مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 61458
تحميل: 4680


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61458 / تحميل: 4680
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

وقال وما أمروا إلا بدون سعتهم وكل شيء أمر الناس به فهم يسعون له وكل شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم ثم تلاعليه‌السلام «لَيْسَ

________________________________________________________

وبمعنى الحكم والتسمية نحو «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ »(١) يعني أتريدون أن تسموا مهتديا من سماه الله ضالا، وحكم بذلك عليه.

والإضلال يأتي على وجوه: « أحدهما » الجهل بالشيء يقال: أضل بعيره إذا جهل مكانه « وثانيها » الإضاعة والإبطال يقال: أضله أي إضاعة وأبطله، ومنه قوله تعالى: «أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ »(٢) أي أبطلها « وثالثها » بمعنى الحكم والتسمية يقال أضل فلان فلانا أي حكم عليه بذلك، وسماه به « ورابعها » بمعنى الوجدان والمصادفة، يقال: أضللت فلانا أي وجدته ضالا، كما يقال: أبخلته أي وجدته بخيلا، وعليه حمل قوله تعالى: «وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ »(٣) أي وجده ضالا وحمل أيضا على معنى الحكم والتسمية وعلى معنى العذاب « وخامسها » أن يفعل ما عنده يضل ويضيفه(٤) مجازا لأجل ذلك كقوله تعالى: «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً »(٥) أي يضل عنده كثير « وسادسها » أن يكون متعديا إلى مفعولين نحو «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا »(٦) «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ »(٧) وهذا هو الإضلال بمعنى الإغواء وهو محل الخطاب(٨) بيننا وبينهم، وليس في القرآن ولا في السنة شيء يضاف إلى الله تعالى بهذا المعنى « انتهى ».

« وما أمروا إلا بدون سعتهم » أي أقل من طاقتهم، بل السعة أوسع من الطاقة وهو يتضمن السهولة، ويحتمل أن يكون دون بمعنى عند « ولكن الناس لا خير فيهم » إذ وسع عليهم هذه التوسعة، ومع ذلك لا يطيعونه، أو المراد أن ما لم يقع

__________________

(١) سورة النساء: ٨٨.

(٢) سورة محمد: ١.

(٣) سورة الجاثية: ٢٣.

(٤) كذا في النسخ وفي شرح مولى محمد صالح « يضيفه إلى نفسه » وهو الظاهر.

(٥) سورة البقرة: ٢٦.

(٦) سورة الأحزاب: ٦.

(٧) سورة الزمر: ٨.

(٨) وفيه أيضا « الخلاف » بدل « الخطاب ».

٢٤١

عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ » فوضع عنهم «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ »(١) قال فوضع عنهم لأنهم لا يجدون.

________________________________________________________

من المأمور به ليس لأنهم لا يسعون بل لأنه لا خير فيهم، ويحتمل أن يكون المراد بالناس العامة المجبرة حيث ينسبون ربهم إلى الجور والظلم، مع هذه التوسعة التي جعلها الله في التكاليف.

وقيل: المعنى المخالفون لا خير فيهم، حيث تمسكوا في أصول الدين وفروعه بمفتريات أوهامهم، وتركوا اتباع من جعله الله مبينا وهاديا لهم « ثم تلاعليه‌السلام » استشهادا لقوله: لم تجد أحدا في ضيق، وقوله: وما أمروا إلا بدون سعتهم «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ » لكمال فقرهم «ما يُنْفِقُونَ » في سبيل الجهاد «حَرَجٌ » فوضع عنهم تكليف الخروج والحرج والإثم للقعود عن الجهاد والتأخر عن الخروج «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ » وهم الضعفاء والمرضى «مِنْ سَبِيلٍ » إلى معاتبتهم ومؤاخذتهم وتكليفهم ما ليس في وسعهم، وإنما وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على أن اتصافهم بصفة الإحسان ودخولهم في المجاهدين بالقلب واللسان، وإن تخلفوا عنهم بالأبدان صار منشأ لنفي الحرج عنهم كما قال سبحانه: «إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ». «وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » يغفر لهم خطيئاتهم ولا يكلفهم بما لا يطيقون «وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ » من فقراء الصحابة «لِتَحْمِلَهُمْ » إلى الجهاد بتحصيل الراحلة والزاد لينفروا معك «قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ » قال: فوضع عنهم الجهاد والحرج لأنهم لا يجدون ما يركبون وما ينفقون.

قيل: والمقصود من ذكر الآية أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فكيف يكلف الناس على اختلاف عقولهم وأهوائهم أن يكتسبوا المعارف والأحكام بأوهامهم، ولا يبين لهم ذلك بهاد يهديهم ومرشد يرشدهم، والله يعلم حقائق الأمور.

__________________

(١) سورة التوبة: ٩١ ـ ٩٢.

