سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله8%

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله مؤلف:
المحقق: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 694

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 694 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 365956 / تحميل: 9265
الحجم الحجم الحجم
سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

والوثن في شخصية رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بتفسير الرجز بالصنم ، والوثن ، ويتضح بطلان هذا الادعاء والاستنباط إذا أمعنا في معاني واستعمالات هذه اللفظة في الكتاب العزيز.

ان الرجز استعمل في القرآن الكريم في معان ثلاثة : العذاب ، القذارة ، الصنم.

وقد استعمل الرجز ( بكسر الراء ) في تسع موارد في القرآن الكريم ، وقد اُريد منه في جميعها العذاب إلاّ في مورد واحد : وهي : البقرة ـ ٥٩ ، والاعراف ـ ١٣٤ ( وجاءت اللفظة فيها مرتين ) و ١٣٥ و ١٦٢ والانفال ـ ١١ وسبأ ـ ٥ والجاثية ـ ١١ والعنكبوت ـ ٣٤.

وجاء الرجز ـ بضمّ الراء ـ مرّة واحدة وهي الآية الّتي نحن بصددها هنا(١) .

وهذه الآية لا تدل على ما ذهب إليه الذين يزعمون بان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على غير التوحيد قبل البعثة.

واليك بيان هذا الموضوع مفصلاً :

١ ـ ان الرُجز لو كان بمعنى « العذاب » دَلّت الآية على هجر ما يستلزم العذابَ ، فيكون الخطابُ حينئذ مسوقاً من باب التعليم ، ومن باب « اياك أعني واسمعي يا جاره » ، فيكون ظاهر الأمر هو مخاطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهيه عما يستلزم العذاب ، وارادة تعليم الاُمة مثل قول اللّه تعالى في خطابه للنبي «فلا تكوننّ ظهيراً للكافرين »(٢) . وقوله تعالى : «لئن أشركْتَ ليَحْبَطنَّ عَملُك »(٣) فكما لا تدلّ الآية على وجود أرضية الشرك في شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك لا تدل الآية على وجود أرضية التعرض للعذاب في شخصية رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ ـ إن الرُجز لو كان بمعنى ( القذارة ) وهي تنقسم إلى مادية ومعنوية فيحتمل ان يكون المراد بناء على المعنى الأول اشارة إلى ما ورد في الروايات من

____________

١ ـ المدَّثر : ٥.

٢ ـ القصص : ٨٦.

٣ ـ الزمر : ٦٥.

٣٠١

أنّ اباجهل جاء بشيء قذر ، وأمر رجلا من قريش بالقائه على النبيّ ، ففعل ، فأمراللّه نبيه بتطهير ثوبه من الدنس.

ويحتمل ان تكون الآية دعوة إلى اجتناب الصفات الذميمة بناء على ارادة المعنى الثاني الفظة الرُجز فتكون الآية تعليماً للناس على النمط السابق ، فلا تدل على اتصاف النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها.

٣ ـ الرُجز بمعنى الصنم ، لنفترض أن المقصود منه في الآية هو الصنم ، لكن لا بمعنى أنه وضعَ لذاك المعنى ، وإنّما وضعَ اللفظُ لمعنى جامع يعمُّ الصنم والخمر والازلام لاشتراك الجميع في كونها رجزاً ، ولأجل ذلك وصِف الجميع في مورد آخر بالرجس فقال تعالى : «إنَّما الخمْرُ والمَيْسرُ وَالأنْصابُ وَالأَزْلامُ رجسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ »(١) .

ولكن يجاب عن هذا أيضاً بأن النبيّ يوم نزلت الآية لم يكن عابداً للوثن بل كان مشمّراً عن ساعد الجدّ لتحطيم الاصنام ومكافحة عبدتها ، فلا يصحّ أن يخاطَب من هذا شأنه بهجر الاصنام إلا على السبيل الّذي أشرنا إليه وهو توجيه الخطاب إلى النبيّ وإرادة الاُمة به لكون هذا النوع من الخطاب أبلغ في التأثير ، لأنه سبحانه إذا خاطب أعزّ الناس إليه بهذا الخطاب فغيره أولى به.

الآية الثالثة : عدم علمه بالكتاب والايمان

قوله سبحانه : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إليْكَ رُوْحاً مِنْ أَمْرنا ما كُنْتَ تَدريْ ما الْكِتابُ وَلاَ الإيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدي بِه مَنْ نَشاء مِنْ عِبادِنا وانَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراط مُستَقيم »(٢) .

زعم جماعة دلالة هذه الآية ـ والعياذ باللّه ـ على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان فاقداً للايمان قبل الايحاء إليه.

لكنَ حياته الشريفة المشرقة بالإيمان ، والتوحيد ، تفنّد تلك المقالة ، فالتاريخ

__________________

١ ـ المائدة : ٩٠.

٢ ـ الشورى : ٥٢.

٣٠٢

يشهد على انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ بداية عمره إلى أن لاقى ربه مؤمناً موحداً وذلك امرٌ لا شك فيه ، ولا شبهة تعتريه ، وقد اجمع على ذلك أهلُ السير والتاريخ ، وحتّى أن الاحبار والرهبان كانوا معترفين بانه نبيُّ هذه الاُمة ، وخاتم النبيين ، وكان يسمع تلك الشهادات منهم في فترات خاصة في « مكة » و « يثرب » و « بصرى » و « الشام »(١) وغيرها ، فكيف والحال هذه يمكن ان يكون غافلاً عن الكتاب الّذي ينزل إليه أو يكون مجانباً للإيمان بوجوده سبحانه ، وتوحيده ، والتاريخ المسلَّم الصحيح يؤكّد على عدم صدق ذلك الاستظهار من الآية الحاضرة.

فلابدّ إذن من الإمعان في مفاد الآية كما لابدّ ـ في تفسيرها ـ من الاستعانة بالآيات الواردة في ذلك المساق.

بعث النبيُ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهداية قومه أوّلا ، وهداية جميع الناس ثانياً ، بالآيات والبيّنات ، ونخصُّ بالذكر منها : القرآن الكريم ( معجزته الكبرى الخالدة ) الّذي بفصاحته أخرسَ فرسان الفصاحة ، وقادة الخطابة ، وببلاغته قهر ارباب البلاغة وملوك البيان ، وخلب عقولهم ، وقد دعاهم إلى التحدي والمقابلة ، فلم يكن الجواب منهم إلاّ اثارة الشكوك والتهم حوله ، وحول ما جاء به ، وعدم المعارضة بمثل القرآن قط.

فتارة قالوا : بانه يعلّمه بشر ، واُخرى بأنه إفكٌ افتراه ، واعانه عليه قوم آخرون وثالثة : بأنه أساطير الاولين ، قد اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة واصيلا ، قال سبحانه رداً على هذه التهم الّتي أشرنا إليها : «قُلْ نزّلَهُ رُوحُ القدُس مِنْ ربّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِتَ الَّذينَ آمَنُوا وَهُدى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِميْنَ * وَلَقْدَ نَعلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنّما يُعلِّمُهُ بَشَرٌ لسانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إليه أعجَميّ وَهذا لسانٌ عَرَبيّ مُبِينٌ »(٢) .

وقال سبحانه «وَقالَ الَّذينَ كَفَرُوا إنْ هذا إلاّ إفكٌ افتراهُ وَأعانَهُ عَلَيْهِ

__________________

١ ـ راجع السيرة النبوية والسيرة الحلبية وبحار الأنوار.

٢ ـ النحل : ١٠٢ و ١٠٣.

٣٠٣

قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤوا ظُلْماً وزُورا. وَقالُوا أساطيرُ الأَوَّلينَ اكتَتبَهَا فَهِي تُملى عَليْهِ بُكرَةً وَأصيلا. قُلْ أنزَلَهُ الَّذي يَعْلَمُ السّرَّ في السَّماواتِ وَالاَْرضِ إنه كانَ غَفُوراً رَحيماً »(١) .

والآية المبحوثة بصدد بيان هذا الأمر ، وانه وحي سماويٌ لا افكٌ إفتراه ، ولهذا بدأ كلامه بلفظة : « وَكَذلِكَ أوْحَينا إليكَ » أي كما أنه سبحانه أوحى إلى سائر الانبياء باحدى الطرق الثلاثة الّتي بينها في الآية المتقدمة ، أوحى إليك أيضاً روحاً من امره ، وليس هذا كلامك وصنيعك ، بل كلام ربك وصنيعه.

هذا مجمل الكلام في الآية ولاجل رفع النقاب عن مرماها نقدّم اموراً تسلط الضوء على الآية :

الأول : ان المراد من الروح في الآية هو القرآن وسمّي روحاً لانه قوام الحياة الاُخروية ، كما ان الروح في الإنسان قوام الحياة الدنيوية ، ويؤيد ذلك امورٌ :

أ ـ ان محور البحث الأصلي في سورة الشورى هو : الوحي والآيات الواردة فيها البالغ عددُها(٥٣) آية تبحث عن ذلك المعنى بالمباشرة أو بغيرها.

ب ـ الآية الّتي تقدمت على تلك ، تبحث عن الطرق الّتي يكلم بها سبحانه انبياءه ويقول : «وَما كانَ لِبَشر أن يكلِّمَهُ اللّه إلاّ وَحْياً أو مِن وَرَاء حِجَاب أو يُرسِلَ رَسُولا فَيُوحيَ بإذْنه ما يَشاء إنَّه عليُّ حكيم »(٢) .

ج ـ انه سبحانه بدأ كلامه في هذه الآية بلفظة : « وكذلك » أي كما أوحينا إلى من تقدم من الانبياء كذلك أوحينا اليك باحدى تلك الطرق « روحاً من أمرنا » ووجه الاشتراك بينه وبين النبيين هو الوحي المتجلي في نبينا بالقرآن وفي غيره بوجه آخر.

كل ذلك يؤيد ان المراد من الروح في الآية المبحوثة هو القرآن الملقى إليه.

نعم وردت في بعض الروايات ان المراد منه هو روح القدس ، ولكنه لا ينطبق على ظاهر الآية ، لان الروح بحكم كونه مفعولا ل‍ « أوحينا » يجب ان

__________________

١ ـ الفرقان : ٤ ـ ٦.

٢ ـ الشورى : ٥١.

٣٠٤

يكون شيئاً قابلا للوحي حتّى يكون موحى ، وروح القدس ليس موحى بل هو الموحي ( بالكسر ) فكيف يمكن أن يكون مفعولا ل‍ « أوحينا » ، ولأجله يجب تأويل الروايات إن صحّت اسنادها.

