سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله7%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 469038 / تحميل: 10054
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

العسكرية التي عقدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدرج فيها ما قاله المقداد ، وقاله سعد بن معاذ في كتبهم على وجه التفصيل ، ولكنهم أحجموا عن إدراج ما قاله أبو بكر وعمر وإنما قالوا : وقال فلان وأحسن ، وقال فلان واحسن!!

وهنا نسأل ذينك المؤرخين اذا كان ما قاله فلان وفلان حسنا أرضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ذا تركوا ذكره على نحو التفصيل كما فعلوا بالنسبة إلى كلام مقداد وسعد.

بلى ؛ إنهما لم يقولا إلاّ ما ذكرناه قبل قليل ، ليس غير. وإذا كان أولئك المؤلفون يكتمون الحقائق ، فقد أظهرها الآخرون وسجلوا نص ما قاله الرجلان(١) ، ولم يكن قولا حسنا ولا كلاما طيبا ، بل كان كلامهما مثبطا ، ينمّ عن خوف ، ووحشة ، فهما صوّرا قريشا قوة لا تقهر ، وجيشا لا يدحر ، غير آبهين بما تترك كلماتهم من الأثر السيئ في نفوس المسلمين في ذلك الظرف الدقيق ، واللحظة الخطيرة!!

وإنك أيها القارئ لتستطيع أن تعرف مدى انزعاج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مقالتهما ، مما ذكره الطبري نفسه في الصفحة ذاتها ، فان الشيخين كما تلاحظ ، كانا أوّل من نطقا في تلك الشورى ، ثم تكلّم بعدهما المقداد ، وسعد بن معاذ.

فان الطبري يروي عن ابن مسعود أنه قال : لقد شهدت من المقداد مشهدا لئن أكون أنا صاحبه احبّ إليّ مما في الارض من شيء كان رجلا فارسا وكان

__________________

(١) المغازي : ج ١ ص ٤٨ ، السيرة الحلبية : ج ٢ ص ١٦٠ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢١٧.

قال الواقدي : ثم قال عمر : يا رسول الله أنها والله قريش وعزّها ، والله ما ذلّت منذ عزّت ، والله ما آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلم عزّها أبدا ، ولتقاتلنّك فاتّهب لذلك أهبته ، وأعدّ لذلك عدّته!!!

كما جاء في صحيح مسلم : ج ٥ ص ١٧٠ باب غزوة بدر ومسند أحمد : ج ٣ ص ٢١٩ بطريقين انه حين بلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقبال ابي سفيان شاور أصحابه ، فتكلم أبو بكر فاعرض عنه ، ثم تكلم عمر فاعرض عنه.

٦١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا غضب احمارّت وجنتاه ، فاتاه المقداد على تلك الحال(١) فقال : أبشر يا رسول الله فو الله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى : « اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون »(٢) .

ولقد كان ذلك المجلس مجلس استشارة وتبادل للرأي وكان لكل أحد الحقّ في أن يدلي برأيه ، ويطرح نظره على القائد الأعلى ، ولكنّ مجريات الاحداث أثبتت أن مقداد كان أقرب إلى الصواب ، وأكثر توفيقا في اصابة الحق من ذينك الرجلين.

وقد أشار القرآن الكريم إلى تخوف بعض المسلمين من مواجهة العدوّ في هذه الموقعة إذ قال سبحانه :

«كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ »(٣) .

وقال تعالى :

«يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ » (٤) .

قرار الشورى الحاسم أو رأي زعيم الأنصار :

كانت الآراء التي طرحت آراء شخصيّة وفردية على العموم ، والحال أن الهدف الاساسيّ من عقد تلك الشورى كان هو الحصول على رأي الأنصار ، فلمّا لم يدل الأنصار برأيهم لم يمكن لتلك الشورى أن تتخذ رأيا حاسما ، وتبت في أمر.

من هنا أعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « أشيروا عليّ أيها

__________________

(١) أي وهو غاضب من مقاله وتثبيط من تقدماه.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٠.

(٣) الانفال : ٥.

(٤) الانفال : ٦.

٦٢

الناس » وهو يريد الأنصار.

فقام سعد بن معاذ الأنصاري وقال : والله لكأنك يا رسول الله تريدنا؟

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجل.

فقال سعد : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنا قد آمنّا بك ، وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر(١) فخضته لخضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا.

إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء لعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله ، وصل من شئت ، واقطع من شئت وخذ من أموالنا ما شئت ، وما أخذت من أموالنا أحبّ إلينا مما تركت.

فسّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول سعد ونشّطه ذلك ، وأزال سحابة اليأس من النفوس ، وأشعل ضياء الأمل في القلوب.

ولهذا لم يفرغ ذلك الأنصاريّ البطل والقائد المؤمن الشجاع من مشورته الشجاعة إلاّ وأصدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بالرحيل قائلا : « سيروا على بركة الله وابشروا فانّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله وعده.

والله لكأنّي الآن أنظر الى مصارع القوم ».

وتحرك الجيش الاسلاميّ بقيادة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل عند آبار « بدر »(٢) .

تحصيل المعلومات حول العدوّ :

مع أنّ المبادئ العسكريّة والتكتيكات الحربية في الوقت الحاضر تختلف

__________________

(١) يقصد البحر الأحمر.

(٢) المغازي للواقدي : ج ١ ص ٤٨ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٥.

٦٣

عما كانت عليه في العصور الغابرة اختلافا كبيرا إلاّ أنّ مسألة تحصيل المعلومات حول العدوّ ومعرفة أسراره العسكرية ، ومدى استعداداته ومبلغ قواه التي يستخدمها ، ودرجة معنويات أفراده لا تزال على أهميتها وقيمتها ، لم تتغير من هذه ، بل ازدادت أهمية في العصر الحاضر ـ كما أسلفنا ـ.

فهي تشكل الآن أيضا مفتاحا في الحروب ، ومنطلقا للانتصارات العسكرية.

على أن هذه المسألة قد اتخذت اليوم صبغة التعليم والتمرين ، فقد أصبح لها اليوم كتب ومعاهد تتولى تعليم طرائق التجسس العسكري واساليبه ، كما ويعزي قادة المعسكر الغربي والشرقي الكثير من نجاحاتهم إلى نجاحهم في توسعة دوائر التجسس ومنظماته التي تستطيع اطلاع أصحابها على معلومات دقيقة ومفصّلة عن خطط العدو وقواه ، واماكن تمركزه وتواجده ، وخطوط إمداده ، وتموينه تمهيدا لإفشال تحركاته أو إجهاضها فورا.

من هنا استقر الجيش الاسلاميّ في منطقة تلائم مبادئ التستر بشكل كامل ، ومنع عن أي عمل من شأنه انكشاف أسراره ، كما أن فرقا مختلفة ومتعددة كلّفت بتحصيل وجمع المعلومات عن قريش وقافلتها وجيشها.

فكانت المعلومات التي توفرت لدى القيادة الاسلامية هي كالتالي :

الف / انّ النبيّ نفسه ركب هو ورجل من قادة جيشه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمّد وأصحابه وما بلغه عنهم فأخبرهم بأن محمّد وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، وانه إن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي كان به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، وانه ان كان الذي أخبره صدقه فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش.

وهكذا عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقطة تواجد قريش ، واستقرار قواتهم.

باء / بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة « الزبير بن العوام » و « سعد

٦٤

بن أبي وقاص » بقيادة عليّعليه‌السلام الى ماء بدر يلتمسون له الخبر ، فأصابوا إبلا يستقي عليها الماء لقريش فيها غلامان أحدهما لبني الحجاج والآخر لبني العاص فأتوا بهما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألهما النبيّ عن قريش فقالا : هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى.

فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كم القوم وما عدّتهم فقالا : لا ندري ، كثير. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كم ينحرون ( من الابل ) كل يوم؟ قالا : يوما تسعا ويوما عشرا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القوم فيما بين التسعمائة والألف.

ثم سألهما : فمن فيهم من أشراف قريش؟

قالا : عتبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأميّة بن خلف و و ..

فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه وقال :

« هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها »(١) .

جيم / كلّف شخصان بالدخول الى قرية بدر وتقصّي الحقائق حول قافلة قريش فيها فمضيا حتى نزلا بدرا فأناخا ابلهما الى تلّ قريب من الماء ، ثم تظاهرا بأنّهما يريدان أن يستسقيا ، وكان على الماء جاريتين تستسقيان وتقول إحداهما للاخرى : إنما تأتي القافلة غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك.

فقال لها « مجدي بن عمرو الجهني » ، وكان على مقربة منهما : صدقت ثم خلص بينهما.

فسرّ صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمعا فعادا في سرّية كاملة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبراه بما سمعا(٢) .

والآن وبعد أن أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عارفا بوقت ورود القافلة ، ومكان تواجد قريش ، معرفة دقيقة عمد إلى ترتيب المقدمات اللازمة.

__________________

(١) و (٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٧.

٦٥

كيف هرب أبو سفيان؟

لقد تعرّض أبو سفيان قائد قافلة قريش لدى توجّهه بها إلى الشام للملاحقة من قبل مجموعة من المسلمين ، ولهذا فانه كان يعلم جيدا بأنهم سوف يتعرضون له عند قفوله من الشام أيضا.

ولهذا عند ما وصل بقافلة قريش إلى المنطقة الخاضعة للمراقبة الاسلامية أراحها في منطقة بعيدة عن متناول أيدي المسلمين ودخل هو قرية « بدر » يتجسس ، ويسأل عن أخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالتقى « مجدي بن عمرو » على ماء بدر فسأله : هل أحسست أحدا؟ ( ويقصد هل رأيت أحدا من عيون محمّد ورجاله؟ ).

فأجابه مجدي قائلا : ما رايت أحدا انكره ، إلاّ أني قد رأيت راكبين قد أناخا الى هذا التلّ ثم استقيا في شنّ لهم ، ثم انطلقا.

فأتى أبو سفيان مناخهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففتّه ، فاذا فيه النوى فقال : هذه ـ والله ـ علائف يثرب. هذه عيون محمّد وأصحابه ، ما أرى القوم إلاّ قريبا.

فرجع إلى أصحابه سريعا وحرّك القافلة من فوره ، وابتعد عن بدر وأخذ بها جهة ساحل البحر الأحمر كما أنه كلّف أحدا بإخبار قريش فورا ، بأنّ قافلتهم أفلتت من يد محمّد وأصحابه ، وأن أموالهم نجت فليرجعوا وليتركوا محمّدا تكفيه العرب.

٦٦

خارطة معركة بدر

دليل الخارطة :

١ ـ القلعة ٢ ـ مدينة بدر ٣ ـ النخيل ٤ ـ مسجد العريش ٥ ـ بيوت بدر

٦٧

علم المسلمين بإفلات قافلة قريش :

عرف المسلمون بإفلات قافلة قريش ، وانتشر هذا النبأ بينهم بسرعة ، فاغتمّ من خرج مع المسلمين يريد الحصول على شيء من تلك الأموال ، فقال الله تعالى تثبيتا لهم وتسكينا لقلوبهم :

«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ »(١) .

إختلاف قريش في القتال :

عند ما وافى رسول أبي سفيان قريشا وهم بالجحفة ، وأبلغهم رسالة أبي سفيان وطلب منهم الرجوع إلى مكة حدث بين رجال قريش اختلاف عجيب.

وقال بنو زهرة والأخنس بن شريق وكانوا حلفاء على الرجوع قائلين : قد خلصت أموال سيد بني زهرة : « مخرمة بن نوفل » وانما نفرنا لنمنعه وماله ، فلا حاجة بأن نخرج في غير منفعة.

ورجع طالب ( ابن أبي طالب ) إلى مكة وكان قد استكره على الخروج من مكة ، وذلك بعد مشاجرة بينه وبين رجل من قريش قال له :

« والله لقد عرفنا يا بني هاشم ، وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمّد »(٢) .

وأما أبو جهل فقد أصرّ على مواصلة التقدّم نحو المدينة ، وعدم الرجوع إلى مكّة خلافا لطلب أبي سفيان ، قائلا :

والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر ( الأباعر ) ونطعم الطعام ، ونسقي الخمر ، وتعزف لنا القيان والمغنيات ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا ، وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها ، فامضوا!!

__________________

(١) الانفال : ٧ و ٨.

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٩.

٦٨

فحملت كلمات أبي جهل المغرية قريشا على مواصلة التقدم نحو المدينة ، ونزلت في مكان مرتفع(١) خلف كثيب.

وأمطرت السماء مطرا غزيرا فأصاب قريشا منه ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه ، ومنعهم من مزيد التقدم.

بينما لم يحدث المطر أي مشكلة في العدوة الدنيا للمسلمين ولم يمنع من تحركهم بل كان بحيث لبد الأرض حتى ثبتت أقدامهم(٢) .

و « بدر » منطقة واسعة يتكون جنوبها من مكان مرتفع ( العدوة القصوى ) وشمالها من مكان منخفض منحدر ( العدوة الدنيا ) وكانت في هذا الوادي الواسع بضع آبار وعيون ماء ، فكان منزلا للقوافل ينزلون فيه ويستقون ، ويستريحون ردحا من الزمن.

وهنا تقدم « الحباب بن منذر » وكان فارسا مجربا وعسكريا محنكا باقتراح الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل منزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بل هو الرأي والحرب والمكيدة ».

فقال : يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتّى أدنى ماء من القوم ، فنزله فنغوّر ( أي ندفن العين ) ما وراء القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد أشرت بالرأي.

فنهض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقلب ( الآبار ) فغوّرت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية.

إن هذه الحادثة تكشف جيّدا على اهتمام رسول الإسلام بالمشاورة ،

__________________

(١) وهو ما يسمى بالعدوة القصوى.

(٢) ويقال كان المطر ينزل على قريش كأفواه القرب وعلى أصحاب رسول الله رذاذا بقدر ما لبد الأرض.

٦٩

واحترامه لآراء الآخرين واتساع صدره لاقتراحاتهم ، والأخذ بما يفيد منها دون تكبّر أو انزعاج(١) .

« العريش » أو غرفة القيادة :

وقيل إن سعد بن معاذ تقدم هو الآخر بمقترح عسكري رائع وهو بناء واقامة برج لرسول الله يقود منه العمليات ويشرف على سيرها ويكون مأمنا له من كيد الاعداء فقال : يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدوّنا فان أعزّنا الله وأظهرنا على عدوّنا ، كان ذلك ما أحببنا ، وان كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلّف عنك أقوام يا نبيّ الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصحونك ويجاهدون معك.

فأثنى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا له بخير ، ثم بني لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عريش فوق مكان مرتفع مشرف على ساحة القتال والحرب ، وكان سعد وجماعة من فتيان الأنصار يحرسونه في بعض حالات القتال!!(٢) .

نظرة الى مسألة « العريش » :

ان مسألة بناء العريش لرسول الله ، وحراسة سعد بن معاذ وجماعة من فتيان الأنصار له هو مما ذكره ورواه الطبري في تاريخه نقلا عن ابن اسحاق وتبعه الآخرون في ذلك ، ولكن هذه القصة لا يمكن القبول بها لاسباب هي :

أوّلا : أن هذا العمل يفتّ في عضد الجنود ، ويضعف من معنوياتهم القتالية لأن معناه أن القائد يفكر في وسيلة لنجاة نفسه دون أن يفكر في نجاة جنوده ، ومثل هذه القيادة لا يمكنها ان تستحوذ على قلوب جنودها ، وتجعلها مطيعة لأوامرها.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٠ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٤.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٥ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٠.

