الفضائل

الفضائل18%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67143 / تحميل: 7694
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

كانت بينهما، ثمّ غابت النسوة فلم أرهن فقلت: في نفسي ليتني كنت أعرف ألامرأتين الأُخرين وكان عليّ (عليه السلام) أعلم بذلك فسألته عنهنّ فقال لي: (يا أبت، أمّا الأُولى فكانت أُمّي حواء وأمّا الثانية التي ضمختني بالطيب فكانت مريم ابنة عمران، وأمّا التي أدرجتني في الثوب فهي آسيه، وأمّا صاحبة الجونة فكانت أُمّ موسى (عليه السلام))، ثمّ قال عليّ (عليه السلام): (الحق بالمثرم يا أبا طالب، وبشّره واخبره بما رأيت فإنّك تجده في كهف كذا في موضع كذا وكذا)، فلمّا فرغ من المناظرة مع محمّد ابن أخي ومِن مناظرته عاد إلى طفوليّته الأُولى، فأنبئتك وأخبرتك ثمّ شرحت لك القصّة بأسرها بما عاينت يا مثرم.

قال أبو طالب: فلمّا سمع المثرم ذلك منّي بكى بكاءً شديداً في ذلك وفكّر ساعة ثمّ سكَن وتمطّى ثمّ غطّى رأسه وقال: بل غطّني بفضل مدرعتي، فغطّيته بفضل مدرعته فتمدّد فإذا هو ميّت كما كان فأقمت عنده ثلاثة أيّام أكلّمه فلم يجبني، فاستوحشت لذلك فخرجَت الحيتان وقالتا: الحق بوليّ الله فإنّك أحقّ بصيانته وكفالته من غيرك، فقلت لهما: من أنتما؟ قالتا: نحن عمله الصالح خلقنا الله عزّ وجل على الصورة التي ترى لنذب عنه الأذى ليلاً ونهاراً إلى يوم القيامة، فإذا قامت الساعة كانت إحدانا قائدته والأُخرى سائقته ودليلة إلى الجنّة.

ثمّ انصرف أبو طالب إلى مكّة، قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (شرحت لك ما سألتني ووجَب عليك له الحفظ فإنّ لعليّ عند الله مِن المنزلة الجليلة، والعطايا الجزيلة، ما لَم يُعطَ أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين، وحبّه واجب على كلّ مسلم؛ فإنّه قسيم الجنّة والنار ولا يجوز أحد على الصراط إلاّ ببراء‌ةٍ من أعداء عليّ (عليه السلام)). تم الخير والحمد الله ربّ العالمين.

٦١

خبَر عطرفة الجنّي

من دلائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ما رواه زادان، عن سلمان قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً جالساً بالأبطح، وعنده جماعة من أصحابه وهو مُقبِل علينا بالحديث إذ نظر إلى زوبعة وقد ارتفعت فأثارت الغبار، فما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أنْ وقَفت بحذاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وفيها شخصٌ فقال: يا رسول الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اعلم إنّي وافدُ قومي وقد استجرنا بك فأجرنا وابعث معي من قِبلك مَن يُشرف على قومنا فإنّ بعضهم قد بغى على بعض؛ ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله تعالى وكتابه، وخُذ على العهود والمواثيق المؤكّدة لأردّه إليك سالماً في غداة غد، إلاّ أنْ يحدث علَيّ حادث من عند الله فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (مَن أنت وقومك؟).

قال: أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني كاخ، أنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع، فلمّا مُنعنا من ذلك آمنّا ولمّا بعثك الله نبيّاً آمنّا بك وصدّقناك، وقد خالفنا بعض القوم وأقاموا على ما كانوا عليه فوقَع بينا وبينهم الخلاف، وهم أكثر منّا عدداً وأشّد قوّةً وقد غلبوا على الماء والمرعى وأضرّوا بنا وبدوابّنا، فابعث إليهم معي مَن يحكم بيننا بالحق، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) اكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها، فكشف لنا عن صورته فنظرنا إلى شيخ عليه شعرٌ كثير ورأسه طويل، وهو طويل العينين وعيناه في طول رأسه، مغيّر الحدَقَتين وله أسنان كأسنان السباع، ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أخذ عليه العهود والميثاق على أنْ يردّ عليه مَن يبعث في غداة غد، فلمّا فرِغ من كلامه التفت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وقال: (مَن يمضي منكم مع أخينا عطرفة لينظر

٦٢

ما هُم عليه وليحكم بالحق بينهم) قال: وأين هم؟ فقال: (هم تحت الأرض)، فقال: كيف نطبق النزول إلى الأرض وكيف نحكم بينهم ولا نُحسِن كلامهم؟ فلم يرد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) جواباً ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب فقال له مثل قوله لأبي بكر، فأجاب مثل جواب أبي بكر، ثمّ أقبل على عثمان فقال له مثل قوله لهما فأجابه كجوابهما، ثمّ استدعى بعلي (عليه السلام) وقال له: (يا علي، امضِ مع أخينا عطرفة وأشرف على قومه وانظر ما هم عليه، واحكم بينهم بالحق)، فقام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: (السمع والطاعة) ثمّ تقلّد سيفه.

قال سلمان: فتبعته إلى أنْ صار بالوادي فلمّا توسّطه نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لي: (شكر الله سعيك يا أبا عبد الله، فارجع)، فرجعت ووقفت أنظر إليه ممّا يقع منه فانشقّت الأرض فدخل فيها وعادت إلى ما كانت فدخَلَني من الحسرة ما الله أعلم به، كل ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين فأصبَح النبيّ وصلّى بالناس صلاة الغداة، ثم جلَس على الصفا وحفّ به أصحابه فتأخّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن وقت ميعاده، حتى ارتفع النهار وأكثر الناس الكلام فيه إلى أنْ زالت الشمس وقالوا: إنّ الجنّ واحتالوا على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقد أراحنا الله تعالى من أبي تراب وذهَب افتخاره بابن عمّه عليّاً وظهَرَت شماتة المنافقين، وأكثروا الكلام إلى أنْ صلّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) صلاة الظهر والعصر وعاد إلى مكانه، واظهر الناس الكلام وأيسوا من أمير المؤمنين (عليه السلام) وكادت الشمس تغرب فأيقَن القوم أنّه ملَك وظهَر نفاقهم، إذ قد انشقّ الصفا وطلَع أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيفه يقطرُ دماً ومعه عطرفة فقام النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقبّل بين عينيه وجبينه وقال له (ما الذي حبَسَك عنّي إلى هذا الوقت؟)، فقال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (سرت إلى خلقٍ كثير قد بغوا على عطرفة وعلى قومه، فدعوتهم إلى ثلاثِ خصال فأبَوا علَيّ ذلك أنّي دعوتهم إلى شهادة أنْ لا إله الله والإقرار بكَ فأبَوا ذلك منّي، دعوتهم إلى أداء الجزية فأبَوا فسألتهم أنْ يصلحوا مع عطرفة وقومه لتكون المراعي والمياه يوماً لعطرفة ويوما لهم فأبَوا ذلك

٦٣

فوضعت سيفي فيهم فقتلت منهم زهاء ثمانين ألف فارس، فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم منّي صاحوا الأمان الأمان، فقلت: لا أمان لكم إلاّ بالإيمان فآمنوا بالله وبك، ثمّ أصلحت بينهم وبين عطرفة وقومه فصاروا إخواناً وزال من بينهم الخلاف وما زلت معهم إلى هذه الساعة)، فقال عطرفة: جزاك الله خيراً يا رسول الله، عن الإسلام وجزى ابن عمّك عليّاً منّا خيراً، ثمّ انصرف عطرفة إلى حيث شاء.

٦٤

ذكر عمر لمعاجز الأمير

(خبَر آخر) : روي عن الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغه عن عمر بن الخطّاب شيء، فأرسل إليه سلمان (رضيَ الله عنه) وقال: (قل له: قد بلغني عنك كيت وكيت وكرهت أعتب عليك في وجهك، فينبغي أنْ لا تذكر فيّ إلاّ الحق، فقد أغضيت على القذى حتى يبلغ الكتاب أجله)، فنهض سلمان (رضيَ الله عنه) وبلّغه ذلك وعاتبه وذكَر مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر فضائله وبراهينه فقال عمر: عندي الكثير من فضائل عليّ (عليه السلام) ولست منكرٌ فضله إلاّ أنّه يتنفّس الصعداء ويبغض البغضاء، فقال سلمان (رضيَ الله عنه): حدّثني بشيءٍ ممّا رأيته منه، فقال عمر: نعم يا أبا عبد الله خلَوت به ذات يوم في شيءٍ من أمر الخُمس فقطَع حديثي وقام من عندي وقال: (مكانك حتى أعود إليك، فقد عرَضَت لي حاجة)، فما كان بأسرع من أنْ رجع علَيّ ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبارٌ كثير فقلت له ما شأنك؟ فقال: (أقبل نفرٌ من الملائكة وفيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يريدون مدينةً بالمشرِق يقال لها صيحون، فخرجت لأُسلّم عليه وهذه الغُبرة ركبتني من سرعة المشي)، قال عمر: فضحكت متعجّباً حتى استلقيت على قفاي وقلت له: النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد مات وبلى وتزعم أنّك لقيته الساعة وسلّمت عليه، فهذا من العجائب ممّا لا يكون، فغضب عليّ (عليه السلام) ونظَر إليّ وقال: (أتكذّبني يا ابن الخطّاب؟) فقلت: لا تغضب وعُد إلى ما كنّا فيه فإنّ هذا ممّا لا يكون أبداً، قال: (فإنْ أنت رأيته حتى لا تنكر منه شيئاً استغفرت الله ممّا قلت وأضمرت، وأحدثت توبةً ممّا أنتَ عليه، وتركت لي حقّاً)، فقلت، نعم.

فقال: (قم) فقمتُ معه فخرجنا إلى طرف المدينة وقال: (أغمض عينيك) فغمضتها

٦٥

فمسحها بيده ثلاث مرّات ثمّ قال لي: (افتحهما) فقتحتهما فنظرت فإذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه رجلٌ من الملائكة لم أنكر منه شيئا، فبقيت والله متحيّراً انظر إليه فلمّا أطلت النظر قال لي: (هل رأيته؟) فقلت: نعم قال (أغمض عينيك) فغمضتها ثمّ قال: (افتحهما) ففتحتهما فإذا لا عين ولا أثر فقلت له: هل رأيت من عليّ (عليه السلام) غير ذلك قال: نعم لا اكتم عنك خصوصاً أنّه استقبلني يوماً وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة، وكنّا نتحدّث في الطريق وكان بيده قوس، فلمّا صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده فصار ثعباناً عظيماً مثل ثعبان موسى (عليه السلام)، فتح فاه وأقبل نحوي ليبتلعني فلمّا رأيت ذلك طار قلبي من الخوف، وتنحّيت وضحكت في وجه عليّ (عليه السلام) وقلت له: الأمان يا عليّ ابن أبي طالب، اذكر ما كان بيني وبينك من الجميل، فلمّا سمِع هذا القول استفرغ ضاحكاً وقال:

(لطَفت في الكلام فإنّا أهلُ بيتٍ نشكُر القليل)، فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده وإذا هو قوسه الذي كان بيده، ثمّ قال عمر: يا سلمان، إنّي كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به، يا أبا عبد الله فإنّهم أهل بيتٍ يتوارثون هذه الأُعجوبة كابراً عن كابر، ولقد كان إبراهيم يأتي بمثل ذلك وكان أبو طالب و عبد الله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية، وأنا لا أنكر فضل عليّ (عليه السلام) وسابقه ونجدته وكثرة عِلمه، فارجع إليه واعتذر عنّي إليه واثنِ عنّي عليه بالجميل.

