مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول8%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66780 / تحميل: 5303
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

________________________________________________________

وقال: بعض الأفاضل هذا الجواب وأصل السؤال كلاهما باطل لأنّ لفظ « لو » لم يستعمل في فصيح الكلام في القياس الاقتراني، وإنّما يستعمل في القياس الاستثنائي، المستثنى منه نقيض التالي(١) لأنّه معتبر في مفهوم « لو » فلو صرح به كان تكرارا، وكيف يصحّ أنّ يعتقد في كلام الحكيم تعالى وتقدّس أنّه قياس أهملت فيه شرائط الإنتاج، فأيّ فائدة تكون في ذلك، وهل يركب القياس إلّا لحصول النتيجة؟ بل الحقّ أنّ قوله تعالى: «وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ » وارد على قاعدة اللغة، وهي أنّ امتناع الشرط(٢) يعنّي أنّ سبب عدم الإسماع في الخارج عدم العلم بالخير فيهم من غير ملاحظة أنّ علّة العلم بانتفاء الجزاء ما هي، ثمّ ابتدأ قوله: «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا » كلاماً آخر على طريقة قولهعليه‌السلام : « نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه » يعنّي أنّ التولي لازم على تقدير الإسماع، فكيف على تقدير عدمه، فهو دائم الوجود، وهذه الطريقة غير طريقة أرباب الميزان الذين يستعملون لفظ « لو » في القياس الاستثنائي، وغير طريقة أهل اللغة الذين يستعملونه لامتناع الجزاء لأجلَّ امتناع الشرط، وبناء هذه الطريقة على أنّ لفظ « لو » يستعمل للدلالة على أنّ الجزاء لازم الوجود في جميع الأزمنة مع وجود الشرط وعدمه، وذلك إذا كان الشرط ممّا يستبعد استلزامه لذلك الجزاء، ويكون نقيض ذلك الشرط أنسب وأليق باستلزامه ذلك الجزاء، فيلزم استمرار وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه فيكون دائم الوجود في قصد المتكلم.

وقال: التفتازاني: يجوز أن تكون الشرطية الثانية أيضاً مستعملة على قاعدة

__________________

(١) كذا في النسخ وفي شرح مولى محمّد صالح هكذا: « المستثنى منه نقيض التالي لأنّها لامتناع غيره ولهذا لا يصرح باستثاء نقيض التالي لأنّه مهتبر » ومنه يظهر وقوع السقط في نسخ الكتاب.

(٢) وفي الشرح المذكور هكذا « وهي أنّ « لو » لامتناع الجزاء لاجل امتناع الشرط ».

٤٠١

أم «قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا » بل هو «فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ».

فكيف لهم باختيار الإمام والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكلّ معدن

________________________________________________________

اللغة كما هو مقتضى أصل « لو » فتفيد أنّ التولي منتف بسبب انتفاء الإسماع، لأنّ التولي هو الإعراض عن الشيء وعدم الانقياد له، فعلى تقدير عدم إسماعهم ذلك الشيء لم يتحقّق منهم التولي والإعراض عنه، ولم يلزم من هذا تحقق الانقياد له.

فان قيل: انتفاء التولي خير وقد ذكر أنّ لا خير فيهم؟

قلنا: لا نسلم أنّ انتفاء التولي بسبب انتفاء الإسماع خير، وإنّما يكون خيرا لو كانوا من أهله بأنّ سمعوا شيئاً ثمّ انقادوا له ولم يعرضوا، انتهى.

أقول: ويحتمل على ما أشرنا إليه من حمل قوله: «لَأَسْمَعَهُمْ » على الهدايات والألطاف الخاصّة، أنّ يحمل قوله سبحانه «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ » على غير ذلك من أصل الاستماع الّذي هو شرط التكليف، فلا يتكرر الوسط فلا يلزم الإنتاج.

وهذا قريب من أحدّ الوجوه الّتي ذكرها ابن هشام في المغني، حيث أجاب عن ذلك بثلاثة وجوه: « الأوّل »: أنّ التقدير لأسمعهم إسماعا نافعاً، ولو أسمعهم إسماعا غير نافع لتولوا فاختلف الوسط « والثاني »: ما ذكره البيضاوي « والثالث »: لو علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك، وأشار البيضاوي إليه أيضاً، وفي الأخيرين ما ترى، وسيأتي في باب: أنّه لا يجمع القران كله إلّا الأئمةعليهم‌السلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: أنّ من علم ما أوتينا تفسير القران وأحكامه، وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد الله بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع من لم يسمع لولي معرضاً كان لم يسمع « الخبر » وفيه تأييد لـمّا ذكرنا أوّلاً فتفطن.

«أم قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا » أم منقطعة على نحو ما سبق، مقتبساً ممّا ذكره الله في قصة بني إسرائيل أيّ بل قالوا سمعنا كلام الله ورسوله في تعيين الإمام وعصيناهما.

« بل هو فضل الله » أيّ الإماتة أو السماع ومعرفة الإمام.

« عالم لا يجهل » أيّ شيئاً من الأشياء الّتي تحتاج الأمّة إليها « وراع » أي حافظ

٤٠٢

القدّس والطهارة والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش

________________________________________________________

للأمّة، وفي بعض النسخ بالدّال « لا ينكلّ » من باب ضرب ونصر وعلم أيّ لا يضعف ولا يجبن « معدن » بفتح الدّال وكسرها « القدس » بالضمّ وبضمّتين وهو البراءة من العيوب « والطهارة » وهي البراءة من الذنوب.

« والنسك » أي العبادة والطاعة أو أعمال الحج، قال: في النهاية: النسيكة: الذبيحة وجمعها نسك، والنسك أيضاً الطاعة والعبادة، وكلّ ما يتقرّب به إلى الله تعالى، والنسك ما أمرت به الشريعة والورع ما نهت عنه، والناسك: العابد، وسئل تغلب عن الناسك؟ فقال: هو مأخوذ من النسيكة وهي سبيكة الفضة المصفّاة، كأنّه صفّى نفسه لله تعالى، وفي القاموس: النسك مثلّثة، وبضمّتين: العبادة، وكلّ حقّ لله عز وجلّ، ونسك الثوب أو غيره غسله بالماء فطهّره.

« والزهادة » عدم الرغبة في الدنيا « مخصوص بدعوة الرسول » أيّ بدعوة الخلق نيابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال: تعالى: «أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعنّي »(١) وقال: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(٢) لا يبلغه إلّا أنا أو رجل منّي، أو بدعاء الرسول إيّاه قبل سائر الخلق أو للإمأمّة أو بدعاء الرسول له كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الّلهم وال من والاه، وقوله: اللّهم أذهب عنهم الرجس، وقوله: اللهم ارزقهم فهمي وعلمي وغيرهما.

وقال: البغوي: البتل: القطع، ومنه سمّيت فاطمة البتول لانقطاعها عن النساء فضلاً وديناً وحسباً و « لا مغمز فيه في نسب » المغمز مصدر أو اسم مكان من الغمز بمعنى الطعن، وهذا من شرائط الإمام عند الإماميّة.

« في البيت من قريش » أي في أشرف بيت من بيوت قريش، أو في بيت عظيم هو قريش، بأنّ تكون كلمة « من » بيانيّة وعلى التقديرين يدلّ على أنّ الإمام لا بدّ أن يكون قرشيّاً.

__________________

(١) سورة يوسف: ١٠٨.

(٢) أيّ في قصة تبليغ سورة البراءة.

٤٠٣

والذروة من هاشم ، والعترة من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرّضا من الله عزَّ وجلّ ، شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلعٌ بالإمامة ،

________________________________________________________

وفي أخبار العامة أيضاً دلالة عليه، فقد روى مسلم في صحيحه عشرة أحاديث تدلّ على ذلك، منها ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يزال هذا الأمرّ في قريش ما بقي من الناس اثنان.

ومنها ما روي عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول: أنّ هذه الأمّة لا تنقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، ثمّ تكلّم بكلام خفي علي، قال: قلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش.

وعن ابن سمرة أيضاً بإسناد آخر أنّه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا - يزال الدين قائماً حتّى تقوم السّاعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.

قال: الآمدي: الشروط المختلفة فيها في الامأمة ستة منها القرشية وهو المشهور عندنا بل مجمع عليه.

« والذروة من هاشم » يحتمل الوجهين السابقين، وذروة كلّ شيء بالضم والكسر: أعلاه، قيل: المرادأن يكون من فاطمة المخزوميّة أمّ عبد الله وأبي طالب والزبير، قال: حسان في ذمّ ابن عباس.

وإنّ سنام المجد من آل هاشم

بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

وقال: الجوهري: عترة الرجل أخصّ أقاربه، وعترة النبي بنو عبد المطلب، وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعلىّ وأولاده وقيل: عترته الأقربون والأبعدون عنهم، انتهى.

« والرّضا من الله » أي المرضيّ من عنده « شرف الأشراف » أي أشرف من كلّ شريف نسبا وحسبا، وفرع كلّ شيء: أعلاه « نامي العلم » أيّ علمه دائماً في الزيادة لأنّه محدّث « كامل الحلم » أي العقل والأناءة والتثبّت في الأمور لا يستخفّه شيء من المكاره ولا يستفزّه الغضب « مضطلع بالامأمة » أي قويّ عليها من الضلاعة وهي

٤٠٤

عالمٌ بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمرّ الله عزّ وجلَّ ناصح لعباد الله حافظ لدين الله.

أنّ الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أنّ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلّا أنّ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »(١) وقوله تبارك وتعالى: «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كثيراً »(٢) وقوله في طالوت:

________________________________________________________

القوّة يقال: اضطلع بحمله أيّ قوي عليه ونهض به « عالم بالسياسة » أيّ بما يصلح الأمّة من قولهم سست الرعية أيّ أدبتهم وأصلحتهم « قائم بأمرّ الله » لا بتعيين الأمّة أو بإجراء أمرّ الله تعالى على خلقه « وحكمه » معطوف على المضاف أو المضاف إليه، تأكيداً أو تخصيصاً بعد التعميم، أو المراد بالحكم الشرائع وبالعلم غيرها.