٧٠

ثانيا : أنّ هذه القصة تتنافى مع الاخبار القطعية التي بشر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها المسلمين في ضوء ما نزل عليه من آيات.

فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يواجه المسلمون قريشا قال لأصحابه الذين خرجوا معه من المدينة وعدهم إحدى الطائفتين ، أي إما الظفر بقافلة قريش التجارية قطعا ، أو الانتصار على الجيش المكي حتما ويقينا إذ قال الله تعالى :

«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ »(١) .

وإنما اقدم على بناء العريش لرسول الله ـ بناء على رواية الطبري ـ في الوقت الذي كانت قافلة قريش قد أفلتت وهربت من أيدى المسلمين ، ولم يبق الاّ الجماعة المسلحة التي خرجت لحماية القافلة ، وكان المسلمون يعلمون ـ طبقا لذلك الوعد الإلهي القاطع ـ أنهم سينتصرون على تلك الجماعة الكافرة : « ويقطع دابر الكافرين » فلم يكن المجال مجال تردد وشك.

وبهذا يكون حديث هزيمة المسلمين في هذه المواجهة ولزوم بناء عريش لحماية النبيّ واعداد ابل سريعة السير عند العريش لينجوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها بنفسه حديثا باطلا لا مبرّر له ، ولا مسوّغ.

يقول ابن سعد نقلا عن عمر بن الخطاب قال : لما نزلت « سيهزم الجمع ويولّون الدبر » قلت : وأي جمع يهزم ومن يغلب؟ فلما كان يوم بدر نظرت الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثب في الدرع وثبا وهو يقول : « سيهزم الجمع ويولّون الدبر » فعلمت ان الله تبارك وتعالى سيهزمهم(٢) .

ومع هذا هل يحتمل أن يدور في خلد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه شيء حول الهزيمة أو يحدثوا أنفسهم بالفرار؟

ثالثا : أن النبيّ الذي يصف الامام عليّعليه‌السلام موقفه وحالته عند اشتداد ضراوة القتال لا تنسجم أبدا ولا تلائم هذا التكتيك الذي لا يتسم

__________________

(١) الأنفال : ٧.

(٢) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٥.

٧١

بالشجاعة والثبات.

يقول عليّعليه‌السلام :

« كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه »(١) .

فهل يفكر مثل هذه الشخصيّة التي يصفها أول تلامذة مدرسته ، وأقرب صحابته إليه بمثل هذا الوصف ، في الفرار ، أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك.

نحن نعتقد أن بناء العريش لم يكن إلاّ من باب إعداد غرفة للعمليّات ولمراقبة سير القتال من مكان مشرف على ساحة القتال ، لأن القيادة ما لم تكن مشرفة على ساحة القتال لا يمكنها أن تتصرف بواقعية واتقان ، ولا يمكنها أن تقود الجنود والحشود من منطلق الواقع القتالي والعسكري.

من هنا لم يكن الهدف من العريش ان صحّ أصل القصة هو الإعداد والتحسب للفرار وما شاكل ذلك.

تحرك قريش باتجاه بدر :

في صبيحة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، ارتحلت قريش من وراء الكثيب وانحدرت إلى وادي بدر ، فلما رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

« اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها ، وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك.

اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني به ، اللهمّ أحنهم(٢) الغداة ».

قريش تتشاور في القتال :

استقرت قوى قريش في منطقة من أرض بدر استعدادا للمواجهة ، وحيث

__________________

(١) نهج البلاغة لعبده : الكلمات القصار الكلمة ٢١٤ ، ويقول السيد الرضيرضي‌الله‌عنه : معنى ذلك أنه اذا عظم الخوف من العدوّ ، واشتد عضاض الحرب فرع المسلمون الى قتال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه فينزل الله عليهم النصر به ويؤمنون ممّا كانوا يخافونه بمكانه.

(٢) أي اهلكهم.

٧٢

أنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن عدد أفراد المسلمين ومبلغ استعداداتهم ، لذلك كلفوا « عمير بن وهب الجمحيّ » ـ وكان فارسا ماهرا في الاحصاء والتخمين ـ بأن يحزر ( ويقدر بالحدس ) عدد أصحاب محمّد.

فاستجال بفرسه حول عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رجع الى قريش وقال : ثلاثمائة رجل يزيدون أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى انظر أللقوم كمين ، أو مدد.

فضرب في الوادي حتى أبعد ولكنه لم ير شيئا.

فرجع الى قريش ثانية وهو يحمل لهم خبرا مرعبا إذ قال : ما وجدت شيئا ( أي كمينا او مددا وراء المسلمين ) ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا(١) تحمل المنايا ، نواضح(٢) يثرب تحمل الموت الناقع(٣) ، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم.

والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم ، فاذا اصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم!!!

وروى الواقدي عبارات عمير بنحو آخر إذ قال : قال عمير : والله ما رأيت جلدا ولا عددا ولا حلقة ولا كراعا ، ولكني رأيت قوما لا يريدون أن يئوبوا الى أهليهم ، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم ، زرق العيون كأنهم الحصى تحت الحجف(٤) (٥) .

وروى المجلسي ما قاله عمير بنحو ثالث إذ قال : قال عمير : ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمّظ الافاعي ما لهم ملجأ إلاّ سيوفهم ما أراهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم(٦) .

__________________

(١) وهي جمع بلية وهي الناقة او الدابة.

(٢) الابل يستقى عليها الماء.

(٣) الموت الثابت البالغ في الافناء.

(٤) الحجف جمع الحجفة وهي الترس.

(٥) المغازي : ج ١ ص ٦٢.

(٦) بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.

٧٣

اختلاف قادة قريش في امر القتال :

أوجدت كلمات عمير الفارس الشجاع ضجة كبرى بين رجال قريش وسادتها وزعمائها ، وانتاب الجميع خوف بالغ ورعب شديد من المسلمين.

فمشى حكيم بن حزام الى عتبة بن ربيعة ليقنعه بالعدول عن مقاتلة المسلمين ، فقال له : يا أبا الوليد إنّك كبير قريش وسيّدها ، والمطاع فيها ، هل لك إلى أن لا تزل تذكر فيها بخير الى آخر الدهر ، ترجع بالناس وتحمل أمر ( دم ) حليف عمرو بن الحضرمي ، وما أصاب محمّد من ماله ببطن نخلة(١) إنكم لا تطلبون من محمّد شيئا غير هذا الدم والمال؟!

فاقتنع عتبة برأي حكيم ، فجلس من فوره على جمله ، ووقف يخطب في المشركين من قريش بنطق جميل وبليغ يقول : يا قوم أطيعوني ولا تقاتلوا هذا الرجل وأصحابه ( يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، يا معاشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ، إن محمّدا له آل ( أي قرابة ) وذمة وهو ابن عمكم فخلّوه والعرب ، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمّدا وأصحابه شيئا ، والله لئن اصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو خاله أو رجلا من عشيرته ، فارجعوا وخلّوا بين محمّد وسائر العرب ، فان أصابوه فذاك الذي أردتم وان كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون(٢) .

وانطلق حكيم بن حزام الى أبي جهل وأخبره برأي عتبة ومقالته ، هذا وأبو جهل يهين درعه ، فانزعج أبو جهل من مقالة عتبة وموقفه انزعاجا شديدا وثارت ثائرته حسدا على عتبة ، وتعنتا عن الحق(٣) ، وبعث من فوره رجلا إلى عامر بن الحضرمي أخي عمرو الذي قتل في غزوة عبد الله بن جحش بنخلة

__________________

(١) إشارة الى ما جرى في سرية عبد الله بن جحش.