الثاني : إن هيئة « ما كنتَ » أو « ما كانَ » تُستعمل في نفي الإمكان والشأن قال سبحانه : «وَما كانَ لنَفْس أنْ تَموتَ إلاّ بإذْنِ اللّه »(١) وقال عزَّ اسمه : «ما كانَ المؤمنُونَ لِيَنِفرُوا كافّةً »(٢) .

وعلى ضوء هذا الاصل يكون مفاد قوله « ما كُنتَ تدري ما الكتابُ ولا الايمانُ » أنه لولا الوحيُ ما كان من شأنك أن تدري الكتابُ ولا الإيمان ، فان وقفتَ عليهما فانّما هو بفضل الوحي وكرامته.

الثالث : أن ظاهر الآية هو أن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان فاقداً للعلم بالكتاب ، والدراية بالكتاب ، وانما حصلت الدراية بهما في ظل الوحي وفضله فيجب إمعان النظر في الدراية الّتي كان النبي فاقداً لها قبل الوحي وصار واجداً لها بعده ، فما تلك الدراية وذاك العلم؟

فهل المراد هو العلم بنزول الكتاب إليه اجمالا والايمان بوجوده وتوحيده سبحانه ، أو المراد العلم بتفاصيل ما في الكتاب ، والاذعان بها كذلك؟

لا شك انه لا سبيل إلى الأول لأنّ علمه ـ اجمالا ـ بانه ينزل إليه الكتاب ، أو ايمانه بوجود اللّه سبحانه كانا حاصلين قبل نزول الوحي إليه ولم يكن العلم بهما ممّا يتوقف على الوحي ، فان الأحبار والرهبان كانوا واقفين على نبوّته ورسالته ونزول الكتاب إليه في المستقبل إجمالا ، وقد سمع منهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فترات مختلفة : أنه النبيّ الموعود في الكتب السماوية ، وانه خاتم الرسالات والشرائع ، فهل يصحّ أن يقال أن علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنزول كتاب عليه إجمالا كان بعد بعثته وبعد نزول الوحي ، أو انه كان متقدماً عليه وعلى بعثته ، ومثلُهُ الإيمان باللّه سبحانه ، وتوحيده ، إذ لم يكن الإيمان باللّه امراً

__________________

١ ـ آل عمران : ١٤٥.

٢ ـ التوبة : ١٢٢.

٣٠٥

مشكلاً متوقفاً على الوحي ، وقد كان الاحناف في الجزيرة العربية ومن جملتهم رجال البيت الهاشمي موحّدين مؤمنين مع عدم نزول الوحي اليهم.

فيتعين الاحتمال الثاني وهو أن العلم التفصيلي بمضامين الكتاب وما فيه من الاصول والتعاليم ثم الايمان والاذعان بتلك التفاصيل كانا متوقفين على نزول الوحي ، ولولاه لما كان هناك علمٌ بها ، ولا ايمان.

وبعبارة اُخرى : إنّ العلم والإيمان بالامور السمعية الّتي لا سبيل للعقل إليها مثل المعارف والاحكام والقصص ومجادلات الانبياء مع المشركين والكفار ، وما نزل بساحة أعدائهم من إهلاك وتدمير ، لا يحصلان إلاّ من طريق الوحي حتّى قصص الامم السالفة وحكاياتهم لتطرق الوضع والدّس إلى كتب القصّاصين ، والصحف السماوية النازلة قبل القرآن.

* * *

تفسير الآية بآية اُخرى :

إن الرجوع إلى ما ورد في هذا المضمار من الآيات يوضح المراد من عدم درايته بالكتاب أوّلا ، والإيمان ثانياً.

أما الأول : فيقول سبحانه : «تِلْكَ مِنْ انباء الغَيب نُوحيها إليْكَ مَا كُنتَ تَعْلمُها أنْتَ وَلا قومُكَ مِنْ قَبلِ هذا فاصْبِرْ إنَّ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقين »(١) فالآية صريحة في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن عالماً بتفاصيل الأنباء ، وقد وقف عليها من جانب الوحي ، فعبّر عن عدم وقوفه عليها في هذه الآية بقوله : « ما كُنتَ تَعْلُمها اَنتَ ولا قومُكَ » وفي تلك الآية بقوله : « ما كُنْتَ تدري مَا الْكِتاب » والفرق هو ان « الكتاب » أعم من « أنباء الغيب » والأول يشتمل على الانباء وغيرها ، وأما « الانباء » فانها مختصة بالقصص ، والكل مشتركان في عدم العلم بهما قبل الوحي والعلم بهما بعده.

__________________

١ ـ هود : ٤٩.

٣٠٦

واما الثاني فقوله سبحانه : «آمَنَ الرَّسُولُ بما اُنزل إلَيْهِ مِنْ رَبِّه وَالْمُؤمنُونَ كلٌ آمَنَ باللّه وَمَلائكَتِهِ وَكُتُبه وَرُسُلِهِ لا نفرِّق بَينَ أحد مَن رسلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأطعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإليْكَ الْمصيرُ »(١) فقوله : «آمَنَ الرسولُ بِما اُنزِلَ إليهِ » صريحٌ في أنّ متعلّق الإيمانِ الحاصل بعد الوحي ، هو الايمان «بما اُنزل إليه » أعني تفاصيل الكتاب في المجالات المختلفة ، لا الإيمان باللّه وتوحيده وعندئذ يرتفع الابهام في الآية الّتي تمسكت بها المخطئة ومن ينسبون عدم الإيمان باللّه وتوحيده إلى النبي قبل البعثة ، ويتبيّن أن متعلق الإيمان المنفيّ في قوله : « ولا الإيمان » هو « ما اُنزل » لا الايمان بالمبدأ وتوحيده.

والحاصل إن هُنا شيئاً واحداً هو : « الايمان بما اُنزل من المعارف والاحكام والانباء » فقد نفيَ عنَه في الآية المبحوث عنها لكونها ناظرةً إلى فترة ما قبل البعثة ، واثبت له في الآية الاُخرى لكونها ناظرة إلى ما بعد البعثة.

قال الطبرسي : « ما كُنتَ تدري ما الكتابُ » ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الايمان(٢) .

وقال الفخر الرازي : المراد من الايمان هو الاقرار بجميع ما كلّف اللّه تعالى به ، وانه قبل النبوة ما كان عارفاً بجميع تكاليف اللّه تعالى بل انه كان عارفاً باللّه ثم قال : صفات اللّه تعالى على قسمين : منها ما تمكن معرفته بمحض دلائل العقل ، ومنها ما لا تمكن معرفته الا بالدلائل السمعية ، فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوة(٣) .

وقال العلامة الطباطبائي في الميزان : ان الآية مسوقة لبيان ان ما عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي يدعو إليه انما هو من عند اللّه سبحانه لا من قِبَل نفسه ، وإنما اُوتي ما اُوتي من ذلك بالوحي بعد النبوة ، فالمراد بعدم درايته بالكتاب هو عدم علمه بما فيه من تفاصيل المعارف الاعتقادية والشرائع العملية ، فان ذلك هو الّذي اُوتي العلمُ به بعد النبوة والوحي ، والمراد من عدم درايته الإيمان عدم تلبسه

__________________

١ ـ البقرة : ٢٨٥.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٨٨ و ٨٩.

٣ ـ مفاتيح الغيب : ج ٧ ، ص ٤١٠.

٣٠٧

بالالتزام التفصيلي بالعقائد الحقة والأعمال الصالحة ، وقد سمّي العمل ايماناً في قوله تعالى : «وَمَا كانَ اللّه لِيُضيعَ إيمانَكُمْ »(١) والمراد الصلوات الّتي اتى بها المؤمنون إلى بيت المقدس قبل النسخ وتحويل القبلة ، والمعنى ما كان عندك قبل وحي الروح علمُ الكتاب بما فيه من المعارف والشرائع ولا كنت متلبساً به ما انت متلبس به بعد الوحي من الالتزام التفصيلي والاعتقادي وهذا لا ينافي كونه مؤمناً باللّه ، موحداً قبل البعثة صالحاً في عمله ، فان الّذي تنفيه الآية هو العلم بتفاصيل ما في الكتاب والالتزام بها اعتقاداً وعملا ، لا نفي العلم والالتزام الاجماليين بالايمان باللّه ، والخضوع للحق(٢) .

الآية الرابعة : عدم رجائه إلقاء الكتاب اليه

قال تعالى : «وَمَا كُنْتَ تَرْجُوا أن يُلْقى إلَيْكَ الْكِتابُ إلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهيراً لِلْكافِرين »(٣) .

استدلّوا بأن ظاهر الآية نفيُ علمه بالقاء الكتاب إليه ، فلم يكن النبيُ راجياً لذلك واقفاً عليه.

أقول : ان توضيح مفاد هذه الآية يتوقف على إمعان النظر في الجملة الاستثنائية اعني قوله : « الاّ رحمة مِنْ ربّك » حتّى يتضح المقصود ، وقد ذكر المفسرون في توضيحها وجوها ثلاثة نأتي بها :

١ ـ إن « إلاّ » استدراكية ، وليست استثنائية فهي بمعنى « لكنَّ » لاستدراك مابقي من المقصود ، وحاصل معنى الآية : « ما كنت يا محمَّد ترجو فيما مضى أن يوحي اللّه إليك ويشرّفك بإنزال القرآن عليك ، إلاّ أن ربّك رحمك ، وانعم به عليك واراد بك الخير » نظير قوله سبحانه : «وما كنْتَ بِجانِب الطُّور إذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمةً مِنْ رَبِّك »(٤) اي ولكن رحمة من ربك خصّصك به وهذا هو المنقول

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ الميزان : ج ١٨ ص ٨٠.

٣ ـ القصص : ٨٦.

٤ ـ القصص : ٤٦.

٣٠٨

عن الفراء(١) .

وعلى هذا لم يكن للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اي رجاء لالقاء الكتاب إليه ، وانما فاجأه الالقاء لأجل رحمة ربه.

ولكن لا يصار إلى هذا الوجه إلاّ إذا امتنع كون الاستثناء متصلا لكون الانقطاع على خلاف الظاهر.

