مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول4%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66835 / تحميل: 5311
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ويخبرهم بفرض ربّهم قال فمن هو قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال هشام فبعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الكتاب والسنّة قال هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنّا ؟ قال الشاميُّ نعم قال فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك قال فسكت الشاميُّ ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام للشامي ما لك لا تتكلم قال الشاميّ أنّ قلت لم نختلف كذبت وأنّ قلت أنّ الكتاب والسنة يرفعأنّ عنا الاختلاف أبطلت لأنّهما يحتملان الوجوه وأنّ قلت قد اختلفنا وكلُّ واحد منّا يدعي الحقّ فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنّة إلّا أنّ لي عليه هذه الحجّة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام سله تجدّه مليّاً.

فقال الشاميّ يا هذا من أنظر للخلق أربّهم أو أنفسهم فقال هشام ربّهم أنظر لهم منهم لأنفسهم فقال الشاميُّ فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم قال هشام في وقت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الساعة؟

________________________________________________________

قوله: فلم اختلفت أنا وأنت؟ فان عارض بأنّه مع قولك أيضاً الاختلاف واقع بيننا وبينك فلم ينفع وجود الإمام؟ يجاب بأنّه لا بدّ في لطف الله تعالى وحكمته أنّ يعين لهم حجّة إذا رجعوا إليه يرتفع الاختلاف عنهم، فإذا لم يرجعوا إليه وحصل الاختلاف كان التقصيّر منهم ولم يكن لهم علي الله حجّة.

قوله: وكلّ منّا يدّعي الحق، أيّ يدعى في قوله أنّه الحقّ دون قول مخالفيه، ولـمّا لم يبق له سبيل إلى النقض التفصيلي والدخل في مقدّمة من المقدّمات أراد سلوك سبيل المعاًرضة بالمثل أو النقض الإجمالي والأوّل أظهر، وفي النهاية: يقال: أبطل إذا جاء بالباطل، وقال: المليء بالهمز: الثقة الغني، وقد ملأ فهو مليء وقد أولع الناس بترك الهمزة وتشديد الياء « انتهى » والمراد هنا تجدّه غنيّاً بالعلم، مقتدراً على المناظرة، وقيل: فعيل بمعنى مفعول، أيّ حملوا علـماً أو بمعنى فاعل من مليء كعلم وحسن أيّ امتلاء.

٢٨١

قال الشاميُّ : في وقت رسول الله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والساعة من فقال هشام هذا القاعد الّذي تشدُّ إليه الرّحال ويخبرنا بأخبار السماء [ والأرض ] وراثة عن أب عن جدّ قال الشاميُّ : فكيف لي أنّ أعلم ذلك ؟ قال هشام سله عمّا بدا لك قال الشاميُّ : قطعت عذري فعليَّ السؤال.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا شاميُّ ! أخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك كان كذا وكذا فأقبل الشاميُّ يقول : صدقت أسلمت لله الساعة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام

________________________________________________________

قوله: قال الشاميّ في وقت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ ظاهراً وكان الرسول، وفي بعض النسخ بعد ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أظهر، ولعلّه سقط من النسّاخ لتوهم التكرار.

قوله: تشدّ إليه الرحال، هو جمع الرحل وهو ما يستصحبه المسافر من الأثاث، والقتب للبعير، والظرف متعلّق بتشد بتضمين معنى التوجّه، أيّ يتوجه إليه علماء كلّ بلد للاستفادة منه.

قوله: وراثة عن أب عن جدّ، أي هذه الحالة وهي الإمامة المستلزمة للعلم بالمغيبات، والأخبار بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جدّ إذ كلّ منهمعليهم‌السلام وارث ووصي لمن تقدمه، أو الأخبار وراثة، وقوله: « يخبرنا » على الأوّل بيان لطريق العلم بكونه وصيّاً وإماماً، فانّ الأخبار معجزة، وقوله: فكيف لي أنّ أعلم ذلك أيّ الإخبار بالمغيبات؟ فأجاب بأنّ طريقه السؤال عمّا لا طريق إلى علمه إلّا من قبل الله، وعلى الثاني: الأخبار إنّما يكون طريقاً إلى العلم لأنّه إذا كان هو من بين الأمة عالماً بما يخفى على غيره ولا يخفى عليه ما يعلمه غيره فيكون أولى بالخلافة والإمامة، ولهذا قال: سله عمّا بدا لك على التعميم في المسؤول عنه تعميما لا يحيط به النقل، ولا تحصره الرواية، ويمكن أنّ يكون ذلك إشارة إلى العلم بإمامتهعليه‌السلام ، إمّا على الأوّل فبأنّ يحمل على أنّه لم يفهم مقصود هشام من قوله يخبرنا، وعلى الثاني فبأنّ الإخبار وراثة لا يكون دليلاً عليها، والجواب ما مرّ والأوّل أظهر.

٢٨٢

بل آمنت بالله السّاعة أنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون فقال الشاميّ صدقت فأنا السّاعة أشهد أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنك وصي الأوصياء.

ثمَّ التفت أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى حمرأنّ فقال تجري الكلام على الأثر فتصيب والتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر ولا تعرفه ثمّ التفت إلى الأحول

________________________________________________________

قوله: إنّ الإسلام قبل الإيمان، سيأتي معاًنيهما في كتاب الإيمان والكفر، ويدّل على أنّ الإسلام هو الاعتقاد بالتّوحيد والرسالة والمعاًد وما يلزمها سوى الإمامة، والإيمان هو الاعتقاد القلبي بجميع العقائد الحقّة الّتي عمدتها الإقرار بجميع أئمّة الحقّعليهم‌السلام ، ويدلّ على أنّ الأحكام الدنيويّة تترتّب على الإسلام، وإمّا الثواب الأخروي فلا يكون له إلّا بالإيمان، فالمخالفون لا يدخلون الجنّة أبداً، وعلى أنّه يجوز نكاح المخالفين وإنكاحهم، ويكون التوارث بينهم وبين المؤمنين، وعلى عدم دخول الأعمال في الإيمان، وسيأتي الكلام في جميع ذلك في مظانّها إنشاء الله تعالى، وقبلية الإسلام بالنسبة إلى الإيمان إمّا ذاتي كتقدّم الكلّيّ على الجزئيّ والكلّ على الجزء، أو المعنى أنّه يمكن حصول الإسلام قبل الإيمان بالزمان وأنّ أمكن مقارنتهما، والحاصل أنّ النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق.

