سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله7%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 468859 / تحميل: 10040
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أمه)، حتى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أحد"(١) .

٦- إحياء ليلة النصف منه:

وهي ليلة شريفة ورد أنّها أفضل الليالي بعد ليلة القدر، وقد زاد شرفها بولادة الإمام الحجّة بن الحسن المهدي المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في صبيحتها.

٧- إحياء المناسبات الجليلة فيه وأبرزها:

أ - ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام في ٣ شعبان وهو يوم الحرس.

ب- ولادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام في ٤ شعبان وهو يوم الجريح.

ج- ولادة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في ٥ شعبان وهو يوم الأسير.

د- ولادة الإمام الحجة المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في ١٥ شعبان وهو يوم المستضعفين.

وينبغي في هذه المناسبات تعميق الارتباط بأهل البيت

____________________

١- السيد البروجردي - جامع احاديث الشيعة - ج ٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٥٧

١٢١

عليه‌السلام لا سيما بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وإظهار الفرح والزينة من باب إحياء أمرهم لعلنا ننال دعوتهم المباركة:" رحم الله من أحيا أمرنا"(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٩

١٢٢

الحسينعليه‌السلام في بيت عليعليه‌السلام

المناسبة: ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام

التاريخ: ٣ شعبان

من الثابت أن للوراثة دوراً مهماً في تكوين شخصية الانسان، وقد توافقت النصوص الدينية مع الإكتشافات العلمية الحديثة في هذا المجال، فقد ورد في الحديث المعروف " العرق دسَّاس" وجاء هذا المضمون على لسان علماء الوراثة كمندل الذي قال:" إن كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغيّر من أحد الأصلين أو منهما الى الفرع"(١) .

قبل الولادة:

وفي بيت الإمام عليعليه‌السلام ثلاثة نماذج لعب العِرق فيها دوراً بارزاً:

____________________

١- القرشي- حياة الامام الحسينعليه‌السلام - منشورات دار الكتب العلمية- قم -ج١ - ص ٤٣.

١٢٣

النموذج الأول: محمد بن الحنفية الذي ورد أن أباه أمير المؤمنينعليه‌السلام طلب منه يوم الجمل أن يحمل على القوم، فتوقف قليلاً، ثم كرَّر عليه أبوه الإمامعليه‌السلام قائلاً له:" أحمل"،فأجابه يا أمير المؤمنين، أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر ؟!! فدفعه الإمام في صدره وقال له:" أدركك عرقٌ من أمك"(١) .

النموذج الثاني:

أبو الفضل العباس وأخوته الذين أراد لهم أبوهم الإمام عليعليه‌السلام أن يكونوا من أنصار أخيهم الحسينعليه‌السلام في كربلاء، فسأل عن امرأة تنتسب الى بيت شجاعة وإقدام ليجدها في أمهم أم البنين.

النموذج الثالث:

الحسن والحسينعليه‌السلام اللذان جمعا كمال الوراثة.

الحسينعليه‌السلام المولود:

وفي شهر شعبان ولد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكان يوم

____________________

١- أنظر الأمين - أعيان الشيعة- منشورات دار التعارف - بيروت- ج ١ - ص ٤٥٧.

١٢٤

الفرح الأكبر لولا دمعةٌ انسكبت من عين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي احتضن سبطه الحسين وأخذ يبكي، قالت له أسماء: فداك أبي وأمي ممَّ بكاؤك ؟!! فأجابها صلوات الله عليه وآله:" من إبني هذا ! تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي "(١) .

واحتضن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسيناً ليسمعه من فمه المبارك أول كلمة في الحياة الدنيا.

إذ أدنى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمه الطاهر ناحية أذن الحسين اليمنى، وقال: " الله أكبر، الله أكبر" فأذَّن فيها ثم أقام في أذنه اليسرى(٢) ،فكانت كلمة " الله" أول كلمة دخلت أذن الحسينعليه‌السلام ، وقد ورد في الخبر أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم(٣) .

تسمية الحسينعليه‌السلام :

واختار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسبطه اسم الحسينعليه‌السلام ، وقال المؤرّخون: لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذا الأسم، وإنما سمَّاه النبي به بوحي من السماء(٤) .

____________________

١- أنظر: القرشي- حياة الإمام الحسين- منشورات دار الكتب العلمية- قم - ج ١ ص ٢٧.

٢- المصدر السابق - ص ٣٠.

٣- أنظر: الطفل نشوؤه وتربيته اعداد ونشر مؤسسة البعثة - قم - ص ٦٥.

٤- القرشي - حياة الإمام الحسين - ص ٣٠.

١٢٥

الحسينعليه‌السلام في سورة الدهر:

وترعرع الحسينعليه‌السلام في البيئة الطاهرة تحت رعاية الأنوار الثلاثة الأولى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وفاطمةعليه‌السلام ، وشاء الله تعالى أن يُعرِّف الناس كرامته حينما بشَّره بالجنة وهو طفل صغير، وذلك حين مرض الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام فنذر أبوهما علي وأمهما فاطمة إن عافاهما الله أن يصوما ثلاثة أيام، وكذا فعل الحسن والحسينعليه‌السلام مع صغر سنهما، واقتدت بهم خادمتهم فضة.

وحينما برئا، أصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليعليه‌السلام إلى يهودي وأخذ منه جزة من الصوف على أن تغزلها السيدة الزهراءعليها‌السلام مقابل ثلاثة أصواع من الشعير، فغزلتعليه‌السلام ثلث الصوف ثم طحنت صاعاً من الشعير وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع عليعليه‌السلام اللقمة من يده وأعطى قرصه للمسكين، وكذا فعلت فاطمةعليه‌السلام

١٢٦

وكذا فعل الحسنانعليه‌السلام ، فباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً، ولم يذوقوا إلّا الماء، وفي اليوم الثاني غزلت السيدة فاطمةعليه‌السلام ثلث الصوف الآخر وطحنت صاعاً من الشعير وعجنته وخبزته خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا يتيم على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فدفع جميعهم الطعام الى هذا اليتيم وباتوا جياعاً وقاموا صياماً، وتكرَّر المشهد في اليوم الثالث حينما وقف على الباب اسيرٌ من أسرى المشركين يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا، ففعلوا كما فعلوا بالأمس وقبله، وباتوا جياعاً واستيقظوا ليأتي إليهم نبيُّ الإسلام بالبشرى الكبرى وهو قوله تعالى:﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(١) .

