مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول8%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66768 / تحميل: 5300
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً فإن رأيت جعلني الله فداك أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فكتبعليه‌السلام بخطّه لم يزل الله عالـماً تبارك وتعالى ذكره.

٦ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام جعلت فداك إن رأيت أن تعلّمني هل كان الله جلَّ وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنّه وحده فقد اختلف مواليك فقال بعضهم قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئاً من خلقه وقال بعضهم إنّما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنّه لا غيره قبل فعل الأشياء فقالوا إن أثبتنا أنّه لم يزل عالـماً بأنّه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليّته فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني ما لا أعدوه إلى غيره ؟ فكتبعليه‌السلام ما زال الله عالـماً تبارك وتعالى ذكره.

________________________________________________________

من فعله، فيكون معه في الأزل شيء من فعله فأجابعليه‌السلام بأنه لم يزل عالـماً ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسّك نافيه، لأنّه أظهر من أن يحتاج إلى البيان، فإنّه على الأول مبنيّ على كون العلم فعليّاً وهو ممنوع، ولو سلّم فلا يستلزم فعليّة العلم عدم انفكاك المعلوم عنه عيناً بمعنى عدم مسبوقيّته بعدم زماني، أو كون المعلوم في مرتبة العالم وعلى الثاني مبني على كون الصور العلمية صادرة عنه صدور الأمور العينية، فيكون من أقسام الموجودات العينية ومن أفعاله سبحانه وهو ممنوع، فإن الصوّر العلميّة توابع غير عينيّة لذات العالم ولا تحصل لها عدا الانكشاف لدى العالم، ولا حظّ لها من الوجود والحصول العينيّ أصلا، ولا مسبوقيّة لها إلّا بذات العالم، لكنّها ليست في مرتبة ذاته، ولا يجب فيها نحو التأخّر الذي للأفعال الصادرة عن المبدأ بالإيجاد.

الحديث السادس: ضعيف.

٢١

باب آخر وهو من الباب الأول

١ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال في صفة القديم إنّه واحدٌ صمدٌ أحديُّ المعنى ليس بمعاني كثيرة مختلفة قال قلت جعلت فداك يزعم قومٌ من أهل العراق أنّه يسمع بغير الذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع قال فقال كذبوا وألحدوا وشبهّوا تعالى الله عن ذلك إنه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع قال قلت يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه قال فقال تعالى الله إنّما يُعقل ما كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك.

٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمرو، عن هشام بن الحكم قال

________________________________________________________

باب آخر وهو من الباب الأول

الحديث الأول: صحيح، ولعلّ المراد بوحدته أنّه لا يشاركه غيره في حقيقته لتشخّصه بذاته، وبصمديّته كونه غير محتمل لأن يحلّه غيره، ولا يصحّ عليه الخلوّ عمّا يمكن أن يدخل فيه، وبأحديّته أن لا يصحّ عليه الائتلاف من معان متعددة، أو الانحلال إليها، وقوله: ليس بمعان كثيرة، تفسير لأحدىّ المعنى، ويحتمل أن يكون تفسيراً لكلّ واحد من الثلاثة.

قوله: على ما يعقلونه، أي من الإبصار بآلة البصر فيكون نقلاً لكلام المجسّمة أو باعتبار صفة زائدة قائمة بالذات، فيكون نقلاً لمذهب الأشاعرة، والجواب أنّه إنّما يعقل بهذا الوجه من كان بصفة المخلوق، أو المراد: تعالى الله أن يتّصف بما يحصل ويرتسم في العقول والأذهان، والحاصل أنّهم يثبتون لله تعالى ما يعقلون من صفاتهم والله منزّه عن مشابهتهم ومشاركتهم في تلك الصّفات الإمكانيّة.

الحديث الثاني: مجهول، وقد مرّ الكلام فيه، ويدلّ على نفي زيادة الصّفات

٢٢

في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال له أتقول إنّه سميع بصير فقال أبو عبد الله هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي إنّه سميع بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ولكنّي أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً فأقول يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكل لنا له بعض ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك كلّه إلّا أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذّات ولا اختلاف معنى.

________________________________________________________

أي نفي صفات موجودة زائدة على ذاته سبحانه، وأمّا كونها عين ذاته تعالى بمعنى أنّها تصدق عليها أو أنّها قائمة مقام الصفات الحاصلة في غيره تعالى أو أنّها أمور اعتبارية غير موجودة في الخارج، واجبة الثبوت لذاته تعالى فلا نصّ فيه وفي أمثاله على شيء منها، وإن كان ظاهر أكثرها أحد الاوّلين.

قال المحقّق الدّواني: لا خلاف بين المتكلّمين كلّهم، والحكماء، في كونه تعالى عالـماً قديراً مريداً متكلّماً، وهكذا في سائر الصّفات، ولكنّهم تخالفوا في أن الصّفات عين ذاته أو غير ذاته أو لا هو ولا غيره، فذهبت المعتزلة والفلاسفة إلى الأوّل وجمهور المتكلّمين إلى الثاني، والأشعري إلى الثالث، والفلاسفة حقّقوا عينيّة الصفات بأنّ ذاته تعالى من حيث أنّه مبدء لانكشاف الأشياء عليه علم، ولـمّا كان مبدء الانكشاف عين ذاته كان عالـماً بذاته، وكذا الحال في القدرة والإرادة وغيرهما من الصّفات قالوا: وهذه المرتبة أعلى من أن تكون تلك الصّفات زائدة عليه، فإناّ نحتاج في انكشاف الأشياء علينا إلى صفة مغايرة عنّا قائمة بنا، والله تعالى لا يحتاج إليه بل بذاته ينكشف الأشياء عليه، ولذلك قيل محصول كلامهم نفي الصّفات وإثبات نتائجها وغاياتها، وامّا المعتزلة فظاهر كلامهم أنّها عندهم من الاعتبارات العقليّة التي لا وجود لها في الخارج « انتهى ».

٢٣

(باب )

( الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل )

١ - محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ، عن الحسين بن سعيد الأهوازيّ، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت لم يزل الله مريداً قال إنّ المريد لا يكون إلّا لمراد معه - لم يزل الله عالـماً قادراً ثمّ أراد.

________________________________________________________

باب الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل

الحديث الأول: صحيح، واعلم أنّ إرادة الله سبحانه عند متكلّمي الإماميّة هي العلم بالخير والنفع وما هو الأصلح ولا يثبتون فيه تعالى وراء العلم شيئاً، ولعلّ المراد بتلك الأخبار الدّالّة على حدوث الإرادة هو أنّه يكون في الإنسان قبل حدوث الفعل اعتقاد النفع فيه، ثمّ الرّؤية، ثمّ الهمّة، ثمّ انبعاث الشوق منه، ثمّ تأكّده حتّى يصير إجماعاً باعثاً على الفعل، وذلك كله فينا إرادة متوسطة بين ذاتنا وبين الفعل وليس فيه سبحانه بعد العلم القديم بالمصلحة من الأمور المقارنة سوى الأحداث والإيجاد فالإحداث في الوقت الذي تقتضي المصلحة صدور الفعل فيه قائم مقام ما يحدث من الأمور في غيره تعالى، فالمعنى أنّ ذاته تعالى بصفاته الكماليّة الذّاتيّة كافية في حدوث الحادث من غير حاجة إلى حدوث أمرّ في ذاته عند حدوث الفعل.

قولهعليه‌السلام : إلّا لمراد معه: قال بعض المحققّين أي لا يكون المريد بحال إلّا حال كون المراد معه، ولا يكون مفارقاً من المراد، وحاصله أنّ ذاته تعالى مناط لعلمه وقدرته، أي صحّة الصّدور واللأصدور بأن يريد فيفعل، وأن يريد فيترك، فهو بذاته مناط لصحة الإرادة وصحة عدمها، فلا يكون بذاته مناطاً للإرادة وعدمها، بل المناط فيها الذّات مع حال المراد، فالإرادة أي المخصّصة لأحد الطرّفين لم يكن من صفات الذّات فهو بذاته عالم قادر مناط لهما، وليس بذاته مريداً مناطاً لها، بل بمدخليّة مغاير متأخّر عن الذّات، وهذا معنى قوله: لم يزل عالـماً قادراً ثم أراد.

٢٤

٢ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن بكير بن أعين قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام علم الله ومشيئته هما مختلفان أو متّفقان فقال العلم ليس هو المشيئة إلّا ترى أنك تقول سأفعل كذا إن شاء الله ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله فقولك إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ فإذا شاء كان الّذي شاء كما شاء وعلم الله السابق للمشيئة.

٣ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسنعليه‌السلام أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق قال فقال الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه

________________________________________________________

الحديث الثاني: ضعيف ولعلّ المراد المشيّة المتأخّرة عن العلم، الحادثة عند حدوث المعلوم، وقد عرفت أنه في الله تعالى ليس سوى الإيجاد، ومغايرته للعلم ظاهر، ويحتمل أن يكون المقصود بيان عدم اتّحاد مفهوميهما، إذ ليست الإرادة مطلق العلم، إذ العلم يتعلّق بكلّ شيء، بل هي العلم بكونه خيراً وصلاحاً ونافعاً ولا يتعلّق إلّا بما هو كذلك، وفرق آخر بينهما، وهو أنّ علمه تعالى بشيء لا يستدعي حصوله بخلاف علمه به على النحو الخاصّ، فالسّبق على هذا يكون محمولاً على السبق الذّاتي الذي يكون للعام على الخاص، والأوّل أظهر كما عرفت.

قولهعليه‌السلام وعلم الله السابق المشيّة(١) : بنصب المشية ليكون معمولا للسابق، أو بجرّها بإضافة السابق إليه، وربما يقرأ بالرفع ليكون خبراً، ويكون السابق صفة للعلم، ولا يخفى بعده، وفي التوحيد سابق للمشيّة.

الحديث الثالث: صحيح، قال بعض المحققّين في شرح هذا الخبر: الظّاهر أن المراد بالإرادة مخصّص أحد الطّرفين وما به يرجْح القادر أحد مقدورية على الآخر لا ما يطلق في مقابل الكراهة، كما يقال يريد الصّلاح والطّاعة، ويكره الفساد والمعصية.

وحاصل الجواب: أنّ الإرادة من الخلق الضمير، أي أمرّ يدخل في خواطرهم

__________________

(١) كذا في النسخ، ويظهر منها أنها موافقة لنسخة الشارح (ره) من كتاب الكافي ولكن في ما عندنا من النسخ « سابق للمشيئة » وكأنها غير محتاجة إلى الاحتمالات المذكورة في كلام الشارح (ره).

٢٥

لا غير ذلك لأنّه لا يروّي ولا يهمُّ ولا يتفكّر وهذه الصّفات منفيّة عنه وهي صفات الخلق فإرادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك كما أنّه لا كيف له.

________________________________________________________

وأذهانهم، ويوجد في نفوسهم ويحلّ فيها، بعد ما لم يكن فيها، وكانت هي خالية عنه، وقوله: وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، يحتمل أن يكون جملة معطوفة على الجملة السابقة والظرف خبراً للموصول، ويحتمل أن يكون الموصول معطوفاً على قوله الضمير، ويكون قوله من الفعل بياناً للموصول، والمعنى على الأوّل أنّ الإرادة من الخلق الضمير والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل، لا من إرادتهم، وعلى الثاني أنّ إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم وما يكون لهم من الفعل المترتّب عليه، فالمقصود هنا من الفعل ما يشمل الشوّق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة، وأمّا الإرادة من الله فيستحيل أن يكون كذلك فإنّه يتعالى أن يقبل شيئاً زائدا على ذاته، بل إرادته المرجّحة للمراد من مراتب الأحداث لا غير ذلك، إذ ليس في الغائب إلّا ذاته الأحديّة، ولا يتصوّر هناك كثرة المعاني ولا له بعد ذاته وما لذاته بذاته إلّا ما ينسب إلى الفعل، فإرادة الله سبحانه من مراتب الفعل المنسوب إليه لا غير ذلك.