(خبر آخر) : روي أنّ امرأةً تركَت طفلاً ابن ستّة أشهر على سطح، فمشى الصبيّ يحبو حتى خرَج من السطح وجلَس على رأس الميزاب فجاء‌ت أُمّه على السطح فما قدرت عليه فجاؤوا بسلّم ووضعوه على الجدار فما قدروا على الطفل من أجل طول الميزاب وبعده عن السطح، والأُمّ تصيح وأهل الصبيّ كلّهم يبكون، وكان في أيّام عمر بن الخطّاب فجاؤا إليه فحضَر مع القوم فتحيّروا فيه وقالوا: ما لهذا إلاّ عليّ بن أبي طالب فحضر عليّ (عليه السلام) فصاحت أُمّ الصبيّ في وجهه فنظر أمير المؤمنين إلى الصبي فتكلّم الصبيّ

٦٦

بكلامٍ لا يعرفه أحد فقال (عليه السلام): (احضروا هاهنا طفلاً مثله)، فأحضروه فنظَر بعضهما إلى بعض وتكلّم الطفلان بكلامِ الأطفال فخرج الطفل من الميزاب إلى السطح، فوقع فرح في المدينة لم يُرَ مثله، ثمّ سألوا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن كلامهما فقال: (أمّا خطاب الطفل الأوّل فإنّه سلّم عليّ بإمرة المؤمنين فرددت عليه، وأمّا ما أردت خطابه لأنّه لم يبلغ حدّ الخطاب والتكليف فأمرت بإحضار طفلٍ مثله حتى يقول له بلسان الأطفال: يا أخي ارجع إلى السطح ولا تحرق قلب أُمّك وأبيك وعشيرتك بموتك، فقال: دعني يا أخي قبل أن أبلغ فيستولي علَيّ الشيطان، فقال: ارجع إلى السطح فعسى أنْ تبلغ ويجيء من صلبك ولدٌ يحبّ الله ورسوله ويوالي هذا الرجل)، فرجع إلى السطح بكرامة الله تعالى على يد أمير المؤمنين (عليه السلام).

(خبر آخر): روي أنّ امرأتين جاءتا إلى عُمر بن الخطّاب ومعهما صبيّ صغير، فادّعت كلّ واحدة منهما أنّ الولد ولدها، ولم يكن لواحدة منهما بيّنة فتحيّر في ذلك عمر بن الخطّاب،وقال: ما لهذا إلاّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأُحضَر (عليه السلام) فقصّوا عليه القصّة فأشار إلى قنبر فقال: (سلّ سيفك واقسم الصبيّ بنصفين متساويين، واعط كلّ واحدةٍ منهما نصفَه)، فبكَت الأُم وقالت: لا تقتله فإنّي رضيت بأنْ يكون لها جميعاً وسكتت الأُخرى فأمَر صلوات الله عليه بردّ الصبيّ إلى أُمّه.

(خبر آخر): روى عمّار بن ياسر (رضي الله) قال: كنت بين يدَي مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإذا بصوتٍ عظيم قد أخذ بمجامع الكوفة، فقال عليّ (عليه السلام): (اخرج يا عمّار وآتني بذي الفقار البتّار للأعمار)، فجئت به إليه فقال: (اخرج وامنع الرجل عن ظلامة المرأة، فإنْ انتهى وإلاّ منعته بذي الفقار)، قال عمّار فخرجت فإذا أنا برجلٍ وامرأة وقد تعلّق الرجل بزمام جملِها والمرأة تقول: إنّ الجمَلَ جملي والرجل يقول: الجملُ جملي، فقلت له: إنّ أمير المؤمنين ينهاك عن ظلم المرأة فقال: يشتغل عليّ (بشغله) ويغسل

٦٧

يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة، يريد أنْ يأخذ جمَلي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة، فقال عمّار (رضي الله عنه): فرجعت لأخبر مولاي وإذا به قد خرَج ولاح الغضَب في وجهه، فقال له: (يا ويلَك، خلّ جمَل هذه المرأة)، فقال: هو لي، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (كذبت يالعين) قال: فمن يشهد للمرأة يا عليّ؟ فقال: (الشاهد الذي لا يكذبه أحد من أهل الكوفة)، فقال الرجل إذا شهد شاهد وكان صادقاً سلّمته المرأة فقال عليّ (عليه السلام):

(تكلّم أيّها الجمَل لمَن أنت؟) فقال الجمل بلسان فصيح: يا أمير المؤمنين، عليك السلام أنا لهذه المرأة منذ تسع عشرة سنة، فقال (عليه السلام): (خذي جمَلِك وعارَض الرجل بضربة قسمه نصفين).

(خبر آخر): قال بعض الثقاة اجتمع أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عام فتح مكّة فقالوا: يا رسول الله، إنّ من شأن الأنبياء إذا استقام أمرهم أنْ يدلّوا على وصيّ من بعدهم، فيقوم بأمرهم، فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله تعالى قد وعدني أنْ يُبيّن لي هذه الليلة الوصيّ من بعدي، والخليفة الذي يقوم بأمري بآيةٍ من السماء)، فلمّا فرِغ الناس من صلاة العشاء الآخرة من تلك الليلة ودخل الناس البيوت وكانت ليلةً ظلماء لا قمر فيها، فإذا نجم قد نزل من السماء بدويٍّ عظيم وشعاعٍ هائل، حتى وقَف على ذروة حجرة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وصارت الحجرة كالنهار أضاءت الدور بشعاعه، ففزِع الناس وجاؤوا يهرعون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقولون: إنّ الآية التي وعدتنا بها نزلَت وهو نجم قد نزَل على ذروة دار عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (فهو الخليفة من بعدي والقائم من بعدي والوصي من بعدي والولي بأمر الله تعالى، فأطيعوه ولا تخالفوه)، فخرجوا من عنده فقال الأول للثاني: ما يقول في ابن عمّه إلاّ بالهوى وقد ركبته الغواية فيه حتى لو أراد أنْ يجعله نبيّاّ من بعده لفعل، فأنزل تعالى: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا

٦٨

يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) السورة.

وقال في ذلك العيوني:

من صاحب الدار التي انقض بها

نجم من الأفِق فلم أنكرتم

٦٩

شفاعة الأمير

(خبر آخر): روى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه كان جالساً في الحرَم في مقام إبراهيم (عليه السلام) فجاء‌ه رجل شيخ كبير قد فنى عمره في المعصية فنظر إلى الصادق (عليه السلام)، فقال: نِعم الشفيع إلى الله للمذنبين، ثمّ أخذ بأستار الكعبة وأنشأ يقول:

بحق جلاء وجهك يا وليّ

بحقّ الهاشمي الأبطحي

بحق الذكر إذ يوحي إليه

بحقّ وصيّه البطَل الكمي

بحق أئمّة سلفوا جميعاً

على منهاج جدهم النبي

بحق القائم المهدي إلاّ

غفرت خطيئة العبد المتُسي

قال: فسمِع هاتفاً يقول: يا شيخ، كان ذنبك عظيماً ولكن غفرنا لك جميع ذنوبك لحرمة شفعائك، فلو سألتنا ذنوب أهل الأرض لغفرنا لهم، غير عاقر الناقة وقتلة الأنبياء والأئمّة الطاهرين.

(خبر آخر): معجزة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) روي أنّ جماعة من أصحاب رسول الله أتوه وقالوا: يا رسول الله، عليك السلام،إنّ الله اتخذ إبراهيم (عليه السلام) خليلاً وكلّم موسى تكليماً وكان عيسى (عليه السلام) يُحيي الموتى، فما صنَع ربّك بك فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله سُبحانه وتعالى إنْ كان اتخذ إبراهيم خليلاً فقد اتخذني حبيباً، وإنْ كان كلّم موسى من وراء حجاب فقد رأيت جلال ربّي وكلّمني مشافهةً، أي بغيرِ واسطة،، وإنْ كان عيسى يُحيي الموتى بإذن الله تعالى فإنْ شئتم أحييت لكم موتاكم بإذنه تعالى)، فقالوا: قد شئنا، فأرسَل معهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بعد أنْ ردّاه بردائه

٧٠

كان اسم الرداء المستجاب، وأخذ منطقته فشدّه بها وسطه، ثمّ أمرهم أنْ يسيروا مع عليّ (عليه السلام) إلى مقابر، فلمّا أتوا المقابر سلّم (عليه السلام) على أهل القبور ودعا وتكلّم بكلامٍ لا يفقهوه فاضطربت الأرض وارتجّت وقام الموتى وقالوا بأجمعهم: على رسول الله السلام، ثم ّعلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، داخلهم رعبٌ شديد فقالوا: حسبك يا أبا الحسَن أقلنا أقالك الله، فأمسك عن استمرار كلام ودعاء فرجعوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالوا: يا رسول الله، أقلنا أقالك الله، فقال لهم: (إنّما رددتُم على الله، لا أقالكم الله يوم القيامة).

(خبر آخر): روي عن الإمام عليّ (عليه السلام)، أنّه كان يطلب قوماً من الخوارج فلمّا بلَغ الموضع المعروف اليوم بساباط، وكان هو ومَن تابعه من الخوارج منهم عبد الله بن وهَب بن عمرو بن جرموز، فلمّا أنْ وصل إلى الموضع المعروف بساباط ثوران أتاه رجلٌ من شيعته وقال: يا أمير المؤمنين أنا لك شيعة ومحب ولي أخ وكنت شفيقاً عليه فبعثه عمر في جنود سعد بن أبي وقّاص إلى قتال أهل المدائن فقُتِل هناك وكان من وقتِ مقتله إلى اليوم عدّة سنين كثيرة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فما الذي تريد منه؟) قال: أُريد أنْ تُحييه لي.

قال عليّ (عليه السلام): (لا فائدة لك في حياته)، قال: لا بدّ من ذلك يا أمير المؤمنين، قال له: (إذا أبيت إلاّ ذلك فأرني قبره ومقتلَه)، فأراه إيّاه، فمدّ الرمح وهو راكب بغلته الشهباء فركز القبر بأسفل الرمح فخرَج رجلٌ أسمر طويل يتكلّم بالعُجمة فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (لم تتكلّم بالعجمة وأنت رجلٌ من العرَب؟)، فقال: (بلى ولكن بُغضك في قلبي ومحبّة أعدائك في قلبي، فانقلب لساني في النار)، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ردّه من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (ارجع)، فرجَع إلى القبر وانطبَق عليه أعاذنا الله من ذلك الحال، والحمد الله على ولاية عليّ (عليه السلام).