٢ ـ ان يكون « إلاّ » للاستثناء لا للاستدراك وهو متصل لا منقطع ، ولكن المستثنى منه جملة محذوفة معلومة من سياق الكلام ، وهو كما في الكشاف : « وما القى اليك الكتاب إلاّ رحمة من ربك »(٢) اي لم يكن لالقائه عليك وجهٌ إلاّ رحمة ربك ، وعلى هذا الوجه ايضاً لا يُعلَم انه كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجاء لالقاء الكتاب عليه وان كان الاستثناء متصلا.

وهذا الوجه بعيد أيضاً لكون المستثنى منه ، محذوفاً مفهوماً من الجملة على خلاف الظاهر وانما يصار إليه إذا لم يصحّ ارجاعُه إلى نفس الجملة الواردة في نفس الآية كما سيبيَّن في الوجه الثالث.

٣ ـ أن يكون « إلاّ » استثناء من الجملة السابقة عليه اعني قوله : « وما كنت ترجو » ويكون معناه : ما كنت ترجو القاء الكتاب عليك إلاّ أن يرحمك اللّه برحمة فينعم عليك بذلك ، فتكون النتيجة : ما كنت ترجو إلاّ على هذا(٣) .

فيكون هنا رجاء منفياً ، ورجاء مثبتاً ، أما الأول فهو رجاؤه بحادثة نزول الكتاب على نسج رجائه بالحوادث العادية ، فلم يكن ذاك الرجاء موجوداً.

واما رجاؤه به عن طريق الرحمة الالهية فكان موجوداً فنفيُ أحد الرجائين لا يستلزم نفي الآخر ، بل المنفيّ هو الأول ، والثابت هو الثاني وهذا الوجه هو الظاهر المتبادر من الآية.

وقد سبق منّا أن جملة « ما كنت » وما اشبهه تستَعمل في نفي الامكان ،

__________________

١ ـ مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٢٩٦ ، مفاتيح الغيب : ج ٦ ، ص ٤٠٨.

٢ ـ الكشاف : ج ٢ ، ص ٤٨٧ و ٤٨٨.

٣ ـ مفاتيح الغيب : ج ٦ ، ص ٤٩٨.

٣٠٩

والشأن ، وعلى ذلك يكون معنى الجملة : لم تكن راجياً لأن يلقى اليك الكتاب ، وتكون طرفاً للوحي ، والخطاب الاّ من جهة خاصة ، وهي أن تقع في مظلة رحمته وموضع عنايته ، فيختارك طرفا لوحيه ، ومخاطباً لكلامه ، فالنبي بما هو انسان عادي لم يكن راجياً لأن ينزل إليه الوحيُ ، ويلقى إليه الكتاب ، وبما انه صار مشمولا لرحمته وعنايته ، وصار انساناً مثالياً ، قابلا لتحمل المسؤولية ، وتربية الاُمة ، كان راجياً به ، وعلى ذلك فالنفي والاثبات غير واردين على موضع واحد.

وبهذا خرجنا بفضل هذا البحث الضافي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إنساناً مؤمناً موحّداً عابداً للّه ساجداً قائماً بالفرائض العقلية والشرعية مجتنباً عن المحرمات عالماً بالكتاب ومؤمناً به إجمالا وراجياً لنزوله إليه إلى أن بعث لانقاذ البشرية عن الجهل ، وسوقها إلى الكمال.

الآية الخامسة : لو لم يشأ ما تلوته

قال سبحانه : «قُلْ لَوْ شاء اللّه ما تَلَوتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا ادْريكُمْ بِه فَقدْ لِبثتُ فيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبلِه أفلاَ تَعْقِلُون »(١) ، والآية تؤكد أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لابثاً في قومه ، ولم يكن تالياً لسورة من سور القرآن ، أو آية من آياته وليس هذا شيء ينكره القائلون بالعصمة ، فقد اتفقت كلمتهم على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف على ما وقف عليه من آي الذكر الحكيم من جانب الوحي ، ولم يكن قبله عالماً به واين هذا من قول المخطئة من نفي الايمان منه قبلها.

وان اردت الاسهاب في تفسيرها فلاحظ الآية المتقدمة ، فترى فيها اقتراحين للمشركين وقد اجاب القرآن عن أحدهما في الآية المتقدمة وعن الآخر في نفس هذه الآية واليك نصّها : «قالَ الَّذينَ لا يَرجُونَ لِقاءنا ائتِ بِقُرْآن غير هَذا أوْ بَدّلْهُ قُلْ مَا يكُونُ لِي أنْ اُبَدلَهُ مِنْ تِلقاء نفسي إنْ أتَّبعُ إلا ما يُوحى اليَّ إنِّي أخافُ إنْ عَصيْتُ ربِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ »(٢) .

__________________

١ ـ يونس : ١٦.

٢ ـ يونس : ١٥.

٣١٠

اقترح المشركون على النبي أحد الأمرين :

١ ـ الإتيان بقرآن غير هذا مع التحفظ على فصاحته وبلاغته.

٢ ـ تبديل بعض آياته مما فيه سبٌّ لآلهتهم وتنديدٌ بعبادتهم للاوثان والاصنام.

فأجابَ عن الثاني في نفس الآية بان التبديل عصيان للّه ، وانه يخافُ من مخالفة ربه ، ولا محيص له إلاّ إتباعُ الوحي من دون أنْ يزيدَ فيه أو ينقص عنه.

واجاب عن الأول في الآية المبحوث عنها بان ذلك أمر غير ممكن لأن القرآن ليس من صنعي وكلامي حتّى أذهب به وآتي بآخر ، بل هو كلام اللّه سبحانه وقد تعلقت مشيئته بتلاوتي ، ولو لم يشأ لما تلوته عليكم ولا ادراكُمْ به ، والدليل على ذلك أني كنت لابثاً فيكم عُمُراً من قبل فما تكلمت بسورة أو بآية من آياته ، ولو كان القرآن كلامي لبادرت إلى التكلم به ، ايام معاشرتي السابقة معكم في المدة الطويلة ، المديدة.

قال العلامة الطباطبائي في تفسير الآية : إن الأمر فيه إلى مشيئة اللّه لا إلى مشيئتي ، فانما أنا رسول ولو شاء اللّه ان ينزل قرآناً غير هذا لأنزل ، أو لم يشأ تلاوة هذا القرآنُ تلوتُه عليكم ، ولا أدراكم به فاني مكثت عُمُراً من قبل نزوله ، ولو كان ذلك اليّ وبيدي لبادرتُ إليه قبل ذلك وبدت من ذلك آثار ولاحت لوائحه(١) .

فكيف يمكنُ والحال هذه أن يكون مجانبا للإيمان باللّه وتوحيده ، لاهياً عن عبادته وتقديسه.

هذا وفي هذا المجال حديث واسع اكتفَيْنا مِنه بهذا القدر ، ومن أراد التوسع أن يراجع الجزء الخامس من مفاهيم القرآن ص ١٣٥ ـ ١٩١.

وأما الكلام في الجهة الثانية وهي : أنه بماذا وبأيّ دين كان يتعبَّدُ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة ، فقد وقع ذلك محطاً للبحث بين العلماء ، وحيث انه لا ينطوي على فائدة كبرى ، بعد أن تبين أنه كان قبل البعثة

__________________

١ ـ الميزان : ج ١٠ ، ص ٢٦ ، ولاحظ المنار : ج ١١ ، ص ٣٢٠.

٣١١

مؤمناً ، موحّداً ، يعبُد اللّه ، فإنّه يكفي أن نعرف أنه كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلتزم بما ثبت له أنه شرع اللّه تعالى وبما يؤدّي إليه عقله الفطري السليم ، وأنه بالتالي كان مؤيداً مسدّداً ، وأنه كان أفضل الخلق واكمَلَهم خَلقاً ، وخلقاً ، وعقلا ، وانه كان يعمل حسب ما يُلهَم سواء اكان مطابقاً لشرع ما قبله أم مخالفاً وأن هاديه وقائده منذ صباه إلى ان بعث هو نفس هاديه بعد البعثة(١) .

__________________

١ ـ وللتوسّع والوقوف على الآراء المختلفة في هذا المجال راجع الجزء الخامس من مفاهيم القرآن : ص ١٣٥ ـ ١٩١.

٣١٢

١١

بدء الوَحْي

انَّ التاريخَ الإسلامي يبدأ في الحقيقة من يوم بعثة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ، والّتي وقعت على أثره حوادث خاصة.

ويوم بُعثِ النبيُ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهداية الناس ، ودوّى في سمعه الشريف نداء « إنك لرسول اللّه » الصادر عن ملاك الوحي اُلقيَت على كاهله مسؤولية كبرى وثقيلة جداً ، على نمط الوظيفة الهامة الّتي اُلقيت على كاهل من سبقه من الانبياء والرسل صلوات اللّه عليهم أجمعين.

منذ ذلك اليوم اتضح هدف أمين قريش ، أكثر فأكثر ، وتجلت خطته اكثر فأكثر.

ونحن نرى من اللازم قبل شرح الحوادث الاُولى الواقعة عند البعثة ان نعطي بعض الايضاحات حول مسألتين :

١ ـ وجوبُ بعث الانبياء.

٢ ـ دورُ الانبياء في اصلاح المجتمع.

لقد أودعَ اللّه تعالى في كيان كُلّ كائن من الكائنات أدوات تكامله ، وجهّزه ـ لسلوك هذا الطريق ـ بالوسائل المتنوعة ، والأجهزة المختلفة اللازمة.

ولنأخذ مثلا : نبتة صغيرة ، فان ثمة عوامل كثيرة تتفاعل في ما بينها وتعمل

٣١٣

لتحقيق التكامل فيها.

ان جذور كل نبتة تعمل اكبر قدر ممكن لامتصاص العناصر الغذائية ، وتلبية احتياجات النبتة ، وتوصل العروق والقنوات المختلفة ، عصارة ما تأخذه من الارض إلى جميع الاغصان والاوراق.

إننا لو درسنا جهاز ( وردة ) لرأيناه اكثر مدعاة للاعجاب وأشد اثارة للتعجب من تركيب بقية النباتات.

فللكأس وظيفة توفير الغطاء اللازم للاوراق الناعمة اللطيفة في الوردة.

وهكذا الحال بالنسبة إلى بقية الأجهزة في ( الوردة ) ممّا اُنيط إليها مسؤولية الحفاظ على كائن حيّ ، وضمان رشده ونموّه ، فإنها جميعاً تقوم بوظائفها المخلوقة لها بأحسن شكل ، وأفضل صورة.

