مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول4%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66682 / تحميل: 5295
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

أؤدّي عنه كلّ ذلك من الله مكنّني فيه بعلمه.

الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور العمي، عن محمّد بن سنان قال: حدَّثنا المفضّل قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ثمّ ذكر الحديث الأوّل.

٢ - عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي قال: حدثنا سعيد الأعرج قال: دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد اللهعليه‌السلام فابتدأنا فقال: يا سليمان ما جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام يؤخذ به وما نهى عنه ينتهى عنه جرى له من الفضل ما جرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل على جميع من خلق الله المعيّب على أمير المؤمنينعليه‌السلام في شيء من أحكامه كالمعيب على الله عزّ وجلَّ وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه باب الله الّذي لا يؤتى إلّا منه وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك وبذلك جرت الأئمةعليهم‌السلام واحد بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أنّ تميد بهم والحجّة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.

وقال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أنا قسيم الله بين الجنّة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم ، ولقد أقرَّت لي جميع الملائكة والرُّوح بمثل ما أقرت لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد حملت على مثل حمولة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي حمولة الربّ وإنَّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى فيكسى ويستنطق وأدعى فأكسى واُستنطق فأنطق على حدّ منطقه ولقد أعطيت خصالا لم يعطهن أحدّ قبلي علمت علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي أبشّر بإذن الله وأؤديّ عن الله عزَّ وجلَّ كلُّ ذلك مكنّني الله فيه بإذنه.

________________________________________________________

في هذا العصر وفي الأعصار الآتية « أبشّر بإذن الله » أيّ عندّ الموت أولياءه أو الأعمّ « وأؤدّي عنه » كلّ ما أقول لا عن رأيّ وهوى « كلّ ذلك من الله » أيّ من فضله عليّ « بعلمه » أيّ بسبب ما يعلم من المصلحة في تمكيني وبالعلم الّذي أعطانيه.

الحديث الثاني: ضعيف.

وفي أكثر النسخ فيه « المعيّب على أمير المؤمنين » على بناء التفعيل، من عيّبه إذا نسبه إلى العيب « بإذنه » أيّ بتوفيقه وتيسير أسبابه.

٣٨١

٣ - محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد جميعاً، عن محمّد بن الحسن، عن عليّ بن حسّان قال: حدَّثني أبو عبد الله الرياحي، عن أبي الصامت الحلوانيّ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ما جاء به آخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه جرى له من الطاعة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والفضل لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله المتقدّم بين يديه كالمتقدّم بين يدي الله ورسوله والمتفضل عليه كالمتفضل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك بالله فأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باب الله الّذي لا يؤتى إلّا منه وسبيله الّذي من سلكه وصل إلى الله عزّ وجلَّ وكذلك كان أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده وجرى للأئمةعليهم‌السلام واحداً بعد واحد جعلهم الله عزّ وجلَّ أركان الأرض أنّ تميد بأهلها وعمد الإسلام ورابطة على سبيل هداه لا يهتدي هاد إلّا بهداهم ولا

________________________________________________________

الحديث الثالث: ضعيف أيضاً.

« فضل أمير المؤمنين » على المصدر مبتدأ والموصول خبره، أي مزيّته وفضلهعليه‌السلام مشاركته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وجوب الأخذ بما جاء به، والانتهاء عمّا نهى عنه ووجوب طاعته بعد رسول الله، أو يقرأ « فضّل » على بناء التفعيل المجهول أيّ عليّ جميع الخلق أو الأمّة فقوله: « ما جاء » بيان له « والفضل لمحمّد » أيّ الفضل عليه لمحمّد دون غيره، أو الفضل على العموم على جميع الأنبياء والأوصياء والأئمة مخصوص بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو ذلك الفضل بعينه هو فضل محمّد لأنهما نفس واحدة « المتقدّم » عليه لعلّه إشارة إلى قوله سبحانه: «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ »(١) وأنّ كان في الآية على القراءة المشهورة على التفعيل وهنا على التفعّل، كما قرأ به يعقوب، فيؤيّد الخبر تلك القراءة، وعلى المشهورة أيّ لا تقدّموا أمراً ولا تقطعوه قبل أنّ يحكم الله ورسوله به، والمراد هنا إمّا هذا أو من يرى لنفسه الفضل عليه، ويريد أنّ يكون متبوعاً له فهو كمن يرى الفضل لنفسه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويريد أنّ يكون متبوعاً له « والمتفضّل » التفعل هنا للتكلّف، أي المفضّل نفسه بدون استحقاق.

« وعمد الإسلام » العمد بفتحتين وضمّتين جمع العمود وهو الأسطوانة أي لا -

__________________

(١) سورة الحجرات: ١.

٣٨٢

يضلُّ خارج من الهدى إلّا بتقصيّر عن حقّهم ، أمناء الله على ما أهبط من علم أو عذر أو نذر ، و الحجّة البالغة على من في الأرض يجري لآخرهم من الله مثل الّذي جرى لأولهم ولا يصل أحدّ إلى ذلك إلّا بعون الله.