« في قوله تعالى » متعلّق بمقدر أيّ ذلك مذكور في قوله تعالى، ويحتمل أنّ تكون كلمة « في » تعليلية «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحقّ » الآية صريحة في أنّ المتبوع يجب أنّ يكون أعلم من التابع، وأنّه لا بد أنّ يكون الإمام غير محتاج إلى الرعية في علمه، ولا ريب أنّ غير أمير المؤمنينعليه‌السلام من الصحابة لم يكونوا كذلك و «أَمَّنْ لا يَهِدِّي » بتشديد الدّال وقرأ بفتح الهاء وكسرها، والأصل يهتدي فأدغمت وفتحت الهاء أو كسرت لالتقاء الساكنين «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ » يدّل على فضل العلم والحكمة، وتفضيل المفضول قبيح عقلا، وقد فسرت الحكمة في الأخبار بمعرفة الإمام « وقوله تعالى في طالوت » هو اسم أعجمي عبري وقيل: أصله طولوت من الطول، والمشهور أنّه لـمّا سأل الله إشموئيلعليه‌السلام لقومه أنّ يبعث لهم ملكا أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم، فلم يساوها إلّا طالوت فقال: هو الملك عليكم، فقال: قومه: «أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا » ويستأهل الإمارة «وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ » لشرافة النسب وكثرة الأموال، لأنّه كان من أولاد بنيامين ولم يكن فيهم النبوة والملك، وكانوا من أولاد لاوي بن يعقوب وكانت النبوة فيهم، ومن أولاد يهودا وكان الملك فيهم «وَلَمْ

__________________

(١) سورة يونس: ٣٥.

(٢) سورة البقرة: ٢٦٩.

٤٠٥

«إنّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ

________________________________________________________

يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ » الّذي عليه مدار الملك والسلطنة، إذ كان فقيرا راعيا أو سقاء يسقي على حمار له من النيل، أو دباغا يعمل الأديم على اختلاف الأقوال فيه فقال: لهم نبيهم «أنّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ » فدلّت الآية على أنّ الاصطفاء وإيتاء الملك الحقّ إنّما يكون من الله وبتعيينه، وأنّ مناط الاصطفاء شيئاًن: العلم والجسم، ومعلوم أنّ الجسم غير مقصود في نفسه بل لكونه ملزوماً للشجاعة والمهابة عند العدوّ، فدلّت على أنّ الإمام لا بد أنّ يكون أعلم وأشجع من جميع الأمة، ولا ريب في أنّ كلاً من أئمّتناعليهم‌السلام كانوا أعلم وأشجع ممّن كان في زمانهم من المدّعين للخلافة.

قال: البيضاوي: لـمّا استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه ردّ عليهم ذلك « أوّلاً » بأنّ العمدة فيه اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم « وثانياً » بأنّ الشرط فيه وفور العلم ليتمكّن به من معرفة الأمور السياسية وجسامة البدن ليكون أعظم خطراً في القلوب وأقوى على مقاومة العدو ومكائدة الحروب وقد زاده فيهما « وثالثاً » بأنّه تعالى مالك الملك على الإطلاق فله أنّ يؤتيه من يشاء « ورابعاً » بأنّه واسع الفضل يوسّع على الفقير ويغنيه، عليم بمن يليق بالملك، انتهى.

وأقول: إذا تأمّلت في كلامه ظهر لك وجوه من الحجّة عليه كما أومأنا إليه «أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ » في سورة النساء هكذا: «وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ » فالتغيير إمّا من النساخ أو منهعليه‌السلام نقلاً بالمعنى، أو لكونه في قراءتهمعليهم‌السلام هكذا، ولعلّ الغرض من إيراد هذه الآية أنّ الله تعالى امتن على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإنزال الكتاب والحكمة وإيتاء نهاية العلم وعد ذلك فضلا عظيماً، وأثبت ذلك الفضل لجماعة من تلك الأمّة بأنهم المحسودون على ما آتاهم الله من فضله، ثمّ بيّن أنّهم من آل إبراهيمعليه‌السلام .

والفضل: العلم والحكمة والخلافة، مع أنّه يظهر من الآيتين، أنّ الفضل

٤٠٦

اللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ »(١) وقال: لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنزل «عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تعلّم وَكان فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عظيماً »(٢) وقال: في الأئمّة من أهل بيت نبيّه وعترته وذرّيّته صلوات الله عليهم «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً »(٣) .

وإنَّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلَّ لأمور عباده ، شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصومٌ مؤيّد ، موفّق مسدَّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه و «ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ».

________________________________________________________

والشرف بالعلم والحكمة، ولا ريب في أنّهمعليهم‌السلام كانوا أعلم ممّن إدّعى الخلافة في زمانهم.

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » أم منقطعة، وعلى تأويلهعليه‌السلام : الناس: الأئمّةعليهم‌السلام «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » هو الامأمة ووجوب الطاعة، فكيف لا تؤتى آل محمّد؟ أو هم داخلون في آل إبراهيم وأشرفهم «فَمِنْهُمْ » أيّ من الأمّة «مَنْ آمَنَ بِهِ » أيّ بالملك أو بالإيتاء و « الصّدود » الإعراض والمنع «وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً » أي ناراً مسعرة يعذّبون بها أنّ لم يعذّبوا في الدّنيا.

« شرح صدره » أي وسّعه وفتحه لذلك أيّ لأمور عباده « فلم يعي » بفتح اليائين وسكون المهملة، أيّ لم يعجزه « بعده » أيّ بعد الاختيار أو بعد الإلهام أو بعد كلّ واحد من الشّرح والإيداع والإلهام « ولا يحير » مضارع حار من الحيرة، وفي بعض النسخ: ولا تحير، مصدر باب التفعل « فيه » أيّ في الجواب « مؤيد » من الأيد بمعنى القوّة أيّ بالملائكة أو الأعم « مسدّد » بروح القدس كما سيأتي.

__________________

(١) سورة البقرة: ٢٤٧.

(٢) راجع سورة النساء: ١١٣.

(٣) سورة النساء: ٥٣.

٤٠٧

فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّمونه تعدوا وبيت الله الحقّ ونبذوا «كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال: جلَّ وتعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ ممّن اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ أنّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ »(١) وقال: «فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ »(٢) وقال: «كَبُرَ مَقْتاً عِندّ اللهِ وَعِندّ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كلّ قَلْبِ مُتكبّر جَبَّارٍ »(٣) وصلى الله على النبي محمّد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

________________________________________________________

« وبيت الله » يدّل على جواز الحلف بحرمات الله، فما ورد من المنع عن الحلف بغير الله إمّا مخصوص بغير هذه أو بالدعاوي «كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » الحقّ والكتاب أو ليسوا من ذوي العلم بل هم من البهائم «بِغَيْرِ هُدىً » قال: البيضاوي: في موضع الحال للتوكيد أو التقييد، فانّ هوي النفس قد يوافق الحق، انتهى.

«إنّ اللهَ لا يَهْدِي » بالهدايات الخاصّة أو إلى الجنّة في الآخرة «الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » الّذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى «فَتَعْساً لَهُمْ » أيّ ألزمهم الله هلاكاً أو أتعسهم تعساً، والتعس بالفتح وبالتحريك: الهلاك، والعثار: السقوط، والشر والبعد والانحطاط «وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ » أيّ أبطلها فلم يجدوا لها أثرا عندّ ما يجد العاملون أثر أعمالهم.

«كَبُرَ مَقْتاً » قبل ذلك في سورة المؤمن: «كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سلطان أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً » وقال: البيضاوي: فيه ضمير « من » وإفراده للفّظ، ويجوز أنّ يكون الذين مبتدأ وخبره كبر على حذف مضاف، أيّ وجدال الذين يجادلون كبر مقتاً، أو بغير سلطان وفاعل كبر كذلك أيّ كبر مقتا مثل ذلك الجدال، فيكون قوله: «يَطْبَعُ اللهُ » إلخ استينافاً للدّلالة على الموجب لخذلانهم.

__________________

(١) سورة القصص: ٥٠.

(٢) سورة محمّد ( ص ): ٨.

(٣) سورة الفاطر: ٣٥.

٤٠٨

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمةعليهم‌السلام وصفاتهم أنّ الله عزّ وجلَّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ومنح(١) بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب حق إمامه وجد طعم حلاوة إيمأنّه وعلم فضل طلاوة إسلامه لأنّ الله تبارك وتعالى نصب الإمام علـماً لخلقه ، وجعله حجّة على أهل موادّه وعالمه ، وألبسه الله تاج الوقار وغشاه من نور الجبّار ، يمدُّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه موادُّه

________________________________________________________

الحديث الثاني: صحيح.

« من أهل بيت نبيّنا » حال عن الأئمّة أو بيان لها، وتعدية الأيضاًح وما بعده بعن لتضمين معنى الكشف ونحوه، والإيلاج: الأيضاًح، وإضافة السبيل إلى المنهاج إمّا بيانيّة أو المراد بالسّبيل العلوم، وبالمنهاج العبادات الّتي توجب وصول قربه تعالى، والمنهاج: الطريق الواضح، وميّح بتشديد الياء، والمائح الّذي ينزل البئر فيملأ الدلو وهو أنسب، والتشديد للمبالغة، وفي بعض النسخ منح بالنون من المنحة العطية.

« واجب حقّ إمامه » الإضافة من قبيل: جرد قطيفة، والمعنىّ ما يجب عليه من معرفة الإمام وحقّه بحسب قابليّته، إذ معرفة كنه ذلك ليس في وسع أكثر الخلق، وفي القاموس: الطلاوة مثلثة: الحسن والبهجة والقبول « على أهل موادة » المادة الزيّادة المتصلة، أيّ الذين يصل إليهم رزقه تعالى وتربيته أو هداياته وتوفيقاته الخاصّة، والضمير لله وكذا في « عالمه » بفتح اللام، وهو معطوف على المواد، أو على الأهل عطف تفسير أو عطف الأعم على الأخص، قال: في النهاية: ومنه حديث عمر: أصل العرب ومادة الإسلام أيّ الذين يعينونهم ويكثرون جيوشهم ويتقوى بزكاة أموالهم، وكلّ ما أعنت به قوماً في حرب أو غيره فهو مادّة لهم.

« يمدّ بسبب » السبب: الحبل وما يتوصّل به إلى الشيء، أيّ يجعل الله بينه

__________________

(١) يظهر من كلام الشارح أنّ في النسخة الّتي عنده « ميح » بالياء، ووفي بعض نسخ الكتاب « فتح ».