ولو أننا خطونا خطوات اكثر وتقدّمنا بعض الشيء لدراسة الأجهزة العجيبة في عالم الأَحياء ، لرأينا أنها جميعاً وبدون استثناء مُزوّدة بما يضمن بلوغها إلى مرحلة الكمال المطلوب لها.

وإذا أردنا أن نصبّ هذا الموضوع في قالب علميّ لوجب أن نقول : انّ الهداية التكوينية ، الّتي هي النعمة المتجلّية في عالم الطبيعة ، تشمل كل موجودات هذا العالم من نبات ، وحيوان وانسان.

ويبيّن القرآن الكريم هذه الهداية التكوينية الشاملة بقوله : «رَبّنا الَّذي أعطى كُلَّ شيء خَلْقَه ثُمَّ هَدى »(١) .

فانّه يصرّح بأن كل شيء في هذا الكون من الذرة إلى المجرَّة ينعم بهذا الفيض العامّ ، وانَّ اللّه تعالى بعد أن قَدَّر كلَ موجود وكائن ، بيّن له طريق تكامله ، ورُقيّه ، وهيأ لكل كائن مِن تلك الكائنات ما يحتاج إليه في تربيته ونموه ، وهذه هي ( الهداية التكوينية العامة ) السائدة على كل ارجاء الخليقة دونما استثناء.

__________________

١ ـ طه : ٥٠.

٣١٤

ولكن هل تكفي هذه الهداية الفطرية ، التكوينية لكائن مثل الإنسان ، اشرف الموجودات ، وافضل ما في هذه الخليقة؟!

بكل تأكيد : لا.

لأن للإنسان حياة اخرى غير الحياة المادية ، تشكل اساس حياته الواقعية ، ولو كان للإنسان حياة مادية جافّة فقط مثلما لعالم النباتات ، والحيوانات ، لكفت العواملُ والعناصرُ المادية في تكامله ، والحال أن للإنسان نوعين من الحياة ، يكمن في تكاملهما معاً رمز سعادة الإنسان ورقيّه.

ان الإنسان الأول ، ونعني به انسان الكهوف والحياة البسيطة والفطرة السليمة الّتي لم يطرأ على جبلته اي إعوجاج لم يكن بحاجة إلى ما يحتاج إليه الإنسان الإجتماعيّ من التربية والهداية.

ولكن عندما خطى الإنسانُ خطوات أبعد من ذلك ، وبدأ الحياة الاجتماعية ، وسادت على حياته فكرة التعاون والعمل الجماعي برزت في روحه ونفسيته سلسلة من الانحرافات نتيجة للاحتكاك الاجتماعي ، وغيّرت الخصال القبيحة والافكار الخاطئة صفاتِه الفطرية ، وبالتالي اخرج المجتمع من حالة التوازن!

إن هذه الانحرافات حملت خالقَ الكون على أن يرسل إلى البشرية رجالا أفذاذاً صالحين يتولّون تربية البشر ، وليقوموا بتنظيم برنامج المجتمع ، والتخفيف من المفاسد الناشئة ـ بصورة مباشرة ـ عن النزعة الاجتماعية لدى الإنسان ، وليضيئوا ـ بمشاعل الوحي المشعّة المنيرة ـ طريق السعادة والخير للانسانية في جميع المجالات والابعاد.

إذ لا نقاش في أنَّ الحياة الاجتماعية والعيش بصورة جماعية مع كونه مفيداً ، ينطوي على مفاسد لا تُنكر ، ويجرّ إلى انحرافات كثيرة لا تقبل الترديد.

ولهذا بعث اللّه سبحانه رجالا مصلحين ، وهداة مرشدين يعملون ـ قدر الامكان ـ على الحدّ من الانحرافات والمفاسد ، ويضعون عجلة المجتمع ـ بتنظيم القوانين الواضحة والانظمة الحكيمة ـ على الطريق الصحيح ، ويضمنون دورانها

٣١٥

وحركتها في المسار المستقيم.

وقد يُستفاد هذا الامر ـ بوضوح ـ من قوله تعالى : «كانَ النّاس امَّة واحِدَةً فَبَعَث اللّه النَّبيِّين مُبشِّرينَ وَمُنذِرين وأنزلَ مَعهُمُ الْكِتابَ بِالحقِّ لِيَحكُم بَين النّاس في مَا اختَلَفُوا فيه »(١) .

دَور الانبياء في اصلاح المجتمع :

ان الّذي يتصوره الناس عادة هو أنّ الانبياء مجرد معلّمين إلهيين بُعِثوا لتعليم البشرية.

فكما يتعلم الطفل خلال حركته التعليمية ابتداء من الابتدائية ومروراً بالمتوسطة وانتهاء بالجامعة دروساً معينة ومواضيع خاصة على ايدي الاساتذة والمعلمين ، كذلك يتعلم الناس في مدرسة الانبياء اُموراً خاصة ، ويكتسبون معارف معينة ، وتتكامل أخلاقهم وصفاتهم وخصالهم الاجتماعية جنباً إلى جنب مع اكتسابهم المعرفة والعلم على أيدي الأنبياء والمرسلين.

ولكننا نتصور ان مهمة الانبياء ووظيفتهم الاسياسية هي ( تربية ) المجتمعات البشرية لا تعليمها ، وان اساس شريعتهم لا ينطوي على كلام جديد ، وانه ما لم تنحرف الفطرة البشرية عن مسارها الصحيح ، وما لم تلفها غشاوات الجهل والغفلة لعرفت وادركت خلاصة الدين الالهي ، وعصارتها ، في غير ابهام ، ولا خفاء.

على أن هذه الحقيقة قد أشار اليها قادة الإسلام العظماء.

فقد قال اميرالمؤمنينعليه‌السلام في نهج البلاغة عن هدف الانبياء :

« أخذَ عَلى الوَحي ميثاقهم ، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لِيَستأدُوهم ميثاق فِطرتِه ، وَيُذكرُوهم مَنْسيَّ نِعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتَبليغ ، ويُثيروا لهم دفائنَ العُقول »(٢) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢١٣.

٢ ـ نهج البلاغة : قسم الخطب ، الخطبة رقم ١.

٣١٦

مثالٌ واضح في المقام :

إذا قلنا : ان وظيفة الانبياء في تربية الناس واصلاح نفوسهم هي وظيفة البستاني في تربية شجيرة من الشجرات ، أو قلنا : أن مَثَل الأنبياء في قيادة التوجّهات الفطرية البشرية وهدايتها ، مثل المهندس الذي يستخرج المعادن الثمينة من بطون الاودية والجبال ، لم نكن في هذا القول مبالغين.

وتوضيح ذلك ان النبتة ، أو الشجيرة الصغيرة تحمل من بداية انعقاد حبتها الاُولى كل قابليات النمو ، والرشد ، فاذا توفَر لها الجوُ المناسب للنمو ، دبّت الحياة والحركة في كل أجزائها ، واستطاعت بفعل جذورها القوية واجهزتها المتنوعة وفي الهواء الطلق ، والضوء اللازم ، من أن تقطع أشواطاً كبيرة من التكامل ، والنمو.

فمسؤولية البستاني في هذه الحالة تتركز في امرين :

١ ـ توفير الظروف اللازمة لتوقية جذور تلك النبتة لكي تظهر القوى المودعة في تلك النبتة أو الشجيرة ، وتخرج من حيّز القوة إلى مرحلة الفعلية ، والتحقق.

٢ ـ الحيلولة دون تعرض تلك الشجرة أو النبتة للانحرافات والآفات ، وذلك عندما تتجه القوى الباطنية صوب الوجهة المخالفة لسعادتها ، وتسلك طريقاً ينافي تكاملها.

ومن هنا فان مسؤولية البستاني ووظيفته ليست هي ( الإنماء ) بل هي ( المراقبة ) وتوفير الظروف اللازمة ليتهيّأ لتلك الشجرة والنبتة أن تبرز كمالها الباطني.

لقد خلق اللّه سبحانه البشرَ وأودع في كيانه طاقات متنوعة ، وغرائز كثيرة ، وعجن فطرته وجبلَّته بالتوحيد ، وحبّ معرفة اللّه ، وحبّ الحق والخير ، والعدل والانصاف ، كما وأودع فيه غريزة السعي والعمل.

وعندما تبدأ خمائر هذه الامور وبذورها الصالحة المودوعة بالعمل والتفاعل في كيان الإنسان تتعرض في الجو الاجتماعي لِبعض الانحرافات بصورة قهرية ،

٣١٧

فغريزة العمل والسعي تتخذ شيئاً فشيئاً صفة الحرص والطمع ، وغريزة حب السعادة والبقاء تتخذ صورة الانانية ، وحب الجاه والمنصب ، ويتجلى نور التوحيد والإيمان في لباس الوثنية وعبادة الأصنام.

في هذه الحالة يعمل سفراء اللّه إلى البشرية : ( الانبياء والرسل ) على توفير ظروف الرشد والنمو الصحيح لتلك الغرائز وتلك القوى والطاقات في ضوء الوحي ، والبرامج الصحيحة المستلهمة من ذلك المنبع الالهي الهادي ، ويقومون بالتالي بتعديل انحرافات الغرائز ، والوقوف دون تجاوزها حدودها المعقولة المطلوبة.

ولقد قال اميرالمؤمنين في ما مرّ من كلامه : إن اللّه أخذ ـ في مبدأ الخلق ـ ميثاقاً يدعى « ميثاق الفطرة ».

فما هو ترى المقصود من ميثاق الفطرة هذا؟

إن المقصود من هذا الميثاق هو : أن اللّه تعالى بخلقه وايداعه الغرائز المفيدة في الكيان الإنساني ، وبمزج الفطرة البشرية بعشرات الأخلاق الطيبة والسجايا الصالحة يكون قد أخذ من الإنسان ميثاقاً فطرياً بأن يتبع خصال الخير ، ويأخذ بالغرائز الطيبّة الصالحة.

فاذا كان منح جهاز البصر ( العين ) للإنسان هو نوع من اخذ الميثاق من الإنسان بان يتجنب المزالق ، ولا يقع في البئر ، فكذلك ايداع حسّ التدين ، وغريزة الانجذاب إلى اللّه ، وحبّ العدل ، في كيانه هو الآخر نوع من اخذ الميثاق منه بأن يظل مؤمناً باللّه ، موحّداً إياه ، عادلا ، منصفاً محباً للخير والحق.

