مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول4%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66797 / تحميل: 5305
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وخلقت الخير وأجريته على يدي من أحبّ فطوبى لمن أجريته علىيديه و أَنَا اللهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا خلقت الخلق وخلقت الشر وأجريته على يدي من أريده فويل لمن أجريته على يديه.

٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم، عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول أنّ في بعض ما أنزل الله من كتبه أنّي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا خلقت الخير وخلقت الشر فطوبى لمن أجريت على يديه الخير وويل لمن أجريت على يديه الشرّ وويلٌ لمن يقول كيف ذا وكيف ذا.

٣ - عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بكار بن كردم، عن مفضل بن عمرّ وعبد المؤمن الأنصاريّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزّ وجل

________________________________________________________

شرّاً فإمّا أنّ يكون خيره أكثر من شره، أو شره أكثر من خيره، أو تساويا، فأنّ كان خيره أكثر من شره وجب على الله خلقه، وأنّ كان شره أكثر من خيره أو كانا متساويين لم يجز خلقه، وما نرى من المؤذيات في العالم فخيرها أكثر من شرها.

ثمّ اعلم أنّ المراد بخلق الخير والشر في هذه الأخبار إمّا تقديرهما أو خلق الآلات والأسباب الّتي بها يتيسر فعل الخير وفعل الشر، كما أنّه سبحانه خلق الخمرّ وخلق في الناس القدرة على شربها، أو كناية عن أنهما يحصلأنّ بتوفيقه وخذلانه، فكأنّه خلقهما أو المراد بالخير والشر النعم والبلايا، أو المراد بخلقهما خلق من يعلم أنّه يكون باختياره مختارا للخير أو الشر، ولا يخفى بعد ما سوى المعنى الثاني والثالث، وإمّا الحكماء فأكثرهم يقولون لا مؤثر في الوجود إلّا الله، وإرادة العبد معدّة لإيجاده تعالى الفعل على يده، فهي موافقة لمذاهبهم ومذاهب الأشاعرة ويمكن حملها على التقية.

الحديث الثاني: حسن على الظّاهر.

الحديث الثالث: مجهول، ويدّل كالسّابق على النهي عن الخوض في هذه المسائل والاعتراض عليها.

١٨١

أَنَا اللهُ لا إِلهَ إلّا أَنَا خالق الخير والشر فطوبى لمن أجريت على يديه الخير وويلٌ لمن أجريت على يديه الشر وويل لمن يقول كيف ذا وكيف هذا قال يونس يعنّي من ينكر هذا الأمرّ بتفقّه فيه.

( باب )

( الجبر والقدر والأمر بين الأمرين )

١ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفّين إذ أقبل شيخٌ فجثا بين يديه - ثمّ قال له يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام أجلَّ يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا

________________________________________________________

وقوله: قال يونس، كلام محمّد بن عيسى وهو تفسير لقولهعليه‌السلام : من يقول كيف ذا وكيف ذا، أيّ كيف أجرى على يد هذا الخير وأجرى على يد هذا الشر؟ وغرض يونس أنّ الويل لمن أنكر كون خالق الخير والشرّ هو الله تعالى بتفقهه وعلمه إتّكالا على عقله، وإمّا من سأل عن عالم ليتضح له الأمر، أو يخطر بباله من غير حدوث شكّ له أو يؤمن به مجملاُ وهو متحير في معناه، معترف بجهل معناه لقصور عقله عن فهمه فلا ويل له.

باب الجبر والقدر والأمرّ بين الأمرين

الحديث الأوّل: مرفوع لكن رواه الصّدوق (ره) في العيون بأسانيد عنهعليه‌السلام ، ومذكور في رسالة أبي الحسن الثالثعليه‌السلام إلى أهل الأهواز، وسائر الكتب الحديثية والكلامية، وأشار المحقّق الطّوسي (ره) في التجريد إليه، ورواه العلامةقدس‌سره في شرحه عن الأصبغ بن نباتة بأدنى تغيير.

وصفّين كسجّين اسم موضع قرب الرقّة شاطئ الفرات، بها الواقعة العظمى

١٨٢

بقضاء من الله وقدر فقال له الشيخ عندّ الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال له مه يا شيخ فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.

فقال له الشيخ وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا فقال له وتظنّ أنّه كان قضاء حتماً وقدرا لازما أنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمرّ والنهي والزجر من

________________________________________________________

بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعاوية لعنه الله، وجثا كرمي أيّ جلس على ركبتيه، وقال الفيروزآبادي: التلعة، ما ارتفع من الأرض، ومسيل الماء « انتهى » وبطن الوادي أسفله، والمطمئن منه.

قوله: عندّ الله أحتسب عنائي، العناء بالفتح والمد: التعب والنصب، ويمكن أنّ يكون استفهإمّا إنكاريا، أيّ كيف أحتسب أجر مشقتي عندّ الله وقد كنت مجبوراً في فعلي؟ أو المعنى فلا نستحق شيئاً، ولعلّ الله يعطينا بفضله من غير استحقاق للتفضل أيضاً، وفي رواية الأصبغ بعده: ما أرى لي من الأجر شيئاً فيؤيد الثاني « فقال له: مه » أيّ اسكت والمسير مصدر ميمي بمعنى السير « وأنتم سائرون » أيّ بقدرتكم وإرادتكم المؤثرة « وفي مقامكم » أيّ بإزاء العدو بصفين « ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين » كما زعمته الجبرية الصرفة « ولا إليه مضطرين » كما ذهب إليه الأشاعرة كما سيأتي تحقيقهما، ولـمّا توهم الشيخ من الجوابين التدافع والتنافي قال: فكيف لم نكن « إلى آخره » فأجابعليه‌السلام بقوله: فتظنّ أنّه كان قضاء حتماً لا مدخل لاختيار العبد وإرادته فيه كما يقضي ويوجد الأشياء، ليس كذلك بل قضاءأنّ يخير العبد ويكله إلى إرادته، وأيده بما يستحقه من الألطاف الخاصّة حتّى أتى بالفعل وقد مرّ أنّه قد يحمل القضاء على العلم أو الثبت في الألواح السماوية، وشيء منها لا يصيّر سبباً للجبر والقدر، اللازم هو تعلق إرادته بفعله الّذي لا مدخل لإرادة الغير