قولهعليه‌السلام : تجري الكلام على الأثر، أيّ على الأخبار المأثورة عن النبيّ وأئمة الهدى صلوات الله عليهم فتصيب الحق، وقيل: على حيث ما يقتضي كلامك السابق، فلا يختلف كلامك بل يتعاضد.

أقول: ويحتمل أنّ يكون المراد على أثر كلام الخصم، أيّ جوابك مطابق للسؤال، والأوّل أظهر.

« تريد الأثر » أيّ تريد أن تبني كلامك على الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تعرفه، لعدم التتبّع في الأخبار، أو عدم القدرة على الاستنباط « قياس » بالقياس

٢٨٣

فقال : قيّاس روّاغ تكسر باطلاً بباطل إلّا أنّ باطلك أظهر ، ثمَّ التفت إلى قيس الماصر فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما تكون منه تمزج

________________________________________________________

الفقهيّ أو المنطقي، « روّاغ » أي ميّال عن الحق، أو مميل كثير الميل عمّا يوجب غلبة الخصم عليك، من قولهم راغ عن الشيء أيّ مال وحاد، ومنه روغأنّ الثعلب « إلّا أنّ باطلك أظهر » أيّ أغلب على الخصم، أو أوضح أو أشبه بالصواب « وأقرب ما يكون » أقرب مرفوع بالابتداء ومضاف إلى الموصول، و « يكون » تامّة أو ناقصة بتقدير الخبر، والضمير المستتر فيه لـمّا و « من » صلة لأقرب أو تبعيضية، وأبعد خبر وضمير « منه » للخبر، والجملة حال عن فاعل تتكلم، أو كلمة « ما » مصدريّة أي أقرب أوقات كون كلامك من الخبر أبعدها.

ويحتمل أنّ يكون أبعد منصوباً على الحاليّة سادّاً مسدّ الخبر كما في قولهم:

أخطب ما يكون الأمير قائماً، على اختلافهم في تقدير مثله كما هو مذكور في محله.

قال الرضيرضي‌الله‌عنه في شرحه على الكافية بعد نقل الأقوال في ذلك: واعلم أنّه يجوز رفع الحال الساد مسد الخبر عن أفعل المضاف إلى « ما » المصدرية الموصولة بكان أو يكون، نحو أخطب ما يكون الأمير قائم، هذا عندّ الأخفش والمبرد، ومنعه سيبويه والأوّلى جوازه، لأنك جعلت ذلك الكون أخطب مجازاً فجاز جعله قائماً أيضاً، ثمّ قال: ويجوز أنّ يقدر في أفعل المذكور زمان مضاف إلى ما يكون لكثرة وقوع ما المصدرية مقام الظرف، نحو قولك: ما ذرّ شارق(١) فيكون التقدير أخطب ما يكون الأمير قائم، أيّ أوقات كون الأمير، فتكون قد جعلت الوقت أخطب وقائماً كما يقال: نهاره صائم وليله قائم، انتهى.

وعلى التقادير: المراد بيان بعد كلامه عن الأثر وأنّ كلّما يزعمه أقرب إلى الخبر فهو أبعد منه، وقال بعض الأفاضل: أي تتكلّم وكلامك أقرب ما يكون من الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما يكون منه، أيّ مشتمل عليهما تمزج الحقّ القريب

__________________

(١) ذر: بمعنى طلع والشارق: الشمس.

٢٨٤

الحقَّ مع الباطل وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل أنت والأحول قفّازان حاذقان ، قال يونس فظننت والله أنّه يقول لهشام قريباً ممّا قال لهما ثمّ قال يا هشام لا

________________________________________________________

منه من الخبر مع الباطل البعيد عنه، ولو اكتفيت بالحق عن الباطل لأصبت، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل.

ويحتمل وجهين آخرين « أحدهما » كون الضمير في قوله: أبعد ما يكون منه، راجعاً إلى الكلام، والمعنىّ يتكلّم والحال أنّ أقرب ما يكون من الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما يكون من كلامك « وثانيهما » أنّ يكون راجعاً إلى الخبر، ويكون المعنى والحال أنّ أقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله أبعد ما يكون من الخبر عنه في كلامك وبحسب حملك وتنزيلك، والأوّل أظهر، وفي بعض النسخ أقرب ما تكون بلفظ الخطاب، أيّ أقرب حالك الّتي تكون عليها من الخبر أبعد حالك عنها، وحاصله أنّه إذا أردت القرب من الخبر والموافقة له تقع في المخالفة والبعد عنه.

« قفّازان » بالقاف والفاء المشدّدة والزأيّ من القفز وهو الوثوب، أي وثّابان من مقام إلى آخر غير ثابتين على أمرّ واحد، وقيل: هو من القفيز وهو المكيال، والمراد علم الميزان، وفي بعض النسخ بالراء المهملة من القفر وهو المتابعة والاقتفاء وفي بعضها بتقديم الفاء على القاف من فقرت البئر أيّ حفرته، والفقر أيضاً: ثقب الخرز للنظم ومناسبتها ظاهرة « لا تكاد تقع » أيّ لا يقرب وقوعك على الأرض ومغلوبيتك « تلوى رجليك إذا هممت بالأرض » أيّ قصدت الوقوع على الأرض تنزلا لمماشاة الخصم، أو قربت من الوقوع مجازاً، ولويت الحبل فتلته، ولوى الرّجلَّ رأسه: أمال، والحاصل أنك كلـمّا قربت من الأرض وخفت الوقوع عليها لويت رجليك كما هو شأنّ الطير عندّ إرادة الطيران، ثمّ طرت ولم تقع، والغرض أنك لا تغلب من خصمك قط، وإذا قرب أنّ يغلب إليك ويعجزك تجد مفراً حسناً فتغلب عليه.

