مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول4%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66676 / تحميل: 5294
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

________________________________________________________

والبيان كقوله تعالى: «إلّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ »(١) أيّ بينا وأخبرنا بذلك.

إذا ظهر هذا فنقول للأشعريّ: ما تعنّي بقولك أنّه تعالى قضى أعمال العباد وقدّرها؟ أنّ أردت به الخلق والإيجاد فقد بيّنا بطلانه، وأنّ الأفعال مستندة إلينا وأنّ عنى به الإلزام لم يصحّ إلّا في الواجب خاصّة، وأنّ عنى به أنّه تعالى بينها وكتبها وعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح لأنّه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته، وهذا المعنى الأخير هو المتعيّن للإجماع على وجوب الرّضا بقضاء الله تعالى وقدره، ولا يجوز الرّضا بالكفر وغيره من القبائح ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرّضا به من حيث أنّه فعله، وعدم الرّضا به من حيث الكسب، لبطلأنّ الكسب أولا، وثانيا نقول: أنّ كان الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرّضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم، وأنّ لم يكن بقضاء وقدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر « انتهى ».

وقال شارح المواقف: اعلم أنّ قضاء الله عندّ الأشاعرة هو إرادته الأزليّة المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال، وقدره إيجاده إيّاها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها، وإمّا عندّ الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أنّ يكون عليه الوجود حتّى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمّى عندهم بالعناية الّتي هي مبدء لفيضأنّ الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها، والقدر عبارة عن خروجهاً إلى الوجود العينيّ بأسبابها على الوجه الّذي تقرر في القضاء، والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد، ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم بل إلى اختيار العباد وقدرتهم « انتهى ».

__________________

(١) سورة النمل: ٥٧.

١٦١

________________________________________________________

وقال السيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه في كتاب الغرر والدرر: أنّ قال قائل: ما تأويل قوله تعالى: «وَما كان لِنَفْسٍ أنّ تُؤْمِنَ إلّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ »(١) فظاهر الكلام يدّل على أنّ الإيمان إنّما كان لهم فعله بإذنه وأمره وليس هذا مذهبكم فأنّ حمل الإذن ههنا على الإرادة اقتضى أنّ من لم يقع منه الإيمان لم يرده الله تعالى منه، وهذا أيضاً بخلاف قولكم: ثمّ جعل الرجس الّذي هو العذاب على الذين لا يعقلون، ومن كان فاقداً عقله لا يكون مكلفاً فكيف يستحق العذاب وهذا بالضدَّ من الخبر المرويّ عن النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه قال: أكثر أهل الجنّة البله.

يقال له: في قوله: إلّا بإذن الله وجوه:

« منها » أنّ يكون الإذن الأمر، ويكون معنى الكلام أنّ الإيمان لا يقع من أحدّ إلّا بعد أنّ يأذن الله فيه ويأمرّ به، ولا يكون معناه ما ظنّه السّائل من أنّه لا يكون للفاعل فعله إلّا بإذنه، ويجري هذا مجرى قوله تعالى: «وَما كان لِنَفْسٍ أنّ تَمُوتَ إلّا بِإِذْنِ اللهِ »(٢) ومعلوم أنّ معنى قوله ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه وأنّ كان الأشبه في الآية الّتي فيها ذكر الموت أنّ يكون المراد بالإذن العلم.

ومنها: أنّ يكون هو التوفيق والتيسير والتسهيل، ولا شبهة في أنّ الله تعالى يوفّق لفعل الإيمان ويلطف فيه ويسهّل السبيل إليه.

ومنها: أنّ يكون الإذن العلم من قولهم أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته، وآذنت فلاناً بكذا وكذا إذا أعلمته، فتكون فائدة الآية الأخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات، وأنّه ممّن لا تخفى عليه الخفيّات، وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أنّ يكون الإذن بكسر الألف وتسكين الذّال عبارة عن العلم، وزعم أنّ الّذي هو العلم

__________________

(١) سورة يونس: ١٠٠.

(٢) سورة آل عمران: ١٤٥.

١٦٢

________________________________________________________

الاَذَنَ بالتحريك، واستشهد بقول الشاعر: « أنّ همّي في سماع وأذن » وليس الأمرّ على ما توهّمه هذا المتوهّم، لأنّ الإذن هو المصدر، والإذن هو اسم الفعل، ويجري مجرى الحذر في أنّه مصدر، والحذر بالتسكين الاسم على أنّه لو لم يكن مسموعاً إلّا الإذن بالتحريك لجاز التسكين، مثل مَثَل ومِثل وشَبَه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.

ومنها: أنّ يكون الإذن العلم ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الإيمان وما يدعو إلى فعله فيكون معنى الآية: وما كان لنفس أنّ تؤمن إلّا بإعلام الله تعالى لها ما يبعثها على الإيمان، ويدعوها إلى فعله، فإمّا ظنّ السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل، لأنّ الإذن لا يحتمل الإرادة في اللغة، ولو احتملها أيضاً لم يجب ما توهمه لأنّه إذا قال أنّ الإيمان لم يقع إلّا وأنا مريد له لم ينف أنّ يكون مريداً لـمّا لم يقع وليس في صريح الكلام ولا في دليله شيء من ذلك.

فإمّا قوله تعالى: «وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ » فلم يعن به الناقصي العقول، وإنّما أراد تعالى الذين لم يعقلوا ويعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى والاعتراف بنبوة رسلهعليهم‌السلام والانقياد إلى طاعتهم ووصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها، كما قال تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ »(١) وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل، فإمّا الحديث الّذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنّقص والجنون وإنّما أراد البله عن الشر والقبيح، وسماهم بلهاء عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه لا من حيث فقد العلم به، ووجه تشبيه من هذه حاله بالأبله ظاهر.