وقال: أمير المؤمنينعليه‌السلام أنا قسيم الله بين الجنّة والنار لا يدخلها داخل إلّا على حدّ قسمّي وأنا الفاروق الأكبر وأنا الإمام لمن بعدي والمؤدي عمّن كان قبلي لا يتقدّمني أحدّ إلّا أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإني وإياه لعلى سبيل واحد إلّا أنّه هو

________________________________________________________

يقوم الإسلام إلّا بإمامتهم « ورابطة » بالضمير الراجع إلى الإسلام، والوحدة لكونهم كنفس واحدة، أو لأنّ في كلّ زمان واحد منهم، أيّ هم يشدون الإسلام على سبيل هدايته، أو بالتاء صفة للجماعة أيّ الجماعة الذين يشدون الناس على سبيل هداية الله لئلّا يتعدّوه، أو المرابطين في ثغر الإسلام لئلّا يهجم الكفار وأهل البدع على المؤمنين فيضلّوهم « أو عذر أو نذر » أيّ محو إساءة أو تخويف، وهما مصدرأنّ لعذر إذا محيٌّ الإساءة وأنذر إذا خوف، أو جمعاًنّ لعذير بمعنى المعذرة، ونذير بمعنى الإنذار « ولا يصل أحدّ إلى ذلك » أيّ إلى مرتبة فضلهم أو إلى معرفة تلك المرتبة « إلّا بعون الله » أيّ بتوفيقه « لا يدخلها » أيّ النار أو كلّ من الجنّة والنار وفي بعض النّسخ لا يدخلهما وهو أظهر.

« على حدّ قسمّي » الحدّ: الفصل بين الشيئين يميّز بينهما، والقسم بالفتح: التقسيم، وفي بعض النّسخ على أحدّ قسمّي بصيغة التثنية مضافة إلى ياء المتكلّم ولعلّه أصوب « عمّن كان قبلي » أيّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « وإنّي وإيّاه لعلى سبيل واحد » أيّ متساويأنّ في جميع وجوه الفضل « إلّا أنّه هو المدعو باسمه » أيّ النبي والرسول، فإني لست بنبي ولا رسول، وإنّما فضله على ذلك، أو أنّه تعالى سماه في القران وناداه باسمه ولم يسمّني، أو المقصود بيان غاية الاتّحاد بينهما على سياق قوله تعالى: «وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ »(١) أيّ ليس بيني وبينه فرق إلّا أنّه مدعوّ باسمه وأنا مدعوّ باسمي، فلا

__________________

(١) سورة آل عمران: ٦١.

٣٨٣

المدعوُّ باسمه ولقد أعطيت الستَّ : علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وإني لصاحب الكرّات ودولة الدول.

________________________________________________________

فرق في المسمّى بل في الاسم، وهذا وجه حسن.

« والوصايا » أيّ أعلم ما أوصى به الأنبياء أوصياءهم وأممهم من الشّرايع وغيرها.

« وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدّول » هذه الخامسة ويحتمل وجوهاً:

الأوّل: أن يكون المعنى أنّي صاحب الحملات في الحروب فأنّهعليه‌السلام كان كرّاراً غير فرارّ، وصاحب الغلبة فيها، فأنّه كان الغلبة في الحروب بسببه، أو إني صاحب الغلبة على أهل الغلبة في الحروب، قال: الفيروزآبادي: الكرّة المرّة والحملة، وقال: الدولة انقلاب الزمان والعقبة في المال، ويضمّ أو الضمّ فيه والفتح في الحرب، أو هما سواء، أو الضم في الآخرة والفتح في الدنيا، والجمع دول مثلّثة، وأدالنا الله من عدوّنا، من الدّولة والإدالة الغلبة، ودالت الأيّام: دارت، والله يداولها بين النّاس.

الثاني: أنّ المراد إنّي صاحب علم كلّ كرّة ودولة، أيّ أعلم أحوال أصحاب القرون الماضية والباقية إلى يوم القيامة من أهل الدّين والدّنيا.

الثالث: أنّ المعنى إنّي أرجع إلى الدّنيا مرّات شتى لأمور وكّلني الله بها، وكانت غلبة الأنبياء على أعاديهم ونجاتهم من المهالك بسبب التوسّل بنوري وأنوار أهل بيتي، أو يكون دولة الدّول أيضاً إشارة إلى الدولات الكائنة في الكرات والرجعات، فإمّا الرجعات فقد دلّت عليها كثير من الرّوايات، نحو ما روى في بصائر سعد بن عبد الله وغيره بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام في خطبة طويلة رواه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: فيها: وإنّ لي الكرّة بعد الكرّة والرّجعة بعد الرّجعة، وأنا صاحب الرّجعات وصاحب الصّولات والنقمات والدّولات العجيبات، إلى آخر الخطبة، وغيرها من الأخبار الّتي أوردتها في الكتاب الكبير.

٣٨٤

وإنّي لصاحب العصا والميسم ، والدابّة الّتي تكلم الناس.

( باب )

( نادر جامع في فضل الإمام عليه‌السلام وصفاته )

١ - أبو محمّد القاسم بن العلاءرحمه‌الله رفعه، عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا مع الرّضاعليه‌السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمرّ الإمأمّة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيديعليه‌السلام فأعلمته خوض الناس فيه فتبسّمعليه‌السلام ثمّ قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم أنّ الله عزّ وجلَّ لم يقبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن

________________________________________________________

وقوله: « وإنّي لصاحب العصا » إلى آخره هي السادسة « والدابة » تفسير لصاحب العصا والميسم كما عرفت.

باب نادر جامع في فضل الإمامعليه‌السلام وصفاته

الحديث الأول: مرفوع، ورواه الصّدوق في كثير من كتبه بسندّ آخر فيه جهالة، وهو مرويّ في الاحتجاج وغيبة النعماني وغيرهما.

والبدء بفتح الباء وسكون الدّال مهموزاً: أول الشيء، والمقدم بفتح الدّال مصدر كالقدوم، وتبسمّهعليه‌السلام للتعجّب عن ضلالتهم وغفلتهم عن أمرّ هو أوضح الأمور بحسب الكتاب والسنة، أو عن استبدادهم بالرأيّ فيما لا مدخل للعقل فيه، وقال: الجوهري: خاض القوم في الحديث أيّ تفاوضوا فيه.

