مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 61483
تحميل: 4680


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61483 / تحميل: 4680
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

والأنبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم

________________________________________________________

أو الحجة في كل عصر، وأما تعيين الأشخاص المعينة فإنما يثبت بما أتوا به من الدلائل والبراهين، أي الآيات والمعجزات وخوارق العادات، وغلبتهم في العلوم على أهل عصرهم، وقولهعليه‌السلام : « لكيلا يخلو » تعليل لقوله: ثم ثبت، ووجه التعليل أنه ما دامت الأرض باقية والناس موجودين فيها لا بد لهم من حجة لله عليهم يقوم بأمرهم، ويهديهم إلى سبيل الرشاد مؤيدا بما يدل على صدقه وعدالته ووجوب متابعته.

الثاني: أن يكون ذلك إشارة إلى وجود الآمرين والناهين الموصوفين بالأوصاف المذكورة، والمراد أن الدليل السابق إنما دل على وجوب إقامة الحجة في الأرض في الجملة، وأما عدم خلو دهر طويل أو زمان قصير من حجة فإنما ثبت بقول الأنبياء والرسل، فإن كلامهم وأخبارهم عن الله دليل وبرهان حيث أخبروا أن أرض الله لا تخلو من حجة فمن في قوله « مما » للسببية، والظرف متعلق بقوله: ثم ثبت، أو بكل من « فثبت » و « ثم ثبت » على التنازع.

الثالث: أن يكون المقصود بالدليل أولا إثبات الأنبياءعليهم‌السلام ، وبقوله: ثم ثبت إثبات الأوصياء، وهذا يحتمل وجهين: « أحدهما » أنه قد ثبت الأوصياء في كل دهر بما أتت به الأنبياء من قبل الله من النص عليهم، فيكون ثبوت الأنبياءعليهم‌السلام بالعقل والأوصياء بالنقل « وثانيهما » أن يكون المراد أن الأوصياء بعد الأنبياء أيضا ثبت إمامتهم بما أتت به الأنبياء من المعجزات، وفي بعض النسخ: مما أثبت، ولا يخفى توجيهه على الوجوه إن قرأ معلوما أو مجهولا.

ويزيد على الأخير أنه يمكن تعميمه بحيث يشمل الدليل العقلي المتقدم الدال على وجوب الأنبياءعليه‌السلام .

قولهعليه‌السلام : تكون معه علم، بفتحتين أي علامة ودليل، وربما يقرأ بكسر الأول وسكون الثاني.

٢٦١

يدل على صدق مقالته وجواز عدالته.

٢ ـ محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله قال صدقت قلت إن من عرف أن له ربا فينبغي له

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : على جواز عدالته، أي جريان حكمه العدل.

الحديث الثاني: مجهول كالصحيح.

قوله: من أن يعرف بخلقه، قد سبقت الوجوه المحتملة في هذه الفقرة، وحاصلها: أنه تعالى أجل من أن يعرف بتعريف خلقه، إذ المعرفة موهبية وعلى الخلق إراءة السبيل، والموصل هو الله سبحانه « بل الخلق يعرفون بالله » على بناء المعلوم أي إنما يعرفونه بإفاضته وهدايته وتوفيقه، أو من أن يعرف بصفات خلقه ومشابهتهم بل إنما يعرفونه بما عرف به نفسه من الصفات اللائقة، أو بل الخلق يعرفون الحقائق الممكنة وأحوالها بالله، أي بسبب خلقه لها أو بسبب فيضان معرفتها منه عليهم على قدر عقولهم.

وقيل: إشارة إلى ما ذكره المحققون من أن المقربين يعرفون الحق بالحق لا بالاستدلال بمخلوقاته عليه، ويمكن أن يقرأ « يعرفون » على بناء المجهول بل هو أظهر، أي الأنبياء والحججعليه‌السلام إنما تعرف حقيقتهم ورسالتهم وحجيتهم بما أتاهم من المعجزات والبراهين، أو به يعرف جميع الخلق بما أشرق منه عليهم من نور الوجود.

« قال صدقت » بالتخفيف، وربما يقرأ بالتشديد، إذ كلامه مأخوذ منهمعليهم‌السلام كما مر ولا يخفى بعده، وقوله: فقد ينبغي لأن يعرف(١) أن لذلك الرب رضا وسخطا أي ينبغي له أن يعرفه بصفات كماله وتنزهه عن النقائص، ومنها حكمته وعلمه وقدرته

__________________

(١) وفي المتن « فينبغي له أن يعرف » وكأنّه نقله بالمعنى أو من تصحيف الناسخ أو من جهة اختلاف النسخ وقد مرّ ويأتي أيضا نظائر هذا الاختلاف في موارد كثيرة.

٢٦٢

أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن لهم الطاعة المفترضة.

وقلت للناس تعلمون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان هو الحجة من الله على خلقه قالوا بلى قلت فحين مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كان الحجة على خلقه فقالوا القرآن فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به

________________________________________________________

وإرادته للخير، وكراهته للشر والقبيح، وأنه لا يخل بالحسن، ولا يأتي بالقبيح، فلا يخل باللطف إلى عباده، وإنما يتم بالأمر بالحسن والنهي عن القبيح الموجبين للرضا بالطاعة، والسخط على المعصية، وإنما يعرف أمره ونهيه وإرادته وكراهته بالوحي، أو بإرسال الرسول، فمن لم يأته الوحي فعليه طلب الرسول، فإذا طلب اطلع عليه بالآيات والحجج الدالة على رسالته.

