مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول4%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66792 / تحميل: 5304
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

________________________________________________________

على الناس والسلام؟ فأجابه صلوات الله عليه من الحسن بن عليّ إلى الحسن البصري: إمّا بعد فقد انتهى إلى كتابك عندّ حيرتك وحيرة من زعمت من أمتنا وكيف ترجعون إلينا وأنتم معنا بالقول دون العمل، واعلم أنّه لو لا ما تناهى إلى من حيرتك وحيرة الأمة من قبلك لأمسكت عن الجواب، ولكني الناصح ابن الناصح الأمين، والّذي أنا عليه أنّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر، أنّ الله سبحانه لا يطاع بإكراه، ولا يعص بغلبة، ولا أهمل العباد من الملكة ولكنّه عزّ وجلَّ المالك لـمّا ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم، فأنّ ائتمروا بالطاعة لم يكن الله عزّ وجلَّ لهم صادّاً، ولا عنها مانعا، وأنّ ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أنّ يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل، وأنّ لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً ولا ألزمهم بها إكراها، بل احتجاجه عزّ ذكره عليهم أنّ عرّفهم وجعل لهم السبيل إلى فعل ما دعاهم إليه، وترك ما نهاهم عنه، ولله الحجة البالغة والسلام.

وفي تحف العقول هكذا: إمّا بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أنّ الله يعلمه فقد كفر، إلى قولهعليه‌السلام : وأنّ لم يفعل فليس هو الّذي حملهم عليها جبرا ولا ألزموها كرها، بل من عليهم بأنّ بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلا لهم على ما أمرهم به، فيكونوا كالملائكة، ولا جبرا لهم على ما نهاهم، ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين والسلام على من اتبع الهدى.

وأقول: قال السيّد بن طاوسقدس‌سره في كتاب الطرائف: روى جماعة من علماء الإسلام عن نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا، قيل: ومن القدرية يا رسول الله؟ قال: قوم يزعمون أنّ الله قدر عليهم المعاصي وعذبهم عليها.

وروى صأحبّ الفائق وغيره من علماء الإسلام عن محمّد بن عليّ المكي بإسناده قال: أنّ رجلا قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني بأعجب شيء رأيت؟ قال: رأيت قوما ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم، فإذا قيل لهم: لم

٢٢١

( باب الاستطاعة )

١ - عليّ بن إبراهيم، عن الحسن بن محمّد، عن عليّ بن محمّد القاساني، عن عليّ بن أسباط قال سألت أبا الحسن الرّضاعليه‌السلام عن الاستطاعة فقال يستطيع العبد بعد أربع خصال أنّ يكون مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح له سببٌ وارد من الله قال قلت جعلت فداك فسّر لي هذا قال أنّ يكون العبد مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح يريد أنّ يزني فلا يجد امرأة ثمّ يجدها

________________________________________________________

تفعلون؟ قالوا: قضاء الله علينا وقدره، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ستكون من أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم، أولئك مجوس أمتي.

وروى صاحب الفائق وغيره عن جابر بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي ويقولون أنّ الله قد قدرّها عليهم، الرادّ عليهم كشاهر سيفه في سبيل الله.

أقول: الأخبار الواردة في ذلك أوردناها في كتابنا الكبير، وإنّما أوردنا هنا بعضها تأييدا لـمّا ذكرنا في شرح الأخبار، إذ المصنف (ره) إنّما اقتصر على الأخبار الموهمة للجبر، ولم يذكر ممّا يعارضها إلّا قليلا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

باب الاستطاعة

الحديث الأوّل: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : أنّ يكون مخلّى السرب، والسرب بالفتح والكسر: الطريق والوجهة، وبالكسر البال والقلب والنفس، أيّ مخلّى الطريق مفتوحة، وهو كناية عن رفع الموانع والزواجر كزجر السلطان وأمثاله « صحيح الجسم » أيّ من الأمراض المانعة عن الفعل « سليم الجوارح » الّتي هي آلات الفعل « له سبب وارد من الله » من عصمته أو التخلية بينه وبين إرادته « فسّر لي هذا » أيّ السبب الوارد ففسّرهعليه‌السلام

٢٢٢

فإمّا أنّ يعصم نفسه فيمتنع كما امتنع يوسفعليه‌السلام أو يخلي بينه وبين إرادته فيزني فيسمّى زانياً ولم يطع الله بإكراه ولم يعصه بغلبة.

________________________________________________________

بالعصمة والتخلية، فيكون ذكر وجدأنّ المرأة استطرادا « ولم يطع الله بإكراه » بل بإرادته وعصمة الله من أسباب إرادته « ولم يعصه بغلبة » منه، بل بإرادته مع تخلية الله بينه وبين إرادته، فلو لم يخل الله بينه وبين اختياره، وأراد منعه لم يمكنه الفعل فلم يكن الله في ذلك مغلوباً منه.

ويحتمل أنّ يكون المراد بتخلية السرب أنّ يكون مخلى بالطبع، فارغ البال غير مشغول الخاطر بما يصرفه عن الفعل، وبصحة الجسم أنّ لا يكون له مرض لا يقدر معه على الفعل، وبسلامة الجوارح أنّ لا يكون في الجارحة الّتي يحتاج إليها في الفعل آفة، كقطع الذكر في مثل الزنا، وبالسبب إذنه تعالى أيّ رفع الموانع، فقوله: فلا يجد امرأة، مثال لتخلف السبب عن الثلاث وقوله: ثمّ يجدها، بيان لوجوده، فقوله إمّا أنّ يعصم نفسه، أيّ يعصم المكلف نفسه لكن في المقابلة بينه وبين أنّ يخلي تكلف.

