ايضاح ترددات الشرائع الجزء ٢

ايضاح ترددات الشرائع20%

ايضاح ترددات الشرائع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 200

  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18346 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
ايضاح ترددات الشرائع

ايضاح ترددات الشرائع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

من ذلك وطاقتي ، لأن هذا يعجب عبدالرحمن. ثم قال لعثمان أن يقول نعم ، لأن ذلك سيجعله فيك أرغب.

ومع أنني لا أعتقد بصحة هذه الرواية لأن شخصية الإمام عليعليه‌السلام لم تكن بهذا الضعف ، كما لم تكن شخصية انتهازية ترضى بسلوك أي وسيلة لتصل الى غايتها ، وتجلس في السلطة ، وهو الزاهد الذي كان يرى الدنيا بأسرها أهون من عفطة عنز ، إلا أن الرواية ، بافتراض صحتها ، تشير الى أن الأمر لم يخل من خداع.

وسواء كانت لعبة الشورى ، أم مشورة عمرو ، فالقرار الذي أصدره الإمام عليعليه‌السلام بشأن كل ما حدث في تولية عثمان أنه ( خدعة وأيما خدعة )(١) أما معاوية فقال عن شورى عمر فيما بعد ( لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر الى ستة نفر )(٢) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٣٠٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨١.

١٠١

ولأنها كانت كذلك ولم تكن صافية بلا شوائب ، أدت الى ما نعرفه من حوادث ، وكما ندم أبو بكررضي‌الله‌عنه على تقمصها ندم عبدالرحمن بن عوف على فعله حتى قال لعليعليه‌السلام ( إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي فإنه خالف ما أعطاني وروي كذلك أنه قال لبعض الصحابة في المرض الذي مات فيه ( عاجلوه قبل أن يطغى ملكه )(١) وعاش عبدالرحمن بن عوف لم يكلم عثمان أبداً حتى مات(٢) .

تلك هي بيعة عثمان أو الشكل الثالث من أشكال تعيين القيادة في جيل حمل الرسالة ، فاقتدينا به. فإن جاء أحد ممن نطأطيء لهم فيركبوننا كالمطايا ، وتأسى بهذه الأسوة وأتى من الأفعال ما تشابه وأفعال قدوتنا ، فكيف نوقفه عند حده ، وكيف نمنعه ، ما دامت هذه الممارسات تتحكم فينا ، لأننا قدسنا فاعليها وقدسناها معهم ، ولا يجوز لنا الاعتراض عليها أو عليهم.

__________________

(١) الفتنة الكبرى : ص ١٧٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨٠.

١٠٢

٥ ـ معاوية والثورة المضادة

أدت سياسة عثمانرضي‌الله‌عنه التي ارتكزت على محاباة بني أمية ، وسوء توزيع الثروة في الدولة ، ورفع أسوأ الناس على رقاب المؤمنين ، وارتكاب المخالفات القانونية ، وتركيز السلطة في يد عائلة بعينها دون إعتبار للأهلية والكفاءة ـ كما هو مفصل في تاريخنا ـ الى تمرد عامة الشعب ، وتذمر كبار الصحابة ، حتى انتهى الأمر بمقتل الخليفة ، وسقوط الدولة الإسلامية الناشئة في دوامة صراع سياسي خطير. وأخذت الأخطاء التي بدأت قبل سنوات بدرجة واحدة ، تتسع على مر الأيام ، ويزداد انفراجها ، حتى وصلت الأمور الى تحول معاكس للخط الذي تأسست عليه الدولة.

ولأن الثورة على نظام الحكم ـ أي نظام ـ حرام لا تجوز في اعتقاد مؤرخينا الذين نشأوا وتربوا في ظل نظم غير شرعية ، كان لابد من البحث عن تبرير خارج عن العقل والمنطق ـ كالعادة ـ لإقناعنا بأنه ما أسقط الدولة وأشاع الفتنة إلا العناصر الخارجية فهم لم يربطوا بين المسببات وأسبابها ، ولم يرجعوا المعلولات الى عللها ، ولم يفتشوا عن أسباب ثورة أهل مصر على عثمانرضي‌الله‌عنه

١٠٣

لأن هذا المنهج ـ رغم علميته وإسلاميته ـ سيؤدي الى تخطئة بعض الشخصيات التي يريدون من كل مسلم تقديسها مهما فعلت.

من أجل هذا اخترعوا شخصية خيالية لم توجد في التاريخ أصلاً إلا في أوهامهم ، وسموها عبدالله بن سبأ أو ابن السوداء ، وأطلقوا لخيالهم العنان تحت تخدير العواطف ، فتخيلوا أنه لابد وأن يكون يهودياً ، ونسبوا إليه كل الفساد ، ووضعوا على رأسه مسؤولية الثورة والتذمر. فتعيين الخليفة مجلس شوراه من أقربائه وممن لعنهم أو نفاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كمروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، وعبدالله بن عامر ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح ، مع وجود أجلة الصحابة ، ثم إطلاق يد العائلة المالكة وعلى رأسها هؤلاء في تغيير الدولة والتلاعب بشئونها ، وإشاعة الفوضي السياسية والقانونية وتعطيل أحكام الشرع ، ثم حماية الخليفة لهم. ووعده بإصلاح الأمور مرات ، واخلافه لهذا الوعد ، واصراره على صحة سياسته التي احتج عليها كل الصحابة إلا المستفيدين ، لم يكن من أسباب التذمر. كما أن تعيين الخليفة لمرتد أباح الرسول دمه في فتح مكة كعبدالله بن

١٠٤

سعد بن أبي سرح والياً على مصر في وجود أجلاء كعمار بن ياسر ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة ، وغيرهم ، ثم قيام هذا الوالي بتعطيل الشرع ونهب خزانة الدولة واضطهاد النصارى ، وإذلال الناس ، لم يكن سبباً كافياً لتذمر أهل مصر ، بل لابد وأن يكون السبب وراء ذلك عبدالله بن سبأ اليهودي ، ولابد وأن يكون الصحابة الذين ثاروا على فساد نظام الدولة من أتباع هذا اليهودي. تماماً كما تقول الأنظمة المعاصرة عمن ثار عليها ، لأن الثورة على النظم الفاسدة حرام وفتنة وإراقة دم.