____________________

١- أنظر: المشهدي- تفسير كنز الدقائق - ج١١ - ص ١١٦ - ١١٨، سورة الإنسان

١٢٧

الحسينعليه‌السلام في آية المباهلة:

وأراد الله تعالى أن يعرِّف الناس كرامة الحسينعليه‌السلام وهو صغير حينما جاء وفدٌ من نصارى نجران ليناظروا النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد حديث بينهم وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتفقوا على الابتهال أمام الله ليجعل تعالى لعنته على الكاذبين وعيَّنوا لذلك وقتاً محدداً...وفي ذلك الوقت خرج السيد النصراني والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ومعهم نصارى نجران، واحتشدت الجماهير لتنظر وفد المسلمين فإذا بهم يرون نبي الإسلام قد أقبل وهو يحتضن الحسينعليه‌السلام ، ويمسك بيده الأخرى الحسنعليه‌السلام وخلفه الإمام عليعليه‌السلام والسيدة الزهراءعليها‌السلام وهو يقول لوفد النصارى: " أباهلكم بخير أهل الأرض، وأكرمهم إلى الله".

فرجعوا إلى زعيمهم الأسقف يستشيرونه في الأمر، فقال لهم: " أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحدٌ أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله".

فأسرعوا إلى النبي قائلين: " يا أبا القاسم، أقِلنا أقال الله

١٢٨

عثرتك"(١) .

ووثَّق القرآن هذه الحادثة العظيمة بقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(٢) .

الحسينعليه‌السلام تحت كساء العصمة:

واستمرت العناية الربَّانية بالحسينعليه‌السلام الطفل حينما قدمت أمه الزهراء فاطمةعليه‌السلام إلى أبيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أدعي زوجك وأبنيك" فجاءت بهما ليجلّلهم بكساء ويقول: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً "(٣) .

ويتلوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية العصمة التي أخبرت عن عصمة الحسين وأبيه وأمه وأخيه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(٤) .

____________________

١- أنظر: القرشي - حياة الحسين - ص ٧٠ - ٧٢.

٢- آل عمران: ٦٠.

٣- الفيروز آبادي - فضائل الخمسة- ج ١- ص ٢٧١.

٤-الأحزاب: ٣٢.

١٢٩

الحسينعليه‌السلام في صباه وأسلوب الدعوة:

ومضت الأيام ليظهر الحسينعليه‌السلام على مسرح الحياة وهو صبي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فقد رُوي أن الحسن والحسينعليه‌السلام رأيا أعرابياً يتوضأ بشكل خاطئ، فتقدما وطلبا منه أن يشرف على وضوئيهما ليعرفا أي الوضوءين أحسن ! فقال الحسينعليه‌السلام للأعرابي: " أيّنا يحسن الوضوء ؟ فأجاب الأعرابي: كلاكما تحسنانه، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه "(١) .

من أخلاق الحسينعليه‌السلام :

وكبر الحسينعليه‌السلام ليتجلَّى فيه خُلُق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدب عليعليه‌السلام وجلال فاطمةعليه‌السلام ، فكان العابد الذي يقضي أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، حتى قال عنه إبن الزبير: " أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه كثيراً في النهار صومه"(٢) .

وكان الحليم عند القدرة، فقد ورد أن بعض مواليه جنى جناية توجب التأديب فأمر الحسينعليه‌السلام بتأديبه.

____________________

١- التستري- الخصائص الحسينية - ص ١٧١.

٢- القرشي- حياة الحسين- ج ١ - ص ١٣٣./

١٣٠

فانبرى العبد قائلاً:

يا مولاي: إن الله تعالى يقول:" الكاظمين الغيظ".

فقال الحسينعليه‌السلام : " خلّو عنه، فقد كظمت غيظي".

فسارع العبد قائلاً: " والعافين عن الناس".

فأجابه الحسينعليه‌السلام : " قد عفوت عنك".

فطلب العبد المزيد بقوله:" والله يحب المحسنين".

فإذا بالحسينعليه‌السلام يفصح عن أخلاقه النبوية بقوله: " أنت حرٌّ لوجه الله".

ثم أمر بجائزة سنيَّة تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس(١) .

هذا هو الحسينعليه‌السلام وهذه هي أخلاق الحسينعليه‌السلام فلنتخذ منه القدوة، ومن أخلاقه قبس الإهتداء.

____________________

١- القرشي - حياة الإمام الحسينعليه‌السلام - ج ١- ص١٢٤.

١٣١

نافذ البصيرة

المناسبة: ولادة أبو الفضل العباسعليه‌السلام

التاريخ: ٤ شعبان

قدَّم أبو الفضل العباسعليه‌السلام نموذجاً راقياً في الجهاد والإيثار وخصائل أخرى أشار إليها الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته لعمه العباسعليه‌السلام قائلاً:

" سلام الله وسلام ملائكته المقرَّبين وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والتضحية لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب..."(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٧

١٣٢

الخصال الأربع:

وقد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بهذه الزيارة إلى خصال أربع في فضائل أبي الفضل العباسعليه‌السلام مع ولي أمرهعليه‌السلام نلقي بعض الضوء عليها مستلهمين منها دروساً في التولِّي:

١- التسليم: وهو عنصر أساس في تكوين شخصية المسلم الذي يسلِّم أمره لله ويتعبِّد بأوامره ونواهيه دون اعتراض كما رسم النموذَج الراقي في ذلك خليلُ الله إبراهيمعليه‌السلام الذي مضى في ذبح ولده إلى مشارفِ النهاية مسلِّماً في ذلك أمرَه لله تعالى فاستحق ان يكون من أطلق تسمية المسلمين على عباد الله الصالحين، يقول تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ(١) ،وأوضح الله تعالى في كتابه أنّ التسليم لله لا يتحقّق بدون التسليم لولي الأمر، بل لا يتمّ الإيمان حتى يتمّ التسليم له فيقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا(٢) من هنا كان القيمة في تسليم أبي الفضل

____________________

١- الحج : ٧٨

٢- النساء:٦٥.

١٣٣

العباس لأخيه الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢- التصديق: والتسليم تارة يكون من دون قناعة بصوابية العمل وتصديق به وتارة تكون عن بصيرة وقناعة به والتسليم الثاني هو الأرقى والأكمل لذلك كان المدح الكبير لأبى الفضل العباسعليه‌السلام في زيارته لاسيَّما حينما قال الإمام الصادقعليه‌السلام فيها: " أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين متبعاً للنبيّين"(١) .

وقالعليه‌السلام عنه: " كان عمّي العباس بن عليعليه‌السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان"(٢) ، فنفوذ البصيرة هو الذي يؤدي إلى صلابة الإيمان والتسليم لولي الأمر عن وعي وتصديق.

٣- الوفاء: والوفاء كما يكون بعهدٍ يلتزمه الإنسان يكون بأداء الحقوق وأداء حق ولي الأمر بنصرته والجهاد بين يديه من أعظم الوفاء وهذا ما تجلى بأبي الفضلعليه‌السلام في كربلاء كما يصفه أبن أخيه الإمام السجّادعليه‌السلام : " رحم الله عمي العباس بن علي فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه".