وفيما أجاب به أبو الحسن الثالثعليه‌السلام قال الصادقّعليه‌السلام : لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين، وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله، ثمّ فسّرعليه‌السلام صحة الخلقة بكمال الخلق للإنسأنّ بكمال الحواسّ وثبات العقل والتميز وإطلاق اللسان بالنطق قال: وإمّا تخلية السرب فهو الّذي ليس عليه رقيب يحظر عليه، ويمنعه العمل ممّا أمرّ الله به، وإمّا المهلة في الوقت وهو العمرّ الّذي يمتع به الإنسان من حدّ ما يجب عليه المعرفة إلى أجلَّ الوقت، وذلك من وقت تميزه وبلوغ الحلم، إلى أنّ يأتيه أجله، فمن مات على طلب الحقّ فلم يدرك كماله فهو على خير، وإمّا الزاد فمعناه البلغة والجدة الّتي يستعين بها العبد على ما أمره الله به، والراحلة للحج والجهاد وأشباه ذلك، والسبب المهيّج هو النية الّتي هي داعية الإنسان إلى جميع الأفعال

٢٢٣

٢ - محمّد بن يحيى وعليُّ بن إبراهيم جميعاً، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم وعبد الله بن يزيد جميعاً، عن رجلَّ من أهل البصرة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن

________________________________________________________

وحاستها القلب، فمن فعل فعلاً وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملا إلّا بصدقّ النية، إلى آخر الخبر الطويل الّذي أوردته في الكتاب الكبير وفيه فوائد جمّة.

الحديث الثاني: مرسل.

واعلم أنّ المتكلمين اختلفوا في أنّ الاستطاعة والقدرة هل هما في العبد قبل الفعل أو معه؟ فذهبت الإماميّة والمعتزلة إلى الأوّل والأشاعرة إلى الثاني، واستدلّ كلّ من الفريقين على مذهبهم بدلائل ليس هذا موضع ذكرها، والحقّ أنّ ما ذهب إليه الإماميّة ضرورية إذ القطع حاصل بقدرة القاعد في وقت قعوده على القيام، والقائم في حال قيامه على القعود بالوجدان، ويدّل عليه أخبار كثيرة:

منها ما رواه الصّدوق عن عوف بن عبد الله عن عمّه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الاستطاعة؟ فقال: وقد فعلوا، فقلت: نعم زعموا أنها لا تكون إلّا عندّ الفعل، واردة في حال الفعل لا قبله، فقال: أشرك القوم.

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول: لا يكون العبد فاعلا إلّا وهو مستطيع، وقد يكون مستطيعاً غير فاعل، ولا يكون فاعلا أبداً حتّى يكون معه الاستطاعة.

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما كلف الله العباد كلفة فعل، ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم الاستطاعة، ثمّ أمرهم ونهاهم فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلّا باستطاعة متقدمة قبل الأمرّ والنهي، وقبل الأخذ والترك وقبل القبض والبسط.

وفي الصحيح أيضاً عن هشام عنهعليه‌السلام قال: لا يكون من العبد قبض ولا بسط إلّا باستطاعة متقدمة للقبض والبسط.

٢٢٤

________________________________________________________

وفي الصحيح أيضاً عن أبي بصيّر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول وعنده قوم يتناظرون في الأفاعيل والحركات، فقال: الاستطاعة قبل الفعل، لم يأمرّ الله عزّ وجلَّ بقبض ولا بسط إلّا والعبد لذلك مستطيع، والأخبار في ذلك كثيرة.

والأشاعرة إنّما قالوا بعدم القدرة قبل الفعل وكونها مع الفعل لأنهم يقولون بعدم تأثير قدرة العبد وإرادته في الفعل أصلاً.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ هذا الخبر ظاهراً موافق لمذهب الأشاعرة، ومخالف لمذهب الإمامية، والأخبار الصحيحة السالفة تنفيه، ويمكن تأويله بوجوه:

الأوّل: حمله على التقية إذ أكثر المخالفين يرون رأيّ الأشعريّ ويتبعونه في أصول مذهبهم، ويؤيده أنّ ما ذكر فيه من الدليل على نفي الاستطاعة من عمدة دلائل الأشاعرة على نفي اختيار العبد حيث قالوا: القدرة على الأثر بمعنى التمكن على فعله وتركه، إمّا حال وجود الأثر وحينئذ يجب وجوده، فلا يتمكن من الترك وإمّا حال عدمه فيجب عدمه فلا يتمكن من الفعل، وأجيب بأنا نختار أنها حال عدم الأثر لكنّها عبارة عن التمكن من الفعل في ثاني الحال، فلا ينافيه العدم في الحال، بل يجتمع معه.

الثاني: أنّ يقال المراد بالاستطاعة في الخبر الاستعداد التام الّذي لا يكون إلّا مع الأثر والمراد بآلة الاستطاعة جميع ما يتوقف عليه الأثر فعلاً كان أو تركا، فاستطاعة الفعل لا يكون إلّا مع الفعل، واستطاعة الترك لا يكون إلّا مع الترك، وبعبارة أخرى: المراد بالاستطاعة الاستقلال بالفعل، بحيث لا يمكن أنّ يمنعه مانع عنه، ولا يكون هذا إلّا في حال الفعل إذ يمكن قبل الفعل أنّ يزيله الله تعالى عن الفعل بصرفه عنه، أو إعدامه أو إعدام الآلة، والحاصل أنّ استطاعة الشيء التمكن منه وانقياد حصول ذلك الشيء له، واستطاعة أحدّ الطرفين لا يستلزم استطاعة الآخر بخلاف القدرة، فأنّ القدرة على أحدّ الطرفين تلزمه القدرة على الآخر، والقدرة

٢٢٥

الاستطاعة فقال أتستطيع أنّ تعمل ما لم يكون قال لا قال فتستطيع أنّ تنتهي عمّا قد كوّن قال لا قال فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام فمتى أنت مستطيع قال لا أدري قال فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام أنّ الله خلق خلقاً فجعل فيهم آلة الاستطاعة