٤٠٩

ولا ينال ما عند الله إلّا بجهة أسبابه ولا يقبل الله أعمال العباد إلّا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ومعميات السنن ومشبهات الفتن فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسينعليه‌السلام من عقب كلّ إمام يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم كلـمّا مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً علـماً بينا وهاديا نيرا وإماماً قيما وحجّة عالماً أئمة من الله «يَهْدُونَ بِالحقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد وتستهل بنورهم البلاد وينمو ببركتهم التلاد جعلهم الله حياة للأنام

________________________________________________________

وبين سماء المعرفة والقرب والكمال سبباً يرتفع به إليها من روح القدس، والإلهامات والتوفيقات قال: الله تعالى: «مَنْ كان يَظنّ أنّ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثمّ لْيَقْطَعْ »(١) قيل: أيّ فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثمّ ليقطع به المسافة حتّى يبلغ عنأنّه « لا ينقطع عنه موادة » أيّ الزيادات المقررة له من الهدايات والإلهامات، والضمير راجع إلى الإمام أو إلى الله أو إلى السبب على بعد في الأخير « من ملتبسات الدجى » التباس الأمور: اختلاطها على وجه يعسر الفرق بينها، والدجى جمع الدجية وهي الظلمة الشديدة، أيّ عالم بالأمور المشتبهة في ظلم الجهالة والفتن « ومعميات » بتشديد الميم المفتوحة يقال: عميت الشيء أيّ أخفيته، ومنه المعمى « ومشبهات الفتن » أيّ الفتن المشبّهة بالحقّ أو الأمور المشبّهة بالحقّ بسبب الفتن.

والقيّم على الشيء: المتولي عليه، والمتولي لأموره ومصالحه، ومنه: قيم الخان، ومنه أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، أيّ الّذي يقوم بحفظها ومراعاتها يؤتي كلّ شيء ما به قوامه « وبه يعدلون » أيّ بالحق، والرعاة جمع الراعي وهو الحافظ والحامي « يدين » أيّ يعبد « بهديهم » بضم الهاء وفتح الدّال أو بفتح الهاء وسكون الدّال وهو السيرة الحسنة « وتستهل » أيّ تتنور وتستضيء « بنورهم البلاد » أيّ أهلها « وتنمو ببركتهم التلاد » التألد والتليد والتلاد: كلّ مال قديم وخلافه الطارف والطريف، والتخصيص به لأنّه أبعد من النمو، أو لأنّ الاعتناء به

__________________

(١) سورة الحج: ١٥.

٤١٠

ومصابيح للظلام ومفاتيح للكلام ، ودعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها.

فالإمام هو المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى ، والقائم المرتجى ، اصطفاه الله بذلك واصطنعه على عينه في الذرّ حين ذرأه ، وفي البريّة حين برأه ظلا قبل

________________________________________________________

أكثر، ويحتمل أنّ يكون كناية عن تجديد الآثار القديمة المندرسة، وفي القاموس: التألد كصاحب والتّلد بالفتح والضّم والتحريك والتلاد والتليد والاتلاد والمتلد: ما ولد عندك من مالك أو نتج.

« جرت بذلك » الباء للسببيّة، وذلك إشارة إلى مصدر جعلهم أو إلى جميع ما تقدّم فيهم « مقادير الله » أيّ تقدير الله « على محتومها » حال عن المقادير أيّ كائنة على محتومها، أو متعلّق بجرت أيّ جرت بسبب تلك الأمور المذكورة الحاصلة فيهم تقديراًت الله على محتومها، أيّ قدرها الله تقديراً حتماً لا بداء فيها ولا تغيير « والهادي المنتجي » أيّ المخصوص بالمناجاة، وإيداع الأسرار، قال: الجوهري: انتجى القوم وتناجوا أيّ تساروا وانتجيته أيضاً إذا اختصصته بمناجاتك « والقائم » أيّ بأمرّ الامأمة « المرتجي » أيّ للخير والشفاعة في الدنيا والآخرة « واصطنعه على عينه » أيّ خلقه ورباه وأحسن إليه، متعيناً بشأنه، عالماً بكونه أهلا لذلك قال: الله تعالى: «وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي »(١) قال: البيضاوي: أيّ ولتربّي ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك، وقال: غيره: على عيني أيّ بمرأى مني، كناية عن غاية الإكرام والإحسان، وقال: تعالى: «وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي »(٢) قال: البيضاوي: أيّ واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرأمّة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه.

« في الذّرحين ذرأه » الذّر بالفتح صغار النمل، الواحدة ذرّة، أستعير هنا لـمّا يشبهها من الأجسام الصغار الّتي تعلقت بها الأرواح في الميثاق كما سيأتي، وذرأه بالهمز كمنعه إذا خلقه، وربّما يقرأ بالألف المنقلبة عن الواو، أيّفرّقه وميّزه حين أخرجه من صلب آدم « والبريّة » بتشديد الياء: المخلوقون من برأه كمنعه إذا خلقه، وهو

__________________

(١) سورة طه: ٣٩.

(٢) سورة طه: ٤١.

٤١١

خلق نسمة عن يمين عرشه محبوّاً بالحكمة في علم الغيب عنده اختاره بعلمه وانتجبه لطهره بقيّة من آدمعليه‌السلام وخيرة من ذرّيّة نوح ومصطفى من آل إبراهيم وسلالة من إسماعيل وصفوة من عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل مرعيّاً بعين الله يحفظه و

________________________________________________________

في الأصل مهموز وقد تركت العرب همزها، وربّما يجعل من البري كالرمي وهو نحت السهم ونحوه، فأصلها غير مهموز.

وقوله: « ظّلا » حال أو مفعول ثأنّ لبراءة، بتضمين معنى الجعل، والمراد بالظلّ الرّوح قبل تعلّقه بالبدن « قبل خلقه نسمة(١) » أيّ قبل تعلقه بالجسد، ومن يقول بتجرد الروح يأول كونه عن يمين العرش إمّا بتعلقه بالجسد المثالي، أو العرش بالعلم، أو العظمة والجلال، واليمين بأشرف جهاته « محبوا بالحكمة » على صيغة المفعول، أيّ منعمّا عليه، وهو حال مقدرّة لظّلاً بقرينة قوله: « في علم الغيب » أي كان يعلم أنّه يحبوه العلم والحكمة، أو المراد أعطاه الحكمة [ لعلمه ] بأنّه أهل لها.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر اللفظ أنّ الذر في عالم الأرواح والبرء في عالم الأجساد، فقوله: ظلا، متعلّق بالأوّل وفيه بعد، ويحتمل أنّ يكون كلاهما في عالم الأرواح، ويكون المراد بالذر تفريقهم في الميثاق وبالبر أخلق الأرواح، والحبوة العطية.

« إختاره بعلمه » أيّ بأنّ أعطاه علمه أو بسبب علمه بأنّه يستحقه « وانتجبه لطهره » أيّ لعصمته أو لأنّ يجعله مطهرا، وعلى أحدّ الاحتمالين الضميرأنّ لله، وعلى الآخر للإمام « بقية من آدم » أيّ انتهى إليه خلافة الله الّتي جعلها لآدم حيث قال: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ».

والخيرة بكسر الخاء وسكون الياء وفتحها: المختار « ومصطفى من آل إبراهيم » إشارة إلى قوله تعالى: «أنّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ »(٢) الآية، والسّلالة - بالضم -: الذرية وصفوة الشيءِ مثلثّة ما صفا منه « لم يزل مرعيّاً بعين الله » أي

__________________

(١) وفي المتن « قبل خلق نسمة » بدون الضمير، وما اختاره الشارح أظهر.

(٢) سورة آل عمران: ٢٣.

٤١٢

يكلؤه بستره ، مطروداً عنه حبائل إبليس وجنوده ، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق ونفوث كلّ فاسق ، مصروفاً عنه قوارف السوء ، مبرَّءاً من العاهات ، محجوباً عن الآفات ، معصوماً من الزّلات ، مصوناً عن الفواحش كلّها ، معروفاً بالحلم والبرّ في يفاعه.

________________________________________________________

بحفظه وحراسته أو بعين عنايته، والكلاءة: الحراسة، والطرد: الدفع، والحبائل جمع الحبالة بالكسر: المصائد، والوقوب: الدّخول، والغسق: أول ظلمة الليل، والغاسق: ليل عظم ظلامه، ولعلّه إشارة إلى قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ » وفسّر بأنّ المراد به ليل دخل ظلامه في كلّ شيء، وتخصيصه لأنّ المضار فيه يكثر ويعسر الدفع، فالمعنى أنّه يدفع عنه الشرور الّتي يكثر حدوثها بالليل غالبا، أو المراد دفع شرور الجنّ والهوام المؤذية، فإنها تقع بالليل غالباً كما تدلّ عليه الأخبار، أو المراد عدم دخول مظلمات الشكوك والشبه والجهالات عليه.

« ونفوث كلّ فاسق » أي لا يؤثّر فيه سحر الساحرين من قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » أو يكون كناية عن دفع وساوس شياطين الإنس والجنّ والأوّل أظهر، وما ورد من تأثير السحر في النبي والحسنين صلوات الله عليهم فمحمول على التقية، وردها أكثر علمائنا، ويمكن حمله على أنّه لا يؤثر فيهم تأثيراً لا يمكنهم دفعه، فلا ينافي تلك الأخبار لو صحت « مصروفاً عنه قوارف السوء » من اقتراف الذنب بمعنى اكتسابه، أو المراد الاتهام بالسوء، من قولهم: قرف فلانا عابه أو اتهمه، وأقرفه وقع فيه وذكره بسوء، وأقرف به عرّضه للتهمة.

والمراد بالعاهات والآفات: الأمراض الّتي توجب نفرة الخلق وتشويه الخلقة، كالعمى والعرج(١) والجذام والبرص وأشباهها، ويحتمل أنّ يراد بالثاني الآفات النفسانيّة وأمراضها « في يفاعه » أيّ في صغره وبدو شبابه، يقال: يفع الغلام: إذا راهق، وفي بعض النسخ: بالباء الموحّدة والقاف أيّ في بلاده الّتي نشأ فيها، أو في جميع

__________________

(١) وفي نسخة « القرح » بدل « العرج ».

٤١٣

منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ، مسنداً إليه أمر والده ، صامتاً عن المنطق في حياته.

فإذا انقضت مدَّة والده ، إلى أنّ انتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبّته ، وبلغ منتهى مدَّة والدهعليه‌السلام فمضى وصار أمرّ الله إليه من بعده وقلده دينه وجعله الحجّة على عباده وقيّمه في بلاده ، وأيدّه بروحه وآتاه علمه وأنبأه فصل بيانه واستودعه سرّه ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأنبأه فضل بيان علمه ونصبه علـماً لخلقه وجعله حجّة على أهل عالمه ، وضياء لأهل دينه والقيّم على عباده رضي الله به إماماً لهم استودعه سره واستحفظه

________________________________________________________

البلاد، فإنّها كلّها له والأوّل أظهر للمقابلة بقوله « عندّ انتهائه » أي كماله في السّن أو عند إمامته « مسنداً إليه أمرّ والده » أي يكون وصيّه.