ونظرية ابن سبأ التي ساقها مشايخنا في تبرير الكارثة ، يستحي منها كل طفل مسلم به مسكة من عقل ، لأنها تعني أن الخلافة الراشدة والدولة المحمدية كانت من الضعف بمكان بحيث أن يهودياً واحداً استطاع أن يقلبها بغير عناء.

كما أنها تعنى أن كبار الصحابة الذين لم يوافقوا على سياسة عثمان ، لم يكونوا يعرفون دينهم ، فانساقوا وراء مقولة يهودي ودمروا دولة الإسلام.

١٠٥

ثم ليت مؤرخينا استطاعوا أن يثبتوا دور ابن سبأ في الأحداث ، لأنك تراهم يذكرون اسمه في البداية فقط ، ثم تجري الأحداث مجراها الطبيعي محكومة بقوانين العمران والسياسة المنطقية ووفق عللها الطبيعية من تنافس بين الصحابة ، وسوء إدارة الدولة ، وفساد الشورى ، وضغائن القبائل ، وما اليها.

ولأن العلة التي ذكرها المؤرخون ـ أي ابن سبأ ـ علة وهمية ، تراهم على غير يقين منها ، فمرة قالوا وراءها عبدالله بن سبأ ، ومرات قالوا أن عمرو بن العاص هو محركها ، لأنه كان يؤلب الناس على عثمان حتى رعاة الغنم المتفرقين في الصحراء ، ومرة يعلقون المسؤولية في عنق محمد بن أبي بكر ، وأخرى يضغونها على رأس مروان بن الحكم(١) .

وكثير من المؤرخين يقولون أن الأسباب التي نقمها الناس على عثمان كثيرة وخطيرة ، وأنهم رأوا الإعراض عن ذكرها أفضل ، ولم يذكروا إلا ما سمحت به أنفسهم وجادت به وجهات نظرهم.

__________________

(١) أنظر تفصيل ذلك على سبيل المثال في الطبري : ٣ / ٣٧٨ حتى ٣٩٨.

١٠٦

فنحن إذن لا نقرأ إلا ما سمحوا لنا بقراءته والإطلاع عليه ، لا ما وقع كله ، وما يدريك لعل فيما لم يذكروه مفاتيح معضلات كثيرة ، أو ربما فيه من الحقائق التاريخية ما يكشف كثيراً مما لم يزل عندنا طلاسم غير مفهومة ؟

إن أحداث المأساة السياسية التي وقعت في عهد عثمانرضي‌الله‌عنه لم يكن وراءها يهودي ولا نصراني ، بل كانت لها أسبابها وعللها السياسية والإقتصادية والإدارية والإجتماعية والنفسية والفكرية التي اجتمعت وسارت وفق قوانين التاريخ وسنة الله في خلقه.

ومن الأدلة على ذلك أن الصحابة لم يذكروا ابن سبأ قط ، بل منهم من تنبأ بما وقع من الأحداث الجليلة ، فانقلاب معاوية على الخليفة الشرعي وتأمره على الناس بالسيف تنبأ به كعب وغيره من الصحابة(١) .

وإنعكاس حال الدولة استشفه عليعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٣٨١.

(٢) الطبري : ٣ / ٤٥٦.

١٠٧

كما تنبأ به عثمان نفسه حين ثار عليه أهل مصر فقال ( والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان طال عليهم مكان كل يوم بسنة مما يرون من الدماء المسفوكة والإحن والأثرة الظاهرة والأحكام المغيرة )(١) .

ذلك أن أحوال الدولة وخط سيرها كان واضحاً أمامهم جميعاً ، ومن ثم استطاعوا أن يروا المصير قبل وقوعه ، لأنه كان أمراً مفهوماً ، إذ كيف يتوقع ذو عقل السلامة لدولة يديرها مجلس شورى من الملاعين والمطرودين ؟

لقد كانت الدولة في عهد عثمان دخلت مرحلة وسطاً بين الخلافة والملك ، وكانت تسير بخطى واضحة في طريقها الى نظام سياسي غير الذي أراده لها مؤسسها ، وكانت هذه حقيقة سياسية يعرفها الكثير. أنظر الى مروان بن الحكم ـ مثلاً ـ وقد حاصر الناس عثمان فخرج عليهم ليقول لهم ( جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ؟ إرجعوا عنا )(٢) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٣٩٣ وانظر كذلك ٣ / ٤٢٥.

(٢) الطبري : ٣ / ٣٧٩.

١٠٨

إن طريقة تفكير الصحابة ومن عاش خلال تلك الأحداث كانت مختلفة عن طريقة تفكيرنا التي ورثناها عن مشايخنا ومؤرخينا ، ومن هنا لم يؤثر عن أحدهم أنه قال أن سياسة الدولة كانت مضبوطة وأن سبب الفساد كان هذا أو ذاك من اليهود أو النصارى.

وكيف كان من الممكن توقع غير ما آلت إليه الخلافة في الوقت الذي كان يعتبرها مروان بن الحكم ـ كما مر قبل سطور قليلة ـ ملكاً له وعائلته والخليفة حي بين الناس ؟

قتل الخليفة ، وأدرك الناس أن الدولة قد حلت بها كارثة ، فهرعوا الى الإمام عليعليه‌السلام يبايعونه وقالوا ( إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً ، فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين )(١) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٤٥٠.

١٠٩

وفي رواية أخرى أنه ( حين قتل عثمانرضي‌الله‌عنه واجتمع المهاجرون والأنصار وفيهم طلحة والزبير ، فأتوا علياً فقالوا يا أبا حسن هلم نبايعك ، فقال : لا حاجة لي في أمركم أنا معكم ، فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا. فقالوا : والله ما نختار غيرك ، فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمانرضي‌الله‌عنه مراراً ، ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة ، وقد طال الأمر ، فقال لهم : إنكم قد اختلفتم اليَّ وأتيتم ، وإني قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم ، وإلا فلا حاجة لي فيه. قالوا ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله. فجاء فصعد المنبر ، فاجتمع الناس إليه فقال : إني قد كنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم. ألا وإنه ليس لي أمر دونكم ، إلا أن مفاتيح مالكم معي ، ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهماً دونكم ، رضيتم ؟ قالوا نعم ، قال أللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك(١) .