أقول: ويحتمل على الإحتمال الأوّل أن يكون المراد بالضمير تصوّراً لفعل وبما يبدو بعد ذلك اعتقاد النفع والشوق وغير ذلك، فقوله: من الفعل، أي من أسباب الفعل أو من جهة الفعل، وقولهعليه‌السلام : ولا كيف لذلك، أي لا صفة حقيقية لقوله ذلك وإرادته كما أنّه لا كيف لذاته، أو لا يعرف كيفية إرادته على الحقيقة، كما لا يعرف كيفية ذاته وصفاته بالكنه.

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه: إنّ الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضّمير وأشباهه ممّا لا يجوز إلّا على ذوي الحاجة والنّقص، وذلك لأنّ العقول شاهدة بأنّ القصد لا يكون إلّا بقلب، كما لا تكون الشهوة والمحبة إلّا لذي

٢٦

٤ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرّ بن أذينة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال خلق الله المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة.

________________________________________________________

قلب، ولا تصحّ النّية والضمير والعزم إلّا على ذي خاطر يضطرّ معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى الإرادة له، والنيّة فيه والعزم، ولـمّا كان الله تعالى يجلّ عن الحاجات ويستحيل عليه الوصف بالجوارح والأدوات، ولا يجوز عليه الدّواعي والخطرات بطل أن يكون محتاجاً في الأفعال إلى القصود والعزمات، وثبت أنّ وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد، وأنها نفس فعله الأشياء، وبذلك جاء الخبر عن أئمّة الهدى ثمّ أورد هذه الرّواية، ثمّ قال: نصّ على اختياري في الإرادة، وفيه نصّ على مذهب لي آخر، وهو أن إرادة العبد تكون قبل فعله، وإلى هذا ذهب البلخي، والقول في تقدّم الإرادة للمراد كالقول في تقدّم القدرة للفعل، وقولهعليه‌السلام : إن الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد الفعل، صريح في وجوب تقدّمها للفعل، إذا كان الفعل يبدو من العبد بعدها، ولو كان الأمرّ فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل بادياً في حالها ولم يتأخر بدوّه إلى الحال التي هي بعد حالها.

الحديث الرابع: حسن ويحتمل وجوهاً من التأويل:

الأوّل: أن لا يكون المراد بالمشية الإرادة بل إحدى مراتب التقديرات التي اقتضت الحكمة جعلها من أسباب وجود الشيء كالتقدير في اللوح، مثلاً والإثبات فيه، فإنّ اللوح وما أثبت فيه لم يحصل بتقدير آخر في لوح سوى ذلك اللوح، وإنّما وجد سائر الأشياء بما قدّر في ذلك اللوح، وربما يلوح هذا المعنى من بعض الأخبار كما سيأتي في كتاب العدل، وعلى هذا المعنى يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير.

الثاني: أن يكون خلق المشية بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقّفة على تعلّق إرادة أخرى بها، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيّة أخرى أو أنّه كناية عن أنّه اقتضى علمه الكامل، وحكمته الشاملة كون جميع الأشياء حاصلة بالعلم بالأصلح، فالمعنى أنّه

٢٧

________________________________________________________

لـمّا اقتضى كمال ذاته أن لا يصدر عنه شيء إلّا على الوجه الأصلح والأكمل، فلذا لا يصدر شيء عنه تعالى إلّا بإرادته المقتضية لذلك.

الثالث: ما ذكره السيّد الدّاماد قدّس الله روحه: أنّ المراد بالمشيّة هنا مشيّة العباد لأفعالهم الاختياريّة لتقدّسه سبحانه عن مشيّة مخلوقة زائدة على ذاته عزّ وجلّ وبالأشياء أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشيّة، وبذلك تنحلّ شبهة ربّما أوردت هاهنا وهي أنّه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الإرادة مسبوقة بإرادة أخرى، وتسلسلت الإرادات لا إلى نهاية.

الرابع: ما ذكره بعض الأفاضل وهو أنّ للمشية معنيين « أحدهما » متعلّق بالشّائي وهي صفة كماليّة قديمة هي نفس ذاته سبحانه وهي كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير والصّلاح.

« والآخر » يتعلّق بالمشيء وهو حادث بحدوث المخلوقات لا يتخلّف المخلوقات عنه وهو إيجاده سبحانه إيّاها بحسب اختياره، وليست صفة زائدة على ذاته عزّ وجل وعلى المخلوقات، بل هي نسبة بينهما تحدث بحدوث المخلوقات لفرعيّتها المنتسبين معاً فنقول: إنّه لـمّا كان هيهنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيّة فبم خلق المشيّة؟ أبمشيّة أخرى فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيّة مشيّة إلى ما لا نهاية له، فأفاد الإمامعليه‌السلام أن الأشياء مخلوقة بالمشيّة، وأما المشيّة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيّة أخرى، بل هي مخلوقة بنفسها لأنّها نسبة وإضافة بين الشائي والمشي تتحصّل بوجوديهما العينيّ والعلميّ، ولذا أضاف خلقها إلى الله سبحانه لأن ّكلا الوجودين له وفيه ومنه، وفي قولهعليه‌السلام بنفسها دون أن يقول بنفسه إشارة لطيفة إلى ذلك، نظير ذلك ما يقال: إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود، فأماّ الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر، بل إّنما يوجد بنفسه.

الخامس: ما ذكره بعض المحققّين بعد ما حقق أنّ إرادة الله [ المتحقّقة ]

٢٨

٥ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن محمّد بن عيسى، عن المشرقي حمزة بن المرتفع، عن بعض أصحابنا قال كنت في مجلس أبي جعفرعليه‌السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى »(١) ما ذلك الغضب فقال أبو جعفرعليه‌السلام هو العقاب يا عمرو إنّه من زعم أنّ الله قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق وإنّ الله تعالى لا يستفزّه شيء فيغيّره.

________________________________________________________

المتجدّدة هي نفس أفعاله المتجدّدة الكائنة الفاسدة، فإرادته لكلّ حادث بالمعنى الإضافي يرجع إلى إيجاده، وبمعنى المراديّة ترجع إلى وجوده، قال: نحن إذا فعلنا شيئاً بقدرتنا واختيارنا فأردناه أوّلاً ثمّ فعلناه بسبب الإرادة، فالإرادة نشأت من أنفسنا بذاتها لا بإرادة أخرى، وإلّا لتسلسل الأمرّ لا إلى نهاية، فالإرادة مرادة لذاتها، والفعل مراد بالإرادة، وكذا الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها، لذيذة بنفسها، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة، فعلى هذا المثال حال مشيّة الله المخلوقة، وهي نفس وجودات الأشياء، فإنّ الوجود خير ومؤثّر لذاته، ومجعول بنفسه، والأشياء بالوجود موجودة، والوجود مشئيىّ بالذات والأشياء مشيّئة بالوجود وكما أنّ الوجود حقيقة واحدة متفاوتة بالشدّة والضعف والكمال والنّقص، فكذا الخيريّة والمشيئيّة، وليس الخير المحض الذي لا يشوبه شرّ إلّا الوجود البحث الذي لا يمازجه عدم ونقص، وهو ذات الباري جلّ مجده، فهو المراد الحقيقي. إلى آخر ما حقّقه، والأوفق بأصولنا هو الوجه الأول، والله يعلم.

الحديث الخامس: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : هو العقاب، أي ليس فيه سبحانه قوة تغيّر عن حالة إلى حالة تكون إحداهما رضاه والأخرى غضبه، إنّما أطلق عليه الغضب باعتبار صدور العقاب عنه، فليس التغيّر إلّا في فعله صفة مخلوق من إضافة المصدر إلى المفعول « لا يستفزّه » أي لا يستخفه ولا يزعجه، وقيل: أي لا يجده خالياً عمّا يكون قابلا له فيغيّره للحصول له تغيّر الصفة لموصوفها.

__________________

(١) سورة طه: ٨٤.

٢٩

٦ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبّاس بن عمرو، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الّذي سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فكان من سؤاله أن قال له فله رضا وسخط فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام نعم ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين وذلك أنّ الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأنّ المخلوق أجوفٌ معتمل مركّب للأشياء فيه مدخلُ وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنّه واحدّ واحديُّ الذّات واحديُّ المعنى فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال لأنّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.

________________________________________________________

الحديث السادس: مجهول.

قوله: وذلك أنّ الرّضا حال في التّوحيد وذلك لأن الرّضا والغضب دخال، والحاصل أنّ عروض تلك الأحوال والتغيّرات إنّما يكون لمخلوق أجوف له قابليّة ما يحصل فيه ويدخله « معتمل » بالكسر أي يعمل بأعمال صفاته وآلاته، أو بالفتح أي مصنوع ركّب فيه الأجزاء والقوي، والأوّل أولى، ليكون تأسيساً مركّب من أمور مختلفة للأشياء من الصّفات والجهات والآلات فيه مدخل، وخالقنا تبارك اسمه لا مدخل للأشياء فيه لاستحالة التركّب في ذاته فإنه واحدي الذّات واحدي المعنى فأذن لا كثرة فيه لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية، وإنّما الاختلاف في الفعل فيثيب عند الرّضا ويعاقب عند السّخط من غير مداخلة شيء فيه، يهيجّه وينقله من حال إلى حال، لأن ذلك ينافي وجوب الوجود، فلا يكون من صفاته سبحانه، بل من صفات المخلوقين العاجزين، قال السيّد الدّامادقدس‌سره : المخلوق أجوف لـمّا قد برهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيّعة أنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ، وكلّ مركّب مزوّج الحقيقيّة فإنه أجوف الذّات لا محالة، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الأحدّ الحقّ سبحانه لا غير، فإذا الصمّد الحقّ ليس هو إلّا الذّات الأحديّة الحقة من كلّ جهة، فقد تصحّح من هذا الحديث الشريف تأويل الصمّد بما لا جوف له، ولا مدخل لمفهوم من المفهومات وشيء من الأشياءِ في ذاته أصلاً.

٣٠

٧ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المشيئة محدثة.

( جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل )

إنّ كلّ شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعاً في الوجود فذلك صفة فعل وتفسير هذه الجملة أنّك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد وما يرضاه وما يسخطه وما يحبُّ وما يبغض فلو كانت الإرادة من صفات الذّات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة ولو كان ما يحبُّ من صفات الذّات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة إلّا ترى أنّا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الأزليّ لسنا نصفه بقدرة وعجز [ وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطاء وعزّ] وذلّة ويجوز أن يقال يحبُّ من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه وإنّه

________________________________________________________

الحديث السابع: صحيح.