« وخدعوا » على المجهول « عن آرائهم » كلمة « عن » إمّا تعليليّة أي بسبب آرائهم، أو ضمّن فيه معنى الإغفال، فالمراد بالآراء ما ينبغي أنّ يكونوا عليها من اعتقاد الإمامة، وفي بعض نسخ الكتاب وأكثر نسخ سائر الكتاب « عن أديانهم » وهو أظهر.

« إنّ الله لم يقبض »: بيّنعليه‌السلام أنّ الإمام لا بدّ أن يكون منصوصاً عليه، وليس

٣٨٥

فيه تبيان كلِّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً فقال: عزّ وجل: «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ »(١)

________________________________________________________

تعيينه باختيار الأمّة بوجهين:

الأوّل: الآيات الدالة على أنّ الله تعالى أكمل الدين للأمّة وبيّن لهم شرائعه وأحكامه، وما يحتاجون إليه، ومعلوم أنّ تعيين الإمام من الأمور المهمة في الدين بإجماع الفريقين، ولذا اعتذر المخالفون للاشتغال بتعيين الإمام قبل تجهيز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّ تعيينه كان أهم من ذلك.

والثاني: أنّ للإمامة شرائط من العصمة والعلم بجميع الأحكام، وغير ذلك ممّا لا يحيط به عقول الخلق، فلا يعقل تفويضها إلى الأمة، ولا بد من أنّ يكون الإمام منصوصاً منصوباً من قبل الله تعالى، ولا خلاف بين الأمّة في أنّه لم يقع النصّ على غير أئمتناعليهم‌السلام ، فلا بدّ من أنّ يكونوا منصوصين منصوبين للإمأمّة من الله ومن رسوله.

« فيه تبيان كلّ شيء » إشارة إلى قوله تعالى في سورة النحل: «وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكلّ شَيْءٍ » ثمّ فسّر ذلك بقوله: « بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه النّاس كمّلاً » ولا ريب أنّ الإمأمّة وتعيين الإمام شيء ممّا يحتاج إليه الناس غاية الاحتياج، وقال: الجوهري يقال: أعطه هذا المال كمّلا أي كلّه.

«ما فَرطّنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » قال: البيضاوي: « من » مزيدة وشيء في موضع المصدر لا المفعول به، فأنّ فرط لا يعدي بنفسه، وقد عدي بفي إلى الكتاب « انتهى » ووجه الإستدلال ما مر، وهو مبني على كون المراد بالكتاب القران كما ذهب إليه أكثر المفسرين، وقيل: المراد به اللوح، ويحتمل الإستدلال بالآيتين وجهاً آخر، وهو أنّه تعالى أخبر بيان كلّ شيء في القرآن، ولا خلاف في أنّ غير الإمام لا يعرف

__________________

(١) سورة الأنعام: ٣٨.

٣٨٦

وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً »(١)

________________________________________________________

كلّ شيء من القران فلابدّ من وجود الإمام المنصوص، والأوّل أظهر.

« وأنزل في حجّة الوداع » قال: بعض العأمّة ناقلا عن عمر: أنّ هذه الآية نزلت يوم عرفة في حجّة الوداع ، في عرفات، وقال: مجاهد: نزلت يوم فتح مكّة وذهبت الإماميّة إلى أنها نزلت في غدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجّة في حجّة الوداع، بعد ما نصب عليّاًعليه‌السلام للخلافة بأمرّ الله تعالى، وقد دلت على ذلك الروايات المستفيضة من طرقنا وطرق العامة، فقد روى السيّد ابن طاوسقدس‌سره في كتاب الطرائف نقلا من مناقب ابن المغأزليّ الشافعي، وتاريخ بغداد للخطيب عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لـمّا أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال: ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فقال: له عمر: بخ بخ يا بن أبي طالب، أصبحت مولأيّ ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله عزّ وجل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » ورواه الصّدوق (ره) في مجالسه أيضاً.

وروى السيّد أيضاً في كتاب كشف اليقين نقلا من كتاب محمّد بن أبي الثلج من علماء المخالفين بإسناده عن أبي عبد الله الصادقّعليه‌السلام قال: أنزل الله عزّ وجلَّ على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراع الغميم(٢) «يا أيّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » في عليّعليه‌السلام «وَأنّ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »(٣) » فذكر قيام رسول الله بالولاية بغدير خم، قال: ونزل جبرئيلعليه‌السلام بقول الله عزّ وجل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » بعليّ أمير المؤمنين في هذا اليوم، أكمل لكم معاًشر المهاجرين والأنصار دينكم وأتمّ عليكم نعمته ورضي لكم الإسلام ديناً، فاسمعوا له وأطيعوا تفوزوا وتغنموا.

__________________

(١) سورة المائدة: ٣.

(٢) كراع الغيم: واد بين مكّة والمدينة.

(٣) سورة المائدة: ٦٧.

٣٨٧

وأمر الامأمة من تمام الدين ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بين لأمته معاًلم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ وأقام لهم عليّاًعليه‌السلام علـماً وإماماً وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الأمّة إلّا بينه فمن زعم أنّ الله عزّ وجلَّ لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فهو كافر.

به هل يعرفون قدر الامأمة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم أنّ الإمامة

________________________________________________________

وروى السّيوطي في تفسيره الدّر المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري قال: لـمّا نصب رسول الله صلى الله عليه آله عليّاً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ».

وروي أيضاً عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بأسانيدهم عن أبي هريرة قال: لـمّا كان يوم غدير خم وهو الثامن عشر من ذي الحجّة قال: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه، فأنزل الله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في كتاب بحار الأنوار.