١٨٣

الله وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن لائمةٌ للمذنب ولا محمّدة للمحسن ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب

________________________________________________________

فيه، وهنا ليس كذلك، ثمّ أبطل مذهب الجبرية والأشاعرة بقوله: أنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، لأنّ الثواب نفع مقارن للتعظيم والمحمّدة، والعقاب ضرر مقارن للإهانة واللوم، ولا يتصوران مع الجبر بمعنييه، وإلّا كان سفهاً، ثمّ بقوله: والأمرّ والنهي، لأنهما عبارتأنّ عن إعلام الناس بمصالح بعض الأعمال ومنافعها وبمفاسد بعضها ومضارها، ليختار العبد ما فيه المصلحة والمنفعة، ويترك ما فيه المفسدة والمضرة، وظاهر أنّ ذلك الإعلام في صورة الجبر وعدم تأثير الاختيار والإرادة سفه وعبث، تعالى عن ذلك.

ثمّ بقوله: والزّجر من الله، وزواجر الله: بلاياه النازلة على العصاة بإزاء عصيانهم، وأحكامه في القصاص والحدود ونحو ذلك والتقريب ظاهر ممّا مرّ.

ثمّ بقوله: وسقط الوعد والوعيد، أيّ المقصود منهما من إتيان الحسنات وترك السيّئات، لأنّ ذلك لا يعقل من المجبور في أفعاله، فالوعد والوعيد سفه وعبث، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ بقولهعليه‌السلام : فلم تكن لأئمة للمذنب ولا محمّدة للمحسن، لأنّ المحمّدة هو الثناء على الجميل الاختياري، واللائّمة ما يقابله من الذّم على القبيح الاختياري ومعلوم بديهة أنّه لا يستحقّهما المجبور.

وإمّا قولهعليه‌السلام : ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، فيحتمل وجوها: « الأوّل » أنّ يكون هذا متفرّعاً على الوجوه السابقة، أيّ إذا بطل الثواب والعقاب والأمرّ والنّهي والزجر والوعد والوعيد لكان المحسن أولى « إلخ » ووجه الأوّلوية أنّه لم يبق حينئذ إلّا الإحسان والعقوبة الدنيوية، والمذنب كالسلطان القاهر الصحيح الّذي يكون في غاية التنعّم يأتي

١٨٤

________________________________________________________

بكلّ ما يشتهيه من الشّرب والزّنا والقتل والقذف وأخذ أموال الناس وغير ذلك وليس له مشقة التكاليف الشرعيّة والمحسن كالفقير المريض الّذي يكون دائما في التعب والنصب، من التكاليف الشرعية من الإتيان بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات ومن قلة المؤنة وتحصيل المعيشة من الحلال في غاية المشقة فحينئذ الإحسان الواقع للمذنب أكثر ممّا وقع للمحسن، فهو أولى بالإحسان من المحسن، والعقوبة الواقعة على المحسن أكثر ممّا وقع على المذنب فهو أولى بالعقوبة من المذنب.

الثاني: أنّ يكون المعنى أنّه لو فرض جريأنّ المدح والذم واستحقاقهما واستحقاق الإحسان والإثابة والعقوبة وترتبها على الأفعال الاضطرارية الخارجة عن القدرة والاختيار، لكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن وبالعكس، لأنّ في عقوبة المسيء على ذلك التقدير جمع بين إلزامه بالسيّئة القبيحة عقلاً، وجعله مورداً لملامة العقلاء وعقوبة عليها وكلّ منهما إضرار وإزراء به وفي أثابه المحسن جمع بين إلزامه بالحسنة الممدوحة عقلا ويصيّر بذلك ممدوحاً عندّ العقلاء، وإثابته عليها وكلّ منهما نفع وإحسان إليه، وفي خلاف ذلك يكون لكلّ منهما نفع وضرر، وهذا بالعدل أقرب وذاك بخلافه أشبه.

الثالث: ما قيل أنّه إنّما كان المذنب أولى بالإحسان لأنّه لا يرضى بالذنب كما يدّل عليه جبره عليه، والمحسن أولى بالعقوبة لأنّه لا يرضى بالإحسان لدلالة الجبر عليه، ومن لا يرضى بالإحسان أولى بالعقوبة من الّذي يرضى به ولا يخفى ما فيه.

الرابع: أنّه لـمّا اقتضى ذات المذنب أنّ يحسن إليه في الدنيا بإحداث اللذات فيه، فينبغي أنّ يكون في الآخرة أيضاً كذلك لعدم تغيّر الذوات في النشأتين، وإذا اقتضى ذات المحسن المشقة في الدنيا وإيلامه بالتكاليف الشاقة ففي الآخرة أيضاً

١٨٥

تلك مقالة إخوأنّ عبدة الأوثأنّ وخصماء الرحمن وحزب الشيطان

________________________________________________________

ينبغي أنّ يكون كذلك.

الخامس: ما قيل لعلّ وجه ذلك أنّ المذنب بصدور القبائح والسيّئات منه متألم منكسر البال لظنه أنها وقعت منه باختياره، وقد كانت بجبر جابر وقهر قاهر فيستحق الإحسان، وأنّ المحسن لفرحانه بصدور الحسنات عنه وزعمه أنّه قد فعلها بالاختيار أولى بالعقوبة من المذنب، وفي حديث الأصبغ هكذا: ولم تأت لأئمة من الله لمذنب ولا محمّدة لمحسن، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء، ولا المسيء أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصّواب وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها.