وهذه الروايات ـ إن صحت ـ دلت على أمور :

__________________

(١) نفس المصدر : ٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥١.

١١٠

الأول : أن طريقة اختيار القيادة هذه المرة اختلفت عن المرات الثلاثة الماضية ، وهذه هي المرة الأولى التي ذهب الناس فيها مراراً يلحون على شخص أن يتولى قيادتهم ، دون أن يتم الأمر فلتة ، أو بالعهد دون مشورة ، أو بمجلس شورى منتقى.

الثاني : أن الإمام عليعليه‌السلام ظل يرفض هذا المنصب ، ربما لأنه كان يعلم أن الدولة قد سارت في طريق وعر ، وتغير حال الناس فيها ، وهو ما سيسبب له بالتأكيد مصاعب في إدارتها ورد الأمور الى مجراها الأصلي. وربما رفض مراراً ليثبت لكل ذي عينين أنه لم يختلس الأمر ، ولم يسارع اليه ، ولم يلفق له الطرق ويخترع الوسائل ، وإنما كان اختياره اختياراً حراً من قبل الناس الذين أصروا عليه ، فهي بيعة صافية رائقة لا يشوبها غبش.

الثالث : أن الإنحراف الذي سبب الكوارث الماضية كان في أساسه انحرافاً اقتصادياً مالياً بالدرجة الأولى ، وهو ما يظهر من عبارته ، ولو لم تكن لهذا الأمر علاقة بما جرى ما أفرده الإمام بالذكر في عهد البيعة الذي له منزلة الدستور.

١١١

الرابع : أن السياسة الإقتصادية والمالية التي سيتبعها الإمام علي ـ أو القيادة الجديدة ـ ستقوم على المساواة وإحقاق الحق والإنصاف وعدم المحاباة والإلتزام الدقيق بالشرع. وأعتقد أن هذا الإحساس الذي لابد وأن كل فرد آنذاك قد شعر به.

وتمت بيعة الإمام بعد أن كانت الدولة قد شهدت تغييرات هائلة في جميع جوانبها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والقانونية ، فغاصت في بحر تعالت أمواجه وهزت كيان الدولة هزاً عنيفاً.

وما أن تولى الأمر حتى بدأ يعيد عربة الدولة الى الخط الذي خرجت عنه ، فعزل العصابة التي استولت على مناصب الدولة العليا ، وولى مكانها أهل الصلاح والتقى ، وسوى بين الناس في الأنصبة ، وكانت بيعته فرصة عظيمة لإعادة الدولة من الطريق المنحرف الى الصراط المستقيم. غير أن السياسات الخاطئة ـ خصوصاً الإقتصادية ـ التي كانت الدولة قد سارت عليها ربع قرن بعد وفاة المؤسس ، أسفرت عن خلق خط سياسي معاد لأية

١١٢

إصلاحات اقتصادية ، لا سيما وأن كبار أهل الأثر والنفود ـ أو أغلبهم ـ كانوا ممن استفادوا من هذه السياسة الإقتصادية ، وتغير وضعهم الإجتماعي وأصبحت لهم مكاسب ومصالح مشتركة يدافعون عنها ، ويرون الحفاظ عليها بأي ثمن.

ومن هنا كانت أزمة الإمام عليعليه‌السلام الحقيقية ، إذ تسلم السلطة والحمل ثقيل ، والمهمة صعبة ، أضف الى ذلك العناصر الأخرى كإزدهار بني أمية سياسياً ، وضعف أتباع خط الإمام عليعليه‌السلام نظراً لفقرهم وزهدهم ، واستفحال الضغائن القبلية ، والأحقاد الشخصية ، وتبني سياسة الإنتقام من الإمام الذي وتر بسيفه كل بيوتات الكفر التي تصدت للإسلام خلال الحروب الماضية.

تزعم حركة قلقلة الدولة فريقان :

الأول بزعامة معاوية وكان أقوى وأكبر كما كانت له مطامع قبلية معروفة ، وهو من البيت الذي ظل يحارب الإسلام ودعوته حتى فتحت عليه مكة واضطر للإسلام قبل أشهر قليلة من وفاة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام.

١١٣

وهذا الفريق نجح في استقطاب الناس بالعطايا والوعود والهدايا ، واتخذ من دم عثمان حجة للثورة على الخليفة الشرعي ونشر الفوضى في الدولة الإسلامية.

والثاني بزعامة أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير ، وهذا الفريق أقل وأضعف ، لكنه أيضا استتر بالمطالبة بدم عثمان دون وجه حق ، وكانت الدوافع مختلفة ، فأم المؤمنين عائشة كانت بنفسها تحرض الناس على قتال عثمان وتقول لهم صراحة : اقتلوه ، وترميه بالكفر(١) .

وكذلك فعل طلحة وكان من أكبر المساعدين على قتله(٢) .

ثم بايع هو والزبير الإمام في البداية ، ثم انقلبا عليه لما رفض طلبهما بتولي إمرة البصرة والكوفة ، وادعيا أنهما بايعا مكرهين.(٣)

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٤٧٧.

(٢) الفخري لابن طباطبا ، ص٦٠ قال وهذا تشهد به جميع التواريخ.

(٣) الطبري : ٣ / ٤٥١ ـ ٤٥٢. وانظر تفصيل وقائع هذا الدور في جميع كتب التاريخ المعتبرة.

١١٤

نعم ندمت عائشة على خروجها على الإمام علي كما ندم غيرها ، لكنهم ندموا بعد أن كان الخراب قد عم.

واضطر الإمام لأن يواجه ثلاث حروب طاحنة في أقل من خمسة أعوام هي مدة حكمه. فانهزم له الفريق الثاني في موقعة الجمل ، وأوشك الفريق الأول في صفين على الهزيمة ، فلجأ الى حيلة التحكيم ورفع المصاحف ، كما هو مشهور لدينا معروف ، وانتهى الأمر بالكذب والخداع.