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٨

٢- الشاكري - الحاج حسين - شهداء اهل البيتعليهم‌السلام قمر بني هاشم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣١

١٣٤

٤- التضحية: فقد ضحىعليه‌السلام فادياً أخاه واقياً له حتى وصل إلى منزلة قال عنها الإمام زين العابدينعليه‌السلام : " رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"(١) .

وأراد إمام الأمّة الراحلقدس‌سره أن يلفتنا في ذكرى ولادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام إلى المقاومين الجرحى فأطلق على هذا اليوم يوم الجريح، جزاهم الله تعالى عن الأمّة خير جزاء المحسنين.

____________________

١- الحائري - جعفر عباس - بلاغة الامام علي بن الحسينعليه‌السلام - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ٢٣٥

١٣٥

حق النفس

المناسبة: ولادة الامام السجادعليه‌السلام

التاريخ: ٥ شعبان سنة ٣٨ ه

كان الامام زين العابدينعليه‌السلام قمّة في العلم والتقوى والعبادة والجهاد وقمّة في أخلاقه وسلوكه وعلاقته بربّه.

رسالة الحقوق:

ولا بدّ أن نقف عند رسالته التي حدّد فيها الحقوق، حقّ الله عليك، وحقّ نفسك عليك، وحقّ الناس عليك، وحقّك عليهم.

هذه الرسالة الفريدة العظيمة في مضامينها والتي تشتمل على أسرار العلاقات الإنسانيّة، والتي نحتاج أن نقرأها دائماً حتى نعيش في حياتنا الخاصّة والعامّة معنى المسؤوليّة، فلا يشعر الإنسان أنّه حرّ أمام شهواته ولذّاته ونوازعه الذاتيّة، بل يعرف أنّ الله عزّ وجلّ جعل للأشياء وللأشخاص حقوقاً عليه كما جعل حقوقاً عليهم.وأنّه يتحرّك في حياته ضمن المسار

١٣٦

الذي حدّده الله له.

إنّ خلاصة رسالة الحقوق هي أنّ الإنسان في هذه الحياة هو إنسان مسؤول، فالمسؤوليّة تحيط به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وفي موقفه بين يدي ربّه، فتعالوا نستمع إلى بعض ما ذكره الإمامعليه‌السلام من حقوق الإنسان على نفسه.

يقولعليه‌السلام : " وأما حقّ نفسك عليك فأن تستعملها بطاعة الله عزّ وجلّ، فتؤدّي إلى لسانك حقّه، وإلى سمعك حقّه، وإلى بصرك حقّه، وإلى يدك حقّها، وإلى رجلك حقّها، وإلى بطنك حقّه، وإلى فرجك حقّه، وتستعين بالله على ذلك".

حقّ اللسان:

" أما حقّ اللسان فإكرامه عن الخنا"، والخنا هي كلمات الفحش والسباب والشتائم.

" وتعويده على الخير" بأن تدرّب لسانك على أن لا يقول إلّا الخير وما ينفع نفسك والآخرين.

" وحمله على الأدب" أي أن تحمله على الكلمات التي تمثّل أدبك مع ربّك ومع الناس وذلك بأن تتكلّم الكلمات التي تفتح عقول وقلوب الناس عليك، ولا تثير حساسيّاتهم، ولا تعمل

١٣٧

على إثارة أعصابهم أو إلحاق الأذى بأنفسهم أو بحياتهم.

" وإجمامه إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا" أي أن تمسك لسانك عن الكلام إلّا لموضع الحاجة فليكن الصمت هو طابعك العام.إلّا أن تكون الكلمة محلّ حاجة لك أو للآخرين أو للرسالة، أما إذا كانت الكلمة لا تمثّل حاجّة لك في أمورك الخاصّة أو العامّة ولا للآخرين ولا للرسالة، فأمسك لسانك عن لغو الكلام الذي لا يفيد ولا ينفع.

" وإعفاؤه من الفضول الشنيعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شرّه" أي الكلام الذي لا داعي له ولا معنى له أو الكلام الذي يمكن أن يؤدّي إلى شرٍ أو إضرار بالآخرين.

وخلاصة الفكرة أن تعرف أنّ الله أنطق لسانك من أجل أن تستعين به على قضاء حاجاتك وحاجات الآخرين، وأن تستعمله من أجل الخير وهداية الناس ودعوتهم إلى خطّ الله وإدخال السرور عليهم، ولا تستعمله فيما يضرّهم ويؤذيهم ويضلّهم.

حقّ السمع:

" وأما حقّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلّا لفوّهة كريمة، تحدث في قلبك خيراً أو تكسبك خلقاً كريماً فإنه

١٣٨

(أي السمع) باب الكلام إلى القلب يؤدّي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شرّ" أي أنّ السمع هو النافذة التي تطلّ على العقل فالكلمات تنطلق من الآخرين لتدخل من خلال هذه النافذة لتستقرّ في قلبك وعقلك.

والكلام الذي نسمعه على نحوين: فهناك كلام يسيء إلى عقولنا وروحيّتنا وهدانا ومواقع الخير فينا، وهنالك كلمات تهدينا وترشدنا وترفع من مستوانا الثقافي والروحيّ وتعمّق تفكيرنا ولذلك فإنّ علينا أن نختار الكلمات التي ندخلها إلى عقولنا بعناية لتكون كلمات تنمّي عقولنا وأرواحنا وتعمّق إيماننا وترتفع بنا إلى مقام القرب الإلهيّ، فحاول دائماً أن يكون سمعك نافذة على العقل يعطي العقل ما يهديه إلى الخير والحقّ والعدل وإلى القرب من الله ولا تجعله نافذة وطريقاً إلى الشرّ واللهو واللغو وسماع الحرام.

حقّ البصر:

وأما حقّ بصرك فَغَضُّه عما لا يحل لك، ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ

١٣٩

أَبْصَارِهِنَّ(١) ،وترك ابتذاله إلّا لموضع عبرة تستقبل به بصراً أو تستفيد به علماً فإنّ البصر باب الاعتبار"، يعني أن تستعمل بصرك للتأمّل والبحث والاستفادة، بأن تحاول عندما تنظر إلى ما حولك وما فوقك وما تحتك أن تنظر على أساس أن تستفيد منه عظة وعبرة تستطيع من خلالهما أن تعطي لنفسك تجربة جديدة وفكرة جديدة وفائدة جديدة.

حقّ الرجلين:

" وأمّا حقّ رجليك أن لا تمشي بها إلى ما لا يحلّ لك، ولا تجعلها مطيَّتك في الطريق المستخفّ بأهلها فيها، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين"، أي عليك أن تحرّك رجليك إلى مواقع العدل والحقّ والجهاد وإلى مواقع العمل في سبيل الله وإلى الغايات والأهداف التي يحبّها الله ولا تحرّكها إلى المواقع التي لا يرضاها الله لأنّ رجليك غداً سوف تطالبانك بحقّها.