٧١

  خبر ردّ الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام)

وهو مشهور عند جميع الرواة قالوا: أنّه لما رجَع أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتال أهل النهروان أخذ على النهروانات وأعمال العراق، ولم يكن يومئذ بني بيت ببغداد فلمّا وافى ناحية براثا صلّى بالناس الظهر فرحلوا ودخَل أرض بابل وقد وجبَت صلاة العصر فصاح الناس: يا أمير المؤمنين، هذا وقت العصر فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه أرض مخسوفٌ بها وقد خُسِف بها ثلاث مرّات ويُخشى عليها تمام الرابعة فلا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ أنْ يصلّي بها فمَن أراد منكم أنْ يُصلّي فليصل فقال المنافقون منهم: نعم هو لا يصلّي ويقتل مَن يصلّي يعنون بذلك أهل النهروان قال جويرية بن مهران العبدي فتبعته في مِئة فارس وقلت والله لا أُصلى أو يصلّي هو وإلاّ قلدنه صلاتي اليوم فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

  (اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير)، فسارع إلى أنْ قطَع أرضَ بابل وقد تدلّت الشمس للغروب، ثمّ غابت واحمرّ الأُفُق قال: فالتفت إليّ وقال: (يا جويرية، هات الماء)، قال: فقدّمت إليه الإناء فتوضّأ ثمّ قال: (إذن يا جويرية)، فقلت: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما وجَب وقت العشاء بعد قال (عليه السلام): (قم وأذّن للعصر)، فقلت في نفسي: كيف يقول أذّن للعصر وقد غربت الشمس؟ ولكنْ علَيّ الطاعة، فأذّنت فقال لي: (أقِم) ففعلت فبينما أنافي الإقامة إذ تحرّكت شفتاه بكلامٍ كأنّه منطق خطاطيف لا يُفقه، فرَجَعت الشمس بصريرٍ عظيم حتى وقَفَت في مركزها مِن العصر فقام (عليه السلام) وكبّر وصلّى وصلّينا ووراء‌ه، فلمّا فرِغَ من صلاته وقَعَت الشمس كأنّها سراجة في وسط ماء وغابَت اشتبكت النجوم وأزهرت، فالتفت إليّ وقال: (أذّن الآن للعشاء يا ضعيف اليقين).

قال: ورُدّت له (عليه السلام) في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بمكّة، وقد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد غشيه الوحي فوضَع رأسه في حِجر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحضَر وقت العصر فلَم يبرح من مكانه وموضعه حتى غربت الشمس، فاستيقظ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال: (اللهمّ إنّ عليّاً كان في طاعتك فرُدّ عليه الشمس ليصلّي العصر).

٧٢

فردّها الله عليه بيضاء نقيّة حتى صلّى ثمّ غابت وقال السيد الحميري في ذلك قصيدته المعروفة بالمذهّبة، ومنها:

خير البرية بعد أحمد مَن له

منّي الهوى والى بنيه تطربي

أمسى وأصبح معصماً منّي

له يهوى وحبل ولائه لم يقضبِ

رُدّت عليه الشمس لـمّا فاته

وقتُ الصلاة وقد دنَت للمغربِ

حتى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوَت هوى الكواكب

وعليه قد حبست ببابل مرّة أُخرى

وما حسبت لخلقٍ معربِ

إلاّ ليوشع أوله ولحبسها

ولردّها تأويل أمرٍ معجبِ

خبر كلام الشمس معه (عليه السلام)

أبي ذرّ الغفاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (إذا كان غد وقت طلوع الشمس سير إلى جبانة البقيع، وقف على نشزٍ من الأرض فإذا بزغَت الشمس سلّم عليها فإنّ الله تعالى أمرها أنْ تجيبك بما فيك)، فلمّا كان من الغد خرَج أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، حتى أتى البقيع ووقَف على نشزٍ من الأرض، فلمّا طلعت الشمس قال (عليه السلام): (السلام عليكِ يا خلق الله الجديد المطيع له)، فسمع دويّ من السماء وجوابٌ قائل يقول: (السلام عليك يا أوّل يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا مَن هو بكلّ شيءٍ عليم)، فسمِع الاثنان الأوّل والثاني والمهاجرين والأنصار كلام الشمس فصُعِقوا، ثمّ أفاقوا بعد ساعة وقد انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك المكان، فقاموا وأتَوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع الجماعة، فقالوا: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إنّا نقول إنّ عليّاً بشرٌ مثلنا والشمس تُخاطبه بما يُخاطِب به الباري نفسه، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (فما سمعتموه؟) قالوا سمِعنا الشمس تقول: السلام عليك يا أوّل قال: (قالت الصدق هو أوّل مَن آمَن بي)، فقالوا سمعناها تقول: يا آخر فقال: (قالت صدق هو آخر الناس عهداً بي يغسّلني ويكفّنني ويدخلني قبري)، فقالوا: سمعناها تقول يا ظاهر فقال: (قالت الصدق هو الذي أظهر علمي)، فقالوا: سمعناها تقول: يا باطن، فقال: (قالت الصدق

٧٣

هو الذي بطن سرّي كلّه)، فقالوا: سمعناها تقول: يا مَن هو بكلّ شيءٍ عليم فقال: (قالت الصدق هو أعلم بالحلال والحرام، والسُنُن والفرائض وما يشاكل على ذلك) فقاموا وقالوا: أوقعَنا محمّد في طخياء وخرجوا من باب المسجد فقال في ذلك أبو محمّد العوني (رضي الله عنه):

أمامي كليم الشمس راجع نورها  فهل لكليم الشمس في القوم من مثل

٧٤

معاجز أمير المؤمنين (عليه السلام)

(خبر الجام): روي أنّ جبرئيل (عليه السلام) نزَل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بجامٍ من الجنّة، فيه فاكهة كثيرة فدَفَعه إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فسبّح الجام وكبّر وهلّل في يده، ثمّ دفعه إلى أبي بكر فسكت الجام ثمّ دفعه إلى عمر فسكَت الجام ثمّ دفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسبّح الجام وكبّر وهلّل في يده، ثمّ قال الجام: إنّي أُمرت أنْ لا أتكلّم إلاّ في يد نبيّ أو وصيّ، ثمّ عرَج إلى السماء وهو يقول بلسان فصيح يسمعه كلُّ أحد: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

(خبَر كلام الثعبان): روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه كان يخطِب يوم الجمعة على منبر الكوفة إذ سمِع وحاة عدوِ الرجال يتواقعون بعضهم على بعض، فقال لهم: (مالكم؟) قالوا: يا أمير المؤمنين، إنّ ثعباناً عظيماً قد دخَل من باب المسجد ونحن نفزع منه فنريد أنْ نقتله، فقال: (عليه السلام): (لا يقربنّه أحدٌ منكم أبداً وطرقوا له فإنّه رسول قد جاء في حاجة)، فطرقوا له فما زال يتخلّل الصفوف صفا بعد صف حتى صعد المنبر فوقع فمه في إذن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فنق نقيقاً وتطاول وأمير المؤمنين (عليه السلام) يحرّك رأسه ثمّ نقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل نقيقه، ونزَل عن المنبَر فانساب بين الجماعة فالتفتوا فلَم يرَوه فقالوا: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما خبَر هذا الثعبان فقال (عليه السلام): (هذا درجان بن مالك خليفتي على المسلمين من الجن وذلك أنّهم اختلفوا في أشياء فأنفذوه إليّ وسألني عنها فأخبرته بجواب مسائله فرجع إلى قومه).

(خبر الجمجمة) : عن أبي الأحوص عن أبيه عن عمّار الساباطي قال:

٧٥

قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن فنزل بإيوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير فلمّا صلّى قام وقال: دلف، قم معي، وكان معهم جماعة من أهل ساباط، فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف: (كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا) ويقول دلف: هو والله كذلك، فما زال كذلك حتى طاف المواضع وأخبر عن جميع ما كان فيها، ودلف يقول: يا سيّدي ومولاي كأنّك وضعت هذه الأشياء في هذه الأمكنة، ثمّ نظَر (عليه السلام) إلى جمجمة نخِرة فقال لبعض أصحابه: (خذ هذه الجمجمة)، وكانت مطروحة، ثمّ جاء (عليه السلام) إلى الإيوان جلَس فيه ودعا بطست فيه ماء فقال للرجل: (دع هذه الجمجمة في الطست) ثمّ قال (عليه السلام): (قسمتُ عليك يا جمجمة لتخبريني مَن أنا ومَن أنت).

فقالت الجمجمة بلسانٍ فصيح: (أمّا أنتَ فأمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وإمام المتّقين، وأمّا أنا فعبدُك وابن أمتِك كسرى أنو شيروان) ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (كيف حالك؟)، فقال: (يا أمير المؤمنين، إنّي كنت ملِكاً عادلاً شفيقاً على الرعايا رحيماً لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس وقد ولِد محمّد (صلّى الله عليه وآله) في زمان مُلكي فسقَط من شرفات قصري ثلاث وعشرون شرفة ليلةَ ولِد، فهمَمْت أنْ أُؤمِن به من كثرة ما سمِعت من الزيادة من أنواع شرَفِه وفضلِه، ومرتبته وعزّه في السماوات والأرض ومِن شرَف أهل بيته، ولكنّي تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك فيالها من نعمةٍ ومنزلةٍ ذهبَت منّي حيث لم أُؤمن به، فأنا محرومٌ من الجنّة لعدم إيماني به ولكنّي مع هذا الكفر خلّصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، فأنا في النار والنار محرومة علَي فواحسرتاه لو آمنت به لكنت معك يا سيّد أهل بيت محمّد، ويا أمير المؤمنين)، قال فبكى الناس وانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهلهم وأخبروهم بما كان، وبما جرى من الجمجمة فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال المخلصون منهم: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله ووليّه ووصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال بعضهم: بل هو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال بعضهم: بل هو الربّ

٧٦

وهُم مثل عبد الله بن سبأ وأصحابه، وقالوا: لولا أنّه الرب وإلاّ كيف يحيي الموتى قال: فسمِع بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فضاق صدره وأحضرهم وقال: (يا قوم، غلب عليكم الشيطان، إنْ أنا إلاّ عبد الله أنعَم علَيّ بإمامته وولايته ووصيّة رسوله (صلّى الله عليه وآله) فأرجعوا عن الكفر، فأنا عبد الله وابن عبده ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) خيرٌ منّي وهو أيضاً عبد الله وإنْ نحن إلاّ بشرٌ مثلكم)، فخرَج بعض من الكفَرَة وبقي قومٌ على الكفر ما رجعوا، فألحّ عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرجوع فما رجعوا، فأحرقهم بالنار وتفرّق منهم قوم في البلاد وقالوا: لولا أنّ فيه من الربوبيّة وإلاّ فما كان أحرقنا بالنار فنعوذ بالله من الخذلان.