قوله: وقلت للناس، أي للعامة مناظرا لهم في الإمامة « فقالوا القرآن » أي هو كاف لرفع حاجة الخلق، ولا حاجة إلى غيره كما قال إمامهم: حسبنا كتاب الله « فنظرت » في نفسي بدون أن أقول لهم، أو بتقدير القول « في القرآن فهو إذا يخاصم به المرجئي » أي لا يغني عن المبين له، إذ يخاصم به الفرق المختلفة حتى يغلب كل منهم خصمه بما يجده في القرآن لإجماله وإغلاقه، وكونه ذا وجوه ومحامل.

وفي النهاية: المرجئة فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الأيمان معصية كما أنها لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم عن المعاصي أي أخره عنهم، والمرجئة تهمز ولا تهمز، وكلاهما بمعنى التأخير، يقال: أرجأت الأمر وأرجأته إذا أخرته فتقول من الهمز رجل مرجىء، وهم المرجئة وفي النسب مرجئي مثل مرجع ومرجعة ومرجعي، وإذا لم تهمز قلت رجل مرج ومرجئة ومرجي، مثل معط ومعطية ومعطي، انتهى.

وقد تطلق المرجئة على كل من أخر أمير المؤمنين عن مرتبته، وقد عرفت

٢٦٣

حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم فما قال فيه من شيء كان حقا فقلت لهم من قيم القرآن فقالوا ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم قلت كله قالوا لا فلم أجد أحدا يقال إنه يعرف ذلك كله إلا علياعليه‌السلام وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا أنا أدري فأشهد أن علياعليه‌السلام كان قيم

________________________________________________________

إطلاق القدري على الجبري والتفويضي، والزنديق هو النافي للصانع أو الثنوي.

قوله: إلا بقيم، في الفائق: قيم القوم: من يقوم بسياسة أمورهم، والمراد هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ومجمله ومؤولة ومحكمة ومتشابهه وناسخه ومنسوخه بوحي إلهي أو بإلهام رباني، أو بتعليم نبوي، فلما سألهم عن القيم ذكروا جماعة لم يكونوا يعرفون من القرآن إلا أقله، والقيم لا بد أن يكون عالما بجميع القرآن وسائر الأحكام، ويكون منصوصا عليه، معصوما عن الخطإ والزلل حتى تجب متابعته وقبول قوله، وأيضا لم يدع أحد منهم سماع جميع ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما ادعوا سماع مسائل قليلة مما يحتاج إليه الناس فيما سمعوا تفسيره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يذهب أحد إلى كون أحد منهم عالما بجميعه بالنقل، أو العلم المقرون بالعصمة إلا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث كان يدعي ذلك على رؤوس الأشهاد، ومجامع جماهير المسلمين، وإذ لا بد من عالم ولم يدع غيره، بل علم عدمه في غيره، وهو كان يدعيه ويبينه بدلائل نقلية وعقلية، وآيات وعلامات إعجازية، علم أنه قيم القرآن، وكونهعليه‌السلام أعلم الأمة متفق عليه بين فرق المسلمين، حتى قال الآبي في كتاب الإكمال وهو من أعاظم علماء المخالفين ومتعصبيهم لقد كان: في عليعليه‌السلام من الفضل والعلم وغيرهما من صفات الكمال ما لم يكن في جميع الأمة حتى أنه لو لم يقدم عليه طائفة من الأمة أبا بكر لكان هو أحق بالخلافة، انتهى.

وما في الخبر بعد تنقيحه وتفصيله يرجع إلى الدلائل المفصلة في كتب الكلام، على وجوب نصب الإمام وعصمته لحفظ الشرائع والأحكام.

وقوله: فأشهد أن علياعليه‌السلام « اه » لازم لجزاء مقدر أقيم مقامه والتقدير

٢٦٤

القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق فقال رحمك الله

٣ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن يعقوب قال كان عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين ومحمد بن النعمان وهشام بن سالم والطيار وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته فقال هشام يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك فقال أبو عبد الله إذا أمرتكم بشيء فافعلوا.

قال هشام بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متزرا بها من صوف وشملة مرتديا بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة فقال لي نعم

________________________________________________________

اعلم أن القائل أنا أدري هو القيم دونهم فأشهد اه

الحديث الثالث: مجهول.

وعمرو بن عبيد من رؤساء المعتزلة، والإجلال: التعظيم « إذا أمرتكم » الأمر مفهوم من ألا التحضيضية، والمراد أن إطاعة الأمر أوجب من رعاية الإجلال والاستحياء.

وفي النهاية: الحلقة: الجماعة من الناس مستديرين كحلقة الباب وغيره، والشملة بالفتح: كساء يشتمل به « فاستفرجت » أي طلبت الفرجة وهي الخلل بين الشيئين، أو طلبت منهم الإفراج عن الطريق أي انكشافهم عنه فانكشفوا عنه لأجلي، « أيها العالم » أي بزعم الناس، ووصف المسألة بالحمق على سبيل التجوز مبالغة، وربما يقرأ حمقاء بضم الحاء وسكون الميم بدون ألف مصدرا وإنما لم يذكر اللمس

٢٦٥

فقلت له ألك عين فقال يا بني أي شيء هذا من السؤال وشيء تراه كيف تسأل عنه فقلت هكذا مسألتي فقال يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء قلت أجبني فيها قال لي سل.