والزلّة هي ما وقع منه في زمن الكاظم صلوات الله عليه من مخالفتهعليه‌السلام حين

٢٨٥

تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت مثلك فليكلم الناس فاتق الزلة والشفاعة من ورائها إن شاء الله

٥ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبأنّ قال أخبرني الأحول أنّ زيد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام بعث إليه وهو مستخف قال فأتيته فقال لي يا أبا جعفر ما تقول أنّ طرقك طارق منا أتخرج معه قال فقلت له أنّ كان أباك أو أخاك خرجت معه قال فقال لي فأنا أريد أنّ أخرج

________________________________________________________

أمره بترك الكلام تقيّة واتقاءاً وإبقاءاً عليه وعلى نفسه صلوات الله عليه، كما روى الكشي عن أبي يحيى الواسطي عن عبد الرحمن بن حجاج قال: سمعته يؤدّي إلى هشام بن الحكم رسالة أبي الحسنعليه‌السلام قال: لا تتكلّم فأنّه قد أمرني أنّ آمرك أنّ لا - تتكلّم قال: فما بال هشام يتكلّم وأنا لا أتكلم؟ قال: أمرني أنّ آمرك أنّ لا تتكلم أنا رسوله إليك، قال أبو يحيى: أمسك هشام بن الحكم عن الكلام شهراً ثمّ تكلم، فأتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال: سبحان الله يا أبا محمّد تكلمت وقد نهيت عن الكلام؟فقال: مثلي لا ينهى عن الكلام، قال أبو يحيى: فلـمّا كان من قابل أتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال له يا هشام: قال لك أيسرّك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال: لا، قال: فكيف تشرك في دمي؟ فأنّ سكت وإلّا فهو الذبح، فما سكتّ حتّى كان من أمره ما كان صلى الله عليه، وذكر نحوا من ذلك بأسانيد، وله قصة طويلة في مناظرته في بيت يحيى البرمكي وهارون خلف السّتر، وانّ ذلك صار سبب موته، لكن فيه مدائح كثيرة تغلب ذمّه، ولعلّ هذه الزلّات الّتي كانت لشدّة حبّهم ورسوخهم في الدين مقرونة بالشفاعة والمغفرة كما وعدّهعليه‌السلام ، وقد أشبعت الكلام في ذلك في الكتاب الكبير.

الحديث الخامس: موثق كالصحيح.

« أنّ طرقك طارق منّا » أيّ دخل عليك بالليل خوفاً من الظلمة طارق منّا أهل البيت يدعوك إلى معاونته في رفع شر الظلمة أتخرج معه لمعاونته؟ وقد يطلق الطارق على مطلق النازل ليلا كان أو نهاراً « فقلت له: أنّ كان أباك أو أخاك » أيّ أنّ كان

٢٨٦

أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي قال قلت لا ما أفعل جعلت فداك.

قال فقال لي : أترغب بنفسك عنّي ؟ قال قلت له إنّما هي نفس واحدة

________________________________________________________

الطارق أو مرسله إماماً مفترض الطاعة كأبيك وأخيك يدعوني إلى الخروج معه خرجت معه.

واعلم أنّ الأخبار في حال زيد مختلفة، ففي بعضها ما يدّل على أنّه إدّعى الإمامة فيكون كافراً، وفي كثير منها أنّه كان يدعو إلى الرّضا من آل محمّد وأنّه كان غرضه دفع هؤلاء الكفرة وردّ الحقّ إلى أهله، وربّما يقال: أنّه كان مأذوناً عن الصادقعليه‌السلام باطناً وإن كان ينهاه بحسب الظاهر تقيّة وفيه بعد، وقيل: كان جهاده لدفع شرّهم عنه وعن أهل البيتعليهم‌السلام كجهاد المرابطين في زمن الغيبة لدفع الكفرة، أو كمجاهد المرء عدوّه على سبيل الدفع عن نفسه وحرمه وماله، وإجماله في القول لئلّا تتخلّف عنه العامة وتتضرّر منه الخاصة، ولعلّ حمله على أحد هذه الوجوه أولى، فأنّ الأصل فيهم كونهم مشكورين مغفورين، وقد وردت الأخبار في النهي عن التعرّض لأمثالهم بالذمّ، وأنهم يوفّقون عندّ الموت للرجوع إلى الحق، والاعتقاد بإمام العصر « أترغب بنفسك عنّي » أي أترغب عنّي ولا تميل إلىّ بسبب نفسك، وخوفاً عليها أنّ تقتل، أو المعنى أتعد نفسك أرفع من أنّ تبايعني أو ترى لنفسك فضلاً فتحافظ عليها ما لم تحافظ علي، أو فتظنّ أنّك أعرف بأمرّ الدين منّي وأنّ ما تراه في ترك الخروج لدفع شر هؤلاء أولى ممّا أراه من مجاهدتهم لدفعهم، قال في النهاية: فيه، إنّي لأرغب بك عن الأذان، يقال رغبت بفلان عن هذا الأمرّ إذا كرهته وزهدت له فيه، وفي القاموس: رغب بنفسه عنه بالكسر: رأى لنفسه عليه فضلا.

« إّما هي نفس واحدة » أيّ ليس لي نفسأنّ أنّ أتلفت إحداهما في معصية الله تداركت بالأخرى طاعة الله، فلا بدّ لي من أنّ أنظر لها ولا أضيعها، وقيل: المعنى لست إلّا رجلا واحداً ليس لي أتباع فلا ينفعك نصرتي، ويحتمل أنّ يراد أنّ الحجّة نفس واحدة، ومعلوم أنّ أخاك أو ابن أخيك حجّة فكيف تكون أنت حجّة، و

٢٨٧

فإن كان لله في الأرض حجّة فالمتخلّف عنك ناج والخارج معك هالك وأنّ لا تكن لله حجّة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء.

