سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله7%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 469547 / تحميل: 10061
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

- ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ).(١) - ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين. وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين)(٢) .

ويجدُ العلماءُ والباحثُون في ( العهدين ) أنّ هناكَ نصوصاً صريحةً ودقيقةً وتحملُ نوعاً من الإعجاز الذي لايخفى(٣) على كُلّ طالب حقيقةٍ، وعلى سبيل الثال لا الحصر: ما نلاحظُهُ في ذكر الحوادث المستقبليّة كبعض ( النبوءات، وعلامات ظهور المصلح الأعظم في آخر الزمان، وذكر حادثة مهمّة - لها ثقلها في السموات والأرض في قضيّة إمتداد الخطّ الإلهيّ المقدس وتبتني عليها الثورة الإصلاحية الكبرى لمنقذ العالم في آخر الزمان - أعني واقعةكربلاء الأليمة، التي ورد ذكرها على لسان جميع الأنبياء والرّسل(ع) وبكوا لأجلها بحرقةٍ وألم ٍ بالغ ٍ).ثُمّ أنّ الأعمّ الأغلب من هذه النصوص الواردة في ( العهدين ) ليس لها دخلٌ بالتشريع الإلهيّ الذي قد يَمقُتُهُ البعضُ، ويحاول الفرارَ أو النيلَ منه ،أو إخفاءهُ وطمسهُ، لذا فهي لاتزاحم سياسات الظالمين والمنحرفين على مرّ الدهور لأنّها تتعلّقُ بزمنٍ غير زمنهم وبشعوبٍ وأممٍ غير شعوبهم وأممهم، فعلامَ يتمُّ تحريفَها أو إخفاءَها، ولعلَّ هذا أحد الأسباب المهمّة التي أدّت الى حفظها وعدم ضياعها حتى وصلت الينا بثوبها الجميل البهيّ، وإن شابَها شيءٌ ليسَ من سنخها، بسبب القدَم والنسخ والترجمة. ؟ومع هذا فإننا لانقول مطلقاً بعدم وصول يَد التحريف والتخريب اليها عمداً أو من غير قصد العمد، بسبب الترجمة، أوالنقل بالمعنى، أو تعاقب الترجمات في بعضها.الخ، ولكنّ التمعّن في بعض النصوص يورث الإطمئنان بأنّها ترجمةٌ لنصٍّ مُوحى(٤) وإن سَقَطَ منه شيء أو أ’ضيف اليه شيءٌ أو حُذفَ منهُ شيءٌ، وذلك لأنّ فيها نفحةٌ من الغيب واضحةٌ، وسُمُوٌّ في نقل الصورة المستقبلية للحدث المنتظر، يصعب جدّاً، بل يستحيلُ على أيّ إنسان مهما كانت درجتُهُ العلميّة الإلمامُ بها والإحاطة بجزئيّاتها، ومن ثمّ تقديمها الى العالم على انّها بشارةٌ سماويّةٌ حتميّة الوقوع، ماخلا الأنبياء وأوصيائهم ( عليهم الصلاة والسلام ) فهم يُوحى اليهم ويُحدّثون.

____________________

(١) يونس: ٩٤.

(٢) سورة آل عمران: ١١٣- ١١٥.

(٣) وسنمرّ بشيء منها في بحثنا هذا كلٌّ حسب موضوعه و موقعه مع شيء من التحليل للوقوف على جمال ودقّة النص.

(٤) وخير ما عبّرَ به العلماء قولهم هي: من بقايا الوحي، انظر على سبيل المثال لاالحصر: المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص٢٤٥. والنص في سفر إشعياء النبيّ (ع) ١١: ١ - ١٠. وحواشي الكتاب المقدس، على المجلد الأول، ص ٥.

٤١

آفاتُ الترجمة وما يرتبطُ بها :

إننا إذا قمنا بترجمة القرآن الكريم الى اللغة الإنكليزية مثلاً، فالكتاب الحاصل بعد الترجمة ليس من حقّنا أن نسميه ( قرآناً ) ولا حتى (ترجمة القرآن )، بل الحقّ أن يسمّى (ترجمةٌ للقرآن ) ،لأنّهُ سيكون ليس كلام الله تعالى قطعاً، بل كلامنا نحن، نحن الذين قمنا بترجمته الى تلك اللغة ؛ ومعنى ذلك: وهذا ما نراه بالوجدان، أنّ القرآن الكريم إذا تُرجمَ الى اللّغات الاخرى فإنه يفقد الكثير من ( المعاني المحتملة، والصور المنقولة، والعمق، والبيان، والبلاغة، وبعض نواحي الإعجاز،. الخ ). وكذلك ترجمات الكتب المقدّسة الاخرى، مع مابها من علاّتٍ أُخَر. لذلك فقد لعبت الترجمات دوراً كبيراً في التشويش والتشويه، وذلك يرجع الى التفاوت الكبير بين المترجمين أنفسهم علميّاً وعقائديّاً، ومن الجدير بالإهتمام أن نذكر شيئاً من ذلك. علماً إننا سنشير الى بعض الشواهد على هذا المدّعى كلٌّ حسبَ موقعه من هذا البحث.

الفروقات بين مترجمي العهدين :

عند دراسة العهدين نجد هناك فروقاً واضحةً بين مُعظَم الترجمات التي قاربت الألف ترجمة للكتاب المقدّس بكلا عهديه لحدّ الآن، ومن الطبيعي لايمكننا الأحاطة بها في بحثنا هذا، ولكن لوقمنا بدراسة إستقرائية لبعضها يتجلّى ذلك بوضوح ؛ وفي البدء لو أننا نظرنا الى المترجمين أنفسهم، على سبيل المثال لاالحصر، ولاحظنا بعض الفروق بين: المترجم ( العالم المتخصّص، ذي العقائد الحقّة والمعارف الهيّة )، وبين المترجم (اللّغوي - الأديب - )، في العهدين. مع عظيم إحترمنا لكافة الجهود العلمية التي بُذلت لترجمة الكتاب المقدس والإعتناء به ولازالت تبذل ؛ ولنُجمل شيئاً من تلك الفروقات بمايلي :

١: إنّا نجد فرقاً ومميّزاً واضحاً بين المترجم العالم باللغة ( الأديب )، وبين المترجم العالم باللغة والعقائد الحقّة والمعارف الإلهية من أتباع مذهب أهل البيت (ع).فالمترجم اللغوي يحاول قدر الإمكان أن يُبرزَ معاني الألفاظ بصورة جيدة فقط ؛ فهو مثلاً يُثبتُ معنىً واحداً فقط يراهُ مناسباً إذا كانت الكلمة محتملة لعدّة معاني وهكذا.وهذا يُحدثُ إرباكاًكبيراً في معنى وجوهر النصّ إذا نظر اليه بمجموعه، فقد تُغيّرُ عدّةَ معانٍ ٍ في نصّ واحد.! لذا يجد المتتبع والقاريء لنصوص الأسفارالمقدّسة في بعض الأحيان كلاماً يُشبهُ كلام ( الطلاسم ) !، وربما في كثير منها لايستطيعُ الوقوفَ على المعنى المراد أو الصورة التي يحاول النصّ ُ رَسمها للقاريء والمستمع على حدٍّ سواءٍ.

٤٢

٢: يتمكّنُ المترجمُ ( ذو العقائد الحقّة والمعرفة بالعلوم الإلهية ) من إثبات الصورة المرادة من النصّ بجدارة، بعكس المترجم اللّغوي الذي قد يَتيهُ ويتخبّطُ في أكثر الأحيان بين الكلمات التي قد يراها غير منسجمة فيما بينها بحسب أفقه الضيّق، ولكونه من غير أهل ألاختصاص.! ولو سئلَ عمّا ترجم في بعض النصوص المهمّة مثلاً، فإنّه لايستطيع نقل الصورة المرادة حينما يُعملُ عقلَهُ وفكرَهُ، بخلاف الأول، الذي له القدرة واللّياقة أن يُثبتَ المراد من النصّ الوارد في أسفار التوراة مثلاً ويثبته نفسه في الإنجيل وإن إختلفت العبارات والألفاظ.، وهكذا ثمّ يستخرجه من القرآن الكريم والسنّة الشريفة وعقائد أهل بيت النبّوة (ع)، فعندئذٍ ٍ يكون مثل هكذا نصّ قد أثبتَ عقيدةً حقّةً واضحةً لاغبارَ عليها في الكتب المقدّسة، لها بعدٌ وعمقٌ شرعيٌّ وتأريخيٌّ وعلميٌّ مهمٌّ ؛ والبشريّة بأسرها بحاجةٍ ماسة اليها، إذ رُبَّما أَخرَجت ولو آدميّاً واحداً من الظلمات الى النور، ومن التيه والضلالة الى سراط الله المستقيم، وتلكَ غايةُ الربّانيينَ على مدى التأريخ.

٤٣

الفصل الثاني: قدسيّةُ ومقامُ منجي العالم وضرورة وجوده

المبحث ألأول :ضرورة وجود المنجي.

اولاً: العقائدُ العامة لجميع البشر بمنجي العالم وحتميّة مجيء يومه الموعود

ثانياً: في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

ثالثاً: في العهدين.

المبحث الثاني:قدسية ومقام منجي العالم بلسان الأنبياء (ع)

اولاً: في القرآن الكريمثانياً: في العهدين

١: يوم الصاحب (المنجي) يومٌ عظيمٌ مهولٌ

٢: العشقُ والإنتظارُ لحبيبهم المنجي

٣: أَنَّهُ المقيمُ لمملكةِ العدل والسلام الإلهيّة الكبرى

٤: أَنَّهُ القائمُ المنتظرُ المطلوبُ بالضرورة

٥: أنَّهُ هو المدعو لهُ في صلاةِ الأنبياء (ع)

٤٤

تمهيد: قدسيّةُ ومقامُ منجي العالم وضرورة وجوده

إنَّ لمنجي العالم قدسيّةٌ خاصّةٌ ومقامٌ شامخٌ عند الله تباركَ وتعالى وعند جميع الأنبياء والأوصياء والصالحين صلواتُ الله عليهم أجمعين، وأُوضحَ ذلك في جميع الكتب السماويّة المقدّسة وبلسان جميع الأنبياء، ولهُ درجةُ قربٍ من ربّه ليسَ بمقدور الأعمّ الأغلب من البشر الوقوف على كُنهها والإشارة اليها.

ومن ذلك ما أوحى اللهُ عزَّ وجلَّ حسب ما في الكتب المقدسة وما ورد على لسان أنبياءه العظام، أنّ الله سيبدأُ حكمَهُ في الأرض بمجيء المنجي الذي إدّخَرَهُ ليومه الموعود، ويُظهرُ دينهُ على الدين كلّه، وإنّهُ هو الذي يُطهّرُ الأرضَ من الظلم والجور ويملأُها قسطاً وعدلاً، ويُحقّقُ حُلُمَ الأنبياء، ويسخّرُ الله لهُ الكون، ويعطيه كلَّ العلم الخاص بهذه النشأة فيكتملُ بذلك العلم فيصلُ الناسَ ببركة وجوده الى مرحلة من الكمال فائقةٌ في كُلّ أبعادها.ولقد ذكرهُ الأنبياءُ والأولياءُ بكلّ جميلٍ(١) وتمنّوا أن يخدموهُ بأنفسهم والحضور في دولته في آخر الزمان وسَلَّوا أنفسهم بذكره، وفدَّوهُ بأرواحهم وأهليهم، وأظهروا بذلك حبَّهم وعشقهم الأبديّ لوريثهم الشرعي، ومكمل مسيرتهم الطويلة الشاقة، ومدرك ثأرهم.(٢) وأما الإشارة الى ضرورة وجوده(٣) فتكمن في أنَّ الحكيم المطلق لمّا خَلَقَ الإنسان بأحسن تقويمٍ لحكمةٍ بالغةٍ وأمرٍ عظيمٍ وهدفٍ كبيرٍ وليسَ لأمرٍ عاديٍّ عابرٍ، أو للَهوٍ أولعبٍ كان منه سبحانه وتعالى، وأرادَ لَهُ الكمال، وجب عليه بلطفه أن يُرسلَ الرسل مبشّرين ومنذرين، وين-زّلَ الكتب لإخراج الناس من الظلمات الى النور، في كلّ فترات الحيرة والضلالة والبعد عنهُ، وأن يُسعفهم ويُخلّصهم إذا اشتبكت عليهم أغلالُ الظالمين، واشتملت عليهم أصفادُ الكافرين، وأُحكمت عليهم قبضةُ إبليس وجنده المارقين ؛ وكلُّ ذلك حادثٌ في آخر الزمان كما ورد بالتواتر في جميع الأديان، لذا وجبَ عليه بلطفه ومنّه وكرمه وكما وَعَدَ هوَ بنفسه تقدّست أسماؤهُ أن يظهرَ المخلّصَ الأعظم، ولعلَّ في المبحث التالي إثباتٌ لتلك الحقيقة.