(٢) المغازي : ج ١ ص ٦٣ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٣ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.

(٣) قال صاحب المغازي : فحسده أبو جهل حين سمع خطبته وقال : ان يرجع الناس من خطبة عتبة يكن سيد الجماعة ، وعتبة انطق الناس!!!

٧٤

وقال له : هذا حليفك ( عتبة ) يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم وانشد خفرتك(١) ومقتل ( أو دم ) أخيك.

فقام عامر وكشف عن رأسه ، وأخذ يحثو التراب على رأسه ، وصاح مستغيثا وا عمراه وا عمراه ، تحريكا للناس وإثارة لمشاعرهم.

فهاج الناس لمنظر عامر وثارت مشاعرتهم لندبته ، وأجمعوا على الحرب ، وتناسوا اقتراح عتبة ، ونصيحته البليغة الحكيمة لهم.

ولكن عتبة هذا الذي كان يميل الى اعتزال الجيش وترك الحرب ، هاجت مشاعره هو الآخر فقام من فوره ولبس لامة حربه واستعد لقتال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه(٢) .

وهكذا نجد كيف يتضاءل نور العقل عند هبوب رياح العاطفة الملتهبة ، والمشاعر الثائرة الباطلة وتنطفئ شعلة الفكر ، ولا يعود يضيء لصاحبه درب المستقبل حتى أن الرجل الذي كان قبل قليل داعية السلام ، والتعايش الاخوي يتحول تحت تأثير ذلك الهياج العاطفي ، العابر ، الاحمق إلى أول مبادر الى القتال وسفك الدماء وازهاق الارواح!!!

ما الذي حتّم القتال؟

لما أبصر الاسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا شرسا سيئ الخلق ـ الحوض الذي بناه المسلمون عند البئر لشربهم قال : اعاهد الله لاشربن من حوضهم أو لا هدمنّه أو لأموتنّ دونه!!

ثم خرج من بين صفوف المشركين وشد حتى دنا من الحوض فاستقبله حمزة ، ولما التقيا ضربه بسيفه حمزة فاطار قدمه ، وهو دون الحوض فوقع على الأرض تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد ان يشرب منه أو ان

__________________

(١) اي اطلب من قريش الوفاء بخفرتهم وعهدهم لك لأنه كان حليفا لهم.

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٣ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.

٧٥

يبر يمينه ، فاتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

فتسببت هذه الحادثة في أن يصبح القتال امرا مسلّما وحتميا ، لانه ليس ثمة شيء يقدر على تحريك المشاعر ، واثارة العواطف ودفع الناس للقتال كسفك الدم.

فالذين كان الغيظ والحنق على المسلمين يكاد يقتلهم ، وكانوا يبحثون عن ذريعة يشعلون بها نيران الحرب ويفجّرون فتيلها قد حصلوا الآن على ما يريدون(١) .

المبارزات الفردية أولا :

كان التقليد المتّبع عند العرب في الحروب أن يبدأ القتال بالمبارزات الفرديّة ثم تقع بعدها الحملات الجماعية.

فلما قتل الاسود المخزومي خرج ثلاثة فرسان من صناديد قريش المعروفين من صفوف الجيش المكي ودعوا الى المبارزة.

وهؤلاء الصناديد الثلاثة هم :

١ ـ عتبة(٢) .

٢ ـ شيبة.

وهما ابنا ربيعة بن عبد شمس.

٣ ـ الوليد بن عتبة بن ربيعة.

فأخذوا يجولون في ميدان القتال ويدعون الى المبارزة ، فخرج إليهم من المسلمين فتية من الأنصار ثلاثة وهم « عوف » و « معوذ » ابنا الحارث و « عبد الله بن رواحة ».

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٧ و ١٤٨.

(٢) وعتبة هذا هو الذي اقترح الانسحاب وعدم القتال كما عرفت. ويروى انه لما خرج قال له حكيم بن حزام : أبا الوليد مهلا ، مهلا تنهى عن شيء وتكون أوّله!! ( المغازي : ج ١ ص ٦٧ ).

٧٦

ولما عرف عتبة أنهم من رجال المدينة قال : ما لنا بكم من حاجة.

ثم نادى مناديهم : يا محمّد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة ، وقم يا عليّ ».

فقاموا ، وخرجوا للمبارزة ، ولما دنوا منهم ، سألهم عتبة عن أسمائهم فعرّف أبطال الاسلام أنفسهم وذكروا أسماءهم.

فقال رجال المشركين الثلاثة : نعم أكفاء كرام.

ويرى البعض أنه بارز كلّ من هؤلاء الثلاثة من كان على سنّه من الكفار فبارز عليّعليه‌السلام الوليد ( خال معاوية بن أبي سفيان ) وبارز حمزة ( وهو أوسطهم ) عتبة ( جدّ معاوية لامّه ) وبارز عبيدة ( وهو أسنّ الثلاثة ) شيبة وهو أسنّ الكفار الثلاثة.

غير أن ابن هشام يقول : بارز « حمزة » شيبة ، وبارز « عبيدة » عتبة ، وبارز « عليّ » الوليد بن عتبة(١) .

وهذا يعني أن حمزة ( الاوسط في السن ) قاتل الاسنّ من الكفار.

فأيّ القولين هو الأصح؟

إن ملاحظة أمرين توضح الحقيقة في هذا المجال :

الأوّل : إن المؤرخين كتبوا : أن عليا وحمزة قتلا خصميهما في الحال ، ثمّ ساعدا عبيدة على قتل خصمه(٢) .

الثاني : إن الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب في كتاب له الى معاوية :

« وعندي السيف الذي اعضضته بجدّك وخالك وأخيك في مقام

__________________

(١) راجع لمعرفة كلا الرأيين سنن البيهقي : ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٨ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٥ قال : وكرّ حمزة وعليّ بأسيافهما على عتبة.

٧٧

واحد »(١) .

فمن هذا الكتاب يتضح بجلاء أن الامامعليه‌السلام شارك ـ في قتل جدّ معاوية ( أي عتبة ) هذا من جانب.

كما أننا نعلم من جانب آخر أن كلا من حمزة وعليا قد قتل خصمه في اللحظة الاولى من المبارزة. فاذا كان خصم حمزة هو عتبة ( جدّ معاوية ) لم يكن ـ حينئذ ـ أي معنى لقول الامامعليه‌السلام : « أنا قتلت جدك ».

فلا مناص من أن نقول : إن الذي بارز حمزة هو شيبة ، وأن الذي بارز عبيدة هو عتبة ليصح حينئذ أن يقال أن عليا وحمزة ، ذهبا ـ بعد الفراغ من قتل خصميهما ـ الى عتبة وكرّا بأسيافهما عليه وقتلاه ، ثم احتملا صاحبهما « عبيدة » وأتيا به الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وبهذا تترجح النظرية الثانية ، والقاضية بعدم التكافؤ بين أسنان كلّ من المتبارزين.

الهجوم العامّ :

إثر مقتل صناديد قريش الثلاثة في المبارزة الفردية بدأ الهجوم العام.

فتزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض ، وقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم ، وأن يكتفوا برمي القوم بالنبال إذا اقتربوا منهم ليمنعوا من تقدّم العدوّ.

ثم نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من برج القيادة ( العريش ) وعدل صفوف أصحابه وفي يده سهم يعدّل القوم. فمر بسوّاد بن غزية ، وهو متقدم من الصف ، فطعن في بطنه بالسهم الذي معه وقال له : استو يا سوّاد.

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الكتب الرقم ٦٤ واعضضته به جعلته يعضه.