قلت ألك عين قال نعم قلت فما تصنع بها قال أرى بها الألوان والأشخاص قلت فلك أنف قال نعم قلت فما تصنع به قال أشم به الرائحة قلت ألك فم قال نعم قلت فما تصنع به قال أذوق به الطعم قلت فلك أذن قال نعم قلت فما تصنع بها قال أسمع بها الصوت قلت ألك قلب قال نعم قلت فما تصنع به قال أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس قلت أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب فقال لا قلت وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة قال يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك قال هشام فقلت له:

________________________________________________________

لأنه ليست له جارحة مخصوصة ظاهرة، أو لقلة الاشتباه فيه، مع أنه يعرف بالمقايسة، والمراد بالقلب النفس الناطقة المتعلقة أولا وبالذات بالروح الحيواني المنبعث عن القلب الصنوبري الذي نسبته إلى أعضاء الحس والحركة كنسبة النفس إلى قوي الحس والحركة في أنه ينبعث منه الدم والروح البخاري إلى سائر الأعضاء، فالنفس رئيس القوي وإمامها، والقلب وهو مستقرها وعرش استوائها بإذن الله رئيس سائر الأعضاء وإمامها، أو المراد بالقلب القوة العقلية التي للنفس الإنسانية أو ما يشمل القوي الحسية الباطنة التي هي كالآلات للقوة العقلية في فكرتها وسائر تصرفاتها كما قيل.

وأما شك الحواس وغلطها فقيل: معناه أن العقل والوهم المشوب بالحس يغلط، أو يشك بسبب من الأسباب، ثم يعلم النفس بقوة العقل ما هو الحق المتيقن كما يرى البصر العظيم صغيرا لبعده، والصغير كبيرا لقربه، والواحد اثنين لحول في العين، والشجرة التي في طرف الحوض منكوسة لانعكاس شعاع البصر من الماء إليها

٢٦٦

فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح قال نعم قلت لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح قال نعم فقلت له يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك قال فسكت ولم يقل لي شيئا.

________________________________________________________

والسمع يسمع الصوت الواحد عند الجبل ونحوه مما فيه صلابة أو صقالة صوتين، لانعكاس الهواء المكيف بكيفية السمع إلى الصماخ تارة أخرى، ويقال للصوت الثاني: الصداء، وكما تجد الذائقة الحلو مرا لغلبة المرة الصفراء على جرم اللسان، وكذا تشمئز الشامة من الروائح الطيبة بالزكام، فهذه وأمثالها أغلاط حسية يعرف القلب حقيقة الأمر فيها.

وقيل: معناه أن النفس مع هذه القوي الحسية الظاهرة، تحتاج إلى قوة حاكمة عليها، إذ من شأنها من حيث هذه القوي هذه الإدراكات التصورية دون التصديقات واليقينيات، فلا يستيقن إلا بقوة أخرى هي الحاكمة باليقينيات، وهي القوة التي بها تخرج عن الشك إلى اليقين، فإنما أقام الله القلب بإعطاء هذه القوة لتخرج بها النفس عن تلك المرتبة التي شأنها بحسبها الشك وعدم الاستيقان إلى مرتبة اليقين، ثم إذا كان بحكمته لا يخل بإعطاء ما تحتاج إليه نفسك في وصولها إلى كمالها القابلة، كيف يخل بما يحتاج إليه الخلق كلهم، لخروجهم عن حيرتهم وشكهم إلى الاستيقان بما فيه بقاؤهم ونجاتهم عن الضلال والهلاك، فأول هذا الكلام تنبيه على حكمته المقتضية للصلاح والخير وإعطاء ما يحتاج إليه المستكمل في الخروج من النقصان إلى الكمال، والوصول إلى النجاة عن الضلال، وآخره الاستدلال من تلك الحكمة على إقامة الإمام الذي إنما يحصل نجاة الخلق عن حيرتهم وشكهم بمعرفته، والأخذ عنه، والاهتداء بهداه.

٢٦٧

ثم التفت إلي فقال لي أنت هشام بن الحكم فقلت لا قال أمن جلسائه قلت لا قال فمن أين أنت قال قلت من أهل الكوفة قال فأنت إذا هو ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت قال فضحك أبو عبد اللهعليه‌السلام وقال يا هشام من علمك هذا قلت شيء أخذته منك وألفته فقال هذا والله مكتوب في «صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى »

٤ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه عمن ذكره، عن يونس بن يعقوب قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام كلامك من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من عندك فقال من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن عندي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام فأنت إذا شريك رسول الله قال لا قال فسمعت الوحي عن الله عز

________________________________________________________

قوله: فقلت لا، قال ذلك تورية للمصلحة، ويمكن أن يكون غرضه لا ـ أخبرك به.

الحديث الرابع: مرسل.