________________________________________________________

على الفعل تسبقه بمراتب بخلاف الاستطاعة، قال إمامهم الرازي في الجمع بين رأيي الأشاعرة والمعتزلة في تلك المسألة: القدرة قد تطلق على القوّة العضلية الّتي هي مبدء الآثار المختلفة في الحيوأنّ بحيث متى انضم إليها إرادة كلّ واحد من الضدين حصل دون الآخر، ولا شكّ في أنّ نسبتها إلى الضدين على السواء، وقد تطلق على القوّة المستجمعة لشرائط التأثير، ولا شكّ في امتناع تعلقها بالضدين وإلّا اجتمعاً في الوجود، بل هي بالنسبة إلى كلّ مقدور غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر لاختلاف الشرائط بحسب مقدور مقدور، فلعلّ الأشعريّ أراد بالقدرة المعنى الثاني، فحكم بأنّها لا تتعلق بالضدين، ولا هي قبل الفعل، والمعتزلة أرادوا بها المعنى الأوّل فذهبوا إلى أنها تتعلق بالضدين وأنها قبل الفعل « انتهى » وهذا الكلام متين لكنّه لا يصلح جامعاً بين القولين، لأنّ الأشعريّ لا يقول بتأثير قدرة العبد وإرادته، ولذا قال بمقارنتها للفعل.

الثالث: أنّ يكون المعنى أنّ في حال الفعل تظهر الاستطاعة، ويعلم أنّه كان مستطيعا قبله، بأنّ أذن الله له في الفعل، كما ورد أنّ بعد القضاء لا بداء.

قولهعليه‌السلام : أنّ تعمل ما لم يكون، أيّ بعد حصول الترك في زمان الترك لا تستطيع الفعل، بل تستطيع الترك، وتمت علته وحصل، فلا تستطيع الفعل حينئذ، إذ لم يحصل منك ولا من الله ما يتوقف عليه حصول الفعل قبله، فصار الترك حينئذ واجبا بعلله الّتي منها إرادة العبد الترك.

قولهعليه‌السلام : أنّ تنتهي عمّا قد كون، أيّ بعد وجود الفعل ووجوبه بعلله الّتي منها إرادته كيف يستطيع الترك، فالقدرة على الفعل والترك قبلهما واستطاعتهما أيّ وجوبهما ولزومهما في وقتهما كما مرّ في الوجه الثاني « فجعل فيهم آلة الاستطاعة »

٢٢٦

ثمّ لم يفوّض إليهم فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل إذا فعلوّاً ذلك الفعل فإذا لم يفعلوه في ملكه لم يكونوا مستطيعين أنّ يفعلوّاً فعلاً لم يفعلوه لأنّ الله عزّ وجلَّ أعزّ من أنّ يضاده في ملكه أحدّ قال البصري فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال ففوض إليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلاً فجعل فيهم آلة الفعل فإذا فعلوه كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصريُّ أشهد أنّه الحقّ وأنكم أهل بيت النبوة والرسالة.

٣ - محمّد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن عليّ بن الحكم، عن صالح النيلي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام هل للعباد من الاستطاعة شيء قال فقال لي إذا فعلوّاً الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة الّتي جعلها الله فيهم قال قلت وما هي قال:

________________________________________________________

أيّ ما يتوقف عليه حصولها من تخلية السرب وصحة الجسم وسلامة الجوارح ونحو ذلك على حسب الأعمال المستطاع لها « ثمّ لم يفوض إليهم » بحيث يكونون مستقلين لا يمكنه صرفهم عنه، أو بحيث لا يكون له مدخل في أفعالهم بالتوفيق والخذلان، أو المراد بالتفويض عدم الحصر بالأمرّ والنهي « لم يكونوا مستطيعين » أيّ بالاستقلال بحيث لا مدخل لتوفيق الله وخذلأنّه فيه، أو لم يحصل لهم العلّة التامة للفعل وأنّ كان باختيارهم، ويمكن حمله على ما إذا كان الترك لعدم الآلات وللموانع الصارفة من قبل الله تعالى، وعلى هذا ينطبق التعليل غاية الانطباق، إذ استقلال العبد على هذا الوجه بحيث لا يتوقف فعله على شيء من قبل الله تعالى، وعدم قدرته سبحانه على صرفه عنه، قول بوجود أضداد له تعالى في ملكه، وعلى الأوّل أيضاً ظاهر، وعلى الثاني يحتاج إلى تكلف، وربّما يقال: التعليل لعدم التفويض، ولا يخفى بعدّه « فجعل فيهم آلة الفعل » أيّ قدرتهم وإرادتهم وقواهم وجوارحهم الّتي هي من أسباب وجود ذلك الفعل.

الحديث الثالث: ضعيف، والكلام في صدر الخبر ما مرّ في الخبر السابق.

٢٢٧

الآلة مثل الزاني إذا زنى كان مستطيعاً للزّنا حين زنى ولو أنّه ترك الزنا ولم يزن كان مستطيعاً لتركه إذا ترك قال ثمّ قال ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعاً قلت فعلى ما ذا يعذبه قال بالحجة البالغة والآلة الّتي ركب فيهم أنّ الله لم يجبر أحدا على معصيته ولا أراد إرادة حتم الكفر من أحدّ ولكن حين كفر كان في إرادة الله أنّ يكفر وهم في إرادة الله وفي علمه أنّ لا يصيروا إلى شيء من الخير قلت أراد منهم أنّ يكفروا قال ليس هكذا أقول ولكني أقول علم أنهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم وليست هي إرادة حتم إنّما هي إرادة اختيار.

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : مثل الزنا(١) ، هذا مثال لقوله: إذا فعلوّاً الفعل، وليس مثإلّا لتفسير الاستطاعة، ولـمّا توهم السائل من قولهعليه‌السلام : كانوا مستطيعين بالاستطاعة الّتي جعلها الله فيهم، ومن أنّ الاستطاعة مع الفعل لا قبله الجبر قال: فعلى ما يعذبه؟ أيّ الزاني والمراد بالحجة البالغة أوامرّ الله تعالى ونواهيه وإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام لإعلام الناس بالأفعال النافعة والضارة، والمراد بالآلة الّتي ركب فيهم القدرة والإرادة المؤثرتين اللتين خلقهما الله تعالى في العباد.