قوله: جملة القول هذا التحقيق للمصنّف (ره) وليس من تتمة الخبر وغرضه الفرق بين صفات الذّات وصفات الفعل، وأبان ذلك بوجوه:

الأوّل: أنّ كلّ صفة وجوديّة لها مقابل وجوديّ فهي من صفات الأفعال لا من صفات الذّات، لأنّ صفاته الذاتيّة كلّها عين ذاته، وذاته ممّا لا ضدّ له، ثمّ بيّن ذلك في ضمن الأمثلة وأنّ اتّصافه سبحانه بصفتين متقابلتين ذاتيّتين محال.

والثاني: ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أن يقال يقدر أن يعلم.

والحاصل: أنّ القدرة صفة ذاتيّة تتعلق بالممكنات لا غير، فلا تتعلق بالواجب ولا بالممتنع، فكلّ ما هو صفة الذّات فهو أزليّ غير مقدور، وكلّما هو صفة الفعل فهو ممكن مقدور، وبهذا يعرف الفرق بين الصّفتين، وقوله: ولا يقدر أنّ لا يعلم، الظاهر أنّ لا لتأكيد النفي السابق، أي لا يجوز أنّ يقال يقدر أنّ لا يعلم، ويمكن أنّ يكون من مقول القول الّذي لا يجوز، وتوجيهه: أنّ القدرة لا ينسب إلّا إلى الفعل نفياً أو إثباتاً، فيقال: يقدر أنّ يفعل أو يقدر أنّ لا يفعل، ولا ينسب إلى ما لا

٣١

يرضى ويسخط ويقال في الدُّعاء الّلهمَّ ارض عنّي ولا تسخط عليّ وتولني ولا تعادني ولا يجوز أنّ يقال يقدر أنّ يعلم ولا يقدر أنّ لا يعلم ويقدر أنّ يملك ولا يقدر أنّ لا يملك ويقدر أنّ يكون عزيزا حكيما ولا يقدر أنّ لا يكون عزيزاً حكيماً ويقدر أنّ يكون جواداً ولا يقدر أنّ لا يكون جواداً ويقدر أنّ يكون غفوراً ولا يقدر أنّ لا يكون غفوراً ولا يجوز أيضاً أنّ يقال أراد أنّ يكون ربّاً وقديما وعزيزاً وحكيماً

________________________________________________________

يعتبر الفعل فيه لا إثباتاً ولا نفياً، فما يكون من صفات الذّات التي لا شائبة للفعل فيها كالعلم والقدرة وغيرهما، لا يجوز أنّ ينسب إليها القدرة، فأنّ القدرة إنمّا يصحّ استعمالها مع الفعل والترّك، فلا يقال يقدر أنّ يعلم ولا يقال ولا يقدر أنّ لا يعلم، لأنّ العلم لا شائبة فيه من الفعل.

أقول: ويحتمل أنّ يكون الواو للحال، والحاصل: أنّ من لا يقدر أنّ لا يعلم كيف يصحّ أنّ يقال له يقدر أنّ يعلم، إذ نسبة القدرة إلى طرفي الممكن على السواء وأما الجود والغفران فيحتمل أنّ يكونا على سياق ما تقدّم بأنّ يكون المراد بالجواد ذات يليق به الجود، وبالغفور من هو في ذاته بحيث يتجاوز عن المؤاخذة لمن يشاء، فمرجعه إلى خيريّته وكماله وقدرته، لا فعل الجود والمغفرة حتّى يكونا من صفات الفعل، ويحتمل أنّ يكونا مقطوعين عن السابّق، لبيان كون الجود وفعل المغفرة مقدورين.

الثالث: ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أنّ يقال أراد أن يكون ربّاً.

والحاصل: أنّ الإرادة لـمّا كانت فرع القدرة فما لا يكون مقدوراً لا يكون مرادا، وقد علمت أنّ الصّفات الذاتيّة غير مقدورة فهي غير مرادة أيضا، ولكونها غير مرادة وجه آخر وهو قوله: لأنّ هذه من صفات الذّات « إلخ » ومعناه أنّ الإرادة لكونها من صفات الفعل فهي حادثة، وهذه الصّفات يعنّي الربوبية والقدم وأمثالهما لكونها من صفات الذّات فهي قديمة، ولا يؤثر الحادث في القديم فلا تعلق للإرادة بشيء منها، وقوله: إلّا ترى توضيح لكون الإرادة لا تتعلق بالقديم بأنّ إرادة شيء

٣٢

ومالكاً وعالـماً وقادراً لأنّ هذه من صفات الذّات والإرادة من صفات الفعل إلّا ترى أنه يقال أراد هذا ولم يرد هذا وصفات الذّات تنفي عنه بكلّ صفة منها ضدّها يقال حيٌّ وعالمٌ وسميعٌ وبصيرٌ وعزيزٌ وحكيمٌ غنيُّ ملكٌ حليم عدل كريم فالعلم ضدُّه الجهل والقدرة ضدُّها العجز والحياة ضدّها الموت والعزَّة ضدُّها الذلّة والحكمة ضدُّها الخطأ وضدُّ الحلم العجلة والجهل وضدّ العدل الجور والظلم.

باب حدوث الأسماء

١ - عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك

________________________________________________________

مع كراهة ضده والقديم لا ضدّ له كما قيل، أو المعنى أنّ القديم واجب الوجود والإرادة متعلقة الحادث الممكن، ثمّ رجع إلى أول الكلام لمزيد الإيضاح فقال: وصفات الذّات إلى آخره.

باب حدوث الأسماء

الحديث الأوّل: مجهول وهو من متشابهات الأخبار وغوامض الأسرار التي لا يعلم تأويلها إلّا الله والراسخون في العلم، والسكوت عن تفسيره والإقرار بالعجز عن فهمه أصوب وأولى وأحوط وأحرى، ولنذكر وجهاً تبعاً لمن تكلم فيه على سبيل الاحتمال.

فنقول: « أسماء » في بعض النسخ بصيغة الجمع، وفي بعضها بصيغة المفرد والأخير أظهر، والأوّل لعله مبني على أّنه مجزّى بأربعة أجزاء، كلّ منها اسم، فلذا أطلق عليه صيغة الجمع.

وقوله « بالحروف غير متصوّت » وفي أكثر نسخ التّوحيد غير منعوت وكذا ما بعده من الفقرات تحتمل كونها حالا عن فاعل خلق، وعن قوله أسماء، ويؤيد الأوّل ما في أكثر نسخ التّوحيد خلق أسماء بالحروف، وهو عزّ وجلّ بالحروف غير منعوت

٣٣

وتعالى خلق اسماً بالحروف غير متصوّت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسَّد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفيُّ عنه الأقطار مبعّد عنه الحدود محجوب عنه حسُّ كلّ متوهّم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحدّ قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها وحجب منها واحداً وهو الاسم المكنون المخزون فهذه الأسماء التي ظهرت فالظاهر هو

________________________________________________________

فيكون المقصود بيأنّ المغايرة بين الاسم والمسمّى بعدم جريان صفات الاسم بحسب ظهوراته النّطقيّة والكتبيّة فيه تعالى، وأمّا على الثاني فلعله إشارة إلى حصوله في علمه تعالى فيكون الخلق بمعنى التقدير والعلم، وهذا الاسم عند حصوله في العلم الأقدس، لم يكن ذات صوت ولا ذات صورة ولا ذا شكلّ ولا ذا صبغ، ويحتمل أنّ يكون إشارة إلى أنّ أول خلقه كأنّ بالإضافة على روح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرواح الأئمةعليهم‌السلام بغير نطق وصبغ ولون وخط بقلم، ولنرجع إلى تفصيل كلّ من الفقرات وتوضيحها، فعلى الأوّل قوله غير متصوّت إما على البناء للفاعل، أي لم يكن خلقها بإيجاد حرف وصوت، أو على البناء للمفعول أي هو تعالى ليس من قبيل الأصوات والحروف، حتّى يصلح كون الاسم عينه تعالى.

وقولهعليه‌السلام : وباللفظ غير منطق بفتح الطاء أي ناطق، أو أنه غير منطوق باللفظ كالحروف ليكون من جنسها، أو بالكسر أي لم يجعل الحروف ناطقة على الإسناد المجازي كقوله تعالى «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالحقّ »(١) وهذا التوجيه يجري في الثاني من احتمالي الفتح وتطبيق تلك الفقرات على الاحتمال الثاني، وهو كونها حإلّا عن الاسم بعد ما ذكرنا ظاهر، وكذا تطبيق الفقرات الآتية على الاحتمالين.

قولهعليه‌السلام : مستتر غير مستور، أي كنه حقيقته مستور عن الخلق مع أنه من حيث الآثار أظهر من كلّ شيء، أو مستتر بكمال ذاته من غير ستر وحاجب أو أنه غير مستور [ عن الخلق ] بل هو في غاية الظهور، والنّقص إنما هو من قبلنا، ويجري

__________________

(١) سورة المجادلة: ٢٩.

٣٤

الله تبارك وتعالى وسخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركأنّ فذلك اثنا عشر ركنا ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إليهافهو الرَّحمن

________________________________________________________

نظير الاحتمالات في الثاني، ويحتمل على الثاني أنّ يكون المراد أنّه مستور عن الخلق غير مستور عنه تعالى، وأمّا تفصيل الأجزاء وتشعّب الأسماء فيمكن أنّ يقال إنّه لـمّا كان كنه ذاته تعالى مستوراً عن عقول جميع الخلق فالاسم الدالّ عليه ينبغي أنّ يكون مستوراً عنهم، فالاسم الجامع هو الاسم الّذي يدل على كنه الذّات مع جميع الصّفات الكمالية، ولـمّا كانت أسماؤه تعالى ترجع إلى أربعة لأنها إما أنّ تدل على الذّات أو الصّفات الثبوتية الكماليّة أو السلبيّة التنزيهيّة أو صفات الأفعال، فجرى ذلك الاسم الجامع إلى أربعة أسماء جامعة، واحدّ منها للذات فقط، فلـمّا ذكرنا سابقاً استبدّ تعالى به ولم يعطه خلقه وثلاثة منها تتعلق بالأنواع الثلاثة من الصّفات فأعطاها خلقه ليعرفوه بها بوجه من الوجوه، فهذه الثلاثة حجب ووسائط بين الخلق وبين هذا الاسم المكنون، إذ بها يتوسّلون إلى الذّات وإلى الاسم المختصّ بها إذ في التّوحيد « بهذه الأسماء » وهو أظهر، ولـمّا كانت تلك الأسماء الأربعة مطوية في الاسم الجامع على الإجمال لم يكن بينها تقدّم وتأخر، ولذا قال: ليس منها واحدّ قبل الآخر، ويمكن أنّ يقال على بعض المحتملات السابقة: أنه لـمّا كان تحققها في العلم الأقدس، لم يكن بينها تقدّم وتأخّر، أو يقال أنّ إيجادها لـمّا كان بالإفاضة على الأرواح المقدّسة ولم يكن بالتكلم لم يكن بينها وبين أجزائها تقدّم وتأخّر في الوجود، كما يكون في تكلّم الخلق، والأوّل أظهر ثمّ بيّن الأسماء الثلاثة.

وهنا اختلاف بين نسخ الكافي والتوحيد، ففي أكثر نسخ الكافي فالظاهر هو الله تبارك وتعالى، وسخّر لكلّ اسم، فعلى ما في الكافي يحتمل أنّ يكون فالظاهر هو الله وتبارك وسبحانه لكلّ اسم، فعليما في الكافي يحتمل أنّ يكون المعنى أنّ الظّاهر بهذه الأسماء هو الله تعالى وهذه الأسماء إنّما جعلها ليظهر بها على

٣٥

الرحيم الملك القدُّوس الخالق البارئ المصوّر الحيٌّ القيُّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبّار المتكبّر العليّ العظيم المقتدر القادر «السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ » البارئ المنشئ

________________________________________________________

الخلق، فالمظهر هو الاسم، والظّاهر به هو الربّ سبحانه.

