مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول4%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66852 / تحميل: 5313
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

________________________________________________________

ويؤيّده ما رواه الصّدوق في التّوحيد عن عبد الرحيم القصيّر قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني جعلت فداك أهما مخلوقان؟ فكتبعليه‌السلام : اعلم رحمك الله أنّ المعرفة من صنع الله عزّ وجلَّ في القلب مخلوقة، والجحود صنع الله في القلب مخلوق، وليس للعباد فيهما من صنع، فلهم فيهما الاختيار من الاكتساب، فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة، فكانوا بذلك مؤمنين عارفين، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا، وذلك بتوفيق الله لهم وخذلأنّ من خذله الله، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم، إلى آخر الخبر.

إذ ظاهره أنّ المفيض للمعارف هو الرب تعالى، وللنظر والتفكر والطلب مدخل فيها، وإنّما يثابون ويعاقبون بفعل تلك المبادئ وتركها، ويحتمل أنّ يكون المعنى أنّ المعرفة ليست إلّا من قبله تعالى، إمّا بإلقائها في قلوبهم أو ببيان الأنبياء والحججعليهم‌السلام ، وإنّما كلف العباد بقبول ذلك وإقرارهم به ظاهراً وتخلية النفس قبل ذلك لطلب الحقّ عن العصبيّة والعناد، وعمّا يوجب الحرمأنّ عن الحقّ من تقليد أهل الفساد، فهذا هو المراد بالاختيار من الاكتساب، ثمّ بينعليه‌السلام أنّ لتوفيق الله وخذلأنّه أيضاً مدخلا في ذلك الاكتساب أيضاً كما مرّ تحقيقه.

الثاني: أنّ يخص بمعرفة الخالق والإقرار بوجوده سبحانه، فإنها فطرية كما عرفت، وروي في قرب الإسناد من معاوية بن حكيم عن البزنطي قال: قلت للرضاعليه‌السلام : للناس في المعرفة صنع؟ قال: لا، قلت: لهم عليها ثواب؟ قال: يتطول عليهم بالثواب كما يتطول عليهم بالمعرفة، وروي في المحاسن بسندّ صحيح عن صفوان قال: قلت للعبد الصالح: هل في الناس استطاعة يتعاطون بها المعرفة؟ قال: لا، إنّما هو تطول من الله، قلت: أفلهم على المعرفة ثواب إذا كان ليس لهم فيها ما يتعاطونه بمنزلة الركوع والسجود الّذي أمروا به ففعلوه؟ قال: لا إنّما هو تطول من الله عليهم

٢٤١

________________________________________________________

وتطوّل بالثواب. وفي الصحيح أيضاً عن زرارة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ »(١) قال: كان ذلك معاينة فأنساهم المعاينة وأثبت الإقرار في صدورهم، ولو لا ذلك ما عرف أحدّ خالقه ولا رازقه، وهو قول الله: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(٢) .

الثالث: أنّ يعم بحيث يشمل جميع أصول الدين، ويكون المراد أنّ الهداية إنّما هو من الله سبحانه كما قال: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ »(٣) لأنّ الله تعالى أعطى العقل وأقام الحجج على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته في الآفاق والأنفس، ثمّ بعث الأنبياءعليهم‌السلام ليبينوا للناس ما لا يفي به عقولهم، وأيدهم بالمعجزات الباهرات، ثمّ نصب لهم الأوصياء فترجع أسباب الهداية كلّها إليه سبحانه، وليس للعباد فيها مدخلية تامة، ويكون المراد بالجهل الجهل ببعض الأمور كمن لم تقم عليه حجة من المستضعفين في الإمامة وغيرها، فيعذرهم أو بالجميع كالمجانين.

الرابع: أنّ يكون المراد سوى ما يتوقف عليه العلم بحقية الرسلعليهم‌السلام ، فالمراد أنّ ما سوى ذلك توقيفية يعرفها الله بتوسطهمعليهم‌السلام ولم يكلفهم تحصيلها بالنظر كما قررنا سابقا.

الخامس: أنّ يكون المراد بالمعرفة كمالها، وبالجهل مقابله فإنهما بتوفيق الله سبحانه وخذلأنّه بأسباب راجعة إلى العبد كما دلت عليه الأخبار وشهدت به التجربة والاعتبار.

السادس: أنّ تحمل على العلم بالأحكام الشرعية ردا على المخالفين القائلين بجواز استنباطها بقياس العقول واستحساناتها، كما روى البرقيّ في المحاسن بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ليس على الناس أنّ يعلموا حتّى يكون الله هو المعلم لهم، فإذا علمهم فعليهم أنّ يعلموا، وقد مضت الأخبار الدّالة على النهي عن

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٧٢.

(٢) سورة الزخرف: ٨٧.

(٣) سورة القصص: ٥٦.

٢٤٢

(باب حجج الله على خلقه )

١ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أبي شعيب المحاملي، عن درست بن أبي منصور، عن بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس لله على خلقه أنّ يعرفوا وللخلق على الله أنّ يعرفهم ولله على الخلق إذا عرفهم أنّ يقبلوا.

٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن ثعلبة

________________________________________________________

اتّباع الأهواء والعمل بالقياس في الدين.

السابع: حمله على التقيّة لموافقته ظاهر المذاهب الأشاعرة وأشباههم، لكن لا ضرورة فيه، وحمله على بعض الوجوه السابقة أظهر.

والرّضا كيفيّة نفسانيّة تنفعل بها النفس وتتحرك نحو قبول شيء، سواء كان ذلك الشيء مرغوبا لها أو مكروها، والغضب حالة نفسانيّة تنفعل بها النفس وتتحرك نحو الانتقام، وقد يطلقأنّ على نفس الانفعالين، والنوم حالة تعرض للحيوأنّ من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواسّ عن أفعالها، لعدم انصباب الروح الحيواني إليها، واليقظة زوال تلك الحالة.