____________________

(١) عن أبي جعفر (ع): يكون هذا الأمر في أصغرنا سنَّاً، وأجملنا ذكراً، يورثهُ اللهُ علماً، لايكلهُ الى نفسه). عقد الدرر: ص٤٢.

(٢) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٣٤٧ وما بعدها في موضوع: يجب أن يكون امام العصر موجود، وفيه أيضاً استدلالاً لطيفاً لأحد العلماء، عن قصص العلماء، ص١٠٠.

(٣) انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص ٢٠، في موضوع ضرورة الإمام واستدلاله اللطيف في ذلك.

٤٥

المبحث ألأول: ضرورة وجود المنجي

إنّ من أعظم منن الله تبارك وتعالى على خلقه هو الأخذ بأيديهم الى درجات الكمال التي رسمها لهم فاطرُ السموات والأرض ومدبّرها، فهو لا ولن يترك خلقه سداً ولو ليوم واحد أو للحظة واحدة، وهذا واضح لايخفى على كلّ ذي عقل ؛ فقد إبتدأ سبحانه وتعالى بلطفه مسيرةً طويلةً، ورسم خطّاً مقدّساً منيراً يستطيع أن يلمسه ويتفحّصه جميع البشر بشكل مباشر ويسيرون عليه وتثبت عليه أقدامهم، وذلك من خلال إرسال الأنبياء والرسل والكتب السماويّة المقدّسة ونصب أعلام الهدى الرّبّانيين منذ الفجر الأول للإنسانية وعلى كرّ الدهور والأيام والى يومنا هذا.

وبفيضه ورأفته ورحمته سدّد أحباءه وأولياءه وأهل الكرامة عليه بالأدلّة الدامغة والبراهين الساطعة والمعجزات الباهرة ،ووقف معهم بمقامه الشامخ المنيف في خندق واحد يدافعُ عنهم ويذبُّ عنهم الأعداء، وشدّ أزرهم بقوّته القاهرة وملائكته المسوّمين والمردفين، وأخبرهم بأنّه معهم يسمع ويرى، فهزم بجنده القليلين المستضعفين جيوش الشرّ والمستكبرين الذين كانوا يفوقونهم بالعدّة والعدد وبحشودهم المليونيّة لأنّهم لم يزالوا ملوك الأرض وأسباب الدنيا بأيديهم، فقد هاجم فرعون بكليمه موسى (ع) فانتصر عليه وأكذب ربوبيّته وقتله، وهاجم نمرود بخليله إبراهيم (ع) وفضحه وأخزاه ودمّره، وزحف على جالوت وطواغيته بقائد جيشه الظافر طالوت (ع) فأراح البلاد والعباد من جبروته وغطرسته.الخ.

٤٦

وهكذا دواليك فهذا ديدنُهُ وخُلُقه، وهكذا هي سنَنُهُ الربانيّه عزّ وجلّ التي ليس لها تبديل وليس لها تحويل وهي جارية في كلّ عصر وزمان. وقد أثبت ذلك بشكل قاطع في القرآن الكريم حيث قال عزّ من قائل :

- (فلم يكُ ينفعُهُم إيمنهُمُ لما رأوا بأسنا سنَّتَ الله التي قد خَلَت

في عباده وخَسرَ هنالكَ الكفرون ).(١)

- ( سنّة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة الله يبديلا ً)(٢) .

- ( سنّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلا ً)(٣) .

- ( فلن تجد لسنّت الله تبديلا ًولن تجد لسنّت الله تحويلا ً)(٤) .

ثمّ إنّه تبارك وتعالى في كلّ تلك الأحداث الكبيرة وغيرها من الأحداث المروّعة والمريرة والمنعطفات الخطيرة، نراه يوطّد هذا الخطّ المبارك بشكل يدهش الألباب ويحيّر الأفكار ويلفت الأنظار على طول مسير الحياة الإنسانية بالتسديد الغيبي والنصرة والإنارة والتبيين.، حتى صار هذا السراط الإلهيّ المستقيم صلباً منيعاً وذا جذور عميقة ثابتة يصعب على كلّ الظالمين محوه ودثره أو إزالته أوتجاهله، ولكنّهم وبحسب سجايا الإنحطاط والدّناءة التي تغمرهم يحاولون في كلّ عصرٍ وزمانٍ الإلتفاف عليه لتمويه أفعالهم القبيحة لفترة من الزمن وذلك لنيل مآربهم الخسيسة.

هذا وقد آلى الله سبحانه وتعالى على نفسه المقدّسة ووعد المؤمنين من عباده وعداً حتميّاً، وعهد اليهم عهداً قطعيّاً، وكتب ذلك على نفسه المقدّسه، وبيّنه لعموم البشريّة عندما أثبته في كتبه المقدّسة وبشّر به على لسان أنبياءه ورسله (ع) ؛بأنّه لابدّ من أن يظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، وينصرَ أولياءه وعباده المستضعفين ويجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين(٥) ، وأنّه يدّخر لذلك خليفته الأعظم وهو المصلح في آخر الزمان الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً وينتقم به لدماء الأنبياء والرسل والشهداء والمظلومين، ويدرك به ثأرَهُ المقدَّس، ويقيم به أحكامه وشرائعه، ويغدق به نعماءه، ولكي يُريَ جميع البشر وغيرهم من عوالم خلقه الأُخرى فَرَجَهُ الأعظم وكيف يكون حكمه تبارك وتعالى(٦) بواسطة وليّه وممثله الشرعي وقوانينه الربوبيّة الرائعة التي مارآها البشر ولاغيرهم يوماً ما قطُّ على وجه هذا الكوكب الذي مرَّ بكلّ أنواع الجور والظلم وسفك الدماء والمحن والمآسي.الخ.

____________________

(١) غافر: ٨٥.

(٢) الفتح :٢٣.

(٣) الأحزاب: ٦٢.

(٤) فاطر: ٤٣.

(٥) انظر: الطُّورُ المهدوي، ص٩٤ - ٩٦ في موضوع: قاعدة النصر الحتمي للمؤمنين.

(٦) انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص١١٩- ١٢٧، في موضوع: ملكوت الله عند السيد المسيح، يعني حكم الله في آخر الزمان وحتميته ووقت حدوثه وشرحه ومصاديقه.الخ.

٤٧

هذا وقد أخبر عزّ وجلّ أنبياءه ورسله مراراً وتكراراً، وأثبت ذلك في كتبه المن-زلة بأنّه سيستفحل الشر في آخر الزمان(١) حتى يورق ويثمر القتله والجزّارين والسفاحين والمتشيطنيين العفنيين والجاحدين والمشركين والكافرين ،حتى يظهرالتغيُّرُ الفساد في البرّ والبحر وفي كلّ مكان(٢) ، وأنَّهُ سيكون هناكَ تصادماً عنيفاً مع الشريعة الإسلامية المقدَّسة والأُمة المؤمنة من جانب وقوى الكفر والإستكبار العالمي(٣) ؛ فيستغيث الأنبياء والرسل والأولياء والقديسون والشهداء إستغاثةَ الغريق ببارئهم(٤) ليُدرِكَ ثأرهم ويأخُذَ بحقّهم ولينقذ أتباعهم المؤمنين المستضعفين الذين لازالوا يبادون ويُطهّرَ الأرض التي ملئوها ظلماً وجوراً بواسطة رجل الله المقدس الموعود فيملأها عدلاً وقسطاً.(٥)

ووعد أنّه سينتقم من اولئك المجرمين جمياً إنتقاماً مرعباً مخيفاً ليس له مثيل ولم يكن له نظير بواسطة وليّه وخليفته المنتقم من الظالمين ومصلح الكون ومنجي المستضعفين ومنقذ المنكوبين وأمل المحرومين، فمن تشرَّفَ برُؤيةِ وجهه المبارك كان كمن رأى وجوه جميع الأنبياء والأوصياء لأنّه وريثهم الشرعي ومكمل بنيانهم الذي أسّسوا، ومن سمعه كان كمن سمع جميع الرسل والمقدّسين فهو لسانهم الصادق في الآخرين، ومن صلىّ خلفَهُ، يكون قد صلى خلف ( رسول الله )صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه خليفتهُ.(٦)

ويحكم بحكم داود (ع ) ولايحتاجُ الى بيّنةٍٍٍ أو شهود، بل يلهمهُ اللهُ تعالى فيحكم بعلمهِ(٧) .الخ.

ويجدرُ بنا أن نبيِّنَ هنا شيئاً من العقائد التي يؤمنُ بها البشر في هذا الصدد :

____________________

(١) انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص١٠٨ وما بعدها في موضوع: نموذج الإنحراف البشري قبل الظهور.

(٢) للمزيد، انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص ٣٧ - ٥١.

(٣) انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص ١٥٣، وما بعدها في موضوع: التصادم مع الشريعة الإسلامية والأمة المؤمنة من قبل النظام العالمي.

(٤) كما سيمرُّ بنا في الفصل الثالث في موضوع: دعاء الأنبياء لمنجي العالم.

(٥) للمزيد انظر: الطُّورُ المهدوي، ص ٢٥ ومابعدها في موضوع: البعد الكوني للمهدوية، وص ١٧٩، ومابعدها في موضوع: حتمية الطور المهدوي.الخ.

(٦) الهداية، ص ٤٢ - ٤٥. الغيبة للنعماني: ٧٥ ضمن ح ٩ عن سليم بن قيس: ٢ / ٧٠٧ عن شيخ من نسل حواري عيسى بن مريم، والاعتقادات: ٩٥، وكمال الدين: ١ / ٢٥١ ضمن ح ١، وص ٢٨٠ ح ٢٧ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وص ٣٣١ ضمن ح ١٦ عن الباقرعليه‌السلام ، وص ٣٤٥ ضمن ج ٣١ عن الصادقعليه‌السلام ، والغيبة للطوسي: ١١٦، وكفاية الأثر: ٨٠، وص ٩٩ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله. كمال الدين: ١ / ٢٨٤ ح ٣٦ عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وص ٥٢٧ ضمن ح ١ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وص ٣٣٢ ح ١٧ عن الباقرعليه‌السلام ، وكفاية الأثر: ٢٢٥ عن الحسن بن عليعليه‌السلام نحوه. البيان في أخبار صاحب الزمان :ص١٠٩، ص١١٠، وص١١٢، وص ١١٣، وص ١١٧، وص ١٢٤، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي:ص ١٩١، وص٢٩٢، وص ٢٩٣، والعرف الوردي في أخبار المهدي: ٦٤، وص ٧٨، وص ٨١، وص ٨٦. والبرهان في علامات مهدي آخر الزمانعليه‌السلام : ١٥٨ ح ١، وص ١٦٠ ح ٧ وح٨ و ح ٩ نحوه، وص ١٧٦ مثله. انظر صحيح مسلم: ١ / ٩٤، وص ٩٥، وشرح سنن ابن ماجة: ٢ / ٥١٤، ومسند ابن حنبل: ٣ / ٣٤٥، وص ٣٦٧، وص ٣٨٤، و ج ٤ / ٢١٧.