ويحتمل أن يكون بياناً للأسماء الثّلاثة، ويؤيّده نسخة الواو، وما في التوحيد فأوّلها « الله » وهو الدالّ على النّوع الأوّل لكونه موضوعاً للذّات مستجمعاً للصّفات الذاتيّة الكمالية، والثاني « تبارك » لأنّه من البركة والنموّ وهو إشارة إلى أنّه معدن الفيوض ومنبع الخيرات التي لا تتناهى، وهو رئيس جميع الصّفات الفعلية من الخالقية والرازقية والمنعمية وسائر ما هو منسوب إلى الفعل، كما أنّ الأوّل رئيس الصّفات الوجوديّة من العلم والقدرة وغيرهما، ولـمّا كان المراد بالاسم كلّ ما يدلّ على ذاته وصفاته تعالى أعم من أنّ يكون اسماً أو فعلاً أو جملة لا محذور في عدّ « تبارك » من الأسماء.

والثالث هو « سبحان » الدال على تنزيهه تعالى عن جميع النقائص، فيندرج فيه ويتبعه جميع الصّفات السلبيّة والتنزيهيّة، هدا على نسخة التوحيد، وعلى ما في الكافي الاسم الثالث « تعالى » لدلالته على تعاليه سبحانه عن مشابهة الممكنات وما يوجب نقصا أو عجزا، فيدخل فيه جميع صفات التنزيهية، ثمّ لـمّا كان لكلّ من تلك الأسماء الثلاثة الجامعة شعب أربع ترجع إليها، جعل لكلّ منها أربعة أركان، هي بمنزلة دعائمه، فأما « الله » فلدلالته على الصّفات الكماليّة الوجوديّة له أربع دعائم هي وجوب الوجود المعّبر عنه بالصمديّة والقيوميّة، والعلم والقدرة والحياة، أو مكان الحياة اللطف، أو الرحمة أو العزة، وإنّما جعلت هذه الأربعة أركاناً لأنّ سائر الصّفات الكماليّة إنما يرجع إليها كالسميع والبصير والخبير مثلا، فإنها راجعة إلى العلم، والعلم يشملها وهكذا، وأمّا « تبارك » فله أركان أربعة: هي الإيجاد، والتربية في الدّارين، والهداية في الدنيا، والمجازاة في الآخرة، أي الموجد أو الخالق

٣٦

البديع الرَّفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتم ثلاث مائة وستين اسماً فهي

________________________________________________________

والربّ والهادي والديّان، ويمكن إدخال الهداية في التربية وجعل المجازاة ركنين الإثابة والانتقام، ولكلّ منها شعب من أسماء الله الحسنى كما لا يخفى بعد التأمّل والتتبع.

وأمّا « سبحان » أو « تعالى » فلكلّ منهما أربعة أركان لأنّه إمّا تنزيه الذات عن مشابهة الممكنات، أو تنزيهه عن إدراك الحواسّ والأوهام والعقول، أو تنزيه صفاته عمّا يوجب النقص، أو تنزيه أفعاله عمّا يوجب الظلم والعجز والنّقص، ويحتمل وجهاً آخر وهو تنزيهه عن الشّريك والأضداد والأنداد، وتنزيهه عن المشاكلة والمشابهة، وتنزيهه عن إدراك العقول والأوهام، وتنزيهه عمّا يوجب النقص والعجز من التركّب والصاحبة والولد، والتغيّرات والعوارض والظلم والجور والجهل وغير ذلك، وظاهر أنّ لكلّ منها شعبا كثيرة، فجعلعليه‌السلام شعب كلّ منها ثلاثين وذكر بعض أسمائه الحسنى على التّمثيل وأجمل الباقي.

ويحتمل على ما في الكافي على الاحتمال الأوّل أنّ تكون الأسماء الثلاثة ما يدل على وجوب الوجود والعلم والقدرة، والاثنا عشر ما يدل على الصّفات الكماليّة والتنزيهيّة التي تتبع تلك الصّفات، والمراد بالثلاثين صفات الأفعال التي هي آثار تلك الصّفات الكماليّة، ويؤيّده قوله: فعلاً منسوباً إليها، وعلى الأوّل يكون المعنى أنها من توابع تلك الصّفات، فكأنّها من فعلها.

هذا ما خطر ببالي في حلّ هذا الخبر، وإنّما أوردته على سبيل الاحتمال من غير تعيين لمراد المعصومعليه‌السلام ، ولعله أظهر الاحتمالات التي أوردها أقوام على وفق مذاهبهم المختلفة، وطرائقهم المتشتّتة.

وإنّما هداني إلى ذلك ما أورده ذريعتي إلى الدرجات العلى، ووسيلتي إلى مسالك الهدى بعد أئمة الورىعليهم‌السلام أعنّي والدي العلامة قدّس الله روحه في

٣٧

نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب الاسم الواحدّ المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة.

________________________________________________________

شرح هذا الخبر على ما في الكافي حيث قال:

الّذي يخطر بالبال في تفسير هذا الخبر على الإجمال، هو أنّ الاسم الأوّل كان اسما جامعاً للدلالة على الذّات والصّفات، ولـمّا كان معرفة الذات محجوبة عن غيره تعالى، جزء ذلك الاسم على أربعة أجزاء، وجعل الاسم الدّال على الذّات محجوبا عن الخلق، وهو الاسم الأعظم باعتبار، والدّال على المجموع اسم أعظم باعتبار آخر، ويشبه أنّ يكون الجامع هو الله والدّال على الذّات فقط هو، وتكون المحجوبية باعتبار عدم التعيين كما قيل: أنّ الاسم الأعظم داخل في جملة الأسماء المعروفة ولكنها غير معينة لنا، ويمكن أنّ يكونا غيرهما والأسماء التي أظهرها الله للخلق على ثلاثة أقسام، منها ما يدّل على التقديس مثل العليّ العظيم العزيز الجبّار المتكبر، ومنها ما يدّل على علمه تعالى، ومنها ما يدّل على قدرته تعالى، وانقسام كلّ واحدّ منها إلى أربعة أقسام بأنّ يكون التنزيه إما مطلقاً أو للذّات أو للصّفات أو الأفعال، ويكون ما يدّل على العلم إما لمطلق العلم أو للعلم بالجزئيات كالسميع والبصير أو الظاهر أو الباطن، وما يدّل على القدرة إما للرحمة الظاهرة أو الباطنة أو الغضب ظاهراً أو باطناً، أو ما يقرب من ذلك التقسيم، والأسماء المفردة على ما ورد في القران والأخبار يقرب من ثلاثمائة وستّين اسماً ذكرها الكفعمي في مصباحه، فعليك بجمعها والتدبر في ربط كلّ منها بركن من تلك الأركان. « انتهى كلامه رفع الله مقامه ».

أقول: وبعض الناظرين في هذا الخبر جعل الاثني عشر كناية عن البروج الفلكية والثلاثمائة وستين عن درجاتها، ولعمري لقد تكلف بأبعد ممّا بين السماء والأرض، ومنهم من جعل الاسم كناية عن مخلوقاته تعالى، والاسم الأوّل الجامع عن أول مخلوقاته، وبزعم القائل هو العقل، وجعل ما بعد ذلك كناية عن كيفيّة تشعْب

٣٨

وذلك قوله تعالى: «قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى »(١)

٢ - أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن محمّد بن عبد الله وموسى بن عمرّ والحسن بن عليّ بن عثمان، عن ابن سنان قال سألت أبا الحسن الرّضاعليه‌السلام هل كان الله عزّ وجلّ عارفا بنفسه قبل أنّ يخلق الخلق قال نعم قلت يراها ويسمعها قال ما كان محتاجاً إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ونفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج أنّ يسمّي نفسه ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأوّل ما اختار لنفسه:

________________________________________________________

المخلوقات، وتعدّد العوالم، وكفى ما أومأنا إليه للاستغراب، وذكرها بطولها يوجب الإطناب.

قوله: وذلك قوله عزّ وجل، استشهاد لأنّ له تعالى أسماء حسنى، وأنه إنما وضعها ليدعوه الخلق بها، فقال تعالى: قل ادعوه تعالى بالله أو بالرحمن أو بغيرهما فالمقصود واحد، وهو الرب، وله أسماء حسنى كلّ منها يدّل على صفة من صفاته المقدّسة فأيّاً ما تدعو فهو حسن، قيل: نزلت الآية حين سمع المشركون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا الله، يا رحمن، فقالوا: إنّه ينهانا أنّ نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر؟ وقالت اليهود: إنّك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، فنزلت الآية ردا لـمّا توهموا من التعدد، أو عدم الإتيأنّ بذكر الرحمن.

الحديث الثاني: ضعيف على المشهور.

قوله: ويسمعها، على بناء المجرد أي بأنّ يذكر اسم نفسه ويسمعه، أو على بناء الأفعال لأنّ المخلوق يعرفه تعالى بأسمائه ويدعوه بها، فزعم أنّ الخالق أيضاً كذلك لأنه أعلى الأشياء، أي إنما سمي بالعليّ لأنه أعلى الأشياء ذاتا، وبالعظيم لأنه أعظمها صفاتاً، فهذان اسمان جامعان يدلان على تنزهه تعالى عن مناسبة المخلوقات ومشابهتها بالذّات والصّفات، فمعناه « الله » أي مدلول هذا اللفظ، ويدّل على أنه أخصّ الأسماء بالذّات المقدّس، بل على أنّه اسم بإزاء الذّات لا باعتبار صفة من

__________________

(١) سورة الإسراء: ١١٠.

٣٩

الْعليّ العظيم لأنّه أعلى الأشياء كلّها فمعناه الله واسمه العليُّ العظيم هو أوّل أسمائه علا على كلّ شيء

٣ - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن سنان قال سألته عن الاسم ما هو قال صفة لموصوف.

٤ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح، عن عليّ بن صالح، عن الحسن بن محمّد بن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اسم الله غيره وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله فأمّا ما عبّرته الألسن أو عملت الأيدي فهو مخلوق والله غاية من غاياته

________________________________________________________

الصّفات « علا على كلّ شيء » أي علا الاسم على كلّ الأسماء الدّالة على الصّفات، أو هو تفسير للاسم تأكيداً لـمّا سبق.

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : صفة لموصوف، أي سمة وعلامة تدل على ذات فهو غير الذّات، أو المعنى أنّ أسماء الله تعالى تدل على صفات تصدق عليه، أو المراد بالاسم هنا ما أشرنا إليه سابقاً، أي المفهوم الكليّ الّذي هو موضوع اللّفظ.

الحديث الرابع: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : اسم شيء، أي لفظ الشيء أو هذا المفهوم المركّب والأوّل أظهر، ثمّ بين المغايرة بأنّ اللفظ الّذي يعبّر به الألسن والخطّ الّذي تعمله الأيدي فظاهر أنه مخلوق.

قوله: والله غاية من غاياه(١) ، اعلم أنّ الغاية تطلق على المدى والنهاية، وعلى امتداد المسافة وعلى الغرض والمقصود من الشيء، وعلى الرّاية والعلامة، وهذه العبارة تحتمل وجوهاً:

__________________

(١) وفي الأصل كما ترى « من غاياته » وتوافقت النسخ التي عندنا عليه، وأشار إليه الشارح (ره) أيضاً في الاحتمال الثالث.