٢٤٢

باب الهداية أنها من الله عز وجل

١ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن إسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن ثابت بن سعيد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا ثابت ما لكم وللناس كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم فو الله لو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته ما استطاعوا

________________________________________________________

باب الهداية أنها من الله عز وجل

الحديث الأول : مجهول.

قولهعليه‌السلام : ما لكم وللناس؟ الواو للعطف على الضمير المجرور بإعادة الجار، والعامل معنوي يشعر به كلمة الاستفهام وحروف الجر الطالبان للفعل، والمعنى: ما تصنعون أنتم والناس، ثم إن أخبار هذا الباب تشتمل على أمرين:

الأول: ترك المجادلة والمخاصمة والاحتجاج في مسائل الدين، والآيات والأخبار في ذلك متعارضة ظاهرا إذ كثير منها دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضل الهداية والتعليم، ودفع شبه المخالفين، وكثير منها تدل على رجحان الكف عن ذلك وعدم التعرض لهم والنهي عن المراء والمجادلة والمخاصمة.

ويمكن الجمع بينها بوجوه: « الأول » حمل أخبار النهي على التقية والاتقاء على الشيعة فإنهم لحرصهم على هداية الخلق ودخولهم في هذا الأمر كانوا يلقون أنفسهم في المهالك، ويحتجون على المخالفين بما يعود به الضرر العظيم عليهم وعلى أنفسهم في المهالك، ويحتجون على المخالفين بما يعود به الضرر العظيم عليهم وعلى أئمتهمعليهم‌السلام ، كما كان من أمر هشام بن الحكم وأضرابه، فنهوهم عن ذلك وأزالوا التوهم الذي صار سببا لحرصهم في ذلك من قدرتهم على هداية الخلق بالمبالغة والاهتمام في الاحتجاج فيها، بأن الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب من قبل الله تعالى، ولو علم الله المصلحة في جبرهم على اختيار الحق لكان قادرا عليه ولفعل، فإذا لم يفعل الله ذلك لمنافاته للتكليف وغير ذلك من المصالح، فلم تتعرضون أنتم للمهالك، مع عدم

٢٤٣

 على أن يهدوه ولو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا

________________________________________________________

قدرتكم عليه، وقد منع الله نبيه صلوات الله عليه من ذلك وقال: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ »(١) وأما إظهار الحق فإنما يجب مع عدم التقية، مع أنه قد تبين الرشد من الغي وتمت الحجة عليهم بما رأوا من فضل الأئمة وعلمهم وورعهم وكمالهم، وفجور خلفائهم الجائرين وبغيهم، وانتشرت الأخبار الدالة على الحق بينهم، ويكفي ذلك لهدايتهم إن كانوا قابلين، ولإتمام الحجة عليهم إن كانوا متعنتين.

« الثاني » أن يكون الأمر بها عند عدم ظهور الحق واشتباه الأمر على الناس والنهي عنها، أو تجويز تركها عند وضوح الحق وظهور الأمر كما أشرنا إليه.

« الثالث » أن يحمل أخبار الأمر على ما إذا كان لظهور الحق وهداية الخلق، وأخبار النهي على ما إذا كان للمراء والمخاصمة، وإظهار الفضل والكمال، والتعنت والغلبة، وإن كان بالباطل، وهذا من أخس صفات الذميمة وأرذلها.

« الرابع » يمكن حمل بعض أخبار النهي على المسائل التي نهي عن الخوض فيها كمسألة القدر وكنه صفات الباري تعالى وأشباه ذلك.

« الخامس » أن يكون النهي محمولا على مجادلة من يعلم أنه لا يؤول إلى الحق لشدة رسوخه في باطله.

« السادس » أن يكون بعضها محمولا على من لا تقدر على إلقاء الحجج ودفع الشبه فيكون مخاصمته سببا لقوة حجة الخصم ورسوخه في ضلالته، ويدل عليه ما رواه الكشي عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن الناس يعيبون علي بالكلام وأنا أكلم الناس؟ فقال: أما مثلك من يقع ثم يطير فنعم، وأما من يقع ثم لا يطير فلا، وعن الطيار قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : بلغني أنك كرهت مناظرة الناس؟ فقال: أما كلام مثلك فلا يكره من إذا طار يحسن أن يقع، وإن وقع يحسن أن يطير، فمن كان هكذا لا نكرهه، وعن حماد قال: كان أبو الحسنعليه‌السلام يأمر محمد

__________________

(١) سورة القصص: ٥٦.

٢٤٤

________________________________________________________

ابن حكيم أن يجالس أهل المدينة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يكلمهم ويخاصمهم حتى كلمهم في صاحب القبر، وكان إذا انصرف إليه قال: ما قلت لهم؟ وما قالوا لك؟ ويرضي بذلك منه، وعن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما فعل ابن الطيار؟ قال: قلت: مات، قال:رحمه‌الله ولقاه نضرة وسرورا فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت.