وظهر الى الوجود من بعد فريق ثالث هم البغاة الخوارج ، الذين اضطر الإمام لقتالهم في النهروان.

وعاش الإمام ولا سلطان له على الشام مركز معاوية ، وأقام البغاة دولة داخل الدولة الى أن قتل الإمام على يد ابن ملجم المصري لعنه الله. ولأن الأمة لم تكن ترى أحداً من زعماء الفريقين المذكورين يستحق القيادة بايعوا الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ، فرأى أن يهادن قليلاً لتستتب الأمور ، وتهدأ العاصفة ، لكن نفراً من أتباعه ثاروا عليه ، وهجموا عليه وجرحوه ونهبوا متاعه ، فاضطر في النهاية للتفاوض مع معسكر

١١٥

البغي ليحقن دماء أتباع أهل البيت ، الذين كادت السيوف الباغية أن تستأصلهم من جذورهم. وشرط له معاوية شروطاً لم يف بأي منها ، بعد أن تمكن من السلطة بحد السيف عام ٤١ ه‍ وهو ما قيل لنا عنه أنه عام الجماعة ، ولم يكن إلا عام الفرقة والاستسلام للبغي وإنقلاب خلافتنا ملكاً عضوضاً.

ثم دس معاوية للحسن السم وإنفرد بالأمر وهذا كله مفصل في كتب التاريخ كلها فليرجع اليه من شاء ، وقد أعرضنا عن تفصيله لما يقتضيه المقام من الإختصار.

ركب معاوية السلطة ، ووقف بعدها ليعلن فصل الدين عن الدولة صراحة ، ويقول ( يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأَلي رقابكم ، وقد آتاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا إن كل دم أصيب في هذه مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين )(١) .

__________________

(١) الكامل لابن الأثير : ٦ / ٢٢٠ ، مصر ، ١٣٥٦ ه‍.

١١٦

وهذا منه إعلان صريح بما يلي :

١ ـ أن العبادات قد فصلت عن القيادة والسياسة ، فالأولى لكم فيها اتباع الشرع وما قال الله وقال الرسول ، والثانية لي وأنا حر فيها.

٢ ـ أنه قاتل الناس ليتأمر عليهم ، ويأخذ القيادة بحد السيف.

٣ ـ أن الناس كارهون له في ذلك ، إذ لم يكن ما فعله يحظى بذرة رضا.

٤ ـ التخلص من كل العهود والمواثيق والشروط التي قطعها على نفسه مع الإمام الحسن ومع الأشخاص والقبائل ، وأن الدماء التي أريقت في سبيل وصوله الى السلطة ، والمعارك التي قتل فيها عشرات الألوف من المسلمين لا حساب عليها ولا قود ولا عقاب ، وعلى الأمة إذن أن تنسى ماكان ، وتبدأ صفحة جديدة من تاريخها ، الذي ستبدأ أحداثه وفق تصور جديد ، وسياسة مغايرة.

ثم قاد معاوية الثورة المضادة بمعنى الكلمة ، فأسس جهازاً لتشويه أهل الحق ، وآخر لتصفية المعارضين جسدياً ، واخترع

١١٧

الأحاديث ، ولفق التفاسير ، وأنشأ الفرق الفكرية المعارضة ، ونشر بين المسلمين السكوت على الظلم والظالمين بل وتأييدهم ، وأن الأسلم لهم عند احتدام المعركة بين الحق والباطل الفرار الى رؤوس الجبال خشية الفتنة ، وأرهب الآمنين من الناس ، وصادر أموال المعارضين ظلماً وعدواناً ، وأغدق أموال الدولة على حزبه ومؤيديه ، وعطل الحدود وأوقف الشرع ، وابتدع في الدين على النحو المفصل في تاريخنا المقروء الذي يعرفه كل صبي.

غير أن خطورة ما فعله معاوية تكمن في أنه ما فعله باسم أية نظرية أخرى صراحةً بل باسم الإسلام ، فإذا الإسلام الذي قدمه للناس شيئاً آخر يعاكس تمام الإسلام المحمدي. فكان ثورة مضادة سارت في الإتجاه المعاكس كلية ، لكنها تحمل اسم الإسلام القديم.

وأخطر من هذا كله أن مشايخنا وعلماءنا ـ إن صح وصفهم بالعلماء ـ غلفوا هذا السم الزعاف بطبقة حلوة المنظر ، وقالوا لنا إنه لم يكن انقلاباً على الإسلام بأي معنى بل كان إجتهاداً ،

١١٨

وأخذنا نحن من أيديهم هذا السم المدسوس ، واعتقدنا أنه الدواء الناجع الفعال الذي يشفى ما بنا ـ بل وما بالأجيال المسلمة الى يوم القيامة ـ من كل الأسقام ، واشتركنا معهم في هذه الجريمة ، وضللنا معهم أنفسنا وأبناءنا والأجيال التالية ، ولم نفكر لحظة في أن ما قاله مشايخنا ينبغي فحصه والتروي في قبوله ، وأن الأخطاء المخالفة للإسلام لابد وأن نعترف بها ونتجنبها في كل مسيرة ، ليكون ما لدينا من إسلام صافياً رائقاً ، وتمادينا تحت تخدير العواطف فإذا بنا ليوم في مآزق وحفر عميقه حفرها لنا علماؤنا ، وقفزنا فيها بإرادتنا دون وعي ، ولا نستطيع اليوم أن نخرج منها.

والأغبى من هذا التصرف ، أننا نبصق في وجه كل من ألقى لنا حبلاً من عقل لنستمسك به ، ونخرج من هذه الحفر الى حيث الهواء النقي ، والفكر الإسلامي الحر ، الذي لا يقدس الأوراق ولا الأشخاص ، إلا ما ومن كان منها مقدساً يستحق التقديس حقاً.

هكذا رأينا كيف اختارت الأمة قيادة باختيارها الحر في النور ، كما حدث مع الإمام عليعليه‌السلام بعد أن كان الوقت المناسب قد

١١٩

مضى ، وهو ما يعتبر شكلاً آخر من أشكال تعيين القيادة يختلف عما سبقه من أشكال.