(٧) قال الصادقُ (ع): ( إذا قامَ قائمُ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكمَ بين الناسِ بحكم داود، ولايحتاجُ الى بيّنةٍ، يلهمهُ الله تعالى فيحكم بعلمه ). روضة الواعظين، ص ٢٦٦. بصائر الدرجات، ج٥، ص ٢٥٩.

٤٨

اولاً :العقائدُ العامّةُ لجميع البشر بمنجي العالم وحتميّة مجيء يومه الموعود

إنّ‌ امرَ منجي العالم المنتَظر‌، وقوة‌ ظهوره‌، وشدّة‌ نوره‌، قد إخترق‌ جميع‌ العوالم‌ عبر الدهور ولم يقف‌ عند حدٍّ وأمدٍٍ أبدا ً! لذا نجد ان‌ جميع‌ البشر(١) على وجه‌ الارض‌ سواء كانوا من‌ اهل‌ الديانات‌ السماوية ‌او من‌ اهل‌ المذاهب‌ والفلسفات‌ بما فيها الوثنية‌ والالحادية‌ وغيرهم‌، يلهجون ‌بذكر المصلح‌ والمنقذ لسكان‌ العالم‌.(٢)

وقد كان للفطرة الإنسانية دورٌ كبيرٌ في ترسيخ هذه العقيدة وغرسها في النفوس، وأنَّ الله تباركَ وتعالى لم يقطع أملَ الإنسانية في كلّ عصرٍ من العصور، وهو نوعٌ من التربية الرَّبّانيَّة لعموم البشر ولطفٌ محضٌ، وقد عبَّر عن هذه الحقيقة أَحدُ أعاظم العلماء يقوله:

(. ليسَ المهدي(٣) تجسيداً لعقيدةٍ إسلاميةٍ ذات طابعٍ دينيٍّ فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح ٍ اتَّجهت اليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغةٍ لإلهامٍ فطري. ) الخ.(٤)

وعلى سبيل المثال لاالحصر، فإنّ أصحاب‌ الديانة‌ (البرهمية‌) يعتقدون‌ بمخلص‌ الانسان(٥) ، ويعتقد البوذيّون‌ ب- (المولود الوحيد ومخلّص‌ العالم‌)(٦) ، وهو: المنتظر عندهم وهو ( بوذا الخامس )(٧) ، واما العقيدة‌ (المانويّة‌) فانها‌ ترى‌' ان‌ المسيح ‌اختفى وسيعود في‌ المستقبل(٨) . وما الى‌ ذلك‌.

____________________

(١) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة ،ص ١٩٢ وما بعدها في موضوع: عقائد الأمم في المهدي (ع). و: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص ٢٠، تحت عنوان: فكرة المخلص المنتظر.

(٢) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩١ وما بعدها في موضوع: عقائد الأمم في المهدي (ع).

(٣) الإمام المهدي (ع): هو منجي العالم في عقائد المسلمين.

(٤) كتاب: بحثٌ حول المهدي، ص ٧، وما بعدها. وانظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص ٢٠، تحت عنوان: فكرة المخلص المنتظر: سادت هذه الفكرة ومازالت لدى كلّ الأديان المعروفة، وبشكلٍ خاص الأديان السماوية نتيجةً لإخبار أَصحاب الرسالات السماوية بها.الخ.

(٥) د: على عبد الواحد، ألأسفار المقدسه: ص١٢٨ - ١٣٠.

(٦) د: على عبد الواحد، ألأسفار المقدسه: ص ١٣٠.

(٧) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩١، في موضوع: عقائد الأمم في المهدي (ع).

(٨) الفرق الاسلاميه: ص٣٠.

٤٩

وأما الزرادشتية: فانَّهم ( يترقبون موعوداً في كتبهم، ككتاب أوستا و زند و رسالة جاماسب و دينيك و زرادشت، وهو الموعود الثالث عندهم ويلقّبونهُ ب- ( سوشيانت المنتصر ) حيث قالوا:

( إن سوشيانت المزدية بمثابة كريشناي البراهمة، وبوذا الخامس لدى البوذية، والمسيح لدى اليهود، وفارقليط عند العيسوية، وبمنزلة المهدي لدى المسلمين ).(١)

وأما الهنود: فقد ( ذكروا منقذاً موعوداً في كتبهم، ككتاب ( مهابهاراتا ) وكتاب (بورانهها)، وقالوا: ( تذهب الأديان جميعاً الى أنه في نهاية كلّ مرحلةٍ ٍمن مراحل التأريخ يتجهُ البشرُ صوبَ الإنحطاط المعنوي والأخلاقي وحيث يكونون في هبوط فطري وابتعاد عن المبدأ، ويمضون في حركتهم مضيَّ الأحجار الهابطة نحو الأسفل، فلا يمكنهم أنفسهم أن يضعوا نهايةً لهذه الحركة التنازلية والهبوط المعنوي والأخلاقي، إذاً فلا بدَّ من يومٍ تظهرُ فيه شخصيةٌ معنويةٌ على مستوىً رفيع تستلهمُ مبدأ الوحي وتنتشلُ العالمَ من ظلمات الجهل والضياع والظلم والجور ).(٢)

ويعتقدُ اليهود بان‌ المصلح‌ المنتظر في‌ آخر الزمان‌ هو «ايليَّا»، واما المسيحيون ‌فيعتقدون‌ بانه‌ «عيسي‌ بن‌ مريم‌»(٣) . وأنّ ( إيليَّا ) هذا، وكما يعتقد اليهود هو: نبيٌّ يأتي في آخر الزمان فينصره الله تعالى وينتقم من الظالمين، هذا وتضجُّ أسفارُ توراتهم وآثارهم بانتظار موعود مخلّصٍ، كما في كتاب: ( نبوءة هيلد ) و ( بشارات العهدين) ص٧ وما بعدها، و ( دانيال النبيّ ) و ( النبيّ حجّي ) و ( النبيّ صفينا ) و ( النبيّ إشعيا)، وكلّها مطبوعةٌ ضمن الكتاب المقدّس ( التوراة ).(٤) فأمّا قولهم بأنّه نبيٌّ فهو باطلٌ بسبب ختم النبوّات والرسالات بالنبيّ والرسول الخاتم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولانبيّ بعده قطعاً ؛ ومادامت هذه البشارة صحيحةٌ وثابةٌ فيبقى لها وجهٌ واحدٌ للحقّ والصدق بعد دراسة هذه العبارة والتمعّن فيها.

____________________

(١) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩١.عن دائرة المعارف الفارسية، الجزء الأول، ص١٣٧٣. انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص٥٢.

(٢) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩١.عن شمس المغرب، للحكيمي، ص٥٣. انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص٥٣ - ٥٤.

(٣) انظر اصول الدين: ص٣٦٧.

(٤) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩١. انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص٥٥ - ٥٧.

٥٠

فلو قارنّا بين اسمي (ايليَّا ) و (عليّا ) لفُتحَ لنا عالمٌ آخر، فلعلَّ المراد هو البشارة بمجيء عليّ (ع) سواءٌ بمجيئه الأوّل مع النبيّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوالثاني وذلك في زمن الرجعة فقد جاءت بذلك الأخبارالشريفة وليس هنا مجال بحثه، ولكن لو رجعنا الى الإنجيل لسهل الأمر أكثر، حيث جاء في‌ الانجيل‌ قوله‌ :

( وهذه‌ شهادة‌ُ يوحنا، حين‌ َ أرسَلَ‌ اليهودُ من‌ أورشليم كهنةً‌ ولاويّينَ ؛ليسألوه: من ‌انت ‌؟ فاعترف، ولم‌ ينكر، وأقرَّ: أني‌ لست‌ُ أنا المسيح.فسألوه‌: إذن‌ ماذا ؟ إيليَّا ؟ فقال‌: لست‌ُ أنا. النبي‌ ُّ أنت ‌؟ فأجاب: لا ).(١) فانَّ المراد بايليَّا ليسَ‌ الياساً - كما ربّما يُدّعى - وذلك‌ لانه‌ قد كان‌ قبل‌ عيسى بقرون ‌،فلا بد أن‌ يكون‌ المقصود به‌ رجلاً يأتي‌ بعد عيسى. وكذلك‌ الحال‌ بالنسبة‌ الى‌النبي‌ الذي‌ سألوه‌ عنه‌.

ومن‌ المعلوم‌ انه‌ لم‌ يأت‌ بعد عيسى غير نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،واوصيائه‌عليهم‌السلام فلعل‌ المقصود بالنبي‌ هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبايليَّا وصيّه‌ُ علي‌ّعليه‌السلام .(٢)

ويعتقد النصاري‌: أن‌ المسيح‌ (ع) قُتلَ‌ وصُلبَ‌ ودٌفنَ‌ ثم‌ قام‌ في‌ اليوم‌ الثالث ‌وصعد الى‌ السماء وجلس‌ عن‌ يمين‌ ابيه‌ وهو مستعد للمجي‌ء تارة‌ اخرى للقضاء بين‌ الاموات‌ والاحياء.)(٣) .

____________________

(١) انجيل يوحنا :الاصحاح الأول، الفقرات (١٩ - ٢١ ) الأصل العبري.سفر يوحنا، ١: ١٩ - ٢١، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٢٥.العهد الجديد، سفر يوحنا، الإصحاح ١، الفقرات ١٩ - ٢١، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر.

(٢) الصحيح من سيرة النبى ألأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ج٢ ص٢٢٠.

(٣) الملل والنحل: ج١ ص٢٢٧ باختصار شديد من ملخص عقيدة النصارى. و أُنظر: المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص ١٥٨ في موضوع عودة المسيح (ع)، وكذلك تواتر الأحاديث في نزوله، ص ٢٠٦، والرجاء المبارك لدى النصارى بنزول عيسى (ع) في ص ٢٥٠، وأنَّ رجوعهُ ونزولهُ حقٌّ يقينٌ حتميٌّ لاشبهةَ فيه كما في: دانيال: ٧/ ١٣، وإنجيل يوحنا: ٤/٢٨، وسفر ألأعمال: ١ / ١٠ - ١١، ورؤيا يوحنا: ١ / ٧ , ورؤيا يوحنا: ٢٢/ ٧، ورؤيا يوحنا: ٢٢ / ١٢.

٥١

وأما بشأن عقيدة المسيحيين بكون المنجي هو عيسى (ع): فمن المعلوم عند جميع فرق المسلمين وهو حقٌّ لاريبَ فيه: اقتران‌ ظهور المهدي‌ المنتظر (عج‌) مع‌ نزول‌ عيسى(ع) من‌ السماء، وقد تواترت(١) روايات المسلمين في ذلك، ومن مضامينها:

( ان عيسى ين-زل وقد صلى الامام وهو المهدىُّ بالناس، العصر، وقيل: الصبح، فيتأخر فيقدمه عيسى، ويصلى عيسى خلفه. وما نزل عيسى على مقتضى هذه الأخبار الا بعد نفوذ دعوة الامام واجتماع الناس عليه فيكون مصدقا لدعوة الامام في دعواه، وقوة له وعونا. )(٢)

من هنا فقد وقع أتباع معظم الديانات التي سبقت الإسلام ،وخاصةً المسيحية منها، في إرباكٍ كبير وخلط واسع بين البشارات الخاصة ب- (منجي العالم ) والبشارات الخاصة ب- (نزول عيسى -ع - من السماء ورجوعه الى الأرض مرةً ثانية )،وذلك لكون مجيئهما وحضورهما في عصر واحد، وبسبب التشابه الكبير بين نصوص البشارات الخاصة بكلّ واحدٍ منهما، وعدم إطّلاعهم على بشارات القرآن والنبيّ الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتباعه الصالحين (رض) بخصوص هذا الأمر، وإعتمادهم كليّاً ووقوفهم على ماقاله السلف والآباء حول تفسير هذه البشارات الواردة في كتبهم المقدسة - وهذا موضوعٌ خصبٌ يطول بحثه وليس هنا محلّه - لذا فقد غابت عنهم حقيقةٌ إلهيّة ٌمهمةٌ لطالما نادى بها الدين الإسلاميّ الحنيف عبرَ القرآن الكريم والرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمَّة الأطهار من أهل بيته (ع) وصحبه أجمعين ؛ إذ يملكُ الأسلامُ في هذا الموضوع صورةً ربّانيّةً مشرقةً وواضحةً لها عمقُها وبعدُها التأريخيّ والعقيديّ، فقد قال الله تباركَ وتعالى في كتابه العزيز :

____________________

(١) وكونها متواترةٌ تواتراً معنويّاً في نزول المسيح (ع)، أُنظر: المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص٢٠٦.