(خبر جمجمة أُخرى): روى أبو رواحة الأنصاري، عن المغربي قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أراد حرب معاوية، فنظر إلى جمجمةٍ في جانب الفرات وقد أتَت عليها الأزمنة فمرّ عليها أمير المؤمنين فدعاها فأجابته بالتلبية، وتدحرجت بين يدَيه وتكلّمت بكلامٍ فصيح فأمرها بالرجوع فرجعَت إلى مكانها كما كانت، فلمّا فرغ من حرب النهروان أبصرنا جمجمةً نخِرة بالية، فقال: (هاتوها) فحرّكها بسوطِه وقال: (أخبريني مَن أنت فقيرة أم غنيّة شقيّة أم سعيدة، ملِك أم رعيّة؟).

فقالت بلسانٍ فصيح: السلام عليك يا أمير المؤمنين، أنا پرويز بن هرمز ملِك الملوك وكنت ملكاً ظالماً فملَكت مشارقها ومغاربها، سهلها وجبلها، برّها وبحرها، أنا الذي أخذت ألف مدينة في الدنيا وقتلت ألف ملِك من ملوكها، يا أمير المؤمنين، أنا الذي بنيت خمسين مدينة وفضضت خمسمِئة جارية بكر واشتريت ألف عبدٍ تركي وألف أرمني وألف رومي وألف زنجي، وتزوّجت بسبعين إلفاً من بنات الملوك وما ملِك في الأرض إلاّ غلبته وظلمت أهله، فلمّا جاء‌ني ملَك الموت قال لي: (يا ظالم يا طاغي، خالفت الحق) ، فتزلزلت أعضائي وارتعدَت فرائصي وعرض عليّ أهل جنسي، فإذا هم سبعون ألفاً من أولاد الملوك قد شقّوا من جنسي، فلمّا رفَع ملَك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي فأنا معذّبٌ في النار أبد الآبدين وكّل الله بي سبعين ألف

٧٧

ألف من الزبانية في يد كلّ واحد منهم مرزبة من نار، لو ضربت جبال الأرض لاحترقت الجبال وتدكدكت، وكلمّا ضربني الملك بواحدة من تلك المرازب أشتعل في النار وأحترق فيُحييني الله تعالى ويعذّبني بظلمي على عباده أبد الآبدين، وكذلك وكّل الله تعالى بعدد كلّ شعرة في بدني حيّة تلسعني وعقرباً تلدغني، وكلّ ذلك أحسّ به كالحي في دنياه فتقول لي الحيّات والعقارب هذا جزاء ظلمك على عباده، ثمّ سكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين وضربوا على رؤوسهم وقالوا: يا أمير المؤمنين، جهلنا حقّك بعد ما أعلمنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإنّما خسرنا حقّنا ونصيبنا فيك وإلاّ فأنت ما ينقص منك شيء، فاجعلنا في حلٍّ ممّا فرّطنا فيك ورضينا بغيرك على مقامك فنحن نادمون، فأمر (عليه السلام) بتغطية الجمجمة، فعند ذلك وقَف ماء النهر من الجري وصعد على وجه الماء كل حيوان وسمك كان في النهر، فتكلّم كلُّ واحدٍ منها مع أمير المؤمنين (عليه السلالم) ودعا وشهد له بإمامته وفي ذلك يقول بعضهم:

سلامي على زمزم والصفا

سلامي على سدرة المنتهى

لقد كلّمَتك لدى النهروان نهاراً

جماجم أهل الثرى

وقد بدرت لك حيتانها

تناديك مذعنةً بالولا

(خبر آخر): قال عمّار بن ياسر (رضي الله عنه): كنت مع مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد خرَج من الكوفة، إذ عبَر بضيعةٍ يقال لها النخلة على بعد فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود قالوا: أنت الإمام عليّ بن أبى طالب؟ فقال (عليه السلام): (أنا هو) فقالوا لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستّة من الأنبياء ونحن نطلب الصخرة فلم نجدها، فإنْ كنت إماماً أوجد لنا الصخرة، فقال (عليه السلام): (اتبعوني) فسارع القوم خلفه إلى أنْ توسّط بهم البر وإذا بحبلٍ من الرمل عظيم، فقال (عليه السلام): (أيّتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بإذن الله تعالى)، فما كان إلاّ ساعة حتى نسَفَت الرمل عن الصخرة

٧٨

وظهرت الصخرة، فقال (عليه السلام): (هذه الصخرة صخرتكم)، فقالوا: إنّ عليها اسم ستّة من الأنبياء على ما سمعنا قرأنا في كتبنا، ولسنا نرى عليها الأسماء فقال (عليه السلام): (أمّا الأسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الأرض فاقلبوها) فاعصوا صبّوا عليها وهم جماعة زهاء ألف رجل، فما قدروا على قلبها فقال (عليه السلام): (تنحّوا عنها) فمدّ يده إليها وهو راكب فقلَبها فوجدوا فيها أسماء الأنبياء الستّة (عليهم السلام)، وهم أصحاب الشرايع وهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) فقال نفر اليهود نشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّك أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين والحجّة على هل الأرض أجمعين، مَن عرفك فقد نجا وسعد ومن أنكرك فقد ضلّ وغوى وإلى الجحيم هوى جلّت مناقبك عن التحديد، وكثُرت آثار نعمتك عن التعديد وحظّك من الله حظٌّ سعيد وخيرك منه مزيد.

(خبر صفوان الأكحل (رضي الله عنه)): روي عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) أنّه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسا على دكّة القضاء، فنهض إليه رجل يقال له صفوان بن الأكحل وقال له: أنا رجلٌ من شيعتك وعلَيّ ذنوب، فأريد أنْ تطهّرني منها في الدنيا لأصِل إلى الآخرة وما علَيّ ذنب، فقال الإمام (قل لي بأعظم ذنوبك ما هيَ؟).

فقال: أنا ألوط بالصبيان، فقال (عليه السلام): (أيّما أحبّ إليك ضربةٌ بذي الفقّار أو أقلب عليك جداراً أو أضرم لك ناراً؛ فإنّ ذلك جزاء مَن ارتكب ما ارتكبته)، فقال: يا مولاي احرقني بالنار لأنجو من نارِ الآخرة، فقال عليّ (عليه السلام): (يا عمّار اجمع ألف حزمة قصب لضرمه غداة غد بالنار)، ثمّ قال للرجل: (انهض وأوصِ بمالك وبما عليك) قال: فنهض الرجل وأوصى بماله وما عليه، وقسّم أمواله بين أولاده، وأعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه ثمّ أتى باب حجرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيت نوح (عليه السلام) شرقي جامع الكوفة، فلمّا صلّى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (يا عمّار، ناد بالكوفة اخرجوا وانظروا حكم أمير المؤمنين)، فقال جماعة منهم: كيف يحرق رجلاً من شيعته ومُحبّيه وهو

٧٩

الساعة يُريد حرقة بالنار فتبطل إمامته.

فسمِع ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عمار (رضي الله عنه): فأخذ الإمام (عليه السلام) الرجل وبنى عليه ألف حزمة من القصَب وأعطاه مقدحة وكبريتاً وقال: (اقدح واحرق نفسك، فإنْ كنت من شيعتي ومحبّيّ وعارفي فإنّك لا تُحرَق في النار، وإنّ كنت من المخالفين المكذّبين فالنار تأكل لحمَك وتكسُر عظمك)، قال: فقدَح الرجل على نفسه واحترق القصب وكان على الرجل ثيابٌ بيض فلَم تعلَق بها النار ولم يَقربها الدخان، فاستفتح الإمام (عليه السلام) وقال: (كذَب العاذلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً) ثمّ قال: (شيعتنا أُمناء وأنا قسيم الجنّة والنار وشهِد لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مواطِنَ كثيرة).

(خبر مالك بن نويرة): قال البراء بن عازب: بينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالس في أصحابه إذا أتاه وفدٌ من بني تميم مالك بن نويرة، فقال: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، علّمني الإيمان فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (تشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّي رسول الله، وتصلّي الخمس وتصوم رمَضَان وتؤدّي الزكاة وتحجّ البيت، وتوالي وصيّي هذا مِن بعدي - وأشار إلى عليّ (عليه السلام) بيده - ولا تسفك دماً ولا تسرق ولا تخون ولا تأكل مال اليتيم، ولا تشرب الخمر وتوفى بشرائعي وتحلّل حلالي وتحرّم حرامي، وتعطي الحقّ من نفسِك للضعيف والقويّ والكبير والصغير)، حتى عدّ عليه شرائع الإسلام فقال: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أعد علَيّ فإنّي رجل نسّاء، فأعاد عليه فعقدها بيده وقام وهو يجرّ إزاره وهو يقول: تعلّمت الإيمان وربّ الكعبة.

فلمّا بعُد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (من أحبّ أنْ ينظر إلى رجلِ من أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا الرجل)، فقال أبو بكر وعُمر: إلى مَن تشير يا رسول الله، فاطرق إلى الأرض فجدّا في السير فلَحِقاه فقالا: لك البشارة من الله ورسوله بالجنّة فقال: أحسن الله تعالى بشارتكما إنْ كنتما ممّن يشهَد بما شهدت به، فقد علمتما ما علّمني النبيّ محمّد

٨٠

(صلّى الله عليه وآله)، وإنْ لم تكونا كذلك فلا أحسَن الله بشارتكما فقال أبو بكر: لا تقل فأنا أبو عائشة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قال: قلت ذلك فما حاجتكما قالا: أنّك من أصحاب الجنّة فاستغفر لنا، فقال: لا غفَر الله لكما تتركان رسول الله صاحب الشفاعة وتسألاني استغفر لكما.

فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما، فلمّا رآهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تبسّم وقال: (أفي الحقِّ مغضبة؟) فلمّا توفّي رسول الله ورجَع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بنو نويرة، فخرج لينظر مَن قام مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فدخَل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال: أخو تيم، قالوا: نعم، قال فما فعَل وصيُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي أمرني بموالاته؟

قالوا: يا أعرابي الأمر يحدث بعده الأمر، قال: بالله ما حدَث شيء وإنّكم قد خنتم الله ورسوله ثمّ تقدّم إلى أبى بكر وقال من أرقاك هذا المنبر ووصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالس فقال أبو بكر: اخرجوا الأعرابي البوّال على عقِبية من مسجد رسول الله * ص * فقام إليه فنقذ بن عُمير وخالد بن الوليد فلَم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه فركِب راحلته وأنشأ يقول:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا قوم ماشأني وشأن أبي بكر

إذا مات بكر قام عمر ومقامه

فتلك وبيت الله قاصمة الظهر

يدب ويغشاه العشار كأنّما

يجاهد جما أو يقوم على قبر

فلو قام فينا من قريش عصابةٌ

أقمنا ولكن القيام على جمرِ

قال: فلمّاً استتمّ الأمر لأبي بكر وجّه خالد بن الوليد وقال له قد علِمت ما قاله مالك على رؤس الأشهاد، ولستُ آمن أنْ يفتق علينا فتقاً لا يلتئم فاقتله.

فحين أتاه خالد ركِب جواده وكان فارساً يُعد بألف، فخاف خالد منه فأمّنه وأعطاه المواثيق ثمّ غدَر به بعد أنْ ألقى سلاحه، فقتله وأعرس بامرأته في ليلته وجعَل رأسه في قدرٍ فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها نزو الحمار والحديث طويل.