وذكر الفرائض بعد الفقه تخصيص بعد التعميم لغموض مسائلها بالنسبة إلى سائر أبواب الفقه، وكون اختلاف الأمة فيها أكثر من غيرها، وشدة اعتناء المخالفين بها، ومدخلية علم الحساب فيها، وهو [ غير ] مأخوذ من الشارع، وربما يقال: المراد بالفرائض الواجبات وهو بعيد « لمناظرة أصحابك » إنما نسب المناظرة إلى الأصحاب رعاية للأدب و « من » في قوله: « من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » للابتداء أو للتعليل أو للتبعيض.

قولهعليه‌السلام : فأنت إذا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يدل على بطلان الكلام الذي لم يكن مأخوذا من الكتاب والسنة، وأنه لا يجوز الاعتماد في أصول الدين على الأدلة العقلية، وقيل: لما كان مناظرته في الإمامة والمناط فيها قول الشارع قال له ذلك، لأنه إذا بني أمرا لا بد فيه من الرجوع إلى الشارع على قول الرسول وقوله

٢٦٨

وجل يخبرك قال لا قال فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لا فالتفت أبو عبد اللهعليه‌السلام إلي فقال يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأصحاب

________________________________________________________

معا، فيلزمه أن يجعل نفسه شريكهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رسالته وفي شرعه للدين، فلما نفى الشركة « قالعليه‌السلام فسمعت الوحي عن الله » أي المبين لأصول الدين، على الأول، أو للإمامة على الثاني، إعلام الله بها أو بتبيين وتعيين ممن أوجب الله طاعته كطاعة رسول الله أو إعلام الله إما بوساطة الرسول أو بالوحي بلا واسطة، وما بوساطة الرسول فهو من كلامه لا من عندك، فتعين عليك في قولك من عندي أحد الأمرين إما الوحي إليك بسماعك عن الله بلا واسطة، أو وجوب طاعتك كوجوب طاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما نفاهما بقوله « لا » في كليهما لزمه نفي ما قاله ومن عندي، ولذا قالعليه‌السلام هذا خاصم نفسه قبل أن يتكلم، وقيل: مخاصمة نفسه من جهة أنه اعترف ببطلان ما يقوله من عنده، لأن شيئا لا يكون مستندا إلى الوحي ولا إلى الرسول، ولا يكون قائله في نفسه واجب الإطاعة لا محالة، بل يكون باطلا.

وأقول: يحتمل أن يكون الكلام الذي رددعليه‌السلام الحال فيه بين الأمرين الكلام في الفروع من الفقه والفرائض، لأنه لا مدخل العقل فيها، ولا بد من استنادها إلى الوحي، فمن حكم فيها برأيه يكون شريكا للرسول في تشريع الأحكام، والتعميم أظهر.

« لو كنت تحسن الكلام » أي تعلمه كما ورد: قيمة المرء ما يحسنه « يا لها من حسرة » النداء للتعجب والمنادي محذوف، ولام التعجب متعلق باعجبوا، و « من حسرة » تميز من الضمير المبهم بزيادة من، والحسرة أشد التلهف على الشيء الفائت، وقوله: فقال يونس، إما علي الالتفات أو بتقدير « قلت » بعده، أو قال ذلك عند الحكاية للراوي.

٢٦٩

الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنما قلت فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون.

ثم قال لي اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام وأدخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسينعليه‌السلام فلما استقر بنا المجلس وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة قال فأخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب

________________________________________________________

وقوله: « هذا ينقاد وهذا لا ينقاد » أي إنهم يزنون ما ورد في الكتاب والسنة بميزان عقولهم وقواعدهم الكلامية، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، فإنهم كثيرا ما يتركون ظواهر الكتاب والسنة لمناقضة آرائهم إياها، فيقولون: هذا ينقاد لما وافق عقولهم، وهذا لا ينقاد لما خالفها، وهو المراد أيضا بقوله: « هذا ينساق وهذا لا ينساق ».

وقيل: المعنى هذا ينجر إلى أمر كذا من محال أو تناقض أو دور أو تسلسل، وهذا لا ينساق، أي لا ينجر إليه، وقيل: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، إشارة إلى ما يقوله أهل المناظرة في مجادلاتهم: سلمنا هذا ولكن لا نسلم ذلك، وهذا ينساق وهذا لا ينساق إلى قولهم للخصم: أن يقول كذا وليس له أن يقول كذا.

« وهذا نعقله » أي تقبله عقولنا « إن تركوا ما أقول » أي ما ثبت من الشارع في الدين « فلما استقر بنا المجلس » الباء إما بمعنى في، والمعنى على القلب، أي استقررنا فيه أو الإسناد على المجاز، وإما للمصاحبة أو للتعدية، وعلى الوجوه: المعنى كنا لم ننتظر حضور غيرنا، والفازة بالفاء والزاي مظلة بعمودين، والخبب: ضرب من العدو

٢٧٠

فقال هشام ورب الكعبة قال فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له.

قال فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه قال فوسع له أبو عبد اللهعليه‌السلام وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال يا حمران كلم الرجل فكلمه فظهر عليه حمران ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه الأحول ثم قال يا هشام بن سالم كلمه فتعارفا ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لقيس الماصر كلمه فكلمه فأقبل أبو عبد اللهعليه‌السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي.