وإن وظيفة الأنبياء هي أن يحملوا الناس على العمل بمقتضي ميثاق الفطرة ، وبالتالي فانَّ مهمّتهم الأساسية الحقيقية هو تمزيق اغشية الجهل وتبديد سحب الغفلة الّتي قدترين على جوهرة الفطرة المطعمة بنور الايمان ، فتمنعها من الاشراق على وجود الإنسان ، وتحرمُ الإنسان من هدايتها.

ومن هنا قالوا : إن اساس الشرائع الالهية يتالف من الامور الفطرية ، الّتي فطر الإنسان عليها.

٣١٨

وكأن صرح الكيان الإنساني ( جَبَلٌ ) اختفت بين ثنايا صخوره وفي بطونه احجار كريمة كثيرة ومعادن ذهبية ثمينة ، فالوجود الإنساني هو الآخر قد اُودعَت فيه فضائل وعلوم ، ومعارف وخصال ، واخلاق متنوعة.

فعندما يغورُ الانبياء والمهندسون الروحيّون في أعماق نفوسنا وذواتنا وهم يعلمون جيداً أن نفوسنا معجونة بطائفة من الصفات والسجايا النبيلة والمشاعر والاحاسيس الطيبة ، ويعملون على اعادة نفوسنا ـ بتعاليم الدين وبرامجه ـ إلى جادة الفطرة المستقيمة السليمة فانهم في الحقيقة يذكّروننا بأحكام فطرتنا ، ويُسمّعوننا نداء ضمائرنا ، ويلفتونها إلى الصفات ، وإلى الشخصية المودوعة فيها.

تلك هي رسالة الانبياء ، وذلك هو عملهم الاساسي ، وهذا هو دورهم في اصلاح النوع الإنساني ، أفراداً وجماعات.

أمين قريش في غار حراء :

يقع جبل « حِراء » في شمال « مكة » ويستغرق الصعود إلى غار حراء مدة نصف ساعة من الزمان.

ويتالف ظاهر هذا الجبل. من قطع صخرية سوداء ، لا يُرى فيها أيُّ أثر للحياة أبداً.

ويوجد في النقطة الشمالية من هذا الجبل غار يمكن للمرء أن يصل إليه ولكن عبر تلك الصخور ، ويرتفع سقف هذا الغار قامة رجل ، وبيمنا تضيء الشمس قسماً منه ، تغرق نواح اُخرى منه في ظلمة دائمة.

ولكن هذا الغار يحمل في رحابه ذكريات كثيرة عن صاحب له طالما تردّد عليه ، وقضى ساعات بل وأياماً وأشهراً في رحابه ذكريات يتشوق الناس ـ وحتّى هذه الساعة ـ إلى سماعها من ذلك الغار ، ولذلك تجدهم يسارعون إلى لقائه كلّما زاروا تلك الديار ، متحملين في هذا السبيل كل عناء ، للوصول إلى رحابه ، لكي يستفسرونه عما جرى فيه عند وقوع حادثة : « الوحي » العظيمة وليسألونه عن ما تحتفظ به ذاكرته من تاريخ رسول الإنسانية الاكبر ممّا جرت

٣١٩

حوادثه في ذلك المكان التاريخي ، العجيب.

ويتحدث ذلك الغار هو الآخر اليهم بلسان الحال ويقول : هاهنا المكان الّذي كان يتعبد فيه عزيز قريش وفتاها الصادق الامين.

وهاهنا قضى ليالي وأياماً عديدة وطويلة قبل ان يبلغ مرتبة الرسالة ، في عبادة اللّه ، والتأمل في الكون ، وفي آثار قدرة اللّه وعظمته.

أجل ، لقد اختار محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك المكان البعيد عن ضجيج الحياة ، للعبادة والتحنث ، فكان يمضي جميع الايام من شهر رمضان فيه ، وربما لجا إليه في غير هذا الشهر أحياناً اخرى ، إلى درجة أنّ زوجته الوفيّة كانت إذا لم يرجع إلى منزلها ، تعرفُ أنه قد ذهب إلى « غار حراء » وأنه هناك مشتغل بالعبادة والتحنث والاعتكاف ، وكانت كلّما أرسلَتْ إليه أحداً وجده في ذلك المكان مستغرقاً في التأمل والتفكير ، أو مشتغلا بالعبادة والتحنث.

لقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبلغ مقام النبوة ، ويُبْعَث بالرسالة يفكر ـ اكثر شيء في أمرين :

١ ـ كان يفكر في ملكوت السماوات والارض ، ويرى في ملامح كل واحد من الكائنات الّتي يشاهدها نور الخالق العظيم ، وقدرته ، وعظمته وعلمه ، وقد كانت تفتح عليه من هذا السبيل نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور الالهيّ المقدس.

٢ ـ كان يفكر في المسؤولية الثقيلة الّتي ستوضع على كاهله.

إن اصلاح المجتمع في ذلك اليوم على ما كان عليه من فساد عريق وانحطاط عريض ، لم يكن في نظره وتقديره بالامر المحال الممتنع. ولكن تطبيق مثل هذا البرنامج الاصلاحيّ لم يكن في نفس الوقت أمراً خالياً من العناء والمشاكل ، من هنا كان يفكر طويلا في الفساد في حياة المجتمع المكّي وما يراه من ترف قريش ، وكيفيّة رفع كل ذلك واصلاحه.

لقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزيناً لما يرى من قومه من فساد العقيدة المتمثل في الخضوع للأوثان الميتة ، والعبادة للأصنام الخاوية الباطلة ، ولطالما

٣٢٠

أقوى لما يأتي ، والثاني : المنع عملاً بالبراءة.

مسألة ٣٤٥ : لو نسي الجهر والإِخفات حتى فرغ من القراءة مضى في صلاته‌ ولا يستأنف القراءة وإن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به وهو القراءة ، والكيفية لا تجب مع النسيان لأنه عذر ، ولقول الباقرعليه‌السلام وقد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإِخفات فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه وقرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال : « إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه »(١) ولأنه لو ترك أصل القراءة ناسياً صحت صلاته فالكيفية أولى.

وهل يسجد له؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب بناءً على أن كل سهو يلحق الإِنسان يجب فيه السجدتان على ما يأتي.

والثاني : المنع لأن قول الباقرعليه‌السلام : « لا شي‌ء عليه »(٢) يقتضي نفي السجود.

وبالأول قال مالك(٣) لقولهعليه‌السلام : ( لكل سهو سجدتان )(٤) وبالثاني قال الشافعي ، والأوزاعي(٥) لأن أنساً جهر في العصر فلم يسجد له(٦) ، ولأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.

ولا حجة في فعل أنس مع أنها شهادة نفي ، ونمنع الجامع لأنه عندنا‌

____________________

(١و٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ - ٥٧٧.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٤٠ ، القوانين الفقهية : ٧٧ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ / ١٢١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٢٨٠.

(٥) المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٦) المغني ١ : ٧٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

٣٢١

واجب ، وعن أحمد روايتان كهذين(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كان إماماً سجد(٢) . ونقل عنه إن أسرّ المصلي بما يجهر فلا سجود عليه وإن جهر بما يسرّ فعليه سجود السهو(٣) . ثم اختلفوا في قدره فمنهم من اعتبر أن يجهر بقدر ثلاث آيات ، ومنهم من اعتبر الجهر بآية(٤) ، ونقل أبو إسحاق عن الشافعي أنه يسجد لكل مسنون تركه في الصلاة سواء كان ذِكراً أو عملاً(٥) .

مسألة ٣٤٦ : لو سها عن الذكر في الركوع أو السجود فإن كان بعد لم يرفع رأسه سبّح ، وإن كان قد رفع مضى في صلاته‌ لما تقدم ، ولقول عليعليه‌السلام وقد سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسياً ، قال : « تمت صلاته »(٦) وسئل الكاظمعليه‌السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده قال : « لا بأس بذلك »(٧) .

وهل يسجد للسهو؟ لعلمائنا قولان ، وقال الشافعي : لا يسجد فيها للسهو لأنها ليست أركانا مقصودة بل هيئات لها ؛ وبه قال أبو حنيفة أيضا(٨) .

مسألة ٣٤٧ : لو ترك الطمأنينة في الركوع ، أو الرفع منه ، أو في إحدى السجدتين ، أو في الرفع من الاُولى ، أو في إكماله ، أو في الرفع من الركوع ، أو في الجلوس للتشهد ، أو ترك عضواً من السبعة لم يسجد عليه فما زاد‌

____________________

(١) المغني ١ : ٧١٩ - ٧٢٠ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢ ، اللباب ١ : ٩٥ ، الكفاية ١ : ٤٤٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٤ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥.

(٥) حكاه الرافعي في فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٤.

(٨) الأم ١ : ١١٥ ، المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٦.

٣٢٢

سهوا ، فإن كان في محله أتى به ، وإن انتقل لم يلتفت لأنه عذر في الأفعال فكذا في كيفياتها.

مسألة ٣٤٨ : لا حكم للسهو في السهو‌ لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانياً ، فلا ينفك عن التدارك وهو حرج فيكون منفياً ، ولأنه شرّع لإِزالة حكم السهو فلا يكون سبباً لزيادته ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على السهو سهو ، ولا على الإِعادة إعادة »(١) .

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال : إن استيقن أنه سها وشك هل سجد للسهو أم لا ، يسجد لأن الأصل أنه لم يسجد ، وكذا إذا سجد وشك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه يأتي بسجدة اُخرى ، والنفل أولى(٢) .

أما لو شك هل سها أم لا فإنه لا يلتفت ولا شي‌ء عليه لأن الأصل عدم السهو سواء كان في الزيادة أو النقصان.

وقال الشافعي : إن كان في الزيادة مثل أن شك هل زاد في الصلاة سهواً أم لا ، أو هل جرى في صلاته ما يقتضي سجوداً أم لا فإنه لا سهو فيه ولا سجود عليه. وإن كان في النقصان فإن كان قد شك في نقصان فعل واجب كسجود وغيره أتى به وسجد للسهو. وإن كان في مسنون يسجد له كالتشهد الأول أو القنوت فإنه يسجد له لأن الأصل عدمه(٣) .

مسألة ٣٤٩ : ولا سهو على من كثر سهوه وتواتر‌ بل يبني على وقوع ما شك فيه ، ولا يسجد للسهو فيه لما في وجوب تداركه من الحرج ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك »(٤) وقول الباقر عليه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

(٢) الأم ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٣.

٣٢٣

السلام : إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو الشيطان »(١) .