« إلى أنّ انتهت » في غيبة النعماني ليس « إلى أن » فيكون « انتهت » جزاء الشرط وهو أصوب، وعلى هذه النسخة « فمضى » جزاء الشرط، « وإلى » متعلق بمقدّر، أيّ تسببت الأسباب إلى أنّ انقضت، أو يضمن الانقضاء معنى الانتهاء « إلى مشيته » الضمير راجع إلى الله والضمير في قوله: « به » راجع إلى الولد، ويحتمل الوالد أيّ انتهت مقادير الله بسبب الولد إلى ما شاء وأراد من إمامته « وجاءت الإرادة من عندّ الله فيه إلى محبته » الضمير راجع أيضاً إلى الله أيّ إلى ما أحبّ من خلافته « وأيده بروحه » أيّ بروح القدّس كما سيأتي « وأنبأه فصل بيانه » أيّ البيان الفاصل بين الحقّ والباطل، كما قال: تعالى: «أنّه لَقَوْلٌ فَصْلٌ »(١) وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة أيّ زيادة بيانه « وانتدبه » أيّ دعاه وحثه، وفي أكثر كتب اللغة أنّ الندب الطلب، و

__________________

(١) سورة الطارق: ١٣.

٤١٤

علمه ، واستخبأه حكمته واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره وأحيا به مناهج سبيله وفرائضه وحدوده فقام بالعدل عندّ تحير أهل الجهل وتحيير أهل الجدل بالنور الساطع والشفاء النافع بالحقّ الأبلج ، والبيان اللائح من كلّ مخرج على طريق المنهج الّذي مضى عليه الصادقون من آبائهعليهم‌السلام فليس يجهل حق هذا العالم إلّا شقيُّ ، ولا يجهده إلّا غويُّ ولا يصدُّ عنه إلّا جريُّ على الله جلَّ وعلا.

________________________________________________________

الانتداب الإجابة، ويظهر من الخبر أنّ الانتداب أيضاً يكون بمعنى الطلب كما في مصباح اللغة، حيث قال: انتدبه للأمرّ فانتدب يستعمل لازما ومتعديا.

« واستخبأه » بالخاء المعجمة والباء الموحدة مهموزا أو غير مهموز تخفيفا أيّ استكتمه، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أيّ طلب منه أنّ يحبوا الناس الحكمة « واسترعاه لدينه » أيّ طلب منه رعاية الناس وحفظهم لأمور دينه، أو اللام زائدة « عندّ تحيير أهل الجهل(١) » أيّ عندّ ما يحير أهل الجهل الناس بشبههم، وفي بعض النسخ تحير على التفعل وهو أنسب « وتحبير أهل الجدل » أيّ تزيينهم الكلام الباطل عندّ المناظرة، في القاموس: تحبير الخط والشعر وغيرهما: تحسينه « بالنور الساطع » الباء للسببية أو بدل أو عطف بيان لقوله: « بالعدل » وكذا قوله: « بالحقّ » بالنسبة إلى قوله: بالنور، أو متعلّق بالنافع، والباء للسببيّة « الأبلج » الأوضح « من كلّ مخرج » « من » تعليليّة.

__________________

(١) وفي نسخة الأصل من الكافي « عندّ تحيّر أهل الجهل وتحقير أهل الجدل ».

٤١٥

( باب )

( أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمرّ وهم الناس المحسودون )

( الذين ذكرهم الله عزوجل )

١ - الحسين بن محمّد بن عامرّ الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد قال: حدثني الحسن بن عليّ الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجليّ قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجل: «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ

________________________________________________________

باب أن الأئمةعليهم‌السلام ولاة الأمرّ وهم الناس المحسودون الذين

ذكرهم الله عزّ وجل

الحديث الأوّل: ضعيف.

«وَأُولِي الْأَمرّ مِنْكُمْ » قد تقدّم القول فيه في باب فرض طاعة الأئمةعليهم‌السلام ، وقال: ابن شهرآشوبرحمه‌الله في المناقب: الأمّة على قولين في معنى « أولي الأمرّ » في هذه الآية:

أحدهما: أنها في أئمّتناعليهم‌السلام « والثاني » أنّها في أمراء السّرايا، وإذا بطل أحد الأمرين ثبت الآخر، وإلّا خرج الحقّ عن الأمّة، والّذي يدّل على أنها في أئمتنا صلوات الله عليهم أنّ ظاهرها يقتضي عموم طاعة أولي الأمرّ من حيث عطف الله تعالى الأمرّ بطاعتهم على الأمرّ بطاعته وطاعة رسوله، ومن حيث أطلق الأمرّ بطاعتهم ولم يخص شيئاً من شيء لأنّه سبحانه لو أراد خاصا لبينه، وفي فقد البيان منه تعالى دليل على إرادة الكل، وإذا ثبت ذلك ثبتت إمامتهم، لأنّه لا أحدّ تجب طاعته على ذلك الوجه بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا الإمام، وإذا اقتضت وجوب طاعة أولي الأمرّ على العموم لم يكن بد من عصمتهم، وإلّا أدى إلى أنّ يكون قد أمرّ بالقبيح، لأنّ من ليس بمعصوم لا يؤمن منه وقوع القبيح، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا، وإذا ثبت

٤١٦

مِنْكُمْ »(١) فكان جوابه:

________________________________________________________

دلالة الآية على العصمة ووجوب الطّاعة بطل توجهها إلى أمراء السرايا، لارتفاع عصمتهم، وقال: بعضهم هم علماء الأمّة وهم مختلفون وفي طاعة بعضهم عصيأنّ بعض، وإذا أطاع المؤمن بعضهم عصى الآخر، والله تعالى لا يأمرّ بذلك، ثمّ أنّ الله تعالى وصف أولي الأمرّ بصفة تدلّ على العلم والإمرة جميعاً في قوله: «وَإِذا جاءَهُمْ أَمرّ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمرّ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »(٢) فرد إليهم الأمن أو الخوف للأمراء، والاستنباط للعلماء، ولا يجتمعاًنّ إلّا لأمير عالم، انتهى.

قولهعليه‌السلام : كان جوابه، قيل: سئلعليه‌السلام عن معنى أولي الأمرّ فأجاب السائل ببيان آية أخرى ليفهم به ما يريد مع أيضاًح وتشييد ولا يخفى ما فيه.

وأقول: سوء الفهم وإشكال الحديث إنّما نشأ من أنّ المصنف (ره) أسقط تتمة الحديث وذكرها في موضع آخر، وفي تفسير العياشي بعد قوله: «أنّ اللهَ كان عزيزاً حكيماً »(٣) «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحاًتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً » قال: قلت: قوله: في آل إبراهيم: «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » ما الملك العظيم؟ قال: أنّ جعل منهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم قال: ثمّ قال: «أنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أنّ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنّ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ أنّ اللهَ نِعمّا يَعِظُكُمْ بِهِ أنّ اللهَ كان سميعاً بصيراً » قال: إيّانا عنى، أنّ يؤدى الأوّل منا إلى الإمام الّذي بعده الكتب والعلم والسلاح «وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنّ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » الّذي في أيديكم ثمّ قال: للناس: «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا » فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمرّ مِنْكُمْ » إيّانا عنّى خاصّة، فأنّ خفتم تنازعاً في الأمرّ فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي

__________________

(١) سورة النساء: ٥٩.

(٢) سورة النساء: ٨٣.

(٣) أيّ في آخر الحديث.

٤١٧

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً »(١) يقولون لأئمة الضلالة والدعاة إلى النار «هؤُلاءِ أَهْدى » من آل محمّد «سَبِيلاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » يعنّي الامأمة والخلافة

________________________________________________________

الأمر منكم، هكذا نزلت، وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمرّ ويرخص لهم في منازعتهم، إنّما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمرّ مِنْكُمْ ».

أقول: فظهر أنّهعليه‌السلام شرع في تفسير الآيات المتقدمة على تلك الآية وبين نزولها فيهمعليه‌السلام ليتضح نزول هذه الآية فيهم أشدّ أيضاًح وأبينه.

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ » قال: البيضاوي: نزلت في يهود كانوا يقولون أنّ عبادة الأصنام أرضى عندّ الله ممّا يدعو إليه محمّد، وقيل: في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وفي جمع من اليهود خرجوا إلى مكّة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله، فقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمّد منكم إلينا، فلانا من مكركم فاسجدوا آلهتنا حتّى نطمئن إليكم ففعلوا، والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كلّ ما عبد من دون الله، وقيل: أصله الجبس وهو الّذي لا خير فيه، فقلبت سينه تاء.

والطاغوت يطلق لكلّ باطل من معبود أو غيره «وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا » لأجلهم وفيهم « هؤلاء » إشارة إليهم «أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » أيّ أقوم دينا وأرشد طريقاً «فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً » يمنع العذاب عنه بشفاعة أو غيرها، انتهى.

أقول: وعلى تأويلهعليه‌السلام الجبت والطاغوت: الأوّل والثاني، « والذين كفروا » سائر خلفاء الجور، ولا ينافي ذلك ما مرّ من نزول الآية، لأنّ الله تعالى لـمّا ذم المخالفين للرسول ولعنهم فهو جار فيمن خالف أهل بيته، لأنهم القائمون مقامه.

«أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » قال: البيضاوي « أم » منقطعة، ومعنى الهمزة إنكار

__________________

(١) سورة النساء: ٥١.

٤١٨

فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » نحن الناس الذين عنى الله والنقير النقطة الّتي في وسط النواة «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ »(١) نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الامأمة دون خلق الله أجمعين «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » يقول جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف

________________________________________________________

أنّ يكون لهم نصيب من الملك، أو جحدّ لـمّا زعمت اليهود من أنّ الملك سيصيّر إليهم «فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » أيّ لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا ما يوازي نقيراً، وهو النقرة في ظهر النواة، وهذا هو الإغراق في بيان شحهم، فإنهم بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين.

أقول: ويحتمل أنّ يكون المراد بالنقطة في كلامهعليه‌السلام النقرة، وقال: الطبرسيّرحمه‌الله : قيل: المراد بالملك هنا النبوّة.

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » قال: الطبرسي: معناه بل أيحسدون الناس، واختلف في معنى الناس هنا فقيل: أراد به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسدوه على ما أعطاه من النبوة وإباحة تسعة نسوة وميلة إليهن، وقالوا لو كان نبيّاً لشغلته النبوة عن ذلك، فبين الله سبحانه أنّ النبوة ليست ببدع في آل إبراهيم « وثانيها » أنّ المراد بالناس النبي وآلهعليهم‌السلام عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والمراد بالفضل فيه النبوة، وفي آله الإمامة، انتهى.

وأقول: روى ابن حجر في صواعقه قال: أخرج أبو الحسن المغأزليّ عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال: في هذه الآية: نحن الناس والله، ولا يخفى أنّ تفسيرهمعليهم‌السلام أنسب بلفظ الناس.

