سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله8%

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله مؤلف:
المحقق: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 694

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 694 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 365854 / تحميل: 9256
الحجم الحجم الحجم
سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٢ ـ حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ألبان الإبل والغنم والبقر وأبوالها ولحومها فقال لا توضأ منه إن أصابك منه شيء أو ثوبا لك فلا تغسله إلا أن تتنظف.

قال وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال اغسله فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله وإن شككت فانضحه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه.

_________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

قولهعليه‌السلام « إن أصابك منه شيء » في التهذيب(١) ـ وإن أصابك ـ مع الواو ، فيحتمل أن يكون المراد انتقاض الوضوء بشرب الألبان ، أو هي مع الأبوال ، ويحتمل أن يكون المراد بالتوضي غسل البدن منه ، ويكون ما بعده تأكيدا له.

واختلف الأصحاب في أبوال البغال والحمير والدواب ، فذهب الأكثر إلى طهارتها وكراهة مباشرتها ، وقال الشيخ في النهاية وابن الجنيد بنجاستها ، وأجاب القائلون بالطهارة عن الأخبار الدالة على النجاسة بالحمل على الاستحباب ، وهو مشكل لانتفاء ما يصلح للمعارضة وهذا كله في أبوالها ، فأما أرواثها فقال السيد في المدارك يمكن القول بنجاستها أيضا لعدم القائل بالفصل ولا يبعد الحكم بطهارتها تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض ، وبرواية الحلبي وأبي مريم انتهى ولعل ما اختاره أخيرا أقوى.

الحديث الثالث : حسن.

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٦٤ ح ٥٨.

١٦١

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن القاسم بن عروة ، عن بكير بن أعين ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه فقلت له أليس لحومها حلالا قال بلى ولكن ليس مما جعله الله للأكل.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي مريم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما تقول في أبوال الدواب وأرواثها قال أما أبوالها فاغسل إن أصابك وأما أرواثها فهي أكثر من ذلك.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن أبان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن مالك الجهني قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عما يخرج من منخر الدابة يصيبني قال لا بأس به.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن أصاب الثوب شيء من بول السنور فلا يصلح الصلاة فيه حتى تغسله.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن جميل بن دراج ،

_________________________________________

الحديث الرابع : مجهول ، وهو جامع بين الأخبار فيشكل القول بالطهارة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « من ذلك » أي من أن يمكن الاحتراز عنها.

الحديث السادس : موثق كالصحيح.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن : حسن أو موثق.

الحديث التاسع : حسن.

١٦٢

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه.

١٠ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن أبي الأعز النخاس قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه فقال ليس عليك شيء.

(باب)

(الثوب يصيبه الدم والمدة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن المعلى أبي عثمان ، عن أبي بصير قال دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وهو يصلي فقال لي قائدي إن في ثوبه دما فلما انصرف قلت له إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما فقال لي إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ.

_________________________________________

الحديث العاشر : مجهول.

باب الثوب يصيبه الدم والمدة

وفي القاموس المدة بالكسر ما يجتمع في الجرح من القيح.

الحديث الأول : موثق.

ولا خلاف بين الأصحاب في العفو عن دم القرح والجرح في الجملة فمنهم من قال بالعفو مطلقا ، ومنهم من اعتبر السيلان في جميع الوقت أو تعاقب الجريان على وجه لا يتسع فتراتها لأداء الفريضة ، والذي يستفاد من الروايات العفو عن هذا الدم في الثوب والبدن سواء شقت إزالته أم لا وسواء كان له فترة ينقطع فيها بقدر الصلاة أم لا وأنه لا يجب إبدال الثوب ولا تخفيف النجاسة ولا عصب موضع الدم بحيث يمنعه من الخروج كما اختاره جماعة ، واستقرب العلامة في المنتهى وجوب الإبدال مع الإمكان. وقال في المدارك : ينبغي أن يراد بالبرء الأمن من خروج الدم منهما وإن لم يندمل أثرهما.

١٦٣

٢ ـ أحمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سألته عن الرجل به القرح أو الجرح ولا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه قال يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال قلت له الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة قال إن رأيت وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم

_________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

وقال في المعالم : ذهب جماعة من الأصحاب منهم العلامة في النهاية والمنتهى والتحرير إلى أنه يستحب لصاحب القروح والجروح غسل ثوبه في كل يوم مرة ، واحتج له في المنتهى والنهاية بأن فيه تطهيرا من غير مشقة فكان مطلوبا ، وبرواية سماعة ، والوجه الأول من الحجة غير صالح لتأسيس حكم شرعي ، والرواية في طريقها ضعف وكان البناء في العمل بها على التساهل في أدلة السنن.

الحديث الثالث : حسن.

وأجمع الأصحاب على أن الدم المسفوح وهو الخارج من ذي النفس الذي ليس أحد الدماء الثلاثة ولا دم القروح والجروح إن كان أقل من درهم بغلي لم تجب إزالته للصلاة وإن كان أزيد من مقدار الدرهم وجبت إزالته وإنما الخلاف بينهم فيما بلغ حد الدرهم فقال الشيخان وابنا بابويه وابن إدريس تجب إزالته وقال السيد في الانتصار وسلار لا تجب إزالته ومستندا هما قويان ، ويمكن حمل الإعادة في مقدار الدرهم على الاستحباب.

ثم الروايات إنما تضمنت لفظ الدرهم وليس فيها توصيف بكونه بغليا أو غيره ، ولا تعيين لقدره والواجب حمله على ما كان متعارفا في زمانهمعليهم‌السلام ، وذكر الصدوق أن المراد بالدرهم الوافي الذي قدره درهم وثلث ، ونحوه قال المفيد ، وقال

١٦٤

يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن علياعليه‌السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك.

٥ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن

_________________________________________

ابن الجنيد : إنه ما كانت سعته سعة العقد الأعلى من الإبهام ولم يذكروا تسميته بالبغلي ، وقال المحقق في المعتبر والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ، ويسمى البغلي نسبة إلى قرية بالجامعين وضبطها المتأخرون بفتح الغين وتشديد اللام ، ونقل عن ابن إدريس أنه شاهد هذه الدراهم المنسوبة إلى هذه القرية ، وقال إن سعتها تقرب من أخمص الراحة وهو ما انخفض من الكف والمسألة قوية الإشكال.

ثم الأصحاب قطعوا باستثناء دم الحيض عن هذا الحكم ، ووجوب إزالة قليله وكثيره كما ورد في بعض الأخبار ، وألحق به الشيخ دم الاستحاضة والنفاس ، وألحق القطب الراوندي دم نجس العين والكل محل نظر ، ثم إن الأحاديث الواردة في هذا الباب إنما دلت على العفو عن نجاسة الثوب بهذا القدر من الدم ، وليس فيها ذكر البدن ، لكن الأصحاب حكموا بأنه لا فرق في هذا الحكم بين الثوب والبدن ولكن لا يعلم فيه مخالف وقد يفهم من بعض الأخبار أيضا.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قوله « ما لم يذك » أي لا يحتاج إلى التذكية من الذبح أو النحر في الحل والطهارة.

الحديث الخامس : موثق.

١٦٥

رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الأنف فقال إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالحعليه‌السلام قال سألته أم ولد لأبيه فقالت جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي منه قال سلي ولا تستحيي قالت أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره فقال اصبغيه بمشق حتى يختلط ويذهب.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال دمك أنظف من دم غيرك إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك

_________________________________________

ويدل على عدم وجوب إزالة البواطن كما هو المشهور.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

وقال في القاموس : المشق بالكسر والفتح المغرة ، وقال : المغرة ويحرك طين أحمر ، والظاهر أنه لم يكن عبرة باللون بعد إزالة العين ، ويحصل من رؤية اللون أثر في النفس فلذا أمرهاعليه‌السلام بالصبغ لئلا تتميز ويرتفع استنكاف النفس. ويحتمل أن يكون الصبغ بالمشق مؤثرا في إزالة الدم ولونه لكنه بعيد.

الحديث السابع : مرفوع.

وقد اختلف الأصحاب في وجوب إزالة الدم المتفرق إذا كان بحيث لو جمع بلغ الدرهم ، فقال ابن إدريس ، والشيخ في المبسوط والمحقق : لا يجب إزالته مطلقا يجب إزالته وقال الشيخ في النهاية : لا يجب ، إزالته ما لم يتفاحش ، وقال سلار ، وابن حمزة : واختاره العلامة في جملة من كتبه.

ثم الفرق بين دم المصلي وغيره خلاف المشهور بين الأصحاب ، ويمكن أن يكون ذلك لكونه جزءا من حيوان غير مأكول اللحم فلذا لا يجوز الصلاة فيه ، فيكون الحكم مخصوصا بدم مأكول اللحم ، ويؤيده أن أخبار جواز الصلاة

١٦٦

فلا بأس وإن كان دم غيرك قليلا أو كثيرا فاغسله.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه قال لا وإن كثر فلا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله.

وروي أيضا أنه لا يغسل بالريق شيء إلا الدم.

٩ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الريان قال كتبت إلى الرجلعليه‌السلام هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث وهل يجوز لأحد أن يقيس

_________________________________________

في ما نقص عن الدرهم وعمومها معارض بعموم أخبار عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يوكل لحمه وبينهما عموم من وجه وليست إحداهما أولى بالتخصيص من الأخرى فتبقى أخبار عدم جواز الصلاة في الدم سالمة عن المعارض.