وأقول: لعلّ تخصيص تلك الستة من بين سائر الصّفات النفسانيّة لأنها ممّا يتوّهم فيها كونها بالاختيار، أو يقال: أنها أصول الكيفيات النفسانيّة فيظهر سائرها بالمقايسة، كاللذة والألم، والإرادة والكراهة والحياة والموت، والصحة والمرض، والفرح والغم، والحزن والهم، والبخل والحقد وأشباهها، والأوّل أظهر.

باب حجج الله على خلقه

الحديث الأوّل: ضعيف.

ويعرف شرحه ممّا مرّ في الأخبار السابقة، وهذه الأخبار وأمثالها مما يدّل على الحسن والقبح العقليين.

الحديث الثاني: مجهول.

٢٤٣

ابن ميمون، عن عبد الأعلى بن أعين قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام من لم يعرف شيئاً - هل عليه شيء قال لا.

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريّا بن يحيى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم.

________________________________________________________

قوله من لم يعرف، على بناء المعلوم من المجرّد أو المجهول من باب التفعيل « شيئاً » على العموم أيّ شيئاً من الأشياء بإرسال الرسل أو الوحيٌّ أو الإلهام، هل يجب عليه شيء يؤاخذ بتركه ويعاقب عليه؟ أو المراد من لم يعرف شيئاً خاصا بتعريفه سبحانه هل يجب ذلك الشيء عليه ويؤاخذ بتركه؟ والجواب بنفي الوجوب إمّا على الأوّل فلقوله تعالى: «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتّى نَبْعَثَ رَسُولاً »(١) ولأنّ من لم يعرف شيئاً حتّى المعرفة بالله سبحانه الّتي من صنع الله كما مرّ على بعض الوجوه كيف يؤاخذ بعدم المعرفة به، وبما يترتّب عليه كما قيل، وإمّا على الثاني فللآية ولأنّ مؤاخذة الغافل عن الشيء من غير أنّ ينبه عليه وعقابه على تركه قبيح عقلا، وقيل: إفاضة المعرفة من الله لا يعاقب على عدمها، وإنّما يعاقب على ترك التحصيل كما مرّ في بعض الوجوه، ويدّل على أنّ الجاهل معذور، وعلى أنّ من لم تبلغه الدعوة ولم تتم عليه الحجة غير معاقب.

الحديث الثالث: مجهول.

قوله: ما حجب الله عن العباد، وفي التّوحيد « علمه » وظاهره عدم تكليف العباد في التفكر في الأمور الّتي لم تبيّن لهم في الكتاب والسنة، وربّما يحمل على ما ليس في وسعهم العلم به كأسرار القضاء والقدر وأمثالها، وعلى التقادير يدّل على أنّ الجاهل بالحكم مع عدم التقصيّر في تحصيله معذور.

__________________

(١) سورة الإسراء: ١٥.

٢٤٤

٤ - عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن أبأنّ الأحمر، عن حمزة بن الطيّار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي اكتب فأملى عليّ أنّ من قولنا أنّ الله يحتجُّ على العباد بما آتاهم وعرَّفهم ثمّ أرسل إليهم رسولاً وأنزل عليهم الكتاب فأمرّ فيه ونهى أمرّ فيه بالصلاة والصيام فنام رسول الله

________________________________________________________

الحديث الرابع: حسن موثّق.

قولهعليه‌السلام : اكتب، يدّل على استحباب كتابة الحديث ولعلّ الأمرّ هنا للاعتناء بشأنّ ما يمليه لئلّا ينسى شيئاً منه، والإملاء الإلقاء على الكاتب ليكتب، وأصله من المضاعف فأبدل الثاني ياء، كما قال تعالى على الأصل: «وَلْيُمْلِلِ الّذي عَلَيْهِ الحقّ »(١) « بما آتاهم » أيّ من العقول « وعرفهم » ولعلّ المراد هنا معرفة الله سبحانه الّتي عرفها العباد بفطرهم عليها، أو بنصب الدلائل الواضحة في الآفاق والأنفس عليها، ويدّل عليه قولهعليه‌السلام : ثمّ أرسل إليهم، فأنّ إرسال الرسول إنّما يتأخر عن هذا التعريف

« وأنزل عليهم » وفي التّوحيد « عليه » بإرجاع الضمير إلى الرسول وخصّ الصلاة والصيام بالذكر لأنهما من أعاظم أركان الإيمان والإسلام، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا النوم رواه العامة والخاصّة أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نام في المعرس حتّى طلعت الشمس، ومن أنكر سهو النبي لم ينكر هذا كما ذكره الشهيد (ره) لكنّه ينافي ظاهراً ما عد من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان ينام عينه ولا ينام قلبه، فيلزم ترك الصلاة متعمداً.

وأجيب عنه بوجوه: « الأوّل » أنّ المراد لا ينام قلبه في الأكثر وهذه الإنامة كانت لمصلحة فكان كنوم الناس.

الثاني: ما ذكره بعض العامة أنّ المراد أنّه لا يستغرقه النوم حتّى يصدر منه الحدث.

الثالث: ما قال بعضهم أيضاً أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أنّ عينيه تنامأنّ وهما اللتان نامتا هيهنا، لأنّ طلوع الفجر يدرك بالعين لا بالقلب، ولا يخفى ما فيه إذ ظاهر

__________________

(١) سورة البقرة: ٢٨٢.

٢٤٥

صلى الله عليه واله عن الصلاة فقال أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصلّ ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون إذا نام عنها هلك وكذلك الصيام أنا اُمرضك وأنا أصحك فإذا شفيتك فاقضه - ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق ولم تجد أحدا إلّا ولله عليه الحجة ولله فيه المشيئة ولا أقول إنّهم ما شاءوا صنعوا ثمّ قال أنّ الله يهدي ويضل

________________________________________________________

أنّ الغرض اطلاعهعليه‌السلام على ما يخفى على النائم، سواء كان ممّا يدرك بالعين أم لا كما يدّل عليه قصّة ابن أبي رافع وغيرها، وأوردناها في الكتاب الكبير.