فقال للشامي كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال نعم فقال لهشام يا غلام سلني في إمامة هذا فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم فقال الشامي بل ربي أنظر لخلقه قال ففعل بنظره لهم ما ذا قال أقام لهم حجة ودليلا كيلا يتشتتوا أو يختلفوا يتألفهم ويقيم أودهم

________________________________________________________

ذكرهما الجوهري « هو شديد المحبة له » أي هشام لهعليه‌السلام أو بالعكس، قال الجوهري: اختط الغلام أي نبت عذاره « فتعارفا » في أكثر النسخ بالعين والراء المهملتين والفاء، أي تكلما بما عرف كل منهما صاحبه وكلامه بلا غلبة لأحدهما على الآخر، وفي بعضها بالواو والفاء أي تعوق كل منهما عن الغلبة وفي بعضها بالفاء والراء والقاف وهو ظاهر، وفي بعضها بالعين والراء والقاف أي وقعا في العرق كناية عن طول المناظرة مما قد أصاب الشامي بالنصب أي من المغلوبية والخجلة، أو بالرفع فما مصدرية أي إصابة الشامي وخطىء قيس، فالضحك لعجز قيس « فغضب هشام » لسوء أدب الشامي بالنسبة إلى جنابهعليه‌السلام « أربك أنظر » يقال: نظر له كضرب وعلم نظرا: أعانه، والنظرة بالفتح الرحمة « كيلا يتشتتوا » أي لا يتفرقوا في مذاهبهم ومسالكهم وآرائهم، والأود: بالتحريك الاعوجاج، أي يزيل اعوجاجهم وانعطافهم عن الحق بإقامتهم.

٢٧١

ويخبرهم بفرض ربهم قال فمن هو قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال هشام فبعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الكتاب والسنة قال هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا قال الشامي نعم قال فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك قال فسكت الشامي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام للشامي ما لك لا تتكلم قال الشامي إن قلت لم نختلف كذبت وإن قلت إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه وإن قلت قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام سله تجده مليا.

فقال الشامي يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم فقال هشام ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم فقال الشامي فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم قال هشام في وقت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الساعة؟

________________________________________________________

قوله: فلم اختلفت أنا وأنت؟ فإن عارض بأنه مع قولك أيضا الاختلاف واقع بيننا وبينك فلم ينفع وجود الإمام؟ يجاب بأنه لا بد في لطف الله تعالى وحكمته أن يعين لهم حجة إذا رجعوا إليه يرتفع الاختلاف عنهم، فإذا لم يرجعوا إليه وحصل الاختلاف كان التقصير منهم ولم يكن لهم علي الله حجة.

قوله: وكل منا يدعي الحق، أي يدعى في قوله إنه الحق دون قول مخالفيه، ولما لم يبق له سبيل إلى النقض التفصيلي والدخل في مقدمة من المقدمات أراد سلوك سبيل المعارضة بالمثل أو النقض الإجمالي والأول أظهر، وفي النهاية: يقال: أبطل إذا جاء بالباطل، وقال: المليء بالهمز: الثقة الغني، وقد ملأ فهو مليء وقد أولع الناس بترك الهمزة وتشديد الياء « انتهى » والمراد هنا تجده غنيا بالعلم، مقتدرا على المناظرة، وقيل: فعيل بمعنى مفعول، أي حملوا علما أو بمعنى فاعل من مليء كعلم وحسن أي امتلاء.

٢٧٢

قال الشامي في وقت رسول الله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والساعة من فقال هشام هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد قال الشامي فكيف لي أن أعلم ذلك قال هشام سله عما بدا لك قال الشامي قطعت عذري فعلي السؤال.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا شامي أخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك كان كذا وكذا فأقبل الشامي يقول صدقت أسلمت لله الساعة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام

________________________________________________________

قوله: قال الشامي في وقت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي ظاهرا وكان الرسول، وفي بعض النسخ بعد ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أظهر، ولعله سقط من النساخ لتوهم التكرار.

قوله: تشد إليه الرحال، هو جمع الرحل وهو ما يستصحبه المسافر من الأثاث، والقتب للبعير، والظرف متعلق بتشد بتضمين معنى التوجه، أي يتوجه إليه علماء كل بلد للاستفادة منه.

قوله: وراثة عن أب عن جد، أي هذه الحالة وهي الإمامة المستلزمة للعلم بالمغيبات، والأخبار بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد إذ كل منهمعليهم‌السلام وارث ووصي لمن تقدمه، أو الأخبار وراثة، وقوله: « يخبرنا » على الأول بيان لطريق العلم بكونه وصيا وإماما، فإن الأخبار معجزة، وقوله: فكيف لي أن أعلم ذلك أي الإخبار بالمغيبات؟ فأجاب بأن طريقه السؤال عما لا طريق إلى علمه إلا من قبل الله، وعلى الثاني: الأخبار إنما يكون طريقا إلى العلم لأنه إذا كان هو من بين الأمة عالما بما يخفى على غيره ولا يخفى عليه ما يعلمه غيره فيكون أولى بالخلافة والإمامة، ولهذا قال: سله عما بدا لك على التعميم في المسؤول عنه تعميما لا يحيط به النقل، ولا تحصره الرواية، ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى العلم بإمامتهعليه‌السلام ، أما على الأول فبأن يحمل على أنه لم يفهم مقصود هشام من قوله يخبرنا، وعلى الثاني فبأن الإخبار وراثة لا يكون دليلا عليها، والجواب ما مر والأول أظهر.

