سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله7%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 468868 / تحميل: 10040
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ولكن هل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه يستفيد من هذه المشاورة؟ وينتفع بآرائهم ونظرياتهم ، ومقترحاتهم ، أم لا؟.

لقد أجاب علماء العقيدة ورواد علم الكلام الاسلامي من مختلف الطوائف على هذا السؤال في مؤلفاتهم ودراساتهم ، وللقارئ الكريم إذا أراد الوقوف على الجواب أن يراجع تلكم المصنفات.

لكن الذي لا يمكن انكاره في المقام هو : أن هذه المشاورات سيرة حية تركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، ولقد كانت هذه السيرة مؤثرة جدا بحيث استخدم الخلفاء والأمراء من بعده من اسلوب التشاور والشورى ، وكانوا يستفيدون على هذا الاساس من آراء الامام عليعليه‌السلام ونظرياته السامية في الامور العسكرية ، والمشكلات الاجتماعية التي كانت تطرأ على حياة المسلمين.

المشاورات العسكرية :

لما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باقتراب قريش الى المدينة وقف في تلك الشورى التي كانت جمعا كبيرا من صناديد أصحابه ، وقادة جيشه وجنوده وقال بصوت عال : « أشيروا عليّ »(١) .

وهو يطلب بذلك من اولئك الجنود والقادة أن يدلوا بآرائهم في كيفية مواجهة العدو ، وطريقة الدفاع عن حوزة الاسلام وصرح التوحيد المهددة من قبل قريش والمتحالفين معهم من أحزاب الشرك ، وأتباع الوثنية.

فقام « عبد الله بن ابي بن سلول » وكان من منافقي المدينة ، وطرح فكرة التحصّن في داخل المدينة ، والقتال فيها على غرار حرب الشوارع. وذلك بأن لا يخرج المسلمون من المدينة بل يبقوا داخلها ، ويستخدموا أبراجها وسطوحها لمقاتلة العدوّ ودفعه فترمي النساء العدوّ بالأحجار من السطوح ، ويقاتل الرجال أفراده في الشوارع والأزقة قائلا : يا رسول الله كنا نقاتل في الجاهلية فيها ، ونجعل النساء

__________________

(١) راجع الخطبة ١٣٤ من نهج البلاغة.

١٤١

والذراري في هذه الصياصي ونجعل معهم الحجارة ، ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كلّ ناحية وترمي المرأة والصبي من فوق الصياصي والآطام ، ونقاتل بأسيافنا في السكك ( أي الطرقات ).

يا رسول الله إن مدينتنا عذراء ما فضّت علينا قط ، وما خرجنا إلى عدوّ قط إلاّ أصاب منّا. فانهم ان أقاموا أقاموا بشر محبس ، وان رجعوا رجعوا خائبين مغلوبين.

وكان هذا رأي الأكابر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المهاجرين والأنصار ، إلاّ أن الفتيان من المسلمين وبخاصة من لم يشهد منهم بدرا وكانوا يشكلون الاغلبية شجبوا هذا الرأي بشدة ، ورفضوه بقوة وطلبوا من رسول الله الخروج إلى العدو ، ورغبوا في الشهادة ، وأحبّوا لقاء العدو.

وقالوا : إنّا نخشى يا رسول الله أن يظن عدوّنا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا ، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفّرك الله عليهم ، ونحن اليوم بشر كثير ، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعوا الله به فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا.

وقال « حمزة » بطل الاسلام العظيم : لا أطعم اليوم طعاما حتى اجالدهم بسيفي خارجا من المدينة(١) .

الاقتراع من أجل الشهادة!! :

وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة ـ وهو شيخ يقظ البصيرة ـ وقال : ان قريشا مكثت حولا تجمع الجموع ، وتستجلب العرب في بواديها ، ومن تبعها من أحابيشها ، ثم جاءونا قد قادوا الخيل وامتطوا الابل ، حتى نزلوا بساحتنا فيحصرونا في بيوتنا ، وصياصينا ، ثم يرجعون وافرين لم يكلموا ، فيجرّئهم ذلك علينا حتى يشنوا الغارات علينا ، ويصيبوا أطرافنا ، ويضعوا العيون والارصاد علينا ، مع ما قد صنعوا بحروثنا ،

__________________

(١) المغازي ج ١ ص ٢١١ وبحار الانوار ج ١٢٥ من المعلوم أن نظرية عبد الله بن أبي لم تخلو من الخطر ، إذ لم يكن من البعيد ان يستفيد العدوّ بعد دخوله في المدينة من بيوت المنافقين. وأن يتعاون معهم يهود المدينة أيضا فتكون حينئذ الضربة القاضية للاسلام والمسلمين.

١٤٢

ويجترئ علينا العرب حولنا ، حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم ، فنذبهم عن جوارنا ، وعسى الله أن يظفّرنا بهم ، فتلك عادة الله عندنا ، أو تكون الاخرى : الشهادة.

لقد أخطأتني وقعة بدر ، وقد كنت عليها حريصا ، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت(١) ابني على الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة ، وقد كنت حريصا على الشهادة وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ، وهو يقول : الحق بنا ترافقنا في الجنة ، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا.

وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا الى مرافقته في الجنة ، وقد كبرت سني ورقّ عظمي ، وأحببت لقاء ربّي فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة!!!(٢) .

إن هذا الذي ذكرناه ليس سوى نموذج واحد من مواقف كثيرة تجدها أيّها القارئ الكريم في صفحات التاريخ الاسلامي المشرقة فهناك الكثير من هؤلاء الفدائيين المخلصين الذين آلوا على أنفسهم أن يدافعوا عن حياض العقيدة وشرف الدين ، ورزقوا الشهادة في نهاية المطاف.

إن الايديولوجية التي لا تعتمد على اسس الايمان بالله واليوم الآخر قلما تنتج جنديا فدائيا مخلصا مثل خيثمة ، ومن شاكله.

إن روح الفداء والتفاني والايثار بالنفس والتضحية بالغالي والرخيص ، التي تدفع بالجندي إلى أن يطلب الشهادة في سبيل إعلاء كلمة الحق ، وإعزاز التوحيد باصرار وشوق لا توجد إلاّ في مدرسة الأنبياء والمرسلين ، ولا تحصل الاّ في ضوء تربيتهم.

واما في المجتمعات المادية كالمجتمعات الحاضرة التي تهتم أكبر اهتمام بتحسين أحوال العسكريين حيث إن الهدف من الحروب والمعارك لم يكن قط إلاّ الحصول على وضع معيشي أفضل ، فانّه لا يهم الجنود فيها إلاّ الحفاظ على أرواحهم وحياتهم

__________________

(١) اي اجريت القرعة بيني وبين ولدي.

(٢) المغازي : ج ١ ص ٢١٢ و ٢١٣.

١٤٣

فذلك هو أكبر هدف لديهم ، ومن هنا تندر عندهم روح التفاني والتضحية.

وأما في مدرسة الأنبياء فان المعارك والحروب لا يهدف منها إلاّ ابتغاء رضا الله سبحانه ، فلو انحصر ذلك في الشهادة أقدم عليها الجندي المسلم من دون خوف أو وجل ، وعرّض نفسه لجميع الاخطار من دون تلكؤ أو ابطاء.

حصيلة الشورى :

لقد أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأى الاكثرية التي كانت ترجح الخروج من المدينة لمقاتلة العدوّ ، ورجح هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البقاء في المدينة وقتال العدو داخلها ، إذ لم يكن من الصالح ـ بعد ما اقترحه قادة جيشه البارزين مثل حمزة ، وسعد بن عباده ونظرائهم ، وأصروا عليه ـ أن يأخذ برأي عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق.

هذا مضافا الى أن حرب الشوارع والمدن غير المنظم في داخل سكك المدينة وأزقتها الضيقة ، واشتراك النسوة في الأمور الدفاعية ، والجلوس في البيت ، والسماح للعدو بأن يفعل ما يريد آية العجز ، والوهن ، وهو أمر لا يليق بالمسلمين ، ولا يتلاءم مع الانتصار العظيم الذي كسبوه في معركة « بدر » ، وهزموا به عدوهم الغاشم القويّ.

إن محاصرة المدينة وسيطرة العدوّ على مداخلها وطرقاتها ، وسكوت جنود الاسلام على ذلك من شأن أن يقتل الروح القتالية ، والفروسية في أبناء الاسلام المجاهدين.

ويمكن أن يكون « عبد الله بن أبيّ بن سلول » قد أضمر في نفسه نيّة سيئة ضد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه بهذا الاقتراح ( أي البقاء في المدينة وعدم الخروج لمجابهة العدوّ ، ومواجهته بشجاعة ) كان يريد ـ في الحقيقة ـ أن يوجّه ضربة الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

النبيّ يلبس لامة الحرب :

بعد أن تعيّنت كيفية مواجهة العدو والدفاع ، دخل رسول الله صلّى الله عليه

١٤٤

وآله بيته ولبس لامته ، وقد لبس الدرع فأظهرها وحزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أدم واعتم وتقلّد السيف ، وخرج من بيته.

فأثار هذا المشهد المسلمين وهزهم بشدة وتصور بعضهم بأن إصرارهم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخروج من المدينة لم يكن فيه للنبيّ رضا ، وخشوا أنهم قد استكرهوه على هذا الأمر ، فندموا على ذلك ، وقالوا معتذرين : يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك ( أو : ما كان لنا أن نستكرهك والأمر الى الله ثم إليك ).