(٢) العمدة، ص٤٣٨.

٥٢

( إذ قالَ اللهُ يعيسى إنّي مُتوفيّكَ ورافعُكَ إليَّ ومطهّرُكَ من الذين كفروا وجاعلُ الذينَ اتَّبعوكَ فوقَ الذينَ كفروا الى يوم القيامة ثُمَّ إليَّ مرجعكم لإَأَحكُمُ بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ).(١)

وجاء في الخبر أيضاً: (. قال تعالى لعيسى: أَرفعُكَ إليَّ ثمَّ أُهبطكَ في آخر الزمان لترى من أُمَّة ذلك النبيّ العجائب، ولتعينهم على اللعين الدَّجال، أُهبطُكَ في وقت الصلاة لتصلّي معهم، إنَّهم أُمَّةٌ مرحومةٌ ).(٢)

____________________

(١) سورة آل عمران: آية ٥٥، و( متوفيك) هنا: ليس بمعنى، توفّى الله فلاناً: قبض روحه، انظر القاموس الفقهي، د. سعدي أبو حبيب، ص ٣٨٤، حرف الواو. ولكن هنا بمعنى إني آخذك إليَّ تاماً وافياً لابعيب ولانقص ورافعك الى سمائي أو الى كرامتي.، أو كما قيل بالتقديم والتأخير وأن المعنى: رافعك ومتوفيك. الخ، وسمى رفعه إلى السماء رفعا إليه: تفخيما لأمر السماء يعني: رافعك لموضع لا يكون عليك إلا أمري. كما قال حكاية عن إبراهيمعليه‌السلام : ( اني ذاهب إلى ربي سيهدين ) أي إلى حيث أمرني ربي، سمى ذهابه إلى الشام ذهابا إلى ربه. الخ. وللمزيد انظر: كمال الدين وتمام النعمة، ص٢٢٥. بحار الأنوار، ج١٤ ص ٢٥٠, و ص ٣٣٥، و ص ٣٣٦، و ص ٣٣٨ ,و ص ٣٤٤، و ص ٥١٦.الخ. تفسير القمي، ج١ ص ١٠٣. الكشاف، ج١ ص٣٤٢. تفسير جوامع الجامع، ج١ ص٢٩١. ففي بحار الأنوار :ج ١٤، ص ٣٤٣ - ٣٤٤ :

( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ) قيل في معناه أقوال: أحدها أن المراد به أني قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت عن الحسن وكعب وابن جريح وابن زيد والكلبي وغيرهم، وعلى هذا القول يكون للمتوفي تأويلان: أحدهما: إني رافعك إلي وافياً لم ينالوا منك شيئاً، من قولهم: توفيت كذا واستوفيته، أي أخذته تاماً. والآخر: إني متسلمك، من قولهم: توفيت منك كذا أي تسلمته. وثانيها: إني متوفيك وفاة نوم، ورافعك إليَّ في النوم، عن الربيع، قال: رفعه نائماً، ويدل عليه قوله: ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) أي ينيمكم، إن النوم أخو الموت، وقوله: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ). وثالثها: إني متوفيك وفاة موت، عن ابن عباس ووهب، قالا: أماته الله ثلاث ساعات. وأما النحويون فيقولون: هو على التقديم والتأخير، أي إني رافعك ومتوفيك، لان الواو لا توجب الترتيب بدلالة قوله: ( فكيف كان عذابي ونذر) والنذر قبل العذاب وهذا مروي عن الضحاك. ويدل عليه ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: عيسىعليه‌السلام لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة. وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟ رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، فعلى هذا يكون تقديره: إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء. وقوله: ( ورافعك إلي) فيه قولان: أحدهما: أني رافعك إلى سمائي والآخر أن معناه: رافعك إلى كرامتي، ومطهرك من الذين كفروا، بإخراجك من بينهم فإنهم أرجاس، وقيل: تطهيره منعه من كفر يفعلونه بالقتل الذي كانوا هموا به لان ذلك رجس طهره الله منه. الخ.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة، ص ١٦٠. الجواهر السنية، ص ١١٣. حلية الأبرار، ج ١، ص ١٦٩. آمالي الصدوق، ص ١٦٠. بحار الأنوار، ج ١٤ ص ٢٨٦، وج ١٦ ،ص ١٤٥ ب ٨ ح١، وج ٥٢ ص ١٨١ ب ٢٥ ح ١ آخره. الزام الناصبب، ج ١، ص ١٦٠، عن العوالم. اعلام الورى، ج١ ص ٦٠. الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، ص ٣٠٠. الإيمان والكفر، ص ١٣٧،. الخ.

٥٣

هذا وقد صرَّحَ عيسى (ع) بأنّه ليسَ هو المنجي للعالم في آخر الزمان، بل هناك من يأتي ويطلبُ بحقّ الجميع بما فيهم عيسى (ع) نفسه، كما في قوله: ( أنا لا أطلُبُ مجداً لي. هناكَ من يطلُبُهُ لي ويحكم ).(١) وأمثالُ هذا كثير ٌ لمن تمعَّنَ وتدبَّرَ في الكتب المقدَّسة.

ثمّ (أنَّ المفسّرينَ الإنجيليّين َيقولون: المبشَّر به في هذه الآيات(٢) ، لم يولد حتى الآن، ولانعرفُ لها تفسيراً واضحاً، حتى يُولد فنعرف كيف هو وأنّى).(٣)

بل إنَّ الكثير من سنخ هذه الآيات كما عبَّروا تعتبرُ ألغازاً بالنسبة لهم، ولم يستطيعوا الوقوفَ على تفسيرها لما بيَّنّا ومرَّ آنفاً.

واعتقاد اهل‌ السنة‌: انه‌ سيظهر في‌ آخر الزمان‌ مهدي‌ يقوم‌ بالسيف‌ وانه: (قد تواترت‌ الاخبار واستفاضت‌ بكثرة‌ رواتها عن‌ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . بخروجه‌، وانه‌من‌ اهل‌ بيته‌، وانه‌ يملك‌ سبع‌ سنين‌، وانه‌ يملا الارض‌ عدلاً، وانه‌ يخرج‌ مع‌ عيسى علي‌ نبينا وعليه‌ افضل‌ الصلاة‌ والسلام‌. وانه‌ يؤمُّ‌ هذه‌ الامة‌ ويصلي‌ عيسى خلفه‌ ).(٤)

____________________

(١) انجيل يوحنا ٨: ٥٠، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس ،ص ١٦٩. المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص ٦٠ - ٦٨. انجيل يوحنا٨: ٥٠،الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر.

(٢) والآيات التي عَنَوها هي في: رؤيا يوحنا ٢: ٢٦ - ٢٩. رؤيا يوحنا ١٢: ١ - ١٧. إنجيل متى: ٢٤. انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص١٠٣ - ١٠٧.

(٣) المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص١٠٣ - ١٠٨.

(٤) الصواعق المحرقه :٩٩. أصول الدين: ص٣٨٣ - ٣٨٤

٥٤

ويعتقدون‌ أيضاً:

ان‌ المهدي‌: «من‌ اشراط‌ الساعة‌ وانه‌ لا بد في‌ آخر الزمان‌ من‌ ظهور رجل‌ من‌ اهل‌البيت‌ يؤيد الدين‌ ويظهر العدل‌ ويتبعه‌ المسلمون‌ ويستولي‌ على الممالك ‌الاسلامية‌، ويسمى - المهدي‌ - ).(١) وانهم‌ ليرون‌ في‌ ذلك‌ ما يراه‌ الشيخ‌ عبد العزيز بن‌ باز رئيس‌ الجامعة‌ الاسلامية‌ في‌المدينة‌ المنورة‌ اذ يقول: ان‌ «امر المهدي‌ امر معلوم‌ والاحاديث‌ فيه‌ مستفيضة‌ بل‌متواترة‌ متعاضدة‌. فهي‌ بحق‌ تدل‌ على ان‌ هذا الشخص‌ الموعود؛ امره‌ ثابت‌ وخروجه‌ حق‌ ».(٢) ولقد لخَّص‌ هذه‌ الحقيقة‌ العالم‌ العراقي‌ السني‌ الشيخ‌ صفاء الدين‌ آل‌ شيخ‌ الحلقة ‌فقال: «واما المهدي‌ المنتظر فقد بلغت‌ الاحاديث‌ الواردة‌ فيه‌ حداً من‌ الكثرة‌ يورث‌الطمأنينة‌ بان‌ هذا كائن‌ في‌ آخر الزمان‌، فيعيد للاسلام‌ سلامته‌ وللايمان‌ قوته‌وللدين‌ نضارته‌. وهي‌ متواترة‌ بلا شك‌ ولا شبهه‌، بل‌ يصدق‌ وصف‌ التواتر على‌ ما دونها، على‌جميع‌ الاصطلاحات‌ المحررة‌ في‌ الاصول‌».(٣)

وهكذا فان‌ نور الامام‌ المنتظر (عج‌) قد إخترق‌ افهام‌ العلماء واستقرّ في‌ جوانحهم‌ منذ احقاب‌بعيدة‌ جداً، فجعلهم‌ يسارعون‌ في‌ تأليف‌ الكتب‌ والرسائل‌ الخاصة‌ به‌(عج‌)، انطلاقاً من‌ ايمانهم‌ به‌ وتصحيحاً للاخبار الواردة‌ فيه‌، لتعرف‌ الاجيال‌ من‌ بعدهم‌جلية‌ الامر وواقعه‌ كما ورد في‌ التشريع‌ على‌ لسان‌ النبي‌ الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ‌، وكان‌ من‌ جملة‌ اولئك‌ على‌ سبيل‌ التمثيل‌ لا الحصر:

____________________

(١) المهدى والمهدويه :ص١١٠. أصول الدين: ص٣٦٨.

(٢) مجلة الجامعه الاسلاميه: العدد ٣ ص ١٦١- ١٦٢، أصول الدين: ص٣٦٨.

(٣) أصول الدين: ص٣٧١.

٥٥

١ - عباد بن‌ يعقوب‌ الرواجني‌ المتوفي‌ سنة‌ ٢٥٠ ه-: له‌ كتاب‌ «اخبار المهدي‌».

٢ - ابو نعيم‌ الاصبهاني‌ المتوفي‌ سنة‌ ٤٣٠ ه-: له‌ كتاب‌( اربعين‌ حديثاً في‌ امرالمهدي‌»(١) ، وكتاب‌ «مناقب‌ المهدي‌»، وكتاب‌ «نعت‌ المهدي‌».(٢) ٣ - محمد بن‌ يوسف‌ الكنجي‌ الشافعي‌ المتوفي‌ سنة‌ ٦٥٨ ه-: له‌ كتاب‌ «البيان‌ في‌اخبار صاحب‌ الزمان‌» - مطبوع‌.