« فكيف يقرون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد » ومحمّد أفضل من إبراهيم، فكيف يستبعدون ذلك، أو آل محمّد من آل إبراهيم فلم لا يشملهم؟

« يقول جعلنا منهم الرسل » إمّا تفسير لإيتاء مجموع الكتاب والحكمة والملك

__________________

(١) سورة النساء: ٥٤.

٤١٩

يقرُّون به في آل إبراهيمعليه‌السلام وينكرونه في آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله «فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أنّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلـمّا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أنّ اللهَ كان عزيزاً حكيماً »

٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » قال: نحن المحسودون.

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن محمّد الأحول، عن حمرأنّ بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قول الله عزّ وجل: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ » فقال: النبوة قلت «الْحِكْمَةَ » قال: الفهم والقضاء قلت «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » فقال: الطاعة.

________________________________________________________

العظيم، أو على اللّف والنشر المرتّب، ويؤيّد الأخير ما سيأتي.

«فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ » أيّ بالإيتاء أو بالملك العظيم، وضمير « منهم » للأمّة، ويقال: صد صدودا أيّ أعرض، وصد فلانا عن كذا صدا أيّ منعه وصرفه «أنّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا » أيّ الآيات النازلة في الأئمة أو همعليهم‌السلام كما سيأتي «بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها » أيّ في الصفة «أنّ اللهَ كان عزيزاً » أيّ قويّاً غالبا على جميع الأشياء «حكيماً » يعاقب ويثيب على وفق حكمته.

الحديث الثاني: مجهول.

الحديث الثالث: حسن.

وفسّر الكتاب بالنبوّة لاستلزامه لها، ولعلّ المراد بالفهم الإلهام وبالقضاء العلم بالحكم بين الناس، أو الفهم فهم مطلق العلوم، والمعارف إشارة إلى الحكمة النظرية، والقضاء إلى الحكمة العلميّة « قال: الطاعة » أيّ فرض طاعته على الخلق.

٤٢٠

٤ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الصباح قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلَّ «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » فقال: يا أبا الصباح نحن والله الناس المحسودون.

٥ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمرّ بن اُذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرون في آل إبراهيمعليه‌السلام وينكرونه في آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: قلت «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » قال: الملك العظيم أنّ جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم.

( باب )

( أن الأئمة عليهم‌السلام هم العلامات الّتي ذكرها الله عزو)

( جل في كتابه )

١ - الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترقّ قال: حدثنا داود الجصاص قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ

________________________________________________________

الحديث الرابع: ضعيف.

الحديث الخامس: حسن.

باب أن الأئمةعليهم‌السلام هم العلامات الّتي ذكرها الله عزّ وجل

في كتابه

الحديث الأول: ضعيف.

«وَعَلاماتٍ » قال: الطبرسيّ (ره) أيّ وجعل لكم علامات أيّ معاًلم يعلم بها الطرق، وقيل: العلامات الجبال يهتدى بها نهارا «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » ليلا والمراد بالنجم الجنس، وقيل: أنّ العلامات هي النجوم أيضاً لأنّ من النجوم ما يهتدى بها، ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها، وقيل: أراد بها الاهتداء في القبلة، انتهى.

٤٢١

يَهْتَدُونَ »(١) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والعلامات هم الأئمةعليهم‌السلام .

٢ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن أسباط بن سالم قال: سأل الهيثمّ أبا عبد اللهعليه‌السلام وأنا عنده عن قول الله عزّ وجل: «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النجم والعلامات هم الأئمةعليهم‌السلام .

٣ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء قال: سألت الرّضاعليه‌السلام عن قول الله تعالى «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » قال: نحن العلامات والنجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

________________________________________________________

وعلى تأويلهعليه‌السلام ضمير « هم » وضمير « يهتدون » راجعأنّ إلى العلامات وهو أظهر، لأنّ قبل هذه الآية «وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أنّ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » فكان الظاهر على التفسير المشهور « وأنتم تهتدون » فعلى تأويلهعليه‌السلام لا يحتاج إلى تكلف الالتفات، وهذه المعاني بطون للآيات لا تنافي كون ظواهرها أيضاً مرادة، فأنّه كما أنّ لأهل الأرض جبالاً وأنهاراً ونجوماً وعلامات يهتدون بها إلى طرقهم الظاهرة، وبها تصلح أمور معاشهم، فكذا لهم رواسي من الأنبياء والأوصياء والعلماء بهم تستقر الأرض وتبقى، ومنابع للعلوم والمعارف بها يحيون الحياة المعنوية وشمس وقمر ونجوم من الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام بهم يهتدون إلى مصالحهم الدنيويّة والأخرويّة، وقد تضمنت الآيات ظهراً وبطناً، الوجهين جميعاً.

الحديث الثاني: ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث: كذلك.

__________________

(١) سورة النحل: ١٦.

٤٢٢

( باب )

( أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة عليهم‌السلام )

١ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله، عن أحمد بن هلال، عن أمية بن علي، عن داود الرقّيّ قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى: «وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ »(١) قال: الآيات هم الأئمة والنذر هم الأنبياءعليهم‌السلام .

٢ - أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن موسى بن محمّد العجليّ، عن يونس بن يعقوب رفعه، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلَّ «كَذَّبُوا بِآياتِنا كلّها »(٢) يعني الأوصياء كلّهم.

________________________________________________________

باب أن الآيات الّتي ذكرها الله عزّ وجلَّ في كتابه هم الأئمةعليهم‌السلام

الحديث الأوّل: ضعيف.

« الآيات » جمع الآية وهي العلامة، وهمعليهم‌السلام علامات لسبيل الهداية ودلائل لعظمة الله سبحانه وقدرته وحكمته، والنّذر جمع النّذير بمعنى المنذر، والمشهور في تفسير الآيات: الحجج والبيّنات أو المعجزات، أو ما خلقه الله في الآيات والأنفس دإلّا على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته.

وفي الصحاح: ما يغني عنك هذا، أيّ ما يجدي عنك وما ينفعك.

الحديث الثاني: ضعيف.

« يعنّي الأوصياء » أيّ هم المقصودون في بطن الآية أو هم داخلون فيها.

فأنّ قيل سابق الآية: «وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ، كَذَّبُوا بِآياتِنا كلّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ » وآل فرعون إنّما كذّبوا بموسى؟

قلنا: وأنّ كذّبوا بموسى لكن تكذيبهم بموسى يوجب تكذيبهم بأوصيائه

__________________

(١) سورة يونس: ١٠١.

(٢) سورة القمر: ٤٢.

٤٢٣

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير أو غيره، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له جعلت فداك أنّ الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » قال: ذلك إلي أنّ شئت أخبرتهم وإن

________________________________________________________

كهارون ويوشع، بل الأنبياء والأوصياء المتقدِّمين عليه، لأنّ كلّهم أخبروا بموسى، أو المعنى أنّ نظير ذلك التكذيب في هذه الأمّة التكذيب بالأوصياءعليهم‌السلام ، مع أنّه ورد في تفسير الإمامعليه‌السلام أنّ موسىعليه‌السلام كان يخبر قومه بالنبيّ وأوصيائهعليهم‌السلام ، ويأمرهم بالإيمان بهم، وقيل: التكذيب بواحد من الأئمة تكذيب بالجميع لاشتراكهم في الحقّ والصدقّ والدّين.

الحديث الثالث: مجهول.

«عَمَّ يَتَساءَلُونَ » قال: البيضاوي: أصله « عمّا » فحذف الألف، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأنّ ما يتساءلون عنه، كأنّه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه، والضمير لأهل مكّة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم، أو يسألون الرسول والمؤمنين عنه استهزاء أو للناس «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » بيان للشان المفخّم أو صلة يتساءلون، وعم متعلّق بمضمرّ مفسّر به «كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » ردع عن التساؤل «ثمّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » تكرير للمبالغة، انتهى.

وأقول: تأويلهعليه‌السلام مذكور في بعض كتب المخالفين، روى السيّد في الطرائف نقلا من تفسير محمّد بن مؤمن الشيرازي بإسناده عن السدي يرفعه قال: أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمّد هذا الأمرّ لنا من بعدك أم لمن؟ قال:صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا صخر الأمرّ بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسىعليهما‌السلام ، فأنزل الله: «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » يعنّي يسألك أهل مكّة عن خلافة عليّ بن أبي طالب «الّذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » منهم المصدقّ بولايته وخلافته، ومنهم المكذب قال: « كلا » وهو ردع عليهم « سيعلمون » أيّ سيعرفون خلافته بعدك أنّها حق [ تكون ] «ثمّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » أيّ يعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم، فلا

٤٢٤

شئت لم أخبرهم ، ثمَّ قال: لكنّي أخبرك بتفسيرها قلت «عَمَّ يَتَساءَلُونَ » قال: فقال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول ما لله عزّ وجلَّ آية هي أكبر مني ولا لله من نبإ أعظم مني.

( باب )

( ما فرض الله عزّ وجلَّ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكون )

( مع الأئمة عليهم‌السلام )

١ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد بن معاوية العجليّ قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجل:

________________________________________________________

يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلّا ومنكر ونكير يسئلان عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الموت، يقولان له: من ربك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟

وروى مثله ابن شهرآشوب عن تفسير القطان بإسناده عن السدي مثله.

وروى محمّد بن العبّاس بن مروان في تفسيره بإسناده إلى علقمة قال: خرج يوم صفين رجلَّ من عسكر الشام وعليه سلاح وفوقه مصحف، وهو يقرأ «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » فأردت البراز إليه فقال: عليّعليه‌السلام : مكانك، وخرج بنفسه فقال: له: أتعرف النبإ العظيم الّذي هم فيه مختلفون؟ قال: لا، فقال:عليه‌السلام : أنا والله النبإ العظيم الّذي فيه اختلفتم، وعلى ولايتي تنازعتم، وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم وببغيكم [ هلكتم ] بعد ما بسيفي نجوتم، ويوم الغدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما علمتم، ثمّ علاه بسيفه فرمى رأسه ويده.

باب ما فرض الله عزّ وجلَّ ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الكون

مع الأئمةعليهم‌السلام

الحديث الأوّل: ضعيف.

«وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » قال: الطبرسيّ (ره) في مصحف عبد الله وقراءة ابن

٤٢٥

«اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ »(١) قال: إيّانا عنى.