« وأمرّ الامامة » أيّ ما يتعلّق بها من تعيين الإمام في كلّ زمان « من تمام الدين » أيّ من أجزائه الّتي لا يتم إلّا بها، فإكمال الدين بدون بيانه غير متصوّر « ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله » أيّ كما لم يفرط الله تعالى في البيان لم يفرط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في التبليغ، و « المعاًلم » جمع معلم بالفتح أيّ ما يعلم به الدين، كنصب الإمام وبيان الأحكام، والقصد: الوسط بين الطرفين وإضافته إلى السبيل وإضافة السبيل إلى الحقّ بيانيتان، وتحتملان اللامية.

« علـماً » أيّ علأمّة لطريق الحقّ « إلّا بينه » لعليّعليه‌السلام وللناس بالنصّ عليه والأمرّ بالرجوع إليه « فهو كافر » يدّل على كفر المخالفين « هل يعرفون » الاستفهام للإنكار، وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من الوجهين المذكورين، والحاصل أنّ نصب الإمام موقوف على العلم بصفاته وشرائط الإمامة، وهم جاهلون بها، فكيف يتيسّر لهم نصبه، ومن شرائطها العصمة ولا يطلع عليها إلّا الله تعالى كما استدلّ

٣٨٨

أجلُّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أنّ يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم أنّ الامأمة خص الله عزّ وجلَّ بها إبراهيم الخليلعليه‌السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً »(١) فقال: الخليلعليه‌السلام سروراً بها «وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » قال: الله تبارك وتعالى: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » فأبطلت هذه الآية إمأمّة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثمّ أكرمه الله تعالى بأنّ جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ .وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَ

________________________________________________________

عليه في الشافّي ببراهين شافية، لا يناسب الكتاب إيرادها.

« وأمنع جانباً » أيّ جانبه وطريقه الموصل إليه أبعد من أنّ يصل إليه يد أحدّ « خص الله بها إبراهيم » أيّ بالنسبة إلى الأنبياء السابقين « سرورا بها » مفعول له لقال، والإشادة: رفع الصوت بالشيء يقال: أشاده وأشاد به إذا أشاعه ورفع ذكره « فصارت في الصّفوة » مثلثّة أي أهل الطهارة والعصمة من صفا الجو إذا لم يكن فيه غيم، أو أهل الاصطفاء والاختيار الذين اختارهم الله من بين عباده لذلك لعصمتهم وفضلهم وشرفهم «نافِلَةً » النفل والنافلة: عطيّة التطوّع من حيث لا تجب، ومنه نافلة الصّلاة، والنافلة أيضاً: ولد الولد والزيادة، وهي على المعنى الأوّل حال عن كلّ واحد من إسحاق ويعقوب، وعلى الأخيرين حال عن يعقوب، أمّا على الثاني فظاهر، وأمّا على الأوّل فلانّ يعقوب زيادة على من سأله إبراهيمعليه‌السلام وهو إسحاق.

«وَكُلّاً جَعَلْنا صالِحِينَ » موصوفين بالصلاح ظاهراً وباطناً قابلين للخلافة والامأمة «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً » للخلائق «يَهْدُونَ » الناس إلى الحقّ «بِأَمْرِنا » لا بتعيين الخلق «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ » أيّ جميعها لكونه جمعاً معرّفاً باللّام «وَإِقامَ الصَّلاةِ » من قبيل عطف الخاص على العام للإشعار بفضلهما، وحذفت التاء من إقام

__________________

(١) سورة البقرة: ١٢٤.

٣٨٩

إِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ »(١) .

فلم تزل في ذرّيّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرنا حتّى ورثها الله تعالى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: جلَّ وتعالى: «أنّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ »(٢) فكانت له خاصّة فقلدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام بأمرّ الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان

________________________________________________________

للتخفيف مع قيام المضاف إليه مقامها «وَكانُوا لَنا عابِدِينَ » عطف على « أوحينا » أو حال من ضمير إليهم بتقدير قد، وتقديم الظّرف للحصر.

« قرناً فقرناً » منصوبان على الظرفية «أنّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » أيّ أخصهم به وأقربهم منه من الولي بمعنى القرب أو أحقهم بمقامه «لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » في عقائده وأقواله وأعماله ظاهراً وباطناً، ولم يخالفوه أصلاً، وهم أوصياؤه والأنبياء من ولدهعليهم‌السلام «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » حق الإيمان وهم أوصياؤهعليهم‌السلام «وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » ينصرهم لإيمانهم وإرشادهم عباد الله إلى صراطه المستقيم، وقال: أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما رواه في نهج البلاغة عنه في بعض خطبه حيث قال: وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله تعالى: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ »(٣) وقوله تعالى: «أنّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » الآية، فالإستدلال بالآية مبني على أنّ المراد بالمؤمنين فيها الأئمةعليهم‌السلام ، ويحتمل أنّ يكون المراد به أنّ تلك الامأمة انتهت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو لم يستخلف غير عليّعليه‌السلام بالاتفاق.

« فكانت » أيّ الامأمة « له خاصّة » أيّ للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه « فقلدها » بتشديد اللام « عليّاً » أيّ جعلها لازمة في عنقه لزوم القلادة « بأمرّ الله » متعلّق بقلد « على رسم ما فرض الله » الرسم السنة والطريقة، أيّ على الطريقة الّتي فرضها الله في السابقين، بأنّ ينصب كلّ إمام بعده إماماً لئلّا يخلو زمان من حجة، والظرف إمّا متعلّق بالظرف الأوّل أو بقلد « فصارت في ذريته » الضمير لعليّعليه‌السلام « بقوله » الظرف متعلّق بأتاهم، أو بصارت.

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٧٣.

(٢) سورة آل عمران: ٦٨.

(٣) سورة الأنفال: ٧٥.

٣٩٠

بقوله تعالى: «وَقال: الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ »(١) فهي في ولد عليّعليه‌السلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيَّ بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟.