٢٧٣

بل آمنت بالله الساعة إن الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون فقال الشامي صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنك وصي الأوصياء.

ثم التفت أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى حمران فقال تجري الكلام على الأثر فتصيب والتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر ولا تعرفه ثم التفت إلى الأحول

________________________________________________________

قوله: إن الإسلام قبل الإيمان، سيأتي معانيهما في كتاب الإيمان والكفر، ويدل على أن الإسلام هو الاعتقاد بالتوحيد والرسالة والمعاد وما يلزمها سوى الإمامة، والإيمان هو الاعتقاد القلبي بجميع العقائد الحقة التي عمدتها الإقرار بجميع أئمة الحقعليهم‌السلام ، ويدل على أن الأحكام الدنيوية تترتب على الإسلام، وأما الثواب الأخروي فلا يكون له إلا بالإيمان، فالمخالفون لا يدخلون الجنة أبدا، وعلى أنه يجوز نكاح المخالفين وإنكاحهم، ويكون التوارث بينهم وبين المؤمنين، وعلى عدم دخول الأعمال في الإيمان، وسيأتي الكلام في جميع ذلك في مظانها إنشاء الله تعالى، وقبلية الإسلام بالنسبة إلى الإيمان إما ذاتي كتقدم الكلي على الجزئي والكل على الجزء، أو المعنى أنه يمكن حصول الإسلام قبل الإيمان بالزمان وإن أمكن مقارنتهما، والحاصل أن النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق.

قولهعليه‌السلام : تجري الكلام على الأثر، أي على الأخبار المأثورة عن النبي وأئمة الهدى صلوات الله عليهم فتصيب الحق، وقيل: على حيث ما يقتضي كلامك السابق، فلا يختلف كلامك بل يتعاضد.

أقول: ويحتمل أن يكون المراد على أثر كلام الخصم، أي جوابك مطابق للسؤال، والأول أظهر.

« تريد الأثر » أي تريد أن تبني كلامك على الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تعرفه، لعدم التتبع في الأخبار، أو عدم القدرة على الاستنباط « قياس » بالقياس

٢٧٤

فقال قياس رواغ تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر فقال تتكلم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما تكون منه تمزج

________________________________________________________

الفقهي أو المنطقي، « رواغ » أي ميال عن الحق، أو مميل كثير الميل عما يوجب غلبة الخصم عليك، من قولهم راغ عن الشيء أي مال وحاد، ومنه روغان الثعلب « إلا أن باطلك أظهر » أي أغلب على الخصم، أو أوضح أو أشبه بالصواب « وأقرب ما يكون » أقرب مرفوع بالابتداء ومضاف إلى الموصول، و « يكون » تامة أو ناقصة بتقدير الخبر، والضمير المستتر فيه لما و « من » صلة لأقرب أو تبعيضية، وأبعد خبر وضمير « منه » للخبر، والجملة حال عن فاعل تتكلم، أو كلمة « ما » مصدرية أي أقرب أوقات كون كلامك من الخبر أبعدها.

ويحتمل أن يكون أبعد منصوبا على الحالية سادا مسد الخبر كما في قولهم:

أخطب ما يكون الأمير قائما، على اختلافهم في تقدير مثله كما هو مذكور في محله.

قال الرضيرضي‌الله‌عنه في شرحه على الكافية بعد نقل الأقوال في ذلك: واعلم أنه يجوز رفع الحال الساد مسد الخبر عن أفعل المضاف إلى « ما » المصدرية الموصولة بكان أو يكون، نحو أخطب ما يكون الأمير قائم، هذا عند الأخفش والمبرد، ومنعه سيبويه والأولى جوازه، لأنك جعلت ذلك الكون أخطب مجازا فجاز جعله قائما أيضا، ثم قال: ويجوز أن يقدر في أفعل المذكور زمان مضاف إلى ما يكون لكثرة وقوع ما المصدرية مقام الظرف، نحو قولك: ما ذرّ شارق(١) فيكون التقدير أخطب ما يكون الأمير قائم، أي أوقات كون الأمير، فتكون قد جعلت الوقت أخطب وقائما كما يقال: نهاره صائم وليله قائم، انتهى.

وعلى التقادير: المراد بيان بعد كلامه عن الأثر وأن كلما يزعمه أقرب إلى الخبر فهو أبعد منه، وقال بعض الأفاضل: أي تتكلم وكلامك أقرب ما يكون من الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما يكون منه، أي مشتمل عليهما تمزج الحق القريب

__________________

(١) ذرّ: بمعنى طلع والشارق: الشمس.

٢٧٥

الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان قال يونس فظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما ثم قال يا هشام لا

________________________________________________________

منه من الخبر مع الباطل البعيد عنه، ولو اكتفيت بالحق عن الباطل لأصبت، وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل.