حقّ اليد:

" وأما حقّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك" فلا تضرب إنساناً بغير حقّ ولا تضرب ولدك بغير حقّ، أو زوجتك

____________________

١- النور: ٣١-٣٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وهذه القصيدة الرائعة هي من أفضل قصائد كعب وقد اعتنى المسلمون بحفظها ونشرها منذ أن أنشدها الشاعر المذكور بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ، وقد شرحها علماء الإسلام كثيرا ، وعدد ابيات هذه اللامية ( أي التي تنتهي قوافيها باللام المضمومة ) ٥٨ بيتا ومطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيّم إثرها لم يغد مكبول

لقد بدأ كعب قصيدته هذه ـ على عادة شعراء العهد الجاهلي ( الذين كانوا يبدءون قصائدهم بمخاطبة محبوبتهم او مخاطبة الاطلال ) ـ بذكر سعاد زوجته وابنة عمه ، ولقد خصّها بالذكر لطول غيبته عنها ، لهروبه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : فارقتني سعاد فراقا بعيدا فقلبي اليوم أسقمه الحبّ ، وأضناه ، فهو ذليل لغيبتها لم يخلص من الأسر والقيد.

ثم يمضي في هذه النمط من الكلام حتى يصل إلى أن يعتذر من صنيعه السيّئ فقال :

نبّئت أنّ رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك ناف

لة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم

اذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

إلى أن قال :

إن الرسول لنور يستضاء به

مهنّد من سيوف الله مسلول(١) (٢)

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٠١ ـ ٥١٤.

(٢) يقال : إن كعبا عند ما فرغ من إنشاء قصيدته كساه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بردة كانت عليه ، فلما كان زمن معاوية أرسل الى كعب أن بعنا بردة رسول الله ، فقال : ما كنت لاوثر بثوب رسول الله أحدا ، فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم وهي البردة التي كان يلبسها الخلفاء الامويون والعباسيون ( راجع الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٧٦ ). وجاء في ناسخ التواريخ الجزء الثالث من المجلد الثاني ان كعبا لما قال « ان النبي لسيف يستضاء به » قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إن النبي لنور ».

٥٤١

حزن قارن فرحا :

في أواخر السنة الثامنة للهجرة فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبرى بناته : « زينب » ، وقد تزوّجت زينب قبل البعثة بابن خالتها أبي العاص ، وآمنت بأبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد البعثة من دون تأخير ، ولكنّ زوجها ظلّ على شركه ، وشارك في « بدر » ضدّ الإسلام والمسلمين ، وأسر في تلك المعركة فخلّى رسول الله سبيله ، شريطة أن يبعث بابنته « زينب » إلى المدينة.

وفعل ابن العاص ذلك فجهّز زوجته « زينب » وبعثها برفقة أخيه إلى المدينة ، غير أن سادة قريش عرفوا بذلك ، فكلّفوا من يعيدها إلى مكة ، فلحق بها الرجل في أثناء الطريق ، فضرب هودجها برمحه ففزعت زينب ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسقطت حملها من شدّة الفزع ، ولكنها لم تنصرف عن الذهاب الى المدينة ، فقد واصلت سيرها حتى قدمت المدينة وهي عليلة ، وقضت بقية عمرها مريضة حتى توفّيت في أواخر السنة الثامنة من الهجرة.

ولكنّ هذا الحزن قارنه فرح وسرور فقد رزق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر نفس ذلك العام ولدا اسماه « ابراهيم » من زوجته « مارية القبطية » ( وهي الجارية التي أهداها المقوقس حاكم مصر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

والجدير بالذكر أنه عند ما بشّرت سلمى ( المولّدة ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، أعطاها هدية ثمينة ، وعقّ له في اليوم السابع من ولادته ، وحلق شعره ، وتصدّق بوزن شعره ، فضة في سبيل الله(١) .

__________________

(١) تاريخ الخميس : ج ٢ ص ١٣١.

٥٤٢

حوادث السنة التاسعة من الهجرة

٥٣

علي بن أبي طالب في أرض طيّ

إسلام عديّ بن حاتم :

انقضت السنة الهجرية الثامنة بكل حوادثها المرّة والحلوة ، فقد سقطت اكبر قاعدة من قاعدة الوثنية والشرك في أيدي المسلمين ، وعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ظافرا منتصرا على أعداء الإسلام انتصارا كاملا ، وقد هيمنت ظلال القوة العسكرية الإسلامية على اكثر أنحاء الجزيرة العربية ونقاطها.

كما أخذت القبائل العربية المتمرّدة التي لم تكن تتصور إلى ذلك اليوم أن يتحقق مثل هذه الانتصارات لدين التوحيد ، أخذت تفكّر شيئا فشيئا في التقرب الى المسلمين وقبول معتقداتهم ، واعتناق دينهم.

من هنا كانت وفود القبائل العربية المختلفة ، وأحيانا مجموعة من أفراد قبيلة ما بقيادة رئيسها تقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلن عن إسلامها ، وقبولها للرسالة المحمدية.

وقد ازداد قدوم وفود القبائل هذه على عاصمة الإسلام ( المدينة المنورة ) في هذا العام حتى سمّى بعام الوفود(١) .

__________________

(١) لقد سجّل المؤرخ المعروف محمّد بن سعد ـ في كتابه ـ خصوصيات واسماء هذه الوفود وتفاصيل القسم الاكبر من تفاصيل ما دار بينها وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما خصّهم به رسول

٥٤٣

وعند ما قدم وفد من قبيلة « طيّ » وفيهم سيدهم « زيد الخيل » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحادث مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعقل زيد وحكمته ووقاره فقال عنه :

« ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلاّ رأيته دون ما يقال فيه إلاّ زيد الخيل ، فانه لم يبلغ كل ما كان فيه ».

ثم سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيد الخير(١) .

إن دراسة قصة الوفود ، والإمعان والتدبر في ما دار بينهم وبين رسول الاسلام يفيد بوضوح وجلاء ان الاسلام انتشر في شبه الجزيرة العربية عن طريق الدعوة والتبليغ.

على أن طواغيت ذلك العصر أمثال أبي سفيان وأبي جهل كانوا يحاولون الحيلولة دون انتشار هذا الدين ، فكانت لأجل ذلك حروب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمضافا إلى أن اكثرها كان لإفشال تلك المؤامرات ، كان الهدف منها

__________________

الاسلام من الطف لا يسع المجال لذكره هنا ، وقد ذكر اسماء ثلاثة وسبعين وفدا من تلك الوفود التي وفدت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوال السنة التاسعة من الهجرة او ما قبلها بقليل ( الطبقات الكبرى : ج ١ ص ٢٩١ ـ ٣٥٩ ).