________________________________________________________

«وَقال: الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمان » أقول: قبل هذه الآية قوله تعالى: «وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعة يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ » فأنّ المجرمين يقسمون يوم القيامة أنهم ما لبثوا في الدنيا أو في القبور غير ساعة لاستقلالهم مدة لبثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسيانا «كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ » أيّ مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الحق، فالمراد بالخبر أنّ الذين يحبونهم في القيامة ووصفهم الله بأنّهم أوتوا العلم والإيمان هم النبي والأئمةعليهم‌السلام .

ويحتمل أن يكون المراد أنّ مصداقه الأكمل هم: بأنّ يكون المراد بالموصول في الآية جميع الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم، كما ذكره المفسرون، قال: البيضاوي: من الملائكة والإنس.

«لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ » أيّ في علمه أو قضائه أو اللوح أو القران «إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ » فهذا يوم البعث الّذي كنتم منكرين له، وهذا الجواب وأنّ لم يتضمن تحديد مدة لبثهم، لكن فيه دلالة بحسب قرينة المقام على أنها زائدة على ما قالوه كثيرا، حتّى كأنها لا يحيط به التحديد، وربّما يوهم ظاهر الخبر أنّ المخاطب الأئمة:، والمراد لبثهم في علم الكتاب، لكن لا يساعدّه سابقه كما عرفت، وأنّ كان مثل ذلك في نظم القران كثيرا، وقال: عليّ بن إبراهيم هذه الآية مقدمة ومؤخرة وإنّما هو «وَقال: الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ » انتهى.

« إذ لا نبيّ بعد محمّد » هذا إمّا تعليل لكون الخلافة فيهم والتقريب أنّه لا نبي بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يجعل الامأمة في غيرهم بعد جعل النبي فيهم، أو لكونهم أئمة لا أنبياء، أو لامتداد ذلك إلى يوم القيامة والتقريب ظاهر.

__________________

(١) سورة الروم: ٥٦.

٣٩١

إنَّ الامأمة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء أنّ الامأمة خلافة الله وخلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وميراث الحسن والحسينعليه‌السلام أنّ الامأمة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين أنّ الامأمة أس الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف الإمام يحلُّ حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبُّ عن دين

________________________________________________________

« أنّ الامأمة هي منزلة الأنبياء » أيّ مرتبة لهم ولمن هو مثلهم أو كانت لهم فيجب أنّ ينتقل إلى من يشابههم، وقيل: المعنى أنها منزلة بمنزلة نبوة الأنبياء، فكما لا تثبت النبوّة لأحد باختيار الخلق كذلك لا تثبت الامأمة باختيارهم « وإرث الأوصياء » أيّ ميراث انتقل من الأنبياء إليهم، ومن بعضهم إلى بعض، والإرث أصله الواو، وهو في الأصل مصدر، وكثيراً ما يطلق على الشيء الموروث كما هنا « أنّ الامأمة خلافة الله » إلخ خليفة الرّجلَّ من يقوم مقامه، فلا بد أنّ يكون عالماً بما أراد المستخلف، عاملا بجميع أوامره مناسبا له في الجملة « زمام الدين » الزمام: الحيط الّذي يشد في طرفه المقود وقد يسمّى المقود زماما، وفي الكلام استعارة مكنية وتخييلية « أس الإسلام » الأس والأساس أصل البناء « والنامي » صفة المضاف أو المضاف إليه والأوّل أظهر، ونمو الأصل يستلزم نمو الفرع، وقد يقال: هو من نميت الحديث أنميه مخففا إذا أبلغته على وجه الاصلاح وطلب الخير وهو بعيد، « والسامي » العالي المرتفع، وفرع كلّ شيء أعلاه.

« بالإمام تمام الصلاة » إلخ، إذ هو الآمرّ بجميعها ومعلم أحكامها، والباعث لإيقاعها على وجه الكمال، وشرط تحقق بعضها، والعلم بإمامته شرط صحة جميعها، والفيء: الغنيمة لأنها كانت في الأصل للمسلمين، لأنّ [ الله ] خلقها لهم وغصبها الكفار، ففائت ورجعت إليهم، وتوفيره قسمته على قانون الشرع والعدل، والثغور: الحدود الفاصلة بين بلاد المسلمين والكفّار « والأطراف » أعم منه « يحل حلال الله »

٣٩٢

الله ويدعو إلى سبيل ربّه بِالْحِكْمَةِ ، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ والحجّة البالغة الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.

الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار الإمام الماء العذب على الظمإ

________________________________________________________

أيّ يبّين حليّته وكذا التحريم، والذّب: المنع والدّفع، وحذف المفعول للتعميم « ويدعو إلى سبيل ربه » إشارة إلى قوله تعالى: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ » ففسّرعليه‌السلام المجادلة بالّتي هي أحسن بالبراهين القاطعة، كما فسّر الحسن بن عليّ العسكريعليه‌السلام الجدال بالّتي هي أحسن بالبرهأنّ القاطع وبغير الّتي هي أحسن بالجدل وإلزام الخصم بالباطل، فالمراد بالحكمة والموعظة الحسنة الأمثال والمواعظ والخطابيّات النافعة كما ذكره الله تعالى عند بيان حكمة لقمانعليه‌السلام أمثال ذلك، وفسّر الأكثر الحكمة بالبرهان والموعظة بالخطابيّات والمجادلة بالجدليّات.