ويؤيد الوجه الثالث ما روي في تفسير الإمامعليه‌السلام قال: ذكر عند الصادقعليه‌السلام الجدال في الدين، وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام قد نهوا عنه؟ فقال الصادقعليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون إليه يقول: «وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(١) وقوله تعالى: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(٢) فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم، وحرمه الله على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: «وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى » قال الله تعالى: «تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ »(٣) فجعل علم الصدق والإيمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن، قيل: يا بن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن؟ فقال: أما الجدال بغير التي هي أحسن أن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله تعالى، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم، وعلى المبطلين، أما المبطلون فيجعلون الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلة

__________________

(١) سورة العنكبوت: ٤٦.

(٢) سورة النحل: ١٢٥.

(٣) سورة البقرة: ١١١.

٢٤٥

________________________________________________________

وضعف في يده حجة له على باطله، وأما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل، ثم ذكرعليه‌السلام له احتجاجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أرباب الملل الباطلة.

ومما يؤيد سائر الوجوه ما رواه الصدوق في الخصال عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: إياك والخصومات فإنها تورث الشك وتحبط العمل، وتردي صاحبها، وعسى أن يتكلم الرجل بالشيء لا يغفر له، وفي المجالس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إياك والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عز وجل وتورث النفاق وتكسب الضغائن وتستجيز الكذب.

وما رواه الشيخ في مجالسه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال لأصحابه: اسمعوا مني كلاما هو خير لكم من الدهم الموقفة(١) : لا يتكلم أحدكم بما لا يعنيه، وليدع كثيرا من الكلام فيما يعينه، حتى يجد له موضعا، فرب متكلم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه، ولا يمارين أحدكم سفيها ولا حليما، فإنه من مارى حليما أقصاه، ومن مارى سفيها أرداه، وفي المحاسن عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام ادعوا الناس إلى ما في يدي؟ فقال: لا، قلت: إن استرشدني أحد أرشده؟ قال: نعم، إن استرشدك فأرشده، فإن استزادك فزده، فإن جاحدك فجاحده.

وروى السيد بن طاوس في كشف المحجة نقلا من كتاب عبد الله بن حماد عن عاصم الحناط عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام وأنا عنده: إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه، وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتى تكلفوا علم السماء، يا أبا عبيدة خالط الناس بأخلاقهم وزائلهم بأعمالهم،

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ولنسخة الشارح (ره)، وفي نسخة « الدرهم الموقفة » وهو مصحّف، والدهم جمع الأدهم: الأسود من الخيل والدواب، والموقّفة ـ بتشديد القاف ـ: التي في قوائمها خطوط سود.

٢٤٦

________________________________________________________

ومن الكتاب المذكور عن جميل قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: متكلمو هذه العصابة من شرار من هم منهم، إلى غير ذلك من الأخبار التي أوردتها في كتاب بحار الأنوار.

وقال شارح التجريد القوشجي في سياق أدلة النافين لوجوب النظر شرعا: وثانيها: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الجدل كما في مسألة القدر، روي أنه صلوات الله عليه خرج على أصحابه فرآهم يتكلمون في القدر، فغضب حتى احمرت وجنتاه وقال: إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا، عزمت عليكم أن لا تخوضوا فيه أبدا، وقال صلوات الله عليه: إذا ذكر القدر فأمسكوا، ولا شك أن النظر جدل، فيكون منهيا عنه لا واجبا، وأجيب: بأن ذلك النهي الوارد عن الجدل إنما هو حيث كان الجدل تعنتا ولجاجا بتلفيق الشبهات الفاسدة لترويج الآراء الباطلة، ودفع العقائد الحقة وإراءة الباطل في صورة الحق بالتلبيس والتدليس، كما قال تعالى: «وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ »(١) وقال: «بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ »(٢) وقال «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ »(٣) ومثل هذا الجدال لا نزاع في كونه منهيا عنه، وأما الجدل بالحق لإظهاره وإبطال الباطل فمأمور به، قال الله تعالى: «وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(٤) ومجادلة الرسول لابن الزبعرى، وعليعليه‌السلام للقدري مشهورة إلى آخر ما قال.

الثاني: أن الهداية من الله سبحانه، ولا يقدر الخلق عليها، وهو حق، ومحمول على الإيصال إلى المطلوب، وهو مما لا يقدر عليه غيره تعالى، وأما الهداية بمعنى إراءة الطريق فهي شأن الأنبياء والأوصياء والعلماء، وربما يحمل على أن مفيض العلم

__________________

(١) سورة الغافر: ٥.

(٢) سورة زخرف: ٥٨.

(٣) سورة الحج: ٣ و ٨.

(٤) سورة النحل: ١٢٥.