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتّى يقاتل »(١) .

النبيّ يخرج من المدينة :

ثم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بالناس الجمعة وخرج على رأس ما يزيد على ألف مقاتل قاصدا احد ، وذلك بعد أن قال لهم :

« انظروا إلى ما أمرتكم به فاتّبعوه امضوا على بركة الله فلكم النصر ما صبرتم »(٢) .

وقد أجاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ لمن لم يبلغوا الحلم بأن يخرجوا معه كسمرة ورافع وكان راميا جيدا ، ورد اسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطّاب(٣) .

ثم إن جماعة من اليهود كانوا متحالفين مع عبد الله بن ابي بن سلول قرّروا أن يشتركوا في هذه المعركة ويخرجوا مع المسلمين ، ولكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسمح بذلك لأسباب خاصة.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٣ ، المغازي : ج ١ ص ٢١٤ ، الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٣٨.

(٢) المغازي : ج ١ ص ٢١٤.

(٣) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٦.

١٤٥

وسار النبيّ وأصحابه حتى اذا كانوا بمنطقة بين المدينة واحد تسمى « الشوط » انعزل عنه « عبد الله بن أبي بن سلول » وعاد بثلث الناس كلهم من الأوس المتحالفين معه إلى المدينة بحجة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ برأي الفتية والشباب ، ورفض اقتراحه وهو البقاء في المدينة.

ومن هنا لم يشترك في هذه المعركة لا اليهود ولا حزب النفاق.

ثم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه كانوا يرغبون في أن يسلكوا أقرب الطرق إلى معسكرهم من هنا اضطروا الى أن يمروا عبر بستان لمنافق من منافقي المدينة يدعى « مربع بن قيظي » وكان ضريرا ، فامتنع من ذلك ، واساء بالقول الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فابتدره أصحاب النبيّ ليقتلوه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر »(١) .

جنديان فدائيان :

استعرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشه في منطقة تدعى بالشيخين(٢) ، وكانت الوجوه المشتاقة إلى الجهاد تلمع كما تلمع أشعة السيوف ، وتعكس إصرارا كبيرا على قتال الكفار ، ومجاهدة المشركين.

ولقد كان جيش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي خرج بهم لمجابهة قريش عند جبل احد يتألف من مقاتلين يتفاوتون في الأعمار تفاوتا كبيرا.

ففيهم الشيخ الكبير الطاعن في السن وفيهم الشاب الفدائيّ الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة.

ولقد كان الدافع الذي يحرك الجميع الى ذلك هو تعشق الكمال الذي

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٥ ، المغازي : ج ٢ ص ٢١٨.

(٢) ولقد كان من عادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسلوبه في جميع المعارك استعراض جيشه على الدوام ، وعدّهم ، وتسريح بعض العناصر الضعيفة احيانا.

١٤٦

ما كان ليتوفر إلاّ في ظلّ الدفاع عن صرح التوحيد المقدس ، ليس إلاّ.

ولإثبات هذه الحقيقة نشير هنا الى قصة شيخ كبير السن ، وشاب لم يمض من عرسه إلاّ ليلة واحدة!!

١ ـ كان « عمرو بن الجموح » رجلا شيخا أعرج شديد العرج وقد اصيب في رجله في حادثة. وكان له بنون أربعة مثل الاسود ، يشهدون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشاهد ، فلما كان يوم « احد » أراد ان يخرج مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أبت نفسه أن تفوته الشهادة ، وأن يجلس في بيته ولا يشترك مع رسول الله في تلك المعركة ، وإن اشترك بنوه الأربعة فيها.

فأراد أهله وبنوه حبسه وقالوا له : إنّ الله عزّ وجل قد عذرك ، ولم يقتنع بمقالتهم ، وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فو الله إنّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنّة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له :

« أمّا أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك »(١) .

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبنيه وقومه :

« لا عليكم أن لا تمنعوه ، لعلّ الله يرزقه الشهادة ».

فخلّوا عنه ، وخرج وهو يقول : اللهمّ ارزقني الشهادة ولا تردني الى أهلي.

وقد كان موقف هذا المجاهد الأعرج من مشاهد معركة « احد » العظيمة ، ومن قصصها الرائعة ، فقد كان يحمل ـ وهو على ما هو عليه من العرج ـ على الاعداء ويقول : « أنا والله مشتاق إلى الجنّة » وابنه يعدو في أثره حتّى قتلا جميعا(٢) .

__________________

(١) لقول الله تعالى : «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ » ( الفتح : ١٧ ).

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٩٠ و ٩١ ، المغازي : ج ١ ص ٢٦٥.

١٤٧

(١) ٢ ـ « حنظلة » وهو شاب لم يكن قد جاوز الرابعة والعشرين من عمره آنذاك. وهو ابن « أبي عامر » عدوّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي كان مصداقا لقول الله تعالى «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ».

فقد اشترك والده أبو عامر الفاسق في معركة « احد » إلى جانب قريش ضد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ممن يكيدون للاسلام وممن حرّض قريشا ضدّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستمرّ في معاداة الاسلام حتى النفس الأخير ، ولم يأل جهدا في هذا السبيل.

وقد كان أبو عامر هذا هو السبب الرئيسيّ وراء حادثة مسجد « ضرار » التي سيأتي تفصيلها في حوادث السنة التاسعة من الهجرة.

غير أن علاقة الابوة والبنوة وما يتبعها من احاسيس لم تصرف حنظلة عن الاشتراك في حرب ضد أبيه ، ما دام أبوه على باطل وهو ( أي حنظلة ) على الحق فيوم خرج النبيّ مع أصحابه الى « احد » لمواجهة قريش كان حنظلة يريد البناء بزوجته ليلته ، فقد تزوج بابنة « عبد الله بن ابيّ بن سلول » وكان عليه أن يقيم مراسيم الزفاف والعرس في الليلة التي خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى « احد » في صبيحتها المنصرمة.

ولكنه عند ما سمع مؤذن الجهاد ، ودوّى نداؤه في اذنه بحيّر في ما يجب أن يفعله ، فلم يجد مناصا من أن يستأذن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بان يتوقف في المدينة ليلة واحدة لاجراء مراسيم العرس ويقيم عند عروسته ثم يلتحق بالمعسكر الاسلامي صبيحة الغد من تلك الليلة.

وقد نزل في هذا الشأن ـ على رواية العلاّمة المجلسي ـ قوله تعالى :

«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ »(١) .

__________________

(١) النور : ٦٢.

١٤٨

فأذن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

فبات حنظلة عند عروسته تلك الليلة ودخل بها ، ولما اصبح خرج من فوره وتوجه إلى « احد » وهو جنب.

ولكنه حينما اراد أن يخرج من منزله بعثت امرأته الى أربعة نفر من الأنصار ، واشهدت عليه أنه قد واقعها.

فقيل لها : لم فعلت ذلك؟

قالت : رأيت هذه الليلة في نومي كأنّ السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ، ثم انضمت فعلمت أنها الشهادة ، فكرهت أن لا اشهد عليه.

ولما حضر حنظلة القتال نظر إلى أبي سفيان على فرس يجول بين العسكر ، فحمل عليه ، فضرب عرقوب فرسه ، فاكتسعت الفرس وسقط أبو سفيان إلى الأرض ، وصاح : يا معشر قريش أنا أبو سفيان ، وهذا حنظلة يريد قتلي ، وعدا أبو سفيان ، وجرى حنظلة في طلبه ، فعرض له رجل من المشركين فطعنه ، فمشى الى ذلك المشرك فطعنه فضربه وقتله ، وسقط حنظلة الى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حزام وجماعة من الأنصار ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« رأيت الملائكة تغسّل حنظلة بين السماء والارض بماء المزن في صحائف من ذهب »(٢) .

فكان يسمى غسيل الملائكة أو حنظلة الغسيل.

وكانت الأوس تعدّ حنظلة من مفاخرها فكانت تقول : « ومنا حنظلة غسيل الملائكة ».

وكان أبو سفيان يقول : حنظلة بحنظلة ويقصد بالأوّل حنظلة غسيل الملائكة وبالثاني ابنه حنظلة الذي قتل يوم بدر(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٥٧.

(٢) و (٣) اسد الغابة : ج ٢ ص ٥٩ و ٦٠ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٥٧ وغيرهما.

١٤٩

إنه حقا عجيب أمر هذين العروسين ( الزوجين ) فبينما كانا هما في أعلى درجات التفاني في سبيل الحق كان والداهما ، من اعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصومه الالداء.

فعبد الله بن أبيّ بن سلول ( والد العروس ) كان رأس المنافقين في المدينة ، وكان أبو عامر الفاسق والد العرّيس الذي كان يسمى في الجاهلية بالراهب معاديا أشد العداء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد التحق بالمشركين في مكة ، كما حرّض « هرقل » لضرب الحكومة الاسلامية الفتية في المدينة ، ثم اشترك في معركة احد ضدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقاتل المسلمين قتالا شديدا(١) .