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٧٧. هذا وينبغي الاشارة هنا وبالمناسبة إلى أنه كان من سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغيّر الأسماء القبيحة التي اعتاد الجاهليّون على تسمية أبنائهم بها ايثارا للاسم الحسن ولأن الاسم يورث الاحساس بالشخصية لدى صاحبه على العكس من الاسم القبيح ، وقد ثبت هذا نفسيا ، بل ربما غيّر الاسماء التي قد يشعر معها الانسان بالعظمة ، والفخر والزهو منعا من أن تحدث لأصحابها مثل ذلك. فعن الامام جعفر بن محمّد الصادق عن ابيهعليهما‌السلام : إنّ رسول الله كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان ( قرب الاسناد ص ٤٥ ) ولهذا غيّر أسماء كثيرة لرجال ونساء فغيّر اسم ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميلة ( صحيح مسلم : ج ٦ ص ١٧٣ ) وغيّر اسم غافل بن البكير فسمّاه عاقلا ، وقد روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إن أوّل ما ينحل احدكم ولده الاسم الحسن » ( بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ١٢٢ ).

٥٤٤

هو قمع أولئك الطواغيت الذين كانوا يصدّون عن سبيل الله ويمنعون من دخول مجموعات الدعوة والتبليغ الاسلامية إلى مناطق الحجاز ونجد وغيرها.

إنّ من البديهيّ أن لا يتيسّر انتشار أيّ دين ، وتطبيق أي برنامج إصلاحي من دون تحطيم الطواغيت ، وإزالة الأشواك من طريقه.

ومن هنا نرى أنّ جميع الأنبياء والرسل ، وليس رسول الله فقط كانوا يجتهدون قبل أي شيء في تحطيم الطواغيت وإزالة السدود والموانع ، من طريق الدعوة.

ويتحدث القرآن الكريم في سورة خاصة عن قدوم هذه الوفود على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما حققه الإسلام من فتح وانتصار ساحق اذ يقول :

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً »(١) .

وبالرغم من هذا الإقبال المتزائد على الإسلام لدى القبائل وقدوم الوفود المتلاحق على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قام في السنة التاسعة من الهجرة ببعث عدة سرايا ، ووقعت غزوة واحدة ، وكانت السرايا هذه لأجل إفشال المؤامرات التي كانت تحاك ضدّ الاسلام والمسلمين ، وكانت في الأغلب لهدم الأصنام الكبيرة التي كانت لا تزال القبائل العربية المشركة تقدسها وتعبدها ، ومن جملة هذه السرايا سرية علي بن أبي طالبعليه‌السلام التي وجّهت إلى أرض « طيّ » بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بين ما وقع في السنة التاسعة يمكن الاشارة إلى غزوة « تبوك ».

ففي هذه الغزوة غادر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة متوجها إلى أرض تبوك ، ولكنه لم يلق فيها أحدا ، فعاد من غير قتال ، إلاّ أنّه مهّد الطريق لفتح البلاد الحدودية لمن يأتي في المستقبل.

__________________

(١) النصر : ١ ـ ٣.

٥٤٥

هدم بيوت الاصنام :

لقد كانت الوظيفة الاساسية الاولى من وظائف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي : نشر عقيدة التوحيد ، واجتثاث جذور كل نوع من أنواع الشرك ، وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلك ـ لتحقيق هذه الغاية ، ولارشاد الضالّين والوثنيين ـ طريق المنطق والاستدلال ، قبل أي شيء فكان يلفت أنظارهم بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة إلى بطلان الشرك والوثنية ، فاذا لم يجد معهم المنطق المبرهن ، والارشاد المستدلّ ، ولجّوا في كفرهم وشركهم سمح لنفسه بأن يتوسّل بالقوة ، ويداوي أولئك المرضى روحا وفكرا والذين يمتنعون عن استعمال الدواء وبمحض اختيارهم ، بالمعالجة الجبرية.

فانّه إذا شاع داء الكوليرا في بلد من البلدان مثلا ، وامتنع فريق من الناس عن قبول تلقيحهم بالمصل اللازم لمكافحة ذلك المرض ، فإنّ المسئول في ذلك البلد يرى لنفسه الحق في أن يجبر تلك الجماعة الضيّقة التفكير التي تعرّض سلامة نفسها وسلامة غيرها للخطر من حيث لا تشعر على الرضوخ لعملية التلقيح المذكورة.

لقد أدرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ضوء تعاليم الوحي أنّ الوثنية أشبه شيء بجرثومة « الكوليرا » تهدم فضائل الانسان ، وشرفه ، وتقضي على مكارم الاخلاق ، وتحطّ من مكانة الانسان الرفيعة ، وتجعله كائنا حقيرا أمام الطين والحجر والموجودات المنحطّة.

وعلى هذا الاساس امر من جانب الله تعالى بأن يجتثّ جذور الشرك من كيان ذلك المجتمع الموبوء ، ويزيل كل مظاهر الوثنية ، وكل أنواعها وأشكالها ، واذا ما قاومت جماعة هذا العمل ، وعارضت هذا الاجراء حطّم مقاومته بالقوة العسكرية ، والقبضة الحديدية.

إنّ التفوّق العسكري أعطى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرصة بعث

٥٤٦

الفرق العسكرية لتحطيم وهدم كل بيوت الأصنام ، وأن لا يبقوا في منطقة الحجاز صنما إلاّ هدّموه.

علي في أرض طيّ :

ولقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف من قبل ، أن في قبيلة طيّ صنما كبيرا يقدّس إلى الآن ومن هنا بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطل جيشه الشجاع علي بن أبي طالبعليه‌السلام على رأس مائة وخمسين فارس إلى أرض طيّ ، وأمره بأن يحطّم صنم طيّ ، ويهدم بيته.

وقد أدرك قائد هذه السرية أن القبيلة المذكورة ستقاوم جنود الاسلام ، وأنّ الأمر لن يتمّ من دون قتال ، ولهذا حمل بأفراده على موضع ذلك الصنم ، عند الفجر والناس نيام ، فاستطاع أن يأسر جماعة من تلك القبيلة ممن قاوم ، وان يعود بهم وبالغنائم الى المدينة وقد فرّ « عديّ بن حاتم الطائي » الذي انضمّ فيما بعد الى صفوف المسلمين ، المجاهدين في سبيل الله ، وكان يرأس تلك القبيلة ، حين سمع بتوجه علىعليه‌السلام نحوها.

ولنستمع إلى عديّ الطائي نفسه وهو يقصّ علينا قصة هروبه.

يقول عديّ : ما من رجل كان أشدّ كراهية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سمع به ، منّي.

أمّا أنا فكنت امرأ شريفا ، وكنت نصرانيا ، وكنت اسير في قومي بالمرباع ( أي آخذ الربع من الغنائم لأني سيدهم ) فكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي. فلما سمعت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربيّ ، وكان راعيا لابلي : لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا ، فاحتبسها قريبا منّي ، فاذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذنّي ؛ ففعل ؛ ثم أنه أتاني ذات غداة ، فقال : يا عديّ ما كنت صانعا اذا غشيتك خيل محمّد ، فأصنعه الآن ، فاني قد رأيت رايات ، فسألت

٥٤٧

عنها ، فقالوا : هذه جيوش محمّد. قال : فقلت : فقرّب إليّ أجمالي فقرّبها ، فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية(١) وقد تركت أختي في قومي.