__________________

(١) سورة البقرة: ١٨.

١٦٣

( باب المشيئة والإرادة )

١ - عليُّ بن محمّد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمّد بن سليمان الديلميّ، عن عليّ بن إبراهيم الهاشميّ قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول لا يكون شيء إلّا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى قلت ما معنى شاء قال ابتداء الفعل قلت ما معنى قدر قال تقدير الشيء من طوله وعرضه قلت ما معنى قضى قال إذا قضى أمضاه فذلك الّذي لا مردّ له.

٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن

________________________________________________________

باب المشية والارادة

الحديث الأوّل: ضعيف، ورواه البرقيّ في المحاسن بسند صحيح هكذا: حدثني أبي عن يونس عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال: قلت: لا يكون إلّا ما شاء الله وأراد وقضى فقال: لا يكون إلّا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، قلت: فما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل قلت: فما معنى أراد؟ قال: الثبوت عليه، قلت: فما معنى قدر؟ إلى آخر الخبر ولعلّه سقط الإرادة من الكتاب.

وقولهعليه‌السلام : ابتداء الفعل، أيّ أول الكتابة في اللوح، أو أول ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه ممّا يؤدّي إلى وجود المعلول، وعلى ما في المحاسن يدّل على أنّ الإرادة تأكد المشيّة، وفي الله سبحانه يكون عبارة عن الكتابة في الألواح وتسبيب أسباب وجوده، وقوله: تقدير الشيء، أيّ تعيين خصوصياته في اللوح أو تسبيب بعض الأسباب المؤدية إلى تعيين المعلول وتحديده وخصوصياته « وإذا قضاه أمضاه(١) » أيّ إذا أوجبه باستكمال شرائط وجوده وجميع ما يتوقف عليه المعلول أوجدّه « وذلك الّذي لا مرد له » لاستحالة تخلف المعلول عن الموجب التام كذا قيل.

الحديث الثاني: موثّق كالصّحيح.

__________________

(١) في المتن: « إذا قضى أمضاه » ولعلّه نقله بالمعنى.

١٦٤

أبان، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام شاء وأراد وقدر وقضى قال نعم قلت وأحب قال لا قلت وكيف شاء وأراد وقدر وقضى ولم يحبُّ قال هكذا خرج إلينا.

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هكذا خرج إلينا، أيّ هكذا وصل إلينا من النبي وآبائنا الأئمة صلوات الله عليهم، ولـمّا كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحة، وكانت الحكمة تقتضي عدم بيأنّه للسائل اكتفىعليه‌السلام ببيان المأخذ النقلي عن التبيين العقلي.

وكلامهعليه‌السلام يحتمل وجوهاً:

الأوّل: أنّ يكون المراد بالقضاء والقدر والمشيّة والإرادة فيما يتعلّق بأفعال العباد علمه سبحانه بوقوع الفعل وثبته في الألواح السماويّة وشيء منها لا يصيّر سبباً للفعل وإمّا المحبة فهو أمره سبحانه بالشيء وإثابته عليه، فهو سبحانه لا يأمرّ بالمعاصي ولا يثيب عليها فصح إثبات القضاء وأخوانها مع نفي المحبّة.

الثاني: أن يقال لـمّا كانت المشيّة والإرادة وتعلّقهما بإيقاع الفعل في الإنسان مقارنا لمحبته وشوقه وميل قلبه إلى ذلك، توهم السائل أنّ له سبحانه صفة زائدة على ما ذكره، وهي المحبة والشوق وميل القلب، أجابعليه‌السلام بأنّه ليس له تعالى محبّة بل إسنادها إليه مجاز، وهي كناية عن أمره أو عدم نهيه أو ثوابه ومدحه.

الثالث: ما قيل: أنّ عدم المنافاة بين تعلّق الإرادة والمشيّة بشيء وأنّ لا يحبه لأنّ تعلق المشيّة والإرادة بما لا يحبه بتعلقهما بوقوع ما يتعلّق به إرادة العباد بإرادتهم وترتبه عليها، فتعلقهما بالذّات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتبها على إرادتهم وتعلقها بما هو مرادهم بالتبع ولا حجر في كون متعلقهما بالتبع شراُ غير محبوب له، فأنّ دخول الشر وما لا يحبه في متعلّق إرادته بالعرض جائز فأنّ كلّ من تعلق مشيته وإرادته بخير وعلم لزوم شر له شرية لا تقاوم خيريّته تعلقتا بذلك الشرّ بالعرض وبالتبع وذلك التعلق بالتبع لا ينافي أنّ يكون المريد خيراً محضاً، ولا يتّصف بكونه شريراً ومحبّاً للشرّ، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في شرح الأخبار الآتية.

١٦٥

٣ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن واصل بن سليمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول أمرّ الله ولم يشأ وشاء ولم يأمرّ أمرّ إبليس أنّ يسجد لآدم وشاء أنّ لا يسجد ولو شاء لسجد ونهى آدم عن أكلّ الشجرة وشاء أنّ يأكلّ منها ولو لم يشأ لم يأكل.

________________________________________________________

الحديث الثالث: مجهول.

قولهعليه‌السلام : وشاء أنّ لا يسجد. أقول: توجيه تلك الأخبار على أصول العدليّة لا يخلو من صعوبة وقد يوجه بوجوه:

الأوّل: حملها على التقيّة لكونها موافقة لأصول الجبريّة وأكثر المخالفين منهم ويؤيده ما رواه الصّدوق في العيون والتّوحيد بإسناده عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله أنّ الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لـمّا روي من الأخبار في ذلك من آبائك الأئمةعليهم‌السلام ؟ فقال: يا بن خالد أخبرني عن الأخبار الّتي رويت عن آبائي الأئمةعليهم‌السلام في التشبيه أكثر أم الأخبار الّتي رويت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك؟ فقلت: بل ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك أكثر، قال: فليقولوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول بالتشبيه والجبر إذا؟ قلت له: إنهم يقولون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل من ذلك شيئاً، وإنّما روي عليه، قالعليه‌السلام : فليقولوا في آبائيعليهم‌السلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً، وإنّما روي عليهم، ثمّ قالعليه‌السلام : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة، يا بن خالد إنّما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبنا « الخبر ».