________________________________________________________

عبّاس: من الصادقين، وروي ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثمّ قال: أيّ مع الذين يصدقون في أخبارهم ولا يكذبون، ومعناه كونوا على مذهب من يستعمل الصدقّ في أقواله، وصاحبوهم ورافقوهم، وقد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله: «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » إلى قوله «أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ »(٢) فأمرّ سبحانه بالاقتداء بهؤلاء، وقيل: المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه وهو قوله: «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » يعنّي حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالبعليه‌السلام «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ »(٣) يعنّي عليّ بن أبي طالب، وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كونوا مع الصادقين، مع عليّ وأصحابه، وروى جابر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » قال: مع آل محمّدعليهم‌السلام ، انتهى.

وأقول: التمسك بتلك الآية لإثبات الامأمة في المعصومين بين الشيعة معروف، وقد ذكره المحقّق الطّوسي طيب الله روحه القدوسي في كتاب التجريد، ووجه الإستدلال بها أنّ الله أمرّ كافة المؤمنين بالكون مع الصادقين، وظاهر أنّ ليس المراد به الكون معهم بأجسادهم بل المعنى لزوم طرائقهم ومتابعتهم في عقائدهم وأقوالهم وأفعالهم، ومعلوم أنّ الله تعالى لا يأمرّ عموما بمتابعة من يعلم صدور الفسق والمعاصي عنه، مع نهيه عنها، فلا بد من أنّ يكونوا معصومين لا يخطئون في شيء حتّى تجب متابعتهم في جميع الأمور، وأيضاً اجتمعت الأمّة على أنّ خطاب القران عام لجميع الأزمنة لا يختص بزمان دون زمان، فلا بد من وجود معصوم في كلّ زمان ليصحّ أمرّ مؤمني كلّ زمان بمتابعتهم.

فان قيل: لعلهم أمروا في كلّ زمان بمتابعة الصادقين الكائنين في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يتم وجود المعصوم في كلّ زمان.

قلنا: لا بد من تعدّد الصادقين أيّ المعصومين لصيغة الجمع، ومع القول بالتعدد

__________________

(١) سورة التوبة: ١٢٠.

(٢) سورة: البقرة ١٧٧.

(٣) سورة الأحزاب: ٢٣.

٤٢٦

________________________________________________________

يتعيّن القول بما تقول الإماميّة، إذ لا قائل بين الأمّة بتعدّد المعصومين في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع خلو سائر الأزمنة عنهم، مع قطع النظر عن بعد هذا الاحتمال عن اللفظ وسيأتي تمام القول في ذلك في أبواب النّصوص على أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

والعجب من إمامهم الرازي كيف قارب ثمّ جانب وسدد ثمّ شدد وأقر ثمّ أنكر وأصر حيث قال: في تفسير تلك الآية: أنّه تعالى أمرّ المؤمنين بالكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين لأنّ الكون مع الشيء مشروط بوجود ذلك الشيء فهذا يدّل على أنّه لا بد من وجود الصادقين في كلّ وقت، وذلك يمنع من إطباق الكلّ على الباطل، فوجب أنّ أطبقوا على شيء أنّ يكونوا محقين فهذا يدّل على أنّ إجماع الأمّة حجة.

فان قيل: لم لا يجوز أنّ يقال: المراد بقوله: كونوا مع الصادقين، أيّ كونوا على طريقة الصادقين الصالحين كما أنّ الرّجلَّ إذا قال: لولده كن مع الصالحين لا يفيد إلّا ذلك، سلمنا ذلك لكن نقول: أنّ هذا الأمرّ كان موجوداً في زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط وكان هذا أمراً بالكون مع الرسول فلا يدّل على وجود صادقّ في سائر الأزمنة، سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أنّ يكون ذلك الصادقّ هو المعصوم الّذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما تقول الشيعة.

فالجواب عن الأوّل: أنّ قوله: كونوا مع الصادقين أمرّ بموافقة الصادقين ونهى عن مفارقتهم، وذلك مشروط بوجود الصادقين، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب، فدلت هذه الآية على وجود الصادقين، وقوله: أنّه محمول على أنّ يكونوا على طريقة الصادقين، فنقول: أنّه عدول عن الظاهر من غير دليل، قوله: هذا الأمرّ مختص بزمان الرسول قلنا: هذا باطل لوجوه « الأوّل » أنّه ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ التكاليف المذكورة في القران متوجّهة على المكلّفين إلى قيام

٤٢٧

________________________________________________________

القيامة فكان الأمر في هذا التكليف كذلك « والثاني » أنّ الصيغة تتناول الأوقات كلّها، بدليل صحّة الاستثناء « والثالث » لـمّا لم يكن الوقت المعيّن مذكوراً في لفظ الآية لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حملها عليّ الباقي، فإمّا أنّ لا يحمل على شيء فيفضي إلى التّعطيل وهو باطل، أو على الكلّ وهو المطلوب « والرّابع » أنّ قوله: «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ » أمرّ لهم بالتقوى وهذا الأمرّ إنّما يتناول من يصحّ منه أنّ لا يكون متقيا وإنّما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ، فكانت الآية دالة على أنّ من كان جائز الخطإ وجب كونه مقتديا بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله بكونهم صادقين وترتب الحكم في هذا يدّل على أنّه إنّما وجب على جائز الخطإ كونه مقتديا به، ليكون مانعا لجائز الخطإ عن الخطإ وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كلّ الأزمان، قوله: لم لا يجوز أنّ يكون المراد هو كون المؤمن مع المعصوم الموجود في كلّ زمان، قلنا: نحن معترف بأنّه لا بد من معصوم في كلّ زمان إلّا أنا نقول أنّ ذلك المعصوم هو مجموع الأمة، وأنتم تقولون أنّ ذلك المعصوم واحد منهم، فنقول: هذا الثاني باطل، لأنّه تعالى أوجب على كلّ من المؤمنين أنّ يكونوا مع الصادقين، وإنّما يمكنه ذلك لو كان عالماً بأنّ ذلك الصادقّ من هو، لأنّ الجاهل بأنّه من هو لو كان مأمورا بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق، لأنا لا نعلم إنسانا معيناً موصوفاً بوصف العصمة، والعلم بأنا لا نعلم هذا الإنسان حاصل بالضرورة، فثبت أنّ قوله «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » ليس أمراً بالكون مع شخص معين، ولـمّا بطل هذا بقي أنّ المراد منه الكون مع جميع الأمة، وذلك يدّل على أنّ قول مجموع الأمّة صواب وحق ولا نعنّي بقولنا الإجماع حجّة إلّا ذلك، انتهى كلامه.

والحمد لله الّذي حقق الحقّ بما جرى على أقلام أعدائه، إلّا ترى كيف شيد ما ادعته الإماميّة بغاية جهده ثمّ بأيّ شيء تمسك في تزييفه والتعامي عن رشده،

٤٢٨

________________________________________________________

وهل هذا إلّا كمن طرح نفسه في البحر العجاج رجاء أنّ يتشبث للنجاة بخطوط الأمواج، ولنشر إلى شيء ممّا في كلامه من التهافت والاعوجاج.

فنقول كلامه فاسد عن وجوه:

أما أوّلا فلأنّه بعد ما اعترف أنّ الله تعالى إنّما أمرّ بذلك لتحفظ الأمّة عن الخطإ في كلّ زمان، فلو كان المراد ما زعمه من الإجماع كيف يحصل العلم بتحقق الإجماع في تلك الأعصار مع انتشار علماء المسلمين في الأمصار، وهل يجوز عاقل إمكان الاطلاع على جميع أقوال آحاد المسلمين في تلك الأزمنة، ولو تمسك بالإجماع الحاصل في الأزمنة السابقة، فقد صرح بأنّه لا بد في كلّ زمان من معصوم محفوظ عن الخطإ.

و أما ثانياً: فبانه على تقدير تسليم تحقق الإجماع والعلم به في تلك الأزمنة فلا يتحقق ذلك إلّا في قليل من المسائل، فكيف يحصل تحفظهم عن الخطا بذلك.

و أما ثالثاً: فبأنّه لا يخفى على عاقل أنّ الظاهر من الآية أنّ المأمورين بالكون، غير من أمروا بالكون معهم، وعلى ما ذكره يلزم اتحادهما.

و أمّا رابعاً: فبأنَّ المراد بالصادقّ إمّا الصادقّ في الجملة، فهو يصدقّ على جميع المسلمين فإنهم صادقون في كلمة التّوحيد لا محالة، أو في جميع الأقوال، والأوّل لا يمكن أنّ يكون مرادا لأنّه يلزم أنّ يكونوا مأمورين باتباع كلّ من آحاد المسلمين كما هو الظاهر من عموم الجمع المحلى باللام، فتعين الثاني وهو لازم العصمة، وإمّا الّذي اختاره من إطلاق الصادقين على المجموع من حيث المجموع، من جهة أنهم من حيث الاجتماع ليسوا بكاذبين، فهذا احتمال لا يجوزه كردي لم يأنس بكلام العرب قط.

و أما خامساً: فبأنّ تمسّكه في نفي ما يدعيه الشيعة في معرفة الإمام لا تخفى سخافته، إذ كلّ جاهل وضال ومبتدع في الدين يمكن أنّ يتمسك بهذا في عدم وجوب اختيار الحقّ والتزام الشرائع، فلليهود أنّ يقولوا: لو كان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّاً

٤٢٩

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله عزّ وجلَّ «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » قال: الصادقون هم الأئمة والصديقون بطاعتهم.

٣ - أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحبّ أنّ يحيا حياة تشبه حياة الأنبياء ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء

________________________________________________________

لكنّا عالمين بنبوّته، ولكنّا نعلم ضرورة أنّا غير عالمين به، وكذا سائر فرق الكفر والضلالة، وليس ذلك إلّا لتعصّبهم ومعاًندتهم، وتقصيرهم في طلب الحقّ، ولو رفعوا أغشية العصبيّة عن أبصارهم، ونظروا في دلائل إمامتهم ومعجزاتهم، ومحاسن أخلاقهم وأطوارهم لأبصروا ما هو الحقّ في كلّ باب، ولم يبق لهم شكّ ولا ارتياب، وكفى بهذه الآية على ما قرر الكلام فيها دليلاً على لزوم الإمام في كلّ عصر وزمان.

الحديث الثاني: صحيح.

« والصدّيقون » عطف على الصّادقين أيّ الصدّيقون في قوله تعالى: «مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ » هم الأئمة، وإنّما سموا بذلك لطاعتهم للأنبياء في جميع ما أتوا به قبل كلّ أحد، وعصمتهم من الخطإ فهم صادقون من جهة القول، صديقون من جهة الفعل، فضمير طاعتهم راجع إلى الصديقين، أو عطف على الأئمة، أيّ الصادقون هم الأئمة وهم الصديقون، فالعطف للتفسير إشارة إلى أنّ المراد بالصديقين أيضاً همعليه‌السلام ، والضمير كما مرّ ويؤيّده أنّ في بصائر الدرجات بدون العاطف، ويحتمل الأخير وجهاً آخر، وهو أنّ يكون المراد بالصدّيقين الشيعة، فيحتمل إرجاع الضمير إلى الأئمّة أو الصادقين إضافة إلى المفعول.