٢٤٧

يريد الله هدايته ما استطاعوا أن يضلوه كفوا عن الناس ولا يقول أحد عمي وأخي وابن عمي وجاري فإن الله إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا إلا عرفه ولا منكرا إلا أنكره ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

٢ ـ علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ثم

________________________________________________________

هو الله تعالى كما مر، والأول أظهر، وهو المراد بقولهعليه‌السلام : على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته، والمراد بإرادة الضلالة أن يكله إلى نفسه، ويمنعه الألطاف الخاصة التي لا يستحقها، فيختار الضلالة، فإرادة الضلالة إرادة بالعرض وعلى المجاز، وربما تأول الإرادة بالعلم الأزلي، أو بالعذاب والهلاك كما مر، وكذا إرادة الهداية توفيقه وتأييده بما يصير سببا لاختياره الاهتداء، وربما تأول بالإثابة والإرشاد إلى طريق الجنة في الآخرة.

« ولا يقول أحد عمي » أي هذا عمي ويلزمني هدايته « فإن الله إذا أراد بعبد خيرا » أي استحق الألطاف الخاصة « طيب روحه » من خبث العقائد الباطلة « إلا عرفه » أي أيقن أنه حق « إلا أنكره » أي لم يذعن به، وعلم أنه باطل « ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره » المراد بالكلمة ولاية الأئمةعليهم‌السلام ووجوب متابعتهم فبها يتم نجاته لأنه يأخذ عنهم ما ينجيه من العقائد والأعمال الحقة، أو الإخلاص وصدق النية في طلب الحق، وترك الأغراض الباطلة، وقيل: أي كلمة التقوى وهي المعرفة الكاملة.

الحديث الثاني: مجهول.

قولهعليه‌السلام : إذا أراد بعبد خيرا، أي لطفا يستحقه بحسن اختياره، وقيل: أي علما « نكت في قلبه نكتة » أي أثر في قلبه تأثيرا وأفاض عليه علما يقينيا ينتقش

٢٤٨

تلا هذه الآية «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ »(١)

________________________________________________________

فيه من قولهم: نكت الأرض بالقضيب إذا أثر فيها، وسمي اليقين بالنور إذ به يظهر حقائق الأشياء على النفس، وفتح مسامع القلب كناية عن تهيئة لقبول ما يرد عليه من المعارف « ووكل به ملك يسدده » ويلهمه الحق، ويدفع عنه استيلاء الشيطان بالشبهات، « وإذا أراد بعبد سوءا » أي منع لطفه لعدم استحقاقه « نكت في قلبه » أي يخليه والشيطان، فينكت الشيطان في قلبه نكتة سوداء من الجهالة والضلالة، وما يصير سببا لعدم قبول الحق وسد مسامع قلبه، أي لا يوفقه لقبول الحق ولا يفعل به ما فعل بمن استحق الألطاف الخاصة، فكأنه سبحانه سد مسامع قلبه، وهو مثل قوله سبحانه: «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ »(٢) « ووكل به شيطانا » أي يخلي بينه وبين الشيطان لعدم قبوله هداية الرحمن، وإعراضه عن الحق بعد البيان.

قوله تعالى «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ » قال البيضاوي: أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح ما فيه مجالة وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها، مصفاة عما يمنعه وينافيه «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو(٣) عن قبول الحق، فلا يدخله الإيمان «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة.

وقال الطبرسي: قد ذكر في تأويل الآية وجوه: « أحدهما » أن معناه من يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنة يشرح صدره في الدنيا للإسلام، بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك، ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان، وإنما يفعل ذلك لطفا ومنا عليه وثوابا على اهتدائه بهدي الله، وقبوله إياه ونظيره قوله سبحانه

__________________

(١) سورة الأنعام: ١٢٥.

(٢) سورة البقرة: ٧.

(٣) نبا الطبع عن الشيء: نفر ولم يقبله.

٢٤٩

________________________________________________________

«وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً »(١) و «يَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً »(٢) و «مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » عن ثوابه وكرامته «يَجْعَلْ صَدْرَهُ » في كفره «ضَيِّقاً حَرَجاً » عقوبة له علي تركه الإيمان من غير أن يكون سبحانه مانعا له عن الإيمان وسالبا إياه القدرة عليه، بل ربما يكون ذلك سببا داعيا له إلى الإيمان فإن من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعيا له إلى تركه، وقد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شرح الصدر ما هو؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نور يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له صدره، وينفسخ قالوا: فهل لذلك من أمارة فيعرف بها؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله.

وثانيها: أن معنى الآية من يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه جزاء له على إيمانه واهتدائه، وقد يطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلناه في: اهدنا الصراط المستقيم «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » أي يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر، وتركه الإيمان «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بأن يمنعه الألطاف التي ينشرح لها صدره لخروجه من قبولها، بإقامته على كفره.