ثم تغزو خيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قومي فتصيب ( اختي ) ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبايا من طيّ ، وقد بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هربي الى الشام.

فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيه ، فمرّ بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقامت إليه اختي وكانت امرأة جزلة ، فقالت : يا رسول الله هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليّ منّ الله عليك.

قال : ومن وافدك؟

فقالت : عديّ بن حاتم.

قال : الفارّ من الله ورسوله؟

ثم مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد مرّ بي ، فقلت له مثل ذلك ، وقال لي مثل ما قال بالأمس ، حتى إذا كان من الغد مرّ بي وقد يئست منه ، فاشار إليّ رجل من خلفه أن قومي فكلّميه ، فقامت إليه ، وقالت : يا رسول الله هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليّ منّ الله عليك ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني ».

تقول اختي : فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن أكلمه فقيل : علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

ثم إن أختي أقامت حتى قدم ركب من بلّي او قضاعة قالت : وأنما اريد أن

__________________

(١) الجوشية : جبل للضباب قرب ضرية. من أرض نجد.

٥٤٨

آتي أخي بالشام. قالت : فجئت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.

قالت : فكساني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملني ، واعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.

قال عديّ : فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة ( وهي المرأة في هودجها ) تصوّب إليّ تؤمنا قال : فقلت ابنة حاتم ، قال : فإذا هي هي ، فلما وقفت عليّ أخذت في اللوم تقول : القاطع الظالم ، احتملت أهلك وولدك ، وتركت بقيّة والدك عورتك.

فقلت : أي أخيّة ، لا تقولي إلاّ خيرا ، فو الله ما لي من عذر ، لقد صنعت ما ذكرت ، ثم نزلت فاقامت عندي فقلت لها ، وكانت امرأة حازمة : ما ذا ترين في أمر هذا الرجل؟

قالت : أرى والله أن تلحق به سريعا ، فان يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت. فقلت : والله إنّ هذا الرأي.

قال عديّ : فخرجت حتى أقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة فدخلت عليه ، وهو في مسجده ، فسلّمت عليه ، فقال : من الرجل؟ فقلت : عديّ بن حاتم ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانطلق بي إلى بيته ، فو الله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته ، فوقف لها طويلا تكلّمه في حاجتها. فقلت في نفسي : والله ما هذا بملك.

ثم مضى بى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم محشوّة ليفا فقذفها إليّ ، فقال : اجلس على هذه ، فقلت : بل أنت فاجلس عليها فقال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأرض ( وهو عظيم الحجاز ) فقلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك ثم قال : إيه يا عديّ بن حاتم ، ألم تك ركوسيّا ( وهو دين بين دين النصارى

٥٤٩

والصابئين )؟

قلت : بلى.

قال : أولم تكن تسير في قومك بالمرباع؟

قلت : بلى.

قال : فان ذلك لم يحل لك في دينك.

قلت : أجل والله ، وعرفت أنه نبي مرسل ، يعلم ما يجهل ، ثم قال : لعلّك يا عديّ إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلّك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم ، فو الله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف ، ولعلّك إنما يمنعك من دخول فيه أنّك ترى أنّ الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم.

قال عديّ : فاسلمت.

وكان عديّ يقول : قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكوننّ ، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحجّ هذا البيت ، وأيم الله لتكونن الثالثة ، ليفيضنّ المال حتى لا يوجد من يأخذه(١) .

ولقد نقل العلامة الطبرسي في تفسير قوله تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ »(٢) اللقاء الذي تمّ بين عدي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : قال عديّ انتهيت إلى رسول الله وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ » حتى فرغ منها ،

__________________

(١) المغازي : ج ٢ ص ٩٨٨ و ٩٨٩ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٧٨ ـ ٥٨١ ، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة الامامية : ص ٣٥٢ ـ ٣٥٤ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٤٥.

(٢) التوبة : ٣١.

٥٥٠

فقلت له : انّا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه ، فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم(١) .

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ص ٢٤.

٥٥١

٥٤

غزوة تبوك

كانت القلعة القويّة ، الرفيعة الجدران المقامة عند عين ماء على الشريط الحدودي السوري في طريق « حجر » و « الشام » تسمّى تبوكا.

وكانت سورية آنذاك من مستعمرات إمبراطورية الروم الشرقية ، التي كان عاصمتها القسطنطنية.

وكان جميع سكان المناطق الحدودية للشام نصارى على دين المسيح عيسى بن مريمعليه‌السلام وكان أكثر زعمائها ولاة منصوبين من قبل حاكم الشام الذي كان يمثّل هو بدوره إمبراطور الروم ، ويمتثل أوامره.

ولقد كان لانتشار الاسلام السريع في شبه الجزيرة العربية وفتوحات المسلمين المشرقة في الحجاز صداه في خارج الحجاز ينعكس بالوسائل الموجودة في ذلك اليوم ، وكان ذلك يرعب الأعداء ، ويدفعهم إلى التفكير في حيلة.

ولقد دفع سقوط حكومة « مكة » الوثنية ، واعتناق زعماء الحجاز الكبار للدين الاسلامي ، وبطولات جنود الاسلام الباهرة وبسالتهم وتفانيهم الفريد في طريق عقيدتهم ، بامبراطور الرّوم إلى أن يحشد جموعا كبيرة ، ويتهيّأ لمهاجمة المسلمين وغزوهم بغتة ، لأنّه كان يرى تزلزل سلطانه مع انتشار الاسلام المطّرد ، وكانت مخاوفه تزداد يوما بعد يوم وهو يرى تعاظم القوة الاسلامية العسكرية ، وانتشار نفوذه السياسيّ.

٥٥٢

كانت الروم ـ آنذاك ـ المنافسة الوحيدة ، والقوية لإيران ، وكانت تملك أعظم قوة عسكرية ، وكانت مغترّة أشدّ الغرور بنفسها ، لما أصابته من فتوحات وانتصارات في معاركها الكبرى مع إيران ، وما ألحقته من هزائم نكراء بإيران في تلك العصور.

وقد كان جيش الروم يتألّف من أربعين ألف فارس وراجل ، وكان مجهّزا بأحدث أسلحة وتجهيزات ذلك العصر ، وقد استقرّ هذا الجيش على الشريط الحدوديّ لأرض الشام ، والتحقت به قبائل عديدة تسكن الحدود مثل قبيلة « لخم » « عاملة » « غسان » « جذام » ، وتقدمت طلائع ذلك الجيش حتى منطقة « البلقاء ».