« تلك مقالة إخوأنّ عبدة الأوثان » أيّ أشباههم، لأنّ عبدة الأوثان الذين كانوا في عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا جبريّة لقوله تعالى: «وَإِذا فَعلوّاً فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها »(١) أيّ جعلنا الله مجبوراً عليها وقوله: «وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ »(٢) وأمثال ذلك في القران كثيرة.

وقيل: إنّما كانوا إخوانهم لأنّ القول بما يستلزم بطلأنّ الثواب والعقاب في حكم القول بلازمه، والقول ببطلان الثواب والعقاب قول عبدة الأوثان، وإمّا كونهم خصماء الرحمن لأنهم نسبوا إليه سبحانه ما لا يليق بجنابة من الظلم والجور والعبث وأية خصومة وعداوة تكون أشد من ذلك. وقيل: إنكار الأمرّ والنهي إنكار للتكليف والمنكرون للتكاليف خصماء المكلف الآمرّ والناهي.

وقيل: لـمّا نسب الله سبحانه في آيات كثيرة أفعال العباد إليهم، وصرّح في كثير منها ببراءته من القبائح والظلم، وهؤلاء يقولون نحن برآء من القبائح وأنت تفعلها فلا مخاصمة أعظم من ذلك « وحزب الشيطأنّ » لأنّه لعنه الله قال: «رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي »

__________________

(١) سورة الأعراف: ٢٨.

(٢) سورة النحل: ٣٥. وأصل الآية هكذا «وقال الذين أشركوا لو شاء الله ».

١٨٦

وقدرية هذه الأمّة ومجوسها.

________________________________________________________

وأيضاً أنّه لعنه الله يبعثهم على تلك العقائد الفاسدة، أو لـمّا لزمهم بطلأنّ الأمرّ والنهي والتكليف فيجوز له متابعة الشيطأنّ في كلّ ما يدعوهم إليه، وقوله: وقدريّة هذه الأمة، يدّل على أنّ المجبرة هم القدرية، ولا خلاف بين الأمة في أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذم القدرية، لكن كلّ من الجبرية والتفويضية يسمون خصومهم بها، وفي أخبارنا أطلقت عليهما، وأنّ كان على التفويضية أكثر، قال في المقاصد: لا خلاف في ذم القدرية وقال شارحه: قد ورد في صحاح الأحاديث لعنة القدرية على لسان سبعين نبيّاً، والمراد بهم القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيته، سموا بذلك، لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه، وقيل: لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء، لأنّ المناسب حينئذ القدري بضم القاف، وقالت المعتزلة: القدرية هم القائلون بأنّ الشر والخير كله من الله تعالى وبتقديره ومشيته، لأنّ الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته ويقول به كالجبرية والحنفية والشافعية لا إلى ما ينفيه.

ورد بأنّه صح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: القدريّة مجوس هذه الأمة، وقوله: إذا قامت القيامة نادى مناد أهل الجمع: أين خصماء الله، فتقوم القدريّة، ولا خفاء في أنّ المجوس هم الذين ينسبون الخير إلى الله والشر إلى الشيطان، ويسمونهما: يزدان، وأهريمن، وأنّ من لا يفوّض الأمور كلّها إلى الله، ومعترض لبعضها فينسبه إلى نفسه، يكون هو المخاصم لله تعالى، وأيضاً من يضيف القدر إلى نفسه ويدّعي كونه الفاعل والمقدر أولى باسم القدري ممّن يضيفه إلى ربهّ.

فأنّ قيل: روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لرجلَّ قدم عليه من فارس: أخبرني بأعجب شيء رأيت؟ فقال: رأيت أقوإمّا ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم، فإذا قيل لهم: لم تفعلون ذلك؟ قالوا قضاء الله علينا وقدره؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ستكون في آخر أمتي أقوام يقولون بمثل مقالتهم، أولئك مجوس أمّتي، وروى الأصبغ بن نباتة: أنّ شيخا قام إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بعد انصرافه من صفّين ثمّ ذكر نحو هذا

١٨٧

________________________________________________________

الخبر إلى قوله «ذلِكَ ظنّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ » فقال الشيخ: وما القضاء والقدر اللذأنّ ما سرنا إلّا بهما؟ قال: هو الأمرّ من الله والحكم ثمّ تلا قوله تعالى «وَقَضى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ »(١) وعن الحسن بعث الله محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العرب وهم قدرية يحملون ذنوبهم على الله، ويصدقه قوله تعالى: «وَإِذا فَعلوّاً فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها »(٢) .

قلنا: ما ذكر لا يدّل إلّا على أنّ القول بأنّ فعل العبد إذا كان بقضاء الله تعالى وقدره وخلقه وإرادته، يجوز للعبد الإقدام عليه، ويبطل اختياره فيه واستحقاقه للثواب والعقاب والمدح والذم عليه قول المجوس، فلينظر أنّ هذا قول المعتزلة أم المجبرة، ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور، ومن وقاحتهم أنهم يروجون باطلهم بنسبته إلى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وأولاده رضي الله عنهم، وقد صح عنه أنّه خطب الناس على منبر الكوفة فقال: ليس منا من لم يؤمن بالقدر خيره وشره، وأنّه قال لمن قال: إني أملك الخير والشر والطاعة والمعصية؟ تملكها مع الله أو تملكها بدون الله؟ فأنّ قلت: أملكها مع الله فقد ادعيت أنك شريك الله، وأنّ قلت أملكها بدون الله فقد ادعيت أنك أنت الله؟ فتاب الرّجلَّ على يده.