ومع جميع ذلك لا يبعد القول بالكراهة لضعف الخبر ، وإرساله ، وأصل البراءة مع تحقق الشك في الحكم ، ومنع كون الأمر للوجوب ، ويمكن حمله على ما زاد على الدرهم مجتمعا ويكون المعنى أنه إذا كان من جرح أو قرح بك فلا بأس به وإن كان من غيرك تجب إزالته لكونه زائدا عن الدم فيكون مؤيدا للقول الأخير والله يعلم

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور ، وآخره مرسل.

وقال في المدارك : طهارة دم ما لا نفس له كدم السمك مذهب الأصحاب وحكى فيه الشيخرحمه‌الله في الخلاف والمصنف في المعتبر الإجماع ، وربما ظهر من كلام الشيخرحمه‌الله في المبسوط والجمل نجاسة هذا النوع من الدم وعدم وجوب إزالته وهو بعيد ولعله يريد بالنجاسة المعنى اللغوي.

قولهعليه‌السلام « ينضحه » قال الوالد (ره) : صفة للرعاف أي يكون الرعاف متفرقا ولا يوجد فيه مقدار درهم مجتمعا ، ويحتمل أن يكون مبنيا على طهارة

١٦٧

بدم البق على البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به فوقععليه‌السلام يجوز الصلاة والطهر منه أفضل.

(باب)

(الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره مما يكره أن يمس شيء منه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد

_________________________________________

الدم القليل مثل رأس الإبر كما قال به بعض العلماء ويكون معفوا انتهى.

ثم اعلم أن المشهور اختصاص العفو بالدم المتفرق ، وحكى العلامة في المختلف عن ابن إدريس أنه قال بعض أصحابنا إذا ترشش على الثوب أو البدن مثل رؤوس الإبر من النجاسات فلا بأس بذلك ثم قال ابن إدريس والصحيح وجوب إزالتها قليلة كانت أم كثيرة.

قولهعليه‌السلام « لا يغسل بالريق » يمكن حمله على الدم الخارج في داخل الفم فإنه يطهر الفم بزوال عينه فكأن الريق طهره أو على ما كان أقل من الدرهم فتكون الإزالة لتقليل النجاسة لا للتطهير ، وقال ابن الجنيد في مختصره : لا بأس أن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب ، ونسب الشهيد في الذكرى إليه القول بطهارة الثوب بذلك ، وحمل العلامة ـرحمه‌الله ـ هذا الخبر على الدم الطاهر كدم السمك.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

وقال الفاضل التستريرحمه‌الله : ليس في هذه الأخبار دلالة على الطهارة والنجاسة فإن كان الأصل في الدم مطلقا النجاسة ولا أتحققه لم يمكن الخروج منه بمجرد هذه الأخبار لاحتمالها بمجرد العفو ، وإن كان الأصل الطهارة وعدم وجوب الاجتناب مطلقا فهذه تصلح تأييدا.

باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره مما يكره أن يمس شيء منه

الحديث الأول : مرسل.

ولا خلاف بين الأصحاب في وجوب الغسل بمس الكلب والخنزير رطبا إلا

١٦٨

عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا مس ثوبك الكلب فإن كان يابسا فانضحه وإن كان رطبا فاغسله.

٢ ـ حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال يغسل المكان الذي أصابه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي النيسابوري ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىعليه‌السلام قال سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلى فيها قال اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء.

_________________________________________

ما يظهر من كلام الصدوقرحمه‌الله من الاكتفاء بالرش في كلب الصيد ، ولا خلاف أيضا في استحباب الرش بمسهما جافين ، ويعزى إلى ابن حمزة القول بوجوب الرش وهو الظاهر من كلام المفيدرحمه‌الله ، بل الظاهر من الأخبار أن قلنا إن الظاهر من الأمر فيها الوجوب ويزيد هنا أنه جمع مع الغسل الواجب ، وقال في المعالم عزى في المختلف إلى ابن حمزة إيجاب مسح البدن بالتراب إذا أصابه الكلب أو الخنزير أو الكافر بغير رطوبة.

وقال الشيخ في النهاية : إن مس الإنسان بيده كلبا أو خنزيرا أو ثعلبا أو أرنبا أو فأرة أو وزغة أو صافح ذميا أو ناصبيا معلنا بعداوة آل محمدعليهم‌السلام وجب غسل يده إن كان رطبا ، وإن كان يابسا مسحه بالتراب ، وحكي في المعتبر عن الشيخ أنه قال في المبسوط : كل نجاسة أصابت البدن وكانت يابسة لا يجب غسلها وإنما يستحب مسح اليد بالتراب ولا نعرف للمسح بالتراب وجوبا أو استحبابا وجها.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : صحيح.

وذهب الشيخ في النهاية ، والمفيدرحمه‌الله إلى نجاسة الفأرة والوزغة ، واستدل لهم في الفأرة بهذا الخبر وفي الوزغة بالأخبار الواردة بالنزح ، والمشهور بين

١٦٩

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا قال لا يضره ولكن يغسل يده.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن إبراهيم بن ميمون قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال إن كان غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه يعني إذا برد الميت.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر ذلك وهو في صلاته كيف يصنع قال إن كان دخل

_________________________________________

الأصحاب الطهارة ، وحملوا الأخبار على الاستحباب.

الحديث الرابع : مرسل.

وقال في المدارك : بهذه الرواية استدل الشهيدرحمه‌الله في الذكرى على تعدي نجاسة الميتة مع اليبوسة وهو غير جيد إذ اللازم منه ثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضا وهو معلوم البطلان ، والأجود حملها على الاستحباب لضعف سندها ووجود المعارض.

قولهعليه‌السلام « ولكن يغسل يده » أي وجوبا في بعض الموارد واستحبابا في بعضها.

الحديث الخامس : مجهول.

ولا خلاف بين الأصحاب ظاهرا في نجاسة ميتة الحيوان ذي النفس السائلة سواء كان آدميا أو غيره ، لكن الآدمي لا ينجس إلا بالبرد ويطهر بالغسل ، ولا خلاف في نجاسة ما لاقى الميتة رطبا مطلقا ، وأما إذا لاقاها مع الجفاف فالمشهور

١٧٠

في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله.

(باب)

(صفة التيمم)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد ، عن سهل جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن التيمم

_________________________________________

عدم النجاسة ، وذهب العلامة إلى أن ما يلاقيها ينجس نجاسة حكمية يجب غسله ولا يتعدى إلى غيره بل تردد في نجاسة ما يلاقي الشعر والوبر منها أيضا.

الحديث السادس : صحيح.

باب صفة التيمم

الحديث الأول : حسن أو موثق.

ويدل على الاكتفاء بالضربة الواحدة في التيمم مطلقا ، واختلف الأصحاب في عدد الضربات فيه فقال الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة : ضربة للوضوء وضربتان للغسل ، وهو اختيار الصدوق ، وسلار ، وأبي الصلاح ، وابن إدريس ، وأكثر المتأخرين ، وقال المرتضى في شرح الرسالة : الواجب ضربة واحدة في الجميع ، وهو اختيار ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ، والمفيد في المسائل الغرية ، ونقل عن المفيد في الأركان اعتبار الضربتين في الجميع ، وحكاه المحقق في المعتبر ، والعلامة في المنتهى والمختلف عن علي بن بابويه وظاهر كلامه في الرسالة اعتبار ثلاث ضربات ضربة باليدين للوجه ، وضربة باليسار لليمين ، وضربة باليمين لليسار ولم يفرق بين الوضوء والغسل ، وحكي في المعتبر القول بالضربات الثلاث عن قوم منا وقال الطيبي في شرح المشكاة في شرح حديث عمار : أن في الخبر فوائد منها أنه يكفي في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين ، وهو قول علي وابن عباس وعمار وجمع من التابعين ، والأكثرون من فقهاء الأمصار إلى أن التيمم ضربتان ، انتهى.

١٧١

فضرب بيده الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينيه وكفيه مرة واحدة.

_________________________________________

فظهر من هذا أن القول المشهور بين العامة الضربتان ، وأن الضربة مشهور عندهم من مذهب أمير المؤمنين صلوات عليه ، وعمار التابع له ، وابن عباس التابع لهعليه‌السلام في أكثر الأحكام فظهر أن أخبار الضربة أقوى وأخبار الضربتين حملها على التقية أولى.

قولهعليه‌السلام « فنفضها » استحباب نفض اليدين مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا وقد أجمعوا على عدم وجوبه واستحب الشيخ مسح إحدى اليدين بالأخرى بعد النفض ولا نعلم مستنده ، والمشهور بين الأصحاب عدم اشتراط علوق شيء من التراب بالكف ، ونقل عن ابن الجنيدرحمه‌الله اشتراطه.

قولهعليه‌السلام « جبينيه » ظاهره أنه يكفي مسح طرفي الجبهة بدون مسحها ، ويمكن أن يراد بهما الجبهة معهما بأن تكون الجبهة نصفها مع الجبين الأيمن ونصفها مع الأيسر والإتيان بهذه العبارة لتأكيد إرادة الجبينين كأنهما مقصودان بالذات.