الحديث الثالث: مختلف فيه كالموثّق.

٤٣٠

ويسكن الجنأنّ الّتي غرسها الرحمن فليتولَّ عليّاً وليوال وليّه وليقتد بالأئمّة من بعده فإنهم عترتي خلقوا من طينتي الّلهمَّ ارزقهم فهمي وعلمي وويل للمخالفين لهم من أمتي الّلهمَّ لا تنلهم شفاعتي.

٤ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الله تبارك وتعالى يقول استكمال حجتي على الأشقياء من أمتك من ترك ولاية عليّ ووالى أعداءه وأنكر فضله وفضل الأوصياء من بعده فأنّ فضلك فضلهم وطاعتك طاعتهم وحقك حقهم ومعصيتك معصيتهم وهم الأئمة الهداة من بعدك جرى فيهم روحك وروحك ما جرى فيك من ربك وهم عترتك من طينتك ولحمك ودمك

________________________________________________________

« غرسها الرحمن » أيّ بقدرته ورحمانيّته بلا توسّط غارس، وفيه إيماء إلى أنّ دخول الناس الجنّة بمحض الرّحمة لا باستحقاقهم، ويقال: تولاه إذا اتّخذه وليا أيّ إماماً، والموالاة ضدّ المعاداة، والوليّ المحبّ والناصر، وضمير « فإنهم » لعليّ والأئمة، والدعاء بعدم إنالة الشفاعة مع أنّها من فعله إمّا لأنّ المراد به الأمرّ بالشفاعة، أو عدم إدخالهم في الشفاعة الإجمالية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله للأمة، أو المقصود به الأخبار عن عدم الإنالة لا الدّعاء.

الحديث الرابع: مجهول.

والاستكمال: الإتمام، وهو مبتدأ « وعلى الأشقياء » خبره « من ترك » بفتح الميم بدل الأشقياء، والولاية بالكسر: المحبّة والطّاعة، وبالفتح: الإمارة والسلطنة، « فأنّ فضلك فضلهم » أيّ كلّ ما ثبت لك من العلم والعصمة وسائر الفضائل فهو فضلهم، وثابت لهم « وطاعتك طاعتهم » أيّ لو لم يطيعوهم لم يطيعوك، أو أنّ فرض الطاعة كما ثبت لك ثبت لهم « وحقك » على الناس « حقهم » أيّ تجب رعاية حقهم لرعاية حقك، فأنّ مودتهم أجر الرسالة، أو لهم على الناس حق كمالك عليهم، وفي الفقرات نوع قلب للمبالغة « جرى فيهم روحك » بالضم أيّ روح القدس، أو من سنخ روحك و

٤٣١

وقد أجرى الله عزّ وجلَّ فيهم سنّتك وسنّة الأنبياء قبلك وهم خزّاني على علمي من بعدك حق عليّ لقد اصطفيتهم وانتجبتهم وأخلصتهم وارتضيتهم ونجا من أحبّهم ووالاهم وسلم لفضلهم ولقد أتاني جبرئيلعليه‌السلام بأسمائهم وأسماء آبائهم وأحبّائهم والمسلّمين لفضلهم.

٥ - عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالّة بن أيّوب، عن أبي المغراء، عن محمّد بن سالم، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أراد أنّ يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن الّتي غرسها الله ربّي بيده فليتولَّ عليّ بن أبي طالب وليتول وليّه وليعاد عدوّه وليسلّم للأوصياء من بعده فإنهم عترتي من لحمي ودمي

________________________________________________________

مثله، والحمل على المبالغة « وروحك » بالفتح وهو الراحة والرحمة ونسيم الريح، كناية عن الألطاف الربانيّة « ما جرى » أيّ نحو ما جري أو قدره « ولحمك ودمك » كناية عن غاية القرابة الجسمانيّة والرّوحانيّة والعقلانيّة « سنتّك » أيّ طريقتك من الهداية والرئاسة، والتكميل والإرشاد « لقد اصطفيتهم » اللّام جواب القسم لأنّ قوله « حقّ عليّ » بمنزلة القسم، أو حق خبر مبتدإ محذوف وقوله: « لقد اصطفيتهم » استيناف بيانيّ والانتجاب: الاختيار « ولقد أتاني » من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحديث الخامس: مجهول.

والعدن: الإقامة، وقيل: جنّة العدن اسم لمدينة الجنّة، وهي مسكن الأنبياء والعلماء والشهداء وأئمة العدل، والناس سواهم في جنات حواليها، وقيل: هي قصر لا يدخله إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد أو إمام عدل، وقيل: للعدن نهر على حافّتيه جنات عدن والأوّل أصوب « فليتوّل » أيّ يعتقد ولايته وإمامته « وليتول » أيّ يحبّ، ويحتمل أنّ يكون الأوّل أيضاً بمعنى المحبة، والتسليم للأوصياء إطاعتهم في الأوامرّ والنواهي، وقبول كلّ ما يصدر منهم قولاً وفعلاً « فإنهم » أيّ الأوصياء أو هم مع

٤٣٢

أعطاهم الله فهمي وعلمي ، إلى الله أشكو [ أمر ] اُمّتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي وايم الله ليقتلنّ إبني لا أنالهم الله شفاعتي.

٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد القهّار، عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنّة الّتي وعدنيها ربّي ويتمسك بقضيب غرسه ربّي بيده فليتولَّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأوصياءه من بعده فإنّهم لا يدخلونكم في باب ضلال ولا يخرجونكم من باب هدى فلا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم وإنّي سألت ربّي إلّا يفرّق بينهم وبين الكتاب حتّى يردا عليَّ الحوض هكذا وضمَّ بين إصبعيه وعرضه ما بين صنعاء إلى أيلة فيه

________________________________________________________

علىّ « القاطعين فيهم » أي بسببهم أو في حقّهم « صلتي » أي برّي وإحساني، إذ مودتهمعليهم‌السلام أجر الرسالة والإقرار بإمامتهم ومتابعتهم قضاء لحق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله « وأيم » بفتح الهمزة وسكون الياء مبتدأ مضاف، وأصله أيمن جمع يمين، وخبره محذوف وهو يميني، والمقصود الحلف بكلّ « ما » حلف بالله، والمراد بالابن الحسينعليه‌السلام ، وربّما يقرأ بصيغة التثنية إشارة إلى الحسن والحسينعليهما‌السلام .

الحديث السادس: ضعيف.

« والقضيب »: الغصن، واليد: القدرة « فإنّهم أعلم منكم » أيّ في كلّ ما تريدون تعليمهم فيه، فلا يرد أنّ العالم قد يعلّم الأعلم « أنّ لا يفرق بينهم وبين الكتاب » أيّ يجعلهم الحافظين للكتاب، المفسّرين له، العاملين به، الداعين إليه وإلى العمل به، والمراد بالإصبعين السّبابتان في اليدين « وصنعاء » ممدودة قصبة في اليمن.

« وأيلة » في أكثر النسخ هنا بفتح الهمزة وسكون الياء المثنّاة التحتانيّة، قال: في القاموس: إيلة جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع، وبلد بين ينبع ومصر، وحصن معروف، وإيلة بالكسر: قرية بباخرز وموضعان آخران « انتهى » وفي أكثر روايات

٤٣٣

قدحان فضّة وذهب عدد النجوم.

٧ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالّة بن أيّوب، عن الحسن بن زياد، عن الفضيل بن يسار قال: قال: أبو جعفرعليه‌السلام وإنّ الرَّوح والراحة والفلج والعون والنجاح والبركة والكرأمّة والمغفرة والمعاًفاة واليسر والبشرى والرضوان والقرب والنصر والتمكّن والرَّجاء والمحبّة من الله عزّ وجل

________________________________________________________

الحوض في سائر الكتب: بضمّ الألف والباء الموحدة واللام المشددة، وهي بلد قرب بصرة في الجانب البحري ولعلّه موضع البصرة اليوم.

« والقدحان » بضمّ القاف وسكون الدّال جمع قدح بالتحريك، وهو إناء يروي الرجلين، أو اسم يجمع الصغّار والكبار، و « عدد » منصوب بنزع الخافض، أيّ بعدد، ويعبر بعدد النجوم عن الكثرة بحيث لا يحصى، لأنّ ما يحصل به المجرّة من النجوم لا يمكن إحصاؤه.

الحديث السابع: ضعيف.

وكأنّه سقط منه « قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » كما يظهر من آخر الخبر.

والرّوح بالفتح نسيم الرّيح، والمراد هنا روح الجنّة أو النفخات القدسيّة، والفلج بالجيم بمعنى الغلبة، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة وهو محرّكة الفوز والنجاة والبقاء في الخير كما في القاموس، والعون: الإعانة على الخيرات، والنجاح: الفوز بالمطلوب، والبركة: الثبات في الخير أو النماء والزيّادة في الخيرات الدنيويّة والسّعادات الأخرويّة، والكرامة: الشرف والقرب عندّ الله، والمعافاة: دفع الله عنه مكاره الدنيا والعقبى، واليسر: رفع العسر فيهما، والبشرى: الإخبار بما يسرّ أيّ عندّ الموت أو الأعمّ، والرّضوان بالكسر والضمّ، أي الرّضا من الله والقرب منه تعالى، والنصر على الأعداء الظاهرة والباطنة، والتمكّن: أي الاقتدار على جلب المنافع ودفع المكاره، أو المنزلة عندّ الله.

وقوله: « من الله » متعلّق بالجميع أو بالأخير فقط، « حقّاً عليّ » أي حقّ

٤٣٤

لمن تولى عليّاً وائتمَّ به وبرئ من عدوّه وسلّم لفضله وللأوصياء من بعده حقّاً عليّ أنّ أدخلهم في شفاعتي وحق على ربّي تبارك وتعالى أنّ يستجيب لي فيهم فإنهم أتباعي ومن تبعني فأنّه مني.

( باب )

( أنّ أهل الذكر الذين أمرّ الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم‌السلام )

١ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّ وجل: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ »(١)

________________________________________________________

حقّاً عليّ وثبت ولزم، ويحتمل أنّ يكون حقّاً تأكيداً للجملة السّابقة نحو: لا إله إلّا الله حقّاً إحترازاً عمّن انتحل التولي ولم يتّصف به، فيكون « على » ابتداء الكلام أيّ واجب ولازم علىّ إدخالهم في شفاعتي، وحقّ على ربّي أيّ واجب عليه أنّ يستجيب دعائي فيهم، ويمكن أنّ يقرأ حقّ بصيغة الماضي المجهول « فإنهم اتباعي » في جميع الأمور « ومن تبعنّي » كذلك « فأنّه منّي » وكعضوي بل كنفسي كما قال: تعالى: «فَمَنْ تَبِعنّي فَأنّه مِنِّي »(٢) وقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي وأنا من عليّ.