وأنّ جعفر الصادقّعليه‌السلام قال لقدري: أقرء الفاتحة، فقرأ فلـمّا بلغ قوله: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » قال له جعفر: على ما ذا تستعين بالله وعندك أنّ الفعل منك، وجميع ما يتعلّق بالأقدار والتمكين والألطاف قد حصلت وتمت؟ فانقطع القدري والحمد لله رب العالمين « انتهى ».

وقال العلامةقدس‌سره في شرح التجريد بعد إيراد خبر الأصبغ: قال أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي: فوجه تشبيههعليه‌السلام المجبّرة بالمجوس من وجوه:

أحدها: أنّ المجوس اختصّوا بمقالات سخيفة واعتقادات واهية، معلومة البطلان

__________________

(١) سورة الإسراء: ٢٣.

(٢) سورة الأعراف: ٢٨.

١٨٨

________________________________________________________

وكذا المجبّرة.

وثانيها: مذهب المجوس أنّ الله تعالى يخلق فعله ثمّ يتبرأ منه، كما خلق إبليس وانتفى منه، وكذا المجبّرة قالوا: أنّ الله تعالى يفعل القبيح ثمّ يتبرأ منها.

وثالثها: أنّ المجوس قالوا: أنّ نكاح الأمهات والأخوات بقضاء الله وقدره وإرادته ووافقهم المجبرة، حيث قالوا: أنّ نكاح المجوس لأمهاتهم وأخواتهم بقضاء الله وقدره وإرادته.

ورابعها: أنّ المجوس قالوا: أنّ القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس والمجبرة قالوا: أنّ القدرة الموجبة للفعل غير متقدمة عليه، فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس « انتهى ».

أقول: وقد يعطف خصماء الرحمن على عبدة الأوثأنّ فالمراد بهم المعتزلة المفوضة أيّ الأشاعرة الجبرية إخوان المفوضة، الذين هم خصماء الرحمن، لأنهم يدعون استقلال قدرتهم في مقابلة قدرة الرحمن، وأنّهم يفعلون ما يريدون بلا مشاركة الله في أعمالهم بالتوفيق والخذلان، والأخوة بينهما باعتبار أنّ كلا منهما على طرف خارج عن الحقّ الّذي هو بينهما، وهو الأمرّ بين الأمرين، فهما يشتركان في البطلان، كما أنّ المؤمنين إخوة لاشتراكهم في الحق.

وقيل في وجه الأخوة: أنّه يقال للمتقابلين إنّهما متشابهأنّ كما قيل، أنّ قصّة سورة براءة تشابه قصة سورة الأنفال وتناسبها، لأنّ في الأنفال ذكر العهود وفي البراءة نبذها، فضمت إليها « انتهى » وعلى هذا يكون قوله: وحزب الشيطان، وقوله: قدرية هذه الأمة، وقوله: مجوسها، كلّها معطوفات على العبدة لا الإخوان، وأوصافاً للمفوّضة لا الجبريّة، على الوجوه المتقدمّة، ويكون الحديث مشتملاً على نفي طرفي الإفراط والتفريط معاً، وهذا الوجه وأنّ كان بعيداً لكنّه يكون أتم فائدة.

ويؤيده أيضاً ما رواه الصّدوق (ره) في التّوحيد بإسناده عن عليّ بن سالم عن

١٨٩

أنّ الله تبارك وتعالى كلف تخييراً - ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرهاولم يملّك مفوضاً ولم يخلق السماوات وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما

________________________________________________________

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرقي أتدفع من القدر شيئاً؟ فقال: هي من القدر، وقالعليه‌السلام : أنّ القدرية مجوس هذه الأمة، وهم الذين أرادوا أنّ يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ »(١) ويعضده أيضاً أنّ قدماء المحدّثين إنّما يطلقون القدرية على المفوضة كالمصنف، حيث قابل في عنوان الباب بين الجبر والقدر، وقد عد أصحاب الرجال من كتب هشام بن الحكم كتاب الجبر والقدر، وكتاب الرد على المعتزلة « أنّ الله كلف تخييرا » أيّ أمره جاعلاً له مخيراً بين الفعل والترك بإعطاء القدرة له على الإتيان بما شاء منهما، من غير إكراه وإجبار « ونهى تحذيراً » أيّ طلباً للاحتراز عن فعل المنهي عنه، لا بالإكراه على الترك « وأعطي على القليل كثيراً » ترغيباً إلى الطاعة وترك المعصية « ولم يعص مغلوبا » على بناء المفعول: أيّ لم يقع العصيأنّ عن طاعته بمغلوبيته عن العبد بل بما فيه الحكمة من عدم إكراهه وإجباره، أو لا يقع العصيأنّ بمغلوبية العاصي، فأنّه لا عصيان مع عدم الاختيار، « ولم يطع مكرها » على صيغة اسم الفاعل، أيّ لم تقع طاعته بإكراهه المطيع على الطاعة وربّما يقرأ على صيغة المفعول، فيكون ردا على المفوضة أيضاً، لأنّه إذا استقل العبد ولم يكن لتوفيقه تعالى مدخل في ذلك فكأنّه سبحانه مكره فيه.

ويمكن أنّ يقرأ الفعلأنّ على بناء الفاعل ويكون الفاعل المطيع والعاصي، وهما بعيدأنّ « ولم يملك » على بناء التفعيل والمفعول القدرة والإرادة والاختيار، أو على بناء الأفعال بمعنى إعطاء السّلطنة « مفوّضاً » بحيث لم يحصرهم بالأمرّ والنهي أو لم يكن له مدخل في أفعالهم بالتوفيق والخذلان ولم يخلق السّماوات، إلخ إشارة إلى قوله سبحانه: «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظنّ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة القمر: ٤٨.