ثم اعلم أن مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف إجماعي ، وأوجب الصدوق مسح الجبينين والحاجبين أيضا ، وقال أبوه يمسح الوجه بأجمعه ، والمشهور في اليدين أن حدهما الزند ، وقال علي بن بابويه امسح يديك من المرفقين إلى الأصابع ، وذكر العلامة ومن تأخر عنه أنه يجب البدأة في مسح الكف بالزند إلى أطراف الأصابع ، وأجمعوا على وجوب تقديم مسح الجبهة على اليد اليمنى واليمنى على اليسرى ، وأيضا نقل الإجماع على وجوب الموالاة فيه ، ولو أخل بالمتابعة بما لا يعد تفريقا عرفا لم يضر قطعا ، وإن طال الفصل أمكن القول بالبطلان وذكر جمع من الأصحاب أن من الواجبات طهارة محل المسح وهو أحوط مع القدرة.

قولهعليه‌السلام « مرة واحدة » الظاهر أنه متعلق بالمسح ويمكن تعلقه بالضرب أيضا على التنازع.

١٧٢

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية : «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » وقال «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » قال فامسح على كفيك من حيث موضع القطع وقال «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ».

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن الكاهلي قال سألته عن التيمم قال فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفيه إحداهما

_________________________________________

الحديث الثاني : مرسل.

ويمكن أن يكون المعنى أن المراد هنا في الآية ما يقوله العامة في القطع ويكون ذكر الآيتين لبيان أن لليد معاني متعددة ، وقولهعليه‌السلام «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا »(١) لبيان أن الله تعالى لم يبهم أحكامه بل بينها بحججهعليهم‌السلام فيجب الرجوع إليهم ، ولعل الأظهر أن هذا استدلال منهعليه‌السلام بأنه تعالى لما ذكر اليد في القطع لم يحدها ، وفي الوضوء حدها بالمرافق وقد تبين من السنة أن القطع من الزند فتبين أن كلما أطلق تعالى اليد أراد بها إلى الزند ، ولذا قالعليه‌السلام ـ وما كان ربك نسيا ـ أي أنه تعالى لم ينس بيان أحكامه بل بينها في كتابه على وجه يفهمها حججهعليهم‌السلام .

وفيه : إن موضع القطع عند أصحابنا أصول الأصابع فهو مخالف للمشهور وموافق لما ذهب إليه بعض أصحابنا من أن التيمم من موضع القطع ، ويمكن أن يقال : هذا إلزامي على العامة وموضع القطع عندهم الزند ، ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب أن المسح من أصول الأصابع إلى رؤوسها في التيمم وهذا الخبر [ إلزام ] يصلح مستندا لهم.

الحديث الثالث : حسن.

وقال في الحبل المتين : ما تضمنه هذا الخبر من ضربهعليه‌السلام بيده على البساط

__________________

(١) مريم : ٦٤.

١٧٣

على ظهر الأخرى.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن التيمم فقال إن عمار بن ياسر أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة فقلت له كيف التيمم فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا ورواه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن الحسين بن علي الكوفي ، عن النوفلي ، عن غياث

_________________________________________

لا إشعار فيه بما يظهر من كلام المرتضىرحمه‌الله من جواز التيمم بغبار البساط ونحوه.

قولهعليه‌السلام « أحدهما » لعل المراد كلا منهما.

الحديث الرابع : صحيح ، وسنده الثاني حسن.

وقال في الصحاح : تمعكت الدابة أي تمرغت ، والمسح بالكسر البلاس ، وفي بعض النسخ السنج بالسين المهملة المفتوحة والنون الساكنة وأخره جيم معرب سنك والمراد به حجر الميزان ، ويقال له صبخة بالصاد أيضا ، وربما يقرأ بالياء المثناة من تحت والحاء المهملة والمراد به ضرب من البرد أو عباءة مخططة ، ولا إشعار فيه على التقدير الأول بجواز التيمم على الحجر ، ولا على الثاني بجوازه بغبار الثوب ، لما عرفت وقد يقرأ بالباء الموحدة.

قولهعليه‌السلام « فوق الكف » كان فيه عدم وجوب استيعاب ظهر الكف ، ومثله أفتى ابن بابويه في بيان التيمم للجنابة ، ويحتمل أن يكون المراد أنه مسح الكف وابتدأ من فوق الكف أي من الزند ، أو من فوق الزند من باب المقدمة.

الحديث الخامس : مجهول.

ويدل على كراهة التيمم من موضع يطأه الناس بأرجلهم.

١٧٤

ابن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات لله عليه لا وضوء من موطإ قال النوفلي يعني ما تطأ عليه برجلك.

٦ ـ الحسن بن علي العلوي ، عن سهل بن جمهور ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن الحسن بن الحسين العرني ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال نهى أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق.

(باب)

(الوقت الذي يوجب التيمم ومن تيمم ثم وجد الماء)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال سمعته يقول إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض.

_________________________________________

الحديث السادس : مجهول.

باب الوقت الذي يوجب التيمم ومن تيمم ثم وجد الماء

الحديث الأول : صحيح.

وأجمع الأصحاب على عدم جواز التيمم للفريضة الموقتة قبل دخول الوقت ، كما أطبقوا على وجوبه مع تضيقه ولو ظنا وإنما الخلاف في جوازه مع السعة فذهب الشيخ والسيد المرتضى وجمع من الأصحاب إلى أنه لا يصح إلا في آخر الوقت ، ونقل عليه السيد الإجماع ، وذهب الصدوقرحمه‌الله إلى جوازه في أول الوقت ، وقواه في المنتهى ، واستقر به في البيان ، وقال ابن الجنيد : إن وقع اليقين بفوت الماء آخر الوقت أو غلب الظن فالتيمم في أول الوقت أحب إلى ، واستجوده المحقق في المعتبر ، واختاره العلامة في أكثر كتبه ، وفي قوله : « فإن فاتك الماء » إشعار برجاء وجود الماء.

١٧٥

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصلي فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام

_________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

ويدل على وجوب الطلب ما دام الوقت باقيا وعدم تقديره بقدر وسيأتي القول فيه :

الحديث الثالث : حسن.

وقال في المدارك : من تيمم تيمما صحيحا وصلى ثم خرج الوقت لم يجب عليه القضاء ، قال في المنتهى : وعليه إجماع أهل العلم ونقل عن السيد المرتضىرحمه‌الله أن الحاضر إذا تيمم لفقدان الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده ، ولم نقف له في ذلك على حجة ، والمعتمد سقوط القضاء مطلقا ، ولو تيمم وصلى مع سعة الوقت ثم وجد الماء في الوقت فإن قلنا باختصاص التيمم باخر الوقت بطلت صلاته مطلقا ، وإن قلنا بجوازه مع السعة فالأصح عدم الإعادة ، وهو خيرة المصنف في المعتبر ، والشهيد في الذكرى ، ونقل عن ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل القول بوجوب الإعادة ، وهو ضعيف ، والأخبار محمولة على الاستحباب ، انتهى. وما اختاره جيد.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح ، وفي التهذيب صحيح.

١٧٦

يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها قال نعم ما لم يحدث قلت فيصلي بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها قال نعم ما لم يحدث أو يصب ماء قلت فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه كلما أراد فعسر ذلك عليه قال ينقض ذلك تيممه وعليه أن يعيد التيمم قلت فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف وليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين.

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « فيصلي بتيمم واحد » هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وقال بعض العامة : ينتقض التيمم بخروج الوقت لأنها طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة ، ولا ريب في بطلانه.

قولهعليه‌السلام : « فإن أصاب الماء ورجا » لا خلاف فيه بين الأصحاب.

قولهعليه‌السلام : « فإن أصاب الماء وقد دخل » قال في المدارك : إذا وجد المتيمم الماء وتمكن من استعماله فله صور :

إحداها : أن يجده قبل الشروع في الصلاة فينتقض تيممه ويجب عليه استعمال الماء فلو فقده بعد التمكن من ذلك أعاد التيمم ، قال في المعتبر : وهو إجماع أهل العلم ، وإطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين أن يبقى من الوقت مقدار ما يسع الطهارة والصلاة وعدمه ، وهو مؤيد لما ذكرناه فيما سبق أن من أخل باستعمال الماء حتى ضاق الوقت يجب عليه الطهارة المائية والقضاء لا التيمم والأداء.

وثانيتها : أن يجده بعده الصلاة ولا إعادة عليه لما سبق لكن ينتقض تيممه لما يأتي ، قال في المعتبر : وهو وفاق أيضا.

وثالثتها : أن يجده في أثناء الصلاة وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فقال الشيخ في المبسوط والخلاف : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام ، وهو اختيار المرتضى وابن إدريس ، وقال الشيخ في النهاية : يرجع ما لم يركع ، وهو

١٧٧

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الله بن عاصم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقيم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء فقال إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن داود الرقي

_________________________________________

اختيار ابن أبي عقيل ، وابن بابويه ، والمرتضى في شرح الرسالة ، انتهى ولعل الأول أقوى.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

وقال في المدارك : أجاب العلامةرحمه‌الله في المنتهى عن روايتي زرارة وعبد الله بن عاصم ، بالحمل على الاستحباب ، أو على أن المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان ، وبقوله : « ما لم يركع » ما لم يتلبس بالصلاة ، وبقوله : « وإن كان ركع » دخوله فيها إطلاقا لاسم الجزء على الكل ، ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، أما الأول فلا بأس به ، ويمكن الجمع بين الروايات أيضا بحمل المطلق على المقيد إلا أن ظاهر قوله في رواية محمد بن عمران ـ ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ـ يأباه ، إذ المتبادر منه أول وقت الدخول ، وكذا التعليل المستفاد من رواية زرارة فإنه شامل لما قبل الركوع وبعده وهنا مباحث.