العسكران يصطفّان :

في صبيحة اليوم السابع من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة اصطفّت قوى الاسلام أمام قوى الشرك المعتدية ، وكان جيش التوحيد قد جعل ظهره الى احد كمانع طبيعيّ يحفظ الجيش من الخلف. وقد كان في جبل احد ثغرة كان من الممكن أن يتسلل منها العدوّ ويباغت المسلمين من الخلف ، ويوجّه إليهم ضربة قاضية.

ولهذا عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى وضع جماعة من الرماة عند تلك الثغرة ، وأمّر عليهم « عبد الله بن جبير » وقال :

انضح الخيل عنّا بالنبل ، واحموا لنا ظهورنا ، لا يأتونا من خلفنا ، والزموا مكانكم لا تبرحوا منه ، إن كانت لنا أو علينا ، فلا تفارقوا مكانكم ».

ولقد أثبتت حوادث « احد » التي وقعت في ما بعد أهمية هذه الثغرة عسكريا ، فقد كانت هزيمة المسلمين بعد انتصارهم في بداية المعركة نتيجة تجاهل الرماة لأمر النبيّ واخلاء ذلك الموقع الإستراتيجي ، الأمر الذي سمح للعدوّ بأن يباغت المسلمين في حركة التفافية سريعة ، ويحمل عليهم ، ويوجه عليهم ضربة قوية!!

__________________

(١) أسد الغابة : ج ٢ ص ٥٩ و ٦٠ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٥٧ وغيرهما.

١٥٠

إنّ أمر النبيّ المؤكد والمشدّد للرماة بأن لا يخلوا أماكنهم في الجبل حيث الثغرة المذكورة يكشف عن معرفته الكاملة بقواعد القتال وقوانين الحرب ، وبما يصطلح عليه اليوم بالتكتيك العسكري.

بيد أن نبوغ القائد العسكري لا يكفي وحده لإحراز الانتصار إذا كان الجنود يعانون من عدم الانضباطية ، وعدم التقيد بأوامر القائد.

ولقد أشار القرآن الكريم إلى الترتيبات الميدانية التي قام بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند استقرار جنود الإسلام في أرض المعركة بأحد ، وتعيينه لمكان كل قطعة من قطعات الجيش الإسلامي إذ قال : « وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم »(١) .

رفع معنويات الجنود وتقوية عزائمهم :

لم يكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليغفل في المعارك والحروب عن تقوية العنصر الروحي لدى الجنود ، وما يصطلح عليه الآن بالروح المعنوية ، أو المعنويات العسكرية.

ففي هذه المرة أيضا لما اصطفّ سبعمائة مقاتل مسلم أمام ثلاثة آلاف من المقاتلين المشركين المدججين بالسلاح ، خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسلمين خطبة رفع بها من معنويات المسلمين ، وذلك بعد ان نظم صفوفهم وسوّاها.

فلقد كتب « الواقدي » المؤرخ الاسلامي الكبير في هذا الصدد ما يلي :

جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرماة خمسين رجلا على « عينين » عليهم « عبد الله بن جبير » ، وجعل « احدا » خلف ظهره ، واستقبل المدينة ، ثم جعلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشى على رجليه يسوّي تلك الصفوف ، ويبوّئ أصحابه

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ص ٤٩٥ ، الكشاف : ج ١ ، ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

١٥١

للقتال يقول تقدّم يا فلان ، وتأخر يا فلان ، حتى أنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره ، فهو يقوّمهم كأنما يقوم بهم القداح.

ثم قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخطب الناس فقال :

« يا أيّها الناس ، أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل بطاعته ، والتناهي عن محارمه ، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر. لمن ذكر الذي عليه ، ثم وطّن نفسه له على الصبر واليقين والجدّ والنشاط فانّ جهاد العدوّ شديد ، شديد كريه ، قليل من يصبر عليه ، إلاّ من عزم الله رشده ، فان الله مع من أطاعه ، وإنّ الشيطان مع من عصاه ، فافتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد ، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله ، وعليكم بالذي أمركم به ، فانّي حريص على رشدكم فإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف ممّا لا يحبّ الله ، ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر.

وإنّه قد نفث في روعي الروح الأمين إنّه لن تموت نفس حتّى تستوفي أقصى رزقها ، ولا ينقص منه شيء وأن ابطأ عنها المؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد اذا اشتكى تداعى عليه سائر الجسد والسلام عليكم »(١) .

العدوّ ينظّم صفوفه :

نظم أبو سفيان قائد المشركين صفوف جنوده وقسّمهم إلى ثلاثة أقسام : الرماة ، وجعلهم في الوسط ، والميمنة واستعمل عليهم خالد بن الوليد ، والميسرة ، واستعمل عليهم عكرمة بن أبي جهل. وقدّم جماعة فيهم حملة الألوية والرايات.

ثم قال لأصحاب الرايات وكانوا جميعا من بني عبد الدار : إنا إنما اتينا يوم بدر من اللواء ، وإنّما يؤتى القوم من قبل لوائهم ، فالزموا لواءكم وحافظوا عليه ، أو خلوا بيننا وبينه فانا قوم مستميتون موتورون ، نطلب ثارا حديث العهد.

__________________

(١) المغازي : ج ١ ص ٢٢١ ـ ٢٢٣.

١٥٢

فشقّ هذا الكلام على « طلحة بن أبي طلحة » وكان شجاعا ، وهو أوّل من حمل راية لقريش ، فاندفع من فوره الى ساحة القتال ، وطلب المبارزة ، متحديا بذلك أبا سفيان.

الإثارة النفسيّة وإلهاب الحماس :

قبل أن يبدأ القتال أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيفا بيده وقال : ـ وهو يثير بذلك همم جنوده ـ.

« من يأخذ هذا السيف بحقّه »؟ فقام إليه رجال ، فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة الأنصاري ، فقال : وما حقّه يا رسول الله؟

قال : « أن تشرب به العدوّ حتى ينحني ».

قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقّه.

فأعطاه إياه ، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا ، يختال عند الحرب اذا كانت ، وكان اذا أعلم ، أعلم بعصابة له حمراء ، فاعتصب بها علم أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف من يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرج عصابته تلك فعصّب بها رأسه ، وجعل يتبختر بين الصفّين. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انها لمشية يبغضها الله إلاّ في هذا الموطن »(١) .

حقا إن مثل هذه الاثارة النفسية ، وهذا التحريك القويّ للهمم أمر ضروري لجيش يقاتل دفاعا عن الحق والقيم ، ولا يدفعه إلى ذلك سوى العقيدة ، وحب الكمال.

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يهدف بعمله إثارة أبي دجانة وحده ، بل كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهدف بذلك إثارة الآخرين ، وإفهامهم بأن عليهم أن يبلغوا في الشجاعة والبطولة ، والجرأة والإقدام هذا المبلغ.

يقول « الزبير بن العوّام » وهو كذلك رجل شجاع : وجدت في نفسي حين

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٦ و ٦٧.

١٥٣

سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السيف فمنعنيه ، وأعطاه أبا دجانة وقلت : أنا ابن صفيّة عمته ، ومن قريش وقد قمت إليه فسألته إياه ، فاعطاه إياه وتركني! والله لانظرنّ ما يصنع. فأتبعته فأخرج عصابة له حمراء ، فعصّب بها رأسه ، فقالت الانصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول له اذا تعصّب بها.

فخرج وهو يقول :

أنا الّذي عاهدني خليلي

ونحن بالسفح لدى النخيل

ألاّ أقوم الدهر في الكيّول(١)

أضرب بسيف الله والرّسول

فجعل لا يلقى أحدا إلاّ قتله ، وكان من المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلاّ ذفّف عليه ، فجعل كلّ واحد منهما يدنو من صاحبه ، فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا ، فاختلفا ضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة ، فاتقاه بدرقته ، فعضت بسيفه ، وضربه أبو دجانة ، فقتله ، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق « هند بنت عتبه » ثم عدل السيف عنها ، فقلت : الله ورسوله أعلم.

ثم إن أبا دجانة أوضح عمله هذا فقال : رأيت انسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت له ، فلما حملت عليه السيف ولول فاذا امرأة ، فأكرمت سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أضرب به امرأة(٢) .

القتال يبدأ :

بدأ القتال بما فعله أبو عامر الفاسق الذي كان قد هرب من المدينة مباعدا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أسلفنا ، وكان من الأوس ، وقد فرّ معه خمسة عشر رجلا من الأوس بسبب معارضته للاسلام.

وقد تصوّر أبو عامر هذا أن الأوس إذا رأوا يوم احد تركوا نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما التقى العسكران يومئذ نادى أبو عامر : يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر.

__________________

(١) الكيّول : آخر الصفوف في الحرب.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٨ و ٦٩.

١٥٤

قالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق. فلما سمع ردّ الأوس تركهم ، واعتزل الحرب بعد قليل(١) .

ثم إن هناك مواقف وتضحيات عظيمة قام بها رجال معدودون في معركة احد معروفة بين المؤرخين ، أبرزها ، وأجدرها بالاجلال تضحيات عليعليه‌السلام ومواقفه الكبرى في ذلك اليوم.

فهو صاحب اللواء والراية في هذه الموقعة الكبرى.