الثاني: أنّ يقال: المراد بالمشيّة العلم، ويؤيده ما في كتاب فقه الرّضا حيث قالعليه‌السلام : قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد، وشاء الطاعة وأراد منهم، لأنّ المشيّة مشيّة الأمرّ ومشيّة العلم، وإرادته إرادة الرّضا وإرادة الأمر، أمرّ بالطاعة ورضي بها، وشاء المعصية يعنّي علم من عباده المعصية ولم يأمرهم بها « الخبر ».

١٦٦

________________________________________________________

الثالث: أنّ يقال: المراد بمشيّة الطاعة هداياته وألطافه الخاصّة الّتي ليست من ضروريات التكليف، وبمشيّة المعصية خذلأنّه وعدم فعل تلك الألطاف بالنسبة إليه وشيء منهما لا يوجب جبره على الفعل والترك، ولا ينافي استحقاق الثواب والعقاب.

الرابع: ما قيل: أنّ المراد تهيئة أسباب فعل العبد بعد إرادة العبد ذلك الفعل.

الخامس: أن يقال: لـمّا اقتضت المصلحة تكليف من علم الله منه المعصية وكلفه مع علمه بذلك ووكله إلى اختياره ففعل تلك المعصية فكأنّه شاء صدوره منه، وكذا في الطاعة إذا علم عدم صدوره منه، فسمّي ذلك مشيّة مجازا، وهذا مجاز شائع كما إذا أمرّ المولى عبده بأوامرّ وخيره في ذلك ومكنه على الفعل والترك مع علمه بأنّه لا يأتي بها، فيقال له: أنت فعلت ذلك إذ كنت تعلم أنّه لا يفعل ومكنته ووكلته إلى نفسه.

السادس: أنّ يقال أنّ المراد بمشيته عدم جبره على فعل الطاعة أو ترك المعصية وبعبارة أخرى سمى عدم المشيّة مشيّة العدم كما سيأتي في كلام الصّدوق (ره) وهذا قريب من الوجه السابق بل يرجع إليه.

السابع: أنّه إسناد للفعل إلى العلّة البعيدة، فأنّ العبد وقدرته وأدواته لـمّا كانت مخلوقة لله تعالى فهو جلَّ وعلا علّة بعيدة لجميع أفعاله.

الثامن: ما أومأنا إليه في الخبر السابق من المشيّة بالتبع، وربّما يحقق بوجه أوضح حيث حقق بعضهم الأمرّ بين الأمرين، أنّ فعل العبد واقع بمجموع القدرتين، قدرة الله وقدرة العبد، والعبد لا يستقل في إيجاد فعله بحيث لا دخل لقدرة الله تعالى فيه، بمعنى أنّه أقدر العبد على فعله بحيث يخرج عن يده أزمة الفعل المقدور للعبد مطلقاً، كما ذهب إليه المفوضة أو لا تأثير لقدرته فيه، وأنّ كان

١٦٧

________________________________________________________

قادراً على طاعة العاصي جبراً لعدم تعلق إرادته بجبره في أفعاله الاختيارية كما ذهب إليه المعتزلة وهذا أيضاً نحو من التفويض وليس قدرة العبد بحيث لا تأثير له في فعله أصلاً، سواء كانت كاسبة كما ذهب إليه الأشعريّ، ويؤول مذهبه إلى الجبر، أم لا تكون كاسبة أيضاً بمعنى أنّ لا تكون له قدرة واختيار أصلاً، بحيث لا يكون فرق بين مشي زيد وحركة المرتعش كما ذهب إليه الجبرية، وهم جهم بن صفوان ومن تبعه.

فهذا معنى الأمرّ بين الأمرين، ولـمّا كان مشيّة العبد وإرادته وتأثيره في فعله جزءا أخيرا للعلّة التامة، وإنّما يكون تحقق الفعل والترك مع وجود ذلك التأثير وعدمه فينتفي صدور القبيح عنه تعالى، بل إنّما يتحقق بالمشيّة والإرادة الحادثة، وبالتأثير من العبد الّذي هو متمم للعلّة التامة، ومع عدم تأثير العبد والكف عنه بإرادته واختياره لا يتحقق فعله بمجرد مشيّة الله سبحانه وإرادته وقدره إذ لم يتحقق مشيّة وإرادة وتعلق إرادة منه تعالى بذلك الفعل مجردا عن تأثير العبد فحينئذ الفعل لا سيما القبيح مستندّ إلى العبد، ولـمّا كان مراده تعالى من أقداره العبد في فعله وتمكينه له فيه صدور الأفعال عنه باختياره وإرادته إذا لم يكن مانع أيّ فعل أراد واختار من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، ولم يرد منه خصوص شيء من الطاعة والمعصية، ولم يرد جبره في أفعاله ليصحّ تكليفه لأجلَّ المصلحة المقتضية له، وكلفه بعد ذلك الأقدار بإعلامه بمصالح أفعاله ومفاسده في صورة الأمرّ والنهي، لأنهما منه تعالى من قبيل أمرّ الطبيب للمريض بشرب الدواء النافع ونهيه عن أكلّ الغذاء الضار، فمن صدور الكفر والعصيأنّ عن العبد بإرادته المؤثرة واستحقاقه بذلك العقاب لا يلزم أنّ يكون العبد غالبا عليه تعالى، ولا يلزم عجزه تعالى كما لا يلزم غلبة المريض على الطبيب ولا عجز الطبيب إذا خالفه المريض وهلك، ولا يلزم أنّ يكون في ملكه أمرّ لا يكون بمشيّة الله تعالى وإرادته، ولا يلزم الظلم في عقابه، لأنّه فعل

١٦٨

________________________________________________________

القبيح بإرادته المؤثرة وطبيعة ذلك الفعل توجب أنّ يستحق فاعله العقاب.