(٢) ثم إن المقصود من أخ معاوية الذي أشار الامام علي في كلمته الى قتله هو حنظلة بن أبي سفيان بن حرب راجع السيرة النبوية : ج ١ ص ٧٠٨ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٨ ص ١٩.

٧٨

فقال : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني ( أي اقتصّ ) لي من نفسك. فكشف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بطنه وقال : استقد ( أي أنت اقتصّ ) فاعتنقه سوّاد وقبّل بطنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على هذا؟

قال : يا رسول الله حضر ما ترى ( من القتال ) فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك.

فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخير(١) .

ثم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن عدّل الصفوف رجع الى غرفة العمليّات ( العريش ) فدخله وتوجّه إلى ربه بقلب مفعم بالإيمان يناشده ما وعده من النصر وقال في مناجاته لربه في تلك اللحظات :

« اللهمّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا »(٢) .

ولقد سجّلت المصادر التاريخية الاسلامية تفاصيل وجزئيات الهجوم العام ، الى درجة ما ، إلاّ أنّ من المسلّم المقطوع به أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينزل من العريش أحيانا ويحرّضهم على القتال والمقاومة. فقد قال في احدى هذه المرات :

« والّذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، إلاّ أدخله الله الجنّة ».

ولقد كانت كلمات القائد الاعلى هذه تفعل فعلتها في النفوس ، فتثير الهمم ، وتوجد شوقا عجيبا الى الشهادة في المقاتلين المسلمين ، حتى أن أحدهم ويدعى « عمير بن الحمام » أخو بني سلمة قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده تمرات ياكلهنّ يا رسول الله : بخ بخ ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنّة إلاّ أن يقتلني هؤلاء.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٦

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٧ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٩.

٧٩

ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه ، فقاتل القوم حتى قتل(١) .

ثم إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال :

« شاهت الوجوه ».

ثم نفحهم بها ، وأمر أصحابه ، فقال : شدّوا(٢) .

ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت بوادر انتصار المسلمين على أعدائهم المشركين فقد انتاب المشركين خوف ورعب شديدان ، وأخذوا ينهزمون أمام زحف المسلمين.

فقد كان المسلمون يقاتلون عن ايمان ، واخلاص ويعلمون بأنهم ينالون السعادة قتلوا أو قتلوا ، فلم يرهبوا شيئا ، وما كان يمنعهم شيء عن التقدم والإقبال.

رعاية الحقوق :

لقد كان لا بدّ من رعاية الحقوق بالنسبة الى طائفتين في معسكر المشركين :

الاولى : اولئك الذين احسنوا إلى المسلمين في مكة ، ودافعوا عنهم كأبي البختري الذي كان ممن قام في نقض الصحيفة الظالمة التي سبق الحديث عنها.

الثانية : أولئك الذين اكرهوا على الخروج من المشركين إلى بدر ، وكانوا يرغبون في قرارة أنفسهم في الاسلام مثل معظم رجال بني هاشم كالعباس بن عبد المطلب عم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

مصرع أميّة بن خلف :

ولقد اسّر « اميّة بن خلف » وابنه على يد عبد الرحمن بن عوف واذ كان بينه

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٧.

(٢) المصدر السابق : ص ٦٢٨ ، البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢٨٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

إني كنت أقعد من نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام ولم أفتوك بثمانية عشر يوما فقال رجل للحديث الذي روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن أسماء سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أتي بها ثمانية عشر يوما ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قلت له النفساء متى تصلي قال تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت وإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد قلت والحائض قال مثل ذلك سواء

_________________________________________

قال في المدارك : ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل الأخبار الواردة بالثمانية عشر على المبتدئة كما اختاره في المختلف ، أو بالتخيير بين الغسل بعد انقضاء العادة والصبر إلى ثمانية عشر ، فكيف كان فلا ريب في أن للمعتادة الرجوع إلى العادة لاستفاضة الروايات الواردة بذلك وصراحتها وإنما يحصل التردد في المبتدئة خاصة من الروايات الواردة بالثمانية عشر ، ومن أن مقتضى رجوع المعتادة إلى العادة كون النفاس حيضا في المعنى فيكون أقصاه عشرة ، وطريق الاحتياط بالنسبة إليها واضح.

الحديث الرابع : صحيح.

اعلم أنه قد اختلف عبارات الأصحاب في بيان المتوسطة والكثيرة كما أومأنا إليه سابقا فيظهر من بعضهم اشتراط التجاوز عن الكرسف في المتوسطة والخرقة في الكثيرة ، ومن بعضهم ظهور اللون خلف الكرسف وإن لم يصل الدم إلى الخرقة فإن وصل فهي كثيرة ، ولا يخفى أن هذا الخبر على الأخير أدل ، ويمكن أن يكون

٢٤١

فإن انقطع عنها الدم وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء ثم تصلي ولا تدع الصلاة على حال فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الصلاة عماد دينكم.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وأبو داود ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن يونس بن يعقوب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول تجلس النفساء أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلي.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين.

(باب)

(النفساء تطهر ثم ترى الدم أو رأت الدم قبل أن تلد)

١ ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما ثم تطهرت ثم رأت الدم بعد ذلك قال تدع الصلاة لأن أيامها أيام الطهر وقد جازت أيام النفاس.

_________________________________________

المراد بغسل واحد غسل انقطاع الحيض أي يكفيها ذلك الغسل ولا يحتاج إلى غسل آخر ويكون المراد بتجاوز الكرسف ثقبه.

الحديث الخامس : موثق.

الحديث السادس : موثق كالصحيح.

باب النفساء تطهر ثم ترى الدم أو رأت الدم قبل أن تلد

الحديث الأول : موثق ، ومحمد بن أبي عبد الله هو محمد بن جعفر بن عون الأسدي على الظاهر ، ويقال إنه غيره.

٢٤٢

٢ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيمعليه‌السلام عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ثم طهرت وصلت ثم رأت دما أو صفرة قال إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يومين فترى الصفرة أو دما فقال تصلي ما لم تلد فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر.

(باب)

(ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

والأمر بالغسل إما بالحمل على غير القليلة أو عليها أيضا استحبابا ، ولعل الخبر الأول محمول على ما إذا صادف العادة أو كان بصفة الحيض وهذا على عدمهما وهذا مما يدل على أن قول الأصحاب كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ليس على عمومه كما أومأنا إليه سابقا ، والله يعلم.

الحديث الثالث : موثق ، وعليه عمل الأصحاب.

باب ما يجب على الحائض في أول أوقات الصلاة

الحديث الأول : حسن.

ويدل على عدم جواز غسل الجمعة للحائض ، وعلى رجحان الوضوء لها في

٢٤٣

الله؟ قال أما الطهر فلا ولكنها تتوضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله.

٢ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وحماد ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل وإذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القرآن وذكرت الله عزوجل.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمار بن مروان ، عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلي.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد

_________________________________________

أوقات الصلوات وذكر الله بقدر الصلاة كما ظهر من غيره ، والمشهور فيها الاستحباب ، وظاهر المصنف الوجوب كما نقل عن ابن بابويه أيضا لحسن زرارة ، وهو مع عدم صراحته في الوجوب محمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة ولو لم يتمكن من الوضوء ففي مشروعية التيمم لها قولان أظهرهما العدم.

الحديث الثاني : مجهول كالصحيح ويدل على ما مر وعلى استحباب الوضوء عند الأكل أيضا ويمكن أن يراد بالوضوء عند الأكل غسل اليد.

الحديث الثالث : حسن.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

والفراغ بمعنى القصد جاء متعديا باللام أيضا قال في القاموس : فرغ له وإليه قصده ، ويمكن أن يكون الفراغ بمعناه المشهور واللام سببية. وأن تكون تتفرغ فحذفت منه إحدى التائين يقال : تفرغ أي تخلى من الشغل. وقال في المنتهى

٢٤٤

في موضع طاهر وتذكر الله عز وجل وتسبحه وتحمده وتهلله كمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها.

