الفضائل

الفضائل27%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67075 / تحميل: 7670
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

(صلّى الله عليه وآله)، وإنْ لم تكونا كذلك فلا أحسَن الله بشارتكما فقال أبو بكر: لا تقل فأنا أبو عائشة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قال: قلت ذلك فما حاجتكما قالا: أنّك من أصحاب الجنّة فاستغفر لنا، فقال: لا غفَر الله لكما تتركان رسول الله صاحب الشفاعة وتسألاني استغفر لكما.

فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما، فلمّا رآهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تبسّم وقال: (أفي الحقِّ مغضبة؟) فلمّا توفّي رسول الله ورجَع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بنو نويرة، فخرج لينظر مَن قام مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فدخَل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال: أخو تيم، قالوا: نعم، قال فما فعَل وصيُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي أمرني بموالاته؟

قالوا: يا أعرابي الأمر يحدث بعده الأمر، قال: بالله ما حدَث شيء وإنّكم قد خنتم الله ورسوله ثمّ تقدّم إلى أبى بكر وقال من أرقاك هذا المنبر ووصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالس فقال أبو بكر: اخرجوا الأعرابي البوّال على عقِبية من مسجد رسول الله * ص * فقام إليه فنقذ بن عُمير وخالد بن الوليد فلَم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه فركِب راحلته وأنشأ يقول:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا قوم ماشأني وشأن أبي بكر

إذا مات بكر قام عمر ومقامه

فتلك وبيت الله قاصمة الظهر

يدب ويغشاه العشار كأنّما

يجاهد جما أو يقوم على قبر

فلو قام فينا من قريش عصابةٌ

أقمنا ولكن القيام على جمرِ

قال: فلمّاً استتمّ الأمر لأبي بكر وجّه خالد بن الوليد وقال له قد علِمت ما قاله مالك على رؤس الأشهاد، ولستُ آمن أنْ يفتق علينا فتقاً لا يلتئم فاقتله.

فحين أتاه خالد ركِب جواده وكان فارساً يُعد بألف، فخاف خالد منه فأمّنه وأعطاه المواثيق ثمّ غدَر به بعد أنْ ألقى سلاحه، فقتله وأعرس بامرأته في ليلته وجعَل رأسه في قدرٍ فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها نزو الحمار والحديث طويل.

٨١

  خبر الشيخ معاذ بن جبَل مع معاوية بن أبى سفيان

قال جابر ابن عبد الله الأنصاري (صلّى الله عليه وآله): كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، فبينما نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق، فقال معاوية: عرّجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل والى أين يُريد، وكان عند معاوية أبو الأعور السلَمي، وولدا معاوية خالد ويزيد، وعمر بن العاص قال: فعرَجنا إليه فقال له معاوية من أين أقبلت يا شيخ، وأين تريد؟ فلَم يُجبه الشيخ فقال عمرو بن العاص لم لا تجيب أمير المؤمنين، فقال الشيخ: إنّ الله جعل التحيّة غير هذه، فقال معاوية: صدقت يا شيخ، وأخطأنا وأحسنت وأسأنا، السلام عليك، قال: وعليك السلام فقال معاوية: ما اسمك يا شيخ؟

فقال اسمي: معاذ بن جبَل، وكان ذلك الشيخ طاعناً في السن بيده شيءٌ من الحديد ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل، وعليه كساء قد سقطَت لحمته وبقيَت سداته، وقد بانت شراسيف خدّيه وقد غطّت حواجبه عينيه، فقال معاوية: يا شيخ مِن أين أقبلت وإلى أين تريد؟ قال الشيخ أتيت من العراق أُريد بيت المقدِس، قال معاوية: كيف تركت العراق؟ قال على الخير والبرَكَة والاتّفاق.

لعلّك أتيت من الكوفة من الغري؟ قال الشيخ وما الغري قال معاوية: الذي فيه أبو تراب، قال الشيخ: مَن تعني بذلك ومن هو أبو تراب؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قال له الشيخ: أرغم الله أنفك ورضّ الله فاك ولعن الله أُمّك وأباك، ولمَ لا تقول الإمام العادل، والغَيث الهاطل يعسوب الدين وقاتل المشركين والناكثين والقاسطين والمارقين، سيف الله المسلول وابن عمّ الرسول وزوج البتول، تاج الفقَهَاء وكنز الفقراء وخامس أهل العباء، والليث الغالب أبو الحسَنَين عليُّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام)، فعندها قال معاوية يا شيخ، إنّي أرى لحمَك ودمَك قد خالط لحم عليّ بن أبي طالب ودمَه، فلو مات على ما أنت فاعل، قال لا اتهم في فقده ربّي وأجلل في

٨٢

بُعده حزني، وأعلم أنّ الله لا يميت سيّدي وإمامي حتى يجعل مِن وِلده حجّةً قائمةً إلى يوم القيامة، فقال: يا شيخ، هل تركت من بعدك امرءاً تفتخر به؟ قال: وكيف لا وقد تركت الفرس الأشقر والحجَر المدوّر والمنهاج لِمَن أراد المعراج.

قال عمرو بن العاص: لعلّه لا يعرفك يا أمير المؤمنين، فسأله معاوية فقال له: يا شيخ، هل تعرفني؟ قال من أنت؟ فقال: أنا معاوية أنا الشجرة الزكية والفروع العليّة، أنا سيّد بني أُمية، فقال له الشيخ: بل أنت اللعين ابن اللعين على لسان نبيّه في كتابه المبين، إنّ الله قال في قوله تعالى: ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) والشجرة الخبيثه والعروق المُخبثة الخسيسة، الذي ظلَم نفسه وربَه وقال فيه نبيّه: (الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان) الزنيم ابن آكلة الأكباد الفاشي ظلمه في العباد، فعندها اغتاظ معاوية وحنق عليه فرد يده إلى قائم سيفه وهمّ بقتل الشيخ ثمّ قال: لولا العفو أحسن لأخذت رأسك، ثمّ قال له: أرأيت لو كنت فاعلاً ذلك؟ قال الشيخ: إذاً والله أفوز بالسعادة وتفوز أنتَ بالشقاوة وقَد قتَل من هو شرٌّ منك مَن هو خيرٌ منّي.

فقال معاوية: ومَن ذلك؟ قال الشيخ عثمان نفى أبا ذر وضربه حتى مات وهو خيرٌ منّي وعثمان شرٌّ منك. قال معاوية: يا شيخ هل كنت حاضراً يوم الدار؟ قال: وما يوم الدار؟ قال معاوية: يوم قتَل عليٌّ عثمان، فقال الشيخ: بالله ما قتله ولو فعَل ذلك لاعتلاه بأسيافٍ حِداد وسواعد شِداد، وكان يكون في ذلك مطيعاً لله ولرسوله، قال معاوية: يا شيخ، هل حضرت يوم صفّين؟ قال: وما غِبت عنها، قال: كيف كنت فيها؟ قال الشيخ: أيتمت منك أطفالاً وأرملت منك نسواناً، كنت كالليث أضرب بالسيف تارة، وبالرمح أُخرى، قال معاوية: هل ضربتني بشيءٍ قط؟ قال الشيخ: ضربتك بثلاثة وسبعين سهماً فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بُردتك وصاحب السهمين اللذين وقعا في مسجدِك وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضُدَيك ولو

٨٣

كشَفت الآن لأُريك مكانهما، فقال معاوية: للشيخ هل حضرت يوم الجمَل؟ قال: وما يوم الجمَل؟ قال معاوية: يوم قاتَلَت عائشة عليّاً، قال: وما غبت عنه، قال معاوية، يا شيخ، الحقّ مع عليّ أم مع عائشة؟ قال الشيخ: بل مع عليّ، قال معاوية: يا شيخ ألَم يقل الله وأزواجه أُمّهاتهم؟ وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): هي أُمّ المؤمنين.

قال الشيخ: ألَم يقل الله تعالى: ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ - إلى قوله - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) ، وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنت يا عليّ خليفتي على نسائي وأهلي، وطلاقهن بيدِك)، أفتراها خالفت الله تعالى في ذلك عاصيةً الله ورسوله، خارجةُ من بيتها وهي في ذلك سفَكَت دماء المسلمين وأذهبت أموالهم، فلعنة الله على القوم الظالمين وهي كامرأة في توح النار ولبئس مثوى الكافرين.

قال معاوية: يا شيخ، ما جعلت لنا شيئاً نحتجّ به عليك، فمتى ظلمت الأُمّة وطفيت عنهم قناديل الرحمة؟ قال: لمّا صِرتَ أميرها وعمرو بن العاص وزيرها. قال: فاستلقى معاوية على قفاه من الضحك وهو على ظهر فرسه. فقال: يا شيخ، هل لك من شيء تقطع به لسانك؟ قال: ما عندك؟ قال: عشرون ناقة حمراء حملة عسلاً وبرّا وسمناً، وعشرة آلاف درهَم تنفقها على عيالك وتستعين بها على زمانك، قال الشيخ: لست أقبلها، قال: ولِمَ ذلك؟ قال الشيخ: لأنّي سمِعت رسول الله يقول: (درهَم حلال خيرٌ من ألف درهَمٍ حرام)، قال معاوية: لأن أقمت معي في دمشق لأضربنّ عنقك. قال: ما أنا بمقيم معك فيها، قال معاوية: ولِمَ ذلك؟ قال الشيخ: لأنّ الله تعالى يقول: ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) وأنت أوّل ظالم وآخر ظالم، ثمّ توجه الشيخ إلى بيت المقدِس وهذا آخر الحديث

٨٤

 

٨٥

 (خبر مفاخرة عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام))

روي أنّه جاء في الخبَر أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، كان ذات يوم هو وزوجته فاطمة (عليه السلام) يأكلان تمراً في الصحراء إذا تداعباً بينهما بالكلام فقال عليّ (عليه السلام): (يا فاطمة، إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يحبّني أكثر منك)، فقالت: (وا عجباً منك يحبّك أكثر منّي!؟ وأنا ثمرة فؤاده وعضوٌ من أعضائه وغصنٌ من أغصانه، وليس له ولدٌ غيري؟)، فقال لها عليّ (عليه السلام): (يا فاطمة، إنْ لم تصدّقيني فأمضي بنا إلى أبيك محمّد (صلّى الله عليه وآله)، قال: (فمضينا إلى حضرته (صلّى الله عليه وآله) فتقدّمَت وقالت: يا رسول الله، (صلّى الله عليه وآله) أيّنا أحبّ إليك أنا أم عليّ (عليه السلام)؟)، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أنت أحبّ إليّ وعليّ أعزّ علَيّ منك)، فعندها قال سيّدنا ومولانا الإمام عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام): (ألم أقلّ لك أنا ولَد فاطمة ذات التقى؟!).