قال فقال لي يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوأنّ فيلقمني البضعة السمينة ويبرّد لي اللّقمة الحارَّة حتّى تبرد شفقة عليَّ ولم يشفق عليَّ من حرّ النار إذاً أخبرك بالدين ولم يخبرني به فقلت له جعلت فداك من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك خاف عليك أنّ لا تقبله فتدخل النار وأخبرني أنا فأنّ قبلت نجوت وأنّ لم أقبل لم يبال أنّ أدخل النار ثمَّ قلت له جعلت فداك أنتم أفضل أم

________________________________________________________

الاول أظهر.

ثمّ أخذ في الإستدلال على أنّه لا ينبغي أن يخرج معه بقوله: « فأنّ كان لله في الأرض حجّة فالمتخلف عنك ناج » لأنّك لست بذاك « والخارج معك هالك » لأنّ إمامي منعني عن الخروج، أو لأنّ إجابة من ليس بحجّة إلى الخروج والطاعة والانقياد له مع وجود الحجّة هلاك وضلال « وأنّ لا تكن لله حجّة » فأجابه غير الحجّة والتخلّف عنه سواء في الدين، وليس شيء منهما مكلّفاً به وفي الإجابة إلقاء النفس إلى التهلكة، ولا مفسدة في التخلّف، فقال له زيد - معرضاً عن إبطال حجّته مفصّلا، مقتصراً على الإشارة إليه إجمالاً - بأنّه لو كان هذا الخروج الّذي أريده محظوراً لأخبرني به أبيعليه‌السلام ، وأنّه مع كمال شفقته عليّ لم يكن يخبرك وأمثالك بما يتعلّق بالدين، ولا يخبرني به، أو المراد أنّه كيف أخبرك وأمثالك بالإمام ولم يخبرني به؟ فقال له الأحول على طريقة الجدل: لعلّه لم يخبرك لشفقته عليك مخافة أنّ لا تقبله، وأخبرني لعدم الداعي إلى عدم القبول « وأنّ لم أقبل لم يبال أنّ أدخل النار » وإنّما قال ذلك تنزّلاً، لأنّه كيف يتصوّر عدم علمه بإمامة أخيه في مدّة حياة والدهعليه‌السلام وبعده.

وفي النهاية: الخوان بالكسر: الذي يؤكل عليه، معرّب، وقال: البضعة بالفتح القطعة من اللحم.

٢٨٨

الأنبياءِ ؟ قال : بل الانبياءِ قلت :يقول يعقوب ليوسف : يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً لِم لَم يخبرهم حتّى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك فكذا أبوك كتمك لأنّه خاف عليك قال فقال إمّا والله لئن قلت ذلك لقد حدَّثني صاحبك بالمدينة أنّي أقتل وأصلب بالكناسة وأنّ عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.

فحججت فحدَّثت أبا عبد اللهعليه‌السلام بمقالة زيد وما قلت له فقال لي أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ولم تترك له مسلكاً يسلكه.

( باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة عليهم‌السلام )

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن هشام بن سالم

________________________________________________________

قوله: « أما والله لئن قلت ذلك » الظاهر أنّ هذا على سبيل الانكار، وقيل: لـمّا كان بناء كلام الأحول على ظنّه بزيد أنّه غير مقرّ بالإمامة، وغير عارف بإمامه، ولم تكن المصلحة في إظهار حاله والتصريح ببطلان ظنّه ومقالة، أعرض عن التعرّض لجوابه، وقال تنبيهاً له على أنّ مجاهدته ليس لنيل الرئاسة ولا لجهله بالإمامة كما ظنه، بل لأمر آخر « والله لئن قلت ذلك » وظننت بي ما ظننت « فلقد حدّثني صاحبك » الذي هو الحجّة « بالمدينة » وأنا أو إليه وآخذ عنه « إنّي أقتل وأصلب بالكناسة » بالضم اسم موضع بالكوفة، والغرض أنّه يعلم من قول من لا يشكّ في صدقه مصيّر أمره، وإنّما يريد المجاهدة لـمّا يجوز له بمراضاة من الحجّة ومشورته.

« أخذته من بين يديه » أيّ لم تترك له طريق جواب أصلاً، وقيل: ذكر الجهات الستّ إشارة إلى الستّ الفقرات التي تكلّم بها الأحول.

باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمةعليهم‌السلام

الحديث الأول: ضعيف

وقوله: درست إمّا معطوف على هشام، والضمير في عنه راجع إلى الإمامعليه‌السلام ، أو إلى هشام، ينقله عنه بواسطة أيضاً، أو على أبي يحيى والضمير راجع إلى هشام.

٢٨٩

ودرست بن أبي منصور عنه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات فنبيُّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلى أحدّ وعليه إمامٌ مثل ما كان إبراهيم على لوط

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : الأنبياء والمرسلون، أيّ مجموع الصنفين عليّ التداخل ينقسم إلى الأربع لأكلّ منهما، فلا ينافي ما سيأتي في الباب الآتي من الفرق بين النبي والرسول، ويحتمل أنّ يكون هذا التقسيم مبنيّاً على إصطلاح آخر، والأوّل أظهر.

قال شارح المقاصد: النبوة هو كون الإنسان مبعوثاً من الحقّ إلى الخلق، فأن كان النبيّ مأخوذاً من النباوة وهو الارتفاع لعلوّ شأنه واشتهار مكأنّه أو من النبي بمعنى الطريق لكونه وسيلة إلى الحق، فالنبوة على الأصل كالأبوّة، وأنّ كان من النبإ بمعنى الخبر لإنبائه عن الله تعالى، فعلى قلب الهمزة واواً ثمّ الإدغام كالمروّة، وقال: النبيّ هو إنسأنّ بعثه الله لتبليغ ما أوحى إليه، وكذا الرسول وقد يخص بمن له شريعة وكتاب، فيكون أخصّ من النبي، واعترض بما ورد في الحديث من زيادة عدد الرسل على عدد الكتب، فقيل: هو من له كتاب أو نسخ لبعض أحكام الشريعة السابقة، والنبيّ قد يخلو عن ذلك كيوشععليه‌السلام ، وفي كلام بعض المعتزلة أنّ الرسول صأحبّ الوحيٌّ بواسطة الملك، والنبيّ هو المخبر عن الله بكتاب أو إلهام أو تنبيه في منام، انتهى.