٤٠

والمغيّ غير الغاية والغاية موصوفة وكلُّ موصوف مصنوع وصانع الأشياء غير موصوف

________________________________________________________

الأوّل: أنّ تكون الغاية بمعنى الغرض والمقصود، أي كلمة الجلالة مقصود من جعله مقصودا، وذريعة من جعله ذريعة، أي كلّ من كان له مطلب وعجز عن تحصيله بسعيه يتوسل إليه باسم الله، والمغيّى بالغين المعجمة والياء المثناة المفتوحة أي المتوسل إليه بتلك الغاية غير الغاية، أو بالياء المكسورة أي الّذي جعل لنا الغاية غاية هو غيرها، وفي بعض النسخ والمعنى بالعين المهملة والنّون، أي المقصود بذلك التوسّل، أو المعنى المصطلح، غير تلك الغاية التي هي الوسيلة إليه.

الثاني: أنّ يكون المراد بالغاية النهاية، وبالله: الذّات لا الاسم أي الرّب تعالى غاية آمال الخلق يدعونه عند الشدائد بأسمائه العظام، والمغيى بفتح الياء المشددة المسافة ذات الغاية، والمراد هنا الأسماء فكأنها طرق ومسالك توصل الخلق إلى الله في حوائجهم، والمعنى أنّ العقل يحكم بأنّ الوسيلة غير المقصود بالحاجة، وهذا لا يلائمه قوله والغاية موصوفة إلّا بتكلف تام.

الثالث: أنّ يكون المراد بالغاية العلامة وصحفت غاياه بغاياته، وكذا في بعض النسخ أيضا، أي علامة من علاماته، والمعنى أي المقصود، أو المغيى أي ذو العلامة غيرها.

الرابع: أنّ يكون المقصود أنّ الحقّ تعالى غاية أفكار من جعله غاية وتفكر فيه، والمعنى المقصود أعنّي ذات الحقّ غير ما هو غاية أفكارهم، ومصنوع عقولهم، إذ غاية ما يصل إليه أفكارهم ويحصل في أذهانهم موصوف بالصّفات الزائدة الإمكانيّة وكلّ موصوف كذلك مصنوع.

الخامس: ما صحّفه بعض الأفاضل حيث قرأ: عانة من عاناه أي الاسم ملابس من لابسه، قال في النهاية: معاناة الشيء ملابسته ومباشرته، أو مهّم من اهتمّ به من قولهم عنيت به فأنا عان، أي اهتممت به واشتغلت أو أسير من أسَره، وفي النهاية العاني الأسير، وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان، أو محبوس من حبسه، وفي النهاية وعنوا بالأصوات أي احبسوها، والمعنى أي المقصود بالاسم غير

٤١

بحدّ مسمّى لم يتكوَّن فيعرف كينونيّته بصنع غيره ولم يتناه إلى غاية إلّا كانت غيره لا يزلُّ من فهم هذا الحكم أبداً وهو التّوحيد الخالص فارعوه وصدّقوه

________________________________________________________

العانة أي غير ما نتصورّه ونعقله.

ثمّ اعلم أنّه على بعض التقادير يمكن أنّ يقرأ والله بالكسر، بأنّ يكون الواو للقسم.

قوله: غير موصوف بحدّ، أي من الحدود الجسمانية أو الصّفات الإمكانية، أو الحدود العقلية، وقوله: مسمّى صفة لحد، للتعميم كقوله تعالى «لَمْ يَكُنْ شيئاً مَذْكُوراً »(١) ويحتمل أنّ يكون المراد أنه غير موصوف بالصّفات التي هي مدلولات تلك الأسماء، وقيل: هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف.

قوله: لم يتكوّن فيعرف كينونته(٢) بصنع غيره قيل: المراد أنه لم يتكون فيكون محدثا بفعل غيره، فتعرف كينونته وصفات حدوثه بصنع صانعه كما تعرف المعلولات بالعلل.

أقول: لعل المراد أنه غير مصنوع حتّى يعرف بالمقايسة إلى مصنوع آخر، كما يعرف المصنوعات بمقايسة بعضها إلى بعض، فيكون الصنع بمعنى المصنوع وغيره صفة له، أو أنه لا يعرف بحصول صورة هي مصنوعة لغيره، إذ كلّ صورة ذهنية مصنوعة للمدرك، معلولة له.

قوله: ولم يتناه، أي هو تعالى في المعرفة أو عرفانه أو العارف في عرفانه إلى نهاية إلّا كانت تلك النهاية غيره تعالى ومباينة له غير محمولة عليه.

قولهعليه‌السلام : لا يزل، في بعض النسخ بالذال، أي ذل الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه، وعلم أنّ كلـمّا يصل إليه أفهام الخلق فهو غيره تعالى.

__________________

(١) سورة الإنسان: ١.

(٢) كذا في النسخ، وفي المتن « كينونيّته ».

٤٢

وتفهّموه بإذن الله من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لأنَّ حجابه ومثاله وصورته غيره وإنّما هو واحد متوحّد فكيف يوحّده من زعم

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أي بالأسماء التي هي حجب بين الله وبين خلقه، ووسائل بها يتوسّلون إليه، بأنّ زعم أنه تعالى عين تلك الأسماء أو الأنبياء أو الأئمةعليهم‌السلام ، بأن زعم أنّ الربّ تعالى اتحدّ بهم أو بالصّفات الزائدة فإنها حجب عن الوصول إلى حقيقة الذّات الأحديّة أو بأنه ذو حجاب كالمخلوقين « أو بصورة » أي بأنه ذو صورة كما قالت المشبهة، أو بصورة عقلية زعم أنها كنه ذاته وصفاته تعالى « أو بمثال » أي خيالي أو بأنّ جعل له مماثلا ومشابها من خلقه « فهو مشرك » لـمّا عرفت مرارا من لزوم تركبه تعالى وكونه ذا حقائق مختلفة، وذا أجزاء، تعالى الله عن ذلك.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّه لا يمكن الوصول إلى حقيقته تعالى بوجه من الوجوه لا بحجاب ورسول يبيّن ذلك، ولا بصورة عقلية ولا خيالية، إذ لا بد بين المعرف والمعرف من مماثلة وجهة اتحاد، وإلّا فليس ذلك الشيء معرفا أصلاً، والله تعالى مجرد الذّات عن كلّ ما سواه، فحجابه ومثاله وصورته غيره من كلّ وجه، إذ لا مشاركة بينه وبين غيره في جنس أو فصل أو مادة أو موضوع أو عارض، وإنّما هو واحدّ موحدّ فرد عمّا سواه، فإنما يعرف الله بالله إذا نفي عنه جميع ما سواه، وكلـمّا وصل إليه عقله كما مرّ أنه التّوحيد الخالص.

وقال بعض المحققّين: من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال أي بحقيقة من الحقائق الإمكانية كالجسم والنور أو بصفة من صفاتها التي هي عليها كما أسند إلى القائلين بالصورة أو بصفة من صفاتها عند حصولها في العقل كما في قول الفلاسفة في رؤية العقول المفارقة فهو مشرك، لأنّ الحجاب والصورة والمثال كلّها مغايرة له غير محمولة عليه، فمن عبد الموصوف بها عبد غيره، فكيف يكون موحّداً له عارفاً به، إنما عرف الله من عرفه بذاته وحقيقته المسلوب عنه جميع ما يغايره، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يكون يعرف غيره.

٤٣

أنّه عرفه بغيره وإنّما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنّما يعرف غيره ليس بين الخالق والمخلوق شيء والله خالق الأشياء لا من شيء كان

________________________________________________________

أقول: لا يخفى أنّ هذا الوجه وما أوردته سابقاً من الاحتمالات التي سمحت بها قريحتي القاصرة لا يخلو كلّ منها من تكلّف، وقد قيل فيه وجوه أخر أعرضت عنها صفحاً، لعدم موافقتها لأصولنا، والأظهر عندي أنّ هذا الخبر موافق لـمّا مرّ، وسيأتي في كتاب العدل أيضاً من أنّ المعرفة من صنعه تعالى وليس للعباد فيها صنع، وأنه تعالى يهبها لمن طلبها ولم يقصر فيما يوجب استحقاق إفاضتها، والقول بأنّ غيره تعالى يقدر على ذلك نوع من الشرك في ربوبيّته وإلهيته، فأنّ التّوحيد الخالص هو أنّ يعلم أنّه تعالى مفيض جميع العلوم والخيرات، والمعارف والسعادات كما قال تعالى:

«ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ »(١) فالمراد بالحجاب إمّا أئمة الضّلال وعلماء السوء الذين يدّعون أنّهم يعرفونه تعالى بعقولهم ولا يرجعون في ذلك إلى حجج الله تعالى، فإّنهم حجب يحجبون الخلق عن معرفته وعبادته تعالى، فالمعنى أنّه تعالى إنما يعرّف بما عرف نفسه للناس لا بأفكارهم وعقولهم، أو أئمة الحقّ أيضاً فإنه ليس شأنهم إلّا بيأنّ الحقّ للناس فأما إفاضة المعرفة والإيصال إلى البغية فليس إلّا من الحقّ تعالى كما قال سبحانه: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ »(٢) ويجري في الصّورة والمثال ما مرّ من الاحتمالات، فقولهعليه‌السلام : ليس بين الخالق والمخلوق شيء، أي ليس بينه تعالى وبين خلقه حقيقة أو مادّة مشتركة حتّى يمكنهم معرفته من تلك الجهة، بل أوجدهم لا من شيء كان، ويؤيّد هذا المعنى ما ذكره في التّوحيد تتمّة لهذا الخبر: والأسماء غيره والموصوف غير الواصف، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضالّ عن المعرفة، لا يدرك مخلوق شيئاً إلّا بالله، ولا يدرك معرفة الله إلّا بالله، والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد بأمره من غير نطق، لا ملجأ لعباده ممّا قضى، ولا حجة لهم فيما ارتضى

__________________

(١) سورة النساء: ٧٩.

(٢) سورة القصص: ٥٦.

٤٤

والله يسمّى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره

________________________________________________________

لم يقدروا على عمل ولا معالجة ممّا أحدث في أبدانهم المخلوقة إلّا بربّهم، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عزّ وجلّ فقد زعم أنّ إرادته تغلب إرادة الله «تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » ووجه التأييد ظاهر لمن تأمّل فيها.

تذييل:

اعلم أنّ المتكلّمين اختلفوا في أنّ الاسم هل هو عين المسمّى أو غيره، فذهب أكثر الأشاعرة إلى الأوّل والإماميّة والمعتزلة إلى الثاني، وقد وردت هذه الأخبار ردا على القائلين بالعينية وأول بعض المتأخرين كلامهم لسخافته وأنّ كانت كلماتهم صريحة فيما نسب إليهم.

قال شارح المقاصد: الاسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى على ما يعم أنواع الكلمة، وقد يقيد بالاستقلال والتجرد عن الزمان، فيقابل الفعل والحرف على ما هو مصطلح النحاة، والمسمّى هو المعنى الّذي وضع الاسم بإزائه، والتسمية هو وضع الاسم للمعنى وقد يراد بها ذكر الشيء باسمه كما يقال يسمّى زيداً ولم يسمّ عمروا، فلا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، وإنّما الخفاء فيما ذهب إليه بعض أصحابنا من أنّ الاسم نفس المسمى، وفيما ذكره الشيخ الأشعريّ من أنّ أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام ما هو نفس المسمّى مثل « الله » الدّال على الوجود، أي الذّات، وما هو غيره كالخالق والرازق ونحو ذلك ممّا يدّل على فعل، وما لا يقال إنه هو ولا غيره كالعالم والقادر وكلّ ممّا يدّل على الصّفات، وأمّا التسمية فغير الاسم والمسمى.