قالت فاطمة: (وأنا ابنة خديجة الكبرى)، قال عليّ (عليه السلام): (وأنا ابن الصفا).

قالت فاطمة: (أنا ابنة سدرة المنتهي)، قال عليّ: (وأنا فخر الورى).

قالت فاطمة: (وأنا ابنة دنى فتدلى وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى)، قال عليّ: (وأنا ولد المحصنات).

قالت فاطمة: (أنا بنت الصالحات والمؤمنات)، قال عليّ: (خادمي جبرائيل).

قالت فاطمة: (وأنا خاطبني في السماء راحيل وخدمتني الملائكة جيلاً بعد جيل).

  قال عليّ: وأنا ولدت في المحلّ البعيد المرتقي، قالت فاطمة: وأنا زُوّجت في الرفيع الأعلى وكان ملاكي في السماء، قال عليّ: أنا حامل اللواء، قالت فاطمة: وأنا ابنة مَن عُرِج به إلى السماء،

قال عليّ: أنا ابن صالح المؤمنين، قالت فاطمة: وأنا ابنة خاتم النبيّين، قال عليّ: وأنا الضارب على التنزيل، قالت فاطمة: وأنا صاحبة التأويل، قال عليّ: وأنا شجرة تخرج من طور سينين، قالت فاطمة: وأنا الشجرة التي تخرج أُكلها، أعني الحسن والحسين (عليهما السلام).

قال عليّ: وأنا المثاني والقرآن الحكيم، قالت فاطمة: وأنا ابنة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الكريم.

قال عليّ: وأنا النبأ العظيم، قالت فاطمة: وأنا ابنة الصادق الأمين، قال عليّ: وأنا الحبل المتين، قالت فاطمة: وأنا ابنة خير الخلق أجمعين، قال عليّ: أنا ليث الحروب، قالت فاطمة:

٨٦

أنا مَن يغفر الله به الذنوب، قال عليّ: وأنا المتصدّق بالخاتم، قالت فاطمة: وأنا ابنة سيّد العالم، قال عليّ: أنا سيّد بني هاشم، قالت: أنه ابنة محمّد المصطفى، قال عليّ: أنا الإمام المرتضى، قالت فاطمة: أنا ابنة سيّد المرسلين، قال عليّ: أنا سيّد الوصيين، قالت فاطمة: أنا ابنة النبيّ العربي، قال عليّ: وأنا الشجاع الكمي، قالت فاطمة: وأنا ابنة احمد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قال عليّ: أنا المبطل الأروَع، قالت فاطمة: أنا الشفيع المشفّع، قال علي: أنا قسيم الجنّة والنار، قالت فاطمة: أنا ابنة محمّد المختار، قال علي: أنا قاتل الجان، قالت فاطمة: أنا ابنة رسول الملِك الديّان، قال عليّ: أنا خيرة الرحمان، قالت فاطمة: وأنا خيرة النسوان، قال عليّ: وأنا مكلّم أصحاب الرقيم، قالت فاطمة: وأنا ابنة من أُرسِل رحمة للمؤمنين وبهم رؤوف رحيم، قال عليّ: وأنا الذي جعل الله نفسي نفس محمّد (صلّى الله عليه وآله) حيث يقول في كتابه العزيز: (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) .

قالت فاطمة: وأنا الذي قال فيّ: ( أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) ، قال عليّ: أنا علّمت شيعتي القرآن، قالت فاطمة: وأنا يعتق الله من أحبّني من النيران، قال: أنا شيعتي مِن علمي يسطرون، قالت فاطمة: وأنا من بحر علمي يغرفون، قال عليّ: أنا الذي اشتق الله تعالى اسمي من اسمه فهو العالي وأنا عليّ، قالت فاطمة: وأنا كذلك فهو الفاطر وأنا فاطمة، قال عليّ (عليه السلام): أنا حياة العارفين، قالت فاطمة: أنا مسلك نجاة الراغبين، قال عليّ: وأنا الحواميم، قالت فاطمة: وأنا ابنة الطواسين، قال عليّ: وأنا كنز الغنى، قالت فاطمة: وأنا الكلمة الحسنى، قال عليّ: أنا بي تاب الله على آدم في خطيئته، قالت فاطمة: وأنا بي قبِل الله توبته، قال عليّ: أنا كسفينة نوح من ركِبَها نجا، قالت فاطمة: وأنا أُشاركك في الدعوى، قال عليّ أنا طوفانه، قالت فاطمة: وأنا سورته، قال عليّ: وأنا النسيم المرسل لحفظه، قالت فاطمة: وأنا منّي انهار الماء واللبَن والخمر والعسَل في الجنان، قال عليّ: وأنا الطور، قالت فاطمة: وأنا الكتاب المسطور، قال عليّ:

٨٧

وأنا الرق المنشور، قالت فاطمة: وأنا البيت المعمور، قال عليّ: وأنا السقف المرفوع، قالت فاطمة: وأنا البحر المسجور، قال عليّ: أنا علمي النبيّين، قالت فاطمة: وأنا ابنة سيّد المرسلين من الأوّلين والآخرين، قال عليّ: أنا البئر والقصر المشيّد، قالت فاطمة: أنا منّي شبّر وشُبير، قال عليّ: وأنا بعد الرسول خير البرية، قالت: أنا البرّة الزكية).

فعندها قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لا تكلّمي عليّاً فإنّه ذو البرهان، قالت فاطمة: أنا ابنة مَن أُنزل عليه القرآن، قال عليّ: أنا البطين الأصلع، قالت فاطمة أنا الكوكب الذي يلمع، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فهو الشفاعة يوم القيامة، قالت فاطمة: وأنا خاتون يوم القيامة، فعند ذلك قالت فاطمة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تُحام لابن عمّك ودعني وإيّاه، قال عليّ (عليه السلام): يا فاطمة، أنا مَن محمّد عصبته ونخبته، قالت فاطمة: وأنا لحمه ودمه، قال عليّ أنا الصُحف، قالت فاطمة: وأنا الشرَف، قال عليّ: وأنا وليّ الزلفى، قالت فاطمة: وأنا الخمصاء الحسناء، قال عليّ: وأنا نور الورى، قالت فاطمة: وأنا الزهراء.

فعندها قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة: يا فاطمة، قومي وقبّلي رأس ابن عمّك فهذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل مع أربعة آلاف مِن الملائكة يحامون مع عليّ (عليه السلام)، وهذا أخي راحيل ودردائيل مع أربعة آلاف من الملائكة ينظرون بأعينهم، قال: فقامت فاطمة الزهراء فقبّلت رأس الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بين يدَي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقالت: يا أبا الحسن، بحق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معذرةً إلى الله عزّ وجل وإليك وإلى ابن عمّك، قال فوهبَها الإمام (عليه السلام)، وقبّلت يد أبيها (عليه وعليهم السلام).

وهذا ما وجدناه في النسخة من الحديث على التمام والكمال ونستغفر الله العظيم من الزيادة والنقصان ونعوذ بالله من سخط الرحمان.

٨٨

حديث مفاخرة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مع ولده الحسين (عليه السلام)

قال: حدّثنا سليمان بن مهران قال: حدّثنا جابر، عن مجاهد قال: حدّثنا عبد الله بن عبّاس قال: حدّثنا رسول الله قال: (لما عُرِج بي إلى السماء، رأيت على باب الجنّة مكتوباً لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليُّ الله، والحسن والحسين سبطا رسول الله، وفاطمة الزهراء صفوة الله، وعلى ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى).

(قيل) : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم وعنده الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ دخَل الحُسين بن عليّ فأخذه النبيّ (عليه السلام) وأجلسه في حِجره، وقبّل بين عينيه وقبّل شفتيه وكان للحسين (عليه السلام) ستّ سنين، فقال عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله أتحبّ ولدي الحسين؟)، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (وكيف لا أحبّه وهو عضوٌ من أعضائي؟!)، فقال عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله، أيّما أحبّ إليك أنا أم الحسين؟)، فقال الحسين: (يا أبتي مَن كان أعلى شرفاً كان أحبّ إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأقرب إليه منزلةً)، قال عليّ (عليه السلام): (لولده أتفاخرني يا حسين)، قال: (نعم يا أبتاه إنْ شئت).