١٩٠

باطِلاً ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثاً ، ذلِكَ ظنّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ، فأنشأ الشيخ يقول:

________________________________________________________

كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحاًتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ »(١) وهذا إمّا رد على عبدة الأوثان المذكورين سابقاً بتقريب ذكر إخوانهم، أو المجبّرة إذ الجبر يستلزم بطلأنّ الثواب والعقاب والتكليف المستلزم لكون خلق السّماوات والأرض عبثاً وباطلاً، أو المفوضة أيضاً لأنّ التفويض على أكثر الوجوه الآتية ينافي غرض الإيجاد، وكون بعثة الأنبياء والرسل مع الجبر باطلا ظاهر، بل مع التفويض على بعض الوجوه.

أقول: وروى الصّدوق في التّوحيد والعيون هذه الرواية عن أبي الحسن الثالث عن آبائهعليهم‌السلام ، وعن الصادقّ عن آبائهعليهم‌السلام بسندين آخرين وعن ابن عباس بسندّ آخر، وزاد في الرواية بالسندّ الأخير، فقال الشيخ: فما القضاء والقدر اللذأنّ ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلّا بهما؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الأمرّ من الله والحكم، ثمّ تلا هذه الآية «وَقَضى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً »(٢) أيّ أمرّ ربك.

وقال الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسيّ في كتاب الاحتجاج بعد إيراد هذه الرواية: وروي أنّ الرّجلَّ قال: فما القضاء والقدر الّذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال: الأمرّ بالطاعة، والنهي عن المعصية والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه والخذلأنّ لمن عصاه، والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، كلّ ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لأعمالنا، إمّا غير ذلك فلا تظنه فأنّ الظنّ له محيط للأعمال، فقال الرجل: فرجت عنّي بذلك يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، وفي رواية ابن نباتة الّذي أورده العلامة وغيره: فقال الشيخ: وما القضاء والقدر اللذان

__________________

(١) سورة ص: ٢٨.

(٢) سورة الإسراء: ٢٣.

١٩١

أنت الإمام الّذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

أوضحت من أمرنا ما كان ملتبساً

جزاك ربّك بالإحسان إحسانا

٢ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال من زعم أنّ الله يأمرّ بالفحشاء - فقد

________________________________________________________

ما سرّنا إلّا بهما؟ فقال: هو الأمرّ من الله تعالى والحكم، وتلا قوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ » فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول. وذكر البيتين.

الحديث الثاني: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : من زعم، أي ادّعى، وقال: وأكثر استعماله في الباطل « أنّ الله يأمرّ بالفحشاء » اقتباس من قوله تعالى: «وَإِذا فَعلوّاً فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ أنّ اللهَ لا يَأْمرّ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ »(١) .

قال بعض المفسّرين: الفاحشة: الفعلّة المتناهية في القبح كعبادة الصنم وكشف العورة في الطّواف حيث كان المشركون يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف في الثياب الّتي قارفنا فيها الذنوب، فكانوا إذا نهوا عنها اعتذروا واحتجّوا بأمرين: تقليد الآباء، والافتراء على الله، فأعرض عن الأوّل لظهور فساده، ورد الثاني بقوله: «قُلْ أنّ اللهَ لا يَأْمرّ بِالْفَحْشاءِ » أيّ بأمرّ يجد العقل السّليم قبحه، بل لا يأمرّ إلّا بمحاسن الأعمال والعقائد، فالأمرّ بمعناه، وقال الطبرسيّ (ره): قال الحسن: إنهم كانوا أهل إجبار فقالوا: لو كره الله ما نحن عليه الطبرسيّ (ره): قال الحسن: إنهم كانوا أهل إجبار فقالوا: لو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه، فلهذا قالوا: والله أمرنا بها فأقول: الأمرّ في الخبر أيضاً يحتمل الوجهين، فعلى الأوّل إشارة إلى فساد قول الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين، وتجويز أنّ يأمرّ بما نهى عنه ممّا يحكم العقل بقبحه، وأنّ يأمرّ بالسوء والفحشاء، فأنّ إبطال حكم العقل فيما يحكم به بديهة أو بالبرهأنّ باطل، والأمرّ بالقبيح قبيح، ومن جوز القبيح على الله فقد كذب عليه، وعلى الثاني رد على الأشاعرة أيضاً من حيث قولهم بالجبر.

__________________

(١) سورة الأعراف.

١٩٢

كذب على الله ومن زعم أنّ الخير والشر إليه فقد كذب على الله.

٣ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال سألته فقلت الله فوّض الأمرّ إلى العباد قال الله أعزّ من ذلك قلت فجبرهم على المعاصي قال الله أعدل وأحكم من ذلك قال ثمّ قال قال الله يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني - عملت المعاصي بقوتي الّتي جعلتها فيك.

٤ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن قال قال لي أبو الحسن الرّضاعليه‌السلام يا يونس لا تقل بقول القدرية فأنّ القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنّة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فأنّ أهل

________________________________________________________

وقوله: ومن زعم أنّ الخير والشرّ إليه، الظّاهر إرجاع الضمير إلى الموصول، فيكون ردا على المفوضة والمعتزلة القائلين باستقلال العبد في أفعاله، وعدم مدخلية الرب سبحانه فيها، وهذا أيضاً كذب على الله تعالى لمخالفته للآيات الكثيرة الدّالة على هدايته وتوفيقه وخذلأنّه ومشيته وتقديره، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الله فيكون ردا على المجبرة فينبغي حمل الفقرة الأوّلى حينئذ على المعنى الأوّل.

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور.

قوله: الله أعزّ من ذلك أيّ أغلب وأقدر من أنّ يكون غيره فاعلاً مستقلاً في ملكه، بغير مدخليّة له سبحانه في ذلك الفعل.

قوله: وأحكم، أيّ الجبر مناف للحكمة.

الحديث الرابع: مجهول.