ولـمّا كان مع ذلك الإعلام من الأمرّ والنهي بوساطة الحججعليهم‌السلام اللطف والتوفيق في الخيرات والطاعات من الله جلَّ ذكره فما فعل الإنسان من حسنة فالأوّلى أنّ يسندّ وينسب إليه تعالى لأنّه مع أقداره وتمكينه له وتوفيقه للحسنات أعلمه بمصالح الإتيان بالحسنات ومضار تركها والكف عنها بأوامره، وما فعله من سيئة فمن نفسه لأنّه مع ذلك أعلمه بمفاسد الإتيان بالسيّئات ومنافع الكف عنها بنواهيه وهذا من قبيل إطاعة الطبيب ومخالفته فأنّه من أطاعه وبرأ من المرض يقال: عالجه الطبيب، ومن خالف وهلك يقال: أهلك نفسه بمخالفته للطبيب.

فمعنى قوله: أمرّ الله ولم يشأ، أنّه أعلم العباد وأخبرهم بالأعمال النافعة لهم كالإيمان والطاعة، ولم يشأ صدور خصوص تلك الأفعال عنهم، كيف ولو شاء ولم يصدر عن بعضهم لزم عجزه ومغلوبيته تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، بل إنّما شاء صدور الأفعال عنهم بقدرتهم واختيارهم أيّ فعل أرادوه، فما شاء الله كان.

ومعنى قوله: شاء ولم يأمر، أنّه شاء صدور الأفعال عن العباد باختيارهم أيّ فعل أرادوه، ولم يأمرّ بكلّ ما أرادوا بل نهاهم عن بعضه وأعلمهم بمضرته كالكفر والعصيان.

فقوله: أمر إبليس أنّ يسجد لآدم، أيّ أعلمه بأنّ سجدته لآدم نافع له، وكفه عنه ضار له، وشاء أنّ لا يسجد يعنّي لم يشأ خصوص السجود عنه، ولو شاء خصوص السجود عنه لسجد، لاستحالة عجزه وغلبة إبليس عليه، بل إنّما شاء صدور أيهما كان من السجود وتركه، أيّ كفه بإرادته واختياره، ولـمّا لم يسجد إبليس، أيّ كف عن السجود بإرادته، فهو تعالى لأجلَّ ذلك شاء كفه، ولـمّا كان الكف إنّما يتحقق بمشيّة إبليس وإرادته المؤثرة وهي جزء أخير للعلّة التامة فلذا يستحق إبليس الذم والعقاب، والقبيح صادر عنه لا عن الله تعالى، وكذا الكلام في نهي آدم عن أكلّ الشجرة.

١٦٩

٤ - عليُّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد الهمدانيّ ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال أنّ لله إرادتين ومشيئتين إرادة حتم وإرادة عزم ينهى وهو يشاء ويأمرّ وهو لا يشاء أوما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أنّ يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ أنّ يأكلا لـمّا غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى وأمرّ إبراهيم أن يذبح

________________________________________________________

أقول: هذا ما حققه بعضهم وله وجهان:

« الأوّل »: أنّ يكون المراد أنّه تعالى يوجد الفعل بعد إرادة العبد لقولهم: لا مؤثر في الوجود إلّا الله، فإرادة العبد شرط لتأثيره تعالى، وهذا مخالف لقول الإماميّة بل عندهم أنّ أعمال العباد مخلوقة لهم.

« والثاني »: أنّ يكون العباد موجدين لأعمالهم بشرط عدم حيلولته سبحانه بينهم وبين الفعل، ولتوفيقه وخذلانه سبحانه أيضاً مدخل في صدور الفعل، لكن لا ينتهي إلى حدّ الإلجاء والاضطرار، ونسبة المشيّة إليه سبحانه لتمكينهم وأقدارهم وعدم منعهم عنه لمصلحة التكليف فيرجع إلى بعض الوجوه السّابقة، وهو موافق لمذهب الإمامية، والله تعالى يعلم حقائق الأمور.

الحديث الرابع: مجهول، وقال الصّدوق نوّر الله ضريحه في كتاب التّوحيد بعد إيراد هذا الخبر: أنّ الله تعالى نهى آدم وزوجته عن أنّ يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلأنّ منها لكنّه عزّ وجلَّ شاء أنّ لا يحول بينهما وبين الأكلّ منها بالجبر والقدرة، كما منعهما من الأكلّ منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما ولو شاء عزّ وجلَّ منعهما من الأكلّ بالجبر، ثمّ أكلا منها لكان مشيتهما قد غلبت مشيّة الله كما قال العالم: تعالى الله عن العجز علوّاً كبيراً « انتهى ».

والكلام في هذا الخبر كالكلام في سابقه والمراد بإرادة الحتم الإرادة المستجمعة لشرائط التأثير المنجزّة إلى الإيجاب والإيجاد، وكذا المشيّة، والمراد بإرادة العزم الإرادة المنتهية إلى طلب المراد والأمرّ والنهّي، وينفكّ أحدهما عن الآخر كما

١٧٠

إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لـمّا غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى.