(باب)

(المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها أو تطهر قبل)

(دخول وقتها فتتوانى في الغسل)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن الفضل بن يونس قال سألت أبا الحسن الأولعليه‌السلام قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة قال إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب عليها أن تصلي الظهر وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر قال وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك

_________________________________________

ينبغي أن يراد من اللام في لحاجتها معنى إلى لينتظم مع المعنى المناسب هنا لتفرغ وهو تقصد ففي القاموس فرغ إليه قصد.

باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها أو تطهر قبل دخول وقتها فتتوانى في الغسل

الحديث الأول : موثق.

ويدل علي أن مناط القضاء إدراك وقت الفضيلة كما ذهب إليه بعض الأصحاب ، ويظهر من المصنف أيضا اختيار هذا القول ، والمشهور أن الحكم منوط بوقت الإجزاء في الأول والأخر وهو أحوط.

قولهعليه‌السلام : « وما طرح الله عنها » الغرض رفع الاستبعاد عن الحكم بأنه كيف لا تقضي الظهر مع أنه يمكنها الإتيان بها وبالعصر إلى الغروب مرارا فأجابعليه‌السلام بأن مدار الوجوب والقضاء على حكم الشارع فكما أنه حكم بعدم قضاء ما فات

٢٤٥

عن الصلاة فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر لأن وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر فضيعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن معمر بن يحيى قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلي الأولى؟ قال : لا إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة قال إذا رأت المرأة الطهر وقد دخل عليها وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى تدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها فإذا طهرت في وقت وجوب الصلاة فأخرت الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ثم رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها.

٤ ـ ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________

في أيام الحيض مع كثرته فكذا حكم بعدم قضاء ما لم تدرك جزءا من وقت فضيلتها طاهرا ، ويدل على أنه لا يكفي لوجوب قضاء الظهر إدراك مقدار الطهارة والصلاة من أول الوقت بل لا بد من خروج وقت الفضيلة وهي طاهر لأنه كان لها التأخير ما دام وقت الفضيلة باقيا فلا يلزمها القضاء لعدم التفريط بخلاف ما إذا خرج وقت الفضيلة فإنها فرطت بالتأخير عنه فيلزمها القضاء فتدبر.

الحديث الثاني : مجهول ، وفي بعض النسخ معمر بن يحيى فالخبر صحيح.

وقال الفاضل التستري (ره) لعل هذا عند تضيق الوقت بحيث لم يبق وقت إلا للعصر وإلا فالظاهر أن وقت الإجزاء موسع.

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : حسن.

٢٤٦

قال : قال أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلي الصلاة التي دخل وقتها.

٥ ـ ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي الورد قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المرأة تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم قال تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من مسجد فإذا طهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب.

(باب)

(المرأة تكون في الصلاة فتحس بالحيض)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المرأة تكون

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « ودخل وقت صلاة أخرى » يمكن حمله على وقت الاختصاص لكن ظاهر هذه الأخبار كلها وقت الفضيلة كما فهمه المصنف (ره).

الحديث الخامس : حسن.

وعمل بمضمونه الصدوق (ره) قال العلامة (ره) في المختلف : والتحقيق في ذلك أنها إن فرطت بتأخير الصلاة في الموضعين وجب عليها قضاء الصلاة فيهما وإن لم تفرط لم يجب عليها شيء في الموضعين ، والرواية متأولة على من فرطت في المغرب دون الظهر ، وإنما يتم قضاء الركعة بقضاء باقي الصلاة ويكون إطلاق الركعة على الصلاة مجازا.

باب المرأة تكون في الصلاة فتحس بالحيض

الحديث الأول : موثق ويدل على عدم بطلان الوضوء بمس الفرج ، وعلى

٢٤٧

في الصلاة فتظن أنها قد حاضت قال : تدخل يدها فتمس الموضع فإن رأت شيئا انصرفت وإن لم تر شيئا أتمت صلاتها.

(باب)

(الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة)

١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان عمن أخبره ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام قالا الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن راشد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الحائض تقضي الصلاة قال لا قلت تقضي الصوم قال نعم قلت من أين جاء هذا قال إن أول من قاس إبليس.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصوم قال ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان ثم أقبل علي وقال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________

لزوم استعلام حالها إذا ظنت جريان الدم ويمكن حمله على الفضل لجواز البناء على الصلاة التي شرعت فيها صحيحة ، والأحوط العمل بالخبر وإن لم تكن صحيحة.

باب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وهذا الحكم أعني قضاء الصوم دون الصلاة إجماعي منصوص في عدة أخبار والفارق النص ، وقال في المدارك : والظاهر عدم الفرق بين الصلاة اليومية وغيرها واستثنى من ذلك الزلزلة لأن وقتها العمر وفي الاستثناء نظر يظهر من التعليل.

الحديث الثاني : ضعيف.

وكان استبعاده نشأ عن قياس الصلاة بالصوم فلذا أجابهعليه‌السلام برد القياس.

الحديث الثالث : حسن.

وكان المراد أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمرها أن تأمر النساء المؤمنات بذلك لأنهاعليها‌السلام

٢٤٨

كان يأمر بذلك فاطمةعليها‌السلام وكانت تأمر بذلك المؤمنات.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إن المغيرة بن سعيد روى عنك أنك قلت له إن الحائض تقضي الصلاة فقال ما له لا وفقه الله إن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محررا والمحرر للمسجد يدخله ثم لا يخرج منه أبدا «فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى » «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى » فلما وضعتها أدخلتها المسجد فساهمت

_________________________________________

كانت متبرئة من الحيض كما ورد في الأخبار أنها كانت كالحورية لا ترى الدم.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

ويحتمل أن يكون للمحرر في شرعهم عبادات مخصوصة تستوعب جميع أوقاتهم فلو كان عليها قضاء الصلوات التي فاتتها لزم التكليف بما لا يطاق ، ويحتمل أن يكون باعتبار أصل الكون في المسجد فإنه عبادة أيضا وهذا أظهر من العبارة كما لا يخفى ، ويمكن أن يكون هذا إلزاما على المخالفين بما كانوا يعتقدونه من الاستحسانات وإلا فيمكن أن يقال إنما سقط ههنا للضرورة ، ويمكن أن يقال : لما كان بناء استدلالهم على الحكم بوجوب قضاء كل عبادة فاتت عن المكلف فمنعهعليه‌السلام وذكر هذا سندا للمنع ولا يتوجه المنع على السند.

وقال بعض الأفاضل : يحتمل أنه كان في تلك الشريعة يجب على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في محل الفوات ، أو على من كانت في خدمة المسجد كما قد يفهم من قولهعليه‌السلام فهل كانت تقدر على أن تقضي تلك الأيام التي خرجت وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد فإن هذا الكلام مشعر بما ذكرته فهو في معنى هل تقدر على الخروج لأجل القضاء خارج المسجد أو كيف تبقى خارجه بعد الطهر لأجل القضاء وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد مع عدم مانع كالحيض وهو نظير اعتبار مثل وقت الفوات في هذه الشريعة عند من يعتبره ، ودون هذا الاحتمال احتمال عدم

٢٤٩

عليها الأنبياء فأصابت القرعة زكريا «وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا » فلم تخرج من المسجد حتى بلغت فلما بلغت ما تبلغ النساء خرجت فهل كانت تقدر على أن تقضي تلك الأيام التي خرجت وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد.

(باب)

(الحائض والنفساء تقرءان القرآن)

١ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وحماد ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الحائض تقرأ القرآن وتحمد الله.