الرابع: ما يخطر بالبال وهو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن مكلّفاً بالعمل بما يعلمه من غير الجهات الّتي يعلم بها سائر الخلق، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم كفر المنافقين ولم يكن مأمورا بالعمل بما يقتضيه هذا العلم من قتلهم والاجتناب عنهم وعدم مناكحتهم وغيرها من الأحكام، وكان الأئمةعليه‌السلام يعلمون كون السمّ في الطعام أو الذهاب إلى العدوّ يوجب القتل أو هزيمة الأصحاب ولم يكونوا مكلفين بالعمل بهذا العلم، فلا يبعد أنّ يكون مع العلم بالفجر الصلاة ساقطة عنه أو مأموراً بتركها لتلك المصلحة، ويمكن أنّ يعد هذا الوجه الأخير جوابا خامساً وسيأتي بعض القول فيه في كتاب الصلاة أنّ شاء الله تعالى.

قوله تعالى: أنا أنمتك، في بعض النسخ أنيمك على صيغة المضارع كما في التّوحيد وهو أصوب، وهذا الكلام وما بعدّه لبيان أنّ الله تعالى لم يضيق على العباد في التكاليف بل وسع عليهم فيها، فكيف يتوّهم أنّه جبرهم على المعاصي أو كلفهم ما لا يعلمون أو لا يطيقون؟ وقولهعليه‌السلام : ولله عليه الحجة، كالدليل على ذلك، فأنّه لا حجة على المجبور ولا على الجاهل لكونهما معذورين، وقوله: ولله فيه المشيّة، إشارة إلى نفي التفويض كما عرفت، كما صرح به بقوله: ولا أقول إنهم ما شاء واصنعوا، بل لا بدّ من إذنه تعالى وتوفيقه أو خذلأنّه وتخليته كما مر، أو المراد نفي التفويض بمعنى عدم الحصر بالأمرّ والنهي، وهو بعيد.

« إنّ الله يهدي ويضلّ » قيل: أيّ يثيب ويعاقب أو يرشد في الآخرة إلى طريق

٢٤٦

________________________________________________________

الجنّة والنار للمطيع والعاصي كما قيل في قوله تعالى: «سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ »(١) أو ينجي ويهلك كما فسّر قوله تعالى: «لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ »(٢) بالنجاة وفسرت الضلالة في قوله تعالى: «فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ »(٣) وفي قوله: «أَإِذا ضَلَلْنا »(٤) بالهلاك أو يكون نسبة الهداية والإضلال إليه مجازاً باعتبار أقداره على الخيرات والمعاصي، والأظهر أنّ المراد بهما التوفيق للخيرات لمن يستحقه، وسلبه وخذلانه ممن لا يستحقه كما مر.

وقال المحقّق الطّوسي (ره) في التجريد: الإضلال إشارة إلى خلاف الحقّ وفعل الضلالة، والإهلاك والهدى مقابل، والأوّلان منفيان عنه تعالى، وقال العلامةقدس‌سره في الشرح: يطلق الإضلال على الإشارة إلى خلاف الحقّ والبأس الحقّ بالباطل، كما تقول: أضلني فلان عن الطريق إذا أشار إلى غيره، وأوهم أنّه هو الطريق ويطلق على فعل الضلالة في الإنسان كفعل الجهل فيه، حتّى يكون معتقدا خلاف الحق، ويطلق على الإهلاك والبطلأنّ كما قال الله تعالى: «فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ » بمعنى فلن يبطلها، والهدى يقال لمعأنّ ثلاثة مقابلة لهذه المعاني، فيقال بمعنى أعمالهم بمعنى فلن يبطلها، والهدى يقال لمعأنّ ثلاثة مقابلة لهذه المعاني، فيقال بمعنى نصب الدلالة على الحقّ كما تقول: هداني إلى الطريق، وبمعنى فعل الهدى في الإنسان حتّى الدلالة على الحقّ كما تقول: هداني إلى الطريق، وبمعنى فعل الهدى في الإنسان حتّى يعتقد المشي على ما هو به، وبمعنى الإثابة كقوله تعالى: «سَيَهْدِيهِمْ » يعنّي سيثيبهم والأوّلان منفيان عنه تعالى بمعنى الإشارة إلى خلاف الحقّ وفعل الضلالة، لأنهما قبيحان والله تعالى منزّه عن فعل القبيح، وإمّا الهداية فأنّ الله نصب الدلالة على الحقّ وفعل الهداية الضرورية في العقلاء ولم يفعل الإيمان فيهم لأنّه كلفهم به ويثيب على الإيمان، فمعاني الهداية صادقة في حقه تعالى إلّا فعل ما كلف به، وإذا قيل: أنّ الله تعالى يهدي ويضل، فأنّ المراد به أنّه يهدي المؤمنين بمعنى أنّه يثيبهم، ويضل

__________________

(١) سورة محمّد: ٥.

(٢) سورة إبراهيم: ٢١.

(٣) سورة محمّد: ٤.

(٤) سورة السجدة: ١٠.

٢٤٧

________________________________________________________

العصاة بمعنى أنّه يهلكهم ويعاقبهم، وقول موسىعليه‌السلام : «أنّ هِيَ إلّا فِتْنَتُكَ »(١) فالمراد بالفتنة الشدّة والتكليف الصعب، «تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ » أيّ تهلك من تشاء وهم الكفار « انتهى ».