فقال له الإمام عليّ (عليه السلام): (يا حسين أنا أمير المؤمنين، أنا لسان الصادقين، أنا وزير المصطفى، أنا خازن علم الله ومختاره من خلقِه، أنا قائد السابقين إلى الجنّة أنا قاضي الدَّين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنا الذي عمّه سيّد في الجنّة أنا الذي أخوه جعفر الطيّار في الجنّة عند الملائكة، أنا قاضي الرسول أنا آخذٌ له باليمين، أنا حامل سورة التنزيل إلى أهل مكّة بأمر الله تعالى، أنا الذي اختارني الله تعالى من خلقه أنا حبل الله المتين الذي أمر الله تعالى خلقه أنْ يعتصموا به في قوله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ) ، أنا نجم الله الزاهر، أنا الذي تزوره ملائكة السموات أنا لسان الله الناطق، أنا حجّة الله تعالى على خلقِه أنا يد الله القوى أنا وجه الله تعالى في السموات، أنا جنب الله الظاهر أنا الذي قال الله سبحانه وتعالى فيّ وفي حقّي: ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) ، أنا عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها والله سميعٌ عليم، أنا باب الله

٨٩

الذي يؤتى منه أنا علم الله على الصراط، أنا بيت الله مَن دخله كان آمناً فمن تمسّك بولايتي ومحبّتي أمِن مِن النار، وأنا قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، أنا قاتل الكافرين أنا أبو اليتامى أنا كهف الأرامل أنا عمّ يتساءلون عن ولايتي يوم القيامة قوله تعالى: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) ، أنا نعمة الله تعالى التي أنعَم الله بها على خلقِه أنا الذي قال الله تعالى فيّ وفي حقّي: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) ، فمَن أحبّني كان مسلماً مؤمناً كامل الدين، أنا الذي بي اهتديتم أنا الذي قال الله تبارك وتعالى فيّ وفي عدوّي: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) ، أي عن ولايتي يوم القيامة، أنا النبأ العظيم الذي أكمل الله تعالى به الدين يوم غدير خم وخيبَر، أنا الذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيّ: (من كنت مولاه فعليٌّ مولاه)، أنا صلاة المؤمن أنا حيّ على الصلاة أنا حيّ على الفلاح أنا حيّ على خير العمل، أنا الذي نزل على أعدائي سأل سائلٌ بعذابٍ واقع للكافرين ليس له دافع، بمعنى من أنكر ولايتي وهو النعمان ابن الحارث اليهودي لعنه الله تعالى.

أنا داعي الأنام إلى الحوض فهل داعي المؤمنين غيري؟ أنا أبو الأئمّة الطاهرين مِن ولدي، أنا ميزان القسط ليوم القيامة، أنا يعسوب الدين أنا قائد المؤمنين إلى الخيرات والغفران إلى ربّي، أنا الذي أصحاب يوم القيامة من أوليائي المبرّؤون من أعدائي وعند الموت لا يخافون ولا يحزنون، وفي قبورهم لا يُعذّبون وهم الشهداء و الصدّيقون وعند ربّهم يفرحون، أنا الذي شيعتي متوثّقون أنْ لا يوادّوا من حادّ الله و رسوله ولو كانوا آباء‌هم أو أبناء‌هم، أنا الذي شيعتي يدخلون الجنّة بغير حساب، أنا الذي عندي ديوان الشيعة بأسمائهم، أنا عون المؤمنين وشفيعٌ لهم عند ربّ العالمين، أنا الضارب بالسيفين أنا الطاعن بالرمّحين، أنا قاتل الكافرين يوم بدرٍ وحنين أنا مُردي الكماة يوم أُحد أنا ضارب ابن عبد ودّ لعنه الله تعالى يوم الأحزاب، أنا قاتل عمرو ومرحَب أنا قاتل فرسان خيبَر أنا الذي قال فيّ الأُمين جبرئيل

٩٠

(عليه السلام): لا سيف إلاّ ذو الفقّار ولا فتى إلاّ عليّ، أنا صاحب فتح مكّة أنا كاسر اللاّت والعزّى أنا الهادم هُبَل الأعلى ومناة الثالثة الأُخرى، أنا علَوت على كتف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكسرت الأصنام، أنا الذي كسرت يغوث ويعوق ونسرا، أنا الذي قاتلت الكافرين في سبيل الله أنا الذي تصدّق الخاتم، أنا الذي نمت على فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ووقيته بنفسي من المشركين، أنا الذي يخاف الجنُّ من بأسي أنا الذي به يُعبَد الله أنا تُرجمان الله أنا علم الله أنا عيبة عِلم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنا قاتل أهل الجمَل وصفّين بعد رسول الله أنا قسيم الجنّة والنار).

فعندها سكت عليّ (عليه السلام) فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) للحسين (عليه السلام): (أسمِعت يا أبا عبد الله، ما قاله أبوك وهو عُشر عُشَير مِعشار ما قاله من فضائله، ومن ألف ألف فضيلة وهو فوق ذلك أعلى)

فقال الحسين (عليه السلام): (الحمد لله الذي فضّلنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين، وعلى جميع المخلوقين وخصّ جدّنا بالتنزيل والتأويل، والصدق ومناجاة الأمين جبرئيل (عليه السلام) وجعلنا خيار مَن اصطفاه الجليل، ورفَعنا على الخلق أجمعين، ثمّ قال الحسين (عليه السلام): (أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين، فأنت فيه صادقٌ أمين).

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (اذكر أنت يا ولدي فضائلك)، فقال الحسين ( عليه السلام): (يا أبت أنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأُمّي فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، وجدّي محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) سيد بني آدم أجمعين، لا ريب فيه يا عليّ أُمّي أفضل مِن أُمّك عند الله وعند الناس أجمعين، وجدّي خيرٌ من جدّك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين، وأنا في المهد ناغاني جبرئيل وتلقاني إسرافيل، يا علي، أنت عند الله تعالى أفضل منّي وأنا أفخر منك بالآباء والأُمّهات والأجداد).

قال: ثمّ إن الحسين (عليه السلام) اعتنق أباه وجعل يُقبّله، وأقبل عليّ (عليه السلام) يُقبّل ولده الحسين وهو يقول: (زادك الله تعالى شرفاً وفخراً وعلماً وحلماً، ولعَن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله)، ثمّ رجع الحسين (عليه السلام) إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهذا وجدناه مكتوباً على التمام والكمال ونستغفر الله مِن الزيادة والنقصان ونعوذ بالله من سخط الرحمان.

٩١

حكاية وفاة سلمان الفارسي (رضي الله عنه)

حدّثنا الإمام شيخ الإسلام أبو الحسن بن عليّ بن محمّد المهدي بالإسناد الصحيح عن الأصبغ بن نباتة، أنّه قال: كنت مع سلمان الفارسي (رحمه الله) وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب (عليه السلام)، وذلك أنّه قد ولاّه المدائن عمر ابن الخطّاب فقام إلى أنْ وليَ الأمر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال الأصبغ: فأتيته يوماً زائراً وقد مرِض مرضه الذي مات فيه قال: فلَم أزل أعوده في مرضِه حتى اشتدّ به وأيقن بالموت قال: فالتفت إليّ وقال: يا أصبغ عهدي برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أردفني يوماً وراء‌ه، فالتفت إليّ وقال لي: (يا سلمان، سيكلّمك ميّت إذا دنَت وفاتك)، وقد اشتهيت أنْ أدرى وفاتي دنَت أم لا، فقال الأصبغ: ماذا تأمرني به يا سلمان، قال له: يا أخي تخرج وتأتيني بسرير وتفرِش عليه ما يُفرش للموتى، ثمّ تحملني بين أربعة فتأتون بي إلى المقبرة، فقال الأصبغ حبّاً وكرامة، قال: فخرجت مسرعاً وغبت ساعة وأتيته بسرير وفرشت عليه ما يُفرش للموتى، ثمّ أتيته بقومٍ حملوه حتى أتوا به إلى المقبرة، فلمّا وضعوه فيها قال لهم: يا قوم، استقبلوا بوجهي القبلة.

فلمّا استقبل القبلة بوجهه نادى بعلوِّ صوته: السلام عليكم يا أهل عرَصة البلاد، السلام عليكم يا محتجبين من الدنيا، قال فلَم يُجِبه أحد فنادى ثانية: السلام عليكم يا مَن جُعلت المنايا لهم غذاء، السلام عليكم يا مَن جُعلت الأرض عليهم غطاء، السلام عليكم يا مَن لقوا أعمالهم في دار الدنيا، السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى، سألتكم بالله العظيم والنبيّ الكريم إلاّ أجابني منكم مجيب، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنّه (صلّى الله عليه وآله) قال لي:

(يا سلمان، إذا دنَت وفاتك سيكلّمك ميّت)، وقد اشتهيت أنْ أدري دنَت وفاتي أم لا، فلمّا سكَت سلمان مِن كلامه فإذا هو بميّت قد نطَق مِن قبره وهو يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا أهل البناء والفناء المشتغلون بعرصة الدنيا، ها نحن لكلامك مستمعون ولجوابك مسرعون، فسل عمّا بدا لك يرحمك الله تعالى.