ويحتمل وجهين آخرين « أحدهما » كون الضمير في قوله: أبعد ما يكون منه، راجعا إلى الكلام، والمعنى يتكلم والحال أن أقرب ما يكون من الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما يكون من كلامك « وثانيهما » أن يكون راجعا إلى الخبر، ويكون المعنى والحال أن أقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله أبعد ما يكون من الخبر عنه في كلامك وبحسب حملك وتنزيلك، والأول أظهر، وفي بعض النسخ أقرب ما تكون بلفظ الخطاب، أي أقرب حالك التي تكون عليها من الخبر أبعد حالك عنها، وحاصله أنه إذا أردت القرب من الخبر والموافقة له تقع في المخالفة والبعد عنه.

« قفازان » بالقاف والفاء المشددة والزاي من القفز وهو الوثوب، أي وثابان من مقام إلى آخر غير ثابتين على أمر واحد، وقيل: هو من القفيز وهو المكيال، والمراد علم الميزان، وفي بعض النسخ بالراء المهملة من القفر وهو المتابعة والاقتفاء وفي بعضها بتقديم الفاء على القاف من فقرت البئر أي حفرته، والفقر أيضا: ثقب الخرز للنظم ومناسبتها ظاهرة « لا تكاد تقع » أي لا يقرب وقوعك على الأرض ومغلوبيتك « تلوى رجليك إذا هممت بالأرض » أي قصدت الوقوع على الأرض تنزلا لمماشاة الخصم، أو قربت من الوقوع مجازا، ولويت الحبل فتلته، ولوى الرجل رأسه: أمال، والحاصل أنك كلما قربت من الأرض وخفت الوقوع عليها لويت رجليك كما هو شأن الطير عند إرادة الطيران، ثم طرت ولم تقع، والغرض أنك لا تغلب من خصمك قط، وإذا قرب أن يغلب إليك ويعجزك تجد مفرا حسنا فتغلب عليه.

والزلة هي ما وقع منه في زمن الكاظم صلوات الله عليه من مخالفتهعليه‌السلام حين

٢٧٦

تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت مثلك فليكلم الناس فاتق الزلة والشفاعة من ورائها إن شاء الله

٥ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبان قال أخبرني الأحول أن زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام بعث إليه وهو مستخف قال فأتيته فقال لي يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه قال فقلت له إن كان أباك أو أخاك خرجت معه قال فقال لي فأنا أريد أن أخرج

________________________________________________________

أمره بترك الكلام تقية واتقاء وإبقاء عليه وعلى نفسه صلوات الله عليه، كما روى الكشي عن أبي يحيى الواسطي عن عبد الرحمن بن حجاج قال: سمعته يؤدي إلى هشام بن الحكم رسالة أبي الحسنعليه‌السلام قال: لا تتكلم فإنه قد أمرني أن آمرك أن لا ـ تتكلم قال: فما بال هشام يتكلم وأنا لا أتكلم؟ قال: أمرني أن آمرك أن لا تتكلم أنا رسوله إليك، قال أبو يحيى: أمسك هشام بن الحكم عن الكلام شهرا ثم تكلم، فأتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال: سبحان الله يا أبا محمد تكلمت وقد نهيت عن الكلام؟فقال: مثلي لا ينهى عن الكلام، قال أبو يحيى: فلما كان من قابل أتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال له يا هشام: قال لك أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال: لا، قال: فكيف تشرك في دمي؟ فإن سكت وإلا فهو الذبح، فما سكت حتى كان من أمره ما كان صلى الله عليه، وذكر نحوا من ذلك بأسانيد، وله قصة طويلة في مناظرته في بيت يحيى البرمكي وهارون خلف الستر، وأن ذلك صار سبب موته، لكن فيه مدائح كثيرة تغلب ذمه، ولعل هذه الزلات التي كانت لشدة حبهم ورسوخهم في الدين مقرونة بالشفاعة والمغفرة كما وعدهعليه‌السلام ، وقد أشبعت الكلام في ذلك في الكتاب الكبير.

الحديث الخامس: موثق كالصحيح.

« إن طرقك طارق منا » أي دخل عليك بالليل خوفا من الظلمة طارق منا أهل البيت يدعوك إلى معاونته في رفع شر الظلمة أتخرج معه لمعاونته؟ وقد يطلق الطارق على مطلق النازل ليلا كان أو نهارا « فقلت له: إن كان أباك أو أخاك » أي إن كان

٢٧٧

أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي قال قلت لا ما أفعل جعلت فداك.

قال فقال لي أترغب بنفسك عني قال قلت له إنما هي نفس واحدة

________________________________________________________

الطارق أو مرسله إماما مفترض الطاعة كأبيك وأخيك يدعوني إلى الخروج معه خرجت معه.