وقال الفاضل المحدث الأسترآبادي (ره) في حاشيته على هذا الحديث: يجيء في باب ثبوت الإيمان أنّ الله خلق الناس كلّهم على الفطرة الّتي فطرهم عليها لا يعرفون إيماناً بشريعة وكفراً بجحود، ثمّ بعث الله الرسل يدعو العباد إلى الإيمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهد الله، وأقول: هذا إشارة إلى الحالة الّتي سمتها الحكماء العقل الهيولاني ومعنى الضال هو الّذي انحرف عن صوب الصواب ولـمّا لم يكن قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب صوب صواب امتنع حينئذ الانحراف عنه، ولـمّا حصل أمكن ذلك، فيكون الله تعالى سبباً بعيداً في ضلالة الضال، وهذا هو المراد بقولهعليه‌السلام : « يضلّ ».

وقال في الفوائد المدنية: وإمّا أنّه تعالى هو المضل فقد تواترت الأخبار عنهمعليهم‌السلام بأنّ الله يخرج العبد من الشقاوة إلى السّعادة ولا يخرجه من السّعادة إلى الشقاوة، فلا بد من الجمع بينهما، ووجه الجمع كما يستفاد من الأحاديث وإليه ذهب ابن بابويه: أنّ من جملة غضب الله تعالى على العباد أنّه إذا وقع منهم عصيان ينكت نكتة سوداء في قلبه، فأنّ تاب وأناب يزيل الله تعالى تلك النكتة، وإلّا فتنتشر تلك النكتة حتّى تستوعب قلبه كله، فحينئذ لا يرد قلبه إلى موضعه دليل.

لا يقال: من المعلوم أنّه مكلف بعد ذلك، فإذا امتنع تأثر قلبه بكون تكليفه بالطاعة من قبيل التكليف بما لا يطاق؟.

لأنّا نقول: من المعلوم أنّ انتشار النكتة لا ينتهي إلى حدّ تعذر التأثر، وممّا يؤيد هذا المقام ما اشتمل عليه كثير من الأدعية المأثورة عن أهل بيت النبوة صلوات

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٥٥.

٢٤٨

________________________________________________________

الله عليهم من الاستعاذة بالله من ذنب لا يوفّق صاحبه للتوبة بعدّه أبداً. ثمّ أقول: هيهنا دقيقة أخرى وهي أنّه يستفاد من قوله تعالى: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ »(١) أيّ نجد الخير ونجد الشر، ومن نظائره من الآيات والروايات، ومن قوله تعالى: «أنّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ »(٢) ومن نظائره من الآيات والروايات أنّ تصوير النجدين وتمييز نجد الخير من نجد الشر من جانبه تعالى، وأنّه تعالى قد يحول بين المرء وبين أنّ يميل إلى الباطل، وقد لا يحول ويخلي بينه وبين الشيطان ليضله عن الحقّ ويلهمه الباطل، وذلك نوع من غضبه، ويتضرع على اختيار العبد العمى بعد أنّ عرفه الله تعالى نجد الخير ونجد الشر، فهذا معنى كونه تعالى هادياً ومضلاً، وبالجملة أنّ الله يقعد أوّلاً في أحدّ أذني قلب الإنسان ملكا، وفي أحدّ أذنيه شيطانا ثمّ يلقى في قلبه اليقين بالمعارف الضرورية، فأنّ عزم الإنسان على إظهار تلك المعارف والعمل بمقتضاها يزيد الله في توفيقه، وأنّ عزم على إخفائها وإظهار خلافها يرفع الملك عن قلبه ويخلي بينه وبين الشيطان ليلقي في قلبه الأباطيل الظنية، وهذا معنى كونه تعالى مضلا لبعض عباده « انتهى ».

وقال بعض المحققّين في جواب إستدلال الأشاعرة بقوله تعالى: «يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ »(٣) على مذهبهم الفاسد: هذا مدفوع بما فصله الأصحاب في تحقيق معنى الهداية والضلالة، وحاصله أنّ الهدى يستعمل في اللغة بمعنى الدلالة والإرشاد نحو «أنّ عَلَيْنا لَلْهُدى »(٤) وبمعنى التوفيق نحو «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً »(٥) وبمعنى الثواب نحو «أنّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحاًتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ »(٦) وبمعنى الفوز والنجاة نحو «لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ »(٧)

__________________

(١) سورة البلد: ١٠.

(٢) سورة الأنفال: ٢٤.

(٣) سورة النحل: ٩٣.

(٤) سورة الليل: ١٢.

(٥) سورة محمّد: ١٧.

(٦) سورة يونس: ٩.

(٧) سورة إبراهيم: ٢١.

٢٤٩

وقال وما أمروا إلّا بدون سعتهم وكلّ شيء أمرّ الناس به فهم يسعون له وكلّ شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم ولكنّ الناس لا خير فيهم ثمّ تلاعليه‌السلام «لَيْسَ

________________________________________________________

وبمعنى الحكم والتسمية نحو «أَتُرِيدُونَ أنّ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ »(١) يعنّي أتريدون أنّ تسموا مهتديا من سماه الله ضالا، وحكم بذلك عليه.

والإضلال يأتي على وجوه: « أحدهما » الجهل بالشيء يقال: أضل بعيره إذا جهل مكانه « وثانيها » الإضاعة والإبطال يقال: أضله أيّ إضاعة وأبطله، ومنه قوله تعالى: «أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ »(٢) أيّ أبطلها « وثالثها » بمعنى الحكم والتسمية يقال أضل فلان فلاناً أيّ حكم عليه بذلك، وسماه به « ورابعها » بمعنى الوجدأنّ والمصادفة، يقال: أضللت فلاناً أيّ وجدته ضالا، كما يقال: أبخلته أيّ وجدته بخيلاً، وعليه حمل قوله تعالى: «وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ »(٣) أيّ وجدّه ضإلّا وحمل أيضاً على معنى الحكم والتسمية وعلى معنى العذاب « وخامسها » أنّ يفعل ما عنده يضل ويضيفه(٤) مجازاً لأجلَّ ذلك كقوله تعالى: «يُضِلُّ بِهِ كثيراً »(٥) أيّ يضل عنده كثير « وسادسها » أنّ يكون متعديا إلى مفعولين نحو «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا »(٦) «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ »(٧) وهذا هو الإضلال بمعنى الإغواء وهو محل الخطاب(٨) بيننا وبينهم، وليس في القران ولا في السنة شيء يضاف إلى الله تعالى بهذا المعنى « انتهى ».