قال سلمان: أيّها الناطق

٩٢

بعد الموت، المتكلّم بعد حسرة الفوت أمِن أهل الجنّة أنتَ بعفوه أم من أهل النار بعدله؟ فقال: يا سلمان، أنا ممّن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه و أدخله جنّته برحمته. فقال له سلمان: الآن يا عبد الله صف لي الموت كيف وجدته وماذا لقيت منه وما رأيت وما عاينت. قال: مهلاً يا سلمان، فو الله إنّ قرضاً بالمقاريض ونشراً بالمناشير لأهوَن عليّ من غُصَص الموت، ولسبعون ضربةً بالسيف أهوَن عليّ مِن نَزعة من نزَعَات الموت. فقال سلمان: ما كان حالك في دار الدنيا؟ قال: اعلم أنّي كنت في دار الدنيا ممّن ألهمني الله تعالى الخير، وكنت أعمل به وأُؤدي فرائضه وأتلو كتابه وأحرص في برّ الوالدين، وأجتنب المحارم وأنزع عن المظالم، وأكدّ الليل والنهار في طلب الحلال خوفاً من وقفة السؤال فبينا أنا في ألذّ العيش وغبطةٍ وفرح وسرور، إذ مرضت وبقيت في مرضي أيّاماً حتى انقضت من الدنيا مدّتي وقرُب موتي فأتاني عند ذلك شخصٌ عظيم الخلقة فظيع المنظر فوقف مقابل وجهي، لا إلى السماء صاعداً ولا إلى الأرض نازلاً فأشار إلى بصري فأعماه والى سمعي فأصمّه وإلى لساني فأخرَسه، فصرت لا أُبصر ولا أسمع فعند ذلك بكى أهلي وأعواني وظهر خبري إلى إخواني وجيراني.

فقلت له عند ذلك: من أنت يا هذا الذي أشغلتني مِن مالي وأهلي وولدي؟ فقال: أنا ملَك الموت أتيتك لا نقلك من الدنيا إلى الآخرة، فقد انقطعت مدّتك وجاء‌ت منيّتك فبينا هو كذلك يخاطبني إذا أتاه شخصان، وهما أحسن خلق الله ما رأيت أحسن منهما، فجلس أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي فقالا لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، قد جئناك بكتابك فخذه الآن وانظر ما فيه، فقلت لهم: أيّ كتابٍ لي أقرأه؟ قالا: نحن الملَكان اللذان كنّا معك في دار الدنيا نكتب مالك وما عليك، وهذا كتاب عملك فنظرت في كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب فسرّني ما فيه، وما رأيت من الخير فضحكت عند ذلك وفرحت فرحاً شديداً ونظرت إلى كتاب السيّئات وهو بيد العتيد فساء‌ني بما رأيت وأبكاني، فقالا لي: أبشر فلَك الخير ثمّ دنا منّي الشخص الأوّل

٩٣

فجذب الروح فليس من جذبةٍ يجذبها إلاّ وهي تقوم مقام كلّ شدّةٍ من السماء إلى الأرض، فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري ثمّ أشار إليّ بجذبةٍ لو أنّها وضِعَت على الجبال لذابت، فقبض روحي من عرنين أنفي فعَلا من أهلي عند ذلك الصراخ، وليس من شيء يقال ويُفعل إلاّ وأنا به عالم، فعلاً اشتدّ صراخ القوم و بكاؤهم جزعاً علَيّ التفت إليهم ملَك الموت بغيظ وقنوط وقال: (معاشر القوم ممّ بكاؤكم فو الله ما ظلمناه فتشكّوا ولا اعتدينا عليه فتضجّوا وتبكوا، ولكن نحن وانتم عبيد ربٍّ واحد ولو أُمرتم فينا كما أُمرنا فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم، والله ما أخذناه حتى فنى رزقه وانقطعت مدّته، وصار إلى ربٍّ كريم يحكم فيه كما يشاء وهو على كل شيءٍ قدير، فإنْ صبرتم أُجرتم وإنْ جزعتم أثمتم، كم لي من رجعةٍ إليكم آخذ البنين والبنات والآباء والأُمّهات) ، ثمّ انصرف عند ذلك عنّي والروح معه فعند ذلك أتى ملكٌ آخر فأخذها منه وتركها في ثوبٍ أخضر من حرير، وصعد بها ووضعها بين يدي الله في أقلّ من طبْقة جفن على جفن.

فلمّا حصلت الروح بين يدي ربّي سبحانه وتعالى سألَها عن الصغيرة والكبيرة وعن الصلاة والصيام في شهر رمضان، وحجّ بيت الله الحرام وقراء‌ة القرآن، والزكاة والصدقات وسائر الأوقات والأيّام وطاعة الوالدين، وعن قتل النفس بغير الحق وأكل مال اليتيم وعن مظالم العباد، وعن التهجّد بالليل والناس نيام وما يشاكل ذلك، ثمّ من بعد ذلك رُدّت الروح إلى الأرض بإذن الله تعالى فعند ذلك أتاني غاسلٌ فجرّدني من أثوابي وأخذ في تغسيلي فنادته الروح: (يا عبد الله، رفقاً بالبدَن الضعيف، فو الله ما خرجت من عرقٍ إلاّ انقطع ولا عضوٍ إلاّ انصدَع) ، فو الله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسّل ميّتا أبداً، ثمّ إنّه أجرى علَيّ الماء وغسّلني ثلاثة أغسال وكفّنني في ثلاثِ أثواب، وحنّطني في حنوط وهو الزاد الذي خرجت به إلى دار الآخرة، ثمّ جذب الخاتم من يدي اليمين بعد فراغه من الغسل ودفعه إلى الأكبر من ولدي وقال آجرك الله تعالى في أبيك وأحسن لك

٩٤

الأجر والعزاء، ثمّ أدرجني في الكفن ولفّني ونادى أهلي وجيراني وقال: هلمّوا إليه بالوداع، فأقبلوا عند ذلك لوداعي فلمّا فرغوا من وداعي حُمِلت على سريرٍ من خشَب والروح عند ذلك بين وجهي وكفني، حتى وضعت الصلاة فصلّوا عليّ فلمّا فرغوا من الصلاة حُمِلت إلى قبري ودلت فيه فعاينت هولاً عظيماً يا سلمان، يا عبد الله اعلم أنّي لمّا وقعت من سريري إلى لحدي تخيّل لي أنّي قد سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي، وشرج علَيّ اللبْن وحثي التراب علَيّ وواروني فعند ذلك سُلِبت الروح من اللسان وانقلب السمع والبصر، فلمّا نادى المنادي بالانصراف أخذت في الندم و بكيت من القبر وضيقه وضغطه، وقلت: يا ليتني كنت من الراجعين لعملت عملاً صالحاً فجاوبني مجيب من جانب القبر: ( كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، فقلت له: من أنت يا هذا الذي يكلّمني ويحدّثني؟ فقال: (أنا منبّه) فقلت له: من أنت يا منبّه؟ قال: (أنا ملك وكّلني الله عزّ وجل بجميع خلقه لأُنبّههم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عزّ وجل) ، ثمّ جذبني وأجلسني وقال لي: اكتب عملك فقلت: إنّي لا أُحصيه فقال لي: أما سمعت قول ربّكم: ( أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ) .

ثمّ قال لي: (اكتب وأنا أملي عليك) فقلت: أين البياض؟ فجذَب جانباً من كفني فإذا هو ورق فقال: (هذه صحيفتك) فقلت: من أين القلم؟ قال: سبّابتك فقلت: من أين المداد؟ قال: ريقك ثمّ أملى علَيّ ما فعلته في دار الدنيا فلَم يبقَ من أعمالي صغيرة ولا كبيرة ثمّ تلا علَيّ: ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) ، ثمّ إنّه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوّقه في عنقي فخيّل لي أنّ جبال الدنيا جميعاً قد طوّقوها في عنقي، فقلت له: يا منبّه، ولم تفعل بي هكذا؟ قال: ألَم تسمع قول ربّك: ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) ، فهذا تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك وبكتابك بين عينيك منشوراً تشهد فيه على نفسك، ثمّ انصرف

٩٥

عنّي فأتاني منكر بأعظم منظر وأوحَش شخص وبيده عمود من الحديد لو اجتمَعت عليه أهل الثقلين ما حرّكوه من ثقله، فروّعني وأزعجني وهدّدني ثمّ إنّه قبض بلحيتي وأجلسني ثمّ إنّه صاح بي صيحةً لو سمعها أهل الأرض لماتوا جميعاً، ثمّ قال لي: يا عبد الله، أخبرني مَن ربّك وما دينك ومَن نبيّك وما أنت عليه وما قولك في دار الدنيا؟ فاعتقلّ لساني من فزعه وتحيّرت في أمري وما أدري ما أقول، وليس في جسمي عضوٌ إلاّ فارقني من الفزَع وانقطعت أعضائي وأوصالي من الخوف فأتتني رحمة من ربّي فأمسك بها قلبي وأطلَق بها لساني فقلت له: يا عبد الله لِمَ تفزعني وأنا مؤمن اعلم أني أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ الله ربّي ومحمّد نبيّي والإسلام ديني والقرآن كتابي والكعبة قبلتي وعليّاً إمامي والمؤمنين إخواني، وأنّ الموت حق والسؤال حق والصراط حق والجنّة حق والنار حق، وأنّ الساعة لا ريب فيها وأنّ الله يبعث مَن في القبور فهذا قولي واعتقادي وعليه ألقى ربّي في معادي، فعند ذلك قال لي: الآن أبشر يا عبد الله بالسلامة فقد نجوت ومضى عنّي وأتاني نكير وصاح بي صيحةً هائلة أعظم من الأولى فاشتبكت أعضائي بعضها في بعض كاشتباك الأصابع، ثمّ قال: هات الآن عمَلك يا عبد الله فبقيت حائراً متفكّراً في ردّ الجواب فعند ذلك صرف الله عنّي شدّة الروع والفزع وألهمني حجّتي وحسن اليقين والتوفيق، فقلت عند ذلك: يا عبد الله رفقاً بي ولا تزعجني فإنّي قد خرجت من الدنيا وأنا أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده رسوله وأنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والأئمّة الطاهرين من ذرّيته أئمّتي، وأنّ الموت حق والصراط حق والميزان حق والحساب حق، ومسألة منكر ونكير حق والبعث حق وأنّ الجنّة وما وعد الله من النعيم حق، وأنّ النار وما وعد الله فيها من العذاب حق وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور، فقال: يا عبد الله أبشر بالنعيم الدائم والخير المقيم، ثمّ إنّه أضجعني وقال: نم نومة العروس، ثمّ إنّه فتح لي باباً من عند رأسي

٩٦

إلى الجنّة وبابا من عند رجلي إلى النار ثمّ قال: يا عبد الله انظر إلى ما صرت إليه من الجنّة والنعيم، وإلى ما نجوت منه من نار الجحيم، ثم سدّ الباب الذي من عند رجلي وأبقى الباب الذي من عند رأسي مفتوحاً إلى الجنّة فجعل يُدخل عليّ من روح الجنّة ونعيمها، وأوسَع لحدي مدّ البصر وأسرج لي سراجاً أضوأ من الشمس والقمر ومضى عنّي فهذه صفتي وحديثي وما لقيته من شدّة الأهوال، وأنا أشهد أنّ مرارة الموت في حلقي إلى يوم القيامة، فراقب الله أيّها السائل خوفاً من وقفة المسائل، وخف من هول المطّلع وما قد ذكرته لك هذا الذي لقيته وأنا من الصالحين، قال: ثمّ انقطع عند ذلك كلامه.