٥ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن درست بن أبي منصور، عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول شاء وأراد ولم يحبُّ ولم يرض - شاء أنّ لا يكون شيء إلّا بعلمه وأراد مثل ذلك ولم يحبُّ أنّ يقال ثالث ثلاثة ولم يرض «لِعِبادِهِ الْكُفْرَ »

٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال قال أبو الحسن الرّضاعليه‌السلام قال الله يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء

________________________________________________________

مرّ، وهذه الرّواية تدلّ على أنّ الذّبيح إسحاق، وقد اتّفق عليه أهل الكتابين، وذهب إليه بعض العامة وقليل من أصحابنا، ولعلّ الكليني (ره) أيضاً مال إليه، والمشهور أنّه إسماعيلعليه‌السلام وعليه دلت الأخبار المستفيضة، ويمكن حمل هذا الخبر على التقية، وربّما يأول بأنّهعليه‌السلام أمرّ أوّلاً بذبح إسحاق ثمّ نسخ وأمرّ بذبح إسماعيل، والإقدام على الذبح وفعل مقدماته إنّما وقع فيه.

وروى الصّدوققدس‌سره هذا الخبر في التوحيد، وفيه هكذا: وأمرّ إبراهيم بذبح ابنه وشاء أنّ لا يذبحه وليس فيه ذكر واحد منهما.

الحديث الخامس: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : أنّ لا يكون شيء إلّا بعلمه، قيل: أيّ شاء بالمشيّة الحتمية أنّ لا يكون شيء إلّا بعلمه، وعلى طباق ما في علمه بالنظام الأعلى وما هو الخير والأصلح ولوازمها، وأراد الإرادة الحتمية مثل ذلك ولم يحبُّ الشرور اللازمة التابعة للخير والأصلح، كان يقال: ثالث ثلاثة، وأنّ يكفر به ولم يرض بهما وقيل: لم يحبُّ ولم يرض أيّ لم يأمرّ بهما بل جعلهما منهيّاً عنهما، ولم يجعلهما بحيث يترتّب عليهما النفع، بل بحيث يترتّب عليهما الضرر، وتمام الكلام في ذلك قد مرّ في شرح الأخبار السّابقة.

الحديث السادس: صحيح.

قوله سبحانه: بمشيتي، أي بالمشيّة الّتي خلقتها فيك وجعلتك مريداً شائياً،

١٧١

وبقوّتي أدّيت فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعاً بصيراً قويّاً؛ ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وذاك أنّي أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، وذاك أنّني لا أسأل عمّا أفعل وَهُمْ يُسْئَلُونَ .

________________________________________________________

أو بما شئت أنّ أجعلك مختارا مريداً وبقوتي الّتي خلقتها فيك أديت فرائضي، وقيل لعلّ المراد بها القوّة العقلانية « وبنعمتي » الّتي أنعمتها عليك من قدرتك على ما تشاء، والقوي الشهوانية والغضبية الّتي بها حفظ الأبدأنّ والأنواع وصلاحها « قويت على معصيتي » وقوله « جعلتك سميعاً بصيراً » ناظر إلى الفقرة الثانية، وقوله: قويّاً إلى الثالثة.

وقوله: «ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ » لأنّه من آثار ما أفيض عليه من جانب الله «وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ » لأنّه من طغيانها بهواه.

وقوله: وذاك أني أولى بحسناتك منك « إلخ » بيان للفرق، مع أنّ الكلّ مستندّ إليه ومنتهى به بالأخرة، وللعبد في الكلّ مدخل بالترتب على مشيته وقواه العقلانية والنفسانية، بأنّ ما يؤدي إلى الحسنات منها أولى به سبحانه، لأنّه من مقتضيات خيريّته سبحانه وآثاره الفائضة من ذلك الجناب بلا مدخلية للنفوس إلّا القابليّة لها، وما يؤدي إلى السيّئات منها أولى بالأنفس لأنها مناقص من آثار نقصها لا تستندّ إلى ما فيه منقصة.

وقوله: « وذاك أني(١) لا أسأل عمّا أفعل «وَهُمْ يُسْئَلُونَ » بيان لكونه أولى بالحسنات بأنّ ما يصدر ويفاض من الخير المحض من الجهة الفائضة منه لا يسأل عنه، ولا يؤاخذ به فأنّه لا مؤاخذة بالخير الصرف، وما ينسب إلى غير الخير المحض ومن فيه شرية ينبعث منه الشر يؤاخذ بالشر، فالشرور وأنّ كانت من حيث وجودها منتسبة إلى خالقها، فمن حيث شريتها منتسبة إلى منشإها وأسبابها القريبة المادية، هذا ما ذكره بعض الأفاضل في هذا المقام.

ويمكن أنّ يقال: كونه تعالى أولى بحسناته لأنها بألطافه وتوفيقاته وتأييداته

__________________

(١) وفي المتن « وذاك أنّني » بنونين.

١٧٢

( باب الابتلاء والاختبار )

١ - عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حمزة بن محمّد الطيّار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من قبض ولا بسط إلّا ولله

________________________________________________________

ويمكن أنّ يكون قولهعليه‌السلام : بقوتي إشارة إلى ذلك أيضاً، وللعبد مدخلية ضعيفة فيها بإرادته واختياره بخلاف المعاصي، فإنها وأنّ كانت بالقدرة والآلات والأدوات الّتي خلقها الله فيه وله، لكنّه سبحانه لم يخلقها للمعصية بل خلقها للطاعة، وصرفها في المعصية موجب لمزيد الحجّة عليه، وإمّا خذلأنّه ومنع التوفيق فليس فعلاً منه تعالى بل ترك فعل لعدم استحقاقه لذلك واختيار المعصية بإرادته وسوء اختياره، فظهر أنّ العبد أولى بسيئاته منه سبحانه.