« وما أمروا إلّا بدون سعتهم » أيّ أقل من طاقتهم، بل السعة أوسع من الطاقة وهو يتضمن السهولة، ويحتمل أنّ يكون دون بمعنى عندّ « ولكن الناس لا خير فيهم » إذ وسع عليهم هذه التوسعة، ومع ذلك لا يطيعونه، أو المراد أنّ ما لم يقع

__________________

(١) سورة النساء: ٨٨.

(٢) سورة محمّد: ١.

(٣) سورة الجاثية: ٢٣.

(٤) كذا في النسخ وفي شرح مولى محمّد صالح « يضيفه إلى نفسه » وهو الظاهر.

(٥) سورة البقرة: ٢٦.

(٦) سورة الأحزاب: ٦.

(٧) سورة الزمر: ٨.

(٨) وفيه أيضاً « الخلاف » بدل « الخطاب ».

٢٥٠

عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ » فوضع عنهم «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ »(١) قال فوضع عنهم لأنهم لا يجدون.

________________________________________________________

من المأمور به ليس لأنّهم لا يسعون بل لأنّه لا خير فيهم، ويحتمل أنّ يكون المراد بالناس العامة المجبّرة حيث ينسبون ربّهم إلى الجور والظلم، مع هذه التوسعة الّتي جعلها الله في التكاليف.

وقيل: المعنى المخالفون لا خير فيهم، حيث تمسّكوا في أصول الدين وفروعه بمفتريات أوهامهم، وتركوا اتّباع من جعله الله مبيناً وهادياً لهم « ثمّ تلاعليه‌السلام » استشهاداً لقوله: لم تجد أحدا في ضيق، وقوله: وما أمروا إلّا بدون سعتهم «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ » لكمال فقرهم «ما يُنْفِقُونَ » في سبيل الجهاد «حَرَجٌ » فوضع عنهم تكليف الخروج والحرج والإثمّ للقعود عن الجهاد والتأخر عن الخروج «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ » وهم الضعفاء والمرضى «مِنْ سَبِيلٍ » إلى معاتبتهم ومؤاخذتهم وتكليفهم ما ليس في وسعهم، وإنّما وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على أنّ اتصافهم بصفة الإحسان ودخولهم في المجاهدين بالقلب واللسان، وأنّ تخلفوا عنهم بالأبدان صار منشأ لنفي الحرج عنهم كما قال سبحانه: «إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ». «وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » يغفر لهم خطيئاتهم ولا يكلفهم بما لا يطيقون «وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ » من فقراء الصحابة «لِتَحْمِلَهُمْ » إلى الجهاد بتحصيل الراحلة والزاد لينفروا معك «قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً إلّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ » قال: فوضع عنهم الجهاد والحرج لأنهم لا يجدون ما يركبون وما ينفقون.

قيل: والمقصود من ذكر الآية أنّ الله لا يكلّف نفساً إلّا وسعها، فكيف يكلف الناس على اختلاف عقولهم وأهوائهم أنّ يكتسبوا المعارف والأحكام بأوهامهم، ولا يبيّن لهم ذلك بهاد يهديهم ومرشد يرشدهم، والله يعلم حقائق الأمور.

__________________

(١) سورة التوبة: ٩١ - ٩٢.

٢٥١

( باب الهداية أنها من الله عزّ وجل )

١ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن إسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن ثابت بن سعيد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا ثابت ما لكم وللناس كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم فو الله لو أنّ أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد الله ضلالته ما استطاعوا

________________________________________________________

باب الهداية أنها من الله عزّ وجلَّ

الحديث الأوّل : مجهول.

قولهعليه‌السلام : ما لكم وللناس؟ الواو للعطف على الضمير المجرور بإعادة الجار، والعامل معنوي يشعر به كلمة الاستفهام وحروف الجرّ الطالبان للفعل، والمعنى: ما تصنعون أنتم والناس، ثمّ أنّ أخبار هذا الباب تشتمل على أمرين:

الأوّل: ترك المجادلة والمخاصمة والاحتجاج في مسائل الدين، والآيات والأخبار في ذلك متعارضة ظاهراً إذ كثير منها دالة على وجوب الأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضل الهداية والتعليم، ودفع شبه المخالفين، وكثير منها تدلّ على رجحان الكفّ عن ذلك وعدم التعرّض لهم والنهي عن المراء والمجادلة والمخاصمة.

ويمكن الجمع بينها بوجوه: « الأوّل » حمل أخبار النهي على التقية والاتقاء على الشيعة فإنهم لحرصهم على هداية الخلق ودخولهم في هذا الأمرّ كانوا يلقون أنفسهم في المهالك، ويحتجون على المخالفين بما يعود به الضرر العظيم عليهم وعلى أنفسهم في المهالك، ويحتجون على المخالفين بما يعود به الضرر العظيم عليهم وعلى أئمتهمعليهم‌السلام ، كما كان من أمرّ هشام بن الحكم وأضرابه، فنهوهم عن ذلك وأزالوا التوهم الّذي صار سبباً لحرصهم في ذلك من قدرتهم على هداية الخلق بالمبالغة والاهتمام في الاحتجاج فيها، بأنّ الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب من قبل الله تعالى، ولو علم الله المصلحة في جبرهم على اختيار الحقّ لكان قادراً عليه ولفعل، فإذا لم يفعل الله ذلك لمنافاته للتكليف وغير ذلك من المصالح، فلِمَ تتعرّضون أنتم للمهالك، مع عدم

٢٥٢

على أنّ يهدوه ولو أنَّ أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أنّ يضلّوا عبداً

________________________________________________________

قدرتكم عليه، وقد منع الله نبيّه صلوات الله عليه من ذلك وقال: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ »(١) وإمّا إظهار الحقّ فإنّما يجب مع عدم التقية، مع أنّه قد تبين الرشد من الغي وتمت الحجة عليهم بما رأوا من فضل الأئمة وعلمهم وورعهم وكمالهم، وفجور خلفائهم الجائرين وبغيهم، وانتشرت الأخبار الدّالة على الحقّ بينهم، ويكفي ذلك لهدايتهم أنّ كانوا قابلين، ولإتمام الحجّة عليهم أنّ كانوا متعنّتين.