ثم ما إن تولت القيادة الجديدة حتى بدأت الطوابير الخفية في العمل لإقصائها ، فرأينا شكلاً وأسلوباً آخر للقيادة هو ما فعله معاوية ، وهو ما يقودنا الى نتائج تستحق إمعان الفكر :

أولاً : إن بيعة عليعليه‌السلام إذا كانت هي الصواب أو الطريق الطبيعي لاختيار القيادة ، لأنها تمت برضا المسلمين ومشورتهم ، فما حكم ما فعله معاوية ؟ وإن كان ما فعله معاوية لا غبار عليه ، فكيف يمكن الدفاع عن بيعة عليعليه‌السلام ونحن أهل السنة نؤمن بخلافته الراشدة وبيعته السليمة ؟

ثانياً : أن الطريقة التي وصل بها معاوية الى الحكم وتصدر القيادة إن كانت صحيحة وفق الإسلام ـ ولا أعتقد بصحتها أبداً ـ فكيف يمكن إغلاق باب البغي والإنقلابات العسكرية ضد النظام الإسلامي ، إن شاء له الله أن يقوم هنا أو هناك ؟ لأن هذا يمكن أن يقع في أي وقت بعد اللحظة الأولى التي تتأسس فيها دولة إسلام.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

منا ومن الشافعي وبعض الصحابة والتابعين ، خلافا لابي حنيفة ومالك وبعض التابعين فيبقى الباقي على الاصل.

والالتفات الى أن سبب القتل حصل في الحرم ، اذ التقدير أن الرمي الذي حصل منه القتل كان في الحرم ، فيثبت التغليظ ، كما لو حصل القتل فيه ، لان وجود السبب كوجود المسبب ، وهو الاليق بمذهب الشيخرحمه‌الله ، لانه أوجب على المحل الفداء اذا كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتل.

وعليه دلت رواية علي بن رئاب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله ، فقال : عليه الجزاء ، لان الآفة جاءت الصيد من ناحية الحر(١) .

والألف واللام في التردد لتعريف الماهية ، لا اشارة الى تردد سابق.

قالرحمه‌الله : ويستوي في ذلك كله القن والمدبر ، ذكرا كان أو أنثى ، وفي أم الولد تردد على ما مضى.

أقول : قال صاحب كشف الرموز : اشار بذلك الى ما ذكره في كتاب البيع من أن أم الولد هل يسترق ويباع أو لا؟ وليس بحق ، بل أشار بذلك الى ما ذكره في كتاب المكاتبة والتدبير والاستيلاء من قوله « اذا جنت أم الولد خطا تعلق أرش الجناية برقبتها » الى قوله « وفي رواية مسمع عن أبي عبد الله جنايتها في حقوق الناس على سيدها »(٢) .

واعلم أن هذه الرواية موافقة لمذهب جميع فقهاء العامة ، على ما حكاه الشيخ في الخلاف عنهم ، الا أبا ثور فانه قال : أرش جنايتها يتعلق بذمتها يتبع به بعد العتق وهو خيرة المزني ، ثم قال بعد ذلك : وعندنا أن جنايتها كجناية المملوك سواء وقد

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٦٢ ، ح ١٦٩.

(٢) شرائع الاسلام ٣ / ١٣٩.

١٨١

تقدم(١) . وكذا قال في المبسوط(٢) ، واستدل باجماع الفرقة وأخبارهم على أنها مملوكة يجوز بيعها.

اذا عرفت هذا فاعلم أن هذا التردد ضعيف ، لان الاجماع اذا انعقد على شي‌ء وجب اتباعه ، وان وردت الرواية بخلافه ، لدلالته على اطراح العمل بمضمونها.

قالرحمه‌الله : من صاح ببالغ فمات فلا دية. أما لو كان مريضا أو مجنونا أو طفلا أو اغتفل البالغ الكامل وفاجأه بالصيحة ، لزمه الضمان ، ولو قيل بالتسوية في الضمان كان حسنا ، لانه سبب الاتلاف ظاهرا.

أقول : القول الاول للشيخرحمه‌الله في المبسوط ، محتجا بالاصل ولان الظاهر أنه لم يسقط من صيحته وانما وافقت سقطته صيحته هذا.

ثم قال : أما لو كان الذي سقط صبيا أو معتوها ، فعلى الصائح الدية والكفارة لان مثل هذا يسقط من شدة الصيحة. وكذا لو كان غافلا فصاح به حالة غفلته.

والشيخ المصنف أوجب الضمان في الصورتين ، بأن الصياح سبب الاتلاف ظاهرا في الصورتين ، فيحكم بكونه سببا لهما شرعا ، بقولهعليه‌السلام : أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

قالرحمه‌الله : قال الشيخ : والدية على العاقلة ، وفيه اشكال من حيث قصد الصائح الى الاخافة ، فهو عمد الخطأ.

أقول : منشؤه : النظر الى أنه فعل خطا ، فتكون الدية المرتبة عليه لازمة للعاقلة كغيره.

والالتفات الى أن الصائح انما قصد بصيحته الاخافة ، فيكون هذا الفعل عمدا شبيه الخطأ ، فتكون الدية فيه على الجاني.

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٣٩٨.

(٢) المبسوط ٧ / ١٦٠.

١٨٢

واعلم أن الشيخرحمه‌الله حقق هذه المسألة بعد هذا الكلام بقليل في مسألة من شهر سيفه في وجه انسان ، فقال : ثم تنظر ، فان كان فعله عمدا فالدية مغلظة في ما له عندنا وعندهم على العاقلة ، وان كان انما صاح به خطا ، فالدية محققة على العاقلة بلا خلاف ، وهذا القول سديد في موضعه.

قالرحمه‌الله : اذا مر بين الرماة فأصابه سهم ـ الى قوله : ولو كان مع المارّ صبي ، فقربه من طريق السهم لا قصدا [ فأصابه ] فالضمان على من قربه لا على الرامي ، لانه عرضه للاتلاف ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ : من أن الرامي مباشر للاتلاف ، فتكون الدية على عاقلته لكونه خطا. أما الصغرى ففرضية ، وأما الكبرى فاجماعية.