والمراد بالقدريّة هنا من يقول بأنّ أفعال العباد ووجودها ليست بقدر الله وقضائه بل باستقلال إرادة العبد به واستواء نسبته إلى الإرادتين وصدور أحدهما عنه لا بموجب غير الإرادة كما ذهب إليه بعض المعتزلة، فإنهم لم يقولوا بقول أهل الجنّة من إسناد هدايتهم إليه سبحانه، ولا بقول أهل النار من إسناد ضلالهم إلى شقوتهم، وظاهره

١٩٣

الجنّة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الّذي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أنّ هَدانَا اللهُ وقال أهل النار ربّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ وقال إبليس رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي فقلت والله ما أقول بقولهم ولكني أقول لا يكون إلّا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى فقال يا يونس ليس هكذا لا يكون إلّا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى يا يونس تعلم

________________________________________________________

هنا أنّ المراد بالشقوّة ما يصيّر مرجّحاً للأعمال السيئة من خبث الطينة وقلّة العقل، وسوء الفهم، ممّا يرجع إلى العبد، أو هذا أيضاً يرجع إلى الله بناء على أنّ الله تعالى خالق السّعادة والشقاوة ومقدرّهما، ويحتمل أنّ يكون المراد بالشقوّة استحقاق العذاب بسبب الأعمال السيئة فإن. ذلك يصيّر سبباً لمنع اللطف والهداية الخاصّة، ولا بقول إبليس من إسناد الإغواء إليه سبحانه، وهذا الخبر يدّل على أنّ غرضه من الإغواء كان هو الخذلأنّ ومنع اللطف، إذ ظاهر الخبر أنّهعليه‌السلام استشهد بقوله وقول أهل النار لتقريره سبحانه إياهما، ويحتمل أنّ يكون غرضهعليه‌السلام أنهم اخترعوا قولاً ليس قول أهل الخير ولا قول أهل الشر.

قوله: ولكني أقول لا يكون إلّا بما شاء الله، أقول: في أكثر النسخ الباء موجودة في كلام يونس دون كلامهعليه‌السلام ، فالفرق بينهما بالباء إذ كلام يونس يدّل على العليّة والسببية واستقلال إرادة الله سبحانه ومشيته في فعل العبد، فيوهم الجبر فلذا أسقطعليه‌السلام الباء، وقيل: كان غرض يونس من إدخال الباء بيان أنّ الله تعالى أعطى العبد القدرة والاختيار، ثمّ هو فعل الفعل بما أعطاه الله وهو مستقل في الفعل، فأرادعليه‌السلام نفي التفويض فأسقط الباء، وفي بعض النسخ بدون الباء فلا يعقل فرق إلّا بنحو التقرير، لكن في تفسير عليّ بن إبراهيم: ولكني أقول لا يكون إلّا ما شاء الله وقضى وقدر، فقال: ليس هكذا يا يونس، ولكن لا يكون إلّا ما شاء الله وقدر وقضاء فيكون الاختلاف بينهما في الترتيب، فأنّ القدر مقدم على القضاء كما في الأخبار، فلذا غيرعليه‌السلام الترتيب ليكون الترتيب الذكري موافقاً للترتيب الواقعي، ولعلّ التوافق صدر من النساخ ثمّ ألحقوا الباء لحصول الاختلاف.

١٩٤

ما المشيئة قلت لا قال هي الذكر الأوّل فتعلم ما الإرادة قلت لا قال هي العزيمة على ما يشاء فتعلم ما القدر قلت لا قال هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء قال ثمّ قال والقضاء هو الإبرام وإقامة العين قال فاستأذنته أنّ أقبل رأسه وقلت فتحت لي شيئاً كنت عنه في غفلة.

٥ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمرّ اليماني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ الله خلق الخلق فعلم ما هم صائرون

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هي الذكر الأوّل، أيّ الإثبات مجملا في لوح المحو والإثبات، وقيل العلم القديم.

قوله: هي العزيمة، العزيمة: تأكد الإرادة، ولعلّ المراد بها هنا الإثبات ثانياً مع بعض الخصوصيات أو الأخذ في خلق أسباب وجوده البعيدة، وقيل: المعنى أنّ المشيّة فينا هي توجه النفس إلى المعلوم بملاحظة صفاته وأحواله المرغوبة، الموجبة لحركة النفس إلى تحصيله، وهذه الحركة النفسانية فينا وانبعاثها لتحصيله هي العزم والإرادة وفي الواجب تعالى ما يترتّب عليه أثر هذا التوجه، ويكون بمنزلته.

قولهعليه‌السلام : هي الهندسة، الهندسة: على وزن دحرجة مأخوذ من الهنداز ( معرّب انداز ) فأبدلت الزأيّ سينا لأنّه ليس في كلام العرب دال بعدها زاي، فالهندسة ( معرّب اندازه ) أيّ المقدار، والمهندس مقدر مجاري القناة حيث تحفر، ثمّ عمم في تحديد مجاري الأمور كلها، فالقدر إثبات خصوصيات ما أراد إيجاده في اللوح من أزمنة بقائه ووقت فنائه وأشباه ذلك، أو ترتيب أسباب وجوده إلى حيث ينتهي إلى علله الخاصّة المعينة لخصوصياته، أو فينا عبارة عن تعيين حدود ما يريده من عرضه وطوله وسمكه وإحكامه على وجه يبقى زمانا طويلا أو قصيرا، وفيه تعالى ما يناسبه من ترتيب الأسباب، والقضاء هو الإبرام أيّ إحكام المراد، وإقامة عينه أيّ إيجاده، وفي أفعال العباد إقدار العبد وتمكينه ورفع الموانع عنه.

الحديث الخامس: مجهول كالصحيح.

١٩٥

إليه وأمرهم ونهاهم فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ولا يكونون

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : فقد جعل لهم السبيل، قال بعض المحققّين: أيّ كلّ ما تعلق به الأمرّ جعل للمأمور سبيل إلى تركه بإعطاء القدرة له، وإمكان المأمور به.