٤ - يوسف‌ بن‌ يحيي‌ السلمي‌ الشافعي‌ المتوفي‌ سنة‌ ٦٥٨ ه-: له‌ كتاب‌ «عقد الدررفي‌ اخبار المهدي‌ المنتظر».(٣)

٥ - ابن‌ قيم‌ الجوزية‌ المتوفي‌ سنة‌ ٧٥١ ه-: له‌ كتاب‌ (المهدي‌).٦ - ابن‌ حجر الهيتمي‌ الشافعي‌ المتوفي‌ سنة‌ ٨٥٢ ه-: له‌ كتاب‌ «القول المختصر في‌علامات‌ المهدي‌ المنتظر».(٤)

٧ - جلال‌ الدين‌ السيوطي‌ المتوفي سنة‌ ٩١١ ه-: له‌ كتاب‌ «العرف‌ الوردي‌ في‌اخبار المهدي‌» - مبطوع‌ - وكتاب‌ «علامات‌ المهدي‌». ٨ - ابن‌ كمال‌ باشا الحنفي‌ المتوفي‌ سنة‌ ٩٤٠ ه-: له‌ كتاب‌ «تلخيص‌ البيان‌ في‌علامات‌ مهدي‌ آخر الزمان‌».(٥)

٩ - محمد بن‌ طولون‌ الدمشقي‌ المتوفي‌ سنة‌ ٩٥٣ ه-: له‌ كتاب‌ «المهدي‌ الى‌ ما ورد في‌ المهدي‌».(٦)

١٠ - علي‌ بن‌ حسام الدين‌ المتقي‌ الهندي‌ المتوفي‌ سنة‌ ٩٧٥ ه-: له‌ كتاب‌ «البرهان‌في‌ علامات‌ مهدي‌ آخر الزمان‌»، وكتاب‌ «تلخيص‌ البيان‌ في‌ اخبار مهدي‌ آخرالزمان‌».(٧)

١١ - علي القاري‌ الحنفي المتوفي‌ سنة‌ ١٠١٤ ه-: له‌ كتاب‌: «الرد على من‌ حكم ‌وقضى ان‌ المهدي‌ جاء ومضى»، وكتاب‌: «المشرب‌ الوردي‌ في‌ اخبار المهدي‌».(٨) ١٢ - القاضي‌ محمد بن‌ علي‌ الشوكاني‌ المتوفي‌ سنة‌ ١٢٥٠ ه-: له‌ كتاب‌ «التوضيح‌ من‌ تواتر ما جاء في‌ المهدي‌ المنتظر والدجال‌ والمسيح‌».(٩)

١٣ - مرعي‌ بن‌ يوسف‌ الكرمي‌ الحنبلي‌ المتوفي‌ سنة‌ ١٠٣١ ه-: له‌ كتاب‌ «فرائدفوائد الفكر في‌ الامام‌ المهدي‌ المنتظر».(١٠)

١٤ - رشيد الراشد التاذفي‌ الحلبي‌ المعاصر: له‌ «تنوير الرجال‌ في‌ ظهور المهدي ‌والدجال ‌»(١١) مطبوع.(١٢)

____________________

(١) روى عنه ابن الصباغ المالكى فى الفصول المهمه :٢٧٥.

(٢) روى عنه الحافظ الكنجى الشافعى كثيرا فى كتابه (البيان ).

(٣) توجد منه نسخه مصوّره بمعهد المخطوطات العربيه بالقاهره.

(٤) وردت نصوص منه فى اسعاف الراغبين: ١٣٩، وتوجد نسخ مخطوطه منه فى حلب واستانبول. الخ.

(٥) توجد منه نسخ خطيه فى استانبول.

(٦) ذكره مؤلفه فى كتابه ( ألأئمه ألأثنى عشر ): ص١١٨.

(٧) من الكتابين نسخ مخطوطه فى استانبول،. وغيرها.

(٨) من ألأول نسخه مخطوطه فى الهند، ومن الثاني باستانبول.

(٩) مجلة الجامعه الاسلاميه: العدد ٣ ص١٣١.

(١٠) توجد منه نسخه خطيّه باستانبول.

(١١) انظر ( أصول الدين ): ص٣٧٢ - ٣٧٥.

(١٢) وذكر الشيخ يوسف محمد عمرو ،في كتابه: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص ١٤٠ - ١٥٨، ثمانية وستين عالماً من أهل السنة: وافقوا الشيعة على تطهير الأرض بواسطة المهدي (ع) ويذكر أسمائهم، ص١٥٢ - ١٥٨.

٥٦

ومايعتقده أتباع أهل البيت (ع) :

أنّ الأرضَ لم تخلو من حجة لله تعالى وهو إمامٌ معصومٌ(١) ،

____________________

(١) انظر: الهداية، ص ٤٥. ٣٨ - وفي قول الله تعالى: ( إنا أرسلناك بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) فاطر: ٢٤. و في سورة الرعد: ٧. تفسير القمي: ١ / ٣٥٩، والاعتقادات: ٩٤، وكمال الدين: ٢٩١. ونهج البلاغة: ٤ / ٣٧ مثله. بصائر الدرجات: ٤٨٦ ح ١٥، والغيبة للنعماني: ١٣٦ ح ١، وص ١٣٧ ح ٢، وعلل الشرائع: ١٩٥ ح ٢. عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢ / ١٢٠ ح ١ مثل صدره. راجع بصائر الدرجات: ٤٨٤ باب الأرض لا يخلو من الحجة وهم الأئمةعليهم‌السلام ، وص ٤٨٧ باب في الأئمة إن الأرض لا تخلو منهم ولو كان في الأرض اثنان لكان أحدهما الحجة، وص ٤٨٨ إن الأرض لا تبقى بغير أمام، لو بقيت لساخت، والكافي: ١ / ١٦٨ باب الاضطرار إلى الحجة، وص ١٧٨ باب إن الأرض لا تخلو من حجة، والغيبة للنعماني: ١٣٦ باب ما روي في أن الله لا يخلي أرضه بغير حجة، وكمال الدين: ١ / ٢١١ باب اتصال الوصية من لدن آدمعليه‌السلام وإن الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل على خلقه إلى يوم القيامة، وعلل الشرائع: ١٩٥ باب العلة التي من أجلها لا تخلو الأرض من حجة الله عز وجل على خلقه، والبحار ٢٣ / ٢ باب الاضطرار إلى الحجة وإن الأرض لا تخلوا من حجة. الخ. والمعنى الأعلى المراد من ذلك كلّه هو: انَّ عالم الإمكان لايخلوا من حجة الله تعالى بحالٍٍ من الأحوال قط، وللمزيد من التفصيل: مراجعة دروس سماحة السيد كمال الحيدري، شرح فصوص الحكم للقيصري، ص٥٦ وما قبلها وما بعدها، وهو مايسمى بالخلافة الأسمائية عند العرفاء والخلافة في القرآن تشير الى هذا المعنى وهو يختلف عن المعنى الكلامي والفقهي، وقد وقف السيد الحيدري على هذا المعنى في كتابه التوحيد، الجزء الثاني.

٥٧

وانه الآن غائبٌ مستور(١) وسيظهَرُ بإذن الله في آخر الزمان ليقيم الحقَّ والعدل واسمه المهدي (عج )(٢) .

____________________

(١) مستورأو مغمور. انظر النهاية: ٣ / ٣٨٤.

(٢) الهداية، ص ٣٨ -٤٥: وفيه أيضاً:.وأنه هو الذي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به عن الله عز وجل باسمه ونسبه، وأنه هو الذي يملأ الأض قسطا وعدلا كما ملئت ( جورا وظلما ). الاعتقادات: ٩٥، وكمال الدين: ١ / ٢٥٢ ح ٢، وكفاية الأثر: ٥٤ مثله.وفي قول الله تبارك وتعالى: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن. ) النور: ٥٥. تفسير العياشي: ١ / ٢٥٤ ذيل ح ١٧٧، وتفسير القمي: ٢ / ٣٦٥، والغيبة للنعماني: ٦٠ ح ٢. والاعتقادات: ٩٥. والغيبة للطوسي: ١٠٤، وص ١١١. الغيبة للنعماني: ١٨٦ ح ٣٨. مسند أحمد بن حنبل: ٣ / ٣٧. والبيان في أخبار صاحب الزمانعليه‌السلام للكنجي الشافعي :ص ١٠٠. والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان لعلاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي: ٧٨ ح٢٠. والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ٢٧٧، وص ٢٨٨ - ص ٢٩٠، وص ٢٩٣، والعرف الوردي في أخبار المهدي لجلال الدين السيوطي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي: ص٥٨ - ص٦٠ وص ٦٣ - ص ٦٥ وص ٨٠ مثله. مسند أحمد بن حنبل: ١ / ٩٩، و ج ٣ / ١٧.وشرح سنن ابن ماجة: ٢ / ٥١٨. وقال السيوطي في العرف الوردي: ٨٥: قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم عاصم السجزي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجئ المهديعليه‌السلام وإنه من أهل بيته، وإنه سيملك سبع سنين، وإنه يملأ الأرض عدلا.الخ. إحقاق الحق: ١٣ / ١٣٢ - ١٥٦، الأحاديث المروية بأن المهدي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا عن أبي سعيد الخدري، وص ١٥٦ - ص ١٦٠ حديث قيس بن جابر عن أبيه عن جده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :. يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وص ١٦١ - ص ١٦٥ حديث حذيفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المهدي رجل من ولدي. يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وهكذا ص ١٦٦ - ص ١٦٨ أحاديث ابن عمر، وص ١٦٩ حديث قرة المزني، وص ١٧١ - ص ١٧٧ أحاديث عليعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه إنه من ولد الحسين ( ع )، وص ١٧٨، وص ١٧٩ أحاديث أبي هريرة، وص ١٨٠، وص ١٨١ حديث عبد الرحمن بن عوف، وص ١٨٢ - ص ١٩٤ أحاديث ابن مسعود.

٥٨

وهو التاسعُ من وُلد الحسين (ع)المقتول بكربلاء ويرجعُ نَسَبَهُ الى النبيّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق ابنته فاطمة الزهراء (ع)(١) .

____________________

(١) الاعتقادات: ٩٥، والغيبة للطوسي: ١٦٤، والصراط المستقيم: ٢ / ٢٣٣، ومنتخب الأنوار المضيئة: ١٤٣، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ٢٨٨ من محمد بن الحسنعليه‌السلام إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام مثله. وفي كفاية الأثر: ٢٦١ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :. إن قائمنا يخرج من صلب الحسن والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا - وأشار إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام - وهذا خرج من صلبي نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون. وفي كمال الدين: ٢٥٣ ح ٣ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :. أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد ابن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للأيمان، وهكذا في كفاية الأثر: ٥٤. وقال الشعراني في كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: ٢ / ١٢٨ عبارة الشيخ محي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بد من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا،. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمة رضي ‌الله‌ عنه ا، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي بالنون ابن الإمام محمد التقي بالتاء ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي بن الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق بفتح الخاء، وينزل عنه في الخلق بضمها، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه. وكذا في إحقاق الحق: ١٩ / ٦٩٧ عن الفتوحات.

٥٩

وأنه هو الذي يظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون(١) .

وأنه هو الذي يفتح الله عز وجل على يديه(٢) مشارق الأرض ومغاربها حتى لا يبقى في الأرض مكانٌ إلا ينُادى فيه بالأذان، ويكون الدين كلُّهُ لله.

____________________

(١) قال الله تبارك وتعالى: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) التوبة: ٣٣، والصف: ٩. الاعتقادات: ٩٥ مثله، كمال الدين: ١ / ٣١٧ ح ٣، وص ٣٣١ ح ١٦، و ج ٢ / ٦٧٠ ح ١٦، وكفاية الأثر: ٢٣٢، والفصول المهمة: ٢٩٦، وص ٢٩٩، والبيان في أخبار صاحب الزمان: ١٥٦ بمعناه. انظر الكافي ١ / ٤٣٢ ح ٩١.