إذا عرفت هذا فالمرجع إلى العرف في حدّ الكثرة إذ عادة الشرع ردّ الناس إلى عرفهم فيما لم ينص عليه.

وقال بعض علمائنا : حدُّه أن يسهو في شي‌ء واحد ، أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، أو يسهو في أكثر الصلوات الخمس كالثلاث فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة(٢) .

قال الشيخ في المبسوط : قيل : إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية(٣) .

مسألة ٣٥٠ : ولا سهو على المأموم إذا حفظ عليه الإِمام ، وبالعكس‌ عملاً بأصالة البراءة ، ولقولهعليه‌السلام : ( ليس على من خلف الإِمام سهو )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الرضاعليه‌السلام : « الإِمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الافتتاح »(٥) وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على من خلف الإِمام سهو »(٦) .

ولو اختص المأموم بالسهو فإن كان بالزيادة مثل أن يتكلم ناسياً أو يقوم في موضع قعود الإِمام ناسياً أو بالعكس كان وجود سهوه كعدمه ، ولا شي‌ء‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٤.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر : ٥٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٢.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٥ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

٣٢٤

عليه عملاً بالأحاديث السابقة - وهو قول الجمهور كافة(١) - لأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يأمره بالسجود(٢) ، إلّا ما نقل عن مكحول : أنه قام مع قعود إمامه فسجد للسهو(٣) . ولا عبرة بخلافه مع انقراضه.

وإن كان بالنقصان فإن كان في محلّه أتى به لأنه مخاطب بفعله ولم يحصل فيبقى في العهدة ، وإن تجاوز المحل فإن كان ركناً بطلت صلاته كما لو سها عن الركوع وذكر بعد سجوده مع الإِمام ، وإن لم يكن ركناً كالسجدة قضاها بعد التسليم.

ولو كان مما لا يقضى كالذكر في السجود ، أو الركوع فلا سجود للسهو فيه عملاً بما تقدم من الأخبار ، ولو قيل : بوجوب السجود في كلّ موضع يسجد للسهو فيه كان وجهاً لقول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس على الإِمام ضمان »(٤) .

مسألة ٣٥١ : لو انفرد الإِمام بالسهو لم يجب على المأموم متابعته‌ لأن المقتضي للسجود - وهو السهو - منتف عنه فينتفي معلوله.

وقال الشيخ : يجب على المأموم(٥) - وهو قول الجمهور كافة - لقوله‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٤ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، الميزان ١ : ١٦١ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٧.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٤ - ١٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ / ٩٣٠ و ٢٤٥ / ٩٣١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ ، مسند الطيالسي : ١٥٠ / ١١٠٥.

(٣) المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٨ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ / ١٦٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣ - ١٢٤.

٣٢٥

عليه‌السلام : ( ليس على من خلف الإِمام سهو ، فإن سها الإِمام فعليه وعلى من خلفه )(١) ولأن صلاة المأموم تابعه لصلاة الإِمام ، وإنما يتم صلاة الإِمام بالسجود للسهو ، ونمنع الحديث ، ونمنع التبعية كما لو انفرد بما يوجب الإِعادة.

أما لو اشترك السهو بين الإِمام والمأموم فإنهما يشتركان في موجبه قطعاً لوجود المقتضي في حق كل منهما.

فروع :

أ - لو اختص الإِمام بالسهو فلم يسجد له لم يسجد له المأموم‌ - وبه قال أبو حنيفة ، وإبراهيم النخعي ، وحماد ، والمزني ، وأحمد في رواية(٢) - لأنه لم يسه ولم يسجد إمامه فيتابعه.

وقال الشافعي : يسجد المأموم - وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو ثور ، وأحمد في رواية(٣) - لأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإِمام كما تكمل بكمالها فإذا لم يجبرها الإِمام جبرها المأموم. ونمنع المقدمة الاُولى.

ب - لو اشترك السهو بينهما فإن سجد الإِمام تبعه المأموم‌ بنية الائتمام أو الانفراد إن شاء ، ولو لم يسجد الإمام سجد المأموم وبالعكس.

ج - لو سها الإِمام لم يجب على المسبوق بعده متابعته في سجود‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥ ، الكفاية ١ : ٤٤٢ ، شرح العناية ١ : ٤٤٢ ، اللباب ١ : ٩٦ ، المغني ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١ ، المجموع ٤ : ١٤٥ و ١٤٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٥ و ١٤٦ - ١٤٧ ، الوجيز ١ : ٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٣٩ ، أقرب المسالك : ٢١ ، المغني ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١.

٣٢٦

السهو لعدم الموجب في حقه سواء قلنا : إنَّ السجود قبل التسليم ، أو بعده بل ينوي المأموم الانفراد ويسلم ، وإن شاء انتظر إمامه ليسلم معه - وبه قال ابن سيرين(١) - لأن هذا ليس موضع سجود السهو في حق المأموم.

وقال الجمهور كافة : يتابعه المأموم(٢) لقولهعليه‌السلام : ( إنما جعل الإِمام إماماً ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا )(٣) ويحمل على سجود الصلاة.

فإن سلم الإِمام ثم سجد لم يتابعه المأموم بل قام فأتم صلاته - وبه قال الشافعي(٤) - خلافاً لأبي حنيفة لأن عنده الإِمام يسجد بعد السلام ويعود إلى حكم صلاته فيتابعه فيه(٥) .

إذا عرفت هذا فإذا قضى المسبوق ما بقي عليه لم يسجد للسهو عندنا لاختصاص الإِمام بموجبه - وهو القديم للشافعي(٦) - لأن سجود الإِمام قد كملت به الصلاة في حق الإِمام والمأموم فلا حاجة به إلى السجود كما لو سها المأموم فإنه لا يسجد لأن كمال صلاة الإمام أغناه عن تكميل صلاته بالسجود.

وفي الجديد : أنه يسجد في آخر صلاته لأنه قد لزمه حكم سهو الإِمام‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٦ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٧٥ - ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٠٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ / ٤١١ و ٣٠٩ / ٤١٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ / ٦٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ / ٣٦١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ و ٣٩٢ / ١٢٣٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٦) المجموع ٤ : ١٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

٣٢٧

فيسجد له موضع السجود ، وما فعله مع الإِمام كان متابعاً له(١) .

إذا ثبت هذا فلو سها هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.

وقال الشافعي : إن كان قد سجد مع إمامه وقلنا : لا يلزمه إعادة السجود سجد لسهوه الذي انفرد به سجدتين ، وإن قلنا : يعيد أو لم يكن سجد مع إمامه سجد سجدتين ، وكفاه عن سهو الإِمام وسهو نفسه. ومن الشافعية من قال : يسجد أربع سجدات لاختلاف السهوين(٢) .

د - لو سها الإِمام فيما سبق به المأموم لم يلزمه حكم سهو الإِمام‌ لأنه لا يلزمه فيما يتابعه فغيره أولى - وهو قول لبعض الشافعية(٣) - لأنه كان ، منفرداً عنه.

وقال الشافعي ، ومالك : يلزمه حكم سهو الإِمام لدخول النقص فيها فيسجد لو سجد إمامه(٤) .

وعلى القول الأول لو سجد إمامه ، قال الشافعي : يتبعه وإذا أتم صلاته لا يعيد ، وكذلك إن لم يسجد إمامه لا يلزمه أن يسجد إذا تمم صلاته(٥) .

ه- لو قام الإِمام إلى الخامسة ساهياً فسبح به المأموم فلم يرجع جاز أن ينوي الانفراد‌ ، والبقاء على الائتمام ، فلا يجوز له متابعة الإِمام في الأفعال لأنها زيادة في الصلاة إلا أن صلاة الإِمام لا تبطل بها لسهوه ، بل ينتظر قاعداً حتى يفرغ من الركعة ويعود إلى التشهد ويتشهد معه.

فإن سجد الإِمام للسهو لم يسجد المأموم ، وقال الشافعي :

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٩.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ - ٩٩ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٥) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨.

٣٢٨

يسجد(١) . وإن لم يسجد الإِمام لم يسجد المأموم أيضاً ، وقال الشافعي : يسجد(٢) .

فلو كان المأموم مسبوقاً بركعة وقام الإِمام إلى الخامسة فإن علم المأموم أنها خامسة لم يكن له المتابعة ، وإن لم يعلم وتابعه احتسب له الركعة.

و - لو صلى ركعة فأحرم إمام بالصلاة فنوى الاقتداء به احتمل البطلان والصحة ، والقولان للشافعي(٣) ، وسيأتي ، فإن سوغناه وكان قد سها المأموم فيما انفرد به ثم سها إمامه فيما يتبعه فيه فلما فارق الإِمام وأراد السلام وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة وإلّا فسجدتان عما اختص به.

ز - لو ترك الإِمام سجدة وقام سبح به المأموم فإن رجع ، وإلّا فللمأموم متابعته بعد أن يسجد لأن صلاة الإِمام صحيحة.

وقال الشافعي : لا يجوز له متابعته لأن فعل الإِمام بعد ذلك غير معتد به(٤) . وهو ممنوع.

فإن أخرج نفسه عن متابعة الإِمام جاز سواء كان قبل أن يبلغ الإِمام حد الراكعين أو زاد عليه ولا يسجد المأموم.

وقال الشافعي : إن أخرج قبل أن يبلغ الإِمام حد الراكعين أو زاد عليه لزمه أن يسجد للسهو لأنه فارق إمامه بعد استقرار حكم السهو في صلاته(٥) .

____________________

(١و٢) حلية العلماء ٢ : ١٤٤.

(٣) المجموع ٤ : ٢٠٨ و ٢٠٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٠.

(٤) المجموع ٤ : ٢٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٤.

(٥) اُنظر المجموع ٤ : ١٤٦.

٣٢٩

فإن أراد أن ينتظره فإن كان المأموم قد رفع رأسه من السجدة الاُولى فإن أراد أن ينتظره في الجلسة لم يجز لأن الجلسة ركن قصير فلا يجوز تطويلها ، فلو أراد أن يسجد السجدة الثانية وينتظره فيها كره له ذلك لأنه يكره للمأموم أن يسجد قبل إمامه إلَّا أنه لو فعل ذلك لم تبطل صلاته.

ثم إذا سجد الإِمام فيصبر المأموم ساجداً إلى أن يرفع الإِمام رأسه من السجدتين جميعاً إن أراد ، وإن أراد أن يرفع رأسه من السجود بعد ما رفع الإِمام رأسه من السجدة الاُولى جاز لأن المحسوب للإِمام السجدة الاُولى على ظاهر المذهب.