قال الشيخ المفيد في الارشاد : تلت بدرا غزاة احد وكانت راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد أمير المؤمنينعليه‌السلام فيها ومما يدل على ذلك ما رواه يحيى بن عمارة قال : حدثني الحسن بن موسى بن رباح مولى الانصار قال حدثني أبو البختري القرشي ، قال : كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيد قصى ثم لم تزل الراية في يد ولد عبد المطلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصارت راية قريش وغيرها الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقرها في بني هاشم فأعطاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام في غزاة ودان وهي أول غزاة حمل فيها راية في الاسلام مع النبيّ ثم لم تزل معه في المشاهد ببدر وهي البطشة الكبرى في يوم احد وكان اللواء يومئذ في بني عبد الدار فاعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده فتشوفته القبائل فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدفعه إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فجمع له يومئذ الراية واللواء(٢) .

وقد ورد عن ابن عباس ما يؤيد ذلك فقد روى أنه قال : لعلي أربع خصال ليس لأحد من العرب غيره ( هو ) أول عربي وعجمي صلّى مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زخف(٣) .

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٧.

(٢) الارشاد : ص ٤٣ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٨٠.

(٣) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق المعروف بتاريخ ابن عساكر : ج ١ ص ١٤٢.

١٥٥

كما عن قتادة : ان علي بن ابي طالب كان صاحب لواء رسول الله يوم بدر وفي كل مشهد(١) .

ثم إنه كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري ( وكان يدعى كبش الكتيبة ) فبرز ونادى : يا محمّد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم الى النار ، ونجهزكم بأسيافنا الى الجنّة ، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إليّ فبرز إليه عليعليه‌السلام وهو يقول :

يا طلح إن كنتم كما تقول

لكم خيول ولنا نصول

فاثبت لننظر ايّنا المقتول

وأيّنا أولى بما تقول

فقد أتاك الأسد المسئول

بصارم ليس به الفلول

ينصره القاهر والرسول

ثم تصاولا بعض الوقت قتل بعده طلحة بضربة عليعليه‌السلام القاضية.

فأخذ الراية اخوان آخران لطلحة فخرجا لقتال عليعليه‌السلام على التناوب فقتلا جميعا على يديهعليه‌السلام .

هذا ويستفاد من كلام لعليعليه‌السلام قاله في أيام الشورى التي انعقدت بعد موت الخليفة الثاني.

فقد قال الامامعليه‌السلام في مجلس ضم كبار الصحابة في تلك المناسبة :

« نشدتكم بالله هل فيكم أحد قتل من بني عبد الدار تسعة مبارزة كلّهم يأخذ اللواء ، ثم جاء صوأب الحبشي مولاهم وهو يقول لا أقتل بسادتي إلاّ محمدا ، قد ازبد شدقاه ، واحمرّت عيناه ، فاتّقيتموه ، وحدتم عنه ، وخرجت إليه ، فلما أقبل كأنه قبة مبنيّة فاختلفت أنا وهو ضربتين ، فقطعته بنصفين وبقيت عجزه وفخذاه قائمة على الأرض ينظر إليه المسلمون ويضحكون منه ».

قالوا : اللهم لا(٢) .

__________________

(١) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق المعروف بتاريخ ابن عساكر : ج ٩ ص ١٤٢.

(٢) الخصال : ص ٥٦٠.

١٥٦

أجل ان قريشا كانت قد ادخرت لحمل الراية تسعة رجال من شجعان بني الدار وقد قتلوا جميعا على يد الامام عليعليه‌السلام على التوالي فبرز غلامهم وقتل هو أيضا(١) .

المقاتلون بدافع الشهوة!!

من الأبيات التي كانت تتغنّى بها « هند بنت عتبة » زوجة أبي سفيان ومن كان معها من النساء في تحريض رجال قريش وحثهم على القتال واراقة الدماء والمقاومة ، ويضربن معها الدفوف والطبول يتبين ان تلك الفئة لم تكن تقاتل من أجل القيم الرفيعة كالطهر والحرية ، والخلق الانساني بل كانت تقاتل بدافع الشهوة الجنسية ومن أجل الوصول إلى المآرب الرخيصة.

فقد كانت الأغاني والأبيات التي ترددها تلك النساء اللائي كنّ يضربن بالدفوف خلف الرجال على نحو خاص هي :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

إن تقبلوا نعانق

أو تدبروا نفارق

ولا شك أن الفئة التي تقاتل من أجل الشهوات ، ويكون دافعها الى الحرب والقتال هو الجنس واللذة ، وبالتالي لا تهدف سوى الوصول إلى المآرب الرخيصة فان حالها تختلف اختلافا بيّنا وكبيرا عن حال الفئة التي تقاتل من أجل هدف مقدس كاقرار الحرية ، ورفع مستوى الفكر ، وتحرير البشرية من براثن الجهل وأسر الخضوع للاوثان.

ولا شك أن لكل واحدة من تلك الدوافع آثارها المناسبة في روح المقاتل وسلوكه.

ولهذا لم يمض زمان طويل إلاّ ووضعت قريش أسلحتها على الارض وولّت هاربة من أرض المعركة بعد أن اصيبت باصابات قوية بفضل صمود وتضحيات رجال مؤمنين شجعان كعليّ وحمزة وأبي دجانة والزبير و مخلّفة وراءها غنائم

__________________

(١) وقد ذكر المجلسي قصة مصرع هؤلاء في البحار : ج ٢٠ ص ٨١ ـ ٨٢.

١٥٧

وأموالا كثيرة ، وأحرز المسلمون بذلك انتصارا عظيما على عدوهم القوي في تجهيزاته ، الكثير في افراده(١) .

الهزيمة بعد الانتصار :

قد يتساءل سائل : لما ذا انتصر المسلمون اولا؟

لقد انتصروا لأنهم كانوا يقاتلون ، ولا يحدوهم في ذلك شيء حتى لحظة الانتصار إلاّ الرغبة في مرضاة الله ، ونشر عقيدة التوحيد ، وإزالة الموانع عن طريقها ، فلم يكن لهم أي دافع ماديّ يشدّهم إلى نفسه.

وقد يتساءل : ولما ذا انهزموا أخيرا؟

لقد انهزموا لأنّ أهداف أكثر المسلمين ونواياهم قد تغيّرت بعد تحقيق الانتصار ، فقد توجهت أنظارهم الى الغنائم التي تركها قريش في أرض المعركة ، وفروا منهزمين. لقد خولط اخلاص عدد كبير من المسلمين ، ونسوا على أثره أوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتعاليمه ، فغفلوا عن ظروف الحرب.

وإليك فيما يأتي تفصيل الحادث :

لقد ذكرنا عند بيان الأوضاع الجغرافية لمنطقة احد أنه كان في « جبل احد » شعب ( ثغرة ) وقد كلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسين رجلا من الرماة بمراقبة ذلك الشعب ، وحماية ظهر الجيش الاسلامي ، وأمّر عليهم « عبد الله بن جبير » ، وكان قد أمر قائدهم بأن ينضحوا الخيل ويدفعوها عن المسلمين بالنبل ويمنعوا عناصر العدوّ من التسلّل من خلالها ولا يغادروا ذلك المكان انتصر المسلمون او انهزموا ، غلبوا أو غلبوا.

وفعل الرماة ذلك فقد كانوا في أثناء المعركة يحمون ظهور المسلمين ، ويرشقون خيل المشركين بالنبل فتولّى هاربة ، حتى إذا ظفر النبيّ وأصحابه ، وانكشف المشركون منهزمين ، لا يلوون على شيء ، وقد تركوا على أرض المعركة

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٨ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٩٤.

١٥٨

غنائم وأموالا كثيرة ، وقد تبعهم بعض رجال المسلمين ممن بايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بذل النفس في سبيل الله ومضوا يضعون السلاح فيهم حتى أجهضوهم عن العسكر أما أكثر المسلمين فقد وقعوا ينتهبون العسكر ويجمعون الغنائم تاركين ملاحقة العدوّ وقد اغمدوا السيوف ، ونزلوا عن الخيول ظنا بأن الأمر قد انتهى.

فلما رأى الرماة المسئولون عن مراقبة الشعب ذلك قالوا لأنفسهم : ولم نقيم هنا من غير شيء وقد هزم الله العدوّ فلنذهب ونغنم مع إخواننا.

فقال لهم أميرهم ( عبد الله بن جبير ) : ألم تعلموا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لكم : احموا ظهورنا فلا تبرحوا مكانكم ، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا احموا ظهورنا؟

ولكن أكثر الرماة خالفوا أمر قائدهم هذا وقالوا : لم يرد رسول الله هذا ، وقد أذلّ الله المشركين وهزمهم.

ولهذا نزل أربعون رجلا من الرماة من الجبل ودخلوا في عسكر المشركين ينتهبون مع غيرهم من المسلمين الاموال وقد تركوا موضعهم الإستراتيجي في الجبل ، ولم يبق مع عبد الله بن جبير إلاّ عشرة رجال!!

وهنا استغل « خالد بن الوليد » الذي كان مقاتلا شجاعا ، قلّة الرماة في ثغرة الجبل ، وكان قد حاول مرارا أن يتسلل منها ولكنه كان يقابل في كل مرة نبال الرماة ، فحمل بمن معه من الرجال على الرماة في حملة التفافيّة وبعد أن قاتل من بقي عند الثغرة وقتلهم بأجمعهم انحدر من الجبل وهاجم المسلمين الذين كانوا منشغلين بجمع الغنائم ، وغافلين عما جرى فوق الجبل ، ووقعوا في المسلمين ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ، ورميا بالنبال ، ورضخا بالحجارة ، وهم يصيحون تقوية لجنود المشركين.