الأول ، إذا حكمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء فهل يعيد التيمم لو فقد الماء قبل فراغه من الصلاة أم لا ، فيه قولان أظهرهما عدم الإعادة.

الثاني : لو كان في نافلة فوجد الماء احتمل مساواته للفريضة ، وبه جزم الشهيد في البيان ، ويحتمل قويا انتقاض تيممه لجواز قطع النافلة اختيارا.

الحديث السادس : مختلف فيه ، والصحة أقوى.

وقال في المدارك : أجمع علماؤنا وأكثر العامة ، على أن من كان عذره عدم الماء

١٧٨

قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال إن الماء قريب منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا قال لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل فيأكلك السبع.

٧ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو قال ليس عليه أن ينزل الركية إن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم.

_________________________________________

لا يسوغ له التيمم إلا بعد الطلب إذا أمل الإصابة وكان في الوقت سعة ، حكي في المعتبر والمنتهى ، ولا ينافي ذلك رواية داود الرقي ، ويعقوب بن سالم ، لضعف سندهما ولا شعارهما بالخوف على النفس أو المال ، ونحن نقول به.

واختلف الأصحاب في كيفية الطلب وحده ، فقال الشيخ في المبسوط : والطلب واجب قبل تضيق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه ، رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف ونحوه ، قال في النهاية : ولم يفرق بين السهلة والحزنة ، وقال المفيد وابن إدريس : بالسهمين في السهلة وبسهم في الحزنة ، ولم يقدره السيد المرتضى في الجمل ، ولا الشيخ في الخلاف بقدر ، وحسن في المعتبر القول بوجوب الطلب ما دام الوقت باقيا ، والمعتمد اعتبار الطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة بحيث يتحقق عرفا عدم وجدان الماء.

الحديث السابع : حسن.

وفي الصحاح : الركية البئر وجمعها الركي ، وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : الظاهر أن المراد به ما إذا كان في النزول إليها مشقة كثيرة ، أو كان مستلزما لإفساد الماء ، والمراد بعدم الدلو عدم مطلق الإله ، فلو أمكنه بل طرف عمامته مثلا ثم عصرها والوضوء بمائها ، لوجب عليه وهذا ظاهر.

قولهعليه‌السلام : « هو رب الأرض » يشعر بكون المراد بالصعيد الأرض وبجواز

١٧٩

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن يعقوب بن سالم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع.

٩ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فإن رب الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى

_________________________________________

التيمم بالحجر فتدبر.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

وفي الصحاح : التغرير حمل النفس على الغرور ، وقد غرر بنفسه تغريرا وتغررة.

الحديث التاسع : مجهول كالصحيح ، وفي التهذيب صحيح.

قولهعليه‌السلام : « ولا يفسد » أي بالغسل بناء على أن اغتسال الجنب موجب للنزح أو بالنجاسة لإزالة المني فيه ، أو بأن يموت ويفسد ماء القوم ، أو بأن يخلط بالحمأ والطين ، أو بالاستقذار الحاصل لنفس القوم بعد العلم بهذا الاستعمال ، وعلى التقادير يمكن أن يكون المنع لعدم رضاء القوم باستعمال مائهم.

الحديث العاشر : موثق.

وقال في المدارك : لو أخل بالطلب وضاق الوقت فتيمم وصلى ثم وجد الماء في محل الطلب فالأظهر أنه كعدمه وقيل : بوجوب الإعادة هنا تعويلا على رواية

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

مبيت عليعليه‌السلام في فراش رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : لقد دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً الهجرة ، وطلب إليه أن يبيت في المكان الّذي اعتاد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبيت فيه ، وان يتغطى بالبرد الحضرميّ الّذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغطى به حتى إذا نظر ناظر من قريش إلى الدار رأى كأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائم في مكانه مغطى بالبرد الّذي يتغطى به ، وهذا الذي كان من عليّ في ليلة الهجرة إذا نظر إليه في مجرى الاحداث الّتي عرضت للامام علي في حياته بعد تلك الليلة فانه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة واشارات دالة على ان هذا التدبير الّذي كان في تلك الليلة لم يكن أمراً عارضاً بل هو عن حكمة لها آثارها ـ إلى ان قال ـ انه إذا غاب شخص الرسول كان علىٌ هو الشخصية المهيّأة لأن تخلفه وتمثّل شخصه وتقوم مقامه ، حين نظرنا إلى عليّ وهو في برد الرسول وفي مثوى منامه الّذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا : هذا خَلَفُ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقائم مقامه(١) .

بقية قصةِ هجرةِ النبيّ :

انتهت المراحلُ الاُولى لنجاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفق تخطيط صحيح ، بنجاح ، فقد لجأ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منتصف اللّيل إلى غار ثور ، واختبأ فيه ، وبذلك أفشل محاولة المتآمرين عليه.

ولقد كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوال هذا الوقت مطمئناً لا يحسُّ في نفسه بأيّ قلق أو إظطراب ، حتّى انه طمأن رفيقَ سفره عندما وجده مضطرباً في تلك اللحظات الحساسة بقوله : «لا تَحْزَنْ اِنَّ اللّه مَعَن »(٢) .

وبقي هناك ثلاث ليال محروساً بعين اللّه تعالى ومشمولا بعنايته ولطفه ،

____________

١ ـ راجع كتاب علي بن أبي طالب بقيّة النبوّة وخاتم الخلافة ، ص ١٠٣ ـ ١٠٥ ملخّصاً.

٢ ـ التوبة : ٤٠.

٦٠١

وكان يتردّد عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الاثناء علىٌعليه‌السلام وهند ابن ابي هالة ( ابن خديجة ) على رواية الشيخ الطوسي في أماليه ، وعبد اللّه بن أبي بكر وعامر بن فهيرة راعي اغنام أبي بكر ( بناء على رواية كثير من المؤرّخين ).

يقول ابن الاثير : كان عبد اللّه بن ابي بكر يتسمَّع لهما بمكة نهاره ثم يأتيهما ليلا ، وكان يرعى غنمه نهاره على مقربة من الغار ، وكان إذا غدا من عندهما عفى على أثر الغنم(١) .

يقول الشيخ الطوسي في أماليه : عند ما دخل عليعليه‌السلام وهند على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار ( بعد ليلة الهجرة ) أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً أن يبتاع بعيرين له ولصاحبه ، فقال أبو بكر : قد كنتُ أعددت لي ولك يا نبي اللّه راحلتين نرتحلهما إلى يثرب.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلاّ بالثمن. ثم أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام فدفع إليه ثمن البعيرين(٢) .

وكان من جملة وصايا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام في الغار في تلك الليلة ان يؤدي أمانته على أعين الناس ظاهراً وذلك بأن يقيم صارخاً بالابطح غدوة وعشياً : ألا من كان له قبل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤدِ إليه أمانته(٣) .

ثم أوصاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفواطم ( والفواطم هن : فاطمة الزهراء بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحبيبة لديه ، والأثيرة عنده ، وفاطمة بنت أسد اُمّ عليّعليه‌السلام وفاطمة بنت الزبير ومن يريد الهجرة معه من بني هاشم ) ، وأمره بترتيب أمر ترحيلهم معه إلى يثرب وتهيئة ما يحتاجون إليه من زاد وراحلة.

وهنا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبارته الّتي تذرَّع بها ابن تيمية في دليله

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ج ٢ ، ص ٧٣ مع تصرف.

٢ ـ أمالي الشيخ : ج ٢ ، ص ٨٢.

٣ ـ الكامل : ج ٢ ، ص ٧٣. السيرة الحلبية : ج ٢ ، ص ٥٣.

٦٠٢

الأول : « انهم لن يصلوا من الآن اليك يا عليّ بامر تكرهه حتّى تقدم عليَّ ».

فالملاحظ للقارئ هو أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما قال هذه العبارة عندما أمره باداء أمانته ، وذلك بعد انقضاء قضية ليلة المبيت.

أي انه أمر علياً بذلك ، وقال له تلك العبارة وهو يتهيّأ للخروج من غار ثور.

يقول الحلبي في سيرته : « وصى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في احدى الليالي وهو بالغار علياً رضي اللّه عنه بحفظ ذمته واداء امانته ظاهراً على اعين الناس »(١) .

وثم ينقل عن مؤلف كتاب « الدر » ما يقتضي انه اجتمع به عند خروجه من الغار.

وخلاصة القول : انه مع رواية شيخ جليل من مشائخ الشيعة الامامية كالشيخ الطوسي بالاسناد الصحيحة أن الأمر بردّ الودائع والامانات صدر من جانب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّعليه‌السلام بعد ليلة المبيت لا يحقّ لنا أن نعارض هذا النقل الصحيح ، ونعمد إلى الهاء العامة بالتوافه ، وأما رواية مؤرخي اهل السنة هذا المطلب بشكل آخر يوحي ظاهرُه بأن جميع وصايا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ تمت في ليلة واحدة هي ليلة الهجرة ( ليلة المبيت ) فقابلٌ للتفسير والتوجيه ، لأنه لا يبعد أن عنايتهم كانت مركزة على رواية أصل الموضوع ، ولم يكن لظرف صدور هذه الوصايا والأوامر ووقت بيانها اهمية عندهم.