ولو رفع رأسه من السجود قبل أن يسجد الإِمام بطلت صلاته ، لأن الإِمام ما شرع في السجدة الثانية وهو قد فرغ منها ، والمأموم إذا سبق الإِمام بركن كامل بطلت صلاته.

ثم إذا رفع الإِمام رأسه وكان قد ترك السجود من الركعة الأولى فأراد الإِمام أن يجلس للتشهد الأول فالمأموم لا يتابعه في التشهد ولكن ينتظره قائما فإذا صلّى ركعة أخرى فقد تمت للمأموم ركعتان وهو موضع التشهد إلّا أن الإِمام يعتقد ذلك ثالثة فلا يقعد للتشهد ويترك المأموم التشهد أيضاً متابعة له.

فإذا صلّى ركعة اُخرى فاعتقاد الإِمام أن صلاته قد تمت فيقعد للتشهد والمأموم لا يتابعه بعد ذلك ، فإن تابعه بطلت صلاته ، فإن أحسّ بقيامه وبعد لم يرفع رأسه من السجدة الاُولى ، فأراد أن ينتظره فيها جاز ؛ لأن السجود ركن ممتد.

ثم إذا أراد الإِمام أن يسجد فعلى المأموم أن يرفع رأسه ثم يسجد معه لأن الإِمام قد فرغ من سجدة فالمحسوب له السجدة الاُولى ، فلو لم يرفع رأسه حتى زاد الإِمام ولكن سجد معه السجدة الثانية لم يجز لأن الثانية زائدة ولو فعل بطلت صلاته. وهذا كله ساقط عندنا.

ح - لو ظن المأموم أن الإِمام قد سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم‌ بعد‌

٣٣٠

احتمل خروجه عن الصلاة باستيفاء أفعاله وسلامه ، وخطؤه ليس بمفسد لشي‌ء من أفعاله ، وأن يسلم مع الإِمام فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به وإلّا فلا ، لأنه سهو في حالة الاقتداء ، وبه قال الشافعي(١) .

ولو ذكر في التشهّد أنه ترك الفاتحة لم يلتفت عندنا ، وقال الشافعي : إذا سلّم الإِمام قام إلى ركعة اُخرى ولا يسجد للسهو ، لأن سهوه كان خلف الإِمام وكذا لو ذكر أنه ترك ركوعاً(٢) وعندنا تبطل صلاته لأنه ركن.

ولو سلّم الإمام فسلم المسبوق ناسياً ثم تذكّر بنى على صلاته وسجد للسهو - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ سلامه وقع بعد انفراده ، ولو ظنّ المسبوق أن الإِمام سلم لصوت سمع فقام ليتدارك ما عليه وفعله وجلس ، ثم علم أن الإِمام لم يسلم احتسب ما فعله لأنه بقيامه نوى الانفراد وله ذلك.

وقال الشافعي : لا يحسب ما فعله لأن وقت انقطاع القدوة إما بخروج الإِمام عن الصلاة أو بقطع القدوة حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد منهما ، فلا يسجد للسهو بما أتى به لبقاء حكم الاقتداء(٤) .

ولو تبين له في القيام أن الإِمام لم يسلّم فإن أراد أن يستمر على التدارك وقصد الانفراد فهو مبني على أن المقتدي هل له قطع القدوة؟ فإن منعناه رجع ، وإن جوّزناه فوجهان :

أحدهما : ذلك لأن نهوضه غير معتد به ثم ليقطع القدوة إن شاء.

____________________

(١و٢) المجموع ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٣ - ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

٣٣١

والثاني : لا يجب لأن الانتهاض ليس متعيناً لعينه ، وإنما المقصود القيام وما بعده فصار كما لو قصد القطع في ابتداء النهوض.

وإن لم يقطع القدوة تخير بين أن يرجع أو ينتظر قائماً سلام الإِمام ، فإذا سلم اشتغل بتدارك ما عليه.

ط - إن قلنا بالتحمل - كما هو قول الشيخ(١) والشافعي(٢) - فإنما يكون لو كانت صلاة الإِمام صحيحة‌ فلو تبيّن كون الإِمام جنباً لم يسجد لسهوه ولا يتحمل هو عن المأموم ، ولو عرف أن الإِمام مخطىء فيما ظنه من السهو فلا يوافقه إذا سجد.

ي - كل موضع يلحقه سهو الإِمام فإنه يوافقه‌ ، فإن ترك عمداً ففي إبطال الصلاة نظر - وجزم به الشافعي(٣) - ولو رأى الإِمام يسجد في آخر صلاته سجدتين فعلى المأموم أن يتابعه حملاً على أنه قد سها ، وإن لم يعرف سهوه.

يا - لو اعتقد الإِمام سبق التسليم على سجدتي السهو فسلم واعتقد المأموم خلافه لم يسلّم‌ بل يسجد ولا ينتظر سجود الإِمام لأنه فارقه بالسلام ، وهو وجه للشافعي ، وله اثنان : أن يسلم معه ويسجد معه ، وأنه لا يسلم ، فإذا سجد سجد معه ثم يجلس معه ، فإذا فرغ من تشهده سلّم معه(٤) .

يب - لو سجد الإمام آخر صلاته عن سهو اختص به بعد اقتداء المسبوق لم يتبعه على الأقوى‌ ، وعلى الآخر : يتبعه - وبه قال الشافعي - لأن عليه متابعته

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٤ و ١٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨.

٣٣٢

وفيه وجه آخر : أنه لا يسجد معه لأن موضعه آخر الصلاة(١) .

وإذا سجد معه فهل يعيد في آخر صلاته؟ له قولان :

أصحهما : الإِعادة ، لأن المأتي به كان للمتابعة وقد تعدى الخلل إلى صلاته بسهو الإِمام ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة.

والعدم ؛ لأنه لم يسه ، والمأتي به سببه المتابعة وقد ارتفعت بسلام الإِمام(٢) .

يج - لو اشترك الإِمام والمأموم في نسيان التشهّد أو سجدة رجعوا ما لم يركعوا فإن رجع الإِمام بعد ركوعه لم يتبعه المأموم لأنه خطأ ، فلا يتبعه فيه وينوي الانفراد ، ولو ركع المأموم أوّلاً قبل الذكر رجع الإِمام وتبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه ، وإن تعمد استمر على ركوعه وقضى السجدة وسجد للسهو.

يد - المسبوق إذا قضى ما فاته مع الإِمام لا يسجد للسهو‌ إذ المقتضي وهو السهو منفي هنا - وبه قال الشافعي(٣) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا )(٤) ولم يأمر بالسجود.

وحكي عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا : يسجد للسهو ثم يسلّم لأنه زاد في الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه(٥) ،

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، السراج الوهاج : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المجموع ٤ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٦٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ و ١٦٤ و ٢ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ و ٤٢١ / ٦٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ / ٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ / ٧٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٧ و ٢٣٩ و ٢٧٠ و ٤٥٢.

(٥) المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٣٩ ذيل الحديث ١٥٢.

٣٣٣

وهو غلط لأن الزيادة إنما تفتقر إلى الجبران لو نقصت صلاته ، وهذه الزيادة واجبة فلا يجبرها إذا فعلها.

مسألة ٣٥٢ : لا حكم للسهو في النافلة‌ فلو شك في عددها بنى على الأقل استحباباً ، وإن بنى على الأكثر جاز ، ولا يجبر سهوه بركعة ، ولا سجود عند علمائنا أجمع لأن النافلة لا تجب بالشروع فيقتصر على ما أراد ، وبه قال ابن سيرين(١) .

وقال الشافعي : يسجد للنافلة كالفريضة لأن السجود لترك ما اقتضاه الإحرام ، أو لفعل شي‌ء يمنع منه الإِحرام وهو موجود في النفل كالفرض(٢) ، ونمنع اقتضاء مطلق الإِحرام بل الواجب.

البحث الثالث : فيما يوجب التلافي.

كلّ ساهٍ أو شاكٍ في شي‌ءٍ وإن كان ركناً وهو في محله فإنه يأتي به على ما تقدم ، وإن تجاوز المحل فمنه ما يجب معه سجدتا السهو إجماعاً منّا ، وهو نسيان السجدة أو السجدتين وتذكر قبل الركوع ، ونسيان التشهد كذلك ، ومنه ما لا يجب على خلاف ، ونحن نذكر ذلك كلّه إن شاء الله تعالى.

مسألة ٣٥٣ : لو ترك سجدة في الاُولى ساهياً ثم ذكر قبل الركوع في الثانية رجع فسجد ثم قام فاستقبل الثانية‌ - وبالرجوع قال العلماء - ولأن القيام ليس ركناً يمنع عن العود إلى السجود ، ولقول الصادقعليه‌السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام ، قال : « فليسجد ما لم يركع »(٣) .

وكذا لو ترك سجدة في الثانية فذكر قبل أن يركع في الثالثة ، أو في الثالثة فذكر قبل أن يركع في الرابعة ، ويجب عليه بعد ذلك سجدتا السهو‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٦١ ، المغني ١ : ٧٣٤.

(٢) الاُم ١ : ١٣٢ ، المجموع ٤ : ١٦١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦١.

٣٣٤

لقول الكاظمعليه‌السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه »(١) .

وهل تجب جلسة الفصل قبل السجود إن لم يكن قد جلس ، أو كان نيته جلسة الاستراحة؟ إشكال ينشأ من عدم النص ، وقيام القيام مقامه في الفصل ، وأصالة البراءة ، ومن أنها واجبة فيأتي بها.

وكذا لو نسي السجدتين معاً وذكر قبل الركوع فإنه يرجع ويسجدهما ثم يقوم لأن محل السجود قبل الركوع باق وإلّا لما صح الرجوع إلى السجدة الواحدة ، ويسجد أيضاً سجدتي السهو.

أما لو ذكر بعد الركوع أنه نسي سجدة واحدة من السابقة فإنه يتم الصلاة ويقضيها بعد التسليم ، ويسجد سجدتي السهو ، ولا يرجع إلى السجود لما فيه من تغيير هيئة الصلاة ، وزيادة الركن ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتى يسلّم ثم يسجدها ، فإنها قضاء »(٢) .

ولو ذكر بعد الركوع ترك سجدتين من السابقة بطلت صلاته لأنّه أخلّ بركن.