وتوضيحه: أنهم يريدون بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف، وبالصفة مدلوله، وكما يقولون: أنّ القراءة حادثة والمقر وقديم، إلّا أنّ الأصحاب اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأنّ الاسم نفس المسمّى للقطع بأنّ مدلول الخالق شيء ماله الخلق لا نفس الخلق، ومدلول العالم شيء ما له العلم لا نفس العلم، والشيخ أخذ المدلول أعم، واعتبر في أسماء الصّفات المعاني المقصودة،

٤٥

( باب معاني الأسماء واشتقاقها )

١ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن تفسير

________________________________________________________

فزعم أنّ مدلول الخالق الخلق وهو غير الذّات، ومدلول العالم العلم وهو لا عين ولا غير « انتهى ».

باب معاني الأسماء واشتقاقها

الحديث الأوّل: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : الباء بهاء الله، يظهر من كثير من الأخبار أنّ للحروف المفردة أوضاعاً ومعاني متعدّدة لا يعرفها إلّا حجج اللهعليه‌السلام ، وهذه إحدى جهات علومهم واستنباطهم من القرآن، وقد روت العامة في « الم » عن ابن عباس أنّ الألف آلاء الله واللام لطفه والميم ملكه، والبهاء الحسن، والسناء بالمدّ: الرفعة، والمجد: الكرم والشّرف.

وأقول: يمكن أنّ يكون هذا مبنيا على الاشتقاق الكبير والمناسبة الذاتيّة بين الألفاظ ومعانيها، فالباء لـمّا كانت مشتركة بين المعنى الحرفي وبين البهاء فلا بد من مناسبة بين معانيهما، وكذا الاسم والسناء لـمّا اشتركا في السين فلذا اشتركا في معنى العلوّ والرّفعة، وكذا الاسم لـمّا اشترك مع المجد والملك فلا بد من مناسبة بين معانيها، وهذا باب واسع في اللغة يظهر ذلك للمتتبع بعد تتبع المباني والمعاني، فالمراد بقولهعليه‌السلام والسّين سناء الله، أنّ هذا الحرف في الاسم مناط لحصول هذا المعنى فيه، وكذا البواقي، والتأمل في ذلك يكسر سورة الاستبعاد عن ظاهر هذا الكلام، وهذا ممّا خطر بالبال في هذا المقام.

ولعلّه أقرب ممّا أفاده بعض الأعلام، حيث قال: لـمّا كان تفسيره بحسب معنى حرف الإضافة، ولفظ الاسم غير محتاج إلى البيان للعارف باللغة أجابعليه‌السلام بالتفسير

٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم قال: الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله وروى بعضهم الميم ملك الله والله إله كلّ شيء الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصّة.

________________________________________________________

بحسب المدلولات البعيدة، أو لأنّه لـمّا صار مستعملاً للتبرّك مخرجاً عن المدلول الأوّل ففسّره بغيره ممّا لوحظ في التبرك، والمراد بهذا التفسير إما أنّ هذه الحروف لـمّا كانت أوائل هذه الألفاظ الدّالة على هذه الصّفات أخذت للتبرك أو أنّ هذه الحروف لها دلالة على هذه المعاني إمّا على أنّ للحروف مناسبة مع المعاني بها وضعت لها، وهي أوائل هذه الألفاظ فهي أشد حروفها مناسبة وأقواها دلالة لمعانيها أو لأنّ الباء لـمّا دلت على الارتباط والانضياف ومناط الارتباط والانضياف إلى شيء وجدان حسن مطلوب للطالب، ففيها دلالة على حسن وبهاء مطلوب لكلّ طالب، وبحسبها فسرت ببهاء الله، ولـمّا كان الاسم من السمو الدّال على الرفعة والعلو والكرم والشرف، فكلّ من الحرفين بالانضمام إلى الآخر دال على ذلك المدلول فنسبت الدلالة على السناء بحسب المناسبة إلى السين، وفسرها بسناء الله والدلالة على المجد أو الملك بحسبها إلى الميم، وفسرها بالمجد أو الملك على الرواية الأخرى « والله إله كلّ شيء » أي مستحق للعبودية لكلّ شيء والحقيق بها، والرحمن لجميع خلقه.

اعلم أنّ الرحمن أشد مبالغة من الرحيم، لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى، وذلك إنّما يعبر تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية، فعلى الأوّل قيل: يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما بتخصيص الأوّل بجلائل النعم والثاني بغيرها، والثاني أيضاً يحتمل أنّ يكون محمولا على الوجه الأوّل، أي رحمن الدارين بالنعم العامة، والرحيم فيهما بالنعم الخاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا والجنة ودرجاتها في الآخرة، والأخير في هذا الخبر أظهر.

٤٧

٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها الله ممّا هو مشتقٌّ فقال يا هشام الله مشتق من إله وإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمّى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التّوحيد أفهمت يا هشام قال قلت زدني قال لله تسعة وتسعون اسماً فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلها ولكن الله معنى يدّل عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع الله عزّ وجلّ غيره قلت نعم فقال نفعك الله به وثبتك يا هشام قال فو الله ما قهرني أحدّ في التّوحيد حتّى قمت مقامي هذا.

٣ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سئل عن معنى

________________________________________________________

الحديث الثاني: حسن وقد مرّ بعينه متناً وسنداً في باب المعبود فلا نعيد شرحه.

الحديث الثالث: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : استولى، لعلّه من باب تفسير الشيء بلازمه، فأنّ معنى الإلهية يلزمه الاستيلاء على جميع الأشياء دقيقها وجليلها، وقيل: السؤال إنما كان عن مفهوم الاسم ومناطه، فأجابعليه‌السلام بأنّ الاستيلاء على جميع الأشياء مناط المعبودية بالحقّ لكلّ شيء.

أقول: الظاهر أنه سقط من الخبر شيء، لأنه مأخوذ من كتاب البرقيّ وروي في المحاسن بهذا السند بعينه عن القاسم عن جدّه الحسن عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام وسئل عن معنى قول الله «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »(١) فقال: استولى على

__________________

(١) سورة طه: ٥.

٤٨

الله فقال استولى على ما دقّ وجلَّ.

٤ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن العبّاس بن هلال قال سألت الرّضاعليه‌السلام عن قول الله «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(١) فقال هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض وفي رواية البرقيّ هدى من في السماء وهدى من في الأرض.

٥ - أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوأنّ بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ «هُوَ الأوّل وَالْآخِرُ »(٢) وقلت أما الأوّل فقد عرفناه وأمّا الآخر فبين لنا تفسيره فقال إنه ليس شيء إلّا يبيد أو يتغيّر أو يدخله التغيّر والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ومن هيئة إلى هيئة ومن صفة إلى صفة ومن زيادة إلى نقصان ومن

________________________________________________________

ما دقّ وجلّ، وروى الطّبرسي في الاحتجاج أيضاً هكذا، فلا يحتاج إلى هذه التكلّفات إذ أكثر المفسّرين فّسروا الاستواء بمعنى الاستيلاء، وقد حقّقنا في مواضع من كتبنا أنّ العرش يطلق على جميع مخلوقاته سبحانه وهذا أحدّ إطلاقاته لظهور وجوده وعلمه وقدرته في جميعها، وهذا من الكليني غريب ولعله من النسّاخ.

الحديث الرابع: ضعيف على المشهور وآخره مرسل.

قولهعليه‌السلام : هاد لأهل السماء أقول: النور ما يكون ظاهراً بنفسه وسببا لظهور غيره، والله سبحانه هو الموجود بنفسه، الموجد لغيره، والعالم بذاته المفيض للعلوم على من سواه، فهو هاد لأهل السماء وأهل الأرض، وهدى لهم بما أوجد وأظهر لهم من آيات وجوده وعلمه وقدرته، وبما أفاض عليهم من العلوم والمعارف.

الحديث الخامس: صحيح.

قولهعليه‌السلام : يبيد، أي يهلك، والرفات: المتكسّر من الأشياء اليابسة، والرّميم ما بلى من العظام، والبلح محرّكة بين الخلال والبسر، قال الجوهري: البلح قبل البسر لأنّ أول التمرّ طلع، ثمّ خلال ثمّ بلح ثمّ بسر ثمّ رطب. أقول: الغرض أن

__________________

(١) سورة النور: ٣٥.

٤٩

نقصأنّ إلى زيادة إلّا ربّ العالمين فإنه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة هو الأوّل قبل كلّ شيء وهو الآخر على ما لم يزل ولا تختلف عليه الصّفات والأسماء كما تختلف على غيره مثل الإنسان الّذي يكون ترابا مرَّة ومرَّة لحماً ودماً ومرَّة رفاتاً ورميماً وكالبسر الّذي يكون مرَّة بلحاً ومرَّة بُسراً ومرَّة رطباً ومرَّة تمراً فتتبدَّل عليه الأسماء والصّفات والله جلَّ وعزَّ بخلاف ذلك.

٦ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام وقد سئل عن الأوّل والآخر فقال الأوّل لا عن أول قبله ولا عن بدء سبقه والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزول بلا بدء ولا نهاية لا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال إلى حال «خالِقُ كلّ شَيْءٍ ».

٧ - محمّد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي هاشم الجعفريّ قال كنت عند أبي جعفر

________________________________________________________

دوام الجنّة والنّار وأهلهما وغيرها لا ينافي آخريته تعالى واختصاصها به فأنّ هذه الأشياء دائماً في التغيّر والتبدل وبمعرض الفناء والزوال، وهو سبحانه باق من حيث الذّات والصّفات، أزلاً وأبداً بحيث لا يعتريه تغيّر أصلاً، فكلّ شيء هالك وفأنّ إلّا وجهه تعالى، وقيل: آخريّته سبحانه باعتبار أنه تعالى يفنى جميع الأشياء قبل القيامة ثمّ يعيدها كما يدّل عليه ظواهر بعض الآيات وصريح بعض الأخبار، وقد بسطنا القول في ذلك في الفرائد الطريفة في شرح الدعاء الأوّل.

الحديث السادس: مجهول ومضمونه قريب من الخبر السابق.

« لا عن أول قبله » أي سابق عليه بالزمأنّ أو علة « ولا عن بدء » بالهمز أي ابتداء أو بدئ على فعيل أي علة « لا عن نهاية » أي من حيث الذّات والصّفات كما مرّ « لا يقع عليه الحدوث » ناظر إلى الأوّلية « ولا يحول » ناظر إلى الآخريّة.

الحديث السابع: مرفوع.

٥٠

الثانيعليه‌السلام فسأله رجلٌ فقال أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه وأسماؤه وصفاته هي هو فقال أبو جعفرعليه‌السلام أنّ لهذا الكلام وجهين أنّ كنت تقول هي هو أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك وأنّ كنت تقول هذه الصّفات والأسماء لم تزل فأنّ لم تزل محتمل معنيين فأنّ قلت لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها فنعم وأنّ كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع

________________________________________________________

قوله: له أسماء وصفات: الظّاهر أنّ المراد بالأسماء ما دل على الذّات من غير ملاحظة صفة، وبالصّفات ما دل على الذّات مع ملاحظة الاتّصاف بصفة فأجابعليه‌السلام بالاستفسار عن مراد السائل وذكر محتملاته وهي ثلاثة، وينقسم بالتقسيم الأوّل إلى احتمالين، لأنّ المراد به إما معناه الظاهر أو مأول بمعنى مجازي، لكون معناه الظاهر في غاية السخافة، فالأوّل وهو معناه الظاهر: أنّ يكون المراد كون كلّ من تلك الأسماء والحروف المؤلفة المركبة عين ذاته تعالى، وحكم بأنه تعالى منزه عن ذلك لاستلزامه تركبه وحدوثه وتعدده تعالى الله عن ذلك.