باب أنّ أهل الذكر الذين أمرّ الله الخلق بسؤالهم هم الأئمةعليهم‌السلام

الحديث الأوّل: ضعيف على المشهور.

«فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ » قال: الطبرسيّ (ره): فيه أقوال: « أحدهما » أنّ المعنى بذلك أهل العلم بإخبار من مضي من الأمم، سواء كانوا مؤمنين أو كفارا وسمّي العلم ذكراً لأنّ الذكر منعقد بالعلم « وثانيها » أنّ المراد بأهل الذكر أهل الكتاب عن ابن عبّاس ومجاهد، أيّ فاسألوا أهل التوراة والإنجيل أنّ كنتم لا تعلمون، يخاطب مشركي مكّة، وذلك أنهم كانوا يصدّقون اليهود والنصارى فيما كانوا يخبرون به من كتبهم،

__________________

(١) سورة النحل: ٤٥.

(٢) سورة إبراهيم: ٣٦.

٤٣٥

قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الذكر أنا والأئمّة أهل الذكر وقوله عزّ وجل: «وَإنّه لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألُونَ ،(١) قال: أبو جعفرعليه‌السلام نحن قومه ونحن المسئولون.

________________________________________________________

لأنّهم كانوا يكذّبون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لشدّة عداوتهم « وثالثها » أنّ المراد به أهل القرآن، لأنّ الذكر هو القران عن ابن زيد، ويقرب منه ما رواه جابر ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: نحن أهل الذكر، وقد سمى الله رسوله ذكراً في قوله: «ذِكْراً رسولاً » على أحد الوجهين، انتهى.

وأقول: يظهر من الأخبار لكونهمعليهم‌السلام أهل الذكر وجه آخر، وهو أنّ الذكر القران وهم أهل القران كما يومي إليه آخر الخبر، وروى الصفار في البصائر بأسانيد جمّة عن الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال: الذكر القران ونحن أهله، ونحن المسؤولون، وهذا التفسير ممّا روته العامّة أيضاً.

روى الشهرستاني في تفسيره المسمّى بمفاتيح الأسرار عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام أنّ رجلاً سأله فقال: من عندنا يقولون في قوله تعالى: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » أنّ الذكر هو التوراة وأهل الذكر هم علماء اليهود؟ فقال:عليه‌السلام : والله إذن يدعوننا إلى دينهم، بل نحن والله أهل الذكر الذين أمرّ الله تعالى بردّ المسألة إلينا، قال: وكذلك نقل عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: نحن أهل الذكر.

وروى السيّد في الطّرائف، والعلّامة في كشف الحقّ نقلا عن تفسير محمّد بن مؤمن الشيرازي من علماء الجمهور، واستخرجه من التفاسير الاثني عشر عن ابن عباس في قوله تعالى: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ » قال: هو محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرّسالة ومختلف الملائكة، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلّا كرأمّة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قالا: ورواه سفيان الثوري عن السّدي عن الحارث.

«وَأنّه لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ » قال: الطّبرسي (ره): أي وأنّ القرآن الّذي أوحي

__________________

(١) سورة الزخرف: ٤٣.

٤٣٦

٢ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » قال: الذكر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن أهله المسئولون قال: قلت قوله: «وَأنّه لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » قال: إيّانا عنى ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.

٣ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء قال: سألت الرّضاعليه‌السلام فقلت له جعلت فداك «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » فقال: نحن أهل الذكر ونحن المسئولون قلت فأنتم المسئولون ونحن السائلون قال: نعم قلت حقّاً علينا أن نسألكم ؟ قال: نعم قلت حقّاً عليكم أن تجيبونا ؟ قال: لا ذاك ، إلينا

________________________________________________________

إليك لشرف لك ولقومك من قريش عن ابن عبّاس والسّدي، وقيل: ولقومك، أيّ للعرب لأنّ القران نزل بلغتهم، ثمّ يختص ذلك الشرف الأخّص فالأخصّ من العرب، حتّى يكون الشرف لقريش أكثر من غيرهم، ثمّ لبني هاشم أكثر من غيرهم ممّا يكون لقريش «وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » عن شكر ما جعله الله لكم من الشرف، وقيل: تسألون عن القران وعمّا يلزمكم من القيام بحقّه، انتهى.

وأقول: على تفسيرهعليه‌السلام يحتمل أنّ يكون الذكر في الآية بمعنى المذكر «وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » أيّ أنت وقومك عن معاًني القران إلى آخر الزمان، وهذا أنسب بظاهر الخطاب كما لا يخفى على ذوي الألباب.

الحديث الثاني: ضعيف.

« إيّانا عنى » تفسير لقوله تعالى: «لِقَوْمِكَ ».

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور.

« ذاك إلينا » أيّ لم يفرض علينا جواب كلّ سائل وكلّ سؤال، بل إنّما يجب عندّ عدم التقيّة وتجويز التأثير، وكون السائل قابلا لفهم الجواب، فلا ينافي ما مرّ من وجوب تعليم الجهّال على العلماء، ولعلّ الاستشهاد بالآية على وجه التنظير أي

٤٣٧

إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل ، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى: «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(١) .

٤ - عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجل: «وَأنّه لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألُونَ » فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذكر وأهل بيتهعليهم‌السلام المسؤولون وهم أهل الذكر.

________________________________________________________

كما أنّ الله تعالى خيّر سليمان بين المنّ وهو العطاء والإمساك في الأمور الدنيويّة، كذلك فوّض إلينا في بذل العلم، ويحتمل أنّ يكون في سليمانعليه‌السلام أيضاً بهذا المعنى أو الأعمّ.

قال: البيضاوي: «هذا عَطاؤُنا » أي هذا الّذي أعطيناك من الملك والبسط والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطاؤنا «فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ » فأعط من شئت وامنع من شئت «بِغَيْرِ حِسابٍ » حال من المستكن في الأمر، أيّ غير محاسب عليّ منه، وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك، أو من العطاء أو صلة وما بينهما اعتراض، والمعنىّ أنه عطاء جمّ لا يكاد يمكن حصره.

الحديث الرابع: صحيح، ولعلّ فيه إسقاطاً أو تبديلا لإحدى الآيتين بالأخرى من الرّواة أو النساخ.

وربّما يأوّل بتقدير مضاف أيّ فرسول الله ذو الذكر أو المذكّر، لأنّ اللّام في قوله: «لَكَ وَلِقَوْمِكَ » للتعليل لا للانتفاع، لأنّه لا يختصّ به وبقومه، بل هو شامل للعالمين « وأهل بيته » عطف على رسول الله « والمسؤولون » نعت لأهل بيته، أو مبتدأ وخبر، والفرض أنّ العمدة والمقصود الأصلي في هذا الخطاب كون أهل بيته المسؤولون وقوله: « وهم أهل الذكر » إشارة إلى تفسير الآية الأخرى يعنّي أنهم جامعون لكونهم ذكراً ولكونهم أهل الذكر.

__________________

(١) سورة ص: ٣٨.

٤٣٨

٥ - أحمدُ بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى: «وَأنّه لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » قال: الذكر القران ونحن قومه ونحن المسؤولون.

٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرميّ ، قال: كنت عندّ أبي جعفرعليه‌السلام ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال: جعلني الله فداك اخترت لك سبعين مسألة ما تحضرني منها مسألة واحدةٌ ، قال: ولا واحدة يا ورد قال: بلى قد حضرني منها واحدة قال: وما هي قال: قول الله تبارك وتعالى: «فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » من هم قال: نحن قال: قلت علينا أنّ نسألكم قال: نعم قلت عليكم أنّ تجيبونا قال: ذاك إلينا.

٧ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول الله عزّ وجلَّ «فَسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » أنّهم اليهود والنصارى ،

________________________________________________________

الحديث الخامس: صحيح.

« الذكر القران » بيان لمرجع الضمير، وضمير « قومه » للمخاطب في ذلك « ونحن المسئولون » أي المقصود بالسؤال أو منهم.

الحديث السادس: حسن موثق.

والكميت بن زيد من الشعراء المشهورين وكان مدّاحاً لأهل البيتعليهم‌السلام « ولا واحدة » بتقدير الاستفهام « قال: بلى » إمّا مبني على حضور الواحدة بعد نسيان الكلّ أو حمل أول الكلام على المبالغة.

الحديث السابع: صحيح.

« إنّ من عندنا » أي من المخالفين « أنّهم » بالفتح بدل « أنّ قول الله » والضمير

٤٣٩

قال: إذاً يدعونكم إلى دينهم قال: قال: بيده إلى صدره نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.

٨ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال: سمعته يقول قال: عليّ بن الحسينعليه‌السلام على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا أمرهم الله عزَّ وجلَّ أنّ يسألونا ، قال: «فَسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب أنّ شئنا أجبنا وأنّ شئنا أمسكنا.

٩ - أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: كتبت إلى الرّضاعليه‌السلام كتابا فكان في بعض ما كتبت قال: الله عزّ وجل: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنّ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » وقال: الله عزّ وجل: «وَما كان الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِ

________________________________________________________

لأهل الذكر « إلى صدره » متعلّق بقال: بتضمين معنى الإشارة، أو القول بمعنى الفعل كما هو الشائع.

الحديث الثامن: صحيح.

« على الأئمّةعليهم‌السلام من الفرض » مثل خشونة الملبس وجشوبة المأكلّ كما سيأتي « وعلى شيعتنا » التفات أو ابتداء كلام من الرّضاعليه‌السلام .

الحديث التاسع: صحيح.

« ما كان المؤمنون » أي ما استقام لهم « أن ينفروا » كلّهم إلى أهل العلم لطلبه لأنّ ذلك يوجب اختلال نظام معاًشهم «فَلَوْ لا » أي فهلاً «نَفَرَ مِنْ كلّ فِرْقَةٍ » كثيرة «طائِفَةٌ » قليلة «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ » من مخالفة الرب «إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ».

واستدلّ به على أنّ طلب العلم واجب كفائي، وعليّ حجية خبر الواحد، وفي الآية وجه آخر، وهو أنها نزلت في شأنّ المجاهدين أيّ ما كان لهم أنّ ينفروا كافة إلى الجهاد، بل يجب أنّ ينفر من كلّ فرقة طائفة ليتفقه الباقون ولينذروا

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462