الخروج من الغار :

هيّأ عليعليه‌السلام بأمر النبيّ ثلاث رواحل ودليلا امينا يدعى أريقط ليترحلوها إلى المدينة ، ويدلّهم الدليل على طريقها وأرسل كل ذلك إلى الغار.

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ٢ ، ص ٣٥.

٦٠٣

ولما سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغاء البعير أو نداء الدليل نزل هو وصاحبه من الغار وركبا البعيرين وتوجها من أسفل مكة إلى « يثرب » سالكين إلى ذلك الخط الساحلي ، وقد جاء ذكر المنازل الّتي مرّا بها في السيرة النبوية لابن هشام(١) وفي الهوامش المثبتة على التاريخ الكامل لابن الاثير(٢) .

صفحةُ التاريخ الاُولى :

اجل لقد حلّ الظلام في كل مكان ، ولملمت الشمس اشعتّها الذهبية من هذا الوجه من الكرة الأرضية لتوجّهها إلى الوجه الاخر منها.

وعاد جماعة من رجال قريش الذين سلكوا كل طريق في مكة وضواحيها بحثاً عن النبيّ ، ثلاثة أيام ، بلياليها ، إلى بيوتهم ومنازلهم متعبين مرهقين ، وقد يئسوا من الئفر بالجائزة ( وهي مائة من الإبل ) الّتي وضعتها سادة قريش جائزةً لمن يأخذ محمّداً أو يدل على مكانه ، واُعيد فتح طريق مكة ـ المدينة الّتي اُغلقت لهذه الغاية بعد اليأس من الظفر برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ(٣) .

وفي هذه اللحظات بالذات بلغ نداء الدليل الّذي كان يصطحب معه ثلاث رواحل ومقداراً من الطعام ، إلى مسمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورفيقه وهما في الغار وقد كان يقول بصوت خافت : لابد ان نتخد من ظلام هذا الليل ستراً ، ونسرع في الخروج من حدود المكيّين ، ونختار طريقاً يقلّ سالكوه ولا يهتدي إليه أحد.

ويبدأ تاريخ المسلمين من العام الّذي تضمَّن تلك الليلة بالضبط ، وجعل المسلمون يقيسون كل ما يقع من الحوادث بذلك العام وبذلك يحددون تاريخه وزمان حدوثه.

__________________

١ ـ السيرة النبوية لابن هشام : ج ١ ، ص ٤٩١.

٢ ـ الكامل في التاريخ : ج ٢ ، ص ٧٥.

٣ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ١٠٤.

٦٠٤

لماذا أصبح العامُ الهجريُ مبدأ للتاريخ :

إن الإسلام أكمل الشرائع السماوية قاطبة ، وقد جاء إلى البشرية بما تتضمنه شريعة موسى وعيسىعليهما‌السلام ولكن بصورة أكمل وبصيغة تطابق وتتمشى مع جميع الظروف والأوضاع.

ومع أن السيد المسيحعليه‌السلام وميلاده المبارك يحظى بالاحترام عند المسلمين إلاّ أنّ ميلادهعليه‌السلام لم يُتخَذ لديهم مبدأ للتاريخ ، والتوقيت.

وكانت العرب قد جعلت عام الفيل(١) مبدأ لتاريخها ، وكانت تقيس حوادثها واُمورها إليه فترة من الزمن ، ومع أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قَد وُلِدَ في ذلك العام نفسه ، إلاّ أن المسلمين لم يتخذوه مع ذلك مبدأ للتاريخ ، لأنه لم يكن ينطوي على ما يتصل بقضية الإيمان والإسلام.

ولاجل هذا أيضاً لم يتخذوا عام البعثة مبدء لتاريخ المسلمين أيضاً لأن عدد المسلمين لم يكن يتجاوز في ذلك اليوم ثلاثة أشخاص ، إِذن فلم يكن في اي واحد من تلك الحوادث ما يعطي مبرراً قوياً لاتخاذه مبدء للتوقيت والتاريخ ، إذ لابد ان يكون ما يتخذ لذلك قضية مصيرة بالغة الأهمية.

ولكنه في السنة الاولى من الاعوام الهجرية حقق المسلمون انتصاراً عظيماً وباهراً ، وقد اُسست فيه حكومة مستقلة وتخلّص المسلمون من التشرذم والتبعثر ، وتمركزت قواهم وعناصرهم في نقطة واحدة ، وبيئة حرة لا أثرَ فيها للكبت والاضطهاد ، من هنا جعلوا ذلك العام ( أي العام الّذي تحققت فيه هجرة النبيّ العظيم ) مبدءً لتاريخهم ، واخذوا يقيسون إليه ـ وحتّى الآن ـ كل ما يحدث ويقع من خير وشر ، لتحديد تاريخ وقوعه.

من هنا يكون قد مضى على عام هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة الف واربعمائة وتسعة اعوام.

__________________

١ ـ وهو العالم الّذي سيّر فيه أبرهة جيشاً لهدم الكعبة تتقدمة الفيلة. راجع المحبّر : ص ٥ ـ ٨.

٦٠٥

الهجرة النبوية مبدأ لتاريخ المسلمين كافة :

ولقد جعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التاريخ الهجريّ بنفسه.

وانّ أيَّ إعراض وتجاهل لهذا التاريخ ، واختيار تاريخ آخر مكانه إعراضٌ عن سنة رسول الإسلام الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومخالفة لما رسمه للمسلمين في هذا المجال.

إن وجود تاريخ معين ثابت ( مؤلّف من السنة والشهر واليوم ) في الحياة الإجتماعية البشرية ، من الاُمور الضرورية الحيوية بل هو في غاية الضرورة والحيوية ، من أجل أن لا تتوقف عجلة الحياة الإجتماعية البشرية عن الدوران والحركة بسبب فقدان مقياس زمني ثابت ومعلوم للامور والحوادث.

وتلك حقيقة لا حاجة إلى اقامة البرهان عليها لأنَّ الاستدلال عليها يكون مثل الاستدلال على الامور البديهية.

فهل يكون تنظيم المعاهدات ، والمواثيق السياسية والعسكرية ، والاتفاقيات ، والعقود الاقتصادية وتحويل وتسديد السندات والحوالات التجارية ودفع الديون وكتابة الرسائل العائلية من دون ذكر تاريخ معين فيها أمراً مفيداً؟ كلا حتما ، ودون ريب.

فعندما سأل بعض الصحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن علة اختلاف أشكال القمر ، وانه لماذا يكون هلالا تارة ثم بدراً اُخرى. ثم يعود إلى سيرته الاُولى هلالا ، نزل الوحيُ الالهي ، يبيّنُ بعض حكمة هذه الظاهرة الطبيعية إذ قال تعالى : « قل هيَ مواقيت للنّاس »(١) .

أي ان اختلاف اشكال القمر وهيئاته انما هو لاجل ان يعرف الناسُ به الوقت والتاريخ فيعرفوا في أي يوم من الشهرهم ، في مبدئه أو منتصفه ، أو منتهاه ،

__________________

١ ـ البقرة : ١٨٩ ومطلعها : « يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت ».

٦٠٦

ولكي يعرفوا بواسطة ذلك مواعيد واجباتهم الشرعية والاجتماعية ، ويعرف الدُّيّان موعد تسلّم دُيونهم ، ويعمَدُ المَدِينون إلى دفع ما عليهم في وقته ، ويقومَ المؤمنُون بفرائضهم المقيَّدة بالازمنة والاوقات كالصوم والحج وماشابه ذلك.

من هنا لا مجال للنقاش في احتياج كل اُمة إلى تاريخ معين ثابت محدّد تجعله ملاكاً للتوقيت ، ومداراً لتحديداتها الزمنية.

إنما الكلام هو في ما ينبغي إتباعه والجري عليه من التواريخ ، وتنظيم المستندات والمكاتبات والمواعيد وفقاً له.

وبعبارة اُخرى : إن الكلام إنما هو في ما ينبغي جعله مبدءً للتاريخ يقاس به كل العُقودِ والاتفاقات من حيث الزمان ، والتوقيت.

فما الّذي يصلح أوينبغي إتخاذه مبدءً للتاريخ للامة الإسلامية؟

الجواب :

إن الاجابة على هذا السؤال واضحة جداً ، وتلك الاجابة هي :

إذا كانت لاُمة من الامم حوادث لامعة وسوابق مشرقة في حياتها ، وثقافة خاصة بها ، وديناً ومسلكاً مستقلا وشخصيات علمية وسياسية بارزة ، واحداث ووقائع عظيمة مثيرة ، تبعث على الفخر والاعتزاز ، ولم تكن كنبتة وحشية نبتت عفواً واعتباطاً من غير قانون ولا جذور كبعض الجماعات والشعوب الجديدة الظهور الّتي لا ترتكز إلى اُصول ثابتة معلومة.

فان على مثل هذه الاُمة أن تتخذ من أعظم حوادثها الاجتماعية والدينية مبدءً لتاريخها الّذي تقيس ، وتنظم عليه بقية حوادثها وأعمالها الّتي سبقت تلكم الحادثة العظمى ، أو الّتي وقعت اوتقع بعدها.

ومن هنا تكون قد اكسبت شخصيتها وكيانها قوةً اكبر ، وصانت نفسها من التبعية للشعوب والاُمم الاخرى ، والميعان والفناء فيها.