« الثاني » أنّ يكون الأمرّ بها عندّ عدم ظهور الحقّ واشتباه الأمرّ على الناس والنهي عنها، أو تجويز تركها عندّ وضوح الحقّ وظهور الأمرّ كما أشرنا إليه.

« الثالث » أنّ يحمل أخبار الأمرّ على ما إذا كان لظهور الحقّ وهداية الخلق، وأخبار النهي على ما إذا كان للمراء والمخاصمة، وإظهار الفضل والكمال، والتعنّت والغلبة، وأنّ كان بالباطل، وهذا من أخسّ صفات الذميمة وأرذلها.

« الرابع » يمكن حمل بعض أخبار النهي على المسائل الّتي نهي عن الخوض فيها كمسألة القدر وكنه صفات الباري تعالى وأشباه ذلك.

« الخامس » أنّ يكون النهي محمولاً على مجادلة من يعلم أنّه لا يؤول إلى الحقّ لشدّة رسوخه في باطله.

« السادس » أنّ يكون بعضها محمولاً على من لا تقدر على إلقاء الحجج ودفع الشبه فيكون مخاصمته سبباً لقوّة حجّة الخصم ورسوخه في ضلالته، ويدّل عليه ما رواه الكشي عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أنّ الناس يعيبون عليّ بالكلام وأنا أكلم الناس؟ فقال: إمّا مثلك من يقع ثمّ يطير فنعم، وإمّا من يقع ثمّ لا يطير فلا، وعن الطيّار قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : بلغني أنك كرهت مناظرة الناس؟ فقال: إمّا كلام مثلك فلا يكره من إذا طار يحسن أنّ يقع، وأنّ وقع يحسن أنّ يطير، فمن كان هكذا لا نكرهه، وعن حمّاد قال: كان أبو الحسنعليه‌السلام يأمرّ محمّد

__________________

(١) سورة القصص: ٥٦.

٢٥٣

________________________________________________________

ابن حكيم أنّ يجالس أهل المدينة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ يكلمهم ويخاصمهم حتّى كلمهم في صأحبّ القبر، وكان إذا انصرف إليه قال: ما قلت لهم؟ وما قالوا لك؟ ويرضي بذلك منه، وعن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما فعل ابن الطيّار؟ قال: قلت: مات، قال:رحمه‌الله ولقاه نضرة وسرورا فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت.

ويؤيّد الوجه الثالث ما روي في تفسير الإمامعليه‌السلام قال: ذكر عندّ الصادقّعليه‌السلام الجدال في الدين، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام قد نهوا عنه؟ فقال الصادقّعليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقاً، لكنّه نهى عن الجدال بغير الّتي هي أحسن، إمّا تسمعون إليه يقول: «وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إلّا بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ »(١) وقوله تعالى: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ »(٢) فالجدال بالّتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير الّتي هي أحسن محرم، وحرمه الله على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: «وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الجنّة إلّا مَنْ كان هُوداً أَوْ نَصارى » قال الله تعالى: «تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أنّ كُنْتُمْ صادِقِينَ »(٣) فجعل علم الصدقّ والإيمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهأنّ إلّا في الجدال بالّتي هي أحسن، قيل: يا بن رسول الله فما الجدال بالّتي هي أحسن والّتي ليست بأحسن؟ فقال: إمّا الجدال بغير الّتي هي أحسن أنّ تجادل مبطلا فيورد عليك باطلاً فلا ترده بحجة قد نصبها الله تعالى، ولكن تجحدّ قوله أو تجحدّ حقّاً يريد ذلك المبطل أنّ يعين به باطله فتجحدّ ذلك الحقّ مخافة أنّ يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أنّ يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم، وعلى المبطلين، أمّا المبطلون فيجعلون الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلة

__________________

(١) سورة العنكبوت: ٤٦.

(٢) سورة النحل: ١٢٥.

(٣) سورة البقرة: ١١١.

٢٥٤

________________________________________________________

وضعف في يده حجّة له على باطله، وإمّا الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لـمّا يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل، ثمّ ذكرعليه‌السلام له احتجاجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أرباب الملل الباطلة.

وممّا يؤيّد سائر الوجوه ما رواه الصّدوق في الخصال عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: إياك والخصومات فإنها تورث الشكّ وتحبط العمل، وتردي صاحبها، وعسى أنّ يتكلم الرّجلَّ بالشيء لا يغفر له، وفي المجالس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إياك والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عزّ وجلَّ وتورث النفاق وتكسب الضغائن وتستجيز الكذب.

وما رواه الشيخ في مجالسه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لأصحابه: اسمعوا مني كلإمّا هو خير لكم من الدهم الموقفة(١) : لا يتكلم أحدكم بما لا يعنيه، وليدع كثيراً من الكلام فيما يعينه، حتّى يجد له موضعا، فرب متكلّم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه، ولا يمارين أحدكم سفيها ولا حليما، فأنّه من مارى حليما أقصاه، ومن مارى سفيها أرداه، وفي المحاسن عن أبي بصيّر قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام ادعوا الناس إلى ما في يدي؟ فقال: لا، قلت: أنّ استرشدني أحدّ أرشده؟ قال: نعم، أنّ استرشدك فأرشده، فأنّ استزادك فزده، فأنّ جاحدك فجاحده.