قوله: كان في إرادة الله أنّ يكفر، أيّ إرادة بالعرض لأنّه لـمّا أراد أنّ يعطي العبد إرادة واختيارا ويخليه واختياره وهو أراد المعصية فهو سبحانه أراد ما صار سبباً لكفره إرادة بالعرض أو يقال إرادته سبحانه علّة بعيدة للكفر، أو يقال: لـمّا خيره وخلاه مع علمه بأنّه يكفر بإرادته فكأنّه أراد كفره مجازاً كما مرّ تفصيله.

قولهعليه‌السلام : أنّ لا يصيروا إلى شيء من الخير، أيّ باختيارهم وإرادتهم المؤثرة ولـمّا توهم السائل من قولهعليه‌السلام : أنّه تعالى شاء منهم أنّ يكفروا، أيّ جبرهم عليه أو ذلك مقصوده منهم، أجابعليه‌السلام بأنّ ليس مرادي ذلك، بل مرادي أنّ الله أراد بحسب مصلحة التكليف أنّ يكلّهم إلى اختيارهم وإرادتهم، وعلم أنّ إرادتهم يتعلق

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « الزاني » بدل « الزنا ».

٢٢٨

٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن عبيد بن زرارة قال حدثني حمزة بن حمرأنّ قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الاستطاعة فلم يجبني فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت أصلحك الله أنّه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك قال فأنّه لا يضرك ما كان في قلبك قلت أصلحك الله إني أقول أنّ الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون ولم يكلفهم إلّا ما يطيقون وأنهم لا يصنعون شيئاً من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره قال فقال هذا دين الله الّذي أنا عليه وآبائي أو كما قال.

________________________________________________________

بالكفر فتعلّق إرادته بكفرهم من حيث تعلق إرادته بما يصيّر سبباً لإرادتهم الكفر مع علمه بذلك، وهذا لا يستلزم كون الكفر مقصوده ومطلوبه منهم، فأنّ دخوله في القصد بالعرض لا بالذّات، وتعلّق الإرادة بالكفر بالعرض ليست موجبة للفعل إيجابا يخرجه عن الاختيار، لأنّ هذا التعلق من جهة إرادتهم واختيارهم وما يتعلّق بشيء من جهة الإرادة والاختيار لا يخرجه عن الاختيار، وقيل: الفرق بين كلام الإمام وكلام السائل أنّ في كلامهعليه‌السلام عديت الإرادة بفي وفي كلام السائل بمن، والتعدية بفي تفيد التمكين مع القدرة على المنع، والتعدية بمن، تفيد الطلب إمّا تكليفاً وإمّا تكويناً، فالظرفان متعلقان بالإرادة كالظرف في قوله لعلمه.

الحديث الرابع: مرسل.

قوله: فأنّه لا يضرك، هذا إمّا لأنّهعليه‌السلام كان مطلعا على ما في قلبه وأنّه حق، أو المراد أنّه إذا كان في قلبك شيء ثمّ رجعت عنه إلى قولنا لم يضرك، وقوله أو كما قال، ترديد من السائل بين العبارة المنقولة وما في حكمها من العبارات الدّالة على تصديق معتقده بوجه من الوجوه.

٢٢٩

( باب البيان والتعريف ولزوم الحجة )

١ - محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن الطيّار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ الله احتج على الناس بما آتاهم وعرّفهم.

محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج مثله.

٢ - محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن حكيم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام المعرفة من صنع من هي قال من صنع الله ليس للعباد فيها صنع.

________________________________________________________

باب البيان والتعريف ولزوم الحجة

الحديث الأوّل: حسن بسنده الأوّل، مجهول كالصحيح بسنده الثاني.

قولهعليه‌السلام : بما آتاهم، أيّ من العقول والآلات والأدوات والجوارح والقوي وعرفهم من أصول الدين وفروعه كما قال تعالى: «أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ »(١) .

الحديث الثاني: مجهول.

والمراد بالمعرفة إمّا العلم بوجوده سبحانه فأنّه ممّا فطر الله العباد عليه إذا خلوا أنفسهم عن المعصية، والأغراض الدنية كما قال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(٢) وبه فسّر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عرف نفسه فقد عرف ربه، أيّ من وصل إلى حدّ يعرف نفسه فيوقن بأنّ له خالقاً ليس مثله، ويحتمل أنّ يكون المراد كمال المعرفة فأنّه من قبل الله تعالى بسبب كثرة الطاعات والعبادات والرياضات، أو المراد معرفة غير ما يتوقف عليه العلم بصدقّ الرسل فأنّ ما سوى ذلك

__________________

(١) سورة البلد: ٨ - ١٠.

(٢) سورة لقمان: ٢٥.

٢٣٠

________________________________________________________

إنّما نعرفه بما عرّفنا الله على لسان أنبيائه وحججه صلوات الله عليهم، أو يقال: المراد بها معرفة الأحكام الفرعية لعدم استقلال العقل فيها، أو المعنى أنها إنّما تحصل بتوفيقه تعالى للاكتساب، وذهب الحكماء إلى أنّ العلّة الفاعليّة للمعرفة تصوريّاً كان أو تصديقيّاً، بديهيّاً كان أو نظريّاً، شرعيّاً كان أو نظريّاً، شرعيّاً كان أو غيره، إنّما يفيض من الله تعالى في الذهن بعد حصول استعداد له بسبب الإحساس أو التجربة أو النظر والفكر والاستماع من المعلم أو غير ذلك، فهذه الأمور معدات والعبد كاسب للمعرفة لا موجد لها، والظاهر من أكثر الأخبار أنّ العباد إنّما كلفوا بالانقياد للحق وترك الاستكبار عن قبوله، فإمّا المعارف فإنها بأسرها ممّا يلقيه الله سبحانه في قلوب عباده بعد اختيارهم للحق، ثمّ يكمل ذلك يوما فيوما بقدر أعمالهم وطاعاتهم حتّى يوصلهم إلى درجة اليقين، وحسبك في ذلك ما وصل إليك من سيرة النبيين وأئمة الدين في تكميل أممهم وأصحابهم فإنهم لم يحيلوهم على الاكتساب والنظر، وتتبع كتب الفلاسفة وغيرهم، بل إنّما دعوهم أوّلاً إلى الإقرار بالتّوحيد وسائر العقائد، ثمّ إلى تكميل النفس بالطاعات والرياضات، حتّى فازوا بما سعدوا به من أعالي درجات السعادات.