فأنّ قيل: المأمور به واجب ضروري الوجود عندّ اجتماع أسباب وجوده وممتنع ضروري العدم عندّ عدم اجتماع أسباب الوجود، فلا إمكان له؟

قيل: المقصود الإمكان قبل الإرادة الحتمية، وهي من أسباب الوجود، فلا وجوب قبلها، ولزوم وقوع العدم عندّ عدم استجماع الشرائط لا ينافي الإمكان، فأنّ الممكن الّذي لا يلحقه وجوب لعلّته الموجبة، لا إيجاب لعدمه من عدم علته، كما لا تأثير من عدم علته في عدمه، فالممكن مع إمكان وجوده بوجود علته يكون معدوما لعدم علته فوجوب عدمه عبارة عن ضرورة عدم انفكاك العدم عن العدم، لا ضرورة عدم حاصل فيه بإيجاب من موجب، وبخلاف وجوب وجوده فوجوب الوجود من الفاعل لا يجامع الإمكان بمعنى عدم ضرورة نسبة الوجود ومقابله إلى الماهّية ولو بإيجاب من الموجب، ولزوم العدم يجامع الإمكان بمعنى عدم ضرورة أحدهما للماهيّة ولو بإيجاب موجب، ومرجع هذا اللزوم إلى ما هو بمنزلة الوجوب اللاحق، فالممكن بإمكانه مجرداً من إيجاب موجب إنّما يكون معدوما وهذا الإمكان مصحح الطلب.

والحاصل أنّ مناط الوجود للممكن، الوجوب الحاصل لوجوده من علته الموجبة أيّ إيجابها إياه، ومناط العدم للممكن عدم إيجاب موجب إياه لا إيجاب موجب لعدمه، وإذا كان المعدوم يمكن وجوده بموجبه صحّ طلب إيجاده بإيجابه بموجبه، وطلب الكف عن إيجاده بعدم إيجابه بموجبه، وكذا لزوم عدم إرادة الفاعل لعدم أسبابها لا ينافي الأمرّ بإرادته « انتهى ».

ولعلّ المراد بالإذن رفع الموانع الّتي من جملتها تعلّق الإرادة الحتميّة من الله تعالى بضدّه.

١٩٦

آخذين ولا تاركين إلّا بإذن الله.

________________________________________________________

والحقّ أنّ تأثير جميع المؤثرات مشروطة بذلك كإحراق النار فأنّه مشروط بعدم تعلق إرادته سبحانه بعدمه، فإذا تعلقت لم تؤثر كما لم تحرق إبراهيمعليه‌السلام ، وتأثير السيف في قطع اللحم وشبهه مشروط بذلك، فكما أنّ الإحراق والقطع مشروطأنّ بشرائط كثيرة من قابليّة المادة ومجاورة المؤثر وغيرهما فكذا مشروطأنّ بعدم تعلق الإرادة الحتمية من ذي القدرة القاهرة والقوّة الغالبة بخلافهما، ولا يتأتى التصديق بمعجزات الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم إلّا بذلك، وبه يستقيم مدخلية إرادة الله سبحانه في أعمال العباد مع اختيارهم، وهو المراد بالتخلية.

أقول: وروى الشيخ أحمد الطبرسيّ في كتاب الاحتجاج عن عليّ بن محمّد العسكريعليه‌السلام أنّ أبا الحسن موسىعليه‌السلام قال: أنّ الله خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، فأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذنه، وما جبر الله أحدا على معصيته، بل اختبرهم كما قال: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً »(١) .

قولهعليه‌السلام : ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذنه، أيّ بتخليته وعلمه « انتهى » والظاهر أنّ التفسير من المؤلف (ره).

أقول: ويومي إلى ما ذكرنا ما ذكره الشيخ السعيد المفيد في كتاب المقالات حيث قال: أنّ الإرادة الّتي هي قصد الإيجاد أحدّ الضدين الخاطرين ببال المريد موجبة لمرادها، وأنّه محال وجودها وارتفاع المراد بعدها بلا فصل، إلّا أنّ يمنع من ذلك من فعل غير المريّد، وهذا مذهب جعفر بن حرب وجماعة من متكلّمي البغداديّين وهو مذهب البلخي، وعلى خلافه مذهب الجبائي وابنه والبصريّين من المعتزلة والحشوية وأهل الأخبار.

__________________

(١) سورة الملك: ٢.

١٩٧

٦ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من زعم أنّ الله يأمرّ بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله - ومن زعم أنّ الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه ومن زعم أنّ المعاصي بغير قوّة الله فقد كذب على الله ومن كذب على الله أدخله الله النار.

٧ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمأنّ بن عيسى، عن

________________________________________________________

وقال الشيخ أبو عليّ الطبرسيّرحمه‌الله : في قوله تعالى: «وَما كان لِنَفْسٍ أنّ تَمُوتَ إلّا بِإِذْنِ اللهِ »(١) اختلفوا في تفسير الإذن على أقوال: « الأوّل » أنّ يكون الإذن هو الأمرّ أيّ يأمرّ ملك الموت بقبض الأرواح فلا تموت أحدّ إلّا بهذا الأمرّ « الثاني » أنّ المراد به الأمرّ التكويني كقوله: «أنّ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(٢) ولا يقدر على الحياة والموت أحدّ إلّا الله « الثالث » أنّ يكون الإذن هو التخلية والإطلاق، وترك المنع بالقهر والإجبار، وبه فسّر قوله تعالى: «وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحدّ إلّا بِإِذْنِ اللهِ »(٣) أيّ بتخليته، فأنّه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر « الرابع » أنّ يكون الإذن بمعنى العلم ومعناه أنّ نفسا لا تموت إلّا في الوقت الّذي علم الله موتها فيه.