واعلم أن الأخبار في حال زيد مختلفة، ففي بعضها ما يدل على أنه ادعى الإمامة فيكون كافرا، وفي كثير منها أنه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد وأنه كان غرضه دفع هؤلاء الكفرة ورد الحق إلى أهله، وربما يقال: إنه كان مأذونا عن الصادقعليه‌السلام باطنا وإن كان ينهاه بحسب الظاهر تقية وفيه بعد، وقيل: كان جهاده لدفع شرهم عنه وعن أهل البيتعليهم‌السلام كجهاد المرابطين في زمن الغيبة لدفع الكفرة، أو كمجاهد المرء عدوه على سبيل الدفع عن نفسه وحرمه وماله، وإجماله في القول لئلا تتخلف عنه العامة وتتضرر منه الخاصة، ولعل حمله على أحد هذه الوجوه أولى، فإن الأصل فيهم كونهم مشكورين مغفورين، وقد وردت الأخبار في النهي عن التعرض لأمثالهم بالذم، وأنهم يوفقون عند الموت للرجوع إلى الحق، والاعتقاد بإمام العصر « أترغب بنفسك عني » أي أترغب عني ولا تميل إلى بسبب نفسك، وخوفا عليها أن تقتل، أو المعنى أتعد نفسك أرفع من أن تبايعني أو ترى لنفسك فضلا فتحافظ عليها ما لم تحافظ علي، أو فتظن أنك أعرف بأمر الدين مني وأن ما تراه في ترك الخروج لدفع شر هؤلاء أولى مما أراه من مجاهدتهم لدفعهم، قال في النهاية: فيه، إني لأرغب بك عن الأذان، يقال رغبت بفلان عن هذا الأمر إذا كرهته وزهدت له فيه، وفي القاموس: رغب بنفسه عنه بالكسر: رأى لنفسه عليه فضلا.

« إنما هي نفس واحدة » أي ليس لي نفسان إن أتلفت إحداهما في معصية الله تداركت بالأخرى طاعة الله، فلا بد لي من أن أنظر لها ولا أضيعها، وقيل: المعنى لست إلا رجلا واحدا ليس لي أتباع فلا ينفعك نصرتي، ويحتمل أن يراد أن الحجة نفس واحدة، ومعلوم أن أخاك أو ابن أخيك حجة فكيف تكون أنت حجة، و

٢٧٨

فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك وإن لا تكن لله حجة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء.

قال فقال لي يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي ولم يشفق علي من حر النار إذا أخبرك بالدين ولم يخبرني به فقلت له جعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني أنا فإن قبلت نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ثم قلت له جعلت فداك أنتم أفضل أم

________________________________________________________

الأول أظهر.

ثم أخذ في الاستدلال على أنه لا ينبغي أن يخرج معه بقوله: « فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج » لأنك لست بذاك « والخارج معك هالك » لأن إمامي منعني عن الخروج، أو لأن إجابة من ليس بحجة إلى الخروج والطاعة والانقياد له مع وجود الحجة هلاك وضلال « وإن لا تكن لله حجة » فأجابه غير الحجة والتخلف عنه سواء في الدين، وليس شيء منهما مكلفا به وفي الإجابة إلقاء النفس إلى التهلكة، ولا مفسدة في التخلف، فقال له زيد ـ معرضا عن إبطال حجته مفصلا، مقتصرا على الإشارة إليه إجمالا ـ بأنه لو كان هذا الخروج الذي أريده محظورا لأخبرني به أبيعليه‌السلام ، وأنه مع كمال شفقته علي لم يكن يخبرك وأمثالك بما يتعلق بالدين، ولا يخبرني به، أو المراد أنه كيف أخبرك وأمثالك بالإمام ولم يخبرني به؟ فقال له الأحول على طريقة الجدل: لعله لم يخبرك لشفقته عليك مخافة أن لا تقبله، وأخبرني لعدم الداعي إلى عدم القبول « وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار » وإنما قال ذلك تنزلا، لأنه كيف يتصور عدم علمه بإمامة أخيه في مدة حياة والدهعليه‌السلام وبعده.

وفي النهاية: الخوان بالكسر: الذي يؤكل عليه، معرب، وقال: البضعة بالفتح القطعة من اللحم.

٢٧٩

الأنبياء قال بل الأنبياء قلت يقول يعقوب ليوسف «يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً » لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك قال فقال أما والله لئن قلت ذلك لقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة وإن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.

فحججت فحدثت أبا عبد اللهعليه‌السلام بمقالة زيد وما قلت له فقال لي أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ولم تترك له مسلكا يسلكه.

باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمةعليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم

________________________________________________________

قوله: « أما والله لئن قلت ذلك » الظاهر أن هذا على سبيل الإنكار، وقيل: لما كان بناء كلام الأحول على ظنه بزيد أنه غير مقر بالإمامة، وغير عارف بإمامه، ولم تكن المصلحة في إظهار حاله والتصريح ببطلان ظنه ومقالة، أعرض عن التعرض لجوابه، وقال تنبيها له على أن مجاهدته ليس لنيل الرئاسة ولا لجهله بالإمامة كما ظنه، بل لأمر آخر « والله لئن قلت ذلك » وظننت بي ما ظننت « فلقد حدثني صاحبك » الذي هو الحجة « بالمدينة » وأنا أو إليه وآخذ عنه « إني أقتل وأصلب بالكناسة » بالضم اسم موضع بالكوفة، والغرض أنه يعلم من قول من لا يشك في صدقه مصير أمره، وإنما يريد المجاهدة لما يجوز له بمراضاة من الحجة ومشورته.

« أخذته من بين يديه » أي لم تترك له طريق جواب أصلا، وقيل: ذكر الجهات الست إشارة إلى الست الفقرات التي تكلم بها الأحول.

باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمةعليهم‌السلام

الحديث الأول: ضعيف

وقوله: درست إما معطوف على هشام، والضمير في عنه راجع إلى الإمامعليه‌السلام ، أو إلى هشام، ينقله عنه بواسطة أيضا، أو على أبي يحيى والضمير راجع إلى هشام.

٢٨٠