فقال سلمان (رضي الله عنه): للأصبغ ومَن كان معه هلمّوا إليّ واحملوني، فلمّا وصل إلى المنزل قال: حطوني رحمكم الله فأنزلناه إلى الأرض فقال: أسندوني فأسندناه ثمّ رمق بطرفه إلى السماء وقال: يا مَن بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، وهو يجير ولا يُجار عليه، بك آمنت ولنبيّك اتبعت وبكتابك صدّقت وقد أتى بي ما وعدتني، يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك وأنزلني كرامتك، فإنّي أشهد أنْ لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين وإمام المتّقين والأئمّة من ذريته أئمّتي وسادتي، فلّما كمّل شهادته قضى نحبه ولقيَ ربّه (رضي الله عنه)، قال فبينا نحن كذلك إذ أتى رجلٌ على بغلة شهباء ملتئماً فسلّم علينا فرددنا السلام عليه، فقال: (يا أصبغ جدّوا في أمر سلمان)، فأخذنا في أمره فأخذ معه حنوطاً وكفناً فقال: (هلمّوا فإنّ عندي ما ينوب عنه)، فأتيناه بماء ومغسل فلَم يزل يغسّله بيده حتى فرغ وكفّنه وصلّينا عليه ودفنّاه ولحّده بيده، فلمّا فرغ من دفنه وهمّ بالانصراف تعلّقنا به وقلنا له: من أنت؟ فكشف لنا عن وجهه (عليه السلام) فسطع النور مِن ثناياه كالبرق الخاطف، فإذا هو أميرُ المؤمنين فقلت له: يا أمير المؤمنين، كيف كان مجيئك ومَن أعلمك بموت سلمان؟ قال: فالتفت إلي (عليه السلام) وقال: (آخذ عليك يا أصبغ عهد الله وميثاقه أنّك لا تحدّث بها أحداً ما دمت في دار الدنيا)، فقلت: يا أمير المؤمنين

٩٧

أموت قبلك.

فقال: (لا يا اصبغ، بل يطول عمرك)، قلت له: يا أمير المؤمنين خذ عليّ عهداً وميثاقاً أنّي لك سامع مطيع أنّي لا أُحدّث به أحداً حتى يقضي إليّ من أمرك ما يقضي وهو على كل شيءٍ قدير، فقال: (يا أصبغ بذا عهد إلي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّي قد صليت هذه الساعة بالكوفة، وقد خرجت أُريد منزلي فلمّا وصلت إلى منزلي اضطجعت فأتاني آتٍ في منامي وقال: يا علي، إنّ سلماناً قد قضى فركبت بغلتي وأخذت معي ما يصلح للموتى، فجعلت أسير فقرّب الله لي البعيد فجئت كما تراني وبهذا أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).

ثمّ إنّه دفنه وواراه فلم أدرِ أصعد إلى السماء أم في الأرض نزل.

قبل أنْ يأتي الكوفة والمنادي ينادي لصلاة المغرب فحضَر عندهم عليّ (عليه السلام)، وهذا ما كان من حديث وفاة سلمان الفارسي (رضي الله عنه) على التمام والكمال والحمد لله حقّ حمده.

٩٨

في فضائل الإمام عليّ (عليه السلام)

(خبر آخر): قال جامع هذا الكتاب: حضرت الجامع بواسطة يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وستّمِئة، وتاج الدين نقيب الهاشميّين يخطب بالناس على أعواده، فقال بعد حمد الله تعالى والشكر عليه وذكَر الخلفاء بعد الرسول، وقال في حق عليّ (عليه السلام): إنّ جبرئيل (عليه السلام) نزَل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبيده أترجة فقال له: (يا رسول الله، الحقّ يُقرئك السلام ويقول لك: قد أتحفت ابن عمّك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بهذه التحفة، فسلّمها إليه فسلّمها إلى عليّ (عليه السلام))، فأخذها بيده وشقّها نصفين فظهَر في نصفٌ منها حريرة مِن سندس الجنّة عليها مكتوب تحفة من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب، وهو خبرٌ مليح.

(وعن القاروني): حكاية عنه أنّه قام يوماً على منبره ومجلسه يومئذٍ مملوء بالناس في جمادي الآخرة من سنة اثنين وخمسين وستّمِئة بواسطة، فذكَر ما رواه لي ابن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه قال: كان رسول الله في مسجده وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار، إذ نزل عليه جبرئيل وقال: (يا محمّد، الحق

٩٩

يُقرئك السلام ويقول لك: أحضر عليّاً (عليه السلام) واجعل وجهَك مقابل وجهه)، ثمّ عرج إلى السماء فدعا رسول الله بعليّ (عليه السلام) فاحضره وجعله مقابل وجهه، فنزل جبرئيل ثانيةً ومعه طبَق فيه رطَب فوضعه بينهما، ثمّ قال: (كُلا)، فأكلا ثمّ أحضر طستاً وإبريقاً وقال: (يا رسول الله، قد أمرك الله أنْ تصبّ الماء على يدِ عليّ بن أبي طالب)، فقال النبيّ: (السمع والطاعة لِما أمرني به ربّي)، ثمّ أخذ الإبريق وقام يصبّ الماء على يد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال له عليّ (عليه السلام): (يا رسول الله، أنا أولى بأنْ أصبُّ الماء على يدِك).

فقال له: (يا عليّ، الله سُبحانه أمرني بذلك)، وكان كلّما صبّ على يد عليّ الماء لا يقَع منه قطرة في الطست، فقال:(يا رسول الله، ما أرى قطرة تقَع من الماء في الطست)، فقال (صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ، إنّ الملائكة يتسابقون على أخذ الماء الذي يقَع مِن يدك فيغسلون به وجوههم ويتباركون به).

(وعنه (صلّى الله عليه وآله) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مَن قال لا إله إلا الله فُتِحت له أبواب السماء، ومن تلاها بمحمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تهلّل وجه الحق سبحانه وتعالى فاستبشر بذلك، ومَن تلاها بعليّ وليّ الله غفَر الله له ذنوبه ولو كانت بعدد المطر).

عنه (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (عليٌّ خيرُ مَن أترك فمَن أطاعه أطاعني ومَن عصاه عصاني).

(خبر عن ابن مسعود) قال: كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليلة وقد لجن فتنفّس الصعداء فقلتُ: خيراً يا رسول الله، قال: (نُعيت إلى نفسي)، فقلت: ألا توصي يا رسول الله؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟)، فقلت أبي بكر فأطرَق هنيئة ثمّ رفَع رأسه فتنفّس الصعداء فقلت: يا خيراً يا رسول الله، فقال: (نُعيت إلى نفسي) فقلت: ألا توصي؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟)، فقلت: إلى عمر فأطرق رأسه هنيئة ثمّ رفَع رأسه فتنفّس الصعداء فقلت خيراً يا رسول الله، فقال: (نُعيت إلى نفسي)، فقلت: ألا توصي يا رسول الله؟ فقال: (إلى مَن يا ابن مسعود؟) فقلت إلى عثمان فأطرق رأسه هنيئة ثمّ رفع رأسه وتنفّس الصعداء

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عاشرتني فقال علي (ع) معاذ الله! أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لا بد منه ، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله وقدعظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون وبكيا جميعا ساعة ، وأخذ الإمام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال :

أوصني بماشيء ت ، فإنك تجدينني وفيا أمضي لما أمرتني به وأختار أمرك على أمري. فقالت : جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم ، أوصيك أولاً : أن تتزوج بابنة أختي أمامة ، فإنها تكون لولدي مثلي ، فإن الرجال لا بد لهم من النساء ثم قالت ، وأوصيك إذا قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصل علي ، وليصل معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي وادفني ليلا لا نهارا إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ، وسرا لا جهارا وعف موضع قبري ولا تشهد جنازتي أحدا ممن ظلمني.

لقد أرادت الزهراء (ع) مواصلة الجهاد بعد مماتها فكانت وصيتها الاعلان الأخير لموقفها الصامد والمستمر من وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى مرضها وتريده باقيا إلى ما شاء الله تدفن بنت المصطفى سرا. ليلا لا يصلي عليها إلا أهل بيتها والمخلصون لهم!!.