وثالثها: أن معنى الآية من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة، ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن تصح عليه «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » لمكان فقد تلك الزيادة لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه، اقتضى في الكافر ما يضاده، وتكون الفائدة في ذلك الترغيب في الإيمان والزجر عن الكفر، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: إنما سمي قلب الكافر حرجا لأنه لا يصل الخير إلى قلبه، وفي رواية أخرى: لا تصل الحكمة إلى قلبه، ولا يجوز أن يكون

__________________

(١) سورة محمد: ١٧.

(٢) سورة مريم: ٧٦.

٢٥٠

________________________________________________________

المراد بالإضلال في الآية الدعاء إلى الضلال، ولا الأمر به، ولا الإجبار عليه، لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يأمر بالضلال، ولا يدعو إليه، فكيف يجبر عليه، والدعاء إليه أهون من الإجبار عليه، وقد ذم الله سبحانه فرعون والسامري على إضلالهما عن دين الهدى في قوله: «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى »(١) وقوله: «وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ »(٢) ولا خلاف في أن إضلالهما إضلال أمر وإجبار ودعاء، وقد ذمهما الله سبحانه عليه مطلقا، فكيف يتمدح بما ذم عليه غيره.

وقوله: «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » فيه وجوه: « أحدها » أن معناه كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه، وكان قلبه يصعد إلى السماء نبوا عن الإسلام والحكمة عن الزجاج « وثانيها » أن معنى يصعد كأنه يتكلف مشقة في ارتقاء صعود « وثالثها » أن معناه كأنما ينزع قلبه إلى السماء لشدة المشقة عليه في مفارقه مذهبه « انتهى ».

وروى الصدوق في التوحيد والعيون وغيرهما بإسناده عن حمدان بن سليمان قال:

سألت الرضاعليه‌السلام عن قول الله عز وجل: «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » قال: من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به، والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء «كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ».

وفي معاني الأخبار بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله عز وجل: «وَمَنْ يُرِدْ

__________________

(١) سورة طه: ٧٩.

(٢) سورة طه: ٨٥.

٢٥١

٣ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله ولا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب إن الله تعالى قال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

________________________________________________________

أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » فقال: قد يكون ضيقا وله منفذ يسمع منه ويبصر والحرج هو الملتئم الذي لا منفذ يسمع به ولا يبصر منه.

الحديث الثالث: حسن.

قولهعليه‌السلام : اجعلوا أمركم، أي دينكم قولا وفعلا خالصا « لله » طالبين لمرضاته « ولا تجعلوه للناس » رياء وسمعة، وللغلبة عليهم وإظهارا للفضل والكمال « فإنه ما كان لله فهو لله » أي يصل إليه ويقبله، وقيل: ما كان لله في الدنيا فهو في الآخرة أيضا لله يطلب الثواب منه « وما كان للناس فلا يصعد إلى الله » أي لا يقبله، أو لا يصعد به ليكتب في ديوان المقربين كما قال سبحانه: «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ »(١) وقال: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ »(٢) فإن صعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما، أو صعود الكتبة بصحيفتهما « فإن المخاصمة ممرضة » بفتح الميم والراء، اسم مكان أو بضم الميم وكسر الراء اسم فاعل، أي موجبة لحدوث أمراض الشك والشبهة والأخلاق الذميمة من الحقد والحسد وغيرهما في القلب، والقلب المستعد لقبول الحق يكفيه أدنى تنبيه، والقلب المطبوع على الباطل لا تنجع(٣) فيه أعلى مدارج الخصومات من العالم النبيه بل يضره ويصير سببا لمزيد رسوخه فيما هو فيه، ثم أيدعليه‌السلام ما ذكره بقوله تعالى لنبيه صلوات الله عليه في عدم ترتب الهداية على مبالغته ومجادلته:

«إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » قال الطبرسيرحمه‌الله أي أحببت هدايته أو

__________________

(١) سورة المطففين: ١٨.

(٢) سورة فاطر: ١٠.

(٣) أي لا تؤثر ولا تدخل.

٢٥٢

وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ »(١) وقال «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ »(٢)

________________________________________________________

أحببته لقرابته، والمراد بالهداية هنا اللطف الذي يختار عنده الإيمان، فإنه لا يقدر عليه إلا الله لأنه إما أن يكون من فعله خاصة أو بإعلامه، ولا يعلم ما يصلح المرء في دينه إلا الله تعالى، فإن الهداية التي هي الدعوة والبيان قد أضافه سبحانه إليه في قوله: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(٣) .

وقيل: إن المراد بالهداية في الآية الإجبار على الاهتداء أي أنت لا تقدر على ذلك، وقيل: معناه ليس عليك اهتداؤهم وقبولهم الحق «وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ » بلطفه، وقيل: على وجه الإجبار.