(٢) ( يَدَهُ ) ب. قال الله تبارك وتعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) الأنفال: ٣٩. و في سورة البقرة: ١٩٣. الاعتقادات: ٩٥ مثله. الغيبة للطوسي: ٢٨٣ نحوه. تفسير العياشي: ١ / ١٨٣ ح ٨١ و ح ٨٢، وكمال الدين ١ / ٢٥٦ ذيل ح ٤ بمعناه. كمال الدين: ١ / ٢٥٣ ح ٣، وص ٢٨٢ ح ٣٥، كفاية الأثر: ٥٤، وص ١٩٦، والغيبة للطوسي: ٢٧٩، ومناقب آل أبي طالب: ١ / ٢٨٢، وإحقاق الحق: ١٣ / ٢٥٩ مثل صدره. الغيبة للنعماني: ٢٣٤ ح ٢٢، وكمال الدين: ١ / ٢٨٠ ح ٢٧ نحو صدره. تفسير القمي: ٢ / ٣٦٥، والبيان في أخبار صاحب الزمان: ١٢٧ - ١٢٨ نحو ذيله. انظر الفصول المهمة: ٢٩٩. راجع تفسير العياشي: ٢ / ٥٦ ح ٤٨ و ح ٤٩ ذيل الآية، وص ٥٠ ح ٢٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وهذه القصيدة الرائعة هي من أفضل قصائد كعب وقد اعتنى المسلمون بحفظها ونشرها منذ أن أنشدها الشاعر المذكور بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ، وقد شرحها علماء الإسلام كثيرا ، وعدد ابيات هذه اللامية ( أي التي تنتهي قوافيها باللام المضمومة ) ٥٨ بيتا ومطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيّم إثرها لم يغد مكبول

لقد بدأ كعب قصيدته هذه ـ على عادة شعراء العهد الجاهلي ( الذين كانوا يبدءون قصائدهم بمخاطبة محبوبتهم او مخاطبة الاطلال ) ـ بذكر سعاد زوجته وابنة عمه ، ولقد خصّها بالذكر لطول غيبته عنها ، لهروبه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : فارقتني سعاد فراقا بعيدا فقلبي اليوم أسقمه الحبّ ، وأضناه ، فهو ذليل لغيبتها لم يخلص من الأسر والقيد.

ثم يمضي في هذه النمط من الكلام حتى يصل إلى أن يعتذر من صنيعه السيّئ فقال :

نبّئت أنّ رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك ناف

لة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم

اذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

إلى أن قال :

إن الرسول لنور يستضاء به

مهنّد من سيوف الله مسلول(١) (٢)

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٠١ ـ ٥١٤.

(٢) يقال : إن كعبا عند ما فرغ من إنشاء قصيدته كساه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بردة كانت عليه ، فلما كان زمن معاوية أرسل الى كعب أن بعنا بردة رسول الله ، فقال : ما كنت لاوثر بثوب رسول الله أحدا ، فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم وهي البردة التي كان يلبسها الخلفاء الامويون والعباسيون ( راجع الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٧٦ ). وجاء في ناسخ التواريخ الجزء الثالث من المجلد الثاني ان كعبا لما قال « ان النبي لسيف يستضاء به » قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إن النبي لنور ».

٥٤١

حزن قارن فرحا :

في أواخر السنة الثامنة للهجرة فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبرى بناته : « زينب » ، وقد تزوّجت زينب قبل البعثة بابن خالتها أبي العاص ، وآمنت بأبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد البعثة من دون تأخير ، ولكنّ زوجها ظلّ على شركه ، وشارك في « بدر » ضدّ الإسلام والمسلمين ، وأسر في تلك المعركة فخلّى رسول الله سبيله ، شريطة أن يبعث بابنته « زينب » إلى المدينة.

وفعل ابن العاص ذلك فجهّز زوجته « زينب » وبعثها برفقة أخيه إلى المدينة ، غير أن سادة قريش عرفوا بذلك ، فكلّفوا من يعيدها إلى مكة ، فلحق بها الرجل في أثناء الطريق ، فضرب هودجها برمحه ففزعت زينب ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسقطت حملها من شدّة الفزع ، ولكنها لم تنصرف عن الذهاب الى المدينة ، فقد واصلت سيرها حتى قدمت المدينة وهي عليلة ، وقضت بقية عمرها مريضة حتى توفّيت في أواخر السنة الثامنة من الهجرة.

ولكنّ هذا الحزن قارنه فرح وسرور فقد رزق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر نفس ذلك العام ولدا اسماه « ابراهيم » من زوجته « مارية القبطية » ( وهي الجارية التي أهداها المقوقس حاكم مصر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

والجدير بالذكر أنه عند ما بشّرت سلمى ( المولّدة ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، أعطاها هدية ثمينة ، وعقّ له في اليوم السابع من ولادته ، وحلق شعره ، وتصدّق بوزن شعره ، فضة في سبيل الله(١) .

__________________

(١) تاريخ الخميس : ج ٢ ص ١٣١.

٥٤٢

حوادث السنة التاسعة من الهجرة

٥٣

علي بن أبي طالب في أرض طيّ

إسلام عديّ بن حاتم :

انقضت السنة الهجرية الثامنة بكل حوادثها المرّة والحلوة ، فقد سقطت اكبر قاعدة من قاعدة الوثنية والشرك في أيدي المسلمين ، وعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ظافرا منتصرا على أعداء الإسلام انتصارا كاملا ، وقد هيمنت ظلال القوة العسكرية الإسلامية على اكثر أنحاء الجزيرة العربية ونقاطها.

كما أخذت القبائل العربية المتمرّدة التي لم تكن تتصور إلى ذلك اليوم أن يتحقق مثل هذه الانتصارات لدين التوحيد ، أخذت تفكّر شيئا فشيئا في التقرب الى المسلمين وقبول معتقداتهم ، واعتناق دينهم.

من هنا كانت وفود القبائل العربية المختلفة ، وأحيانا مجموعة من أفراد قبيلة ما بقيادة رئيسها تقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلن عن إسلامها ، وقبولها للرسالة المحمدية.

وقد ازداد قدوم وفود القبائل هذه على عاصمة الإسلام ( المدينة المنورة ) في هذا العام حتى سمّى بعام الوفود(١) .

__________________

(١) لقد سجّل المؤرخ المعروف محمّد بن سعد ـ في كتابه ـ خصوصيات واسماء هذه الوفود وتفاصيل القسم الاكبر من تفاصيل ما دار بينها وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما خصّهم به رسول

٥٤٣

وعند ما قدم وفد من قبيلة « طيّ » وفيهم سيدهم « زيد الخيل » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحادث مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعقل زيد وحكمته ووقاره فقال عنه :

« ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلاّ رأيته دون ما يقال فيه إلاّ زيد الخيل ، فانه لم يبلغ كل ما كان فيه ».

ثم سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيد الخير(١) .

إن دراسة قصة الوفود ، والإمعان والتدبر في ما دار بينهم وبين رسول الاسلام يفيد بوضوح وجلاء ان الاسلام انتشر في شبه الجزيرة العربية عن طريق الدعوة والتبليغ.

على أن طواغيت ذلك العصر أمثال أبي سفيان وأبي جهل كانوا يحاولون الحيلولة دون انتشار هذا الدين ، فكانت لأجل ذلك حروب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمضافا إلى أن اكثرها كان لإفشال تلك المؤامرات ، كان الهدف منها

__________________

الاسلام من الطف لا يسع المجال لذكره هنا ، وقد ذكر اسماء ثلاثة وسبعين وفدا من تلك الوفود التي وفدت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوال السنة التاسعة من الهجرة او ما قبلها بقليل ( الطبقات الكبرى : ج ١ ص ٢٩١ ـ ٣٥٩ ).

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٧٧. هذا وينبغي الاشارة هنا وبالمناسبة إلى أنه كان من سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغيّر الأسماء القبيحة التي اعتاد الجاهليّون على تسمية أبنائهم بها ايثارا للاسم الحسن ولأن الاسم يورث الاحساس بالشخصية لدى صاحبه على العكس من الاسم القبيح ، وقد ثبت هذا نفسيا ، بل ربما غيّر الاسماء التي قد يشعر معها الانسان بالعظمة ، والفخر والزهو منعا من أن تحدث لأصحابها مثل ذلك. فعن الامام جعفر بن محمّد الصادق عن ابيهعليهما‌السلام : إنّ رسول الله كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان ( قرب الاسناد ص ٤٥ ) ولهذا غيّر أسماء كثيرة لرجال ونساء فغيّر اسم ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميلة ( صحيح مسلم : ج ٦ ص ١٧٣ ) وغيّر اسم غافل بن البكير فسمّاه عاقلا ، وقد روي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إن أوّل ما ينحل احدكم ولده الاسم الحسن » ( بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ١٢٢ ).

٥٤٤

هو قمع أولئك الطواغيت الذين كانوا يصدّون عن سبيل الله ويمنعون من دخول مجموعات الدعوة والتبليغ الاسلامية إلى مناطق الحجاز ونجد وغيرها.

إنّ من البديهيّ أن لا يتيسّر انتشار أيّ دين ، وتطبيق أي برنامج إصلاحي من دون تحطيم الطواغيت ، وإزالة الأشواك من طريقه.

ومن هنا نرى أنّ جميع الأنبياء والرسل ، وليس رسول الله فقط كانوا يجتهدون قبل أي شيء في تحطيم الطواغيت وإزالة السدود والموانع ، من طريق الدعوة.

ويتحدث القرآن الكريم في سورة خاصة عن قدوم هذه الوفود على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما حققه الإسلام من فتح وانتصار ساحق اذ يقول :

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً »(١) .

وبالرغم من هذا الإقبال المتزائد على الإسلام لدى القبائل وقدوم الوفود المتلاحق على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قام في السنة التاسعة من الهجرة ببعث عدة سرايا ، ووقعت غزوة واحدة ، وكانت السرايا هذه لأجل إفشال المؤامرات التي كانت تحاك ضدّ الاسلام والمسلمين ، وكانت في الأغلب لهدم الأصنام الكبيرة التي كانت لا تزال القبائل العربية المشركة تقدسها وتعبدها ، ومن جملة هذه السرايا سرية علي بن أبي طالبعليه‌السلام التي وجّهت إلى أرض « طيّ » بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بين ما وقع في السنة التاسعة يمكن الاشارة إلى غزوة « تبوك ».

ففي هذه الغزوة غادر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة متوجها إلى أرض تبوك ، ولكنه لم يلق فيها أحدا ، فعاد من غير قتال ، إلاّ أنّه مهّد الطريق لفتح البلاد الحدودية لمن يأتي في المستقبل.

__________________

(١) النصر : ١ ـ ٣.

٥٤٥

هدم بيوت الاصنام :

لقد كانت الوظيفة الاساسية الاولى من وظائف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي : نشر عقيدة التوحيد ، واجتثاث جذور كل نوع من أنواع الشرك ، وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلك ـ لتحقيق هذه الغاية ، ولارشاد الضالّين والوثنيين ـ طريق المنطق والاستدلال ، قبل أي شيء فكان يلفت أنظارهم بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة إلى بطلان الشرك والوثنية ، فاذا لم يجد معهم المنطق المبرهن ، والارشاد المستدلّ ، ولجّوا في كفرهم وشركهم سمح لنفسه بأن يتوسّل بالقوة ، ويداوي أولئك المرضى روحا وفكرا والذين يمتنعون عن استعمال الدواء وبمحض اختيارهم ، بالمعالجة الجبرية.