وقوله: « وذاك أنّي » يمكن أنّ يكون تفريعا لا تعليلاً، أيّ لأجلَّ ما ذكر لا يسأل سبحانه عن معاصي العباد ولا يعترض عليه وهم يسألون، ولو كان تعليلاً يحتمل أنّ يكون المراد أنّه لوضوح كمال علمه وحكمته ولطفه ورحمته ليس لأحدّ أنّ يسأله عن سبب فعله وحكمة التكاليف، والعباد لنقصهم وعجزهم وتقصيرهم يسألون، وليس على ما زعمه الأشاعرة من أنّ المراد أنّه لا اعتراض لأحدّ على المالك فيما يفعله في ملكه، والعالم ملكه تعالى وملكه فله أنّ يفعل فيه كلّ ما يريده سواء كان خيرا أو شرا أو عبثا، وهم لا يقولون بالمخصص والمرجح في اختياره تعالى لشيء، قائلين أنّ الإرادة يخصص أحدّ الطرفين من غير حاجة إلى المخصص والمرجح لأنّه لا يسأل عن اللمية، تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

باب الابتلاء والاختبار

الحديث الأوّل: حسن.

والقبض في اللغة: الإمساك والأخذ، والبسط: نشر الشيء ويطلق القبض على المنع والبسط على العطاء، ومن أسمائه تعالى القابض والباسط، لأنّه يقبض الرزق

١٧٣

فيه مشيئة وقضاء وابتلاء

٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن حمزة بن محمّد الطيار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّه ليس شيء فيه قبض أو بسط ممّا أمرّ الله به أو نهى عنه إلّا وفيه لله عزّ وجلَّ ابتلاء وقضاء.

( باب السعادة والشقاء )

١ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ الله خلق السعادة والشقاء قبل أنّ يخلق

________________________________________________________

عمّن يشاء ويبسطه لمن يشاء ويقبض الأرواح عندّ الممات ويبسطها عندّ الحياة.

وهنا يحتمل أنّ يكون المراد بهما ما هو من فعله تعالى كالقبض والبسط في الأرزاق بالتوسيع والتقتير، وفي النفوس بالسّرور والأحزان أو بإفاضة المعارف عليها وعدمها، وفي الأبدان بالصحة والألم، وفي الأعمال بتوفيق الإقبال إليها وعدمه، وفي الدعاء بالإجابة له وعدمها، وفي الأحكام بالرخصة في بعضها والنهي عن بعضها، أو ما هو من فعل العباد كقبض اليد وبسطها، والبخل والجود وأمثالها، فالمراد بالمشيّة والقضاء أحدّ المعاني المذكورة في الباب السابق، والابتلاء والامتحان والاختبار في حقه تعالى مجاز، أيّ يعاملهم معاملة المختبر مع صاحبه لا ليعلم مال حالهم وعاقبة أمرهم، لأنّه علام الغيوب، بل ليظهر منهم ما يستحقون به الثواب والعقاب.

الحديث الثاني: حسن.

باب السعادة والشقاء

الحديث الأول : مجهول كالصّحيح.

قوله: خلق السّعادة، السّعادة: ما يوجب دخول الجنّة والرّاحة الأبديّة واللّذات الدّائمة، والشقاوة ما يوجب دخول النّار والعقوبات الأبديّة والآلام الدّائمة، وقد تطلق السّعادة على كون خاتمة الأعمال بالخير، والشقاوة على كون

١٧٤

خلقه فمن خلقه الله سعيداً لم يبغضه أبداً وإن عمل شرّاً أبغض عمله ولم يبغضه وأنّ كان شقيا لم يحبّه أبداً وأنّ عمل صالحاً أحبّ عمله وأبغضه لـمّا يصيّر إليه فإذا أحبّ الله شيئاً لم يبغضه أبداً وإذا أبغض شيئاً لم يحبّه أبداً.

٢ - عليّ بن محمّد رفعه، عن شعيب العقرقوفيّ، عن أبي بصيّر قال كنت بين

________________________________________________________

الخاتمة بالشرّ، والمراد بخلق السّعادة والشقاوة تقديرهما بتقدير التكاليف الموجبة لهما، أو أنّ يكتب في الألواح السّماويّة كونه من أهل الجنّة، أو من أهل النّار، موافقاً لعلمه سبحانه، التابع لـمّا يختارونه بعد وجودهم وتكليفهم بإرادتهم واختيارهم والمراد بالخلق ثانياً الإيجاد في الخارج.

« فمن خلقه الله سعيداً » أيّ علّمه وقدرّه سعيداً، وخلقه عالماً بأنّه سيكون سعيداً.

« لم يبغضه أبداً » أيّ لا يعاقبه، ولا يحكم بكونه معاقباً.

« وإن عمل شرّاً أبغض عمله » أيّ يذم عمله، ويحكم بأنّ هذا الفعل ممّا يستحق به العقاب « ولم يبغضه » بأنّ يحكم بأنّ هذا الشخص مستحق للعقاب لعلمه سبحانه بأنّه سيتوب، ويصيّر من السعداء.

« وإن كان شقيّاً » في علمه تعالى بأنّ يعلم أنّه يموت على الكفر والضّلال « لم يحبّه أبداً » أيّ لا يحكم بأنّه من أهل الجنّة ولا يثني عليه، وأنّ عمل الأعمال الصّالحة لـما يعلم من عاقبته ولكن يحكم بأنّ عمله حسن عند ما يعمل صالحاً، وأنّ هذا العمل ممّا يستحقُّ عامله الثواب أنّ لم يعمل ما يحبطه « وأبغضه » أيّ يحكم بأنّه من أهل النار لـمّا يعلم من عاقبة أمره، فإذا أحبّ الله شيئاً سواء كان من الأشخاص أو الأعمال « لم يبغضه أبداً » وكذا العكس بالمعنى الّذي ذكرنا للحبّ والبغض.

الحديث الثاني: مرفوع وهو في غاية الصّعوبة والإشكال، وتطبيقه على مذهب العدلية يحتاج إلى تكلفّات كثيرة.