ولقد بلغ نبأ استقرار فريق من جنود الروم على الشريط الحدودي للشام إلى مسامع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق القوافل التجارية التي تعمل على طريق الحجاز ـ الشام فلم ير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدّا من أن يردّ على هؤلاء المعتدين ، بجيش عظيم ، ويحافظ بذلك على الدين الّذي قام بفضل الدماء الزكية التي اريقت من أصحابه ، وبفضل تضحياته هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الآن على أبواب أن يعمّ العالم نوره وهداه ، من ضربات العدوّ المفاجئة.

ولقد بلغ هذا الخبر المقلق أهل المدينة ، وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه بالتهيّؤ لغزو الروم ، والناس في زمان عسرة ، وشدة من الحرّ ، وجدب من البلاد ، وقد طابت الثمار ، والناس يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه.

ولكن الدوافع المعنوية ، وروح الحفاظ على الأهداف المقدّسة ، والجهاد في سبيل الله مقدّم ـ عند عباد الله المؤمنين الصالحين ـ على كل تلك الامور.

تعبئة المقاتلين وتهيئة نفقات الحرب :

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف على نحو الاجمال مدى وحجم

٥٥٣

استعدادات العدوّ ، وطاقاته ، وقدرته على القتال.

من هنا كان مطمئنا إلى أن الانتصار في هذه المعركة بحاجة ـ مضافا إلى الخلفية المعنوية القوية وهي الايمان بالله والقتال ابتغاء لمرضاته ـ الى قوة عسكرية كبيرة جدا ولهذا بعث رجالا إلى مكة ، ونواحي المدينة يدعون المسلمين إلى المشاركة في الجهاد في سبيل الله ، ويحثّون أهل الغنى والثروة ، على تهيئة نفقات الجهاد في سبيل الله من الزكاة.

وأخيرا أعلن ثلاثون ألفا من المسلمين استعدادهم للمشاركة في هذه الغزوة واجتمعوا في معسكر عند « ثنية الوداع » وتهيّأ قدر كبير من نفقات القتال عن طريق الزكاة ، وكان الجيش الاسلاميّ يتألف من عشرة آلاف فارس ، وعشرين الف راجل.

وقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تتخذ كل قبيلة راية لنفسها.

المتخلّفون عن القتال :

كانت غزوة « تبوك » خير محكّ لمعرفة المجاهدين الصادقين وتمييزهم عن غير الصادقين من أدعياء الإيمان والمنافقين لأن التعبئة العامّة لهذه الغزوة اعلنت في وقت كان الناس يستعدّون فيه للحصاد من جهة ، وكان الحرّ على أشدّه من ناحية اخرى ، فكشف تخلّف البعض ـ بالأعذار والحجج المختلفة ـ القناع عن وجههم الحقيقي ونزلت آيات في ذمّهم جميعها في سورة البراءة.

لقد تخلّف البعض عن المشاركة في هذه الغزوة للاسباب والعلل التالية :

١ ـ عند ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للجدّ بن قيس ، ـ وكان من الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المرموقة ـ :

« أبا وهب هل لك العام تخرج معنا »؟

فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ، ولا تفتنّي(١) فو الله لقد عرف قومي ما أحد

__________________

(١) أي أخشى الافتتان ببنات الروم فلا تفتني بهنّ يا رسول الله.

٥٥٤

اشدّ عجبا بالنساء مني ، واني لأخشى إن رأيت بنات بني الأصفر ( الروم ) لا أصبر عليهنّ.

فاعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن سمع منه ذلك العذر الصبياني ، وقد نزل فيه قول الله تعالى :

«وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ »(١) .

٢ ـ المنافقون : إن جماعة ممن تظاهروا بالإسلام والإيمان وهم منه خلو ، أخذوا يثبّطون الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة تبوك ، وربما تحجّجوا بشدة الحرّ فقالوا : يغزو محمّد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ ، والبلد البعيد ، إلى ما قبل له به ، يحسب محمّد أن قتال بني الاصفر اللعب ، فنزل فيهم قول الله تعالى :

«وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ »(٢) .

وقد كان بعض المنافقين يخوّفون المسلمين من المشاركة في هذه الغزوة ، وكانوا يقولون في هذا الصدد : تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم ، والله لكأنّا بكم غدا مقرّنين في الحبال؟!(٣) .

اكتشاف شبكة جاسوسيّة في المدينة :

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أسلفنا يولي مسألة تحصيل المعلومات عن العدو وتحركاته اهتماما كبيرا ، وكان اكثر انتصاراته تعود إلى حسن استخدامه لهذه الوسيلة وبالتالي لمعرفته الدقيقة بتحرّكات العدو ونشاطاته ، وعلى

__________________

(١) التوبة : ٤٩.

(٢) التوبة : ٨١ و ٨٢.

(٣) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٥٠.

٥٥٥

هذا الاساس كان يقضي على الكثير من المؤامرات في مهدها.

ولقد بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت « سويلم » اليهودي ، ويخطّطون لتثبيط المسلمين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الغزوة ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « طلحة بن عبيد الله » في نفر من أصحابه لإرهاب اولئك المتآمرين حتى يكفّوا عن التآمر ، وأمره بأن يحرّق عليهم بيت « سويلم ». ففعل طلحة ذلك إذ اقتحم البيت بغتة ، وهم يخطّطون ، ويدبّرون مؤامرة ، واحرق البيت ، ففرّوا وسط ألسنة اللهب ، وأعمدة الدخان ، وافلتوا ، وانكسرت رجل أحدهم حين الفرار.

وقد كان هذا الاجراء مفيدا في ردع المنافقين المشاغبين عن العودة إلى مثلها حتى قال أحد رءوسهم وهو « الضحّاك بن خليفة » :

كادت وبيت الله نار محمّد

يشيط بها الضحّاك وابن أبيرق

وظلت وقد طبّقت كبس سويلم

أنوء على رجلي كسيرا ومرفقي

سلام عليكم لا أعود لمثلها

أخاف ومن تشمل به النار يحرق(١)

٣ ـ البكّاءون : لقد أتى رجال من المسلمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يرغبون في الخروج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الغزوة ، وطلبوا منه ما يحملهم عليه من دابّة فقد كانوا أهل حاجة فقراء ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا أجد ما أحملكم عليه ».

فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، ألاّ يجدوا ما ينفقون.

فاذا كان بين أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجال نافقوا ، وتركوا الخروج مع رسول الله متعلّلين بالأعذار السخيفة ، فقد كان إلى جانب ذلك أيضا من كان يبكي بكاء مرّا لعدم تمكّنه من المشاركة في الجهاد المقدس حتى عرفوا

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥١٧.

٥٥٦

في التاريخ الاسلامي بالبكائين ، ونزل فيهم قرآن اذ يقول تعالى :

«وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ »(١) .