وقال الشافعي : إذا ذكر وهو قائم في الثانية أو بعد ركوعها قبل أن يسجد للثانية نسيان سجدة من الاُولى أتى بها كما يذكر.

ثم إن لم يجلس عقيب السجدة المأتي بها فيكفيه أن يسجد عن قيام ، أو يجلس مطمئناً ثم يسجد؟ وجهان :

أحدهما : أن القيام كالجلسة لأن الغرض الفصل بين السجدتين.

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤ / ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦١.

٣٣٥

وأصحهما عنده : أنه يجلس مطمئناً ثم يسجد ، لأن مقصود الجلسة وإن كان هو الفصل فالواجب الفصل بهيئة الجلوس.

وإن كان قد جلس ، إن جلس على قصد الجلسة بين السجدتين ، فإن اكتفينا في الصورة السابقة بأن يسجد عن قيام فهنا أولى ، وإن قلنا : يجلس ثم يسجد فقد قيل بمثله هنا لينتقل من الجلوس إلى السجود ، والأصح : أنه يكفيه أن يسجد عن قيامه فإنه الذي تركه.

وإن قصد بتلك الجلسة الاستراحة فوجهان : من حيث ان السنة لا تقوم مقام الفرض ، وأن ظن الاستراحة بتلك الجلسة لا يقدح.

وإن ذكر بعد أن سجد للثانية فإن السجدة التي سجدها تقع عن الاُولى ويبطل عمله في الثانية وتحصل له ركعة ملفقة.

وإن ذكر بعد فراغه من الثانية فإن لم يقيّد سجوده في الثانية بنيّة تمت الاُولى بسجود الثانية ولغت أعماله في الثانية ، وإن نوى أنها للثانية فأكثرهم على تمام الاُولى بسجوده لأن نية الصلاة تشتمل على جميع أفعالها وقد فعل السجود حال توجه الخطاب عليه بفعله(١) .

وقال ابن سريج : لا يتم الاُولى بهذه السجدة لأن نية الصلاة يجب استدامتها حكماً وقد وجدت نية حقيقية تخالفها فكانت الحقيقية أغلب.

وقال أبو حنيفة : إن ذكر نسيان السجدة الاُولى قبل ركوعه في الثانية عاد إليها كما قلناه نحن، وإن كان بعد ركوعه أو سجوده في الثانية سجد ثلاث سجدات متواليات فتلتحق سجدة بالأولى واثنتان عن الركعة الثانية وتتم له الركعتان ، وإن ذكر بعد اشتغاله بالتشهد سجد سجدة كما تذكر وتلتحق بالركعة الاُولى(٢) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٧ ، المجموع ٤ : ١١٨ - ١١٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٩ - ١٥١ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١١٣ - ١١٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٠ - ١٥١.

٣٣٦

وقال مالك : إن لم يكن قد ركع عاد إلى السجود - كما قلناه - وإن كان قد ركع لغت الاُولى وصار الحكم للثانية فيتمها بسجدتين(١) .

فروع :

أ - إذا ذكر نسيان سجدة بعد سجدتي الثانية فقد بيّنا أنه يستمر ويقضي المنسية‌ ، وعند الشافعي يلفق فيجعل سجدة منهما للاُولى ويبطل المتخلل بينهما ، وأيّ السجدتين تحتسب له بها؟ أكثر أصحابه على أنها تتم بالاُولى وتلغو السجدة الثانية سواء كان قد جلس أولاً للفصل أو لا(٢) ، وعلى قول أبي إسحاق : يتم ركعته بالسجدة الثانية لأن عليه أن ينتقل إليهما من القعود(٣) .

ب - لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات ، فإن ذكر قبل التسليم سجد واحدة عن الركعة الأخيرة‌ لأنّ المحل باق ثم يعيد التشهد ويسلم ويقضي السجدات الثلاث لفوات محلّها ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ سهو ، وإن ذكر بعد التسليم قضى السجدات الأربع ولاءً ، ويسجد السهو أربع مرات لفوات المحل.

وقال الشافعي : يتم الأولى بما في الثانية ، والثانية بما في الثالثة ، والثالثة بما في الرابعة فتصح له ركعتان لأن السجود الأول من الثانية يحسب عن الاُولى ، ويبطل المتخلل بينهما ، والثالثة تحسب ثانية ، وسجود الرابعة يكمل الثالثة ثانية ، هذا إن كان قد جلس للفصل.

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٣٤ - ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ١٤١ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٠.

(٢) المجموع ٤ : ١١٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

٣٣٧

وإن ترك الجلسة أيضاً فإن كان جلس للتشهد الاُول صحت له ركعتان إلّا سجدة لأن التشهد الأول قام مقام جلسة الفصل للركعة الاُولى ووقعت السجدة الاُولى في الركعة الثالثة تمامها فصحت له ركعة بالثالثة ، وصحت له الرابعة بسجدة واحدة فيبني على ذلك.

وإن لم يجلس للتشهّد الأول صحّت له ركعة إلا سجدة إن كان جلس في الرابعة فيسجد أخرى ويتم له ركعة ويبني عليها ، ومن اجتزأ بالقيام في الفصل حصل له ركعتان ، وإن ذكر بعد التسليم ولم يطل الفصل فكما لو ذكر قبله ، وإن طال وجب الاستئناف(١) .

وقال مالك : تصح الرابعة إلّا سجدة ويبطل ما قبلها(٢) . وعن أحمد روايتان ، إحداهما : كقول مالك ، والاُخرى : بطلان الصلاة(٣) .

وقال أبو حنيفة : يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات ويتم صلاته. وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري(٤) وحكى الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي : أنّه لو نسي ثمان سجدات أتى بهن متواليات لأن الركعة إذا سجد فيها فقد أتى بأكثرها ، والحكم يتعلق بالأكثر في صحة البناء كما إذا أدرك الركوع مع الإِمام ، والسجود متكرر فلا يعتبر فيه الترتيب كأيام رمضان(٥) .

ج - لو صلّى الظهر فنسي سجدة وذكر أنّها من الاُولى أتم صلاته وقضاها بعد التسليم وسجد للسهو ، وقال الشافعي : تمت الاُولى بالثانية‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١١٩ و ١٢٠ و ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥١ - ١٥٢ ، الوجيز ١ : ٥٠ ، المغني ١ : ٧٢٧ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٢ ، القوانين الفقهية : ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٧ و ١٣٩.

(٢) المجموع ٤ : ١٢٢ ، القوانين الفقهية : ٧٦ ، المغني ١ : ٧٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٢ ، المغني ١ : ٧٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٥.

(٤) المجموع ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٤ ، المغني ١ : ٧٢٧ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٣ ، القوانين الفقهية : ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

(٥) المغني ١ : ٧٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

٣٣٨

وتصير الثالثة ثانية(١) والرابعة ثالثة(٢) ، وتبقى عليه ركعة ، وكذا لو كانت من الثانية أو الثالثة(٣) .

ولو لم يعلم من أي ركعة هي حمل على أحسن الأحوال عنده ، وهو أنه تركها من ركعة قبل الرابعة ، فلا تصح الركعة التي بعدها فيأتي بركعة لتتم الصلاة بيقين.

ولو نسي سجدتين من الرباعية ولا يدري كيف تركهما أخذ بأسوإ الأحوال ويجعل كأنه ترك من الاُولى سجدة ، ومن الثالثة سجدة فيتم الاُولى بالثانية ، والثالثة بالرابعة وتحصل له ركعتان.

ولو نسي ثلاث سجدات جعل كأنه ترك من الاُولى سجدة ولم يترك من الثانية شيئاً فتمت الاُولى بالثانية ، وترك من الثالثة سجدة ، ومن الرابعة سجدة فتحصل من مجموعها ركعتان.

ولو نسي أربع سجدات قدر كأنه ترك من الاُولى سجدة ، ومن الثانية لم يترك شيئاً ومن الثالثة ترك سجدة ، وما سجد شيئاً من الرابعة فتحصل له ركعتان إلّا سجدة.

ولو ترك خمس سجدات جعل كأنه ترك من الاُولى سجدة ، ومن الثانية سجدتين ، ومن الثالثة سجدتين ، ولم يترك من الرابعة شيئاً فتمت الاُولى بالرابعة وحصل له ركعة(٤) .

وعلى مذهبنا أنه إذا ترك سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته على ما تقدم ، وإن لم يعلم أهُما من ركعة أو ركعتين؟ رجحنا جانب الاحتياط ، وأبطلنا الصلاة ، لاحتمال أن يكونا من ركعة فتبطل الصلاة لفوات ركن فيها ، وكذا لو علم أنهما من ركعة ولم يعلم أهما من الرابعة أو مما سبق؟

____________________

(١) في نسخة ( ش ) : ثانيته.

(٢) في نسخة ( ش ) : ثالثته.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٠ - ١٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٤) المجموع ٤ : ١٢٠ - ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

٣٣٩

د - لو نسي جميع السجود بطلت صلاته عندنا ، وقال الشافعي : صح له القيام ، والقراءة ، والركوع الأول(١) . وقال بعض أصحابه : بل الركوع الأخير.

مسألة ٣٥٤ : لو نسي التشهّد الأول ، ثم ذكر قبل الركوع رجع إليه وتشهد ، ثم قام فاستقبل الثالثة ، وفي سجود السهو قولان ، ولو لم يذكر حتى ركع مضى في صلاته ، وقضاه بعد التسليم ، وسجد للسهو - وبه قال الحسن البصري(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله سليمان بن خالد عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : « إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم ويسجد سجدتي السهو »(٣) ولأنه قبل الركوع في محل التشهد كالسجود.

وقال الشافعي : إن ذكر قبل انتصابه عاد إليه ، وإن ذكر بعد انتصابه لم يعد(٤) لقولهعليه‌السلام : ( إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس ، وإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو )(٥) .

وقال مالك : إن فارقت أليتاه الأرض مضى ولا يرجع(٦) . وقال‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٠ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، المغني ١ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٨ - ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ - ١٣٧٤.

(٤) المجموع ٤ : ١٢٢ و ١٣٠ و ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٦ و ١٥٨ ، الوجيز ١ : ٥٠ و ٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، السراج الوهاج : ٥٩ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، المغني ١ : ٧١٢ و ٧١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٤.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨١ / ١٢٠٨ ، مسند أحمد ٤ : ٢٥٤.

(٦) المنتقى للباجي ١ : ١٧٨ ، الشرح الصغير ١ : ١٤٢ ، المجموع ٤ : ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٨ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، المغني ١ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٤.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694