فتفرقت جموع المسلمين ، وعادت فلول قريش تساعد خالدا وجماعته ، وأحاطوا جميعا بالمسلمين من الأمام والخلف ، وجعل المسلمون يقاتلون حتى قتل منهم سبعون رجلا.

إن هذه النكسة تعود إلى مخالفة الرماة لأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت تأثير المطامع المادية وتركهم ذلك المكان الإستراتيجي عسكريا والذي اهتم به القائد الاعلىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأكد بشدة على المحافظة عليه ، ودفع أيّ

١٥٩

هجوم من قبل العدوّ عليه. وبذلك فتحوا الطريق ـ من حيث لا يشعرون ـ للعدوّ بحيث هاجمتهم الخيل بقيادة خالد بن الوليد ، فدخل إلى أرض المعركة من ظهر الجيش الاسلامي ، ووجه الى المسلمين تلك الضربة النكراء!!

ولقد ساعد خالدا في هذا « عكرمة بن أبي جهل » الذي حمل هو الآخر بمن كان معه من الرجال على المسلمين ، وساد على صفوف المسلمين في هذه الحال الهرج والمرج ، وعمت فوضى لا نظير لها ساحة المعركة ، ولم ير المسلمون مناصا من أن يدافعوا عن أنفسهم متفرّقين ، ولكن عقد القيادة لما قد انفرط بسبب هذه المباغتة العسكرية لم يستطع المسلمون إحراز أي نجاح في الدفاع ، بل تحمّلوا ـ كما أسلفنا ـ خسائر كبرى في الأرواح ، وقتل عدد من المسلمين على أيدي اخوانهم من المسلمين خطأ ومن دون قصد.

ولقد صعّدت حملات خالد وعكرمة من معنويات المشركين ، ونفخت فيهم روحا جديدة فعادت قواتهم الهاربة المنهزمة قبل قليل ، ودخلت ساحة المعركة ثانية ، وساعدت جماعة منهم خالدا وعكرمة وحاصروا المسلمين من كل ناحية وقتل جمع كبير من المسلمين بسبب ذلك!!

شائعة مقتل النبيّ :

وفي هذا الأثناء حمل « الليثي »(١) وكان من صناديد قريش وأبطالها على مصعب بن عمير حامل لواء الاسلام في تلك المعركة وهو يظن أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبودلت بينهما طعنات وضربات حتى قتل « مصعب » بضربه قاضية من الليثي ، وكان المسلمون يومئذ ملثّمون ، ثم صاح : قتلت محمّدا ، أو قال ألا قد قتل محمد ، ألا قد قتل محمد.

فانتشر هذا الخبر في جموع المسلمين كالنار في الهشيم وعلمت قريش بذلك فسروا بذلك سرورا عظيما ، وارتفعت الاصوات في ساحة القتال تنادي : ألا قد

__________________

(١) هو عبد الله بن قمئة الليثي.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأمّا عند الشافعي على تقدير صحّة التقاطها يتعلّق الضمان بذمّة سيّدها دون رقبتها ؛ لأنّه لا يجوز بيعها ، وإنّما منع السيّد بالإحبال من بيعها ، فضمن عنها.

وهذا مبنيٌّ على أصله من أنّ الضمان في القِنّ يتعلّق برقبته دون ذمّته ، أمّا هنا فلا يمكن بيعها ، فلزم الضمان مولاها ، سواء علم بالتقاطها أو لم يعلم ؛ لأنّ جناية أُمّ الولد على سيّدها(١) .

هذا هو المشهور عند الشافعيّة.

وقال الشافعي في الأُم : ليس للعبد أن يلتقط ؛ لأنّ أخذه اللّقطة غرر ، وكذلك المدبَّر وأُمّ الولد ، وإن علم بها سيّدها فالضمان في ذمّته ، وإن لم يعلم بها فالضمان في ذمّتها(٢) .

وهذا مخالف لما ذكره الأصحاب(٣) ، فمنهم مَنْ نسب ذلك إلى سهو الكاتب(٤) ، وقال بعضهم : يكون هذا على القول الذي يقول : لها أن تلتقط(٥) .

وهذا لا وجه له ؛ لأنّه لا نصّ في هذا الكلام على أنّه ليس للعبد الالتقاط.

وتأوّله بعضهم بأنّه يكون قد التقطت لسيّدها لا لنفسها ، قال : ويجوز‌

____________________

(١) البيان ٧ : ٤٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢) الأُم ٤ : ٦٨ ، وراجع : البيان ٧ : ٤٧٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٣) أي : الأصحاب من الشافعيّة.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٥) البيان ٧ : ٤٧٥.

٢٠١

ذلك ، فإذا لم تدفعه إلى سيّدها ضمنته في ذمّتها ، كالقرض الفاسد ، قال هذا القائل : وكذا العبد القِنّ إذا التقط لسيّده(١) .

مسألة ٣٢٤ : لو التقط الصبي أو المجنون أو السفيه ، فإن كان من الحرم أخذها الوليُّ منهم ؛ لأنّ هذه اللّقطة مجرّد أمانةٍ ، ولا يجوز تملّكها ، ومَنْ ليس يملك(٢) لا يصحّ استئمانه ، فيجب على الوليّ انتزاعها من يده واحتفاظها لصاحبها.

وإن كانت لقطة غير الحرم ، صحّ التقاطهم ؛ لأنّهم من أهل التكسّب ، ويصحّ منهم الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة(٣) - فإذا أخذ أحدهم اللّقطة ، تثبت يده عليها.

فإن لم يعرف الوليُّ بالتقاطه وأتلفه الصبي ، ضمن ، وإن تلف في يده بغير تفريطٍ منه ، لم يضمن ؛ لأنّه أخذ ما لَه أخذه ، فلا يكون عليه ضمان ، كما لو أُودع مالاً فتلف عنده.

وإن علم الوليُّ ، لزمه أخذها منه ؛ لأنّه ليس من أهل الحفظ والأمانة ، فإن تركها في يد الصبي ضمنها الوليُّ ؛ لأنّه يجب عليه حفظ ما يتعلّق بالصبي من أمواله وتعلّقاته وحقوقه ، وهذا قد تعلّق به حقّه ، فإذا تركها في يده صار مضيّعاً لها فضمنها ، وإذا أخذها الوليُّ عرّفها ؛ لأنّ الصبي والمجنون ليسا من أهل التعريف ، وبه قال الشافعي(٤) .

وعنه قولٌ آخَر : إنّ الوليّ إذا لم يعلم باللّقطة وتلفت في يد الصبي من غير تفريطٍ من الصبي ، كان الصبي ضامناً لها أيضاً ؛ لأنّه وإن كان أهلاً‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة : « ومَنْ ليس له تملّك ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

٢٠٢

للالتقاط فلا يُقرّ المال في يده ، ولا يُجعل أهلاً للأمانة ، بخلاف الوديعة ؛ لأنّ مالك الوديعة سلّطه عليه(١) .

ونحن نقول : تسليط الشرع يُغني عن تسليط المالك.

مسألة ٣٢٥ : إذا انتزع وليّ الطفل أو المجنون اللّقطة منهما وعرّفها حولاً ، اعتمد المصلحة.

فإن رأى المصلحة في تمليك الصبي إيّاها وتضمينه لها ، فَعَل ذلك ، كما يجوز له أن يقترض عليه ؛ لأنّ تملّك اللّقطة استقراض.

وحينئذٍ اختلفت الشافعيّة :

فقال بعضهم : إذا اقتضت المصلحة تمليك الصبي ملّكه حيث يجوز له الاستقراض ، ولا يجوز حيث لا يجوز له الاستقراض(٢) .

وقال بعضهم : يجوز أن يتملّك وإن كان ممّن لا يجوز عليه الاستقراض ؛ لاستغنائه عنه ؛ لأنّ الظاهر عدم صاحبه ؛ لأنّا نلحقه على هذا القول بالاكتساب(٣) .

وهو المعتمد عندي ؛ لأنّه لو جرى مجرى الاقتراض في ذلك لم يصح الالتقاط من الصبي والمجنون ، فلهذا جعلناه بمنزلة الاكتساب.

وإن رأى أنّ المصلحة للطفل والمجنون في عدم التمليك ، احتفظها الوليُّ أمانةً ، أو سلّمها إلى القاضي.

ولو احتاج التعريف إلى مئونةٍ ، لم يصرف مال الصبي إليه ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبيع جزءاً من اللّقطة لمئونة التعريف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢ و ٣) البيان ٧ : ٤٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢ ، المغني ٦ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٩.

٢٠٣

ولو تلفت اللّقطة في يد الصبي قبل الانتزاع من غير تقصيرٍ ، فلا ضمان على الصبي.