أقول: وسيأتي تحقيق القول في ذلك.

قوله: فنبيّ منبأ في نفسه، أقول: الفرق بينه وبين الثاني لا يخلو من إشكال، ويمكن توجيهه بوجهين:

الأول: أن يكون المراد بقوله: منبأ في نفسه لا يعدو غيرها، أنّه لا يتعلّق بنبوّته شيء غير نفسه، لا ملك يسمع صوته أو يعاينه، ولا أحدّ يبعث إليه والثاني ليس بمقصود على ذلك، بل يسمع كلام الملك أيضاً بحيث لا يراه في اليقظة، فيكون

٢٩٠

عليهم‌السلام ونبيُّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا كيونس قال الله ليونس «وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ »(١) قال يزيدون

________________________________________________________

القسمان مشتركين في عدم البعثة إلى أحد، وإنّما الفرق بسماع الصوت في اليقظة وعدمه، والتشبيه بلوطعليه‌السلام في محض كونه عليه إمام، لأنّ لوطاً كان من المرسلين، وكان مبعوثاً على أمّة عذّبوا بمخالفته.

والوجه الثاني: أنّ يكون الأوّل من لم يبعث إلى أحد أصلا، والثاني من يكون مبعوثاً لكن لا من قبل الله، بل من قبل الإمام بأنّ يكون لوطاً مبعوثاً من قبل إبراهيمعليه‌السلام إليهم لا من قبل الله، وأنّ كان نبيّاً فيكون التشبيه كاملا، ويكون قوله سبحانه «وَأنّ لوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ »(٢) يعنّي به أنّه من المرسلين من قبل الإمام، والمراد بعدم المعاًينة عدمها عندّ إلقاء الحكم وسماع الصوت المشتمل على بيان الحكم الشرعي، فلا ينافي رؤية لوطعليه‌السلام الملائكة المرسلين(٣) لتعذيب قومه وسماعه أصواتهم، ويمكن أنّ يكون المراد رؤيتهم بصورتهم الأصليّة، وهوعليه‌السلام رآهم في صورة البشر، أو رؤيتهم عندّ معرفة أنّهم ملائكة، فيمكن أنّ يكون حين عرفهم لم يكن يراهم، ولكن يسمع أصواتهم والظرف في قوله: في اليقظة، متعلّق بيسمع الصوت ولا يعاينه على التنازع.

وقوله تعالى «أَوْ يَزِيدُونَ » ممّا يوهم الشكّ وهو محال على الله سبحانه.

وأجيب بوجوه: « الأوّل » أنّ المعنى أو يزيدون في تقديركم، بمعنى أنّه إذا رآهم الرائي منكم قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على المائة ألف « الثاني » أنّ أو بمعنى الواو « الثالث » أنّ أو بمعنى بل « الرابع » أنّه للإبهام على المخاطبين « الخامس » ما قيل: أنّه لـمّا كان إرسال يونس إلى قومه أمراً مستمراً وكان قومه في بعض أوقات

__________________

(١) سورة الصافات: ١٤٧.

(٢) سورة الصافات: ١٣٣.

(٣) المقربين خ ل.

٢٩١

ثلاثين ألفاً وعليه إمامٌ والّذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمامٌ مثل اُولي العزم وقد كان إبراهيمعليه‌السلام نبيّاً وليس بإمام حتّى قال الله: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قال :وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فقال الله :لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »(١) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً.

________________________________________________________

الإرسال مائة ألف وزادوا بالتوالد في بعض الأوقات إلى أنّ صاروا مائة وثلاثين ألفاً استعمل « أو » لبيان أنّ المرسل إليهم على قسمين، ففي بعض الأوقات مائة ألف، وفي بعضها يزيدون، ولم يذكر قدر الزيّادة إشارة إلى أنّه في كلّ وقت من أوقات الزيّادة غير ما في الأوقات الأخرى، فبيّنعليه‌السلام أنّ منتهى الزيّادة ثلاثون ألفاً.

وقال الطبرسيّ (ره): واختلف في الزيّادة على مائة ألف كم هي؟ فقيل: عشرون ألفاً عن ابن عباس ومقاتل، وقيل: بضع وثلاثون ألفاً عن الحسن والربيع، وقيل: سبعون ألفاً عن مقاتل بن حيان.

قوله: وعليه إمام، أيّ موسىعليه‌السلام والإمام من تكون له الرئاسة العأمّة ويتبعه كلّ من يأتي بعدّه إلى أنّ تنسخ شريعته، وهذا المعنى ثابت لجميع أولو العزم، ولأئمتنا صلوات الله عليهم، وقولهعليه‌السلام : من عبد صنماً أو وثناً لم يكن إماماً، إمّا تفسير لقوله تعالى: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » أو متفرّع ومترّتب عليه وهذا أنسب بسائر الأخبار، فيكون تعريضاً لأئمّة المخالفين الذين كانوا في أكثر عمرهم مشركين، فعلى الأوّل المراد بالظلم الكفر والشرك، وبالعهد الإمامة، وعلى الثاني فالظلم على عمومه والعهد شامل للإمأمّة وما في حكمها، وهو في الأصل ما يكتب للولاة، من عهد إليه كعلم إذا أوصاه، وهنا كناية عن خلافة الله في أرضه.

وقال الطبرسي (ره) قال مجاهد: العهد الإمأمّة وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام ، أيّ لا يكون الظالم إماماً للناس فهذا يدلّ على أنّه يجوز أنّ يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالـماً لأنّه لو لم يرد أنّ يجعل أحداً منهم إماماً للناس

__________________

(١) سورة البقرة: ١٢٤.