_________________________________________

جواز فعل مثل القضاء في المسجد مع الخدمة فإنه يمكن اعتبارها في تلك الشريعة على وجه لا يجوز أو لا يسع معها القضاء.

قيل : ويحتمل أن يكون الكون في المسجد وخدمته على وجه لا يحصل معه إلا الصلاة المؤداة لا المقضية فلا وقت لقضاء ما فات مع ذلك ، ويحتمل أن يكون ذكر قصة مريم لفائدة أن الله سبحانه لم يكلف الحائض بقضاء الصلاة لهذه العلة ، ثم إنه يظهر من بعض الأخبار أنهاعليها‌السلام لم تكن ترى الدم كفاطمةعليها‌السلام فيمكن أن يكون الغرض إلزام مغيرة بما كان يعتقده في ذلك والله يعلم.

باب الحائض والنفساء تقرءان القرآن

الحديث الأول : مجهول كالصحيح.

وقال في المدارك عند قول المحقق الرابعة لا يجوز لها قراءة شيء من العزائم ويكره لها ما عدا ذلك الكلام في هذين الحكمين كما تقدم في الجنب ، ويستفاد من العبارة كراهة السبع المستثناة للجنب واستحسنه الشارح لانتفاء النص المقتضي للتخصيص وهو غير جيد ، بل المتجه إباحة قراءة ما عدا العزائم من غير كراهة بالنسبة إليها مطلقا لانتفاء ما يدل على الكراهة بطريق الإطلاق أو التعميم حتى يحتاج

٢٥٠

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال تقرأ الحائض القرآن والنفساء والجنب أيضا.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة قال إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن التعويذ يعلق على الحائض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن داود بن فرقد ، عن

_________________________________________

استثناء السبع إلى المخصص ، ورواية سماعة التي هي الأصل في كراهة قراءة ما زاد على السبع مختصة بالجنب فتبقى الأخبار الصحيحة المتضمنة لإباحة قراءة الحائض ما شاءت سالمة عن المعارض انتهى وهو جيد.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : صحيح.

والمشهور بين الأصحاب أنها لو تلت السجدة أو سمعتها يجب عليها السجود ، وخالف في ذلك الشيخ (ره) فحرم عليها السجود بناء على اشتراط الطهارة فيه ، ونقل عليه في التهذيب الإجماع والظاهر عدم الاشتراط تمسكا بإطلاق الأمر الخالي من التقييد وخصوص هذه الرواية ورواية أبي بصير.

الحديث الرابع : مجهول كالصحيح.

وكأنه محمول على الاستحباب للتعظيم ، ويظهر منه عدم حرمة استعمال مثل هذه الظروف من الفضة التي لا تسمى آنية عرفا ، والحديد وإن كان فيه كراهة لكن لا ينافي ذهاب كراهة حمل التعويذ وتخفيفها بسبب ذلك ، والله أعلم.

الحديث الخامس : حسن وآخره مرسل.

٢٥١

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن التعويذ يعلق على الحائض قال نعم لا بأس قال وقال تقرؤه وتكتبه ولا تصيبه يدها وروي أنها لا تكتب القرآن.

(باب)

(الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئا)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه فقال لأن الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه.

_________________________________________

ولا يخفى عدم دلالة الخبر على جواز الكتابة والقراءة للقرآن للحائض لأن التعويذ أعم منه إلا أن يستدل بعمومه أو إطلاقه ، وفيه دلالة على المنع من مس الأدعية والأسماء وسائر ما يجعل تعويذا وفي أكثرها على المشهور محمول على الكراهة فتأمل.

باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئا

الحديث الأول : صحيح.

والنهي عن الوضع محمول عند أكثر الأصحاب على التحريم ، وعند سلار على الكراهة ، والعمل على المشهور ، وذكر الأكثر أنه لا فرق في الوضع بين كونه من خارج المسجد أو داخله كما تقتضيه إطلاق الخبر.

٢٥٢

(باب)

(المرأة يرتفع طمثها ثم يعود وحد اليأس من المحيض)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأة ذهب طمثها سنين ثم عاد إليها شيء قال تترك الصلاة حتى تطهر.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام المرأة التي قد يئست من المحيض حدها خمسون سنة ، وروي ستون سنة أيضا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن طريف ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم

_________________________________________

باب المرأة يرتفع طمثها ثم يعود وحد اليأس من المحيض.

الحديث الأول : صحيح.

وظاهره ترك الصلاة بمجرد الرؤية ويمكن حمله على ما إذا صادف العادة.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور ، وأخره مرسل.

الحديث الثالث : صحيح.

ويظهر بانضمام الخبر السابق أن القرشية تيأس لستين ، ولم أجد رواية بإلحاق النبطية بالقرشية ، وفي شرح الشرائع أنه لم يوجد لها رواية مسندة ، وقال في المدارك : المراد بالقرشية من انتسب إلى قريش بأبيها كما هو المختار في نظائره ، ويحتمل الاكتفاء بالأم هنا لأن لها مدخلا في ذلك بسبب تقارب الأمزجة ومن ثم اعتبرت الخالات وبناتهن في المبتدئة وأما النبطية فذكرها المفيد ومن تبعه معترفين بعدم النص عليها ظاهرا ، واختلفوا في معناها ، والأجود عدم الفرق بينها وبين غيرها ، وقد أجمع الأصحاب وغيرهم على أن ما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضا ، وإنما

٢٥٣

ترحمرة إلا أن تكون امرأة من قريش.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حد التي قد يئست من المحيض خمسون سنة.

(باب)

(المرأة يرتفع طمثها من علة فتسقى الدواء ليعود طمثها)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن رفاعة بن موسى النخاس قال سألت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قلت أشتري الجارية

_________________________________________

الخلاف فيما يتحقق به اليأس ، وقد اختلف فيه كلام المصنف (ره) فجزم هنا باعتبار بلوغ الستين مطلقا ، واختار في باب الطلاق من هذا الكتاب اعتبار الخمسين كذلك. وجعله في النافع أشهر الروايتين ، ورجح في المعتبر الفرق بين القرشية وغيرها باعتبار الستين فيها خاصة والاكتفاء في غيرها بالخمسين ، واحتج عليه بمرسلة ابن أبي عمير ، وهي مع قصور سندها لا تدل على المدعى صريحا. والأجود اعتبار الخمسين مطلقا لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال في المعتبر : ورواه أيضا أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقد ورد بالستين رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الحجاج أيضا عن الصادقعليه‌السلام وفي طريقها ضعف فالعمل بالأول متعين. ثم إن قلنا بالفرق بين القرشية وغيرها فكل امرأة علم انتسابها إلى قريش وهو النضر بن كنانة أو انتفاؤها عنه فحكمها واضح ، ومن اشتبه نسبها كما هو الأغلب في هذا الزمان من عدم العلم بنسب غير الهاشميين فالأصل يقتضي عدم كونها قرشية ويعضده استصحاب التكليف بالعبادة إلى أن يتحقق المسقط.

الحديث الرابع : مجهول كالصحيح.

باب المرأة يرتفع طمثها من علة فتسقى الدواء ليعود طمثها.

الحديث الأول : صحيح.

٢٥٤

فتمكث عندي الأشهر لا تطمث وليس ذلك من كبر وأريها النساء فيقلن لي ليس بها حبل فلي أن أنكحها في فرجها فقال إن الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل فلا بأس أن تمسها في الفرج قلت فإن كان بها حبل فما لي منها قال إن أردت فيما دون الفرج.

٢ ـ ابن محبوب ، عن رفاعة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في الرحم فتسقى الدواء لذلك فتطمث من يومها أفيجوز لي ذلك وأنا لا أدري ذلك من حبل هو أو من غيره فقال لي لا تفعل ذلك فقلت له إنه إنما ارتفع طمثها منها شهرا ولو كان ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل فقال لي إن النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله وإن النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء فلا تسقها دواء إذا ارتفع طمثها شهرا وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه.