وقال: الجوهري: جلّل الشيء تجليلا أيّ عم، والمجلّل: السّحاب الّذي يجلّل الأرض بالمطر، أيّ يعمّ وهي في الأفق هو ما ظهر من نواحيٌّ السماء، شبه الإمام في عموم نفعه واهتداء عأمّة الخلق به، وعدم وصول أيدي العقول والأفهام إلى كنه قدره ومنزلته بالشمس المجللة بنورها العالم، وهي في الارتفاع بحيث لا تنالها الأيدي، وتكلّ الأبصار عن رؤيتها، فالظاهر أنّه استعارة تمثيليّة، والزاهر المضيء ويقال: سطع الغبار والرائحة والصبح يسطع سطوعاً إذا ارتفع، « والغيهب »: الظلمة وشدة السواد، « والدجّى » بضم الدال: الظلمة والإضافة بيانيّة للمبالغة، واستعبر لظلمات الفتن والشكوك والشبه « والأجواز » جمع الجوز وهو من كلّ شيء: وسطه، « والقفار » جمع القفر وهي مفازة لا نبات فيها ولا ماء، والمراد هنا الخالية عن الهداية، أو المراد بأجوازها ما بينها، وفي الاحتجاج: البيد القفار، وهو أظهر، وفي بعض نسخ

٣٩٣

والدالُّ على الهدى ، والمنجي من الردّى ، الإمام النار على اليفاع الحارُّ لمن اصطلى به والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك ، الإمام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة.

الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والاُمُّ البرّة بالولد الصغير ، ومفزع العباد في الداهية النآد.

________________________________________________________

الكتاب « والقفار(١) » وهو أيضاً حسن، ولجّة الماء بالضّم: معظمه « والظمأ » بالتحريك شدّة العطش، وربّما يقرأ بالكسر والمدّ جمع ظامئ وهو بعيد، والردى: الهلاك « واليفاع » ما ارتفع من الأرض، « والاصطلاء » افتعال من الصّلي بالنار وهو التّسخن بها « والهطل » بالفتح والتحريك: تتابع المطر وسيلانه.

والسماء تذكّر وتؤنّث، وهي كلّ ما علاك فأظّلك، ومنه قيل: لسقف البيت: سماء، ووصفها بالظّليلة للإشعار بوجه التشبيه، وكذا البسيطة، أو المراد بها المستوية، فإنّ الانتفاع بها أكثر، « والغزيرة » الكثيرة، يقال: غزرت الناقة أيّ كثر لبنها، شبههعليه‌السلام في وفور علمه الّذي هو حياة للأرواح بالعين في نبوع الماء الّذي هو حياة للأبدان منها، « والروضة » الأرض الخضرة بحسن النبات « والرفيق » مأخوذ من الرفق وهو ضدّ العنف والخرق، و « الشفيق » من الشفقة، ووصف الأخ بالشفيق لبيان أنّ المشبه به الأخ النسبي قال: الجوهري: هذا شفيق هذا إذا انشق الشيء بنصفين، فكلّ واحدة منها شفيق الآخر، ومنه قيل: فلان شفيق فلان، أيّ أخوه.

« في الداهية النئاد » هو بفتح النّون والهمزة والألف والدّال المهملة، مصدر: ناده الداهية كمنعه إذا فدحته وبلغت منه كلّ مبلغ، فوصفت الداهية به للمبالغة، قال: الفيروزآبادي: نادت الداهية فلاناً: دهمته، والنآد: كسحاب والنآدي: كحبالى:

__________________

(١) أي بواو العطف كما هو في المتن كذلك ومنه يظهر أن نسخة الشارح (ره) « البلدان القفار » بلاواو.

٣٩٤

الإمام أمين الله في خلقه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله.

الإمام المطهّر من الذنوب والمبرَّ أعن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين.

الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحدٌ ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدلٌ ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضّل الوهّاب.

فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ، ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت

________________________________________________________

الداهية، وقال: الجوهري: النآد والنآدي: الداهية، قال: الكميت:

وإيّاكم وداهية نآدى

أظلّتكم بعارضها المخيل « انتهى »

« أمين الله » أيّ على دينه وعلمه وغيرهما « والذاب عن حرم الله » الحرم بضم الحاء وفتح الراء جمع الحرمة وهي ما لا يحلّ انتهاكه وتجب رعايته، أيّ يدفع الضرر والفساد عن حرمات الله، وهي ما عظّمها وأمرّ بتعظيمها، من بيته وكتابه وخلفائه وفرائضه ونواهيه وأو أمره، و « البوار » الهلاك، والحمل على المبالغة كالفقر السّابقة.

« ولا يوجد منه بدل » أي في زمانه « هيهات » أيّ بعد البلوغ إلى معرفة الإمام « هيهات » أيّ بعد إمكان اختياره غاية البعد، « والحلوم » كالألباب: العقول، و « ضلّت » و « تاهت » و « حارت » متقاربة المعاًني، وخسأ بصره كمنع خسأ وخسوءا أيّ كل، ومنه قوله تعالى: «يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً »(١) .

ويقال: تصاغرت إليه نفسه أيّ صغرت، والتقاصر مبالغة في القصر أو هو إظهاره كالتطاول، و « حصر » كعلم: عيّ في المنطق، و « الأدباء » جمع أديب وهو المتأدّب

__________________

(١) سورة الملك: ٤.

٣٩٥

الشعراء ، وعجزت الاُدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكلّه ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شيء من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ، لا كيف وأنّى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا؟!.

أتظنّون أنَّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كذبتهم والله أنفسهم ، ومنّتهم الأباطيل فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً ، تزلُّ عنه إلى الحضيض أقدامهم ، راموا

________________________________________________________

بالآداب الحسنة، وقد شاع إطلاقه على العارف بالقوانين العربيّة ويقال: ما يغني عنك هذا أيّ ما ينفعك ويجديك، و « الغناء » بالفتح: النفع « لا » تصريح بالإنكار المفهوم من الاستفهام، حذفت الجملة لدلالة ما قبلها على المراد أيّ لا يوصف بكلّه إلى آخر الجمل.

