاف رجُل من أُمّته فوضعهم في الكفّة فرجح بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ عمد إلى نصف أُمّته فرجح بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ عمد إلى أُمّته كلّهم

٣٧

ثمّ الأنبياء والمرسلين ثمّ الملائكة كلّهم أجمعين، ثمّ الجبال ثمّ البحار ثمّ الرمال ثمّ الأشجار ثمّ الأمطار، ثمّ جميع ما خلق الله تعالى فوزنهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلم يعدلوه ورجَح النبيّ بهم، فلهذا قيل خير الخلق محمّد (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّه رجح بالخلق أجمعين وهذا كلّه يراه بين النوم واليقظة، فقال له دردائيل: يا محمّد، طوبى لك ولأُمّتك وحُسنُ مآب، والويل كلَّ الويل لِمَن كفَر بك وردّ عليك حرفاً ممّا تأتي به من عند ربّك، ثمّ عرجَت الملائكة إلى السماء فأتَت والله تلك الشجرة التي رآها في المنام على وصفها، ونشرت أغصانها وخرجت أوراقها وأرسلت أثمارها بأمر الله تعالى وعليها كل ثمرة من لون، واجتمع صفرة الشمس واختلطت بحمرة الورق والألوان مختلطة بعضها ببعض.

(قال الواقدي): فلمّا طال مكث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) طلبه في تلك المفاوز إخوته أولاد حليمة فلَم يجدوه فرجعوا إلى حليمة وأعلموها بقصّته، فقامت ذاهلة العقل تصيح في حيّ بني سعد فرفعت الصيحة في حيّ بني سعد: إنّ محمّداً قد فُقد، فقامت حليمة ومزّقت أثوابها وخدَشَت خدّها ونفشَت شعرها وهي تعدو في البراري والمفاوز والقِفار، حافية القدَم والشوك يدخل في رجلها والدم يسيل منها وهي تنادي وا ولداه، وا قرّة عيناه، وا ثمرة فؤاداي، ومعها نساء بني سعد يبكين معها مكشّفات الشعور مخدوشات الوجوه، وحليمة تسقط مرّة وتقوم أُخرى، وما بقيَ في الحيّ شيخٌ ولا شاب ولا حرٌّ ولا عبد إلاّ يعدو في البرّية في طلب محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وهم يبكون كلّهم بقلبٍ محترق، وركِب عبد الله بن الحارث وركِب معه آل بني سعد وحلَف إذا ما وجدت محمداً (صلّى الله عليه وآله) الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان، وأقتلهم من آخرهم وأطلب بدم محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وذهبَت حليمة على حالتها مع نساء بني سعد نحو مكّة ودخلتها، وكان عبد المطّلب قاعداً عند أستار الكعبة مع رؤساء قُريش وبني هاشم، فلمّا نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح ما الخبَر؟ فقالت حليمة: اعلم أنّ محمداً قد فقدناه منذ أمس وقد تفرّق آل سعد في طلبه

٣٨

قال: فغُشيَ عليه ساعة ثمّ أفاق وقال كلمة لا يخذل قائلها: لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، يا غلام، هاتِ فرَسي وسيفي وجوشني فقام عبد المطّلب وصعد إلى أعلى الكعبة ونادى: يا آل غالب، يا آل عدنان، يا آل فِهر، يا آل نِزار، يا آل كنانة، يا آل مُضَر، يا آل مالِك، فاجتمع عليه بطون العرَب ورؤساء بني هاشم وقالوا له: ما الخبر يا سيّدنا؟

فقال لهم عبد المطّلب: إنّ محمّداً لا يُرى مُنذ أمس فاركبوا وتسلّحوا، فركِب في ذلك اليوم مع عبد المطّلب عشرة آلاف رجُل فبكى الخلق كلّهم رحمة لعبد المطّلب، وقامت الصيحة والبكاء في كلّ جانب حتى المخدّرات خرجْنَ من الستور - رقّة لعبد المطّلب - مع القوم إلى حيّ بني سعد وسائر الأطراف وانجذب عبد المطّلب نحو حيّ عبد الله بن الحارث وأصحابه باكي العيون، ممزّقي الثياب وكلّهم بتمام الأسلحة، فلمّا نظر عبد الله إلى عبد المطّلب رفَع صوته بالبكاء وقال: يا أبا الحارث، واللاّت والعزّى وأساف ونائلة إنْ لم أجد محمّداً وضَعت سيفي في حيّ بني سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم، قال فرقّ قلب عبد المطّلب على حيّ آل سعد، ارجعوا انتم إلى حيكم، واللاّت والعزّى إنْ لم أجد محمّداً الساعة رجعت إلى مكّة ولم أدَع فيها يهودياً ولا يهودية، ولا أحداً ممّن أتّهم بمحمّد فأمدّهم تحت سيفي مدّاً، ولأجعلنّ مكّة طلباً لدم محمّد (صلّى الله عليه وآله).