قال الفاضل المحدّث أمين الدين الأسترآبادي في الفوائد المدنية: قد تواترت الأخبار عن أهل بيت النبوة متصلة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ معرفة الله بعنوأنّ أنّه الخالق للعالم، وأنّ له رضاً وسخطاً، وأنّه لا بد من معلم من جهته تعالى ليعلم الخلق ما يرضيه وما يسخطه من الأمور الفطرية الّتي وقعت في القلوب بإلهام فطريّ إلهيّ، وذلك كما قالت الحكماء: الطفل يتعلّق بثدي أمه بإلهام فطري الهي، وتوضيح ذلك أنّه تعالى ألهمهم بتلك القضايا، أيّ خلقها في قلوبهم وألهمهم بدلالات واضحة على تلك القضايا، ثمّ أرسل إليهم الرسول وأنزل عليهم الكتاب، فأمرّ فيه ونهى فيه، وبالجملة لم يتعلّق وجوب ولا غيره من التكليفات إلّا بعد بلوغ خطاب الشارع، ومعرفة الله قد حصلت لهم قبل بلوغ الخطاب بطريق إلهام بمراتب، وكلّ من بلغته

٢٣١

________________________________________________________

دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقع في قلبه من الله يقين بصدقه، فأنّه قد تواترت الأخبار عنهمعليهم‌السلام بأنّه ما من أحدّ إلّا وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلبه، قبله أو تركه.

وقال في موضع آخر: قد تواترت الأخبار أنّ معرفة خالق العالم ومعرفة النبي والأئمةعليهم‌السلام ليستا من أفعالنا الاختيارية، وأنّ على الله بيان هذه الأمور وإيقاعها في القلوب بأسبابها، وأنّ على الخلق بعد أنّ أوقع الله تلك المعارف الإقرار بها والعزم على العمل بمقتضاها.

ثمّ قال في موضع آخر: قد تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهارعليهم‌السلام بأنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم كما تواترت بأنّ المعرفة موهبية غير كسبية، وإنّما عليهم اكتساب الأعمال فكيف يكون الجمع بينهما؟ أقول: الّذي استفدته من كلامهمعليهم‌السلام في الجمع بينهما: أنّ المراد بالمعرفة ما يتوقّف عليه حجيّة الأدلة السمعية من معرفة صانع العالم، وأنّ له رضا وسخطاً، وينبغي أنّ ينصب معلّماً ليعلم الناس ما يصلحهم وما يفسدهم، ومن معرفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد بالعلم الأدلة السمعية كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم إمّا آية محكمة أو سنة متبعة أو فريضة عادلة، وفي قول الصادقّعليه‌السلام : أنّ من قولنا أنّ الله احتج على العباد بما آتاهم وعرفهم، ثمّ أرسل إليهم الرسول وأنزل عليهم الكتاب وأمرّ فيه ونهى، وفي نظائره إشارة إلى ذلك، إلّا ترى أنّهعليه‌السلام قدم أشياء على الأمرّ والنهي، فتلك الأشياء كلّها معارف، وما يستفاد من الأمرّ والنهي كله هو العلم، ويحتمل أيضاً أنّ يراد بها معرفة الأحكام الشرعية وهو الّذي ذهب إليه بعض أصحابنا حيث قال: المراد بهذه المعرفة الّتي يعذب ويثاب مخالفها وموافقها « انتهى ».

لكن المشهور بين المتكلّمين من أصحابنا والمعتزلة والأشاعرة أنّ معرفته تعالى نظرية واجبة على العباد، وأنّه تعالى كلّفهم بالنظر والاستدلّال فيها، إلّا أنّ الأشاعرة قالوا: تجب معرفته تعالى نقلاً بالنظر، والمعرفة بعدّه من صنع الله تعالى

٢٣٢

٣ - عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن محمّد الطيّار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلَّ «وَما كان اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ » قال حتى

________________________________________________________

بطريق العادة، وسائرهم قالوا: تجب معرفته سبحانه عقلا بالنظر والمعرفة بعدّه من صنع العبد يولدها النظر، كما أنّ حركة اليد تولد حركة المفتاح، وهم قد اختلفوا في أول واجب على العباد، فقال أبو الحسن الأشعريّ: هو معرفته تعالى إذ هو أصل المعارف والعقائد الدينية، وعليه يتفرّع كلّ واجب من الواجبات الشرعية، وقيل هو النظر في معرفته تعالى لأنّ المعرفة تتوقف عليه، وهذا مذهب جمهور المعتزلة وقيل: هو أوّل جزء منه، لأنّ وجوب الكلّ يستلزم وجوب أجزائه، فأوّل جزء من النظر واجب ومقدم على النظر المقدم على المعرفة، وقيل: هو القصد إلى النظر، لأنّ النظر فعل اختياري مسبوق بالقصد المقدم على أول جزء من أجزاء النظر، وقال شارح المواقف: النزاع لفظي إذ لو أريد الواجب بالقصد الأوّل، أيّ أريد أول الواجبات المقصودة أوّلاً وبالذّات فهو المعرفة اتفاقا، وأنّ أريد أول الواجبات مطلقاً فالقصد إلى النظر، لأنّه مقدمة للنظر الواجب مطلقاً فيكون واجبا أيضاً.

الحديث الثالث: حسن موثق.

قوله سبحانه: «وَما كان اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً »(١) أيّ يسميّهم ضلإلّا أو يؤاخذهم مؤاخذتهم، أو يسمهم بسمة الضلالة يعرف بها من يشاء من ملائكته إذا نظروا إليها أنهم من الضالين، أو يخذلهم بسلب اللطف والتوفيق منهم «بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ » قيل: يحتمل أنّ تكون الهداية هيهنا بمعنى الإيصال إلى المطلوب، فمعناه أنّه تعالى لا يخذل قوماً أو لا يحتجّ على قوم ولا يحكم بضلالتهم بعد أنّ أوصلهم إلى المطلوب حتّى يعرّفهم ما يرضيه فيعملوا به، وما يسخطه فيجتنبوا عنه، أيّ حتّى يوفقهم لكلّ خير ويعصمهم

__________________

(١) سورة التوبة: ١١٥.