والالتفات الى أن المارّ قد عرضه للاتلاف بتقريبه(١) من طريق السهم ، فيكون الضمان عليه ، وهو ضعيف ، لاتفاق الفقهاء على انه اذا اجتمع المباشر والسبب كان الضمان على المباشر دون ذي السبب ، وفيه نظر ، لان الرامي يسقط عنه الضمان بالتحذير ، فيستقر الضمان على السبب اذا.

قالرحمه‌الله : روى أبو جميلة ـ الى قوله : فقمصت المركوبة.

أقول : قال المتأخر : يقال قمصت الفرس وغيرها يقمص قمصا وقماصا اذا رفعت يديها وطرحهما معا وعجفت برجليها ، يقال : هذه دابة فيها قماص بكسر القاف لا بضمها.

واعلم أن للاصحاب في هذه المسألة خمسة أقوال قد ذكر المصنف منها ثلاثة.

وأما القولان الآخران فأحدهما : قول أبي الصلاح ، وهو أن الراكبة ان كان ركوبها بأجرة فالدية على القامصة والناخسة. وان لم يكن بأجرة فالمختار مذهب

__________________

(١) فى « س » : بتقربه.

١٨٣

المفيد ، قال : وهو قضاء عليعليه‌السلام .

والثاني : أن الراكبة ان كانت صغيرة أو مكرهة ، فالدية نصفان ، وان كانت بالغة مختارة فالدية أثلاث ، كما اختاره المفيد ، قاله الراوندي في الرائع ، وهو حسن ، اذ فيه جمع بين قولي الشيخين قدس الله روحهما.

قالرحمه‌الله : من دعا غيره ، فأخرجه من منزله ليلا ـ الى قوله : وان وجد مقتولا وادعى قتله على غيره ، فأقام بينه فقد برئ. وان عدم البينة ، ففي القود تردد والاصح أن لا قود وعليه الدية في ماله.

أقول : ينشأ : من أن شرط جواز القود تحقق القتل العمد العدوان ، وهو مشكوك فيه هنا ، فيسقط القود ، اذ الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط قطعا ، وهو اختيار أكثر الاصحاب ، واختاره المتأخر.

والالتفات الى أن رواية عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفرعليه‌السلام أن القود(١) والفتوى على الاول.

فرع :

لو لم يدع المخرج أن غيره قتله ، قال المتأخر : كان على الذي أخرجه القود بعد القسامة من أوليائه على ما مضى شرحه ، وعندي فيه اشكال.

قالرحمه‌الله : وان وجد ميتا ، ففي لزوم الدية تردد ، ولعل الاشبه أنه لا يضمن أقول : ينشأ : من النظر الى ظاهر قولهمعليهم‌السلام « من أخرج غيره من بيته فهو له ضامن حتى يرجع »(٢) وهو خيرة الشيخ في النهاية(٣) ، وهو مروي عن أبي

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ٢٢١.

(٢) تهذيب الاحكام ١٠ / ٢٢٢.

(٣) النهاية ص ٧٥٦.

١٨٤

عبد اللهعليه‌السلام عن أبي جعفر عن رسول اللهعليهما‌السلام (١) .

والالتفات الى أصل البراءة ، فيتمسك به الى حين ظهور الموجب قطعا أو ظاهرا. قال المتأخر : والذي يقتضيه مذهبنا أنه اذا كان غير متهم عليه ولا يعلم بيتهما الاخير ، فلا دية عليه بحال ، وان علم بينهما عداوة ومخاصمة ، فلاوليائه القسامة بما يدعونه من أنواع القتل ، لان اخراجه مع العداوة التي بينهما يقوم مقام اللوث المقدم ذكره ، فليلحظ ذلك. وما قالهرحمه‌الله حسن.

قالرحمه‌الله : وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في امرأة أدخلت ليلة البناء صديقا الى حجلتها ، فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي ، فقال : تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج ، وفي تضمين دية الصديق تردد ، أقربه ان دمه هدر.

أقول : منشؤه : النظر الى أن دم الصديق هدر ، أما أولا فلدخوله دار الزوج من غير اذنه ، وقد تقدم أن للزوج قتل من يجده في داره للزنا(٢) بأهله ، سواء هم بقتل الزوج أو لم يهتم. وأما ثانيا ، فلانه محارب ، فيجوز دفعه بقدر الامكان ، فلو لم يندفع الا بالقتل جاز اعتماده ، دفعا للضرر عن النفس ، وهو متفق عليه.

واذا ثبت أن دمه هدر لم يكن على أحد ضمانه ، وهو اختيار الشيخ في النكت والمتأخر أيضا.

والالتفات الى أن الزوجة غارة للصديق ، فيلزمها ديته ، كمن ألقى رجلا في البحر فابتلعه الحوت ، وهو خيرة الشيخ في النهاية(٣) وللرواية(٤) . والاول أصح وهذه الرواية اشارة الى حكم في واقعة ، والفعل لا عموم له ، لانه يكفي في صحة

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ٢٢١.

(٢) فى « م » : للبناء.

(٣) النهاية ص ٧٥٦.

(٤) تهذيب الاحكام ١٠ / ٢٠٩ ، ح ٢٩.

١٨٥

الاخبار عنه الاتيان به مرة واحدة ، فيحمل على أنهعليه‌السلام حكم بذلك لعلمه بما يوجب ذلك الحكم ، وان كان الراوي نقله من غير علم السبب المقتضي له ، فلا يعدى.

والحجلة هي الستر والخيمة التي يضرب للنساء في السفر ، قاله المصنف في النكت.

وقال المتأخر : الحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس ، وهو بيت يفرش بالثياب والاسرة والنمارق والستور ، هكذا ذكره الجوهري في الصحاح(١) .

فلا يظن ظان أن الحجلة هي السرير ، ويعضد قول الجوهري الحديث المأثور « اعروهن يلزمن الحجال »(٢) والمراد به البيوت دون الاسرة وفاقا ، واذا ثبت استعماله في ذلك امتنع استعماله في غيره ، دفعا للاشتراك والمجاز.