٢٩٢

________________________________________________________

لوجب أن يقول في الجواب: لا، أو لا ينال عهدي ذريّتك، وقال الحسن: أنّ معناه أنّ الظالمين ليس لهم عندّ الله عهد يعطيهم به خيرا وأنّ كانوا قد يعاهدون في الدنيا فيوفي لهم، وقد يجوز في العربية أنّ يقال لا ينال عهدي الظالمين، لأنّ ما نالك فقد نلته، وقد روي ذلك في قراءة ابن مسعود، واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الإمام لا يكون إلّا معصوما عن القبائح، لأنّ الله سبحانه نفي أنّ ينال عهده الّذي هو الإمأمّة ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالـماً إمّا لنفسه وإمّا لغيره، فأنّ قيل: إنّما نفى أنّ يناله في حال ظلمة، فإذا تاب فلا يسمّى ظالماً، فيصحّ أنّ يناله؟ فالجواب أنّ الظالم وأنّ تاب فلا يخرج من أنّ تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما، فإذا نفى أنّ يناله فقد حكم بأنّه لا ينالها، والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت، فيجب أنّ تكون محمولة على الأوقات كلّها، فلا يناله الظالم وأنّ تاب فيها بعد، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

فأن قلت: على القول باشتراط بقاء المشتقّ منه في صدق المشتقّ كيف يستقيم الاستدلال؟

قلت: لا ريب أنّ الظالم في الآية يحتمل الماضي والحال، لأنّ إبراهيمعليه‌السلام إنّما سأل ذلك لذريته من بعده، فأجاب تعالى بعدم نيل العهد لمن يصدقّ عليه أنّه ظالم بعده، فكلّ من صدقّ عليه بعد مخاطبة الله تعالى لإبراهيم بهذا الخطاب أنّه ظالم، وصدر عنه الظلم في أيّ زمان من أزمنة المستقبل يشمله هذا الحكم، أنّه لا يناله العهد.

فأن قلت: تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعليّة؟

قلت: العليّة لا تدلّ على المقارنة، إذ ليس مفاد الحكم إلّا أنّ عدم النيل إنّما هو للاتصاف بالظلم في أحد الأزمنة المستقبلة بالنسبة إلى صدور الحكم فتدبّر.

وقال بعض الأفاضل: في الخبر دلالة عليّ أنّ المراد بالظالم من ظلم وسبق ظلمه، حيث قال: من عبد صنماً ولم يقل من لم يعبد، ولم يدخل الفاء في الخبر

٢٩٣

٢ - محمّد بن الحسن عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : أنَّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً وأنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً وأنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أنّ يتخّذه خليلاً وأنَّ الله اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ، فلـمّا جمع له الأشياء قال «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً » قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال «وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » قال : لا يكون السفيه إمام التقيّ.

________________________________________________________

دلالة على عدم إرادة معنى الشرط، وأيضاً فكما كان الخليلعليه‌السلام يسأل الإمأمّة ويريدها لظالم حين ظلمه إنّما يدخل في سؤاله الّذي سبق ظلمه، وهو غير متلبّس به، فأجاب بإخراج من ظلم وسبق منه الظلم، ويحتمل أنّ يكون مراد الخليلعليه‌السلام أخذ العهد لذريّته بالإمامة، في ضمن عهد إمامته، والجواب من يفعل منهم ظلـماً لا ينال عهد الإمامة، فذريته على العموم لا يصحّ إدخالهم في العهد، فأنّ من ذريّته من يعبد الصنم والوثن.

الحديث الثاني: ضعيف، وتقدّم النبوّة على الرسالة ظاهر، وكذا الرسالة على الخلّة فإنّها فراغ القلب عن جميع ما سوى الله، وعدم التوسل في شيء من الأمور إلى سواه، وكلّ رسول لا يلزم أنّ تكون له هذه الدرجة، والإمأمّة الّتي هي الرئاسة العأمّة لجميع الخلق، وكون من بعدّه من الأنبياء تابعين له أفضل من الجميع.

قولهعليه‌السلام : فلـمّا جمع له، على بناء المعلوم أو المجهول « الأشياء » أيّ المذكورة سابقاً.

قولهعليه‌السلام : لا يكون السفيه هذا تفسير لنفي إمأمّة الظالم بحمل الظلم على السفاهة، سواء كان بفقدان العقائد الحقة واختيار الباطل، وهم الظلمة على أنفسهم، أو بارتكاب القبائح الشنيعة وهم الظلمة على أنفسهم أو على غيرهم، أو بيان لسببه، أو لـمّا يترتّب عليه.

٢٩٤

٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن هشام، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى جميع الأنبياء.

٤ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السفاتج، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول أنّ الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أنّ يتخّذه نبيّاً واتّخذه نبيّاً قبل أنّ يتخّذه رسولاً واتّخذه رسولاً قبل أنّ يتخّذه خليلاً واتّخذه خليلاً قبل أنّ يتخّذه إماماً فلـمّا جمع له هذه الأشياء - وقبض

________________________________________________________

قيل: وفيه دلالة على عموم الإمأمّة بالنسبة إلى كلّ الناس كما هو الظاهر من قوله تعالى: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً ».

الحديث الثالث: موثق

« وعليهم دارت الرحى » أيّ رحا النبوة والرسالة والشريعة والدين، وسائر الأنبياء تابعون لهم فهم بمنزلة القطب للرحى، وقيل: كنى بالرحى عن الشرائع لدورانها بين الأمم مستمرّة إلى يوم القيامة، وشبّه أولو العزم بالماء الّذي تدور عليه الرحى، أوكنّى بالرحى عن الأفلاك، فإنها تدور وتدوم بوجود الأنبياء ودوام آثارهم ولولاهم لـمّا دارت ولـمّا بقيت كما ورد في الحديث القدسي في حقّ نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله : لولاك لـمّا خلقت الأفلاك.

الحديث الرابع: ضعيف.

قوله: وقبض يده، الظاهر أنّ الضمير المستتر والبارز راجعأنّ إلى الباقرعليه‌السلام ، والكلام من الرّاوي أيّ لـمّا قالعليه‌السلام فلـمّا جمع له هذه الأشياء قبض يده الشريفة، أيّ ضمّ أصابعه إلى الكفّ لبيان اجتماع هذه الخمسة له، أيّ العبودية الّتي هي إخلاص العبادة لله، والعمل بما يقتضيه، وهذا غاية كمال الممكن، وقد وصف الله المقرّبين من عباده بذلك حيث قال: «سبحان الّذي أَسْرى بِعَبْدِهِ »(١) وقال:

__________________

(١) سورة الاسراى: ١.