٢٣٣

يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه وقال «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها »(١) قال بين لها ما تأتي وما تترك وقال «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمّا شاكِراً وإمّا كَفُوراً »(٢) قال عرفناه إمّا آخذ وإمّا تارك وعن قوله «وإمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى »(٣) قال عرّفناهم فاستحبّوا العمى على الهدى وهم يعرفون وفي رواية بيّنّا لهم.

________________________________________________________

من كلّ شرّ فما بعد « حتّى » داخل فيما قبلها، ويحتمل أنّ يكون بمعنى إراءة الطريق فمعناه أنّه تعالى لا يخذل قوماً أو لا يحكم بضلالتهم بعد إذ هداهم إلى الإيمان إلّا بعد أنّ يعلمهم ما يرضيه وما يسخطه فما بعد « حتّى » خارج عن حكم ما قبلها « انتهى ».

وفيه دلالة على أنّ التعريف من الله فيما يرضيه وفيما يسخطه من الشرائع والواجبات والسنن والأحكام، لكن لا ينافي ما مر، وقوله: وقال فألهمها، من كلام ثعلبة وضميره راجع إلى حمزة، أيّ وسأله عن قوله تعالى: «فَأَلْهَمَها » والضمير راجع إلى النفس، والمراد: بفجورها وتقويها، ما فيه فجورها وما فيه تقويها، وقولهعليه‌السلام : بين لها ما تأتي وما تترك، أيّ المراد بالإلهام هو بيان أنّ الله تعالى وإعلامه بما ينبغي للنفس أنّ تأتي به ممّا ينفع لها بالأمر، وبما ينبغي لها أنّ تتركه ممّا يضرها بالنهي فالنشر على خلاف ترتيب اللف، قال البيضاوي: إلهام الفجور والتقوى إفهامهما، وتعريف حالهما، والتمكين من الإتيان بهما «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ » أيّ سبيل الخيرات والطاعات «إمّا شاكِراً وإمّا كَفُوراً ».

قال البيضاوي: هما حالأنّ من الهاء، وإمّا للتفصيل أو التقسيم أيّ هديناه في حالتيه جميعاً أو مقسوما إليهما بعضهم شاكر بالاهتداء والأخذ فيه، وبعضهم كفور بالإعراض عنه، أو من السبيل ووصفه بالشكر والكفر مجاز « قال: عرفناه » بالتشديد أيّ السبيل « إمّا آخذ » تفسير للشاكر « وإمّا تارك » تفسير للكفور، وهذا شامل لجميع الواجبات الأصولية والفروعية، وكذا قوله: «وإمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ » شامل لهما، والهداية هنا بمعنى إراءة الطريق، وفي رواية: بيّنا لهم، أيّ مكان عرفناهم.

__________________

(١) سورة الشمس: ٨.

(٢) سورة الإنسان: ٣.

(٣) سورة فصلت: ١٧.

٢٣٤

٤ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن بكير، عن حمزة بن محمّد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلَّ «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ »(١) قال نجد الخير والشرّ.

٥ - وبهذا الإسناد، عن يونس، عن حمّاد، عن عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة قال فقال لا قلت فهل كلفوا المعرفة قال لا على الله البيان «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها » و «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا ما آتاها » قال وسألته عن قوله «وَما كان اللهُ لِيُضِلَّ قوماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ »(٢) قال حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه.

________________________________________________________

الحديث الرابع: حسن موثق أيضاً.

« نجد الخير » أي عرّفناه سبيلهما، والنجد في الأصل الطريق الواضح المرتفع، وفيه دلالة على أنّ الهداية تطلق على إراءة طريق الشرّ أيضاً لأنها هداية إلى اجتنابه وتركه، أو هو على التغليب وقال السيّد الداماد (ره) إذا أريد تخصيص الهداية بالخير قيل أيّ نجدي العقل النظري والعقل العملي، وسبيلي كمال القوّة النظريّة وكمال القوّة العملية، أو نجدي المعاش والمعاد، أو نجدي الدنيا والآخرة، أو نجد الجنّة والعقاب والثواب والفناء المطلق في نور وجه الله البهجة الحقة للقاء بقائه.

الحديث الخامس: مجهول.

قوله: هل جعل في الناس أداة، أيّ آلة من العقل والفهم ينالون بها بدون التعريف والتوقيف المعرفة بأحدّ المعاني المتقدمة، « فهل كلفوا المعرفة » أيّ بالنظر والاستدلّ ال « على الله البيان » أيّ وعليهم القبول كما روي في التّوحيد عن الصادقّعليه‌السلام قال: ليس لله على الخلق أنّ يعرفوا قبل أنّ يعرفهم، وللخلق على الله أنّ يعرفهم، ولله على الخلق إذا عرفهم أنّ يقبلوا، ثمّ أشارعليه‌السلام إلى أنّ تكليفهم بالمعرفة أو بكمالها تكليف بالمحال، بقوله: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها » والوسع أوسع من الطاقة، و «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا ما آتاها » أيّ ما آتاها علمه، وظاهره أنّ المعارف توقيفية، وتكليفهم بتحصيلها تكليف بالمحال وقد سبق الكلام فيه.

__________________

(١) سورة البلد: ١٠.

(٢) سورة التوبة: ١١٥.

٢٣٥

٦ - وبهذا الإسناد، عن يونس، عن سعدان رفعه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ الله لم ينعم على عبد نعمة إلّا وقد ألزمه فيها الحجة من الله فمن من الله عليه فجعله قويّاً فحجّته عليه القيام بما كلفه واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه ومن من الله عليه فجعله موسعاً عليه فحجّته عليه ماله ثمّ تعاهده الفقراء بعد بنوافله - ومن من الله عليه فجعله شريفاً في بيته جميلاً في صورته فحجته عليه أنّ يحمد الله تعالى على ذلك وأنّ لا يتطاول على غيره فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله.