وإذ لم يكن في تاريخ الاُمة الإسلامية شخصية أعلى شأناً من شخصية رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما لم يكن هناك حادثة أعظم ، وانفع من حادثة

٦٠٧

الهجرة النبوية المباركة ، لأن هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحت ـ في الحقيقة ـ صفحةً جديدةً في حياة البشرية ، فقد خرج رسول الإسلام واتباعه من بيئة مكة الرازحة تحت الكبت ، إلى بيئة مناسبة حرة مكنّتهم من إحداث انطلاقة كبرى لم يشهد التاريخُ البشريُ برمّته لها مثلا.

فقد استقبل اهلُ المدينة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن هاجر معه من المسلمين إلى يثرب استقبالا حاراً ، ووضعوا تحت تصرّفه كلَّ ما توفر لديهم من الامكانات والقوى ، فلم يمض زمن إلاّ وتمتع الإسلام بفضل هذه الهجرة المباركة بتشكيلات سياسية وعسكرية ، واتخذ صورة وشكلَ حكومة قوية لها وزُنها ، وشأنُها ، وجانبُها المرهوب في شبه الجزيرة العربية ، وسرعان ما نشر رايته على البسيطة كلها تقريباً ، وأسس حضارةً عظمى لم تر البشرية لها نظيراً.

فاذا لم تحدث تلك الهجرة المباركة المعطاء لقُضي على الإسلام في محيط مكة ، وحُرمَ العالم الانساني من هذا الفيض العظيم.

من هنا ، ولأجل هذا اتخذ المسلمون هجرة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبدءً لتاريخهم ، ودأبوا على ذلك إلى الآن حيث ينقضي أكثر من ألف وأربعمائة عام ، أي أن هذه الامة الكبرى تركت وراءها إلى هذا اليوم أربعة عشر قرناً من الأمجاد والمفاخر ، وهي الآن على أعتاب القرن الخامس عشر؟

من الّذي جعل الهجرة مبدءً للتاريخ؟

على العكس مما هو مشهور بين المؤرخين من أن الخليفة الثاني جعل هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبدءً للتاريخ باقتراح وتأييد من الامام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وامر بأن تؤرخ الدواوين ، والرسائل والعهود وما شابه ذلك بذلك التاريخ ، فان الامعان في مراسلات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكاتباته الّتي هي مدرجة في الأغلب في كتب التاريخ والسيرة والحديث والسنة ، وكذا غير ذلك من الادلة الّتي سوف نذكرها في هذه الصفحات يثبت أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ ،

٦٠٨

وكان يؤرّخ رسائله ، وكتبه إلى امراء العرب ، وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة بذلك التاريخ ( أي التاريخ الهجري ).

وها نحن ندرج هنا نماذج من تلك الرسائل النبوية المؤرخة بهذا التاريخ ، ثم نعمد بعد ذلك إلى استعراض الدلائل الاُخرى على هذا الأمر ، ونحن نحتمل ان تكون هناك أدلة اُخرى غير ما سنذكره هنا ـ أيضاً ـ لم نقف عليها.

نماذج من رسائل النبيّ المؤرخة :

١ ـ طلب سلمان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يكتب له ولأخيه ( ماه بنداذ ) ولأهله وصية مفيدة ينتفع بها ، فاستدعى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وأملى عليه اُموراً ، وكتبها عليعليه‌السلام ثم جاء في آخر تلك الوصية :

« وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب سنة تسع من الهجرة »(١) .

٢ ـ أدرج المؤرخُ الشهير « البلاذري » في كتابه « فتوح البلدان » نصَّ معاهدة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع يهود « المقنا » وذكر أن مصرياً رأى نصَ هذه المعاهدة في جلد أحمر اللون عتيق وكان قد استنسخَها ، فقرأها لي.

ثم نقل البلاذري نص تلك المعاهدة وقد جاء في نهايتها :

« وليس عليكم امير الا من انفسكم أو من اهل بيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتب علي بن أبو طالب في سنة تسع »(٢) ومع أن « أبا طالب » يجب أن يكتب حسب القواعد الادبية في المقام « أبي طالب » لكونه مضافاً إليه فقد كتب : « علي بن أبو طالب » ولكن مع ذلك ذكر المحققون ان قبيلة قريش كانت تتلفظ لفظة أب في جميع الموارد ( أي في حالة النصب والرفع والجرّ ) ب‍ « أبو » وتكتبها كذلك أيضاً ، وقد صرح الاصمعيّ بهذا من بين الادباء.

ويقول البروفيسور « محمّد حميد اللّه » مؤلف كتاب « الوثائق السياسية » : اني

__________________

١ ـ اخبار اصفهان : تأليف ابي نعيم ، ج ١ ، ص ٥٢ و ٥٣.

٢ ـ فتوح البلدان : ص ٧٢.

٦٠٩

لما كنت في المدينة المنورة في شهر محرم سنة ١٣٥٨ وجدت في الكتابة القديمة الّتي في جنوبي جبل سلع في المدينة المنورة « أنا علي بن أبو طالب »(١) .

٣ ـ جاء في معاهدة الصلح الّتي نظمها « خالد بن الوليد » لاهل دمشق ، ونص فيها على احترام دمائهم ، واموالهم وكنائسهم : « وكتب سنة ثلاث عشرة »(٢) .

وكلنا نعلم أن دمشق فتحت في أواخر حياة الخليفة الأوّل.

فما يدعيه البعض من ان التاريخ الهجري قد اتخذ في عهد الخليفة الثاني بارشاد وتأييد من الامام عليعليه‌السلام غير صحيح فان تاريخ ذلك يرتبط بالسنة السادسة عشرة أو السابعة عشرة من الهجرة ، والحال ان هذه المعاهدة قد نظِّمت ودُوّنت واُرخت بالتاريخ الهجري قبل ذلك بأربع سنوات.

٤ ـ ان كتاب الصلح الّذي كتبه الامام عليعليه‌السلام بأمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنصارى نجران مؤرَّخ بالسنة الهجرية الخامسة.

فقد جاء في هذه الرسالة :

« وأمر علياً ان يكتب فيه انه كتب لخمس من الهجرة »(٣) .

ان هذه الجملة تفيد بوضوح ان النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو واضع التاريخ الهجري ومؤسسه الاوّل وهو الّذي أمر علياًعليه‌السلام بان يؤرخ ذلك الكتاب بالتاريخ الهجري في ذيله.

٥ ـ جاء في مقدمة الصحيفة السجادية : قال جبرئيل وهو يفسر رؤيا رآها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشر ، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمس ، ثم لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها »(٤) .

__________________

١ ـ مكاتيب الرسول : ص ٢٨٩ ، نقلا عن شرح ملا علي القاري لشفاء القاضي عياض ، وكذا الوثائق السياسية.

٢ ـ الاموال : طبعة مصر ، ص ٢٩٧.

٣ ـ التراتيب الادارية : ج ١ ، ص ١٨١ نقلا عن السيوطي.

٤ ـ مقدمة الصحيفة السجادية ، سفينة البحار : ج ٢ ، ص ٦٤١.

٦١٠

٦ ـ يروي المحدثون الاسلاميُّون أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لام سلمة :

« يُقتَل الحسين بن علي على راس ستين من مهاجري »(١) .

٧ ـ قال أنس بن مالك : « حدثنا أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تأتي مائة سنة من الهجرة ومنكم عين تطرف »(٢) .

٨ ـ أرخ أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ايام حياته الحوادث الإسلامية بهجرته فقالوا : وقع كذا في الشهر كذا من الهجرة ، مثلا كانوا يقولون : حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في شهر شعبان ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر شهراً(٣) .

على رأس ثمانية عشر شهراً فرِضَ صوم شهر رمضان(٤) .

وقال عبد اللّه بن انيس أمير الوفد الّذي بعثه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

خرجت من المدينة يوم الاثنين لخمس خلونَ من المحرم على رأس أربعة وخمسين شهراً(٥) .

وقال محمّد بن سلمة عن غزوة القرطاء : خرجتُ في عشر ليال خلون من المحرم فغبت تسع عشرة وقدمتُ لليلة بقيت من المحرم على رأس خمسة وخمسين شهراً(٦) .

إنَّ هذا النوع من تاريخ الحوادث والوقائع يكشف عن ان المسلمين كانوا إلى السنة الخامسة من الهجرة يقيسون الحوادث بهجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤرخون بها عن طريق عدّ الأشهر ، حتّى إذا كانت السنة الخامسة من الهجرة

__________________

١ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٩٠.

٢ ـ تاريخ الخميس : ج ١ ، ص ٣٦٧.

٣ ـ نفس المصدر : ج ١ ، ص ٣٦٨.

٤ ـ المغازي : ج ٢ ، ص ٥٣١ تحقيق الدكتور مارسدن جونس.

٥ ـ المغازي : ج ٢ ، ص ٥٣١.

٦ ـ المغازي : ج ٢ ، ص ٥٣٤.

٦١١

أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باحلال السنة الهجرية مكان الشهر الهجري ( كما مرّ في الرسالة رقم ٤ ) حيث أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بان يُؤرَّخ الكتاب الّذي كتبه لنصارى نجران بالعام الهجري.

٩ ـ نقل المحدثون الاسلاميون عن الزهري قوله : ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قدم المدينة مهاجراً أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأوّل ( اي شهر قدومه المدينة )(١) .

١٠ ـ روى « الحاكم » عن « ابن عباس » ان التاريخ الهجري بدأ من السنة الّتي قدم فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة(٢) .