٢٩٥

يده - قال له:يا إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً ، فمن عظمها في عين إبراهيمعليه‌السلام قال ياربّ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .

( باب )

( الفرق بين الرسول والنبي والمحدث )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلَّ «وَكان رسولاً نبيّاً » ما الرسول وما النبيّ ؟ قال النبيُّ الّذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا

________________________________________________________

«عَبْداً مِنْ عِبادِنا »(١) إلى غير ذلك من الآيات، والنبوّة(٢) والرسالة والخلّة والإمامة، وضمّ الفعل إلى القول بهذه الإشارات شائع في الاستعمالات كما لا يخفى علي المتدبريّن في فهم الروايات، وقيل: لعلّ المراد أخذ يده ورفعه من حضيض الكمالات إلى أوجها، هذا إذا كان الضمير في يده راجعاً إلى إبراهيم وأنّ كان راجعاً إلى الله فقبض يده كناية عن إكمال الصنعة وإتمام الحقيقة في إكمال ذاته وصفاته، أو تشبيه للمعقول بالمحسوس للأيضاًح، فأنّ الصانع منا إذا أكمل صنعة الشيء لرفع يده عنه ولا يعمل فيه شيئاً لتمام صنعته، وقيل: فيه إضمار أيّ قبض إبراهيم هذه الأشياء بيده، أو قبض المجموع في يده، ولا يخفى ما في جميع ذلك من التكلّف والتعسّف.

قوله: فمن عظمها أي الإمامة.

باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث

الحديث الأول: صحيح.

قولهعليه‌السلام : الذي يرى في منامه، الغرض بيان مادّة الافتراق لإثبات العموم، أيّ يصدقّ على هذا الفرد « ولا يعاين الملك » أيّ في اليقظة، والمعنى: لا يعاينه حين سماع صوته، فلا ينافيه الخبر الآتي، ويدّل على أنّه كان في قراءة أهل البيتعليهم‌السلام :

__________________

(١) سورة الكهف: ٦٥.

(٢) عطف على قوله: « أي العبودية ».

٢٩٦

يعاين الملك والرَّسول الّذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك قلت الإمام ما منزلته قال يسمعالصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ثمّ تلا هذه الآية وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ ولا محدَّث.

٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرَّار قال كتب الحسن بن العبّاس المعروفيّ إلى الرّضاعليه‌السلام : جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام ؟ قال : فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام أنّ الرَّسول الّذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي و ربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيمعليه‌السلام والنبيُّ ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع

________________________________________________________

« ولا محدّث » وقيل: يحتمل أن يكون بياناً للمراد من الآية، أقول: هذا بعيد جدّاً وأنّ أمكن توجيهه بأنّ الأئمة في هذه الأمّة لـمّا كانوا بمنزلة الأنبياء الذين كانوا في الأمم السابقة كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، وفسّر بالأئمةعليهم‌السلام ، فذكر الأنبياء المتقدّمين وبيان حكمهم مشتمل على ذكر الأئمةعليهم‌السلام على هذا الوجه، لكن أوردنا في كتابنا الكبير أخباراً أصرح من هذه الأخبار، في كون هذه الكلمة في القرآن، ولا استبعاد في سقوط بعض القران عمّا جمعه عثمأنّ كما سيأتي تحقيقه في كتاب القران أنّ شاء الله تعالى.

الحديث الثاني: مجهول

قال: فكتب القائل إمّا الحسن أو إسماعيل فأنّ أحدهما شكّ في أنّ جوابهعليه‌السلام كان بعنوان المكاتبة أو المكالمة « ينزل عليه جبرئيل » ذكره على المثال أو على التعيين، فيكون الملك في سائر الأخبار محمولاً عليه « وينزل عليه الوحيٌّ » إمّا تفسير لـمّا سبق أو تعميم بعد التخصيص على الاحتمال الأوّل، أو المراد الوحيٌّ بلا واسطة الملك، « وربّما رأى الشخص » أيّ النبي الّذي ليس برسول لا يجتمع له السماع والرؤية في حالة واحدة كما مرّ، ويرى في المنام أيضاً ولا يرى الشخص، أيّ جبرئيلعليه‌السلام على الاحتمال الثاني مطلقاً، وأنّ كان ينافيه بعض الأخبار، أو عندّ إلقاء الحكم كما

٢٩٧

والإمام هو الّذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرَّسول والنبيّ والمحدَّث قال الرَّسول الّذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلّمه فهذا الرَّسول ، وإمّا النبي فهو الّذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أسباب النبوّة قبل الوحيٌّ حتّى أتاه جبرئيلعليه‌السلام من عندّ الله بالرسالة وكان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حين جمع له النبوّة وجاءته الرسالة من عندّ الله يجيئه بها جبرئيل ويكلّمه بها قُبُلاً ومن الأنبياء من جمع له النبوَّة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه من غير أنّ يكون يرى في اليقظة ؛ وأمّا

________________________________________________________

مرّ، فالفرق بينه وبين بعض الأنبياء غير مذكور هنا، قيل: أيّ الإمأمّة باعتبار هذه المرتبة، كما أنّ النبوة باعتبار الرؤية في المنام، والرسالة باعتبار نزول جبرئيلعليه‌السلام ورؤية شخصه وسماع كلامه في اليقظة، فمتى فارقت الإمأمّة النبوة والرسالة لم يكن الإسماع والكلام من غير معاًينة ولا في المنام كما سيأتي.

الحديث الثالث: صحيح.

قال الفيروزآبادي: رأيته قبلا محرّكة وبضمّتين، وكصرد وعنب، وقبيلا كأمير: عياناً ومقابلة « ويأتيه الروح » أيّ جبرئيل للخبر السابق، أو روح القدّس كما سيأتي.