٨١

  خبر الشيخ معاذ بن جبَل مع معاوية بن أبى سفيان

قال جابر ابن عبد الله الأنصاري (صلّى الله عليه وآله): كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، فبينما نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق، فقال معاوية: عرّجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل والى أين يُريد، وكان عند معاوية أبو الأعور السلَمي، وولدا معاوية خالد ويزيد، وعمر بن العاص قال: فعرَجنا إليه فقال له معاوية من أين أقبلت يا شيخ، وأين تريد؟ فلَم يُجبه الشيخ فقال عمرو بن العاص لم لا تجيب أمير المؤمنين، فقال الشيخ: إنّ الله جعل التحيّة غير هذه، فقال معاوية: صدقت يا شيخ، وأخطأنا وأحسنت وأسأنا، السلام عليك، قال: وعليك السلام فقال معاوية: ما اسمك يا شيخ؟

فقال اسمي: معاذ بن جبَل، وكان ذلك الشيخ طاعناً في السن بيده شيءٌ من الحديد ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل، وعليه كساء قد سقطَت لحمته وبقيَت سداته، وقد بانت شراسيف خدّيه وقد غطّت حواجبه عينيه، فقال معاوية: يا شيخ مِن أين أقبلت وإلى أين تريد؟ قال الشيخ أتيت من العراق أُريد بيت المقدِس، قال معاوية: كيف تركت العراق؟ قال على الخير والبرَكَة والاتّفاق.

لعلّك أتيت من الكوفة من الغري؟ قال الشيخ وما الغري قال معاوية: الذي فيه أبو تراب، قال الشيخ: مَن تعني بذلك ومن هو أبو تراب؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قال له الشيخ: أرغم الله أنفك ورضّ الله فاك ولعن الله أُمّك وأباك، ولمَ لا تقول الإمام العادل، والغَيث الهاطل يعسوب الدين وقاتل المشركين والناكثين والقاسطين والمارقين، سيف الله المسلول وابن عمّ الرسول وزوج البتول، تاج الفقَهَاء وكنز الفقراء وخامس أهل العباء، والليث الغالب أبو الحسَنَين عليُّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام)، فعندها قال معاوية يا شيخ، إنّي أرى لحمَك ودمَك قد خالط لحم عليّ بن أبي طالب ودمَه، فلو مات على ما أنت فاعل، قال لا اتهم في فقده ربّي وأجلل في

٨٢

بُعده حزني، وأعلم أنّ الله لا يميت سيّدي وإمامي حتى يجعل مِن وِلده حجّةً قائمةً إلى يوم القيامة، فقال: يا شيخ، هل تركت من بعدك امرءاً تفتخر به؟ قال: وكيف لا وقد تركت الفرس الأشقر والحجَر المدوّر والمنهاج لِمَن أراد المعراج.

قال عمرو بن العاص: لعلّه لا يعرفك يا أمير المؤمنين، فسأله معاوية فقال له: يا شيخ، هل تعرفني؟ قال من أنت؟ فقال: أنا معاوية أنا الشجرة الزكية والفروع العليّة، أنا سيّد بني أُمية، فقال له الشيخ: بل أنت اللعين ابن اللعين على لسان نبيّه في كتابه المبين، إنّ الله قال في قوله تعالى: ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) والشجرة الخبيثه والعروق المُخبثة الخسيسة، الذي ظلَم نفسه وربَه وقال فيه نبيّه: (الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان) الزنيم ابن آكلة الأكباد الفاشي ظلمه في العباد، فعندها اغتاظ معاوية وحنق عليه فرد يده إلى قائم سيفه وهمّ بقتل الشيخ ثمّ قال: لولا العفو أحسن لأخذت رأسك، ثمّ قال له: أرأيت لو كنت فاعلاً ذلك؟ قال الشيخ: إذاً والله أفوز بالسعادة وتفوز أنتَ بالشقاوة وقَد قتَل من هو شرٌّ منك مَن هو خيرٌ منّي.

فقال معاوية: ومَن ذلك؟ قال الشيخ عثمان نفى أبا ذر وضربه حتى مات وهو خيرٌ منّي وعثمان شرٌّ منك. قال معاوية: يا شيخ هل كنت حاضراً يوم الدار؟ قال: وما يوم الدار؟ قال معاوية: يوم قتَل عليٌّ عثمان، فقال الشيخ: بالله ما قتله ولو فعَل ذلك لاعتلاه بأسيافٍ حِداد وسواعد شِداد، وكان يكون في ذلك مطيعاً لله ولرسوله، قال معاوية: يا شيخ، هل حضرت يوم صفّين؟ قال: وما غِبت عنها، قال: كيف كنت فيها؟ قال الشيخ: أيتمت منك أطفالاً وأرملت منك نسواناً، كنت كالليث أضرب بالسيف تارة، وبالرمح أُخرى، قال معاوية: هل ضربتني بشيءٍ قط؟ قال الشيخ: ضربتك بثلاثة وسبعين سهماً فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بُردتك وصاحب السهمين اللذين وقعا في مسجدِك وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضُدَيك ولو

٨٣

كشَفت الآن لأُريك مكانهما، فقال معاوية: للشيخ هل حضرت يوم الجمَل؟ قال: وما يوم الجمَل؟ قال معاوية: يوم قاتَلَت عائشة عليّاً، قال: وما غبت عنه، قال معاوية، يا شيخ، الحقّ مع عليّ أم مع عائشة؟ قال الشيخ: بل مع عليّ، قال معاوية: يا شيخ ألَم يقل الله وأزواجه أُمّهاتهم؟ وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): هي أُمّ المؤمنين.

قال الشيخ: ألَم يقل الله تعالى: ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ - إلى قوله - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) ، وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنت يا عليّ خليفتي على نسائي وأهلي، وطلاقهن بيدِك)، أفتراها خالفت الله تعالى في ذلك عاصيةً الله ورسوله، خارجةُ من بيتها وهي في ذلك سفَكَت دماء المسلمين وأذهبت أموالهم، فلعنة الله على القوم الظالمين وهي كامرأة في توح النار ولبئس مثوى الكافرين.

قال معاوية: يا شيخ، ما جعلت لنا شيئاً نحتجّ به عليك، فمتى ظلمت الأُمّة وطفيت عنهم قناديل الرحمة؟ قال: لمّا صِرتَ أميرها وعمرو بن العاص وزيرها. قال: فاستلقى معاوية على قفاه من الضحك وهو على ظهر فرسه. فقال: يا شيخ، هل لك من شيء تقطع به لسانك؟ قال: ما عندك؟ قال: عشرون ناقة حمراء حملة عسلاً وبرّا وسمناً، وعشرة آلاف درهَم تنفقها على عيالك وتستعين بها على زمانك، قال الشيخ: لست أقبلها، قال: ولِمَ ذلك؟ قال الشيخ: لأنّي سمِعت رسول الله يقول: (درهَم حلال خيرٌ من ألف درهَمٍ حرام)، قال معاوية: لأن أقمت معي في دمشق لأضربنّ عنقك. قال: ما أنا بمقيم معك فيها، قال معاوية: ولِمَ ذلك؟ قال الشيخ: لأنّ الله تعالى يقول: ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) وأنت أوّل ظالم وآخر ظالم، ثمّ توجه الشيخ إلى بيت المقدِس وهذا آخر الحديث

٨٤

 

٨٥

 (خبر مفاخرة عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام))

روي أنّه جاء في الخبَر أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، كان ذات يوم هو وزوجته فاطمة (عليه السلام) يأكلان تمراً في الصحراء إذا تداعباً بينهما بالكلام فقال عليّ (عليه السلام): (يا فاطمة، إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يحبّني أكثر منك)، فقالت: (وا عجباً منك يحبّك أكثر منّي!؟ وأنا ثمرة فؤاده وعضوٌ من أعضائه وغصنٌ من أغصانه، وليس له ولدٌ غيري؟)، فقال لها عليّ (عليه السلام): (يا فاطمة، إنْ لم تصدّقيني فأمضي بنا إلى أبيك محمّد (صلّى الله عليه وآله)، قال: (فمضينا إلى حضرته (صلّى الله عليه وآله) فتقدّمَت وقالت: يا رسول الله، (صلّى الله عليه وآله) أيّنا أحبّ إليك أنا أم عليّ (عليه السلام)؟)، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنت أحبّ إليّ وعليّ أعزّ علَيّ منك)، فعندها قال سيّدنا ومولانا الإمام عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام): (ألم أقلّ لك أنا ولَد فاطمة ذات التقى؟!).

قالت فاطمة: (وأنا ابنة خديجة الكبرى)، قال عليّ (عليه السلام): (وأنا ابن الصفا).

قالت فاطمة: (أنا ابنة سدرة المنتهي)، قال عليّ: (وأنا فخر الورى).

قالت فاطمة: (وأنا ابنة دنى فتدلى وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى)، قال عليّ: (وأنا ولد المحصنات).

قالت فاطمة: (أنا بنت الصالحات والمؤمنات)، قال عليّ: (خادمي جبرائيل).

قالت فاطمة: (وأنا خاطبني في السماء راحيل وخدمتني الملائكة جيلاً بعد جيل).

  قال عليّ: وأنا ولدت في المحلّ البعيد المرتقي، قالت فاطمة: وأنا زُوّجت في الرفيع الأعلى وكان ملاكي في السماء، قال عليّ: أنا حامل اللواء، قالت فاطمة: وأنا ابنة مَن عُرِج به إلى السماء،

قال عليّ: أنا ابن صالح المؤمنين، قالت فاطمة: وأنا ابنة خاتم النبيّين، قال عليّ: وأنا الضارب على التنزيل، قالت فاطمة: وأنا صاحبة التأويل، قال عليّ: وأنا شجرة تخرج من طور سينين، قالت فاطمة: وأنا الشجرة التي تخرج أُكلها، أعني الحسن والحسين (عليهما السلام).

قال عليّ: وأنا المثاني والقرآن الحكيم، قالت فاطمة: وأنا ابنة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الكريم.

قال عليّ: وأنا النبأ العظيم، قالت فاطمة: وأنا ابنة الصادق الأمين، قال عليّ: وأنا الحبل المتين، قالت فاطمة: وأنا ابنة خير الخلق أجمعين، قال عليّ: أنا ليث الحروب، قالت فاطمة:

٨٦

أنا مَن يغفر الله به الذنوب، قال عليّ: وأنا المتصدّق بالخاتم، قالت فاطمة: وأنا ابنة سيّد العالم، قال عليّ: أنا سيّد بني هاشم، قالت: أنه ابنة محمّد المصطفى، قال عليّ: أنا الإمام المرتضى، قالت فاطمة: أنا ابنة سيّد المرسلين، قال عليّ: أنا سيّد الوصيين، قالت فاطمة: أنا ابنة النبيّ العربي، قال عليّ: وأنا الشجاع الكمي، قالت فاطمة: وأنا ابنة احمد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قال عليّ: أنا المبطل الأروَع، قالت فاطمة: أنا الشفيع المشفّع، قال علي: أنا قسيم الجنّة والنار، قالت فاطمة: أنا ابنة محمّد المختار، قال علي: أنا قاتل الجان، قالت فاطمة: أنا ابنة رسول الملِك الديّان، قال عليّ: أنا خيرة الرحمان، قالت فاطمة: وأنا خيرة النسوان، قال عليّ: وأنا مكلّم أصحاب الرقيم، قالت فاطمة: وأنا ابنة من أُرسِل رحمة للمؤمنين وبهم رؤوف رحيم، قال عليّ: وأنا الذي جعل الله نفسي نفس محمّد (صلّى الله عليه وآله) حيث يقول في كتابه العزيز: (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) .