في لحظاتها الأخيرة طلبت ثيابا جديدة ثم دعت سلمى امرأة أبي رافع وقالت لها هيئي لي ماء وطلبت منها أن تسكب لها الماء وهي تغتسل ثم لبست ملابسها الجديدة وأمرت أن يقدم سريرها إلى وسط البيت واستلقت عليه مستقبلة القبلة وقالت إني مقبوضة الآن ، فلا يكشفني أحد.

تقول أسماء بنت عميس : لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيئة ثم ناديتها

١٢١

فلم تجب فناديت : يا بنت محمد المصطفى ، يا بنت أكرم من حملته النسا ، يا بنت خير من وطأ الحصى ، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى ، فلم تجب ، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء فوقعت عليها أقبلها ، وأقول يا فاطمة إذا قدمت على أبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقرئيه مني السلام. فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة فوقع الحسن يقبلها ويقول : يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني ، والحسين يقبل رجلها ويقول يا أماه أنا ابنك الحسين ، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. ثم خرجا إلى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول : بمن العزاء يا بنت محمد؟ وقال : (اللهم إنها قد أوحشت فآنسها ، وهجرت فصلها ، وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين).

وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح : يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده ، وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله ، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة ، فخرج إليهم أبو ذر وقال : انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية.

وأخذ أمير المؤمنين في غسلها ، وعلل ذلك حفيدها الإمام الصادق (ع) يقول : إنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى (ع) ، وقال (ع) : إن عليا أفاض عليها من الماء ثلاثا وخمسا وجعل في الخامسة شيئا من الكافور ، وكان يقول : اللهم إنها أمتك وبنت رسولك وخيرتك من خلقك ، اللهم لقنها حجتها ، وأعظم برهانها وأعل درجتها ، وأجمع بينها وبين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل إذ أخبرهما

١٢٢

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سابقا : يا علي ويا فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه إلي جبرئيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما اقسماه واعزلا منه لي ولكما ، فقالت فاطمة : ثلثه لك والباقي ينظر فيه علي (ع) فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضمها إليه وقال : إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة ، يا علي قل في الباقي ، فقال : نصف منه لها ، والنصف لمن ترى يا رسول الله قال هو لك.

وكفنها في سبعة أثواب ، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى : يا أم كلثوم ، يا زينب ، يا فضة ، يا حسن ، يا حسين ، هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء ، فهذا الفراق واللقاء الجنة.

حقا إنها لحظات وداع لشمعة انطفأت وطالما احترقت لتنير للآخرين ما أعظم الرزية وما أجل المصيبة.

أقبل الحسنان (ع) يقولان : واحسرة لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا الزهراء؟ إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له : إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.

قال أمير المؤمنين (ع) وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها ، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء فرفعهما عنها وعقد الرداء عليها.

وجاءت أهم اللحظات لحظة تنفيذ بند الوصية المهم ذلك البند الذي سيظل شاهدا على موقف الزهراء إلى القيامة. إنها لحظات الدفن التي يجب أن تكون سرا وقبلها الصلاة على الجنازة الذي كان محددا فيها ألا يكون فيه شخص ممن ظلم الزهراء. هكذا كانت الوصية.

جن الليل نامت العيون وهدأت الأبصار. وجاء في جوف الليل نفر قليل من الهاشميين ومن المحبين الذين وقفوا مع علي وفاطمة موقفا إيجابيا وهم سلمان

١٢٣

وأبو ذر والمقداد وعمار ، صلى عليها الإمام علي (ع) ومعه هذه العصبة القليلة المباركة ثم دفنها ولما وضعها في اللحد قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله ، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني ، ورضيت لك بما رضي الله لك. ثم قرأ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) .

ثم إنه (ع) سوى في البقيع سبع قبور ، أو أربعين قبرا لكي يضيع بينها قبر الزهراء (ع) ، ولما عرف شيوخ المدينة دفنها ، وفي البقيع قبور جدد أشكل عليهم الأمر فقالوا : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها ونصلي عليها ، فبلغ ذلك عليا (ع) فخرج مغضبا عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة وبيده ذو الفقار ، وهو يقسم بالله لئن حول من القبور حجر ليضعن السيف فيهم ، فتلقاه عمر ومعه جماعة فقال له : ما لك ، والله يا أبا الحسن لننبشن قبرها ونصلي عليها.

فقال علي (ع) وهو غاضب : أما حقي فتركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم ، وأما قبر فاطمة فوالذي نفسي بيده لئن حول منه حجر لأسقين الأرض من دمائكم ، فتفرق الناس(١) .

وأسدل الستار عن أول محطة سقطت الأمة في امتحانها ، وغادرت الزهراء مشتاقة للقاء ربها وأبيها ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاما عظاما انتقلت لتشكو إلى الله سبحانه وتعالى ليحكم لها على من ظلمها وتركت لنا أعلام هداية ومنارات فرقان رحلت وخلفت فينا سرها. سرها الذي دفن في قبرها الذي دفنت فيه سرا. إنه سر سهل ممتنع لا تطوله كل العقول ولا يمتنع

ــــــــــــــــ

(١) ـ فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى أحمد الهمداني.

١٢٤

عن جميع العقول ، سر لا يطوله إلا من أشرق في قلبه نور فاطمة وارتشف من ضياه عقله فانفتح على الحق والخير ونفر من الظلم والانحراف.

ورغم أنني تجرعت كأس ألمها إلا أنه بالنسبة لي كان ممزوجا بالحلاوة. شربت منه فأشرقت لي فاطمة بنورها فكانت الدليل إلى الصراط المستقيم. وما أعظم شأنها.

حقا إنها فاطمة بنت محمد زوج علي.

الزهراء صرخة مدوية عبر التاريخ

لقد انتقلت الزهراء (ع) إلى بارئها هناك حيث جنة عرضها السماوات والأرض تنتظر يوم القيامة يوم الحساب ولكنها تركت صرخة تجلجل وتدوي لتحرك الضمائر الميتة وتهز الوجدان وتنفض غبار الغفلة والشهوات والتكبر عن العقول صرخة ألم ولوعة أما صرخة الألم فهو نتاج ما لحقها من أذى وضرب وإسقاط جنين وأما اللوعة فهي مما اقترفته الأمة تجاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته التي لم تحفظ لقد غادرت الزهراء وتركت سهمين في صدر التاريخ ينزفان دما الأول انتقالها وهي لم تكمل عقدها الثاني أما الآخر فهو دفنها ليلا سرا حتى أن قبرها الذي تهفو إليه قلوب الملايين لا يعرف له موضع حسرة وما أعظمها من حسرة إنها إشارة الزهراء لننطلق في تلمس الحقائق ، ثمانية عشر ربيعا فقط وكانت أول أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحوقا به ترى لماذا صحيح أن الموت حق على كل العباد ولكن ألا يقفز إلى الذهن السؤال عن سبب الموت؟ كلنا عندما نفقد عزيزا في ريعان شبابه ويأتينا الخبر بموته نسأل مباشرة وكيف مات؟! وهذا ما يريده الله عز وجل منا لنصل إلى عمق المأساة ، سؤال فطري ما الذي جعل الزهراء (ع) تنتقل بهذه السرعة

١٢٥

وغيرها يمتد به العمر إلى ما شاء الله وعندما نسأل أنفسنا هذه الأسئلة سنكتشف الحقيقة أولاً حزنا على فقد الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم على غصب الحقوق ثم اعتداء وضرب وإسقاط الحقوق حقوقها وحقوق زوجها وأبنائها وحقوق الأمة الإسلامية ويتوج ذلك كله الاعتداء الصارخ بالإحراق والضرب والرفس ومن ثم إسقاط المحسن ألا يكفي هذا لأن تهد الجبال هدا إن الزهراء (ع) قاست كل ذلك لا لكي تجني فائدة شخصية ولكن لتثبيت دعائم الإسلام هكذا يريد الله تعالى أن يكشف لنا عن الحقائق عبر حياة أوليائه.

والسهم الآخر دفنها سرا إن الزهراء (ع) بنت النبوة ربيبة الوحي تخدم الرسالة حية وميتة لقد أمرت ألا يصلي عليها رمز الشرعية في السقيفة وأن تدفن ليلا سرا حتى لا يعلم قبرها فيبقى التساؤل عن سر ذلك قائما حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا كل الشخصيات الهامة ، وكل الصالحين نعرف قبورهم ويقصدها من يقصدها إلا الصديقة الطاهرة أم أبيها ترى لماذا؟!! إنها أيضا رسالة الرسالة لمن يؤمن بالرسالة وذكرى لقوم يعقلون.

١٢٦

الفصل الخامس

الإمامة والخلافة

١٢٧

١٢٨

تمهيد :

لم أكن أتصور بأنني سأجد هذا الزخم الهائل من الأحاديث والآيات التي تؤيد وتدعم دعوى الشيعة. فبعد حواري مع ابن عمي ، والذي أخذ منحى آخر معي متوخيا الحذر بعد أن علمت بظلامة الزهراء (ع) أعطاني ثلاثة كتب قرأتها ، كان الأول لدكتور أعلن ولاءه لأئمة أهل البيت (ع) بعد أن كان من علماء أهل السنة والجماعة ، والكتاب الثاني المراجعات وهو مناظرة قيمة جرت بين عالم شيعي وهو السيد عبد الحسين شرف الدين وآخر سني كان زعيما للأزهر الشريف هو الشيخ سليم البشري ، وكتاب آخر عن تأريخ الشيعة وظلم الحكام لهم على امتداد التاريخ ، وحقا كان لكتاب ثم اهتديت للدكتور التيجاني السماوي الدور الأكبر في تحفيزي للبحث كما أنه كان دافعا لقراءة كتاب المراجعات بدقة وعناية ولا أظنني سأجد كتابا على أديم الأرض أكثر قوة وحجة ومنطقا من كتاب المراجعات الذي أماط اللثام وأبطل كل حجج الشيخ البشري بأدب ووقار.