وإن كان الوليُّ قصّر بتركها في يده حتى تلفت أو أتلفها ، فعليه الضمان ، كما لو احتطب الصبي وتركه الوليُّ في يده حتى تلف أو أتلفه ، يجب الضمان على الوليّ ؛ لأنّ عليه حفظَ الصبي عن مثله ، ثمّ يعرّف التالف ، وبعد التعريف يتملّك الصبي إن كان النظر له فيه.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه لا يصحّ من الصبي والمجنون الالتقاط ، فلو التقط وتلفت اللّقطة في يده أو أتلفها ، وجب الضمان في ماله ، وليس للوليّ أن يُقرّها في يده ، بل يسعى في انتزاعها ، فإن أمكنه رَفْعُ الأمر إلى القاضي فَعَل ، فإذا انتزع القاضي ففي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة وجهان ، كالخلاف في انتزاع القاضي للمغصوب من الغاصب ، وأولى بحصول البراءة ؛ نظراً للطفل ، وإن لم يمكنه رَفْعُ الأمر إلى القاضي ، أخذه بنفسه ، وفي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة قولان ، كالخلاف في براءة الغاصب بأخذ الآحاد ، فإن لم تحصل البراءة ، ففائدة الأخذ صون عين المال عن التضييع والإتلاف(١) .

وإذا أخذه الوليّ ، فإن أمكنه التسليم إلى القاضي فلم يفعل حتى تلف ، قال الشافعي : يكون عليه الضمان ، وإن لم يمكنه فقرار الضمان على الصبي ، وفي كون الوليّ طريقاً وجهان(٢) .

هذا إذا أخذ الوليُّ لا على قصد الالتقاط ، أمّا إذا قصد ابتداء الالتقاط ، ففيه له وجهان(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٤.

٢٠٤

وكذا الخلاف في الأخذ من العبد على هذا القصد إذا لم يصح التقاطه(١) .

وعندي في ذلك نظر ، أقربه - بناءً على بطلان التقاط الصبي - : عدم الضمان على الوليّ ، ويكون أخذه التقاطاً مبتدأً ، ولا حاجة إلى نيّة الالتقاط ، كما لو أخذه من الأرض لا بنيّة الالتقاط.

ولو قصّر الوليُّ وترك المالَ في يده ، قال بعض الشافعيّة : لا ضمان عليه ؛ بناءً على أنّه لا يصحّ التقاط الصبي ؛ لأنّه لم يحصل في يده ، ولا حقّ للصبي فيه حتى يلزمه الحفظ له ، بخلاف ما إذا قلنا : إنّه يصحّ التقاطه(٢) .

وخصّص بعض الشافعيّة هذا بما إذا قلنا : إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي ، أمّا إذا قلنا : إنّه يُبرئه ، فعليه الضمان ؛ لإلقائه الطفل في ورطة الضمان ، ويجوز أن يضمن وإن قلنا : إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي ؛ لأنّ المال في يد الصبي في معرض الضياع ، فمن حقّه أن يصونه(٣) .

والمجنون والسفيه المحجور عليه كالصبي في الالتقاط ، إلّا أنّه يصحّ تعريف السفيه ، دون الصبي والمجنون.

الركن الثالث : في المال الملقوط.

اللّقطة كلّ مالٍ ضائعٍ أُخذ ولا يد لأحدٍ عليه.

فإن كان في الحرم ، لم يجز تملّكه ، عند علمائنا أجمع ، بل في جواز التقاطها قولان.

ولا خلاف في الكراهة الشاملة للتحريم والتنزيه.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٤.

٢٠٥

وعلى القول بالتحريم أو الكراهة لا يجوز التقاطها للتملّك قطعاً عندنا ، بل ليحتفظها لصاحبها دائماً ، ويعرّفها حولاً ، ويتصدّق بها بعد الحول عن صاحبها.

وفي الضمان لعلمائنا قولان مع التصدّق ، المشهور : ثبوته ؛ لأنّه دفع مال غيره المعصوم إلى غير مالكه ، فكان ضامناً له.

ولما رواه عليّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ وجد ديناراً في الحرم فأخذه ، قال : « بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه » قال : قلت : ابتلى بذلك ، قال : « يُعرّفه » قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً ، فقال : « يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيتٍ من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن »(١) .

وقال بعض علمائنا : لا يضمن إذا تصدّق بها بعد الحول ؛ لأنّه امتثل الأمر بالصدقة بها ، فلا ضمان عليه(٢) .

والمشهور : الأوّل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أحمد بن حنبل - في إحدى الروايتين - ذهب إلى ما اخترناه من الفرق بين لقطة الحِلّ والحرم ، فحرّم التقاط لقطة الحرم للتملّك ، وإنّما يجوز التقاطها لحفظها لصاحبها ، فإن التقطها عرّفها أبداً حتى يأتي صاحبها - وهو أحد قولَي الشافعي - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تحلّ ساقطتها إلّا لـمُنشدٍ »(٣) معناه : لا تحلّ لقطة مكة إلّا لمن يُعرّفها ؛

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٥ - ٣٩٦ / ١١٩٠.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٤٦ ، والطوسي في النهاية : ٣٢٠ ، وسلاّر في المراسم : ٢٠٦ ، وابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٦٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٣ : ٢٩٢.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ - ١٦٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ / ١٣٥٥.

٢٠٦

لأنّها خُصّت بهذا من بين سائر البلدان.

وفي حديثٍ آخَر : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن لقطة الحاج(١) .

قال ابن وهب : يعني يتركها حتى يجدها صاحبها(٢) .

وفي روايةٍ أُخرى أنّه قال في مكة : « لا يُنفَّر صيدها ، ولا يُعضد شجرها ، ولا يُختلى خلاها ، ولا تحلّ لقطتها إلّا لـمُنشدٍ »(٣) يعني لمعرّفٍ(٤) .

وهذا القول يوافق قول علمائنا من وجهٍ ، ويخالفه من وجهٍ آخَر.

أمّا وجه الموافقة : ففي تحريم تملّكها للّاقط.

وأمّا وجه المخالفة : فإنّ أصحابنا جوّزوا الصدقة بها بعد تعريفها حولاً ، وفي الضمان حينئذٍ خلاف.

ولم يذكر هؤلاء العامّة الصدقةَ.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا فرق بين لقطة الحرم والحِلّ ، بل هُما سواء في الحكم من التعريف حولاً وتملّكها بعده - ورواه العامّة عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وابن المسيّب ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين - لعموم الأحاديث ، ولأنّه أحد الحرمين ،

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥١ / ١٧٢٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ / ١٧١٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥٥٨ / ١٥٦٤٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦٤ - ٦٥.

(٢) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ ، ذيل ح ١٧١٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١.

(٤) المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٢ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

٢٠٧

فأشبه المدينة ، ولأنّها أمانة ، فلم يختلف حكمها بالحِلّ والحرم ، كالوديعة(١) .

والعمومات قد تُخصّص بالأدلّة ، وقد بيّنّاه ، والحرمة في حرم مكة أعظم منه في حرم المدينة ، ولهذا حرم فيه أشياء هي مباحة في المدينة ، وجاز أن تختلف الأمانة باختلاف المحلّ ، فلا يتمّ القياس.

مسألة ٣٢٦ : لقطة غير الحرم إن كانت قليلةً جاز تملّكها في الحال ، ولا يجب تعريفها ، ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل والانتفاع به من غير تعريفٍ ، ورواه العامّة عن عليٍّعليه‌السلام وعن عمر وابن عمر وعائشة ، وبه قال عطاء وجابر بن زيد وطاوُوس والنخعي ويحيى بن أبي كثير ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل(٢) وإن اختلفوا في حدّ القليل.

والأصل فيه : ما روى العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لم يُنكر على واجد التمرة حيث أكلها ، بل قال له : « لو لم تأتها لأتتك »(٣) .

ورووا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رأى تمرةً فقال : « لو لا إنّي أخشى أن تكوني من‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٣ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، المغني ٦ : ٣٦٠ - ٣٦١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٨ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٨.

(٣) المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، وفي صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٨ : ٣٣ / ٣٢٤٠ ، وكتاب السنّة - لابن أبي عاصم - : ١١٧ / ٢٦٥ بتفاوتٍ.

٢٠٨

تمر الصدقة لأكلتكِ »(١) .

وعن جابر قال : رخّص [ لنا ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به(٢) .

وعن عائشة أنّها قالت : لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به(٣) .

وعن سويد بن غفلة قال : خرجتُ مع [ سلمان بن ربيعة ](٤) وزيد بن صوحان حتى إذا كُنّا بالعُذَيب التقطتُ سوطاً [ فقالا ](٥) لي : ألقه [ فأبيتُ ](٦) فلـمّا قدمنا المدينة أتيتُ أُبيّ بن كعب فذكرتُ ذلك له ، فقال : أصبت(٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن اللّقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يُعرّف »(٨) .

مسألة ٣٢٧ : وقد اختلف في حدّ القليل الذي لا يجب تعريفه ، فالذي عليه علماؤنا أنّه ما نقص عن الدرهم ، فهذا لا يجب تعريفه ، ويجوز تملّكه‌

____________________

(١) أورده الطوسي في المبسوط ٣ : ٣٠٢ ، وفي صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ / ١٠٧١ ، وسنن البيهقي ٦ : ١٩٥ بتفاوتٍ يسير.

(٢) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٨ / ١٧١٧ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٥ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « سعد ». والمثبت كما في المصدر.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « فقال ». والمثبت كما في المصدر.

(٦) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٧ - ٨٣٨ / ٢٥٠٦ ، المغني ٦ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٨) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦.

٢٠٩

في الحال عند علمائنا أجمع ، وما زاد على ذلك يجب تعريفه حولاً ؛ لحديث محمّد بن أبي حمزة(١) .