إن هذه النصوص تحكي عن أنّ قائد الإسلام الأكبر قد أوضح مسألة التاريخ من اليوم الاول. وانه جعل هجرته مبدأ لذلك التاريخ. غاية ما هنالك أن هذا التاريخ كان إلى فترة من الزمن يعدُّ بالأشهر ثم حل العدُّ بالأعوام منذ حلول السنة الخامسة من الهجرة محل العدّ بالاشهر.

سؤال :

ويمكن ان يسأل سائل : إذا كان حقاً أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مؤسس التاريخ الهجري وواضعه الاوّل فماذا نفعل بالخبر الّذي رواه كثيرٌ من المحدثين والمؤرخين.

فانهم يقولون : رفع رجل إلى عمر صكاً مكتوباً على آخر بدَين يحلّ عليه في شعبان فقال عمر : اي شعبان؟ أمِن هذه السنة أم الّتي قبلها أم الّتي بعدها؟

ثم جمع الناس ( أي أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فقال : ضعوا للناس شيئاً يعرفون به حلول ديونهم فيقال : أن بعضهم أراد أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم كلما هلك ملك أرّخوا من تاريخ ولاية الّذي بعده فكرهوا ذلك.

__________________

١ ـ فتح الباري : ج ٧ ، ص ٢٠٨ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٢٨٨ طبعة دار المعارف.

٢ ـ مستدرك الحاكم : ج ٣ ، ص ١٣ و ١٤ وقد صححه على شرط مسلم.

٦١٢

ومنهم من قال : ارخوا بتاريخ الروم من زمان اسكندر فكرهوا ذلك لطوله أيضاً.

وقال آخرون : أرّخوا من مولد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال آخرون : أرخوا من مبعثه. واشار علي بن أبي طالبعليه‌السلام أن يؤرخ من هجرته إلى المدينة لظهوره على كل أحد ، فانه أظهر من المولد والمبعث ، فاستحسن عمر ذلك والصحابة ، فأمر عمر أن يؤرَخ من هجرة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

الجواب :

إنّ هذا القسم من التاريخ لا يمكن الاستناد إليه في مقابل النصوص الكثيرة الّتي وصفت الرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه واضعَ التاريخ الهجري ومؤسسه الأول.

هذا مضافاً إلى أنه من الممكن أن يكون التاريخ الهجري الّذي وضعه النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تعرّض للترك ، وفقد رسميته بمرور الزمن وقلة الحاجة إلى التاريخ ولكن جُدِّد في زمن الخليفة الثاني ، بسبب اتساع نطاق العلاقات واُعيد الاهتمام به لاشتداد الحاجة إليه في هذا العهد.

التذكير بنقطتين :

١ ـ لا نجد في الاقتراحات الّتي عرضت على الخليفة في مجال التاريخ أي ذكر للتاريخ المسيحي الّذي يجعل ميلاد السيد المسيحعليه‌السلام مبدءً للتاريخ.

والعلة هي : أن التاريخ الميلادي ظهر في القرن الرابع الاسلامي بين

__________________

١ ـ البداية والنهاية : ج ٧ ، ص ٧٣ و ٧٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٢ ، ص ٧٤. الكامل لابن الاثير : ج ١ ، ص ١٠.

٦١٣

المسيحيين بعد سلسلة من المحاسبات التخمينية ، فهو لم يكن رائجاً قبل ذلك.

٢ ـ ان البلاد والاقطار الإسلامية بحاجة اليومَ إلى الوحدة والاتفاق اكثر من اي زمن مضى.

ومن مظاهر تلك الوحدة هو السعي للحفاظ على التاريخ الاسلامي الهجري.

ومن هنا يتوجب على الاقطار الإسلامية ان تقيم كل روابطها ، وعلاقاتها على أساس التاريخ الهجري ، شمسياً كان أو قمرياً.

وان هذا الأمر بحاجة إلى مؤتمر إسلامي كبير يشترك فيه كبارُ الشخصيات الفكرية الإسلامية من أجل توحيد التاريخ ، ودراسة السبل الكفيلة بالوصول إلى هذا الأمر ، والتخلّص من التبعية الغربية في التاريخ.

ان من المؤسف جداً أن تتجاهل بعض الدول الإسلامية والعربية التاريخَ الهجري وتعتمد التاريخ الميلادي المسيحيّ ، حتّى أن شيخ الجامع الازهر الّذي يشكل قمة القيادة الدينية في المجتمع السني يؤرخ رسائله بالتاريخ الميلادي ، ولا يذكر إلى جانبه التاريخ الهجري على الأقل!!(١)

مؤامرة الطاغوت :

وكانت ايران من الاقطار الإسلامية الّتي حافظت بشدة على التاريخ الهجري ، واعتمدته في اعمالها ، ولكن في المؤامرة الّتي نفّذت بواسطة الطاغية المقبور في عام ١٣٩٩ هـ ، استبدلت التاريخ الهجري بالتاريخ الشاهنشاهي واُعلن في وسائل الاعلام عن وجوب اعتماد هذا التاريخ المختلَق بدل التاريخ الهجري الاصيل!!

ولقد تصوَّر الطاغوتُ الأرعن أنه يستطيع بحذف التاريخ الهجري ، واستبداله

__________________

١ ـ وقد رأيت أنا شخصياً رسالةً من شيخ الجامع الأزهر الاسبق هو الشيخ محمود عبد الحليم وعليها التاريخ الميلادي فحسب!!

٦١٤

بالتاريخ الشاهنشاهي المشؤوم تثبيت قواعد حكومته المهزوزة ، وسلطانه المنخور ، ونظامه الظالم المتهرئ ، مدة أطول ، ولكن العناية الالهية ، وهمة الشعب الإيراني المسلم العالية ، وقيادة الاستاذ الاكبر آية اللّه العظمى الإمام الخمينيقدس‌سره الشريف أفشلت هذه المحاولة النكراء ، وآل الأمر إلى اسقاط النظام الشاهنشاهي بثورة الشعب المجيدة واقامة حكومة الجمهورية الإسلامية على انقاض الحكم الملكي المباد ، واحلال التاريخ الهجري الاسلامي المبارك محلّ التاريخ الشاهنشاهي المختلق. والحمد للّه(١) .

برنامج الرحلة في حادث الهجرة :

لقد كان على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يقطع ـ للوصول إلى المدينة ـ ما يقرب من اربعمائة كيلومتراً ، ولا شك أن طيّ هذه المسافة الطويلة تحت تلك الحرارة العالية الدرجة بحاجة إلى خطة صحيحة ، لضمان السلامة ، خاصة وانهم كانوا يخافون من أن يقوم الأعراب الذين كانوا ربما يصادفونهم في اثناء الطريق باخبار قريش بهم ، ولهذا كانوا يسيرون ليلا ويستريحون نهاراً.

ويبدو أن شخصاً شاهد النبيّ ومن معه في أثناء الطريق فرجع إلى مكة وأخبر قريشاً بذلك فخرج « سراقة بن مالك بن جعشم » يطلبهم طمعاً في جائزة قريش الكبرى فلحق برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد صرفَ قريشاً عن ملاحقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذلك ليتفرد بها.(٢)

يقول ابن الاثير : تبعهم سراقة فلحقهم فقال أبو بكر : يا رسول اللّه ادركنا الطلبُ ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تحزن إنَّ اللّهَ معنا ».

ثم قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهم اكفني شرَّ سُراقة بما شئتَ » فجمح به فرسُه وطرحه أرضاً.

__________________

١ ـ يستخدم فى ايران تاريخ هجري آخر هو التاريخ الهجري الشمسي وهو ينفع لمعرفة الفصول وما شاكل ذلك.

٢ ـ التاريخ الكامل : ج ٢ ، ص ١٠٥.

٦١٥

فعلم سراقة أن هذا من دعاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولهذا قال بنبرة المعتذر الملتمس : يا محمّد هذه إِبلي بين يديك فيها غلامي.

وان احتجت إلى ظهر ( اي مركوب ) أو لبن فخذ منه فقد حكّمتك في مالي.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا حاجة لي في مالك(١) .

وروى المجلسي ان سراقة قال : فسلني حاجة.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رُدَّ عنّا مَنْ يطلبُنا من قريش.

فانصَرف سراقة فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم : انصرفوا عن هذا الطريق فلم يمرّ فيه أحد ، وأنا اكفيكم هذا الطريق فعليكم بطريق اليمن والطائف.

وهكذا ما كان يمرّ باحد إلاّ وصرفه عن البحث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق بمثل هذا الكلام.

ثم إن كُتّاب السيرة من الشيعة والسنّة يذكرون لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرامات كثيرة في طريق مكة ـ المدينة ونحن ندرج واحدة منها :

مرّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أثناء الطريق على خيمة اُم معبد وكانت إمرأة شجاعة فاضلة فنزلوا بخيمتها وطلبوا منها تمراً ولحماً أو لبناً يشترون.

فقالت : ما يحضرني شيء وكانت أغنامها قد اُصيبت بالهزال بسبب الجدب ، فنظر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى شاة في جانب من الخيمة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها : ما هذه الشاة يا اُم معبد؟ قالت : شاةٌ خلّفها الجهدُ من الغنم فقال : هل بها من لبن؟.

قالت : هي أجهدُ من ذلك ، قال : أتأذنين ان أحلبها؟.