وأذكر ذات يوم أن أحد الأشخاص استعار كتاب المراجعات من أحد الأصدقاء وبعد فترة وجيزة جاء بالكتاب وهو يقول ـ محأولاً الاستهزاء به كردة فعل طبيعية إنه مختلق وإن هذه المناظرة أساسا لم تقم ، فأجابه الأخ : ـ يا شيخنا فلنفرض جدلا أن هذه المناظرة لم تكن ، وأن هذه الشخصيات لا وجود لها في الحقيقة ما رأيك فيما ورد في الكتاب من الأدلة ، نحن كلامنا ليس حول الشخصيات وما يهمنا محتوى الكتاب إذا كنت تملك ردا عليه فتفضل( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وإلا فالزم الصمت فصمت صاحبنا. والحال إننا نثق بأن هذه المناظرة والحوار بين السيد عبد الحسين والشيخ سليم حدثت حقيقة ،

١٢٩

والشخصيتان علمان بارزان في سماء الأوساط الدينية عند الشيعة والسنة.

وسوف أقدم مجموعة من الأدلة تأخذ بأعناقناشيء نا أم أبينا إلى اتباع أهل البيت (ع) والاقتداء بهم دون غيرهم من الخلق لأنهم خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن الهدى في اتباعهم وأخذ الدين منهم وموالاتهم وإن الضلالة في موالاة غيرهم ولن آتي بدليل من خارج الكتب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة حتى نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.

وموضوع بحثنا كما هو واضح الإمامة والخلافة التي قيل فيها : لم يسل سيف في الإسلام كما سل في الإمامة ، وهي جذر الخلاف القائم بين الشيعة والسنة ومن عندها تفرع حتى وصل إلى أصغر الجزئيات فهل الإمامة نص وتعيين أم هي شورى واختيار من قبل المحكومين؟.

بالشورى أم بالتعين ؟!

* مفهوم الشورى عند أهل السنة والجماعة غير واضح :

الحق إن الكلام حول خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير واضح عند الإخوة أهل السنة فتارة يقولون بالشورى وأخرى يعطون الشرعية للنص ، ومع ذلك لا نجد مستندا شرعيا ولا دليلا يؤيد دعواهم ، وقد تمسكوا بآيتين وردتا في القرآن الكريم اشتبه على القوم سبيل فهمهما كما سنبين.

ولم نجد عندهم مفهوما واضحا للشورى ولا حدودا ولا تفاصيل سواء من القرآن أو السنة ، لأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله انتقل إلى الرفيق الأعلى

١٣٠

ولم يوضح شيئا ـ كما يظنون ـ عن أخطر فتنة يمكن أن تتعرض لها الأمة وهي الخلافة بحسب منهجهم ، وهو الذي يحمل على عاتقه تبليغ خاتمة الرسالات ولم يترك فيها كبيرة ولا صغيرة يحتاجها الناس إلا وبينها لهم حتى أحكام التخلي فكيف بقيادة الأمة ونظام الحكم في الإسلام؟ بل إن القول في الشورى عندهم عبارة عن اجتهادات لعلماء رسموا مفهومها الديني بناء على ما جرت عليه الأحداث ، فقالوا يجوز لولي الأمر أن يعين خليفته كما فعل أبو بكر ، ويمكن أن تنعقد البيعة لأحدهم بمبايعة فرد واحدكما بايع العباس عليا بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكما بايع عمر أبا بكر ، ومنهم من قال إن الشورى تنعقد بأهل الحل والعقد ولكن دون توضيح من هم أهل الحل والعقد ومن الذي يعينهم ، وبعضهم جمع بين كل ذلك وتاه في ظلمات بعضها فوق بعض وكل ذلك تقول على الدين لا يؤيده دليل عقلي ولا نقلي اللهم إلا الآيتان الشريفتان وهما أجنبيتان عن المقام ولا يمكن تثبيت هذه الشورى المزعومة بهما.

الآية الأولى :

قوله سبحانه وتعالى :( وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله ) (سورة آل عمران : آية / ١٥٩).

استدلوا بهذه الآية على أصل الشورى وقالوا إن الخلافة والإمامة بالشورى في حين أن الآية واضحة في خلاف مرادهم إذ أنها تخاطب الحاكم الذي استقرت حكومته وتوجهه لمشاورة الرعية لأنه هو الذي يشاور ، ونفس الآية تشير إلى أن هنالك ثمة رئيس (حاكم) بعد أن يمحص الآراء والأفكار يأخذ بالنافع منها ثم يعزم هو على ما ارتآه بعد المشاورة متوكلا على الله كذلك تبين الآية أن الأمر هنا غير الحكومة ، فبدون الحاكم لا وجود للشورى لأنها تحتاج إلى حاكم يكون قيما عليها ليعزم ويتوكل على الله ، وبناء على هذه الآية

١٣١

لا تتم الشورى إلا بولي الأمر الذي يفصل في موضوعها ، وعلى ذلك لا دلالة للآية على الشورى التي بها يتم اختيار ولي الأمر لأن وجوده مكمل لنفس الشورى ، ويتوقف اختياره على وجوده ضمن الجماعة المكونة للشورى ، وهذا يلزم الدور وهو باطل ، والدور يعني تثبيت وجودشيء بوجودشيء آخر يتوقف وجوده على وجود الشئ الأول مثل قضية الدجاجة والبيضة أيهما أول فالبيضة يتوقف وجودها على الدجاجة وكذلك الدجاجة وما أشبه!!

الآية الثانية :

قوله تعالى :( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ) (سورة الشورى : آية / ٣٨) إن الآية الكريمة حثت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أمورهم ، أما كون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهو أول الكلام ، إذ لا ندري هل هو من شؤونهم أم من شؤون الله سبحانه وتعالى وعلى فرض أن ذلك من شؤونهم فمع هذا لا يصح الاستدلال بهذه الآية في موضوع تعيين الإمام والخليفة إذ لا يقال أنه يجوز قيام الشورى الشرعية دون ولي الأمر كما ذكرنا في الاستدلال بالآية السابقة ، والآية في الواقع عامة تولت تفصيلاتها آية( وشاورهم في الأمر ) أما الآية موضع البحث فقد جاءت تتحدث عن صفات المؤمنين والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدهم بل أكملهم وأتقاهم وهو ولي الأمر المستقر له الوضع ، فلا يمكن أن لا تكون له كلمة الفصل ، وواضح من الآية أنها نزلت بلحاظ وجود ولي الأمر بينهم لا بعدم لحاظه ومن يدعي غير ذلك فعلية الإثبات.

إذا علمت ذلك نقول أنه بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٣٢

 إما كان هناك ولي أمر فلا داعي للشورى لتنصيبه ، وإما لم يكن فيحتاج إلى شورى شرعية حتى يتم تنصيبه. والشورى الشرعية تحتاج إلى ولي أمر قيم عليها يأخذ بالنافع بعد المشاورة ويعزم عليه وبدونه تكون الشورى غير شرعية فلا يلزم بها أحد من المسلمين.

وبناء على ذلك لا بد من النص على الإمام (ولي الأمر) وهذا ما يثبته التاريخ والعقل ومرويات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن وفيها ما يشبعك.

* التعيين ضرورة :

جاء في سيرة ابن هشام.

لما دعا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بني عامر للإسلام وقد جاؤوا في موسم الحج إلى مكة قال رئيسهم : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأمر لله ، يضعه حيث يشاء(١) .

لقد بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الأمر لله تعالى وهذا القرآن الذي نتلوه ليل نهار يؤكد ذلك أيضا بقوله تعالى :( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) (٢) . والاصطفاء الإلهي لحمل عب ء تبليغ الرسالة والحفاظ عليها سنة إلهية لن تتغير ولن تتبدل ، قال الله سبحانه وتعالى( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ، ذرية بعضها من بعض والله

ــــــــــــــــ

(١) ـ السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٤٢٤.

(٢) ـ سورة الأنعام : آية / ١٢٤.

١٣٣

سميع عليم ) (١) ويقول جل وعلا( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (٢) ، ويؤكد سبحانه وتعالى أن الأمر ليس بيد أحد مهما بلغ من الوعي فأضاف إلى نفسه تعالى الاختيار والجعل يقول تعالى( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (٣) ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) (٤) .

وهذا الجعل ليس بأمر الأمة بل بأمر الله (بأمرنا) ولا يعقل أن يكون الضمير في أمرنا شامل للأمة إذ ليست هي التي توحي إلى الأئمة فعل الخيرات وإقام الصلاة كما أن الأمة ليست هي المعبودة( وكانوا لنا عابدين ) ولا هي صاحبة الآيات( بآياتنا يوقنون ) .

وضرورة التعيين أمر يعلمه كل إنسان بوجدانه وعقله ، لضرورة وجود خليفة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم مقامه في كل واجباته ، ويكاد يكون ذلك من البديهيات وإلا أي ضمانة يمكن لها أن تحفظ لنا ديننا وتمثل بوصلة لبيان الانحراف الذي ربما يحدث بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما حدث في الأمم السابقة؟ من الذي تركن إليه الأمة ليواصل مسيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكيف يتأتى للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينتقل للرفيق الأعلى دون أن يعين خليفته؟ أمن العقل أن يترك أمر الخلافة والإمامة في أيدي الناس الذين قد تتغلب عليهم شهوة السلطة والزعامة؟ ذلك لأن طبيعة البشر

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة آل عمران : آية / ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) ـ سورة فاطر : آية / ٣٢.