قالرحمه‌الله : في البحث الثاني في الاسباب : وكذا اخراج الرواشن في الطرق المسلوكة اذا لم تضر بالمارة ، فلو قتلت خشبة بسقوطها ، قال الشيخ : يضمن نصف الدية ، لانه هلك عن مباح ومحظور ، والاقرب أنه لا يضمن مع القول بالجواز.

أقول : قال الشيخ في المبسوط عقيب ذكره : فأما قدر الضمان باعتبار حصول الموت بالسقوط ، فان سقطت الخشبة بأجمعها فقتلت ، ضمن نصف الدية ، لانه هلك من فعلين ، واحدهما مباح وهو الساقط الكائن في حد الملك ، فيسقط ما حصل بسببه. والاخر محظور ، وهو الخارج عن حده ، فيضمن ما حصل بسببه.

ثم سوى في الضمان بين ما اذا أصاب المقتول الطرف الخارج أو الاخر ، لحصول القتل باصابته وثقل الاخر ، وأوجب ضمان كل الدية مع وقوع الخارج خاصة ، لتمحض الهلاك من المحظور خاصة.

__________________

(١) صحاح اللغة ٤ / ١٦٦٧.

(٢) عوالى اللئالى ٣ / ٦٢٢.

١٨٦

وحكم المصنف بعدم الضمان مطلقا ، محتجا بأن النصب سائغ فلا يستعقب ضمانا ، أما الاولى ففريضة ، وأما الثانية فاتفاقية.

قالرحمه‌الله : وفي ضمان جناية الهرة المملوكة تردد ، قال الشيخ : يضمن بالتفريط مع الضراوة ، وهو بعيد ، اذ لم تجر العادة بربطها ، نعم يجوز قتلها.

أقول : منشؤه : النظر الى أن السنور الضري مساو للكلب العقور في الاذى فيجب حفظه ، ويضمن مالكه جنايته مع التفريط في حفظه عملا بالمقتضي ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى عموم قولهعليه‌السلام « جرح العجماء جبار »(١) ترك العمل به في ايجاب الضمان على مالك الكلب العقور والدابة الصائلة مع تفريطه في حفظها للاجماع ، ولان هذه الاشياء مما جرت العادة بربطها ، بخلاف الهرة ، وهو قوي.

وأما جواز قتلها والحال هذه ، فمتفق عليه لانعقاد الاجماع على جواز قتل المؤذيات.

قالرحمه‌الله : راكب الدابة يضمن ما يجنيه بيديها ، وفي ضمان ما يجنيه برأسها تردد ، أقربه الضمان لتمكنه من مراعاته وكذا القائد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المقتضي لضمان ما يجنيه بيديها انما هو التمكن من حفظها عن الجناية على الغير ، وهذا المعنى متحقق هنا ، فيجب القول بثبوت الضمان فيه ، عملا بالعلية ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى أصل البراءة ترك العمل به في ضمان ما يجنيه بيديها ، فيبقى الباقي على الاصل ، وهو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف.

قالرحمه‌الله في البحث الثالث في تزاحم الموجبات : ولو جهل المباشر حال السبب ضمن المسبب ، كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ٢٢٥ ، ح ١٧.

١٨٧

ولما(١) يعلم ، فالضمان على الحافر.

أقول : انما أتى هنا بلفظة « لما » دون « لم » لانها تفيد انتفاء الفعل ممتدا الى وقت حديثك به ، قال تعالى «وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(٢) ومعناه : انهم كانوا غير مؤمنين الى وقت الاخبار عنهم ، بخلاف « لم » فانها انما يفيد انتفاء الفعل الماضي خاصة.

فمعنى قولنا « ولما يعلم » أي : ان الجهل بذلك مستمر الى حين الدفع ، وليس ذلك صريحا مع « لم » فلهذا أتى بـ « لما » وهذا فرق حسن ذكره بعض النحاة.

قالرحمه‌الله : ولو قال : ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه ، ضمن دفعا لضرورة الخوف. ولو لم يكن خوف فقال : ألقه وعلي ضمانه ، ففي الضمان تردد أقربه أنه لا يضمن.

أقول : هنا مسألتان : أما الاولى ، فلا خلاف بيننا في صحة الضمان فيها ولزومه لما فيه من المصلحة المطلوبة للعقلاء ، وهي دفع خوف الغرق عن النفس ، وعليه فقهاء الجمهور الا أبا ثور قال الشيخ في الخلاف : وأبو ثور شاذ لا يعتد به.

وأما الثانية فقد ادعى الشيخ في المبسوط الاجماع على بطلان الضمان فيها وهو موافق للمذهب ، لانه ضمان ما لم يجب.

والمصنف تردد في ذلك ، ومنشؤه : النظر الى أن هذا الضمان عقد ، فيجب الوفاء به. أما الصغرى ففرضية ، اذ التقدير أن الضامن أوجد الايجاب ، أعني : صيغة الضمان والملقى رضي به ، ولا شك في أن العقد اسم للايجاب والقبول. وأما الكبرى فلقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(٣) وهو عام إلا فيما خصه الدليل ، ولا

__________________

(١) فى الشرائع المطبوع : ولم.

(٢) سورة الحجرات : ١٤.

(٣) سورة المائدة : ١.

١٨٨

مخصص قطعا أو ظاهرا هنا.

والالتفات الى أن مقتضى الاصل عدم صحة الضمان في الموضعين ، لكونه ضمان ما لم يجب ، لكن ترك العمل به في الصورة الاولى ، لما في تسويغة من المصلحة الظاهرة الراجحة ، فتبقى الثانية على الاصل لعرائها عن هذه الفائدة ، وهو المعتمد.

واعلم أن هذا التردد ضعيف جدا ، لما فيه من مخالفة الاجماع الذي نقله الشيخ في المبسوط ، والاستدلال الذي ذكرناه على جواز الضمان ضعيف ، اذ العموم لا ينهض معارضا للاجماع.