وقالرحمه‌الله في قوله تعالى «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً »(٤) معناه الأخبار عن قدرة الله تعالى على أن يكره الخلق على الإيمان، كما قال: «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ »(٥) ولذا قال بعد ذلك «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » ومعناه أنه لا ينبغي أن تريد إكراههم على الإيمان، مع أنك لا تقدر عليه، لأن الله تعالى يقدر عليه ولا يريده لأنه ينافي التكليف، وأراد بذلك تسلية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتخفيف ما يلحقه من التحسر والحرص على إيمانهم عنه « انتهى ».

وروى الصدوقرحمه‌الله في كتاب العيون بإسناده عن الرضاعليه‌السلام أنه قال له المأمون: ما معنى قول الله جل ثناؤه: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » فقال الرضاعليه‌السلام : حدثني أبي عن آبائه عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: إن المسلمين

__________________

(١) سورة القصص:٥٦.

(٢ـ٤) سورةيونس:٩٩.

(٣) سورة الشوري:٥٢.

(٥) سورة الشعراء:٤.

٢٥٣

ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني سمعت أبيعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع

________________________________________________________

قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا، وقوينا على عدونا؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كنت لألقى الله ببدعة لم يحدث إلى فيها شيئا وما أنا من المتكلفين، فأنزل الله تبارك وتعالى يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً » على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة، ودوام الخلود في جنة الخلد أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وأما قوله عز وجل: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » فليس على تحريم الإيمان عليها، ولكن على أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالإيمان، ما كانت مكلفة متعبدة وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها، فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

« ذروا الناس » أي اتركوا المخالفين ولا تتعرضوا لمعارضتهم ومجادلتهم، أو لدعوتهم أيضا تقية فإنهم أخذوا دينهم من الناس واتبعوهم وظنوا أن فعلهم وقولهم حجة، فلا يتركون دينهم بقولكم، وأنتم أخذتم دينكم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بواسطة المعصومين من أهل بيتهعليه‌السلام ، والغرض إما بيان المباينة بين المسلكين والبعد بين الطريقتين لبيان أن حجة الشيعة لا يؤثر فيهم فلا ينبغي لهم التعرض للمهالك لذلك أو هو تسلية للشيعة بأنكم لما كنتم على الحق فلا تبالوا بمخالفة من خالفكم، أو الغرض أنه إن كان غرضكم هدايتهم فقد سبق أنه من الله، وإن كان لتبين حجية مذهبكم فحجتكم واضحة لا نحتاج إلى ذلك.

وقيل: المعنى ذروا مخالطة الناس وموافقتهم، فإنكم على الحق وإنهم على الباطل، ولا يخفى بعده.

٢٥٤

إليه من الطير إلى وكره.

٤ ـ أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن مروان، عن فضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ندعو الناس إلى هذا الأمر فقال لا يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر طائعا أو كارها.

تم كتاب العقل والعلم والتوحيد من كتاب الكافي ويتلوه كتاب الحجة في الجزء الثاني من كتاب الكافي تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني رحمة الله عليه.

________________________________________________________

« إذا كتب على عبد » أي علم إيمانه وكتبه في اللوح، ووكر الطائر: عشه.

الحديث الرابع: مجهول.

والنهي عن الدعوة أما للتقية أو محمول على ترك المبالغة فيها لمن لا يرجى نفعها فيه « طائعا أو كارها » أي سواء كان في أول الأمر راغبا فيه أم لا، إذ كثيرا ما نرى رجلا في غاية التعصب في خلاف الحق، ثم يدخل فيه بلطف من ألطافه تعالى كالأحلام الصادقة أو غيرها، وقيل: إشارة إلى اختلاف مراتب الألطاف، وقيل: أي أدخله في معرفة هذا الأمر والعلم بحقيته بالاطلاع على دلائله، سواء كان راغبا فيه أو كارها له، فإن عند الاطلاع على الدلائل، والانتقال إلى وجه الدلالة يحصل العلم بالمدلول، وإن لم يكن المطلع راغبا وكان كارها.

انتهى ما وفق الله سبحانه لتعليقه على كتاب التوحيد من كتاب الكافي: أفقر العباد إلى عفو ربه الغني محمد باقر بن محمد تقي الملقب بالمجلسي عفا الله عن جرائمهما في سابع شهر ربيع الثاني من سنة ثمان وتسعين بعد ألف الهجرية على غاية الاستعجال وتوزع البال ووفور الأشغال، والحمد لله على كل حال والصلاة على سيد المرسلين محمد وآله خير آل.

٢٥٥

كتاب الحجة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(باب الاضطرار إلى الحجة)

١ ـ قال أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني مصنف هذا الكتابرحمه‌الله حدثنا

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمر الفقيمي، عن هشام بن

________________________________________________________

الجزء الثاني من شرح الصول الكافي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى محمد وآله خيرة الورى

أما بعد فهذا هو المجلد الثاني من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار الرسول صلى الله عليه وعليهم أجمعين من كتاب الكافي.