« الخامس » قال ابن عباس: الإذن هو قضاء الله وقدره، فأنّه لا يحدث شيء إلّا بمشيّة الله وإرادته.

الحديث السادس: مجهول.

قوله: بغير مشيّة الله، أيّ التخلية وعدم تعلق الإرادة الحتمية بخلافه، فأنّ من زعم استقلال الخلق وعدم قدرته تعالى على صرفهم عن أفعالهم، وعدم مدخليته سبحانه في أعمالهم بوجه فقد أخرج الله من سلطانه، وعزله عن التصرف في ملكه.

الحديث السابع: مرسل.

__________________

(١) سورة آل عمران: ١٤٥.

(٢) سورة يس: ٨٢.

(٣) سورة البقرة: ١٠٢.

١٩٨

إسماعيل بن جابر قال كان في مسجد المدينة رجلَّ يتكلم في القدر والناس مجتمعون قال فقلت يا هذا أسألك قال سل قلت يكون في ملك الله تبارك وتعالى ما لا يريد قال فأطرق طويلا ثمّ رفع رأسه إلي فقال لي يا هذا لئن قلت أنّه يكون في ملكه ما لا يريد أنّه لمقهور ولئن قلت لا يكون في ملكه إلّا ما يريد أقررت لك بالمعاصي قال فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام سألت هذا القدري فكان من جوابه كذا وكذا فقال لنفسه نظر إمّا لو قال غير ما قال لهلك.

٨ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسن زعلان، عن أبي طالب القمي، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت أجبر الله العباد على المعاصي قال لا قلت ففوض إليهم الأمرّ قال قال لا قال قلت فما ذا قال لطف من ربك بين ذلك.

________________________________________________________

قوله: أقررت لك بالمعاصي، أيّ جوزت لك فعل المعاصي، إذ ليس لك فيها اختيار وهي بإرادته سبحانه، أو أقررت لك بأنّ المعاصي بإرادته تعالى.

قولهعليه‌السلام : لنفسه نظر، أيّ تأمل واحتاط لنفسه، حيث لم يحكم بما يوجب هلاكه من القول بالقدر الّذي هو مذهبه، أو نفي مذهبه، ومذهب الجبرية أيضاً وأنّ لم يفهم الواسطة، ويمكن أنّ يكون تفطن بالواسطة عندّ الإلزام عليه.

الحديث الثامن: مرسل.

قوله: أجبر الله، الهمزة للاستفهام.

قولهعليه‌السلام : لطف من ربك، أيّ رحمة وتوفيق، وقيل: أمرّ دقيق لا تصل إليه العقول، وهو الأمرّ بين الأمرين، والظاهر أنّه غير اللطف الّذي هو مصطلح المتكلّمين بل ما قررنا سابقاً وسيأتي مزيد توضيح له، واللطف على اصطلاح المتكلّمين هو ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعدّه عن المعصية، ولا حظ له في التمكين، ولا يبلغ الإلجاء ومتكلمو الإماميّة والمعتزلة اتفقوا على وجوبه على الله عقلا وخالفهم في ذلك الأشاعرة وقالوا بعدم وجوبه.

١٩٩

________________________________________________________

واستدلّ المثبتون عليه بأنّ اللطف ممّا يتوقف عليه غرض المكلف من المكلف وكلّ ما يتوقف عليه الغرض يكون واجبا، إمّا الأوّلى فظاهر، لأنّ غرض المكلف من المكلف إيقاعه ما كلف به، وهو يتوقف على كلّ ما يقر به إلى فعله ويبعدّه عن تركه، وإمّا الثانية فلان المريد من غيره فعلاً من الأفعال إذا علم المريد أنّ المراد منه لا يفعل الفعل المطلوب إلّا بفعل يفعله المريد مع المراد منه من نوع ملاطفة أو مكاتبة أو سعى إليه أو إرسال من غير مشقة عليه في ذلك لو لم يفعل ما يتوقف عليه إيقاع ذلك الفعل منه، مع تصميم إرادته إيقاعه منه، لكان هذا المريد ناقضاً لغرضه عندّ العقلاء، ونقض الغرض قبيح لذم العقلاء على ذلك، وإذا أردنا تمشيّة هذا التقرير في حقه سبحانه، قلنا: أنّه كلف العباد بالأوامرّ والنواهي فكان غرضه من التكليف المذكور إيقاع الطاعة وارتفاع المعصية من المكلفين، فإذا علم أنهم لا يفعلون ذلك إلّا بفعل يفعله بهم بحيث يحصل به تقريبهم إلى إيقاع ذلك منهم، لو لم يفعل ذلك مع توقف غرضه عليه كان ناقضاً لغرضه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فوجب في حكمته تعالى وعنايته فعل الألطاف المقربة للمكلفين إلى فعل الطاعات المبعدّة لهم عن المعاصي وهو المطلوب.

ثمّ أنّ هذه الألطاف تكون من فعله تعالى خاصّة كإرسال الرسل ونصب الأئمة وإظهار المعجزات على أيدي الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، فيجب عليه فعل ذلك، وقد يكون من فعل المكلفين كأتباعهم الرسل وطاعتهم الأئمة وامتثالهم لأوامرهم، والانتهاء عندّ نواهيهم فيجب عليه إعلامهم بذلك وإيجابه عليهم ليتم الامتثال ويحصل القول، ويستكمل الألطاف، وقد يكون من فعل غيرهما كقبول الرسل للرسالة، وتحمل الإمام للإمامة، وقيامهما بأعبائهما، فيجب عليه في ذلك الإيجاب على ذلك الغير وإثابته عليه، لأنّ تكليف شخص لنفع غيره من غير نفع له قبيح عقلا.

أقول: هذا هو اللطف الّذي أوجبه أصحابنا، ويشكلّ الجزم بوجوب كلّ لطف

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462