( باب )

( اختلاف الحجة على عباده )

١ - محمّد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن زيد، عن درست بن أبي منصور عمّن حدثه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ستّة أشياء ليس للعباد فيها صنع المعرفة والجهل والرّضا والغضب والنوم واليقظة.

________________________________________________________

الحديث السادس: مرفوع.

قولهعليه‌السلام : فحجته عليه القيام بما كلّفه، أيّ ما يحتج به عليه بعد التعريف قوّة القيام بما كلف به، أو المحتج له القيام بالمكلف به، وهذا أظهر وأوفق بما بعدّه من جعل التعاهد للفقراء بنوافل ماله والحمد على شرفه وجماله، وعدم التطاول على غيره، من الحجة وحينئذ ينبغي حمل قوله « فحجته عليه ماله » على أنّ المحتج له أصلاًح ماله وصرفه في مصارفه وحفظه عن التضييع والإسراف فيه.

باب(١)

ليس الباب في بعض النسخ، وإنّما لم يعنون لأنّه من الباب الأوّل، وإنّما أفرد لامتياز حديثه بخصوصية كما لا يخفى.

الحديث الأوّل: ضعيف

« المعرفة والجهل » أقول: قد مرّ الكلام فيهما سابقاً ونقل إجماع المتكلّمين على وجوب

__________________

(١) كذا في النسخ ومنه يظهر أنّ عنوأنّ الباب غير موجود في النسخ الّتي عنده (ره).

٢٣٦

________________________________________________________

النظر في معرفة الله تعالى، بل إجماع الأمّة عليه، وإنّما اختلفوا في أنّ وجوبها عقلي أو شرعي ونسب إلى البراهمة أنها تحصل بالإلهام، وإلى الملاحدة أنها تحصل بالتعليم، وإلى المتصوفة أنها تحصل بتصفية الباطن والرياضات، وربّما يقال: أنّ النظر في معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله والعقائد الدينيّة على ما تفعله المتكلمون بدعة في الدين، لم ينقل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة والخلفاء الراشدين، ولو كانوا قد اشتغلوا بها لنقل إلينا لتوفر الدواعي على نقله كما نقل اشتغالهم بالمسائل الفقهية على اختلاف أصنافها، وأجيب بمنع عدم النقل بل تواتر أنهم كانوا يبحثون عن دلائل التّوحيد وما يتعلّق به، والقران مملوء منه، وهل ما يذكر في كتب الكلام إلّا قطرة من بحر ممّا نطق به الكتاب الكريم؟ نعم أنهم لم يدونوها ولم يشتغلوا بتقرير المذاهب وتحرير الاصطلاحات، ولم يبالغوا في تفصيل الأسئلة وتلخيص الجوابات لاختصاصهم بصفاء النفوس وقوّة الأذهان، ومشاهدة الوحيٌّ المقتضية لفيضأنّ أنوار العرفان، والتمكن من مراجعة من يفيدهم ويدفع عنهم ما عسى أنّ يعرض لهم من الشكوك والشبهات في كلّ حين، مع قلة عناد المعاندين وندرة تشكيك المشككين، بخلاف زمان من بعدهم إلى زماننا هذا، حيث كثرت المذاهب والمقالات، وشاعت المنازعات والمجادلات، فاجتمع بالتدريج لأهل الأعصار التالية جميع ما حدث في الأزمان والقرون الخالية، فاحتيج إلى تدوين مسائل الكلام وتقرير كلّ ما أورد على كلّ حجة من النقض والإبرام.

قالوا: فأنّ ادعى أنّ هذا التدوين بدعة فرب بدعة حسنة، وذلك بعينه كالاشتغال بتدوين الفقه وأصوله، وترتيب أبوابه وفصوله، فأنّه حدث بعد ما لم يكن فكما ليس ذلك بقادح في الفقه ليس هذا بضائر للكلام، وقد أمرّ الله سبحانه بالنظر في آيات كثيرة كقوله تعالى: «قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(١) وقوله تعالى: «فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحيٌّ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها »(٢) فأمرّ بالنظر وهو

__________________

(١) سورة يونس: ١٠١.

(٢) سورة الروم: ٥٠.

٢٣٧

________________________________________________________

للوجوب، ولـمّا نزل: «أنّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ »(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويل لمن لاكها بين لحيتيه ولم يتفكر فيها، فقد أوعد بترك التفكر في دلائل المعرفة، فيكون واجبا، إذ لا وعيد على ترك غير الواجب.

أقول: قال الشيخ المفيد قدّس الله روحه في كتاب المقالات: المعرفة بالله تعالى اكتساب وكذلك المعرفة بأنبيائهعليهم‌السلام وكلّ غائب، وأنّه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيء ممّا ذكرناه وهو مذهب كثير من الإماميّة والبغداديين من المعتزلة خاصّة، ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمجبرة والحشوية من أصحاب الحديث، وقال في موضع آخر منه: العلم بالله عزّ وجلَّ وأنبيائهعليهم‌السلام وبصحة دينه الّذي ارتضاه وكلّ شيء لا تدرك حقيقته بالحواس، ولا تكون المعرفة به قائمة في البداهة وإنّما يحصل بضرب من القياس لا يصحّ أنّ يكون من جهة الاضطرار، ولا يحصل على الأحوال كلّها إلّا من جهة الاكتساب، كما لا يصحّ وقوع العلم بما طريقه الحواسّ من جهة القياس، ولا يحصل العلم في حال من الأحوال بما في البداهة.