كتاب الحجة

باب الاضطرار إلى الحجة

أي لا بد في كل زمان من حجة معصوم، عالم بما يحتاج إليه الخلق إما نبي أو وصي نبي، وهذا المطلوب مبين في كتب الكلام بالبراهين العقلية والنقلية.

الحديث الأول مجهول، وهو جزء من حديث طويل أوردناه في الكتاب الكبير وقد مضى بعض أجزائه في كتاب التوحيد.

٢٥٦

الحكم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل قال إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ـ فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز وهم الأنبياءعليهم‌السلام وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيدين

________________________________________________________

« من أين أثبت » على صيغة المخاطب وربما يقرأ على بناء المفعول وهو بعيد « متعاليا عنا » أي عن مشابهتنا والاشتراك معنا في الحقيقة والصفة، وقوله: متعاليا ثانيا أريد به تعاليه عن العبث واللغو، أو عن أن يشاهده الخلق ويلامسوه، فقوله: « لم يجز » صفة موضحة، وعلى الأول يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر لكان، ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالملامسة والمباشرة معنييهما الحقيقيين، أو إدراكه بحقيقته فإنه يستلزم حصول حقيقته سبحانه في الذهن، أو إدراكه على وجه الكمال، والمراد بالخلق أكثرهم، أو إدراك كل أحد على ما ينبغي ويليق به بالمعنى بلا واسطة.

وقوله: ثبت، جواب لما، والسفراء: جمع سفير من سفر بين القوم أي أصلح، أو من السفر بمعنى الكشف والإيضاح « على مصالحهم ومنافعهم » أي الدنيوية والأخروية « وما به بقاؤهم » من أمور المعاش، أو الأعم منها ومن العبادة والمعرفة، فإن بقاء الخلق بهما « غير مشاركين للناس » أي في التقدس والقرب والكمالات.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام أشار بذلك إلى براهين شتى على اضطرار الناس إلى الرسل نذكر منها وجهين جامعين:

الأول: أنه لما ثبت وجود الصانع تعالى وحكمته وأنه لا يفعل العبث، ولو لم يكن الخلق مكلفين بمعرفته وعبادته ليفوزوا بهما بالمثوبات الأخروية والكمالات النفسانية، لكان خلقهم عبثا، إذ يعلم كل عاقل أن اللذات الدنيوية المشوبة

٢٥٧

________________________________________________________

بأنواع المحن والآلام لا تصلح علة لهذا الخلق والنظام، وأما معرفته سبحانه فلا يمكن حصولها للخلق إلا بوحيه سبحانه، لتعاليه عن مشاركة الخلق في حقائقهم، ومشابهته لهم حتى يعرفوا حقيقته بذلك كما تعرف سائر الخلق به، وهو متعال عن أن يدرك بالحواس أيضا حتى يعرف بذلك، وكذا معلوم أن ما يوجب القرب والكمال من الأخلاق والأعمال مما لا تفي بها القوي البشرية والعقول الإنسانية فلا بد في معرفة جميع ذلك من وحي من الله سبحانه وتلقى الوحي منه تعالى لا يتيسر لجميع الخلق، إذ لا بد من نوع مناسبة بين الموحي والموحى إليه حتى يفهم ما يلقى إليه فلذا أرسل الله تعالى من عباده أقواما من جهة روحانيتهم وتقدسهم وتنزههم عن الأدناس البشرية يناسبون الملإ الأعلى وبهذه الجهة يتلقون الوحي من ربهم جل وعلا، ومن جهة بشريتهم وتجسمهم ومشاكلتهم للخلق في صورهم وأجسامهم ومعاشرتهم لهم في ظواهر أحوالهم، يلقون الوحي إليهم.

وأيضا لو كان الله تعالى يلقي الوحي إلى سائر الخلق كما ألقى إلى نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المعراج وغيرها، وإلى موسى عند الشجرة، لم تتم الحجة عليهم، لأنه لم تكن لهم قابلية أن يعرفوا أن ذلك الوحي من قبله سبحانه وليس من الشياطين، بخلاف ما إذا سمعوا من بشر مثلهم يأتي بما لا يقدرون على الإتيان بمثله، فثبت أنه لا بد من سفراء بينه سبحانه وبينهم، ولا بد أن يكونوا من نوع البشر، وأن يكونوا مع مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب مباينين لهم في سائر أحوالهم وأطوارهم وأخلاقهم مقدسين منزهين روحانيين ليضاهئوا الملإ الأعلى كما مر ذكره فيما مضى، ومعصومين مؤيدين بالمعجزات ليكونوا حجة على غيرهم.