والعجب أنَّ الصّدوققدس‌سره رواه في التّوحيد ناقلاً عن الكليني بهذا

١٧٥

يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام جالساً وقد سأله سائلُ فقال جعلت فداك يا ابن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتّى حكم الله لهم في علمه بالعذاب على عملهم فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام أيّها السائل حكم الله عزّ وجلَّ لا يقوم له أحدٌ من خلقه

________________________________________________________

السّند بعينه هكذا: عن أبي بصيّر قال: كنت بين يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام جالساً وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا بن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتّى حكم الله لهم في علمه بالعذاب على عملهم؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أيها السائل علم الله عزّ وجلَّ لا يقوم أحدّ من خلقه بحقه، فلـمّا علم بذلك وهب لأهل محبته القوّة على معصيتهم لسبق علمه فيهم، ولم يمنعهم أطاقه القبول منه، لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق، فوافقوا ما سبق لهم في علمه، وأنّ قدروا أنّ يأتوا خلالا ينجيهم عن معصيته، وهو معنى شاء ما شاء وهو سر، ولا أدري أنّ نسخته كانت هكذا أو غيره ليوافق قواعد العدل، ويشكلّ احتمال هذا الظنّ في مثله.

وبالجملة على ما في الكتاب لعلّ حمله على التقية أو تحريف الرواة أولى ولنتكلم على الخبر ظاهراً وتأويلا، ثمّ نكلّ علمه إلى من صدر عنه ونسب إليه صلوات الله عليه.

فنقول: السؤال يحتمل وجوها:

« الأوّل »: أنّه سئل عن سبب أصل السّعادة والشقاوة وصيرورة بعض الخلق كفارا وبعضهم مؤمنين وفرقة فساقا وأخرى صالحين.

« الثاني » أنّ يكون الشبهة الواردة عليه من جهة أنّ العلم لـمّا كان تابعا للمعلوم فتوهم أنّه يجب تأخره عن المعلوم فكيف تقدّم عليه.

« الثالث »: أنّ يكون الشبهة عليه من جهة أنّ العلم إمّا حصولي أو حضوري وحصول الصورة لا يتصوّر في حقه تعالى، والحضور إنّما يكون بعد وجود المعلوم.

وحاصل الجواب على الأوّل أنّ حكم الله بالسّعادة والشقاوة وأسبابهما من غوامض مسائل القضاء والقدر، وعقول أكثر الخلق عاجزة عن الإحاطة بها، فلا يجوز

١٧٦

بحقّه ، فلـمّا حكم بذلك وهب لأهل محبّته القوّة على معرفته ووضع عنهم ثقل

________________________________________________________

الخوض فيها كما قال الصّدوق (ره) في رسالة العقائد: الكلام في القدر منهي عنه كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لرجلَّ قد سأله عن القدر؟ فقال: بحر عميق فلا تلجه، ثمّ سأله ثانية فقال: طريق مظلم فلا تسلكه، ثمّ سأله ثالثة فقال: سر الله فلا تتكلّفه وقالعليه‌السلام في القدر: إلّا أنّ القدر سر من سر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه، ورفعه فوق شهاداتهم، لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانيّة، ولا بقدرة الصّمدانيّة، ولا بعظمة النورانيّة، ولا بعزة الوحدانيّة، لأنّه بحر زاخر موّاج خالص لله عزّ وجل، عمقه ما بين السماء والأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات والحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضيء لا ينبغي أنّ يطلع عليها إلّا الواحد الفرد، فمن تطّلع عليها فقد ضاد الله في حكمه ونازعه في سلطانه وكشف عن سرّه وستره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير.

وإمّا على الثاني فالجواب عنه وأنّ كان ظاهراً إذ تابعية العلم لا تستدعي تأخره عن المعلوم زمانا، فلعلّه لم يجب عنه لقصور فهم السائل.

وإمّا الثالث فغموض المسألة وعجز أكثر الخلق عن الوصول إلى كنه علمه سبحانه ظاهر، وقد تحير فيه الحكماء والمتكلمون، ولم يأتوا فيه بشيء يسمن ويغني من جوع، وسبيل أهل الديانة فيه وفي أمثاله الإقرار به جملة، وعدم الخوض في كيفيته وترك التفكر في حقيقته فأنّه كما لا يمكن إدراك حقيقة ذاته تعالى، فكذا لا تصل عقول الخلق إلى كنه صفاته الّتي هي عين ذاته سبحانه.

ويحتمل أنّ يكون المراد أنّ تكاليفه تعالى شاقة لا يتيسر إلّا بهدايته وتوفيقه سبحانه « وهب لأهل محبته » الإضافة إلى الضمير إضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول، أيّ الذين أحبهم لعلمه بأنهم يطيعونه، أو الذين يحبونّه ووضع عنهم ثقل العمل

١٧٧

العمل بحقيقة ما هم أهله ووهب لأهل المعصية القوّة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاقة القبول منه فوافقوا ما سبق لهم في علمه ولم يقدروا أنّ يأتوا حإلّا تنجيهم من عذابه لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء ما شاء وهو سره

________________________________________________________

بالتوفيقات والهدايات والألطاف الخاصّة بحقيقة ما هم أهله، أيّ بحسب ما يرجع إليهم من النيات الصحيحة والأعمال الصالحة والطينات الطيبة « ووهب لأهل المعصية » الهبة هنا على سبيل التحكم أو يقال إعطاء أصل القوّة لطف ورحمة، وباستعمال العبد إيّاها في المعصية تصيّر شرا، أو أنهم لـمّا كانوا طالبين للمعصية راغبين فيها، فكأنهم سألوا ذلك ووهبهم والأوسط أظهر.

« القوّة على معصيتهم » أيّ المعصية الّتي يفعلونها بإرادتهم واختيارهم لسبق علمه فيهم، إذ علم أنّ التكليف لا يتم إلّا بإعطاء الآلة والقوة، وإلّا لكانوا مجبورين على الترك.