فانّه إذا شاع داء الكوليرا في بلد من البلدان مثلا ، وامتنع فريق من الناس عن قبول تلقيحهم بالمصل اللازم لمكافحة ذلك المرض ، فإنّ المسئول في ذلك البلد يرى لنفسه الحق في أن يجبر تلك الجماعة الضيّقة التفكير التي تعرّض سلامة نفسها وسلامة غيرها للخطر من حيث لا تشعر على الرضوخ لعملية التلقيح المذكورة.

لقد أدرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ضوء تعاليم الوحي أنّ الوثنية أشبه شيء بجرثومة « الكوليرا » تهدم فضائل الانسان ، وشرفه ، وتقضي على مكارم الاخلاق ، وتحطّ من مكانة الانسان الرفيعة ، وتجعله كائنا حقيرا أمام الطين والحجر والموجودات المنحطّة.

وعلى هذا الاساس امر من جانب الله تعالى بأن يجتثّ جذور الشرك من كيان ذلك المجتمع الموبوء ، ويزيل كل مظاهر الوثنية ، وكل أنواعها وأشكالها ، واذا ما قاومت جماعة هذا العمل ، وعارضت هذا الاجراء حطّم مقاومته بالقوة العسكرية ، والقبضة الحديدية.

إنّ التفوّق العسكري أعطى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرصة بعث

٥٤٦

الفرق العسكرية لتحطيم وهدم كل بيوت الأصنام ، وأن لا يبقوا في منطقة الحجاز صنما إلاّ هدّموه.

علي في أرض طيّ :

ولقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف من قبل ، أن في قبيلة طيّ صنما كبيرا يقدّس إلى الآن ومن هنا بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطل جيشه الشجاع علي بن أبي طالبعليه‌السلام على رأس مائة وخمسين فارس إلى أرض طيّ ، وأمره بأن يحطّم صنم طيّ ، ويهدم بيته.

وقد أدرك قائد هذه السرية أن القبيلة المذكورة ستقاوم جنود الاسلام ، وأنّ الأمر لن يتمّ من دون قتال ، ولهذا حمل بأفراده على موضع ذلك الصنم ، عند الفجر والناس نيام ، فاستطاع أن يأسر جماعة من تلك القبيلة ممن قاوم ، وان يعود بهم وبالغنائم الى المدينة وقد فرّ « عديّ بن حاتم الطائي » الذي انضمّ فيما بعد الى صفوف المسلمين ، المجاهدين في سبيل الله ، وكان يرأس تلك القبيلة ، حين سمع بتوجه علىعليه‌السلام نحوها.

ولنستمع إلى عديّ الطائي نفسه وهو يقصّ علينا قصة هروبه.

يقول عديّ : ما من رجل كان أشدّ كراهية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سمع به ، منّي.

أمّا أنا فكنت امرأ شريفا ، وكنت نصرانيا ، وكنت اسير في قومي بالمرباع ( أي آخذ الربع من الغنائم لأني سيدهم ) فكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي. فلما سمعت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربيّ ، وكان راعيا لابلي : لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا ، فاحتبسها قريبا منّي ، فاذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذنّي ؛ ففعل ؛ ثم أنه أتاني ذات غداة ، فقال : يا عديّ ما كنت صانعا اذا غشيتك خيل محمّد ، فأصنعه الآن ، فاني قد رأيت رايات ، فسألت

٥٤٧

عنها ، فقالوا : هذه جيوش محمّد. قال : فقلت : فقرّب إليّ أجمالي فقرّبها ، فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية(١) وقد تركت أختي في قومي.

ثم تغزو خيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قومي فتصيب ( اختي ) ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبايا من طيّ ، وقد بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هربي الى الشام.

فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيه ، فمرّ بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقامت إليه اختي وكانت امرأة جزلة ، فقالت : يا رسول الله هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليّ منّ الله عليك.

قال : ومن وافدك؟

فقالت : عديّ بن حاتم.

قال : الفارّ من الله ورسوله؟

ثم مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد مرّ بي ، فقلت له مثل ذلك ، وقال لي مثل ما قال بالأمس ، حتى إذا كان من الغد مرّ بي وقد يئست منه ، فاشار إليّ رجل من خلفه أن قومي فكلّميه ، فقامت إليه ، وقالت : يا رسول الله هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليّ منّ الله عليك ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني ».

تقول اختي : فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن أكلمه فقيل : علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

ثم إن أختي أقامت حتى قدم ركب من بلّي او قضاعة قالت : وأنما اريد أن

__________________

(١) الجوشية : جبل للضباب قرب ضرية. من أرض نجد.

٥٤٨

آتي أخي بالشام. قالت : فجئت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.

قالت : فكساني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحملني ، واعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.

قال عديّ : فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة ( وهي المرأة في هودجها ) تصوّب إليّ تؤمنا قال : فقلت ابنة حاتم ، قال : فإذا هي هي ، فلما وقفت عليّ أخذت في اللوم تقول : القاطع الظالم ، احتملت أهلك وولدك ، وتركت بقيّة والدك عورتك.

فقلت : أي أخيّة ، لا تقولي إلاّ خيرا ، فو الله ما لي من عذر ، لقد صنعت ما ذكرت ، ثم نزلت فاقامت عندي فقلت لها ، وكانت امرأة حازمة : ما ذا ترين في أمر هذا الرجل؟

قالت : أرى والله أن تلحق به سريعا ، فان يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت. فقلت : والله إنّ هذا الرأي.

قال عديّ : فخرجت حتى أقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة فدخلت عليه ، وهو في مسجده ، فسلّمت عليه ، فقال : من الرجل؟ فقلت : عديّ بن حاتم ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانطلق بي إلى بيته ، فو الله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته ، فوقف لها طويلا تكلّمه في حاجتها. فقلت في نفسي : والله ما هذا بملك.

ثم مضى بى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم محشوّة ليفا فقذفها إليّ ، فقال : اجلس على هذه ، فقلت : بل أنت فاجلس عليها فقال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأرض ( وهو عظيم الحجاز ) فقلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك ثم قال : إيه يا عديّ بن حاتم ، ألم تك ركوسيّا ( وهو دين بين دين النصارى

٥٤٩

والصابئين )؟

قلت : بلى.

قال : أولم تكن تسير في قومك بالمرباع؟

قلت : بلى.

قال : فان ذلك لم يحل لك في دينك.

قلت : أجل والله ، وعرفت أنه نبي مرسل ، يعلم ما يجهل ، ثم قال : لعلّك يا عديّ إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلّك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم ، فو الله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف ، ولعلّك إنما يمنعك من دخول فيه أنّك ترى أنّ الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم.

قال عديّ : فاسلمت.

وكان عديّ يقول : قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكوننّ ، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحجّ هذا البيت ، وأيم الله لتكونن الثالثة ، ليفيضنّ المال حتى لا يوجد من يأخذه(١) .

ولقد نقل العلامة الطبرسي في تفسير قوله تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ »(٢) اللقاء الذي تمّ بين عدي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : قال عديّ انتهيت إلى رسول الله وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ » حتى فرغ منها ،

__________________

(١) المغازي : ج ٢ ص ٩٨٨ و ٩٨٩ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٧٨ ـ ٥٨١ ، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة الامامية : ص ٣٥٢ ـ ٣٥٤ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٤٥.

(٢) التوبة : ٣١.

٥٥٠

فقلت له : انّا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه ، فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم(١) .

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ص ٢٤.

٥٥١

٥٤

غزوة تبوك

كانت القلعة القويّة ، الرفيعة الجدران المقامة عند عين ماء على الشريط الحدودي السوري في طريق « حجر » و « الشام » تسمّى تبوكا.

وكانت سورية آنذاك من مستعمرات إمبراطورية الروم الشرقية ، التي كان عاصمتها القسطنطنية.

وكان جميع سكان المناطق الحدودية للشام نصارى على دين المسيح عيسى بن مريمعليه‌السلام وكان أكثر زعمائها ولاة منصوبين من قبل حاكم الشام الذي كان يمثّل هو بدوره إمبراطور الروم ، ويمتثل أوامره.

ولقد كان لانتشار الاسلام السريع في شبه الجزيرة العربية وفتوحات المسلمين المشرقة في الحجاز صداه في خارج الحجاز ينعكس بالوسائل الموجودة في ذلك اليوم ، وكان ذلك يرعب الأعداء ، ويدفعهم إلى التفكير في حيلة.

ولقد دفع سقوط حكومة « مكة » الوثنية ، واعتناق زعماء الحجاز الكبار للدين الاسلامي ، وبطولات جنود الاسلام الباهرة وبسالتهم وتفانيهم الفريد في طريق عقيدتهم ، بامبراطور الرّوم إلى أن يحشد جموعا كبيرة ، ويتهيّأ لمهاجمة المسلمين وغزوهم بغتة ، لأنّه كان يرى تزلزل سلطانه مع انتشار الاسلام المطّرد ، وكانت مخاوفه تزداد يوما بعد يوم وهو يرى تعاظم القوة الاسلامية العسكرية ، وانتشار نفوذه السياسيّ.

٥٥٢

كانت الروم ـ آنذاك ـ المنافسة الوحيدة ، والقوية لإيران ، وكانت تملك أعظم قوة عسكرية ، وكانت مغترّة أشدّ الغرور بنفسها ، لما أصابته من فتوحات وانتصارات في معاركها الكبرى مع إيران ، وما ألحقته من هزائم نكراء بإيران في تلك العصور.

وقد كان جيش الروم يتألّف من أربعين ألف فارس وراجل ، وكان مجهّزا بأحدث أسلحة وتجهيزات ذلك العصر ، وقد استقرّ هذا الجيش على الشريط الحدوديّ لأرض الشام ، والتحقت به قبائل عديدة تسكن الحدود مثل قبيلة « لخم » « عاملة » « غسان » « جذام » ، وتقدمت طلائع ذلك الجيش حتى منطقة « البلقاء ».

ولقد بلغ نبأ استقرار فريق من جنود الروم على الشريط الحدودي للشام إلى مسامع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق القوافل التجارية التي تعمل على طريق الحجاز ـ الشام فلم ير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدّا من أن يردّ على هؤلاء المعتدين ، بجيش عظيم ، ويحافظ بذلك على الدين الّذي قام بفضل الدماء الزكية التي اريقت من أصحابه ، وبفضل تضحياته هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الآن على أبواب أن يعمّ العالم نوره وهداه ، من ضربات العدوّ المفاجئة.

ولقد بلغ هذا الخبر المقلق أهل المدينة ، وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه بالتهيّؤ لغزو الروم ، والناس في زمان عسرة ، وشدة من الحرّ ، وجدب من البلاد ، وقد طابت الثمار ، والناس يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه.

ولكن الدوافع المعنوية ، وروح الحفاظ على الأهداف المقدّسة ، والجهاد في سبيل الله مقدّم ـ عند عباد الله المؤمنين الصالحين ـ على كل تلك الامور.

تعبئة المقاتلين وتهيئة نفقات الحرب :

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف على نحو الاجمال مدى وحجم

٥٥٣

استعدادات العدوّ ، وطاقاته ، وقدرته على القتال.

من هنا كان مطمئنا إلى أن الانتصار في هذه المعركة بحاجة ـ مضافا إلى الخلفية المعنوية القوية وهي الايمان بالله والقتال ابتغاء لمرضاته ـ الى قوة عسكرية كبيرة جدا ولهذا بعث رجالا إلى مكة ، ونواحي المدينة يدعون المسلمين إلى المشاركة في الجهاد في سبيل الله ، ويحثّون أهل الغنى والثروة ، على تهيئة نفقات الجهاد في سبيل الله من الزكاة.

وأخيرا أعلن ثلاثون ألفا من المسلمين استعدادهم للمشاركة في هذه الغزوة واجتمعوا في معسكر عند « ثنية الوداع » وتهيّأ قدر كبير من نفقات القتال عن طريق الزكاة ، وكان الجيش الاسلاميّ يتألف من عشرة آلاف فارس ، وعشرين الف راجل.

وقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تتخذ كل قبيلة راية لنفسها.

المتخلّفون عن القتال :

كانت غزوة « تبوك » خير محكّ لمعرفة المجاهدين الصادقين وتمييزهم عن غير الصادقين من أدعياء الإيمان والمنافقين لأن التعبئة العامّة لهذه الغزوة اعلنت في وقت كان الناس يستعدّون فيه للحصاد من جهة ، وكان الحرّ على أشدّه من ناحية اخرى ، فكشف تخلّف البعض ـ بالأعذار والحجج المختلفة ـ القناع عن وجههم الحقيقي ونزلت آيات في ذمّهم جميعها في سورة البراءة.

لقد تخلّف البعض عن المشاركة في هذه الغزوة للاسباب والعلل التالية :

١ ـ عند ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للجدّ بن قيس ، ـ وكان من الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المرموقة ـ :

« أبا وهب هل لك العام تخرج معنا »؟

فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ، ولا تفتنّي(١) فو الله لقد عرف قومي ما أحد

__________________

(١) أي أخشى الافتتان ببنات الروم فلا تفتني بهنّ يا رسول الله.

٥٥٤

اشدّ عجبا بالنساء مني ، واني لأخشى إن رأيت بنات بني الأصفر ( الروم ) لا أصبر عليهنّ.

فاعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن سمع منه ذلك العذر الصبياني ، وقد نزل فيه قول الله تعالى :

«وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ »(١) .

٢ ـ المنافقون : إن جماعة ممن تظاهروا بالإسلام والإيمان وهم منه خلو ، أخذوا يثبّطون الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة تبوك ، وربما تحجّجوا بشدة الحرّ فقالوا : يغزو محمّد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ ، والبلد البعيد ، إلى ما قبل له به ، يحسب محمّد أن قتال بني الاصفر اللعب ، فنزل فيهم قول الله تعالى :

«وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ »(٢) .

وقد كان بعض المنافقين يخوّفون المسلمين من المشاركة في هذه الغزوة ، وكانوا يقولون في هذا الصدد : تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم ، والله لكأنّا بكم غدا مقرّنين في الحبال؟!(٣) .

اكتشاف شبكة جاسوسيّة في المدينة :

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أسلفنا يولي مسألة تحصيل المعلومات عن العدو وتحركاته اهتماما كبيرا ، وكان اكثر انتصاراته تعود إلى حسن استخدامه لهذه الوسيلة وبالتالي لمعرفته الدقيقة بتحرّكات العدو ونشاطاته ، وعلى

__________________

(١) التوبة : ٤٩.

(٢) التوبة : ٨١ و ٨٢.

(٣) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٥٠.

٥٥٥

هذا الاساس كان يقضي على الكثير من المؤامرات في مهدها.

ولقد بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت « سويلم » اليهودي ، ويخطّطون لتثبيط المسلمين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الغزوة ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « طلحة بن عبيد الله » في نفر من أصحابه لإرهاب اولئك المتآمرين حتى يكفّوا عن التآمر ، وأمره بأن يحرّق عليهم بيت « سويلم ». ففعل طلحة ذلك إذ اقتحم البيت بغتة ، وهم يخطّطون ، ويدبّرون مؤامرة ، واحرق البيت ، ففرّوا وسط ألسنة اللهب ، وأعمدة الدخان ، وافلتوا ، وانكسرت رجل أحدهم حين الفرار.

وقد كان هذا الاجراء مفيدا في ردع المنافقين المشاغبين عن العودة إلى مثلها حتى قال أحد رءوسهم وهو « الضحّاك بن خليفة » :

كادت وبيت الله نار محمّد

يشيط بها الضحّاك وابن أبيرق

وظلت وقد طبّقت كبس سويلم

أنوء على رجلي كسيرا ومرفقي

سلام عليكم لا أعود لمثلها

أخاف ومن تشمل به النار يحرق(١)

٣ ـ البكّاءون : لقد أتى رجال من المسلمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يرغبون في الخروج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الغزوة ، وطلبوا منه ما يحملهم عليه من دابّة فقد كانوا أهل حاجة فقراء ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا أجد ما أحملكم عليه ».

فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، ألاّ يجدوا ما ينفقون.

فاذا كان بين أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجال نافقوا ، وتركوا الخروج مع رسول الله متعلّلين بالأعذار السخيفة ، فقد كان إلى جانب ذلك أيضا من كان يبكي بكاء مرّا لعدم تمكّنه من المشاركة في الجهاد المقدس حتى عرفوا

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥١٧.

٥٥٦

في التاريخ الاسلامي بالبكائين ، ونزل فيهم قرآن اذ يقول تعالى :

«وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ »(١) .

٤ ـ المتخلفون : ولقد أبطأ بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخروج ، وتخلّفوا لا عن شكّ وارتياب ، أو رغبة عن الجهاد في سبيل الله ، وقد كانوا أهل صدق لا يتّهمون في إسلامهم ، إنّما تخلّفوا حتى يلتحقوا بركب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن يفرغوا من الحصاد والقطاف وهم ( المخلّفون ) الثلاثة حسب تعبير القرآن الكريم الذين فاتتهم غزوة تبوك ، فوبّخهم الله تعالى وعاقبهم على تخلّفهم ليكون في ذلك عبرة لمن سواهم كما ستعرف تفصيل ذلك عمّا قريب.

٥ ـ المجاهدون الصادقون : الذين لبّوا نداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتهيّأوا من فورهم للخروج معه في شوق بالغ ، ورغبة عظيمة في الجهاد.

عدم مشاركة « عليّ » في غزوة تبوك :

لقد كان من أبرز فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أنه شارك في جميع المعارك ، ولازم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع غزواته ، ـ وكان هو حامل لوائه في تلك المعارك والغزوات ـ ما عدا تبوك حيث بقي في المدينة بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يشارك في هذا الجهاد المقدس لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدرك جيّدا أن بعض المنافقين والمتربّصين ، والمتحينين الفرص من رجال قريش سيستغلّون فرصة غيبة النبي القائد عن المدينة ( مركز الدولة الاسلامية ) فيثيرون فيها فتنة ، ويجهزون على الحكومة الاسلامية الفتية بانقلاب أو ما شابه ذلك ، وأن مثل هذه الفرصة انما تسنح لهم إذا قصد رسول الله صلّى

__________________

(١) التوبة : ٩٢.

٥٥٧

الله عليه وآله مكانا نائيا ، وانقطع ارتباطه بعاصمة الاسلام ( المدينة )!!

ولقد كانت « تبوك » أبعد نقطة خرج إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع غزواته ، فكان يحدس ـ بقوة ـ أن تقوم القوى المضادّة للاسلام بقلب الاوضاع في غيابه ، ويجمعوا من يروا رأيهم ويذهب مذهبهم من شتى أنحاء الحجاز ، ويتحدوا لضرب الدولة الاسلامية والقضاء عليها من الداخل.

ولهذا ـ رغم أنه استخلف « محمّد بن مسلمة » على المدينة ـ قال للامام « علي بن أبي طالب » :

« أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي.

يا علي إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي وبك ».

ولقد أزعج بقاء عليّعليه‌السلام في المدينة ، المنافقين الذين كانوا يتربّصون بالاسلام الدوائر ، ويتحيّنون الفرصة ، ويفكرون في انقلاب في غيبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهم كانوا يعرفون أنهم لن يعودوا يستطيعون مع وجود عليّعليه‌السلام في المدينة ، ومراقبته الدقيقة لتحرّكاتهم ونشاطاتهم فعل أي شيء ممّا كانوا ينوون القيام به ، ولهذا أرجفوا به ، وبثّوا شائعات خبيثة حوله ، بغية إجباره على مغادرة المدينة فقالوا : ما خلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا إلاّ استثقالا له ، وتخفّفا منه ، أو : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه إلى الخروج لتبوك ، ولكن عليا امتنع من الخروج بحجّة الحرّ الشديد ، وبعد الطريق وإيثارا للدعة والراحة والرفاهية!!

ولإبطال هذه الشائعة الخبيثة ، وتكذيب هذا الكلام ، أخذ عليعليه‌السلام سلاحه ، وخرج حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو نازل بالجرف ( وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة ) فقال :

« يا نبي الله ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وتخفّفت منّي ».

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينئذ كلمته التاريخية الخالدة التي تعتبر

٥٥٨

من أبرز الادلة وأقواها وأوضحها على إمامة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل :

« كذبوا ، ولكنّني خلّفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي »(١) .

فرجع عليّعليه‌السلام الى المدينة المنورة ، ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سفره(٢) .

جيش الاسلام يتحرك نحو تبوك :

لقد دأب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ خرج لتأديب قوم يكيدون بالاسلام ، ويمنعون من تقدمه وانتشاره أو يقصدون الهجوم على المدينة واجتياحها ، أو إيجاد فتن فيها ، على أن لا يبوح بمقصده ووجهته لجنوده وامراء جيشه ، وأن يسير بالجيش في طريق آخر غير الوجه الذي ينويه باطنا ، حتى لا يعرف به العدو فيهيّأ لمواجهته ، وبذلك يتسنى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يباغت العدوّ ، ويحقّق الانتصار الساحق عليه(٣)

غير أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدل عن هذه السيرة في قضية غزو الروميّين الذين اجتمعوا في حدود الشام وهم يتأهّبون للهجوم على عاصمة الاسلام.

فقد بيّن للناس ـ منذ أعلن التعبئة العامة ـ الوجهة التي يقصدها ، وكان السرّ في ذلك هو أن يعرف المجاهدون أهمية هذا السفر وصعوبته ، وأن يحملوا الزاد الكافي والعدة اللازمة.

__________________

(١) امتاع الاسماع : ج ١ ص ٤٤٩ و ٤٥٠.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٥٢٠ ، بحار الأنوار : ج ٢١ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ ، وللوقوف على دلالة هذا الحديث على امامة امير المؤمنينعليه‌السلام راجع كتب العقائد والكلام.

(٣) المغازي : ج ٣ ص ٩٩٠.

٥٥٩

هذا مضافا إلى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مضطرّا ـ لتقوية الجيش الاسلامي ـ إلى أن يستعين بقبائل « تميم » و « غطفان » و « طيّ » التي كانت تسكن في مناطق بعيدة عن المدينة.

وقد عمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا الغرض إلى مراسلة زعماء تلك القبائل ، وساداتها كما كتب إلى « عتّاب بن اسيد » أمير مكة الشاب دعا فيه رجال تلك القبائل ، وفتيان مكة إلى المشاركة في هذا الجهاد المقدس(١) .

ومثل هذا النوع من الدعوة الصريحة العامة لا ينسجم مع الكتمان والسريّة ، لأنه كان لا بدّ أن يخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رؤساء القبائل في هذا الموضوع ، ويذكر لهم أهميّته ، ليحملوا معهم الزاد والعدة اللازمة الكافية.

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستعرض جيشه :

ولما حان موعد تحرك الجيش استعرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشه في معسكر المدينة العظيم ، المؤلّف من المؤمنين الفدائيين الغيارى على الإسلام ، والذين فضّلوا المشقة والموت في سبيل الهدف على الاستراحة في الظلال ، والتجارة ، وكسب المال واكتناز الثروة ، وخرجوا يستقبلون الموت في سبيل الدين بقلوب تفيض إيمانا ويقينا.

لقد كان هذا المشهد جميلا ورائعا جدا ، وكان له أثر قوي في نفس المتفرجين.

وفي هذه المناسبة ألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبة مهمة ، لتقوية معنويات المجاهدين ، قد شرح فيها هدفه من هذه التعبئة العامة الواسعة.

فبعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله قال :

« أيّها الناس! أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢١ ص ٢٤٤.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778