وهذا مما خطر ببالي القاصر، وهو بيان شاف، وبرهان كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

الثاني: ما ذكره السالكون مسلك الحكماء وهو مبني على مقدمات عقلية:

أوليها: أن لنا خالقا صانعا قادرا على كل شيء.

٢٥٨

________________________________________________________

والثانية: أن الله جل اسمه متعال عن التجسم والتعلق بالمواد والأجسام، وعن أن يكون مبصرا أو محسوسا بإحدى الحواس خلافا للكرامة ومن يحذو حذوهم.

والثالثة: أنه تعالى حكيم عالم بوجوه الخير والمنفعة في النظام، وسبيل المصلحة للخلائق في المعيشة والقوام والبقاء والدوام.

والرابعة: أن الناس محتاجون في معاشهم ومعادهم إلى من يدبر أمورهم ويعلمهم طريق المعيشة في الدنيا، والنجاة من العذاب في العقبى وذلك لأنه من المعلوم أن الإنسان لا تتمشى معيشته لو انفرد وحده شخصا واحدا كغيره من أنواع الحيوان يتولى أمره من غير شريك يعاونه على ضروريات حاجاته، وأنه لا بد من أن يكون مستغنيا بآخر من نوعه يكون ذلك أيضا مستغنيا مكفيا به وبنظيره، فيكون هذا يزرع لهذا وهذا يطحن لذاك، وذلك يخبز لآخر وآخر يخيط لغيره، وهذا يبني وهذا يتخذ الحديد، وهذا ينجر وعلى هذا القياس، حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا ولهذا اضطروا إلى عقد المدن والاجتماعات للمعاملات والمناكحات وسائر المعاونات والمشاركات.

وبالجملة لا بد في وجود الإنسان وبقائه من المشاركة، ولا تتم المشاركة إلا بالمعاملة، ولا بد في المعاملة من سنة وقانون عدل، ولا بد للسنة والعدل من سان ومعدل، ولا يجوز أن يترك الناس وآراءهم وأهواءهم في ذلك، فيختلفون، فيرى كل أحد منهم ما له عدلا وما عليه ظلما وجورا، ولا بد أن يكون هذا المعدل والإنسان بشرا لا ملكا، لأن الملك لا يراه أكثر الناس إلا أن يتشكل بشرا، لأن قواهم لا تقوى على رؤيته على صورة الملكية، وإنما رآهم الأفراد من الأنبياء بقوتهم القدسية.

ثم لو فرض أن يتشكل بحيث يراه سائر الخلق كجبرئيل في صورة دحية كان ملتبسا عليهم كالبشر كما قال تعالى: «وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ

٢٥٩

من عند الحكيم العليم بالحكمة ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل

________________________________________________________

ما يَلْبِسُونَ »(١) فلا بد أن يكون الإنسان له خصوصية ليست لسائر الناس حتى يستشعر الناس فيه أمرا لا يوجد لهم، فيتميز به منهم، فيكون له المعجزات التي أخبرنا بها والحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع البشر، ويتحصل وجوده أشد من كثير من المنافع التي لا ضرورة فيها للبقاء كإنبات الشعر على الحاجبين، وتقعير الأخمص للقدمين، وما يجري مجراهما من منافع الأعضاء التي بعضها للزينة وبعضها للسهولة في الأفعال والحركات، كما يظهر من علم التشريح، ووجود هذا الإنسان الصالح لأن يسن ويشرح ممكن وتأييده بالآيات والمعجزات الموجبة لإذعان الخلق له أيضا ممكن فلا يجوز أن تكون الغاية الأولى(٢) تقتضي تلك المنافع، ولا تقتضي هذه التي هي أصلها وعمدتها.

فإذا تمهدت هذه المقدمات فثبت وبين أنه واجب أن يوجد نبي وأن يكون إنسانا، وأن تكون له خصوصية ليست لسائر الناس وهي الأمور الخارقة للعادات، ويجب أن يسن للناس سننا بإذن الله وأمره ووحيه، وإنزال الملك إليه، ويكون الأصل الأول فيما يسنه تعريفه إياهم أن لهم صانعا قادرا واحدا لا شريك له، وأن النبي عبده ورسوله، وأنه عالم بالسر والعلانية وأنه من حقه أن يطاع أمره، وأنه قد أعد لمن أطاعه الجنة، ولمن عصاه النار، حتى يتلقى الجمهور أحكامه المنزلة على لسانه من الله والملائكة بالسمع والطاعة.

ففي هذا الحديث الشريف تصريح وتلويح إلى جميع ذلك كما لا يخفى على المتأمل.

قوله: « ثم ثبت ذلك » أقول: يحتمل هذا الكلام وجوها:

الأول: أن يكون المعنى أن الدليل المتقدم إنما يدل على وجوب النبي

__________________

(١) سورة الأنعام: ٩.

(٢) في نسخة « المنامة » بدل « الغاية ».

٢٦٠