واعلم أنّ تحقيق الفرق بين النّبيّ والإمامعليهم‌السلام واستنباطه من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال، وكذا الجمع بينهما وبين سائر الأخبار الّتي سيأتي بعضها وأوردنا أكثرها في كتاب البحار، في غاية الإشكال، والّذي ظهر لي من أكثرها: هو أنّ الإمام لا يرى الحكم الشرعي في المنام، والنّبي قد يراه فيه، وإمّا الفرق بين الإمام والنبي وبين الرسول، أنّ الرسول يرى الملك عندّ إلقاء الحكم والنبي غير الرسول والإمامعليه‌السلام لا يريأنّه في تلك الحال، وأنّ رأياه في سائر الأحوال، ويمكن أنّ يخصّ الملك الّذي لا يريانه بجبرئيلعليه‌السلام ، ويعمّ الأحوال لكن فيه أيضاً منافرة لبعض الروايات، ومع قطع النظر عن الأخبار لعلّ الفرق بين الأئمةعليهم‌السلام وغير

٢٩٨

________________________________________________________

أولي العزم من الأنبياء أنّ الأئمةعليهم‌السلام نوّاب للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يبلغون إلّا بالنيابة، وإمّا الأنبياء وأنّ كانوا تابعين لشريعة غيرهم لكنهم مبعوثون بالأصالة وأنّ كانت تلك النيابة أشرف وأعلى رتبة من تلك الأصالة، وربّما يفرق بينهما بأنّ الملك يلقي إلى النبيّ على وجه التعليم، وإلى الإمامعليه‌السلام للتنبيه.

وبالجملة لابدّ لنا من الإذعأنّ بعدم كونهم أنبياء، وأنهم أفضل وأشرف من جميع الأنبياء سوى نبيّنا صلوات الله عليه وعليهم، ومن سائر الأوصياءعليهم‌السلام ، ولا نعرف سبباً لعدم إتّصافهم بالنبوّة إلارعاية جلالة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يصل عقولنا إلى فرق بيّن بين النبوّة والإمامة، وما دلّت عليه الأخبار فقد عرفته والله يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم.

قال الشيخ المفيد قدّس الله روحه في شرح عقائد الصّدوقرحمه‌الله : أصل الوحيٌّ هو الكلام الخفيّ ثمّ قد تطلق على كلّ شيء قصد به إلى إفهام المخاطب على السر له من غيره، والتخصيص له به دون من سواه، فإذا أضيف إلى الله تعالى كان فيما يخص به الرسل خاصّة دون من سواهم على عرف الإسلام وشريعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الله تعالى: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أنّ أَرْضِعِيهِ » الآية(١) ، فاتّفق أهل الإسلام على أنّ الوحيٌّ كان رؤياً مناماً وكلاماً(٢) سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص، وقال تعالى: «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » الآية(٣) يريد به الإلهام الخفي إذ كان خاصاً بمن أفرده دون من سواه، فكان علمه حأصلاً للنحل بغير كلام جهر به المتكلّم فأسمعه غيره.

وساق (ره) الكلام إلى أنّ قال: وقد يرى الله في المنام خلقاً كثيراً ما يصحّ تأويله ويثبت حقّه لكنّه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن أطلّعه الله على علم شيء أنّه يوحى إليه، وعندنا أنّ الله يسمع الحجج بعد نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلاماً يلقيه إليهم أيّ الأوصياء في علم ما يكون، لكنّه لا يطلق عليه

__________________

(١) سورة القصص: ٧.

(٢) وفي المصدر « كان رؤياً أو كلاماً ».

(٣) سورة النحل: ٦٨.

٢٩٩

________________________________________________________

اسم الوحي لـما قدّمناه من إجماع المسلمين على أنّه لا يوحى لأحدّ(١) بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه لا يقال في شيء ممّا ذكرناه أنّه وحيٌّ إلى أحد، ولله تعالى أنّ يبيح إطلاق الكلام أحياناً ويحظره أحياناً ويمنع السمات بشيء حيناً ويطلقها حيناً، فاما المعاني فانها لا تتغيّر عن حقائقها على ما قدّمناه.

وقالرحمه‌الله في كتاب المقالات(٢) : أنّ العقل لا يمنع من نزول الوحي إليهمعليهم‌السلام وأنّ كانوا أئمة غير أنبياء، فقد أوحى الله عزّ وجل إلى أمّ موسىعليه‌السلام أنّ أَرْضِعِيهِ ، الآية، فعرفت صحة ذلك بالوحي، وعملت عليه ولم تكن نبيّاً ولا رسولاً ولا إماما، ولكنّها كانت من عباد الله الصالحين، وإنّما منعت من نزول الوحيٌّ إليهم والإيحاء بالأشياء إليهم للإجماع على المنع من ذلك والاتفاق على أنّه من زعم أنّ أحدا بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله يوحى إليه فقد أخطأ وكفر، ولحصول العلم بذلك من دين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّ العقل لم يمنع من بعثة نبيّ بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسخ شرعه كما نسخ ما قبله من شرائع الأنبياءعليهم‌السلام ، وإنّما منع ذلك الإجماع والعلم بأنّه خلاف دين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اليقين وما يقارب الاضطرار، والإماميّة جميعاً على ما ذكرت ليس بينها فيه على ما وصفت خلاف.

ثمّ قالرحمه‌الله : « القول في سماع الأئمةعليهم‌السلام كلام الملائكة الكرام وأنّ كانوا لا يرون منهم الأشخاص(٣) » وأقول بجواز هذا من جهة العقل، وأنّه ليس يمتنع في الصّديقين من الشيعة، المعصومين من الضلال، وقد جاءت بصحّته وكونه للأئمّةعليهم‌السلام ومن سميّت من شيعتهم الصّالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجّة والبرهان، وهو مذهب فقهاء الإماميّة وأصحاب الآثار منهم، وقد أباه بنو نوبخت وجماعة من الإماميّة لا معرفة لهم بالأخبار، ولم يتعمّقوا(٤) النظر ولا سلكوا طريق الصّواب.

__________________

(١) [ لا وحي لاحد ] خ ل.

(٢) وهو المعروف بكتاب أوائل المقالات المطبوع مرتين بتبريز.

(٣) هذا عنوان الباب وبعده من كلام المفيد (ره).

(٤) وفي المصدر « ولم يمنعوا ».

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462