وروى السيّد بن طاوس في كشف المحجة نقلا من كتاب عبد الله بن حمّاد عن عاصم الحناط عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام وأنا عنده: إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه، وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتّى تكلفوا علم السماء، يا أبا عبيدة خالط الناس بأخلاقهم وزائلهم بأعمالهم،

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ولنسخة الشارح (ره)، وفي نسخة « الدرهم الموقفة » وهو مصحّف، والدهم جمع الأدهم: الأسود من الخيل والدواب، والموقّفة - بتشديد القاف -: الّتي في قوائمها خطوط سود.

٢٥٥

________________________________________________________

ومن الكتاب المذكور عن جميل قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: متكلمو هذه العصابة من شرار من هم منهم، إلى غير ذلك من الأخبار الّتي أوردتها في كتاب بحار الأنوار.

وقال شارح التجريد القوشجي في سياق أدلة النافين لوجوب النظر شرعا: وثانيها: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الجدل كما في مسألة القدر، روي أنّه صلوات الله عليه خرج على أصحابه فرآهم يتكلمون في القدر، فغضب حتّى احمرت وجنتاه وقال: إنّما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا، عزمت عليكم أنّ لا تخوضوا فيه أبداً، وقال صلوات الله عليه: إذا ذكر القدر فأمسكوا، ولا شكّ أنّ النظر جدل، فيكون منهيا عنه لا واجباً، وأجيب: بأنّ ذلك النهي الوارد عن الجدل إنّما هو حيث كان الجدل تعنتا ولجاجا بتلفيق الشبهات الفاسدة لترويج الآراء الباطلة، ودفع العقائد الحقة وإراءة الباطل في صورة الحقّ بالتلبيس والتدلّ يس، كما قال تعالى: «وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحقّ »(١) وقال: «بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ »(٢) وقال «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ »(٣) ومثل هذا الجدال لا نزاع في كونه منهيا عنه، وإمّا الجدل بالحقّ لإظهاره وإبطال الباطل فمأمور به، قال الله تعالى: «وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ »(٤) ومجادلة الرسول لابن الزبعرى، وعليّعليه‌السلام للقدريّ مشهورة إلى آخر ما قال.

الثاني: أنّ الهداية من الله سبحانه، ولا يقدر الخلق عليها، وهو حقّ، ومحمول على الإيصال إلى المطلوب، وهو ممّا لا يقدر عليه غيره تعالى، وإمّا الهداية بمعنى إراءة الطريق فهي شأن الأنبياء والأوصياء والعلماء، وربّما يحمل على أنّ مفيض العلم

__________________

(١) سورة الغافر: ٥.

(٢) سورة زخرف: ٥٨.

(٣) سورة الحج: ٣ و ٨.

(٤) سورة النحل: ١٢٥.

٢٥٦

يريد الله هدايته ما استطاعوا أنّ يضلّوه كّفوا عن الناس ولا يقول أحدّ عمي وأخي وابن عمي وجاري فأنّ الله إذا أراد بعبد خيراً طيب روحه فلا يسمع معروفاً إلّا عرفه ولا منكراً إلّا أنكره ثمّ يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

٢ - عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أنّ الله عزّ وجلَّ إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكلّ به ملكاً يسدّده وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسدَّ مسامع قلبه ووكلّ به شيطاناً يضلّه ثمَّ

________________________________________________________

هو الله تعالى كما مرّ، والأوّل أظهر، وهو المراد بقولهعليه‌السلام : على أنّ يهدوا عبدا يريد الله ضلالته، والمراد بإرادة الضلالة أنّ يكله إلى نفسه، ويمنعه الألطاف الخاصّة الّتي لا يستحقها، فيختار الضلالة، فإرادة الضلالة إرادة بالعرض وعلى المجاز، وربّما تأول الإرادة بالعلم الأزلي، أو بالعذاب والهلاك كما مر، وكذا إرادة الهداية توفيقه وتأييده بما يصيّر سبباً لاختياره الاهتداء، وربّما تأول بالإثابة والإرشاد إلى طريق الجنّة في الآخرة.

« ولا يقول أحدّ عمي » أيّ هذا عمي ويلزمني هدايته « فأنّ الله إذا أراد بعبد خيرا » أيّ استحق الألطاف الخاصّة « طيب روحه » من خبث العقائد الباطلة « إلّا عرفه » أيّ أيقن أنّه حق « إلّا أنكره » أيّ لم يذعن به، وعلم أنّه باطل « ثمّ يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره » المراد بالكلمة ولاية الأئمةعليهم‌السلام ووجوب متابعتهم فبها يتم نجاته لأنّه يأخذ عنهم ما ينجيه من العقائد والأعمال الحقة، أو الإخلاص وصدقّ النية في طلب الحق، وترك الأغراض الباطلة، وقيل: أيّ كلمة التقوى وهي المعرفة الكاملة.

الحديث الثاني: مجهول.

قولهعليه‌السلام : إذا أراد بعبد خيراً، أيّ لطفاً يستحقّه بحسن اختياره، وقيل: أيّ علـماً « نكت في قلبه نكتة » أيّ أثر في قلبه تأثيرا وأفاض عليه علـماً يقينيّاً ينتقش

٢٥٧

تلا هذه الآية «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنّ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أنّ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَإنّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ »(١)

________________________________________________________

فيه من قولهم: نكت الأرض بالقضيب إذا أثر فيها، وسمّي اليقين بالنور إذ به يظهر حقائق الأشياء على النفس، وفتح مسامع القلب كناية عن تهيئة لقبول ما يرد عليه من المعارف « ووكلّ به ملك يسدده » ويلهمه الحق، ويدفع عنه استيلاء الشيطأنّ بالشبهات، « وإذا أراد بعبد سوءا » أيّ منع لطفه لعدم استحقاقه « نكت في قلبه » أيّ يخليه والشيطان، فينكت الشيطأنّ في قلبه نكتة سوداء من الجهالة والضلالة، وما يصيّر سبباً لعدم قبول الحقّ وسد مسامع قلبه، أيّ لا يوفقه لقبول الحقّ ولا يفعل به ما فعل بمن استحق الألطاف الخاصّة، فكأنّه سبحانه سد مسامع قلبه، وهو مثل قوله سبحانه: «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ »(٢) « ووكلّ به شيطانا » أيّ يخلي بينه وبين الشيطأنّ لعدم قبوله هداية الرحمن، وإعراضه عن الحقّ بعد البيان.