(قال الواقدي): وأقبل من اليمَن أبو مسعود الثقَفي، وورقّة بن نوفل، وعقيل بن أبي وقّاص وجازوا على الطريق الذي فيه محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وإذا الشجرة ثابتة في الوادي، فقال ورقة لأبي مسعود: إنّي سلكت هذا الطريق ثلاثين مرّة، فما رأيت قط هنا هذه الشجرة، فقال عقيل: صدقت فمرّوا بنا حتى ننظر ما هي قال: فذهبوا جميعاً وتركوا الطريق الأوّل، فلمّا بلغوا قريباً من الشجرة رأوا تحتَ الشجرة غلاماً أمرَد ما رأى الراؤون مثله كأنّه قمر، فقال عقيل وورقة: ما هو إلاّ جنّي، فقال أبو مسعود: ما هو إلاّ مِن الملائكة وهم يقولون والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) يسمَع كلامهم، فاستوى قاعداً فرأى القوم ورأوه فقال أبو مسعود: من أنتَ يا غلام أجنّي أم إنسي؟ فقال

٣٩

النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (بل أنا إنسي)، فقال: ما اسمك؟ قال: (محمّد بن عبد الله ابن عبد المطّلب ابن هاشم بن عبد مناف)، فقال أبو مسعود: أنتَ نافلة عبد المطّلب، قال: (نعم)، قال كيف وقعت ها هنا؟ فقصّ عليهم القصّة من أوّلها إلى آخرها فنزل أبو مسعود عن ظهر ناقته وقال: أتريد أنْ أمرّ بك إلى جدّك فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (نعم) فأخذه على قربوس سرجه ومرّوا جميعاً حتى بلغوا قريباً من حيّ آل بني سعد، فنظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في البرّية فرأى جدّه عبد المطّلب وأصحابه لا يرونه فقالوا: يا محمّد إنّا لا نرى؛ وذلك أنّ نظرته نظرة الأنبياء فقال لهم: مرّوا حتى أُريكم فمرّوا وإذا عبد المطّلب مُقبل هو وأصحابه، فلمّا نظر عبد المطّلب إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله) وثَب عن فرَسه وأخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى سرجه وقال له: أين كنت يا ولدى وقد كنت عزمت أنْ أقتل أهل مكّة جميعاً؟ فقصّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على جدّه القصّة مِن أوّلها إلى آخرها، ففرح عبد المطّلب فرحاً شديداً وخرج من خيله ورجله ودخل إلى مكّة، ودفَع إلى أبي مسعود خمسين ناقة وإلى ورقة بن نوفل وعقيل ستّين ناقة قال: وذهبت حليمة إلى عبد المطّلب وقالت له: ادفع إليّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) فقال عبد المطّلب: يا حليمة إنّي أحببت أنْ تكوني معنا بمكّة، وإلاّ ما كنت بالذي أسلمه إليك مرّة أُخرى، فوهب لعبد الله ابن الحارث أبيها ألف مثقال ذهَبٍ أحمر وعشرة آلاف درهَم بيض، ووهب لبَكر بن سعد جملة بغير وزن ووهب لإخوان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولاد حليمة وهما ضمرة وقرّة أخواه من الرضاعة مئتي ناقة، وأذن لهم بالرجوع إلى حيّهم.

(قال الواقدي): وكان في زمان عبد المطّلب رجلٌ يقال له سيف بن ذي يزن المازني، وكان من ملوك اليمَن وقد أنفذ ابنه إلى مكّة والياً من قِبَله وتقدّم إليه باستعمال العدل والإنصاف ففعَل ما أمره به، ثمّ إنّ عبد المطّلب دعا برؤساء قريش مثل عتبة بن ربيعة، ومثل الوليد ابن المغيرة وعتبة بن أبي معيط وأُمية بن خلَف ورؤساء بني هاشم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي الدار

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206