ثمّ قالرحمه‌الله : العلم بصحة جميع الأخبار طريقه الاستدلّ ال وهو حاصل من جهة الاكتساب، ولا يصحّ وقوع شيء منه بالاضطرار، والقول فيه كالقول في جملة الغائبات، وإلى هذا القول ذهب جمهور البغداديين ويخالف فيه البصريون والمشبّهة وأهل الأخبار، وإمّا العلم بالحواسّ فهو على ثلاثة أضرب، فضرب هو من فعل الله تعالى، وضرب من فعل الحاس، وضرب من فعل غيره من العباد، فإمّا فعل الله تعالى فهو ما حصل للعالم به عن سبب من الله، كعلمه بصوت الرعد ولون البرق ووجود الحر والبرد وأصوات الرياح وما أشبه ذلك ممّا يبده ذو الحاسّة من غير أنّ يتعمد لإحساسه، ويكون بسبب من الله سبحانه، ليس للعباد فيه اختيار، فإمّا فعل الحاس فهو ما حصل له عقيب فتح بصره أو الإصغاء بإذنه أو التعمد لإحساسه بشيء من حواسه

__________________

(١) سورة آل عمران: ١٩٠.

٢٣٨

________________________________________________________

أو يفعله السبب الموجب لإحساس المحسوس، وحصول العلم به، وإمّا فعل غير الحاس من العباد فهو ما حصل للحاس بسبب من بعض العباد كالصائح بغيره وهو غير متعمد لسماعة أو المولم له فلا يمتنع من العلم بالألم عندّ إيلامه وما أشبه ذلك، وهذا مذهب جمهور المتكلّمين من أهل بغداد ومخالف فيه من سمّيناه « انتهى ».

وأقول: الغرض من إيراد هذه الوجوه أنّ تطلع على مذاهب القوم في ذلك، وأنّ كان للنظر فيها مجال واسع، ولنتكلم على الخبر فنقول: قد عرفت الوجوه الّتي يمكن حمل أمثال هذا الخبر عليه، ولنعد بعضها:

الأوّل: أنّه يصحّ على القول بأنّ جميع العلوم والمعارف فائضة من قبل الله سبحانه بحسب استعدادات العباد وقابلياتهم إمّا بلا واسطة أو بتوسط الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وإنّما الواجب على الخلق أنّ يخلو أنفسهم عن الأغراض الدنية والحمية والعصبية، ويصيروا طالبين للحق ثمّ بعد إفاضة الحقّ عليهم أنّ يقروا بها ظاهراً ولا ينكروا ولا يكونوا كالذين قال الله سبحانه فيهم: «جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ »(١) .

قال المحقّق الطّوسي روح الله روحه القدّوسي: ولا بد فيه أيّ في العلم من الاستعداد، إمّا الضروري فبالحواس، وإمّا الكسبي فبالأوّل، وقال العلامة رفع الله مقامه في شرحه: قد بينا أنّ العلم إمّا ضروري وإمّا كسبي، وكلاهما حصل بعد عدمه، إذ الفطرة البشرية خلقت أوّلاً عارية عن العلوم، ثمّ يحصل لها العلم بقسميه فلا بد من استعداد سابق مغاير للنفس، وفاعل للعلم، فالضروري فاعله هو الله تعالى إذ القابل لا يخرج المقبول من القوّة إلى الفعل بذاته، وإلّا لم ينفك عنه، وللقبول درجات مختلفة في القرب والبعد، وإنّما يستعد النفس للقبول على التدريج فينتقل من أقصى مراتب البعد إلى أدناها قليلا قليلا لأجلَّ المعدات الّتي هي الإحساس بالحواسّ على اختلافها، والتمرن عليها وتكرارها مرة بعد أخرى، فيتم الاستعداد

__________________

(١) سورة النمل: ١٤.

٢٣٩

________________________________________________________

لإفاضة العلوم البديهيّة الكليّة من التصوّرات والتصديقات بين كليات تلك المحسوسات وإمّا النظرية فإنها مستفادة من النفس أو من الله تعالى على اختلاف الآراء، لكن بواسطة الاستعداد بالعلوم البديهيّة، إمّا في التصورات فبالحدّ والرسم، وإمّا في التصديقات فبالقياسات المستندة إلى المقدمات الضرورية « انتهى ».

وظاهر كلام المصنف أنّ الإفاضة من المبدأ الفيّاض، وليس من فعل النفس بالتوليد كما ذهب إليه المعتزلة.

وقال صأحبّ الفوائد المدنيةرحمه‌الله : هنا إشكال كان لا يزال يخطر ببالي من أوائل سني، وهو أنّه كيف تقول بأنّ التصديقات فائضة من الله تعالى على النفوس الناطقة، ومنها كاذبة ومنها كفرية، هذا إنّما يتجه على رأيّ جمهور الأشاعرة القائلين بجواز العكس بأنّ يجعل الله كلّ ما حرّمه واجباً وبالعكس، المنكرين للحسن والقبح الذّاتيين، لا على رأيّ محققيهم، ولا على رأيّ المعتزلة، ولا على رأيّ أصحابنا؟ والجواب أنّ التصديقات الصادقة فائضة على القلوب بلا واسطة أو بواسطة ملك، وهي تكون جزماً أو ظنا، والتصديقات الكاذبة تقع في القلوب بإلهام الشيطان، وهي لا تتعدى الظنّ ولا تبلغ إلى حدّ الجزم، وفي الأحاديث تصريحات بأنّ من جملة نعماء الله تعالى على بعض عبادة أنّه يسلط ملكاً يسدده ويلهمه الحق، ومن جملة غضب الله على بعض أنّه يخلى بينه وبين الشيطان ليضله عن الحقّ ويلهمه الباطل، وبأنّ الله تعالى يحول بين المرء وبين أنّ يجزم جزما باطلا « انتهى ».

وعلى ما ذكره يكون المراد بالمعرفة العلم اليقيني المطابق، والجهل يشمل البسيط والمركب، ونسبته إليه سبحانه من جهة التخلية، ولا يرد على شيء من تلك الوجوه عدم معاقبة الكفار والمخالفين على عقائدهم الباطلة، لأنهم إمّا موقنون في أنفسهم منكرون ظاهراً فيعاقبون على الإنكار أو غير موقنين لتقصيرهم في المبادئ، فلذا يعاقبون.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462