قوله تعالى «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنّ يَهْدِيَهُ » قال البيضاوي: أيّ يعرفه طريق الحقّ ويوفقه للإيمأنّ «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح ما فيه مجالة وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها، مصفاة عمّا يمنعه وينافيه «وَمَنْ يُرِدْ أنّ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو(٣) عن قبول الحق، فلا يدخله الإيمان «كَإنّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، فأنّ صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة.

وقال الطبرسي: قد ذكر في تأويل الآية وجوه: « أحدهما » أنّ معناه من يرد الله أنّ يهديه إلى الثواب وطريق الجنّة يشرح صدره في الدنيا للإسلام، بأنّ يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك، ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان، وإنّما يفعل ذلك لطفاً ومنا عليه وثواباً على اهتدائه بهدي الله، وقبوله إياه ونظيره قوله سبحانه

__________________

(١) سورة الأنعام: ١٢٥.

(٢) سورة البقرة: ٧.

(٣) نبا الطبع عن الشيء: نفر ولم يقبله.

٢٥٨

________________________________________________________

«وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً »(١) و «يَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً »(٢) و «مَنْ يُرِدْ أنّ يُضِلَّهُ » عن ثوابه وكرامته «يَجْعَلْ صَدْرَهُ » في كفره «ضَيِّقاً حَرَجاً » عقوبة له عليّ تركه الإيمان من غير أنّ يكون سبحانه مانعا له عن الإيمان وسالبا إياه القدرة عليه، بل ربّما يكون ذلك سبباً داعياً له إلى الإيمان فأنّ من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعيا له إلى تركه، وقد وردت الرواية الصحيحة أنّه لـمّا نزلت هذه الآية سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شرح الصدر ما هو؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نور يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له صدره، وينفسخ قالوا: فهل لذلك من أمارة فيعرف بها؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله.

وثانيها: أنّ معنى الآية من يرد الله أنّ يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الّذي ذكرناه جزاء له على إيمأنّه واهتدائه، وقد يطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلناه في: اهدنا الصراط المستقيم «وَمَنْ يُرِدْ أنّ يُضِلَّهُ » أيّ يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر، وتركه الإيمان «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بأنّ يمنعه الألطاف الّتي ينشرح لها صدره لخروجه من قبولها، بإقامته على كفره.

وثالثها: أنّ معنى الآية من يرد الله أنّ يهديه زيادة الهدى الّتي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيّادة لأنّ من حقها أنّ تزيد المؤمن بصيرة، ومن يرد أنّ يضله عن تلك الزيّادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أنّ تصح عليه «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » لمكان فقد تلك الزيّادة لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه، اقتضى في الكافر ما يضاده، وتكون الفائدة في ذلك الترغيب في الإيمان والزجر عن الكفر، وقد روي عن ابن عباس أنّه قال: إنّما سمّي قلب الكافر حرجاً لأنّه لا يصل الخير إلى قلبه، وفي رواية أخرى: لا تصل الحكمة إلى قلبه، ولا يجوز أنّ يكون

__________________

(١) سورة محمّد: ١٧.

(٢) سورة مريم: ٧٦.

٢٥٩

________________________________________________________

المراد بالإضلال في الآية الدعاء إلى الضلال، ولا الأمرّ به، ولا الإجبار عليه، لإجماع الأمة على أنّ الله تعالى لا يأمرّ بالضلال، ولا يدعو إليه، فكيف يجبر عليه، والدعاء إليه أهون من الإجبار عليه، وقد ذم الله سبحانه فرعون والسامري على إضلالهما عن دين الهدى في قوله: «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى »(١) وقوله: «وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ »(٢) ولا خلاف في أنّ إضلالهما إضلال أمرّ وإجبار ودعاء، وقد ذمهما الله سبحانه عليه مطلقاً، فكيف يتمدح بما ذم عليه غيره.

وقوله: «كَإنّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » فيه وجوه: « أحدها » أنّ معناه كأنّه قد كلف أنّ يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه، وكان قلبه يصعد إلى السماء نبوا عن الإسلام والحكمة عن الزجاج « وثانيها » أنّ معنى يصعد كأنّه يتكلف مشقة في ارتقاء صعود « وثالثها » أنّ معناه كإنّما ينزع قلبه إلى السماء لشدة المشقة عليه في مفارقه مذهبه « انتهى ».

وروى الصّدوق في التّوحيد والعيون وغيرهما بإسناده عن حمدأنّ بن سليمان قال:

سألت الرّضاعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجل: «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنّ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » قال: من يرد الله أنّ يهديه بإيمأنّه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به، والسكون إلى ما وعدّه من ثوابه حتّى يطمئن إليه، ومن يرد أنّ يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيأنّه له في الدنيا يجعل صدره ضيّقاً حرجاً حتّى يشكّ في كفره ويضطرب من اعتقاده قلبه حتّى يصيّر كإنّما يصّعد في السماء «كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ».

وفي معاني الأخبار بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله عزّ وجل: «وَمَنْ يُرِدْ

__________________

(١) سورة طه: ٧٩.

(٢) سورة طه: ٨٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462