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « لا تفعل ذلك » لاحتمال كونه من الحمل.

قوله : « لو كان » الظاهر أن مراد السائل أنه لو كان بها حبل أيضا لما لم يجز أكثر من شهر لم يخلق بعد منه إنسان حتى يكون سقي الدواء موجبا لقتل إنسان بل هو تضييع نطفة كالعزل ، فأجابعليه‌السلام بالفرق بينهما بأن النطفة عند العزل لم تستقر في الرحم ، وأما إذا استقرت فتصير مبدأ لنشوء آدمي فيحرم تضييعه ، ويمكن أن يكون مراده أن الحمل لو كان فإنما هو من نطفة ضعيفة معزولة قد استقر قليل منها في الرحم بأن يكون قد علم أن مولاها السابق كان يعزل عنها ، والجواب حينئذ أن القليل والكثير إذا استقرت في الرحم تصير مبدأ للنشوء فيحترم لذلك ولا يخفى بعده فتأمل.

٢٥٥

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن داود بن فرقد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل اشترى جارية مدركة ولم تحض عنده حتى مضى لذلك ستة أشهر وليس بها حبل قال إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه.

(باب)

(الحائض تختضب)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل بن اليسع ، عن أبيه قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المرأة تختضب وهي حائض قال لا بأس به.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن محمد بن أبي حمزة قال قلت لأبي إبراهيمعليه‌السلام تختضب المرأة وهي طامث قال : نعم.

(باب)

(غسل ثياب الحائض)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن سورة بن كليب قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة الحائض أتغسل ثيابها التي لبستها في طمثها قال تغسل ما أصاب ثيابها من الدم وتدع ما سوى ذلك قلت

_________________________________________

الحديث الثالث : صحيح وكان الأنسب ذكرها في كتاب البيع.

باب الحائض تختضب.

الحديث الأول : حسن ، والمشهور الكراهة وعدم البأس لا ينافيها.

الحديث الثاني : صحيح وفي بعض النسخ بعد قوله عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن أبي حمزة فالخبر ضعيف على المشهور.

باب غسل ثياب الحائض.

الحديث الأول : حسن ، وعليه عمل الأصحاب.

٢٥٦

له وقد عرقت فيها قال إن العرق ليس من الحيض.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عقبة بن محرز ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الحائض تصلي في ثوبها ما لم يصبه دم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالحعليه‌السلام قال سألته أم ولد لأبيه فقالت جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي منه فقال سلي ولا تستحيي قالت أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره فقال اصبغيه بمشق حتى يختلط ويذهب.

(باب)

(الحائض تناول الخمرة أو الماء)

١ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الحائض تناول الرجل الماء فقال قد كان بعض نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تسكب عليه الماء وهي حائض وتناوله الخمرة.

تم كتاب الحيض من كتاب الكافي «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » وصلى الله على محمد وآله.

_________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : مجهول.

والظاهر أنه لما لم يكن عبرة باللون بعد إزالة العين ويحصل من رؤية اللون أثر في النفس فلذا أمرهاعليه‌السلام بالصبغ لئلا تتميز وترتفع استنكاف النفس ، ويحتمل أن يكون الصبغ بالمشق مؤثرا في إزالة الدم ولونه لكنه بعيد ، والمشق طين أحمر.

باب الحائض تناول الخمرة أو الماء.

الحديث الأول : كالصحيح.

وقال في الصحاح : الخمرة بالضم سجادة صغيرة من سعف.

٢٥٧

[بسم الله الرحمن الرحيم]

(كتاب الجنائز)

(باب)

(علل الموت وأن المؤمن يموت بكل ميتة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال عمن حدثه ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان الناس يعتبطون اعتباطا فلما كان زمان إبراهيمعليه‌السلام قال يا رب اجعل للموت علة يؤجر بها الميت ويسلى بها عن المصاب قال فأنزل الله عز وجل الموم وهو البرسام ثم أنزل بعده الداء.

_________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الجنائز

باب علل الموت وأن المؤمن يموت بكل ميتة.

الحديث الأول : مرسل.

وقال في الصحاح : يقال عبطت الناقة وعتبطتها إذا ذبحتها وليست بها علة ، وقال مات فلان عبطة أي صحيحا شابا ، وقال في النهاية : الموم البرسام مع الحمى وقال البرسام بالكسر علة يهذي فيها.

قولهعليه‌السلام : « بعده الداء » أي سائر الأمراض.

٢٥٨

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن عاصم بن حميد ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان الناس يعتبطون اعتباطا فقال إبراهيمعليه‌السلام يا رب لو جعلت للموت علة يعرف بها ويسلى عن المصاب فأنزل الله عز وجل الموم وهو البرسام ثم أنزل الداء بعده.

٣ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن سعدان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول الحمى رائد الموت وهو سجن الله في الأرض وهو حظ المؤمن من النار.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن محمد بن الحصين ، عن محمد بن الفضيل ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مات داود النبيعليه‌السلام يوم السبت مفجوءا فأظلته الطير بأجنحتها ومات

_________________________________________

الحديث الثاني : مختلف فيه.

قوله : « يعرف بها » أي وروده قبله فيهيء أموره بالوصية وغيرها ، ويمكن أن يكون قوله : « يؤجر بها » الميت في الخبر السابق شاملا لذلك أيضا فإنه يؤجر بسبب أصل المرض وبسبب ما يصير المرض سببا لإيقاعه من الأعمال الصالحة والوصية والتوبة وغيرها ، وإنما ارتكبنا ذلك لأن الراوي في الخبرين واحد والقصة واحدة وسائر المضامين مشتركة.

الحديث الثالث : مجهول.

وفي الصحاح الرائد الذي يرسل في طلب الكلاء انتهى. والمراد أنها تأتي لتهيئة منزل الموت ولإعلام الناس بنزوله كما أن بقدوم الرائد يستدل الناس على قدوم القوم.

الحديث الرابع : مجهول.

وفي الصحاح التيه المفازة يتاه فيها.

٢٥٩

موسى كليم اللهعليه‌السلام في التيه فصاح صائح من السماء مات موسىعليه‌السلام وأي نفس لا تموت؟.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر والحسن بن محبوب ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن موت الفجأة تخفيف عن المؤمن وأخذة أسف عن الكافر.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد أو غيره ، عن علي بن حديد ، عن الرضاعليه‌السلام قال أكثر من يموت من موالينا بالبطن الذريع.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن ، عن الهيثم بن أبي مسروق ، عن شيخ من أصحابنا يكنى بأبي عبد الله ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحمى رائد الموت وسجن الله تعالى في أرضه وفورها من جهنم وهي حظ كل مؤمن من النار.

_________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : « وأخذه أسف » أي أخذه توجب تأسفه ويمكن أن يقرأ بكسر السين قال في النهاية : في حديث ـ موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذه أسف للكافر أي ـ أخذه غضب أو غضبان ، يقال أسف يأسف أسفا فهو أسف إذا غضب.

الحديث السادس : ضعيف.

وفي القاموس : البطن محركة داء البطن ، وفي الصحاح : قتل ذريع أي سريع انتهى. والمراد هنا الإسهال الذي يتواتر الدفع فيه فيقتل ، أو الأعم منه ومن الأدواء التي تحدث بسبب كثرة الأكل كالهيضة والقولنج وأشباههما.

الحديث السابع : مرسل.

وفي القاموس فار العرق فورانا هاج انتهى. وكون فورها من جهنم لعله على المجاز أي لشدتها كأنها من جهنم ، أو أنها تنبعث من الخطايا التي توجب النار

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778