(٣) ـ سورة الأنبياء : آية / ٧٣.

(٤) ـ سورة السجدة : آية / ٢٤.

١٣٤

تهوي به إلى أسفل ولا يكفيها وجود شريعة محفوظة في الكتب ، بل لا بد من تجسيد تلك الشريعة في إنسان يتمتع بتفوق تشريعي (معصوم) يعطيه صلاحية تطبيق الشريعة على الناس (منصوص عليه) إذ لا بد لكل قانون من مطبق نافذ الكلمة وإلا عاد القانون حبرا على الورق(١) .

إن الخالق الذي من أجل كمال كل مخلوق وفر له الوسائل الضرورية وغيرها كي يعبر من حدود النقص والضعف إلى منازل الكمال ، كيف يمكن أن يستثني من ذلك القيادة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والتي تعتبر عاملا مهما لرقي الإنسان معنويا وروحيا.

والتعيين أمر تنبه له أبو بكر عندما كتب وصيته التي نصب فيها عمر خليفة من بعده وأمر الناس بالسمع والطاعة له ومع أنه كان على فراش الموت عند كتابته لذلك إلا أن عمر كان حريصا على تنفيذ الوصية في حين أنه كان المعترض الأول على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما أراد كتابة وصيته وهو مريض وقال إنه يهجر ويقول أمير المؤمنين علي (ع) في شأن تعيين أبي بكر لعمر « فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها ».

كما أن عائشة أقرت بضرورة التعيين عندما ضرب عمر وبقي على الفراش ينتظر الأجل المحتوم إذ أرسلت إليه أن أوص من يخلفك ولا تترك أمة محمد بعدك هملا. وبدون راع ، وأشار عبد الرحمن بن عوف على عمر بذلك أيضا.

والواقع العملي يثبت أن الخلفاء جاؤوا بالتنصيب وبلا شورى حتى شورى الستة كانت بالتعيين كما سترى.

ــــــــــــــــ

(١) ـ الفكر الإسلامي مواجهة حضارية ـ العلامة السيد محمد تقي المدرسي ص ٢٥٠.

١٣٥

 

* علي بن أبي طالب أول خليفة للنبي (ص) :

طفحت كتب أهل السنة والجماعة بالأحاديث التي تبين أن أهل البيت (ع) هم خلفاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحملة دين الله بعده ، وغير المتمسك بهم ضال وذلك بإخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اختيار الله تعالى لهم ، وسنرى من خلال ما نستدل به أن الأمر لا ينحصر في حبهم فقط والتبرك بهم إنما موالاتهم واتباعهم والتسليم لهم.

وكثيرا ما يقول لي البعض نحن نحب أهل البيت (ع) أقول إن حب أهل البيت (ع) مجردا عن ترتيب أثر على ذلك لا يجدي ، فحبهم يستتبع أن نسلك مسلكهم ونتبع منهجهم ونوالي أولياءهم هذا هو الحب يقول تعالى( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) (سورة آل عمران : آية / ٣١) وأهل البيت (ع) هم حملة رسالة السماء وبهم يعرف الحق من الباطل والمتمسك بهم هو الملتزم بمنهجهم السائر على دربهم.

والإمام علي (ع) هو الإمام الأول والخليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ما توصلت إليه من خلال ما تواتر من الأحاديث حول تنصيبه إماما للأمة وعن أفضليته على جميع الصحابة ، رغم أن أعداءه أخفوا مناقبه حسدا وأخفاها شيعته خوفا إلا أنه ظهر من بين ذلك ما ملأ الخافقين يقول أحمد بن حنبل « ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب »(١) ومع ذلك سأختار بعض الأحاديث التي تثبت له الولاية والخلافة :

ــــــــــــــــ

(١) ـ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٧.

١٣٦

١ ـ حديث الغدير :

في حديث طويل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع الناس يوم غدير خم (موضع بين مكة والمدينة ـ الجحفة) وذلك بعد رجوعه من حجة الوداع وكان يوما صائفا حتى أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر ، وجمع الرحال وصعد عليها وقال مخاطبا معاشر المسلمين : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا :

بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاده وانصر من نصره واخذل من خذله.

إن حديث الغدير من أوضح أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بيانا وأعمقها دلالة وأقواها بلاغة ولقد أورده السيوطي في الدر المنثور في ذيل الآية( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) لبيان أن ولاية علي (ع) التي قرنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بولايته هي امتداد لها وكما كانصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم كذلك علي بن أبي طالب ، مما يدل على أن النبي ما أراد الولاية بمعنى الحب إنما أرادها بمعنى الإمامة لوجود القرينة المقالية فقد بدأ الحديث بولاية نفسه على المؤمنين ثم قرنها بولاية علي فالولاية بمعنى الأولى من المؤمنين بأنفسهم.

هذا الحديث لا شبهة في صحته وهو من الأحاديث المتواترة التي لم يستطع علماء أهل السنة والجماعة رده فبحثوا له عن تخريج ومعنى يتناسب مع ما تهواه أنفسهم فاضطروا إلى تفسير الموالاة بمعنى الحب وهذا المعنى لا ينسجم ومفهوم الحديث القاضي بولايته وإمامته على الناس بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافته له بصورة واضحة وجلية ، ولا يمكن لشخص يملك عقلا سليما ووجدانا صحيحا أن يقنع بقول علماء أهل السنة والجماعة ، فهم كأنما يقولون

١٣٧

أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه هذه الأعداد الهائلة من الحجاج والذين يبلغ عددهم ما يقارب المائة وعشرين ألف أوقف من معه وأرسل في طلب من سبقه ليأتي راجعا وانتظر من كان بعده يوقفهم في تلك الصحراء والشمس تلفح الوجوه ليقول لهم أيها الناس أحبوا عليا فإنه ابن عمي وزوج ابنتي. أي أحمق هذا الذي يؤمن بهذا القول والله إنها لضحالة في التفكير وسذاجة في استعمال أساليب المكر والخداع وخبث ينم عن عداء حقيقي لعلي بن أبي طالب (ع).

وقد تتبع صاحب موسوعة « الغدير » العلامة الأميني رواة هذا الحديث من الصحابة فبلغ عددهم « ١١٠ صحابي » فيهم أبو هريرة وأسامة بن زيد وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله والزبير بن العوام وزيد بن الأرقم وغيرهم »(١) ومن التابعين بلغ عدد الرواة (٨٤) ولم يترك حتى العلماء في القرون الأولى وكذلك الشعراء(٢) .

ولقد أورد الحديث أحمد بن حنبل في مسنده وأضاف فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة(٣) .

كما أورده الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١١٠ وقال عنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ولأهمية أمر الإمامة والولاية في الرسالة وباعتبارها جزءاً أساسيا بدونه لا

ــــــــــــــــ

(١) ـ الغدير ج ١ ص ١٤.

(٢) ـ المصدر ج ١ ص ٦٢.

(٣) ـ مسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٢٨١.

١٣٨

تكتمل الرسالة بدونه جاء الأمر من الله تعالى بتبليغ ذلك للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان حديث الغدير كما جاء في تفسير الفخر الرازي في ذيل الآية( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) (سورة المائدة : آية / ٦٧) قال : والعاشر ـ أي من الوجوه التي قالها المفسرون في نزول الآية : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب (ع) ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر رضي الله عنه فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي(١) .

وبهذا تتضح أهمية الولاية كجزء من الرسالة من دونها تفقد الرسالة أهميتها كما تنطق الآية.

ومما يؤكد قولنا اختصاص علي بالولاية دون غيره من الصحابة وذلك في قوله :( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (سورة المائدة : آية / ٥٥) يقول الرازي والطبري المقصود من الذين آمنوا أمير المؤمنين علي (ع) كما أورده السيوطي في الدر المنثور وكذلك كنز العمال.

والآية ظاهرة في إمامته ومعنى الولي في هذه الآية لا بد أن يلائم الحصر في الله عز وجل وفي رسوله وفي علي وظهور أداة : إنما في الحصر تشير إلى تفسير واحد لكلمة الولي وهو مالك الأمر ونحوه مما يناسب الاختصاص.

ــــــــــــــــ

(١) ـ التفسير الكبير للرازي ج ١٢ ص ٤٩.

١٣٩

٢ ـ حديث المنزلة :

جاء في البخاري « كتاب بدء الخلق » في باب غزوة تبوك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى تبوك واستخلف عليا (ع) فقال : « أتخلفني في الصبيان والنساء ، فقال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي »(١) .

ولا يخفى على المتأمل الدلالة الواضحة لخلافة علي (ع) والتي كخلافة هارون (ع) إلا أن النبوة ختمت بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ألمعنا في نقاشنا لقصص بني إسرائيل إلى وجه الشبه بين خلافة هارون لموسى (ع) وكيف أضل السامري القوم ، وبين خلافة علي (ع) التي انقلب عليها المسلمون ووضعوا الأمر في غيره فتأمل.

٣ ـ حديث الانذار

لما نزلت آية( وأنذر عشيرتك الأقربين ) على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بني عبد المطلب على طعام ثم قال : إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي ووارثي فلم يقم أحد. قال علي : وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه قال النبي : إجلس ، قال ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كانت الثالثة فأخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا ،

ــــــــــــــــ

(١) ـ رواه مسلم أيضا في صحيحه كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضائل علي بن أبي طالب كما أورده أحمد بن حنبل وغيرهم.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206