وفي الحسن عن حريز عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه » قال : « وقال الباقرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٢) .

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن »(٣) .

وقال الشافعي : حدّ القليل ما لا تتبعه النفس ولا تطلبه ، فهذا يجوز الانتفاع به من غير تعريفٍ(٤) .

وهذا غلط ؛ لأنّه غير مضبوطٍ ولا مقدَّر بقدرٍ ، ولا يجوز التحديد به ، وهو مضطرب مختلف باختلاف النفوس شرفاً وضعةً وغناءً وفقراً ، ومثل ذلك لا يجوز من الشارع أن [ يجعله ](٥) مناطاً للأحكام.

وقال مالك وأبو حنيفة : لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق ، وإن اختلفا في القدر الذي يقطع به السارق ، فعند مالك ربع دينار ، فما نقص‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٠ - ١٤١ / ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٧٩.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ - ٣٩٨ / ١١٩٨.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ١٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٨ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعلها ». والظاهر ما أثبتناه.

٢١٠

عنه لا يجب تعريفه ، وعند أبي حنيفة عشرة دراهم ، فما نقص عنه لا يجب تعريفه ؛ لأنّ ما دون ذلك تافه ، فلا يجب تعريفه ، كالتمرة واللّقمة ، وقد قالت عائشة : كانوا لا يقطعون في الشي‌ء التافه(١) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام : إنّه وجد ديناراً فتصرّف فيه(٢) .

وهو عندنا ضعيف ، ويُحمل على غير اللّقطة.

ورووا عن سلمى بنت كعب قالت : وجدتُ خاتماً من ذهبٍ في طريق مكة ، فسألتُ عائشة عنه ، قالت : تمتّعي به(٣) (٤) .

وليس قول عائشة بحجّةٍ البتّة ، والتحديد بما يجب فيه القطع منافٍ للأصل ، وهو عصمة مال الغير ، وقد ثبت تحريم مال المسلم ، وأنّ حرمته كحرمة دمه(٥) ، صِرْنا إلى ما نقص عن الدرهم ؛ للإجماع ، فيبقى الباقي على الأصل.

فروع :

أ - لو تملّك ما دون الدرهم ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب : وجوب‌

____________________

(١) المحلّى ١١ : ٣٣٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٢٦ ، الكامل - لابن عدي - ٤ : ١٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٢) المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨ ، وراجع : سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٧ - ١٣٨ / ١٧١٤ و ١٧١٥.

(٣) كتاب الثقات ٤ : ٣٥١ ، المغنى ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ٤٤٧ ، التلقين : ٥٠٨ ، المعونة ٣ : ١٤١٣ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٦٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٩ : ١٣٧ ، و ١١ : ٣ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٨ ، و ٨ : ٤٩ - ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، و ١١ : ١٧٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ - ٥٨.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ١٠٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٦ / ٩١ و ٩٢ ، مسند أحمد ٦ : ٦٩ / ٢٠١٧٢ ، مسند الشهاب ١ : ١٣٧ - ١٣٨ / ١٧٧ و ١٧٨ ، حلية الأولياء ٧ : ٣٣٤.

٢١١

دفعه إليه ؛ لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه ، وتجويز التصرّف للملتقط لا ينافي وجوب ردّه.

ب - الأقرب : وجوب دفع العين مع وجود صاحبه.

ويحتمل القيمة مطلقاً كالكثير إذا تملّكه بعد التعريف ، والقيمة إن نوى التملّك ، وإلّا فالعين ، وهو أقرب.

ج - لو تلف بتفريطه ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب : وجوب الضمان ، مع احتمال عدمه.

د - الأقرب : إنّه فرقٌ بين لقطة الحرم والحِلّ فيما دون الدرهم ، كما في الزائد عليه ؛ لحرمة الحرم ، الشاملة للقليل والكثير.

مسألة ٣٢٨ : إذا بلغت اللّقطة درهماً فما زاد ، وجب فيها التعريف ، فلا يجوز تملّكها في الحال ، فإن نواه لم يملك وضمن ؛ لأنّ بعض أصحابنا سأل الصادقَعليه‌السلام عن اللّقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يُعرّف »(١) فلزم من هذا وجوب تعريف الدرهم.

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « قضى عليٌّعليه‌السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها ، فإن وجد مَنْ يعرفها وإلّا تمتّع بها »(٢) .

وعن داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ وجوب التعريف حولاً إنّما هو في الأموال التي‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، الهامش (٨)

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

٢١٢

يمكن بقاؤها ولا يسرع الفساد إليها إمّا بمعالجةٍ كالرطب المفتقر إلى العلاج بالتشميس والكبس حتى يصير تمراً ، أو بغير معالجةٍ كالذهب والفضّة والثياب وغيرها.

وأمّا ما لا بقاء له - كالهريسة والطبيخ وشبههما - فإنّه يجوز تناوله بعد التقويم على نفسه ، ويضمنه للمالك.

مسألة ٣٢٩ : يكره التقاط ما تكثر فائدته وتقلّ قيمته ، كالنعلين والإداوة(١) والسوط وأشباه ذلك ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادقَعليه‌السلام عن النعلين ، والإداوة ، والسوط يجده الرجل في الطريق أينتفع به؟ قال : « لا يمسّه »(٢) .

ولأنّ الاكتساب في ذلك منتفٍ ، وربما تضرّر مالكه بضياعه عنه.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه »(٣) لا ينافي ما قلناه ؛ لحقارة هذه الأشياء ، فلا يطلبها المالك ، ولهذا روي في تتمّة الخبر عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال : « قال أبو جعفرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٤) فدلّ ذلك على البناء على العادة في الإعراض عن هذه الأشياء ، فيكون في الحقيقة إباحة من المالك لها ، مع أنّ نفي البأس لا يضادّ الكراهة.

إذا عرفت هذا ، فلو التقط أحدٌ هذه الأشياء ثمّ ظهر مالكها ، كان له أخذها.

وبالجملة ، فأخذ اللّقطة مطلقاً عندنا مكروه ، ويتأكّد في مثل هذه‌

____________________

(١) الإداوة : إناء صغير من جلدٍ يُتّخذ للماء. لسان العرب ١٤ : ٢٥ « أدا ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٣.

(٣ و ٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٢)

٢١٣

الأشياء ، وتتأكّد الكراهة في مطلق اللّقطة للفاسق ، وآكد منه المعسر.

مسألة ٣٣٠ : ما ليس بمالٍ ممّا يجوز اقتناؤه ، مثل كلب الصيد إذا منعنا من بيعه ، وكذا غيره من الكلاب المنتفع بأعيانها - مثل كلب الماشية والزرع والحائط - فإنّه يجوز التقاطه ، ويُعرَّف سنةً ، وبه قال الشافعي ، إلّا أنّ الشافعي شرط في الالتقاط قصد الحفظ أبداً ؛ لأنّه لا يجوز له تملّكه بعد السنة بالعوض ؛ لأنّه لا قيمة له عنده ، وبغير عوضٍ مخالفٌ لوضع اللّقطة(١) .

وأمّا المنفعة فعلى وجهين ، إن جوّزوا إجارة الكلب كانت مضمونةً ، وإلّا فلا(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة يُعرّفه سنةً - كما قلناه - ثمّ يختصّ به وينتفع به ، فإن ظهر صاحبه بعد ذلك وقد تلف لم يضمنه.

وهل عليه أُجرة المثل لمنفعة تلك المدّة؟ وجهان مبنيّان على جواز إجارة الكلب(٣) .

وأمّا عندنا فإن كان الكلب له قيمة مقدّرة في الشرع فإذا عرّفه حولاً ولم يجد صاحبه ، جاز له أن يتملّكه ، فيكون عليه القيمة الشرعيّة.

المطلب الثاني : في الأحكام.

ومباحثه أربعة :

الأوّل : الضمان وعدمه.

مسألة ٣٣١ : اللّقطة أمانة في يد الملتقط ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط فيها أو يتعدّى ، فإذا أخذها بقصد الحفظ لصاحبها دائماً فهي أمانة في يده‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٨.

٢١٤

ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط أو يتعدّى وإن بقيت في يده أحوالاً إن قلنا بافتقار التملّك إلى نيّةٍ ؛ لأنّه بذلك مُحسنٌ في حقّ المالك بحفظ ماله وحراسته ، فلا يتعلّق به ضمان ؛ لقوله تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) ولأنّ حاله لم يختلف قبل الحول ولا بعده ، فكذا الحكم بعدم الضمان ينبغي أن لا يختلف.

وأمّا إن قلنا بدخولها في ملكه بعد الحول وإن لم يقصد التملّك ، فإنّه يضمنها بدخولها في ملكه.

لكن المعتمد عند علمائنا : الأوّل ، وسيأتي.

مسألة ٣٣٢ : إذا نوى الاحتفاظ لها دائماً ، فهي أمانة في يده على ما تقدّم.

فإن دفعها إلى الحاكم ، وجب عليه القبول ؛ لأنّه مُعدٌّ لمصالح المسلمين ، وأعظمها حفظ أموالهم ، بخلاف الوديعة ، فإنّه لا يلزمه قبولها - على أحد وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه قادر على الردّ إلى المالك ، بل لا يجوز له دفعها إلى الحاكم مع القدرة على صاحبها ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٣) .