____________

١ ـ يذكر كثير من المؤرخين كابن الاثير في الكامل : ج ٢ : ص ١٠٥. والمجلسي في البحار : ج ١٩ ، ص ٧٥ ـ ٨٨ القصة كما نقلناها هنا ، ولكن مؤلف حياة محمّد يقول : ان سراقة تطيّر لما كبا به فرسُه واُلقي في روعه أن الآلهة مانعة منه ضالَّته.

٦١٦

قالت : نعم ان رأيت بها حلباً فاحلبها.

فدعا بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمسح بيده ضرعَها ، وسمّى اللّه عزوجل ، ودعا لها في شاتها قائلا اللّهم بارك لها في شاتها فدرَّت لبناً كثيراً بفضل دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطلبَ إناءوحلبها ، فسقاها أولا حتّى رُوِّيَت ثم سَقى أصحابَهُ حتّى رَوُوْا وشرب هو آخرَهم ، وقال :

« ساقي القوم آخرهم شرباً ».

ثم حلب الشاة مرةً ثانيةً فغادره عندها ، وثم ارتحلوا عنها إلى المدينة(١) .

وقد ذُكرت هذه الكرامة في كثير من كتب السيرة والتاريخ ، وهو أمر ممكن في رؤية المؤمن باللّه ، لأن الدعاء أحدُ الاسباب التي تستطيع أن تؤثر في الطبيعة ، وشأنها شأن غيرها من الكرامات الّتي ورد ذكرها في الكتب الدينية وصدقته التجربة(٢) .

النزول في قرية قباء :

تقع قرية قباء على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة وكانت مساكن « بني عمرو بن عرف » ومركزهم.

ولقد وصل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه إلى قباء في الثاني عِشر من شهر ربيع الاول يوم الاثنين ، ونزل على « كلثوم بن الهرم » وهو شيخ من بني عمرو وكان ثمة جمع كبير من المهاجرين والانصار ينتظرون قدومه ، ويستخبرون وروده.

ولقد لبث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قباء إلى آخر أيام الاسبوع ، وقد خط في هذا الفترة مسجداً لقبيلة « بني عمرو بن عوف » ، ونصب قبلته(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٧٥.

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٤٣ وج ١٩ ، ص ٩٩ ـ ١٠٣ ، الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ٢٣٠ و ٢٣١ ، تاريخ الخميس : ج ١ ، ص ٣٣٣ ، اُسد الغابة : ج ١ ، ص ٣٧٧.

٣ ـ تاريخ الخميس : ج ١ ، ص ٣٣٨.

٦١٧

وكان البعض ممن رافق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرّ عليه أن يسارع في الدخول إلى المدينة ، ولكن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتظر ابن عمه علياً.

ويقول : فما أنا بداخلها حتّى يقدم ابن اُمّي وأخي ، وابنتي ( يعني عليّاً وفاطمةعليهما‌السلام )(١) .

وأقام عليّعليه‌السلام بمكة ثلاث ليال بايامها ، حتّى أدّى عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الودائع الّتي كانت عنده للناس فقد وقفعليه‌السلام على مكان مرتفع في مكة ونادى قائلا :

« مَن كانَ لَه قِبَلَ محمّد أمانةٌ أو وديعةٌ فليأتِ فلنؤدّ إليه أمانتهُ ».

فكان يأتيه من له أمانةٌ أو وديعة عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويذكر علامتها ويأخذها فلما فرغعليه‌السلام من اداء الامانات والودائع خرج بفاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامه فاطمة بنت اسد ، وفاطمة بنت الزبير وآخرين ممن لم يكن قد هاجر مكة حتى تلك الساعة ، وتوجه بهم نحو المدينة ليلا سالكا بها طريقاً في « ذي طوى ».

كتب الشيخ الطوسي في اماليه في هذا الصدد يقول : إن جواسيس قريش غرفت بسفر علي مع تلك الجماعة ، فخرجوا لملاحقتهم ، لغرض اعادتهم إلى مكة ، فادركوهم في منطقة « ضجنان ».

ووقع بين رجال قريش وبين عليعليه‌السلام تلاح وتناوش ، وأخذٌ وردٌّ ، ودنا الرجال من النسوة ، والمطايا ليثوروها فحال عليّعليه‌السلام بينهم ، وبينها ، ولم يجدعليه‌السلام طريقاً إلاّ أن يدافع عن حرم الإسلام والمسلمين ، فشدّ عليهم بسيفه شدَّة الأسد الغضِب والليث الغيور وهو يقول مرتجزاً :

خَلُّوا سبيل الجاهد المجاهِد

آليتُ لا أعبُدُ غَيرَ الواحِدِ

 __________________

١ ـ الفصول المهمة لابن صباغ المالكي : ص ٣٥ دون ان يذكر اسماً ، وامالي الشيخ الطوسي : ج ٢ ، ص ٨٣.

٦١٨

فلما وجدوا ما به من الجدّ والغضب خافوه وتفرّقوا عنه وقالوا : بنبرة الخائف المتضرع ـ : إحبس عنّا نفسَكَ يا ابن أبي طالب ، فقالعليه‌السلام :

« فإنّي مُنْطَلِقٌ إلى ابن عمّي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيثرب فمن سرّهُ ان اُفري لحمه واُهريق دمه فليتبعني ، وليدنُ مني ».

فتركه القومُ وعادوا من حيث أتوا ، وواصل الركبُ رحلته باتجاه المدينة.

يقول ابن الاثير : قدم « علي » المدينة وقد تفطّرت قدماه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعوا لي عليّاً ، قيل : لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتنقه وبكى رحمةً لما بقدميه من الورم(١) .

ولقد قدم رسول اللّه قباء في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، والتحق به عليُّعليه‌السلام في منتصف ذلك الشهر نفسه(٢) ، ويؤيد هذا القول ما ذكره الطبري في تاريخه إذ كتب يقول : واقام علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها حتّى أدى عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الودائع الّتي كانت عنده إلى الناس(٣) .

المدينة تهبُّ لقدوم النبيّ :

ولقد كان يوم دخول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً عظيماً جداً ، ومشهوداً.

فكم ترى ستكون عظيمةً فرحةُ الذين آمنوا برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ ثلاث سنوات ، وظلوا طوال هذه الأعوام يبعثون برسلهم ووكلائهم إليه ، ويذكرون اسمه المقدس ، ويصلّون عليه في صلواتهم كل يوم ، إذا سمعوا أن

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ج ٢ ، ص ١٠٦.

٢ ـ إمتاع الأسماع : ص ٤٨ وعلى هذا تكون محاصرة بيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تمّت ثلاث ليال قبل شهر ربيع الاول من السنة الاُولى من الهجرة ، وقد خرج النبيّ من داره ليلة الاثنين ودخل غار ثور وبقي ماكثاً فيه ثلاثة أيام ، وخرج منه ليلة الخميس اول ربيع الاول وتوجه نحو المدينة ووصل قباء في الثاني عشر منه راجع تاريخ الخميس : ج ١ ، ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

٣ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٣٨٢.

٦١٩

قائدهم ذلك الّذي طال انتظارهم اياه ، واشتد تشوقهم إليه كائن عند ميلين من مدينتهم قد نزل في قبا اياماً ، وسيقدم اليهم ويدخل مدينتهم بعد ايام؟ وكم سيكون مبلغُ ابتهاجهم ، وأي ابتهاج ترى سيعم كل صغير وكبير؟

إنه حقاً لأمر يعجزُ القلم عن بيانه ، ويكل اللسان عن وصفه.

ولقد كان لفتية الأنصار وشبابهم الضامئين إلى الإسلام الحنيف برنامجٌ رائعٌ وعظيمٌ ، فقد كانوا عمدوا بغية تطهير جوّ المدينة من ادران الوثنية إلى كل صنم في المدينة كان يقدّس ويعبد فاحرقوه وكسّروه ، وقد كان كل شريف في بيته صنمٌ يمسحه ويطيّبه ، ولكل بطن من الأوس والخزرج صنمٌ في بيت لجماعة يكرّمونه ويطيّبونه ، ويجعلون عليه منديلا ويذَبحون له(١) .

ولا بأس في أن نذكر نموذجاً من هذا العمل الجليل الّذي قام به الانصار في التخلّص من الوثنية :

لماقدم من بايع من الأنصار في العقبة الثانية إلى المدينة اظهروا الإسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دين الشرك وعبادة الأوثان منهم « عمرو بن الجموح » وكان من سادات بني سلمة وشريفاً من أشرافهم وكان ابنه « معاذ » بن عمرو قد شهد بيعة العقبة.

وكان عمرو هذا قد اتخذ في داره صنماً من خشب يقال له : مناة ، كما كانت الاشراف يصنعون ، تتخذه إلهاً تعظّمه وتطهّره ، فلما أسلم فتيان بني سلمةَ : معاذ بن جبل ، وابنه معاذُ بن عمرو بن الجموح كانوا يتسلّلون في الليل إلى صنم عمرو بن الجموح فيحملونه ويطرحونه في بعض حُفَر بني سلمة ومزابلها ، وفيها فَضلاتِ الناس وعذرها منكَّساً على رأسه!!

فاذا أصبح عمرو قال : ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟

ثم يغدو يلتمسه حتّى إذا وجده غسله وطهّره وطيّبه. ثم قال للصنم : أما واللّه لو أعلمُ من فَعَلَ هذا بك لاُخزينّه!

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ١٠٧.

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694