قالت فاطمة: وأنا الذي قال فيّ: ( أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) ، قال عليّ: أنا علّمت شيعتي القرآن، قالت فاطمة: وأنا يعتق الله من أحبّني من النيران، قال: أنا شيعتي مِن علمي يسطرون، قالت فاطمة: وأنا من بحر علمي يغرفون، قال عليّ: أنا الذي اشتق الله تعالى اسمي من اسمه فهو العالي وأنا عليّ، قالت فاطمة: وأنا كذلك فهو الفاطر وأنا فاطمة، قال عليّ (عليه السلام): أنا حياة العارفين، قالت فاطمة: أنا مسلك نجاة الراغبين، قال عليّ: وأنا الحواميم، قالت فاطمة: وأنا ابنة الطواسين، قال عليّ: وأنا كنز الغنى، قالت فاطمة: وأنا الكلمة الحسنى، قال عليّ: أنا بي تاب الله على آدم في خطيئته، قالت فاطمة: وأنا بي قبِل الله توبته، قال عليّ: أنا كسفينة نوح من ركِبَها نجا، قالت فاطمة: وأنا أُشاركك في الدعوى، قال عليّ أنا طوفانه، قالت فاطمة: وأنا سورته، قال عليّ: وأنا النسيم المرسل لحفظه، قالت فاطمة: وأنا منّي انهار الماء واللبَن والخمر والعسَل في الجنان، قال عليّ: وأنا الطور، قالت فاطمة: وأنا الكتاب المسطور، قال عليّ:

٨٧

وأنا الرق المنشور، قالت فاطمة: وأنا البيت المعمور، قال عليّ: وأنا السقف المرفوع، قالت فاطمة: وأنا البحر المسجور، قال عليّ: أنا علمي النبيّين، قالت فاطمة: وأنا ابنة سيّد المرسلين من الأوّلين والآخرين، قال عليّ: أنا البئر والقصر المشيّد، قالت فاطمة: أنا منّي شبّر وشُبير، قال عليّ: وأنا بعد الرسول خير البرية، قالت: أنا البرّة الزكية).

فعندها قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لا تكلّمي عليّاً فإنّه ذو البرهان، قالت فاطمة: أنا ابنة مَن أُنزل عليه القرآن، قال عليّ: أنا البطين الأصلع، قالت فاطمة أنا الكوكب الذي يلمع، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فهو الشفاعة يوم القيامة، قالت فاطمة: وأنا خاتون يوم القيامة، فعند ذلك قالت فاطمة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تُحام لابن عمّك ودعني وإيّاه، قال عليّ (عليه السلام): يا فاطمة، أنا مَن محمّد عصبته ونخبته، قالت فاطمة: وأنا لحمه ودمه، قال عليّ أنا الصُحف، قالت فاطمة: وأنا الشرَف، قال عليّ: وأنا وليّ الزلفى، قالت فاطمة: وأنا الخمصاء الحسناء، قال عليّ: وأنا نور الورى، قالت فاطمة: وأنا الزهراء.

فعندها قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة: يا فاطمة، قومي وقبّلي رأس ابن عمّك فهذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل مع أربعة آلاف مِن الملائكة يحامون مع عليّ (عليه السلام)، وهذا أخي راحيل ودردائيل مع أربعة آلاف من الملائكة ينظرون بأعينهم، قال: فقامت فاطمة الزهراء فقبّلت رأس الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بين يدَي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقالت: يا أبا الحسن، بحق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معذرةً إلى الله عزّ وجل وإليك وإلى ابن عمّك، قال فوهبَها الإمام (عليه السلام)، وقبّلت يد أبيها (عليه وعليهم السلام).

وهذا ما وجدناه في النسخة من الحديث على التمام والكمال ونستغفر الله العظيم من الزيادة والنقصان ونعوذ بالله من سخط الرحمان.

٨٨

حديث مفاخرة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مع ولده الحسين (عليه السلام)

قال: حدّثنا سليمان بن مهران قال: حدّثنا جابر، عن مجاهد قال: حدّثنا عبد الله بن عبّاس قال: حدّثنا رسول الله قال: (لما عُرِج بي إلى السماء، رأيت على باب الجنّة مكتوباً لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليُّ الله، والحسن والحسين سبطا رسول الله، وفاطمة الزهراء صفوة الله، وعلى ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى).

(قيل) : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم وعنده الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ دخَل الحُسين بن عليّ فأخذه النبيّ (عليه السلام) وأجلسه في حِجره، وقبّل بين عينيه وقبّل شفتيه وكان للحسين (عليه السلام) ستّ سنين، فقال عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله أتحبّ ولدي الحسين؟)، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (وكيف لا أحبّه وهو عضوٌ من أعضائي؟!)، فقال عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله، أيّما أحبّ إليك أنا أم الحسين؟)، فقال الحسين: (يا أبتي مَن كان أعلى شرفاً كان أحبّ إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأقرب إليه منزلةً)، قال عليّ (عليه السلام): (لولده أتفاخرني يا حسين)، قال: (نعم يا أبتاه إنْ شئت).

فقال له الإمام عليّ (عليه السلام): (يا حسين أنا أمير المؤمنين، أنا لسان الصادقين، أنا وزير المصطفى، أنا خازن علم الله ومختاره من خلقِه، أنا قائد السابقين إلى الجنّة أنا قاضي الدَّين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنا الذي عمّه سيّد في الجنّة أنا الذي أخوه جعفر الطيّار في الجنّة عند الملائكة، أنا قاضي الرسول أنا آخذٌ له باليمين، أنا حامل سورة التنزيل إلى أهل مكّة بأمر الله تعالى، أنا الذي اختارني الله تعالى من خلقه أنا حبل الله المتين الذي أمر الله تعالى خلقه أنْ يعتصموا به في قوله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ) ، أنا نجم الله الزاهر، أنا الذي تزوره ملائكة السموات أنا لسان الله الناطق، أنا حجّة الله تعالى على خلقِه أنا يد الله القوى أنا وجه الله تعالى في السموات، أنا جنب الله الظاهر أنا الذي قال الله سبحانه وتعالى فيّ وفي حقّي: ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) ، أنا عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها والله سميعٌ عليم، أنا باب الله

٨٩

الذي يؤتى منه أنا علم الله على الصراط، أنا بيت الله مَن دخله كان آمناً فمن تمسّك بولايتي ومحبّتي أمِن مِن النار، وأنا قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، أنا قاتل الكافرين أنا أبو اليتامى أنا كهف الأرامل أنا عمّ يتساءلون عن ولايتي يوم القيامة قوله تعالى: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) ، أنا نعمة الله تعالى التي أنعَم الله بها على خلقِه أنا الذي قال الله تعالى فيّ وفي حقّي: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) ، فمَن أحبّني كان مسلماً مؤمناً كامل الدين، أنا الذي بي اهتديتم أنا الذي قال الله تبارك وتعالى فيّ وفي عدوّي: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) ، أي عن ولايتي يوم القيامة، أنا النبأ العظيم الذي أكمل الله تعالى به الدين يوم غدير خم وخيبَر، أنا الذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيّ: (من كنت مولاه فعليٌّ مولاه)، أنا صلاة المؤمن أنا حيّ على الصلاة أنا حيّ على الفلاح أنا حيّ على خير العمل، أنا الذي نزل على أعدائي سأل سائلٌ بعذابٍ واقع للكافرين ليس له دافع، بمعنى من أنكر ولايتي وهو النعمان ابن الحارث اليهودي لعنه الله تعالى.

أنا داعي الأنام إلى الحوض فهل داعي المؤمنين غيري؟ أنا أبو الأئمّة الطاهرين مِن ولدي، أنا ميزان القسط ليوم القيامة، أنا يعسوب الدين أنا قائد المؤمنين إلى الخيرات والغفران إلى ربّي، أنا الذي أصحاب يوم القيامة من أوليائي المبرّؤون من أعدائي وعند الموت لا يخافون ولا يحزنون، وفي قبورهم لا يُعذّبون وهم الشهداء و الصدّيقون وعند ربّهم يفرحون، أنا الذي شيعتي متوثّقون أنْ لا يوادّوا من حادّ الله و رسوله ولو كانوا آباء‌هم أو أبناء‌هم، أنا الذي شيعتي يدخلون الجنّة بغير حساب، أنا الذي عندي ديوان الشيعة بأسمائهم، أنا عون المؤمنين وشفيعٌ لهم عند ربّ العالمين، أنا الضارب بالسيفين أنا الطاعن بالرمّحين، أنا قاتل الكافرين يوم بدرٍ وحنين أنا مُردي الكماة يوم أُحد أنا ضارب ابن عبد ودّ لعنه الله تعالى يوم الأحزاب، أنا قاتل عمرو ومرحَب أنا قاتل فرسان خيبَر أنا الذي قال فيّ الأُمين جبرئيل

٩٠

(عليه السلام): لا سيف إلاّ ذو الفقّار ولا فتى إلاّ عليّ، أنا صاحب فتح مكّة أنا كاسر اللاّت والعزّى أنا الهادم هُبَل الأعلى ومناة الثالثة الأُخرى، أنا علَوت على كتف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكسرت الأصنام، أنا الذي كسرت يغوث ويعوق ونسرا، أنا الذي قاتلت الكافرين في سبيل الله أنا الذي تصدّق الخاتم، أنا الذي نمت على فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ووقيته بنفسي من المشركين، أنا الذي يخاف الجنُّ من بأسي أنا الذي به يُعبَد الله أنا تُرجمان الله أنا علم الله أنا عيبة عِلم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنا قاتل أهل الجمَل وصفّين بعد رسول الله أنا قسيم الجنّة والنار).

فعندها سكت عليّ (عليه السلام) فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) للحسين (عليه السلام): (أسمِعت يا أبا عبد الله، ما قاله أبوك وهو عُشر عُشَير مِعشار ما قاله من فضائله، ومن ألف ألف فضيلة وهو فوق ذلك أعلى)

فقال الحسين (عليه السلام): (الحمد لله الذي فضّلنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين، وعلى جميع المخلوقين وخصّ جدّنا بالتنزيل والتأويل، والصدق ومناجاة الأمين جبرئيل (عليه السلام) وجعلنا خيار مَن اصطفاه الجليل، ورفَعنا على الخلق أجمعين، ثمّ قال الحسين (عليه السلام): (أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين، فأنت فيه صادقٌ أمين).