ولو تعذّر عليه الردّ إلى المالك وافتقر إلى إيداعها ، أودعها الحاكم ؛ للضرورة.

ولو أخذ للتملّك ثمّ بدا له ودفعها إلى الحاكم ، لزمه القبول.

ولو قصد الحفظ أبداً ، لزمه التعريف حولاً ، ولا يسقط وجوب‌

____________________

(١) سورة التوبة : ٩١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩.

(٣) سورة النساء : ٥٨.

٢١٥

التعريف حولاً بقصد الحفظ دائماً ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) على ما يأتي ، فإن لم يجب لم يضمن بتركه عندهم(٢) .

وإذا بدا له قصد التملّك ، عرّفها سنةً من حينئذٍ ، ولا يعتدّ بما عُرّف من قبلُ.

وإن أوجبناه ، فهو ضامن بالترك ، حتى لو ابتدأ بالتعريف بعد ذلك فهلك في سنة التعريف ضمن.

مسألة ٣٣٣ : لو نوى الخيانة والتملّك بغير تعريفٍ حين الالتقاط وأخفاها عن المالك ، كان ضامناً غاصبا ، ولا يحلّ له أخذها بهذه النيّة ، فإن أخذها لزمه ضمانها ، سواء تلفت بتفريطه أو بغير تفريطه.

فإن دفعها إلى الحاكم ، فالأقرب : زوال الضمان ؛ لأنّه نائب عن المالك ، فكأنّه قد دفع إلى المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، كما في الغاصب(٣) .

ولو لم يدفعها إلى الحاكم بل عرّفها حولاً ، فالأقرب : إنّه يجوز له التملّك ؛ لأنّه قد وُجد سبب التملّك(٤) ، وهو التعريف والالتقاط ، فيملكها به ، كالاصطياد والاحتشاش ، فإنّه لو دخل حائط غيره بغير إذنه فاصطاد منه صيداً مَلَكه وإن كان دخوله محرَّماً ، كذا هنا.

ولأنّ عموم النصّ يتناول هذا الملتقط ، فيثبت حكمه فيه.

ولأنّا لو اعتبرنا نيّة التعريف وقت الالتقاط ، لافترق الحال بين العَدْل‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « الملك » بدل « التملّك ».

٢١٦

والفاسق والصبي والسفيه ؛ لأنّ الغالب على هؤلاء الالتقاط للتملّك من غير تعريفٍ.

وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأظهر عندهم والأشهر بينهم : إنّه لا يُمكَّن من التملّك ؛ لأنّه أخذ مال غيره(١) .

وعلى وجهٍ : لا يجوز له أخذه ، فأشبه الغاصب(٢) . ولا بأس به.

مسألة ٣٣٤ : لو أخذ اللّقطة بنيّة التعريف حولاً والتملّك بعده ، فإنّها في الحول أمانة غير مضمونة لو تلفت بغير تفريطٍ منه أو نقصت ، فلا ضمان عليه كالوديعة ، إلّا بالتعدّي أو التفريط أو نيّة التملّك.

وأمّا بعد السنة فالأقرب : إنّها تصير مضمونةً عليه إذا كان عزم التملّك مطّرداً وإن لم يَجْر حقيقةً ؛ لأنّه صار ممسكاً لنفسه ، فأشبه المستام.

هذا إن قلنا : إنّ اللّقطة لا تُملك بمضيّ السنة ، فإن قلنا : تُملك ، فإذا تلفت تلفت منه لا محالة ، وهذا قول بعض الشافعيّة(٣) .

وأكثرهم على أنّها أمانة إذا لم يختر التملّك قصداً أو لفظاً إذا اعتبرنا اللفظ كما كانت قبل الحول. نعم ، إذا اختار وقلنا : لا بدّ من التصرّف ، فحينئذٍ يكون مضموناً عليه ، كالقرض(٤) .

وقد اعتُرض على ذلك : بأنّه قد يغيّر القصد إلى الحفظ ما لم يتملّك ، فلا يكون ممسكاً لنفسه ، فلو كان قصد التملّك يجعله ممسكاً لنفسه ، لزم أن يكون الذي لا يقصد بالتعريف إلّا تحقيق شرط التملّك ممسكاً لنفسه في‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

٢١٧

مدّة السنة أيضاً(١) .

مسألة ٣٣٥ : لو أخذ اللّقطة بنيّة الأمانة والتعريف ثمّ قصد الخيانة ، ضمن بقصده ؛ لأنّ سبب أمانته مجرّد نيّته ، وإلّا فأخذ مال الغير بغير رضاه ممّا يقتضي الضمان ، ولأنّه استئمان ضعيف ؛ لأنّه ثبت من غير جهة المالك ، فيكفي في زواله أدنى سبب ، ولأنّ نيّة الخيانة لو حصلت حالة الالتقاط لاقتضت الضمان ، فكذا بعده ؛ لبراءة ذمّته قبل الالتقاط وحالة الأمانة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والأصحّ عندهم : إنّه لا يصير المال مضموناً عليه بمجرّد القصد ، كالمستودع لو جدّد نيّة الخيانة في الوديعة بعد نيّة الحفظ لم يصر ضامناً بذلك ، كذا الملتقط(٣) .

والفرق ظاهر بين الملتقط والمستودع ؛ لأنّ المستودع مسلّط مؤتمن من جهة المالك ، على أنّ في المستودع وجهاً للشافعيّة : إنّه يضمن بمجرّد القصد(٤) .

وعلى الظاهر من مذهب الشافعيّة - من أنّ الودعيّ لا يضمن بقصد الخيانة بعد نيّة الحفظ - لو أخذ الوديعة على قصد الخيانة في الابتداء وجهان للشافعيّة في أنّه هل يكون ضامناً أم لا؟(٥) .

وإذا قلنا : صار الملتقط ضامناً في الدوام إمّا بنفس الخيانة أو بقصدها ثمّ رجع عن نيّة الخيانة وقَصَد الأمانة وأراد أن يُعرّف ويتملّك للشافعيّة

____________________

(١) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٠.

(٥) الوسيط ٤ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٧.

٢١٨

وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد تعدّى في أمانته ، وصار مضموناً عليه بنيّة الخيانة أوّلاً ، فلا يبرأ من الضمان ؛ لأنّ الأمانة لا تعود بترك التعدّي.

والثاني : إنّ التقاطه في الابتداء وقع مفيداً للتملّك ، فلا يبطل حكمه بتفريطٍ يطرأ ، ولأنّ سبب التملّك هو الالتقاط ، والتعريف غير محرَّمٍ ، وإنّما المحرَّم ما قصده ، ولم يتّصل به تحقيق(١) .

مسألة ٣٣٦ : قال الشيخ ; : اللّقطة تُضمن بمطالبة المالك لا بنيّة التملّك(٢) . وفيه نظر ؛ لأنّ المطالبة تترتّب على الاستحقاق ، فلو لم يثبت الاستحقاق أوّلاً لم يكن لصاحبها المطالبة ، فلو ترتّب الاستحقاق على المطالبة لزم الدور.

ولو أخذ الملتقط اللّقطة ولم يقصد خيانةً ولا أمانةً ، لم تكن مضمونةً عليه ، وله أن يتملّك بشرطه ، وكذا لو أضمر أحدهما ونسي ما أضمره ؛ لأصالة البراءة.

البحث الثاني : في التعريف.

مسألة ٣٣٧ : ينبغي للملتقط أن يقف على اللّقطة ليميّزها عن أمواله ، فلا يختلط أمرها عليه ويشتبه بما يختصّ به ، وأيضاً يستدلّ بها على معرفة صدق مدّعيها إذا جاء وطلبها ، فحينئذٍ يستحبّ أن يعرف عفاصها - وهو الوعاء من جلدٍ أو خرقٍ أو غيرهما - ووكاءها - وهو الخيط الذي يشدّ به -

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١.

٢١٩

لورود ذلك في الخبر : إنّهعليه‌السلام قال : « اعرف عفاصها ووكاءها »(١) .

وينبغي أن يعرف أيضاً جنسها هل هي ذهب أو فضّة ، أو ثوب هرويّ أو مرويّ ، ويعرف قدرها بالوزن أو العدد إن كان ممّا يُعدّ في العادة ؛ لما ورد في حديث أُبيّ بن كعب : « اعرف عدّتها »(٢) ومهما ازداد عرفاناً ازداد احتياطاً في حفظها وتبيّنها على أنّه لا يفرّط في طرفها.

وينبغي أن يقيّد ذلك بالكتابة لئلّا ينسى ما عرفه منها.

مسألة ٣٣٨ : ويجب على الملتقط تعريف اللّقطة إذا بلغت درهماً فما زاد ، والإنشاد بها ليظهر خبرها لصاحبها فيأخذها ، سواء قصد الملتقط حفظها دائماً لصاحبها ، أو نوى التملّك بعد السنة ، عند علمائنا - وبه قال أحمد(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث زيد بن خالد الجهني ، قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن اللّقطة ، فقال : « اعرف عفاصها ووكاءها ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٥) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة في حديثٍ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب وإلّا فهي كسبيل ماله »(٦) .

ولأنّه مال للغير حصل في يده فيجب عليه دفعه إلى مالكه ، ولا طريق‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٠ ، الهامش (١)

(٣) المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٣.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

(٦) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١)

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778