« كيف » تكرار للاستفهام الإنكاري الأوّل تأكيداً « وأنّى » مبالغة أخرى بالاستفهام الإنكاري عن مكان الوصف وما بعده « وهو بحيث النجم » الواو للحال والضّمير للإمامعليه‌السلام والباء بمعنى في، وحيث ظرف مكان، والنجم مطلق الكواكب، وقد يخص بالثريا، وهو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، أيّ مرئي، لأنّ حيث لا يضاف إلّا إلى الجمل « من يد المتناولين » الظرف متعلّق بحيث، وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.

« كذبتهم » بالتخفيف أيّ قالت لهم كذباً، أو بالتشديد أيّ إذا رجعوا إلى أنفسهم شهدت بكذب مقالهم « ومنتهم الأباطيل » أيّ أوقعت في أنفسهم الأماني الباطلة، أو أضعفتهم قال: الجوهري: الأمنيّة واحدة الأماني تقول منه: تمنيّت الشيء ومنّيت تمنية، وفلان يتمنّى الأحاديث أيّ يفتعلها وهو مقلوب من المين وهو الكذب، وقال: منه السير أضعفه وأعياه، ويقال: مكان دحض ودحض بالتحريك أيّ زلق، وفي القاموس رجلَّ جائر بائر أيّ لم يتّجه لشيء، ولا يأتمرّ رشداً ولا يطيع مرشداً « انتهى ».

٣٩٦

إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلّا بعدا «قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ » ولقد راموا صعباً وقالوا إفكاً ، و «ضَلُّوا ضَلإلّا بَعِيداً » ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ».

رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته إلى اختيارهم والقران يناديهم «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كان لَهُمُ الْخِيَرَةُ سبحان اللهِ وَتَعالى عَمَّا

________________________________________________________

« فلم يزدادوا منه » أي من الإمام الحقّ « إلّا بعداً » وفي بعض النسخ بعد ذلك: وقال: الصّفواني في حديثه: «قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ » ثمّ اجتمعاً في الرواية.

أقول: رواة نسخ الكليني كثيرة أشهرهم الصّفواني والنعماني فبعض الرواة المتأخرة منهم عارضوا النّسخ وأشاروا إلى الاختلاف، فالأصل برواية النعماني ولم يكن فيه: «قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ » وكان في رواية الصفواني فأشار هنا إلى الاختلاف «قاتَلَهُمُ اللهُ » دعاء عليهم بالهلاك والبعد عن رحمة الله، لأنّ من قاتله الله فهو هالك بعيد عن رحمة الله أو تعجب عن شناعة عقائدهم وأعمالهم «أَنَّى يُؤْفَكُونَ » قال: الراغب: أيّ يصرفون عن الحقّ في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصدقّ في المقال: إلى الكذب، ومن الحسن في الفعل إلى القبيح، والإفك الكذب، وكلّ مصروف عن وجهه.

«وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمالَهُمْ » في طلب الإمام باختيارهم «فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ » وهو الإمام ومعرفته «وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ » أيّ عالمين بذلك السبيل، أو قادرين على العلم فقصروا.

«وَيَخْتارُ » أيّ ما يشاء «ما كان لَهُمُ الْخِيَرَةُ » كلمة « ما » نافية، وقيل: موصولة، مفعول ليختار، والعائد محذوف، والمعنىّ يختار الذين كان لهم فيه الخيرة والخيرة بمعنى التخيير «سبحان اللهِ » تنزيها له أنّ ينازعه أحدّ في الخلق ويزاحم اختياره «وَتَعالى عمّا يُشْرِكُونَ » أيّ عن إشراكهم في الخلق والاختيار.

قال: السيد في الطرائف: روى محمّد بن مؤمن الشيرازي في تفسير قوله تعالى: «و

٣٩٧

يُشْرِكُونَ »(١) وقال: عزّ وجلَّ «وَما كان لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أمراً أنّ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ » الآية(٢) وقال: «ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إنّ لَكُمْ فِيهِ لـمّا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ إيمان عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ القيامة أنّ لَكُمْ لـمّا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ أنّ كانُوا

________________________________________________________

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ » قال: إنّ الله تعالى خلق آدم من طين حيث شاء، ثمّ قال: «وَيَخْتارُ » أنّ الله تعالى اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا، وجعلني الرسول وجعل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الوصيّ، ثمّ قال: «ما كان لَهُمُ الْخِيَرَةُ » يعنّي ما جعلت للعباد أنّ يختاروا ولكني اختار من أشاء، فأنا وأهل بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه، ثمّ قال: «سبحان اللهِ ( وَتَعالى ) عمّا يُشْرِكُونَ » يعنّي تنزيه الله عمّا يشرك به كفار مكّة، ثمّ قال: «وَرَبُّكَ » يا محمّد «يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ » من بغض المنافقين لك ولأهل بيتك «وَما يُعْلِنُونَ » من الحب لك ولأهل بيتك.

وأقول: ليس قوله: « من أمرهم » في القران ولا في العيون ومعاًني الأخبار وغيرهما من كتب الحديث، ولعلّه زيد من النّساخ، وعلى تقديره يمكن أنّ يكون في قراءتهمعليهم‌السلام كذلك، أو زادهعليه‌السلام تفسيراً.

«أَمْ لَكُمْ كِتابٌ » أيّ من السماء «فِيهِ تَدْرُسُونَ » أيّ تقرءون «أنّ لَكُمْ فِيهِ لـمّا تَخَيَّرُونَ » أيّ أنّ لكم ما تختارونه وتشتهونه، قيل: أصله أنّ لكم بالفتح لأنّه المدروس، فلـمّا جئت باللام كسرت، ويجوز أنّ يكون حكاية للمدروس أو استينافا، وتخير الشيء واختياره: أخذ خيره.