الثاني: أنّ يكون قوله: « هي هو » كناية عن كونها دائما معه في الأزل فكأنها عينه وهذا يحتمل معنيين:

« أحدهما » أنّ يكون المراد أنه تعالى كان في الأزل مستحقا لإطلاق تلك الأسماء عليه، وكون تلك الأسماء في علمه تعالى من غير تعدد في ذاته تعالى وصفاته ومن غير أنّ يكون معه شيء في الأزل فهذا حق.

« وثانيهما » أنّ يكون المراد كون تلك الأسماء والحروف المؤلفة دائما معه في الأزل فمعاذ الله أنّ يكون معه غيره في الأزل، وهذا صريح في نفي تعدد القدماء ولا يقبل تأويل القائلين بمذاهب الحكماء، وقولهعليه‌السلام : تصويرها، أي إيجادها بتلك الصوّر والهيئات، وهجاؤها، أي التكلم بها، وفي القاموس: الهجاء ككساء تقطيع اللفظ بحروفها، وهجيت الحروف وتهجيته « انتهى ».

فقوله: وتقطيع حروفها، كالتفسير له، ثمّ أشارعليه‌السلام إلى حكمة خلق الأسماء

٥١

حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره بل كان الله ولا خلق ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرَّعون بها إليه ويعبدونه وهي ذكره وكان الله ولا ذكر والمذكور بالذكر هو الله القديم الّذي لم يزل والأسماء والصّفات مخلوقات والمعاني والمعنّي بها هو الله الّذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ

________________________________________________________

والصّفات بأنّها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه، « وهي ذكره » بالضمير أي يذكر بها، والمذكور بالذكر قديم، والذكر حادث، ومنهم من قرأ بالتاء قال الجوهري: الذِّكر والذِّكرى نقيض النسيان، وكذلك الذّكرة.

قولهعليه‌السلام : والأسماء والصّفات مخلوقات، أقول: ههنا اختلفت نسخ الحديث ففي توحيد الصّدوق مخلوقات المعاني، أي معانيها اللغويّة ومفهوماتها الكلية مخلوقة وفي احتجاج الطبرسيّ ليس لفظ المعاني أصلاً، وفي الكتاب والمعاني بالعطف، فالمراد إمّا مصداق مدلولاتها، ويكون قوله والمعنىّ بها عطف تفسير له، أو هي معطوفة على الأسماء، أي والمعاني وهي حقائق مفهومات الصّفات مخلوقة، أو المراد بالأسماء الألفاظ وبالصّفات ما وضع أسماؤها له، وقوله: مخلوقات والمعاني خبران للأسماء والصّفات، أي الأسماء مخلوقات والصّفات هي المعاني والمعنىّ بها هو الله أي المقصود بها المذكور بالذكر، ومصداق تلك المعاني المطلوب بها هو ذات الله تعالى، والمراد بالاختلاف تكثّر الأفراد أو تكثّر الصّفات، أو الأحوال المتغيّرة أو اختلاف الأجزاء وتباينها بحسب الحقيقة، أو الانفكاك والتحلل وبالائتلاف التركّب من الأجزاء أو اتفاق الأجزاء في الحقيقة، وحاصل الكلام أنّ ذات الله سبحانه ليس بمؤتلف ولا مختلف لأنه واحد حقيقي، وكلّ ما يكون واحداً حقيقيّاً لا يكون مؤتلفاً ولا مختلفاً، إمّا أنه واحدّ حقيقي فلقدمه، ووجوب وجوده لذاته.

وإمّا أنّ الواحد لا يصحّ عليه الائتلاف والاختلاف، لأنّ كلّ متجزّءِ أو متوهّم بالقلة والكثرة مخلوق، ولا شيء من المخلوق بواحد حقيقيّ لمغايرة الوجود والمهيّة وللتحلل إلى المهيّة والتشخص، فلا شيء من الواحد بمتجزّي ولا شيء من

٥٢

فلا يقال الله مؤتلف ولا الله قليل ولا كثير ولكنّه القديم في ذاته لأنَّ ما سوى الواحد متجزئ والله واحدّ لا متجزّئُ ولا متوهّم بالقلة والكثرة وكلّ متجزّئ أو متوهّم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له فقولك أنّ الله قدير - خبّرت أنّه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه وكذلك قولك عالمٌ إنّما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ولا يزال من لم يزل عالماً.

________________________________________________________

المتجزّىء بواحد، وقولهعليه‌السلام : فقولك أنّ الله قدير، بيان لحال توصيفه سبحانه بالصّفات كالقدرة والعلم، وأنّ معانيها مغايرة للذّات، فمعنى قولك: أنّ الله قدير خبرت بهذا القول إنّه لا يعجزه شيء، فمعنى القدرة فيه نفي العجز عنه لا صفة وكيفية موجودة، فجعلت العجز مغايراً له منفيّاً عنه، ونفي المغاير للشيء مغاير له كالمنفيّ عنه، وكذا العلم وسائر الصّفات.

وقولهعليه‌السلام : فإذا أفنى الله الأشياء استدلال على مغايرته تعالى للأسماء وهجائها وتقطيعها، والمعاني الحاصلة منها من جهة النهاية، كما أنّ المذكور سابقاً كان من جهة البداية.

والحاصل أنّ علمه تعالى ليس عين قولنا عالم، وليس اتّصافه تعالى به متوقّفاً على التكلّم بذلك، وكذا الصوّر الذهنيّة ليست عين حقيقة ذاته وصفاته تعالى، وليس اتّصافه تعالى بالصّفات متوقّفاً على حصول تلك الصوّر إذ بعد فناء الأشياء تفنى تلك الأمور مع بقائه تعالى متصفا بجميع الصّفات الكمالية، كما أنّ قبل حدوثها كان متصفا بها، وهذا الخبر ممّا يدّل على أنه سبحانه يفنى جميع الأشياء قبل القيامة.

ثمّ اعلم أنّ المقصود بما ذكر في هذا الخبر وغيره من أخبار البابين هو نفي تعقل كنه ذاته وصفاته تعالى، وبيان أنّ صفات المخلوقات مشوبة بأنواع النقص والعجز والله تعالى متّصف بها، معرى عن جهات النقص والعجز، كالسمع فإنّه فينا العلم بالمسموعات بالحاسّة المخصوصة، ولـمّا كان توقف علمنا على الحاسّة لعجزنا وكان حصولها لنا من

٥٣

فقال الرَّجل فكيف سميّنا ربّنا سميعاً فقال لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس وكذلك سمّيناه بصيراً لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك ولم نصفه ببصر لحظة العين وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك وموضع

________________________________________________________

جهة تجسّمنا وإمكاننا ونقصنا، وأيضاً ليس علمنا من ذاتنا لعجزنا وعلمنا حادث لحدوثنا، وليس علمنا محيطاً بحقائق ما نسمعه كما هي، لقصورنا عن الإحاطة، وكلّ هذه نقائص شابت ذلك الكمال، فلذا أثبتنا له سبحانه ما هو الكمال، وهو أصل العلم ونفينا عنه جميع تلك الجهات التي هي سمات النقص والعجز، ولـمّا كان علمه سبحانه غير متصوّر لنا بالكنه، ورأينا الجهل فينا نقصاً فنفيناه عنه، فكأنا لم نتصوّر من علمه تعالى إلّا عدم الجهل، فإثباتنا العلم له تعالى إنما يرجع إلى نفي الجهل، لأنا لم نتصوّر علمه تعالى إلّا بهذا الوجه، وإذا وفيت في ذلك حق النظر وجدته نافياً لـمّا يدعيه القائلون بالاشتراك اللفظي في الوجود وسائر الصّفات لا مثبتاً له، وقد عرفت أنّ الأخبار الدّالة على نفي التّعطيل ينفي هذا القول.

قولهعليه‌السلام : بالسمع المعقول في الرأس، أي الّذي نتعقله في الرأس ونحكم بأنه فيه، واللطيف قد يكون بمعنى رقيق القوام أو عديم اللون من الأجسام أو صغير الجسم، وفيه سبحانه لا يتصوّر هذه الأمور لكونها من لوازم الأجسام، فقد يراد به التجرّد مجازاً أو بمعنى لطيف الصنعة أو العالم بلطائف الأمور كما فسّر به في هذا الخبر.

وموضع النشو منها، أي الموادّ التي جعلها في أبدانها وبها ينمو وموضع نمو كلّ عضو وقدر نموّها بحيث لا يخرج عن التناسب الطبيعي بين الأعضاء، والنشوء بالهمزة: النموّ، وربّما يقرأ بكسر النون والواو خبراً بمعنى شم الريح، جمع نشوة أي يعلم محل القوّة الشامّة منها، وفي التوحيد: موضع الشبق أي شهوة الجماع، وفي الاحتجاج: موضع المشي والعقل، أي موضع قواها المدركة، والحدب محرّكة التعطف، ويمكن عطفه على موضع النشو وعلى النشو.

٥٤

النشوء منها والعقل والشهوة للسفاد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف وإنّما الكيفية للمخلوق المكيّف وكذلك سميّنا ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كانت قوّته قوَّة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيّادة وما احتمل الزيّادة احتمل النقصان وما كان ناقصاً

________________________________________________________

وإقام بعضها، الإقام مصدر بمعنى الإقامة كقوله تعالى «أَقامَ الصَّلاةَ »(١) حذفت التاء المعوضة عن العين [ الساقطة من إقوام ] وأقيمت الإضافة مقامها، ويمكن عطف هذه الفقرة على علمه وعلى المعلومات، والفقرات الآتية تؤيد الثاني، والقفار جمع القفر وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء.

قولهعليه‌السلام : لوقع التشبيه قال بعض الأفاضل: أبطل كون قوّته قوّة البطش المعروف من المخلوقين بوجهين:

« أحدهما » لزوم وقوع التشبيه وكونه مادّياً مصوراً بصورة المخلوق « وثانيهما » لزوم كونه سبحانه محتملا للزيادة لأنّ الموصوف بمثل هذه الكيفية لا بد لها من مادة قابلة لها متقومة بصورة جسمانية، موصوفة بالتقدر بقدر، والتناهي والتحدّد بحدّ لا محالة فيكون لا محالة حينئذ موصوفاً بالزيّادة على ما دونه من ذوي الأقدار وكلّ موصوف بالزيّادة الإضافيّة موصوف بالنقصان الإضافي لوجهين:

« أحدهما » أنّ المقادير الممكنة لأحدّ لها تقف عنده في الزيادة، كما لأحدّ لها في النقصان، فالمتقّدر بمقدار متناه يتّصف بالنقص الإضافيّ بالنسبة إلى بعض الممكنات، وأنّ لم يدخل في الوجود.