« ومنعهم أطاقه القبول منه » قيل: هو مصدر مضاف إلى الفاعل عطفا على ضمير فيهم، أيّ لعلمه بأنهم يمنعون أنفسهم أطاقه القبول، ولا يخفى ما فيه لفظا ومعنى.

أقول: ويحتمل أنّ يكون عطفا على السبق ويكون اللام فيهما لام العاقبة كما في قوله تعالى: «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا »(١) أيّ وهب لهم القوّة مع أنّه كان يعلم عدم إطاعتهم وتصييرهم أنفسهم بحيث كأنهم لا يطيقون القبول منه، أو منعهم بصيغة الماضي ويكون المراد ترك الألطاف الخاصّة، فلـمّا لم يلطف لهم فكأنّه منعهم القبول كما في قوله تعالى: «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ »(٢) وكذا قوله: ولم يقدروا، أيّ قدرة تامة لسهولة كما كانت للفريق الأوّل عندّ الألطاف الخاصّة، لأنّ علمه أولى بحقيقة

__________________

(١) سورة القصص: ٨.

(٢) سورة البقرة: ٧.

١٧٨

٣ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلّى بن عثمان، عن عليّ بن حنظلة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال يسلك بالسعيد في طريق الأشقياء حتّى يقول الناس ما أشبهه بهم بل هو منهم ثمّ يتداركه السّعادة وقد يسلك بالشقيّ في طريق السعداء حتّى يقول الناس ما أشبهه بهم بل هو منهم ثمّ يتداركه الشقاء أنّ من كتبه الله سعيداً

________________________________________________________

التّصديق، أيّ إنّما صاروا كذلك لأنّ علمه تعالى لا يتخلف، لا لأنّ العلم علة، بل لأنّ علمه سبحانه لا محالة يكون موافقاً للمعلوم، فمعنى مشيّة الله تعالى وسرّها هو هذا المعنى، أيّ علمه مع التوفيق لقوم والخذلان لآخرين على وجه لا يصيّر شيء منهما سبباً للإجبار على الطّاعة أو المعصية.

هذا غاية ما يمكن من القول في تأويل هذا الخبر وأنّ كان ظاهره أنّ الله لـمّا علم من قوم أنّهم يطيعونه سهل عليهم الطاعة، ولـمّا علم من قوم المعصية أنّ وكلوا إلى اختيارهم جعلهم بحيث لم يمكن أنّ يتأتى منهم الطاعة، والقول بظاهره لا يوافق العدل، وللسالكين مسالك الحكماء والصّوفيّة هيهنا تحقيقات طويلة الذيل، دقيقة المسالك لم نذكرها لئلّاً تتعلّق بقلوب نواقص العقول والأفكار والله يعلم حقائق الأسرار.

الحديث الثالث: مجهول.

قولهعليه‌السلام : يسلك بالسعيد، على بناء المفعول والباء للتعدية، والفاعل هو الله بالخذلأنّ أو الشيطأنّ « ما أشبهه بهم » تعجبّاً من كمال مشابهتهم بهم في الأعمال ثمّ يحكمون بعد تكرر مشاهدة ذلك أنّه منهم « أنّ من كتبه الله » أيّ علم الله منه السّعادة وكتب له ذلك في اللوح المحفوظ، لا لوح المحو والإثبات، فلا ينافي ما ورد في الأدعية الكثيرة « أنّ كنت كتبتني شقيّاً فامح من أم الكتاب شقائي » فأنّ المراد به لوح المحو والإثبات، والفواق بالضم وقد يفتح الفاء: ما بين الحلبتين من الوقت، لأنّ الناقة تحلب ثمّ تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثمّ تحلب، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضّرع.

١٧٩

وأنّ لم يبق من الدُّنيا إلّا فواق ناقة ختم له بالسّعادة.

باب الخير والشر

١ - عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب وعليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول أنّ ممّا أوحى الله إلى موسىعليه‌السلام وأنزل عليه في التوراة أنّي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا خلقت الخلق

________________________________________________________

والحاصل أنّ السّعادة والشقاوة الأخرويتّين إنّما تكون بحسن العاقبة وسوءها والمدار عليهما، فينبغي للإنسان أنّ يطلب حسن العاقبة ويسعى فيه، ويتضرّع إليه تعالى في أنّ يرزقه ذلك، رزقنا الله وسائر المؤمنين حسن عاقبة المتقين.

باب الخير والشر

الحديث الأوّل: صحيح.

والخير والشرّ يطلقان على الطاعة والمعصية وعلى أسبابهما ودواعيهما، وعلى المخلوقات النافعة كالحبوب والثمار والحيوانات المأكولة والضارة كالسّموم والحيّات والعقارب، وعلى النعم والبلايا، وذهبت الأشاعرة إلى أنّ جميع ذلك من فعله تعالى، والمعتزلة والإماميّة خالفوهم في أفعال العباد، وأولوا ما ورد في أنّه تعالى خالق الخير والشر بالمعنيين الأخيرين.

قال المحقّق الطّوسيقدس‌سره : ما ورد أنّه تعالى خالق الخير والشر، أريد بالشر ما لا يلائم الطباع وأنّ كان مشتملاً على مصلحة، وتحقيق ما ذكره أنّ للشر معنيين: أحدهما: ما لا يكون ملائما للطبائع كخلق الحيوانات المؤذية، والثاني ما يكون مستلزما للفساد، ولا يكون فيه مصلحة، والمنفي عنه تعالى هو الشر بالمعنى الثاني لا الشر بالمعنى الأوّل، وقال الحكماء: ما يمكن صدوره من الحكيم إمّا أنّ يكون كله خيرا، أو كله شراً، أو بعضه خيرا وبعضه شرا، فأنّ كان كله خيرا وجب عليه تعالى خلقه، وأنّ كان كله شرّاً لم يجز خلقه، وأنّ كان بعضه خيرا وبعضه

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462