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (اذكر أنت يا ولدي فضائلك)، فقال الحسين ( عليه السلام): (يا أبت أنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأُمّي فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، وجدّي محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) سيد بني آدم أجمعين، لا ريب فيه يا عليّ أُمّي أفضل مِن أُمّك عند الله وعند الناس أجمعين، وجدّي خيرٌ من جدّك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين، وأنا في المهد ناغاني جبرئيل وتلقاني إسرافيل، يا علي، أنت عند الله تعالى أفضل منّي وأنا أفخر منك بالآباء والأُمّهات والأجداد).

قال: ثمّ إن الحسين (عليه السلام) اعتنق أباه وجعل يُقبّله، وأقبل عليّ (عليه السلام) يُقبّل ولده الحسين وهو يقول: (زادك الله تعالى شرفاً وفخراً وعلماً وحلماً، ولعَن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله)، ثمّ رجع الحسين (عليه السلام) إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهذا وجدناه مكتوباً على التمام والكمال ونستغفر الله مِن الزيادة والنقصان ونعوذ بالله من سخط الرحمان.

٩١

حكاية وفاة سلمان الفارسي (رضي الله عنه)

حدّثنا الإمام شيخ الإسلام أبو الحسن بن عليّ بن محمّد المهدي بالإسناد الصحيح عن الأصبغ بن نباتة، أنّه قال: كنت مع سلمان الفارسي (رحمه الله) وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب (عليه السلام)، وذلك أنّه قد ولاّه المدائن عمر ابن الخطّاب فقام إلى أنْ وليَ الأمر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال الأصبغ: فأتيته يوماً زائراً وقد مرِض مرضه الذي مات فيه قال: فلَم أزل أعوده في مرضِه حتى اشتدّ به وأيقن بالموت قال: فالتفت إليّ وقال: يا أصبغ عهدي برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أردفني يوماً وراء‌ه، فالتفت إليّ وقال لي: (يا سلمان، سيكلّمك ميّت إذا دنَت وفاتك)، وقد اشتهيت أنْ أدرى وفاتي دنَت أم لا، فقال الأصبغ: ماذا تأمرني به يا سلمان، قال له: يا أخي تخرج وتأتيني بسرير وتفرِش عليه ما يُفرش للموتى، ثمّ تحملني بين أربعة فتأتون بي إلى المقبرة، فقال الأصبغ حبّاً وكرامة، قال: فخرجت مسرعاً وغبت ساعة وأتيته بسرير وفرشت عليه ما يُفرش للموتى، ثمّ أتيته بقومٍ حملوه حتى أتوا به إلى المقبرة، فلمّا وضعوه فيها قال لهم: يا قوم، استقبلوا بوجهي القبلة.

فلمّا استقبل القبلة بوجهه نادى بعلوِّ صوته: السلام عليكم يا أهل عرَصة البلاد، السلام عليكم يا محتجبين من الدنيا، قال فلَم يُجِبه أحد فنادى ثانية: السلام عليكم يا مَن جُعلت المنايا لهم غذاء، السلام عليكم يا مَن جُعلت الأرض عليهم غطاء، السلام عليكم يا مَن لقوا أعمالهم في دار الدنيا، السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى، سألتكم بالله العظيم والنبيّ الكريم إلاّ أجابني منكم مجيب، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنّه (صلّى الله عليه وآله) قال لي:

(يا سلمان، إذا دنَت وفاتك سيكلّمك ميّت)، وقد اشتهيت أنْ أدري دنَت وفاتي أم لا، فلمّا سكَت سلمان مِن كلامه فإذا هو بميّت قد نطَق مِن قبره وهو يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا أهل البناء والفناء المشتغلون بعرصة الدنيا، ها نحن لكلامك مستمعون ولجوابك مسرعون، فسل عمّا بدا لك يرحمك الله تعالى.

قال سلمان: أيّها الناطق

٩٢

بعد الموت، المتكلّم بعد حسرة الفوت أمِن أهل الجنّة أنتَ بعفوه أم من أهل النار بعدله؟ فقال: يا سلمان، أنا ممّن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه و أدخله جنّته برحمته. فقال له سلمان: الآن يا عبد الله صف لي الموت كيف وجدته وماذا لقيت منه وما رأيت وما عاينت. قال: مهلاً يا سلمان، فو الله إنّ قرضاً بالمقاريض ونشراً بالمناشير لأهوَن عليّ من غُصَص الموت، ولسبعون ضربةً بالسيف أهوَن عليّ مِن نَزعة من نزَعَات الموت. فقال سلمان: ما كان حالك في دار الدنيا؟ قال: اعلم أنّي كنت في دار الدنيا ممّن ألهمني الله تعالى الخير، وكنت أعمل به وأُؤدي فرائضه وأتلو كتابه وأحرص في برّ الوالدين، وأجتنب المحارم وأنزع عن المظالم، وأكدّ الليل والنهار في طلب الحلال خوفاً من وقفة السؤال فبينا أنا في ألذّ العيش وغبطةٍ وفرح وسرور، إذ مرضت وبقيت في مرضي أيّاماً حتى انقضت من الدنيا مدّتي وقرُب موتي فأتاني عند ذلك شخصٌ عظيم الخلقة فظيع المنظر فوقف مقابل وجهي، لا إلى السماء صاعداً ولا إلى الأرض نازلاً فأشار إلى بصري فأعماه والى سمعي فأصمّه وإلى لساني فأخرَسه، فصرت لا أُبصر ولا أسمع فعند ذلك بكى أهلي وأعواني وظهر خبري إلى إخواني وجيراني.

فقلت له عند ذلك: من أنت يا هذا الذي أشغلتني مِن مالي وأهلي وولدي؟ فقال: أنا ملَك الموت أتيتك لا نقلك من الدنيا إلى الآخرة، فقد انقطعت مدّتك وجاء‌ت منيّتك فبينا هو كذلك يخاطبني إذا أتاه شخصان، وهما أحسن خلق الله ما رأيت أحسن منهما، فجلس أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي فقالا لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، قد جئناك بكتابك فخذه الآن وانظر ما فيه، فقلت لهم: أيّ كتابٍ لي أقرأه؟ قالا: نحن الملَكان اللذان كنّا معك في دار الدنيا نكتب مالك وما عليك، وهذا كتاب عملك فنظرت في كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب فسرّني ما فيه، وما رأيت من الخير فضحكت عند ذلك وفرحت فرحاً شديداً ونظرت إلى كتاب السيّئات وهو بيد العتيد فساء‌ني بما رأيت وأبكاني، فقالا لي: أبشر فلَك الخير ثمّ دنا منّي الشخص الأوّل

٩٣

فجذب الروح فليس من جذبةٍ يجذبها إلاّ وهي تقوم مقام كلّ شدّةٍ من السماء إلى الأرض، فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري ثمّ أشار إليّ بجذبةٍ لو أنّها وضِعَت على الجبال لذابت، فقبض روحي من عرنين أنفي فعَلا من أهلي عند ذلك الصراخ، وليس من شيء يقال ويُفعل إلاّ وأنا به عالم، فعلاً اشتدّ صراخ القوم و بكاؤهم جزعاً علَيّ التفت إليهم ملَك الموت بغيظ وقنوط وقال: (معاشر القوم ممّ بكاؤكم فو الله ما ظلمناه فتشكّوا ولا اعتدينا عليه فتضجّوا وتبكوا، ولكن نحن وانتم عبيد ربٍّ واحد ولو أُمرتم فينا كما أُمرنا فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم، والله ما أخذناه حتى فنى رزقه وانقطعت مدّته، وصار إلى ربٍّ كريم يحكم فيه كما يشاء وهو على كل شيءٍ قدير، فإنْ صبرتم أُجرتم وإنْ جزعتم أثمتم، كم لي من رجعةٍ إليكم آخذ البنين والبنات والآباء والأُمّهات) ، ثمّ انصرف عند ذلك عنّي والروح معه فعند ذلك أتى ملكٌ آخر فأخذها منه وتركها في ثوبٍ أخضر من حرير، وصعد بها ووضعها بين يدي الله في أقلّ من طبْقة جفن على جفن.

فلمّا حصلت الروح بين يدي ربّي سبحانه وتعالى سألَها عن الصغيرة والكبيرة وعن الصلاة والصيام في شهر رمضان، وحجّ بيت الله الحرام وقراء‌ة القرآن، والزكاة والصدقات وسائر الأوقات والأيّام وطاعة الوالدين، وعن قتل النفس بغير الحق وأكل مال اليتيم وعن مظالم العباد، وعن التهجّد بالليل والناس نيام وما يشاكل ذلك، ثمّ من بعد ذلك رُدّت الروح إلى الأرض بإذن الله تعالى فعند ذلك أتاني غاسلٌ فجرّدني من أثوابي وأخذ في تغسيلي فنادته الروح: (يا عبد الله، رفقاً بالبدَن الضعيف، فو الله ما خرجت من عرقٍ إلاّ انقطع ولا عضوٍ إلاّ انصدَع) ، فو الله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسّل ميّتا أبداً، ثمّ إنّه أجرى علَيّ الماء وغسّلني ثلاثة أغسال وكفّنني في ثلاثِ أثواب، وحنّطني في حنوط وهو الزاد الذي خرجت به إلى دار الآخرة، ثمّ جذب الخاتم من يدي اليمين بعد فراغه من الغسل ودفعه إلى الأكبر من ولدي وقال آجرك الله تعالى في أبيك وأحسن لك

٩٤

الأجر والعزاء، ثمّ أدرجني في الكفن ولفّني ونادى أهلي وجيراني وقال: هلمّوا إليه بالوداع، فأقبلوا عند ذلك لوداعي فلمّا فرغوا من وداعي حُمِلت على سريرٍ من خشَب والروح عند ذلك بين وجهي وكفني، حتى وضعت الصلاة فصلّوا عليّ فلمّا فرغوا من الصلاة حُمِلت إلى قبري ودلت فيه فعاينت هولاً عظيماً يا سلمان، يا عبد الله اعلم أنّي لمّا وقعت من سريري إلى لحدي تخيّل لي أنّي قد سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي، وشرج علَيّ اللبْن وحثي التراب علَيّ وواروني فعند ذلك سُلِبت الروح من اللسان وانقلب السمع والبصر، فلمّا نادى المنادي بالانصراف أخذت في الندم و بكيت من القبر وضيقه وضغطه، وقلت: يا ليتني كنت من الراجعين لعملت عملاً صالحاً فجاوبني مجيب من جانب القبر: ( كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، فقلت له: من أنت يا هذا الذي يكلّمني ويحدّثني؟ فقال: (أنا منبّه) فقلت له: من أنت يا منبّه؟ قال: (أنا ملك وكّلني الله عزّ وجل بجميع خلقه لأُنبّههم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عزّ وجل) ، ثمّ جذبني وأجلسني وقال لي: اكتب عملك فقلت: إنّي لا أُحصيه فقال لي: أما سمعت قول ربّكم: ( أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ) .