«أَمْ لَكُمْ إيمان عَلَيْنا » أيّ عهود مؤكدة بالإيمان «بالِغَةٌ » متناهية في التأكيد «إِلى يَوْمِ القيامة » متعلّق بالمقدر في لكم أيّ ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها حتّى نحكمكم في ذلك اليوم، أو مبالغة أيّ إيمان علينا تبلغ ذلك اليوم «أنّ لَكُمْ لـمّا تَحْكُمُونَ » جواب القسم لأنّ معنى «أَمْ لَكُمْ إيمان عَلَيْنا » أم أقسمنا لكم.

«سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ » أيّ بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه م «أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ »

__________________

(١) سورة القصص: ٦٨.

(٢) سورة الأحزاب: ٣٦.

٣٩٨

صادِقِينَ »(١) وقال: عزّ وجل: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القران أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها » أم «طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ »(٢) أم «قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * أنّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندّ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ

________________________________________________________

يشاركونهم في هذا القول «فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ أنّ كانُوا صادِقِينَ » في دعواهم إذ لا أقلّ من التقليد، قال: البيضاوي: قد نبّه سبحانه في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أنّ يتشبثوا به من عقل أو نقل أو وعد أو محض تقليد على الترتيب تنبيهاً على مراتب النظر وتزييفا لـمّا لا سند له «أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها » المانعة من دخول الحقّ فيها.

قيل: تنكير القلوب لأنّ المراد قلوب بعض منهم، وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصّة بها، لا تجانس الأقفال المعهودة.

أم «طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » هذا من كلامهعليه‌السلام اقتبسه من الآيات وليس في القران بهذا اللفظ، و « أم » منقطعة في مقابلة قوله: « والقران يناديهم » أيّ ختم الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ما في متابعة القران وموافقة الرسول من السّعادة، وما في مخالفتهما والقول بالرأيّ من الشقاوة.

«أم قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ » هذا أيضاً اقتباس، وفي القران «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ » أيّ سماع انقياد وإذعأنّ فكأنهم لا يسمعون أصلاً وبعد ذلك في القرآن: «أنّ شَرَّ الدَّوَابِ » أيّ شر البهائم «عِندّ اللهِ » «الصُّمُ » عن الحقّ «الْبُكْمُ » عنه «الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ » الحقّ فقد عد من لم يعمل بالآيات ولم يتفكر فيها شر البهائم، لإبطالهم عقولهم الّتي بها يتميزون عنها، ومن جملة تلك الآيات ما دل على المنع من القول في الدين بالرأيّ والاختيار وبعد تلك الآيات قوله: «وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً » قال: البيضاوي: سعادة كتبت لهم أو انتفاعاً بالآيات «لَأَسْمَعَهُمْ » سماع تفهيم «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ » وقد علم أنّ لا خير فيهم «لَتَوَلَّوْا » ولم ينتفعوا به أو ارتدّوا بعد التصديق والقبول «وَهُمْ

__________________

(١) سورة القلم: ٤٢ - ٣٧.

(٢) سورة محمد ( ص ): ٢٣.

٣٩٩

مُعْرِضُونَ »(١)

________________________________________________________

مُعْرِضُونَ » لعنادهم انتهى.

ويمكن أن يكون غرضهعليه‌السلام تأويل الآيات بالامأمة بأنّ يكون المراد بقوله: «أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ » في إمأمّة عليّعليه‌السلام ثمّ قال: «لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ » إمأمّة عليّعليه‌السلام وبطلان أئمّة الضلال بأصرح ممّا في القران «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ » كذلك وهم على هذه الشقاوة «لَتَوَلَّوْا » صريحاً وارتدوا عن الدين ظاهرا، ولم تكن المصلحة في ذلك، فلذا لم يسمعهم كذلك، وبالجملة لا بد أنّ يكون المراد بالإسماع إسماعاً زائداً على ما لا بد منه في إتمام الحجّة إمّا بزيادة التصريح، أو بالألطاف الخاصّة الّتي لا يستحقها المعاًندون.

وأورد ههنا إشكال مشهور وهو أنّ أمير المؤمنين المذكورتين في الآية بصورة قياس اقتراني ينتج: لو علم الله فيهم خيراً لتولّوا وهذا محال، لأنّه على تقدير أنّ يعلم الله فيهم خيرا لا يحصل منهم التولي بل الانقياد، وقد ظهر من كلام البيضاوي لذلك جواب. والجواب الحقّ أنّه ليس المقصود في الآية ترتب قياس اقتراني حتّى يلزم أنّ يكون منتجا مشتملاً على شرائط الإنتاج، وليس مشتملاً عليها لعدم كلية الكبرى، إذ قوله تعالى: «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا » ليس المراد أنّه على أيّ تقدير أسمعهم لتولوا، بل على هذا التقدير الّذي لا يعلم الله فيهم الخير لو أسمعهم لتولوا ولذا لم يسمعهم إسماعاً موجباً لانقيادهم، والجملة الثانية مؤكدة للأولى، أيّ عدم إسماعهم في تلك الحالة، لأنّه لو أسمعهم لتولوا، ويحتمل أنّ يكون في قوّة استثناء نقيض التالي فيكون قياساً إستثنائيّاً.

وينسب إلى المحقّق الطّوسيرحمه‌الله أنّه أجاب عن هذا الإشكال بأنّ المقدّمتين مهملتان وكبرى الشكل الأوّل يجب أنّ تكون كليّة، ولو سلم فإنما ينتجان لو كانت الكبرى لزومية وهو ممنوع، ولو سلم فاستحالة النتيجة ممنوعة، لأنّ علم الله تعالى فيهم خيراً محال، إذ لا خير فيهم، والمحال جاز أنّ يستلزم المحال.

__________________

(١) سورة الأنفال: ١.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462