« وثانيهما » أنّه يكون حينئذ لا محالة موصوفاً بالنقص الإضافيّ بالنسبة إلى مجموع الموصوف بالزيّادة الإضافية، والمقيس إليه، فيكون أنقص من مجموعهما، وما كان ناقصاً بالنسبة إلى غيره من الممكنات لا يكون قديماً واجب الوجود لذاته

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٧٣.

٥٥

كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزاً ؛ فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ولا ندّ ولا كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر ومحرَّمٌ على القلوب أنّ تمثله وعلى

________________________________________________________

لأنّه علّة ومبدء لكلّ ما يغايره، والمبدأ المفيض أكمل وأتمّ من المعلول الصادر عنه المفاض عليه منه، فكلّ ناقص إضافيّ أحقّ بالمعلوليّة من المبدئيّة لـمّا هو أكمل وأزيد منه، وهذا ينافي ربوبيّته ويتمّ به المطلوب لكنّه لـمّا أراد إلزام ما هو أظهر فساداً وهو لزوم عجزه عن قوّته ضم إليه قوله: وما كان غير قديم كان عاجزاً، لأنّه كان معلولا لعلّته ومبدئه، مسخّراً له غير قويّ على مقاومته.

إذا عرفت ذلك فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له لأنّ شبه الممكن ممكن، ولا ضدّ له لأنّ الشيء لا يضاد علته، ومقتضى العليّة والمعلولية الملازمة والاجتماع في الوجود، فلا يجامع المضادّة ولا ندّ له، لأنّ المثل المقاوم لا يكون معلولاً ولا قديم سواه بدليل التوحيد، ولا كيف له لكونه تامّاً كاملاً في ذاته، غير محتمل لـمّا يفقده ولا نهاية له لتعاليه عن التقدّر والقابليّة لـمّا يغايره.

ولا يبصار بصر، وفي بعض النسخ ولا تبصار بالتاء، أي التبصّر بالبصر، ومحرم على القلوب أن تمثّله أي أن يجعل حقيقته موجوداً ظليّاً مثاليّاً، ويأخذ منه حقيقة كلية معقولة لكونه واجب الوجود بذاته لا تنفك حقيقته عن كونه موجوداً عينيّاً شخصيّاً، وعلى الأوهام أنّ تحده لعجزها عن أخذ المعاني الجزئية عمّا لا يحصل في القوي والأذهان، ولا يحاط بها فلا تأخذ منه صورة جزئيّة، وعلى الضمائر أن تكوّنه الضمير السرّ وداخل الخاطر والبال، ويطلق على محله كما أنّ الخاطر في الأصل ما يخطر بالبال ويدخله، ثمّ أطلق على محله، والتكوين التحريك، والمعنىّ أنّه محرّم على ما يدخل الخواطر أنّ يدخله، وينقله من حال إلى حال، لاستحالة قبوله لـمّا يغايره، أو المراد بالضمائر خواطر الخلق وقواهم الباطنة، وأنّه يستحيل أنّ يخرجه من الغيبة إلى الحضور والظهور عليهم، أي ليس لها أنّ تجعله بأفعالها متنزّلاً إلى مرتبة الحضور عندهم.

٥٦

الأوهام أن تحدَّه وعلى الضمائر أن تكوّنه جلَّ وعزَّ عن أداة خلقه وسمات بريّته وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

٨ - عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب عمّن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رجلَّ عنده الله أكبر فقال الله أكبر من أيّ شيء فقال من كلّ شيء فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام حددته فقال الرَّجل كيف أقول قال قل الله أكبر من أنّ يوصف.

٩ - ورواه محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن مروك بن عبيد، عن جميع بن عمير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أيّ شيء الله أكبر فقلت الله أكبر من

________________________________________________________

اقول: ويحتمل أن يكون دليلاً على امتناع حصوله في المعقول والضمائر، لأنّه يلزم أنّ يكون حقيقته سبحانه مكوّنة مخلوقة ولو في الوجود الذهني، وهو متعال عن ذلك « عن أداة خلقه » أي آلتهم التي بها يفعلون ويحتاجون في أفعالهم إليها و « سمات بريّته » أي صفاتهم.

الحديث الثامن: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : من أيّ شيء، هذا استعلام عن مراد القائل أنّه هل أراد اتّصافه سبحانه بالشدّة أو الزيّادة في الكبر الّذي يعقل في المخلوقين، فيلزم اتّصافه بالكبر الإضافيّ أو أراد نفي اتّصافه سبحانه بما يعقل عن الصفات في المخلوقات، ولـمّا أجاب القائل بقوله: من كلّ شيء، علم أنّه أراد الأوّل فنبّه على فساده بقوله حدّدته، لأنّ المتّصف بصفات الخلق محدود بحدود الخلق، غير خارج عن مرتبتهم، فلـمّا علم القائل خطاءه قال: كيف أقول؟ فأجابعليه‌السلام بقوله: قل: الله أكبر من أنّ يوصف، ومعناه اتّصافه بنفي صفات المخلوقات عنه وتعاليه عن أنّ يتّصف بها.

الحديث التاسع: مجهول.

قولهعليه‌السلام : أيّ شيء الله أكبر؟ أيّ ما المراد به وما معناه؟

٥٧

كلّ شيء فقال وكان ثَمَّ شيء فيكون أكبر منه فقلت وما هو قال الله أكبر من أنّ يوصف.

١٠ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن سبحان الله فقال أنفة لله.

١١ - أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن عليّ بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقيّ قال - سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلَّ «سبحان اللهِ » ما يعنى به قال تنزيهه.

١٢ - عليُّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن أبي هاشم الجعفريّ قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ما معنى الواحد فقال إجماع الألسن عليه بالوحدانيّة كقوله تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وكان ثمّ شيء؟ استفهام للإنكار أيّ أكان في مرتبة تداني مرتبته سبحانه، ويصحّ فيها النسبة بينه وبين غيره شيء، والحاصل أنّه يضمحلّ في جنب عظمته وجلاله كلّ شيء، فلا وجه للمقايسة، أو المعنى أنّه لم يكن في الأزل شيء، وكانت هذه الكلمة صادقة في الأزل، والأوّل أعلى وأظهر.

الحديث العاشر: صحيح.

قولهعليه‌السلام : أنفة لله، أيّ براءة وتعال وتنزّه له سبحانه عن صفات المخلوقات ونصب سبحان على المصدر، أيّ أسبّح الله سبحاناً يليق به ويقال: أنف منه أيّ استنكف.

الحديث الحادي عشر: ضعيف.

الحديث الثاني عشر: صحيح.

قولهعليه‌السلام : إجماع الألسن، أيّ معنى الواحد في أسمائه وصفاته سبحانه ما أجمع عليه الألسن من وحدانيّته وتفرّده بالخالقيّة والألوهيّة، كقوله: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أيّ جميع الخلق إذا راجعوا إلى أنفسهم وجانبوا الأغراض الفاسدة الّتي صرفتهم

٥٨

مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(١)

( باب آخر وهو من الباب الأوّل)

( إلّا أنّ فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني الّتي تحت أسماء الله )

( وأسماء المخلوقين )

١ - عليّ بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمدانيّ ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سمعته يقول : وهو اللّطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لو كان كما يقول المشبّهة لم يعرف

________________________________________________________

عن مقتضى عقولهم، أو المراد به مشركو مكّة، فأنّ شركهم كان في المعبوديّة لا الخالقيّة، ويحتمل أنّ يكون الواحد في الله سبحانه موضوعاً شرعاً لهذا المعنى، أيّ من أجمعت الألسن على وحدانيّته.

باب آخر وهو من الباب الأوّل إلّا أنّ فيه زيادة، وهو الفرق ما بين

المعاني تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين.

الحديث الأوّل: مجهول، وأبو الحسنعليه‌السلام يحتمل الثاني والثالثعليهما‌السلام قال ابن الغضائري: اختلفوا في أنّ مسئول فتح بن يزيد هو الرّضاعليه‌السلام أم الثالث، وصرّح الصّدوق بأنّه الرضاعليه‌السلام .

قولهعليه‌السلام : لم يعرف الخالق، في التّوحيد هكذا «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ »، منشئ الأشياء ومجسّم الأجسام ومصوّر الصور، ولو كان كما يقولون لم يعرف » وهو أصوب، والمعنىّ أنّه لو كان قول المشبّهة حقّاً لم يتميّز الخالق من المخلوق، لاشتراكهما في الصّفات الإمكانيّة، وعلى ما في الكتاب: المعنى: لا يمكن معرفة الخالق من المخلوق، وبالمقايسة إليه، إذ ليس المخلوق ذاتيّاً لخالقه ولا مرتبطاً به

__________________

(١) سورة الزمر: ٣٨.

٥٩

الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ لكنّه المنشئ فرَّق بين من جسّمه وصوَّره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً قلت أجل جعلني الله فداك لكنّك قلت الأحد الصمد وقلت لا يشبهه شيء والله واحدٌ والإنسان واحدٌ أليس قد تشابهت الوحدانيّة قال يا فتح أحلت ثبّتك الله إنّما التشبيه في المعاني فأمّا في الأسماءِ فهي واحدةٌ وهي دالّة على المسمّى وذلك أنّ الإنسان وإن قيل واحدٌ

________________________________________________________

ارتباطاً يصحّح الحمل والقول عليه، والمراد بالخلق إمّا مطلق الإيجاد، فقوله: ولا المنشئ، من المنشأ كالمفسّر والمؤكّد له، أو المراد به التقدير والتصوير، فقوله: ولا المنشأ تعميم، والضمير في لكنّه إمّا للشأنّ أو راجع إليه سبحانه.

قوله: فرق، إمّا اسم أيّ الفرق والامتياز لازم بينه سبحانه وبين من جسّمه أيّ أوجدّه جسماً، أو أعطاه حقيقة الجسميّة، وصوّره أيّ أوجدّه متصوراً بصورة خاصّة وأنشأه من العدم، فقوله: إذ كان تعليل لعدم المعرفة أو الفرق، أو فعل، أيّ فرق وباين بين المهيات وصفاتها ولوازمها، وجعل لكلّ منها حقيقة خاصّة وصفة مخصوصة فقوله: « إذ » يحتمل الظرفية والتعليل، فعلى الأوّل، المعنى: أنّه خلقها في وقت لم يكن متصفاً بشيء من تلك الحقائق والصّفات، ولم يكن في شيء منها شبيهاً بالمخلوقات وعلى الثاني لعل المعنى أنّه أعطى المخلوقات المهيات المتباينة والصّفات المتضادّة لأنّه لم يكن يشبهه شيئاً منها، إذ لو كان متّصفاً بأحدّ تلك الأضداد لم يكن معطياً لضدّها، إذ لو كان حاراً مثلاً لم يكن معطياً ومفيضاً للبرودة، فلـمّا لم يكن متصفاً بشيء منهما صار علّة لكلّ منهما فيما يستحقّه من الموادّ، وأيضاً لو كان مشاركاً لبعضها في المهيّة لم يكن معطياً تلك المهيّة غيره، وإلّا لزم كون الشيء علّة لنفسه.

قولهعليه‌السلام : أحلت، أيّ أتيت بالمحال وقلت به، ثبتّك الله، أيّ على الحق.

قولهعليه‌السلام : إنّما التشبيه بالمعاني، أيّ التشبيه الممنوع منه إنّما هو تشبيه معنى حاصل فيه تعالى بمعنى حاصل للخلق، لا محض إطلاق لفظ واحد عليه تعالى، وعلى الخلق بمعنيين متغايرين، أو المعنى أنّه ليس التشبيه هنا في كنه الحقيقة والذّات،

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462