ثمّ قال لي: (اكتب وأنا أملي عليك) فقلت: أين البياض؟ فجذَب جانباً من كفني فإذا هو ورق فقال: (هذه صحيفتك) فقلت: من أين القلم؟ قال: سبّابتك فقلت: من أين المداد؟ قال: ريقك ثمّ أملى علَيّ ما فعلته في دار الدنيا فلَم يبقَ من أعمالي صغيرة ولا كبيرة ثمّ تلا علَيّ: ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) ، ثمّ إنّه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوّقه في عنقي فخيّل لي أنّ جبال الدنيا جميعاً قد طوّقوها في عنقي، فقلت له: يا منبّه، ولم تفعل بي هكذا؟ قال: ألَم تسمع قول ربّك: ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) ، فهذا تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك وبكتابك بين عينيك منشوراً تشهد فيه على نفسك، ثمّ انصرف

٩٥

عنّي فأتاني منكر بأعظم منظر وأوحَش شخص وبيده عمود من الحديد لو اجتمَعت عليه أهل الثقلين ما حرّكوه من ثقله، فروّعني وأزعجني وهدّدني ثمّ إنّه قبض بلحيتي وأجلسني ثمّ إنّه صاح بي صيحةً لو سمعها أهل الأرض لماتوا جميعاً، ثمّ قال لي: يا عبد الله، أخبرني مَن ربّك وما دينك ومَن نبيّك وما أنت عليه وما قولك في دار الدنيا؟ فاعتقلّ لساني من فزعه وتحيّرت في أمري وما أدري ما أقول، وليس في جسمي عضوٌ إلاّ فارقني من الفزَع وانقطعت أعضائي وأوصالي من الخوف فأتتني رحمة من ربّي فأمسك بها قلبي وأطلَق بها لساني فقلت له: يا عبد الله لِمَ تفزعني وأنا مؤمن اعلم أني أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ الله ربّي ومحمّد نبيّي والإسلام ديني والقرآن كتابي والكعبة قبلتي وعليّاً إمامي والمؤمنين إخواني، وأنّ الموت حق والسؤال حق والصراط حق والجنّة حق والنار حق، وأنّ الساعة لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَن في القبور فهذا قولي واعتقادي وعليه ألقى ربّي في معادي، فعند ذلك قال لي: الآن أبشر يا عبد الله بالسلامة فقد نجوت ومضى عنّي وأتاني نكير وصاح بي صيحةً هائلة أعظم من الأولى فاشتبكت أعضائي بعضها في بعض كاشتباك الأصابع، ثمّ قال: هات الآن عمَلك يا عبد الله فبقيت حائراً متفكّراً في ردّ الجواب فعند ذلك صرف الله عنّي شدّة الروع والفزع وألهمني حجّتي وحسن اليقين والتوفيق، فقلت عند ذلك: يا عبد الله رفقاً بي ولا تزعجني فإنّي قد خرجت من الدنيا وأنا أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده رسوله وأنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والأئمّة الطاهرين من ذرّيته أئمّتي، وأنّ الموت حق والصراط حق والميزان حق والحساب حق، ومسألة منكر ونكير حق والبعث حق وأنّ الجنّة وما وعد الله من النعيم حق، وأنّ النار وما وعد الله فيها من العذاب حق وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور، فقال: يا عبد الله أبشر بالنعيم الدائم والخير المقيم، ثمّ إنّه أضجعني وقال: نم نومة العروس، ثمّ إنّه فتح لي باباً من عند رأسي

٩٦

إلى الجنّة وبابا من عند رجلي إلى النار ثمّ قال: يا عبد الله انظر إلى ما صرت إليه من الجنّة والنعيم، وإلى ما نجوت منه من نار الجحيم، ثم سدّ الباب الذي من عند رجلي وأبقى الباب الذي من عند رأسي مفتوحاً إلى الجنّة فجعل يُدخل عليّ من روح الجنّة ونعيمها، وأوسَع لحدي مدّ البصر وأسرج لي سراجاً أضوأ من الشمس والقمر ومضى عنّي فهذه صفتي وحديثي وما لقيته من شدّة الأهوال، وأنا أشهد أنّ مرارة الموت في حلقي إلى يوم القيامة، فراقب الله أيّها السائل خوفاً من وقفة المسائل، وخف من هول المطّلع وما قد ذكرته لك هذا الذي لقيته وأنا من الصالحين، قال: ثمّ انقطع عند ذلك كلامه.

فقال سلمان (رضي الله عنه): للأصبغ ومَن كان معه هلمّوا إليّ واحملوني، فلمّا وصل إلى المنزل قال: حطوني رحمكم الله فأنزلناه إلى الأرض فقال: أسندوني فأسندناه ثمّ رمق بطرفه إلى السماء وقال: يا مَن بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، وهو يجير ولا يُجار عليه، بك آمنت ولنبيّك اتبعت وبكتابك صدّقت وقد أتى بي ما وعدتني، يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك وأنزلني كرامتك، فإنّي أشهد أنْ لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين وإمام المتّقين والأئمّة من ذريته أئمّتي وسادتي، فلّما كمّل شهادته قضى نحبه ولقيَ ربّه (رضي الله عنه)، قال فبينا نحن كذلك إذ أتى رجلٌ على بغلة شهباء ملتئماً فسلّم علينا فرددنا السلام عليه، فقال: (يا أصبغ جدّوا في أمر سلمان)، فأخذنا في أمره فأخذ معه حنوطاً وكفناً فقال: (هلمّوا فإنّ عندي ما ينوب عنه)، فأتيناه بماء ومغسل فلَم يزل يغسّله بيده حتى فرغ وكفّنه وصلّينا عليه ودفنّاه ولحّده بيده، فلمّا فرغ من دفنه وهمّ بالانصراف تعلّقنا به وقلنا له: من أنت؟ فكشف لنا عن وجهه (عليه السلام) فسطع النور مِن ثناياه كالبرق الخاطف، فإذا هو أميرُ المؤمنين فقلت له: يا أمير المؤمنين، كيف كان مجيئك ومَن أعلمك بموت سلمان؟ قال: فالتفت إلي (عليه السلام) وقال: (آخذ عليك يا أصبغ عهد الله وميثاقه أنّك لا تحدّث بها أحداً ما دمت في دار الدنيا)، فقلت: يا أمير المؤمنين

٩٧

أموت قبلك.

فقال: (لا يا اصبغ، بل يطول عمرك)، قلت له: يا أمير المؤمنين خذ عليّ عهداً وميثاقاً أنّي لك سامع مطيع أنّي لا أُحدّث به أحداً حتى يقضي إليّ من أمرك ما يقضي وهو على كل شيءٍ قدير، فقال: (يا أصبغ بذا عهد إلي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّي قد صليت هذه الساعة بالكوفة، وقد خرجت أُريد منزلي فلمّا وصلت إلى منزلي اضطجعت فأتاني آتٍ في منامي وقال: يا علي، إنّ سلماناً قد قضى فركبت بغلتي وأخذت معي ما يصلح للموتى، فجعلت أسير فقرّب الله لي البعيد فجئت كما تراني وبهذا أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).

ثمّ إنّه دفنه وواراه فلم أدرِ أصعد إلى السماء أم في الأرض نزل.

قبل أنْ يأتي الكوفة والمنادي ينادي لصلاة المغرب فحضَر عندهم عليّ (عليه السلام)، وهذا ما كان من حديث وفاة سلمان الفارسي (رضي الله عنه) على التمام والكمال والحمد لله حقّ حمده.

٩٨

في فضائل الإمام عليّ (عليه السلام)

(خبر آخر): قال جامع هذا الكتاب: حضرت الجامع بواسطة يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وستّمِئة، وتاج الدين نقيب الهاشميّين يخطب بالناس على أعواده، فقال بعد حمد الله تعالى والشكر عليه وذكَر الخلفاء بعد الرسول، وقال في حق عليّ (عليه السلام): إنّ جبرئيل (عليه السلام) نزَل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبيده أترجة فقال له: (يا رسول الله، الحقّ يُقرئك السلام ويقول لك: قد أتحفت ابن عمّك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بهذه التحفة، فسلّمها إليه فسلّمها إلى عليّ (عليه السلام))، فأخذها بيده وشقّها نصفين فظهَر في نصفٌ منها حريرة مِن سندس الجنّة عليها مكتوب تحفة من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب، وهو خبرٌ مليح.

(وعن القاروني): حكاية عنه أنّه قام يوماً على منبره ومجلسه يومئذٍ مملوء بالناس في جمادي الآخرة من سنة اثنين وخمسين وستّمِئة بواسطة، فذكَر ما رواه لي ابن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه قال: كان رسول الله في مسجده وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار، إذ نزل عليه جبرئيل وقال: (يا محمّد، الحق

٩٩

يُقرئك السلام ويقول لك: أحضر عليّاً (عليه السلام) واجعل وجهَك مقابل وجهه)، ثمّ عرج إلى السماء فدعا رسول الله بعليّ (عليه السلام) فاحضره وجعله مقابل وجهه، فنزل جبرئيل ثانيةً ومعه طبَق فيه رطَب فوضعه بينهما، ثمّ قال: (كُلا)، فأكلا ثمّ أحضر طستاً وإبريقاً وقال: (يا رسول الله، قد أمرك الله أنْ تصبّ الماء على يدِ عليّ بن أبي طالب)، فقال النبيّ: (السمع والطاعة لِما أمرني به ربّي)، ثمّ أخذ الإبريق وقام يصبّ الماء على يد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال له عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله، أنا أولى بأنْ أصبُّ الماء على يدِك).

فقال له: (يا عليّ، الله سُبحانه أمرني بذلك)، وكان كلّما صبّ على يد عليّ الماء لا يقَع منه قطرة في الطست، فقال:(يا رسول الله، ما أرى قطرة تقَع من الماء في الطست)، فقال (صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ، إنّ الملائكة يتسابقون على أخذ الماء الذي يقَع مِن يدك فيغسلون به وجوههم ويتباركون به).

(وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مَن قال لا إله إلا الله فُتِحت له أبواب السماء، ومن تلاها بمحمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تهلّل وجه الحق سبحانه وتعالى فاستبشر بذلك، ومَن تلاها بعليّ وليّ الله غفَر الله له ذنوبه ولو كانت بعدد المطر).

عنه (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (عليٌّ خيرُ مَن أترك فمَن أطاعه أطاعني ومَن عصاه عصاني).

(خبر عن ابن مسعود) قال: كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليلة وقد لجن فتنفّس الصعداء فقلتُ: خيراً يا رسول الله، قال: (نُعيت إلى نفسي)، فقلت: ألا توصي يا رسول الله؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟)، فقلت أبي بكر فأطرَق هنيئة ثمّ رفَع رأسه فتنفّس الصعداء فقلت: يا خيراً يا رسول الله، فقال: (نُعيت إلى نفسي) فقلت: ألا توصي؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟)، فقلت: إلى عمر فأطرق رأسه هنيئة ثمّ رفَع رأسه فتنفّس الصعداء فقلت خيراً يا رسول الله، فقال: (نُعيت إلى نفسي)، فقلت: ألا توصي يا رسول الله؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟) فقلت إلى عثمان فأطرق رأسه هنيئة ثمّ رفع رأسه وتنفّس الصعداء

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206