٤ ـ المتخلفون : ولقد أبطأ بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخروج ، وتخلّفوا لا عن شكّ وارتياب ، أو رغبة عن الجهاد في سبيل الله ، وقد كانوا أهل صدق لا يتّهمون في إسلامهم ، إنّما تخلّفوا حتى يلتحقوا بركب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن يفرغوا من الحصاد والقطاف وهم ( المخلّفون ) الثلاثة حسب تعبير القرآن الكريم الذين فاتتهم غزوة تبوك ، فوبّخهم الله تعالى وعاقبهم على تخلّفهم ليكون في ذلك عبرة لمن سواهم كما ستعرف تفصيل ذلك عمّا قريب.

٥ ـ المجاهدون الصادقون : الذين لبّوا نداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتهيّأوا من فورهم للخروج معه في شوق بالغ ، ورغبة عظيمة في الجهاد.

عدم مشاركة « عليّ » في غزوة تبوك :

لقد كان من أبرز فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أنه شارك في جميع المعارك ، ولازم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع غزواته ، ـ وكان هو حامل لوائه في تلك المعارك والغزوات ـ ما عدا تبوك حيث بقي في المدينة بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يشارك في هذا الجهاد المقدس لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدرك جيّدا أن بعض المنافقين والمتربّصين ، والمتحينين الفرص من رجال قريش سيستغلّون فرصة غيبة النبي القائد عن المدينة ( مركز الدولة الاسلامية ) فيثيرون فيها فتنة ، ويجهزون على الحكومة الاسلامية الفتية بانقلاب أو ما شابه ذلك ، وأن مثل هذه الفرصة انما تسنح لهم إذا قصد رسول الله صلّى

__________________

(١) التوبة : ٩٢.

٥٥٧

الله عليه وآله مكانا نائيا ، وانقطع ارتباطه بعاصمة الاسلام ( المدينة )!!

ولقد كانت « تبوك » أبعد نقطة خرج إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع غزواته ، فكان يحدس ـ بقوة ـ أن تقوم القوى المضادّة للاسلام بقلب الاوضاع في غيابه ، ويجمعوا من يروا رأيهم ويذهب مذهبهم من شتى أنحاء الحجاز ، ويتحدوا لضرب الدولة الاسلامية والقضاء عليها من الداخل.

ولهذا ـ رغم أنه استخلف « محمّد بن مسلمة » على المدينة ـ قال للامام « علي بن أبي طالب » :

« أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي.

يا علي إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي وبك ».

ولقد أزعج بقاء عليّعليه‌السلام في المدينة ، المنافقين الذين كانوا يتربّصون بالاسلام الدوائر ، ويتحيّنون الفرصة ، ويفكرون في انقلاب في غيبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهم كانوا يعرفون أنهم لن يعودوا يستطيعون مع وجود عليّعليه‌السلام في المدينة ، ومراقبته الدقيقة لتحرّكاتهم ونشاطاتهم فعل أي شيء ممّا كانوا ينوون القيام به ، ولهذا أرجفوا به ، وبثّوا شائعات خبيثة حوله ، بغية إجباره على مغادرة المدينة فقالوا : ما خلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا إلاّ استثقالا له ، وتخفّفا منه ، أو : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه إلى الخروج لتبوك ، ولكن عليا امتنع من الخروج بحجّة الحرّ الشديد ، وبعد الطريق وإيثارا للدعة والراحة والرفاهية!!

ولإبطال هذه الشائعة الخبيثة ، وتكذيب هذا الكلام ، أخذ عليعليه‌السلام سلاحه ، وخرج حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو نازل بالجرف ( وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة ) فقال :

« يا نبي الله ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وتخفّفت منّي ».

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينئذ كلمته التاريخية الخالدة التي تعتبر

٥٥٨

من أبرز الادلة وأقواها وأوضحها على إمامة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل :

« كذبوا ، ولكنّني خلّفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي »(١) .

فرجع عليّعليه‌السلام الى المدينة المنورة ، ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سفره(٢) .

جيش الاسلام يتحرك نحو تبوك :

لقد دأب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ خرج لتأديب قوم يكيدون بالاسلام ، ويمنعون من تقدمه وانتشاره أو يقصدون الهجوم على المدينة واجتياحها ، أو إيجاد فتن فيها ، على أن لا يبوح بمقصده ووجهته لجنوده وامراء جيشه ، وأن يسير بالجيش في طريق آخر غير الوجه الذي ينويه باطنا ، حتى لا يعرف به العدو فيهيّأ لمواجهته ، وبذلك يتسنى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يباغت العدوّ ، ويحقّق الانتصار الساحق عليه(٣)

غير أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدل عن هذه السيرة في قضية غزو الروميّين الذين اجتمعوا في حدود الشام وهم يتأهّبون للهجوم على عاصمة الاسلام.

فقد بيّن للناس ـ منذ أعلن التعبئة العامة ـ الوجهة التي يقصدها ، وكان السرّ في ذلك هو أن يعرف المجاهدون أهمية هذا السفر وصعوبته ، وأن يحملوا الزاد الكافي والعدة اللازمة.

__________________

(١) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٤٩ و ٤٥٠.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٢٠ ، بحار الأنوار : ج ٢١ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ ، وللوقوف على دلالة هذا الحديث على امامة امير المؤمنينعليه‌السلام راجع كتب العقائد والكلام.

(٣) المغازي : ج ٣ ص ٩٩٠.

٥٥٩

هذا مضافا إلى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مضطرّا ـ لتقوية الجيش الاسلامي ـ إلى أن يستعين بقبائل « تميم » و « غطفان » و « طيّ » التي كانت تسكن في مناطق بعيدة عن المدينة.

وقد عمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا الغرض إلى مراسلة زعماء تلك القبائل ، وساداتها كما كتب إلى « عتّاب بن اسيد » أمير مكة الشاب دعا فيه رجال تلك القبائل ، وفتيان مكة إلى المشاركة في هذا الجهاد المقدس(١) .

ومثل هذا النوع من الدعوة الصريحة العامة لا ينسجم مع الكتمان والسريّة ، لأنه كان لا بدّ أن يخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رؤساء القبائل في هذا الموضوع ، ويذكر لهم أهميّته ، ليحملوا معهم الزاد والعدة اللازمة الكافية.

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستعرض جيشه :

ولما حان موعد تحرك الجيش استعرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشه في معسكر المدينة العظيم ، المؤلّف من المؤمنين الفدائيين الغيارى على الإسلام ، والذين فضّلوا المشقة والموت في سبيل الهدف على الاستراحة في الظلال ، والتجارة ، وكسب المال واكتناز الثروة ، وخرجوا يستقبلون الموت في سبيل الدين بقلوب تفيض إيمانا ويقينا.

لقد كان هذا المشهد جميلا ورائعا جدا ، وكان له أثر قوي في نفس المتفرجين.

وفي هذه المناسبة ألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبة مهمة ، لتقوية معنويات المجاهدين ، قد شرح فيها هدفه من هذه التعبئة العامة الواسعة.

فبعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله قال :

« أيّها الناس! أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢١ ص ٢٤٤.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778