قالرحمه‌الله في النظر الثالث في الجناية على الاطراف : وفي الحاجبين خمسمائة دينار ، وفي كل واحد نصف ذلك ، وما أصيب منه فعلى الحساب ، وفي الاهداب تردد ، قال في المبسوط والخلاف : الدية ان لم ينبت ، وفيها مع الاجفان ديتان. والاقرب السقوط حالة الانضمام والارش حالة الانفراد.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قولهمعليهم‌السلام « كل ما في الجسد منه اثنان ففيه الدية ، وكل ما في الجسد منه أربعة ففيه الدية » ولا شك أن الاهداب في الجسد أربعة ، فتجب فيها الدية أرباعا ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط والخلاف ، محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم.

والالتفات الى أن أصل البراءة ينفي التقدير مطلقا ، ترك العمل به في بعض الصور ، للنص ، والاجماع ، فيبقى الباقي على أصله ، وهو خيره المتأخر ، فانه قال بعد أن أورد كلام الشيخ في المبسوط : والذي يقتضيه مذهبنا أن الاهداب ـ وهو الشعر النابت على الجفن ـ لا دية فيه مقدرة ، لان الاصحاب لم يقدروا في السعر مقدار الا في شعر الرأس واللحية والحاجبين ، فالحاق غيرها بها قياس ، وهو باطل عندنا.

١٨٩

ثم قال بعد كلام : فاذا أعدم ذلك وكان مفردا عن الاجفان كان فيه حكومة ، واذا أعدمه مع الاجفان كان في الجميع دية الاجفان ، لان الاهداب تبع للاجفان ، كما لو قطع اليد وعليها شعر.

وذكر بعد ذلك كلاما طويلا لا فائدة في ايراده ، وإليه صار المصنف ، والاقرب عندي ثبوت الارش حالة الانفراد والدية للاجفان ، والارش لها حالة الانضمام ، لان شعر العينين فيه جمال ومنفعة ، بخلاف شعر البدن ، وإليه صار بعض الجمهور.

قالرحمه‌الله : وفي العين الصحيحة من الاعور الدية كاملة ، ووهم هنا واهم فتوق زلله.

أقول : أشار بذلك الى ما توهمه المتأخر من كلام الشيخ في النهاية ، حيث قال : وفي العين العوراء الدية اذا كانت خلقة ، أو ذهبت بآفة من الله تعالى.

فانه توهم أن المراد بالعوراء الفاسدة ، وزعم أن في الذاهبة بالآفة والخلقة خمسمائة دينار ، ونزل كلام الشيخ على هذا التأويل ، وهو غلط ، فان الشيخ أراد بالعوراء هنا الصحيحة من عين الاعور. وانما سماها بذلك ، لانها ليس لها أخت من جنسها.

وفى الحديث أن أبا لهب اعترض على النبيعليه‌السلام عند اظهار الدعوة ، فقال له أبو طالب : يا أعور ما أنت وهذا ، قال ابن الاعرابي : ولم يكن أبو لهب أعور وانما العرب يقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه : أعور. فالشيخ استعمل ذلك اتساعا وتبعا للفظ الرواية المروية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

فأما قول الشيخرحمه‌الله « اذا كانت خلقة » الى آخره ، فانه يريد به الذاهبة أضمرها ولم يجر لها ذكر اتساعا ولدلالة اللفظ عليه.

قال :رحمه‌الله ولو اسودت السن بالجناية ولم تسقط فثلثا ديتها ، وفيها بعد الاسوداد الثلث على الاشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين أصحابنا ، واحتج الشيخ في الخلاف عليه باجماع

١٩٠

الفرقة وأخبارهم ، وذهب في النهاية الى أن فيها ربع الدية ، وبه رواية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ضعيفة ، لضعف رجالها ، ولوجود الرواية الصحيحة الدالة على ما قلناه المتأيدة بعمل أكثر الاصحاب ، خصوصا مع نقل الشيخ الاجماع عليها.

قالرحمه‌الله : والدية في المقلوعة مع سنخها ، وهو الثابت منها في اللثة. ولو كسر ما برز عن اللثة فيه تردد ، والاقرب أن فيه دية السن.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن ذلك يسمى سنا ، فتجب فيه ديته. أما الصغرى فللنقل عن أهل اللغة ، وقد ذكره الشيخ في المبسوط والمتأخر ، فالا السن ما شاهدته زائدا على اللثة والسنخ أصله. وأما الكبرى ، فللاخبار الدالة على وجوب الدية مع قلع السن ، وهو خيرتهما.

والالتفات الى أن أصل البراءة ينفي الوجوب مطلقا ، ترك العمل به في ايجاب الدية مع القلع من السنخ مطلقا ، فيبقى على أصالته ، وهو ضعيف ، اذ الاصالة تخالف لقيام الدلالة وقد بيناها.

قالرحمه‌الله : ولو قطع حلمتي الثديين ، قال في المبسوط والخلاف : فيهما الدية. وفيه اشكال ، من حيث أن الدية في الثديين والحلمتان بعضهما.

أقول : ينشأ : من النظر الى عموم قولهمعليهم‌السلام « كل ما في الجسد منه اثنان ففيه الدية » وهو خيرة المتأخر ، ولانهما من تمام الخلقة ، وبهما الجمال والمنفعة ، وهذا الدليل ذكره الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى أن الشارع جعل الدية في الثديين ، ولا جرم أن الحلمتين بعضهما ، وجعل الدية في الكل يقتضي التقسيط على الاجزاء ولعله أقرب لاعتماده على أصالة البراءة.

قالرحمه‌الله : وفي افضاء المرأة ديتها ـ الى قوله : ولو كانت المكرهة بكرا ، هل يجب لها أرش البكارة زائدا عن المهر؟ فيه تردد ، والاشبه وجوبه.

١٩١

أقول : الافضاء جعل مدخل الذكر ، وهو مخرج المني والحيض والولد ومخرج البول واحدا. واعلم أن مخرج المني أسفل الفرج ، ومخرج البول من ثقبة كالاحليل في أعلى الفرج ، وبين المسلكين حاجز رقيق ، فالإفضاء ازالة ذلك الحاجز ، هذا تفسير الشيخ في المبسوط والمتأخر.

وقال جماعة من أهل العلم : الافضاء جعل مدخل الغرمول ومخرج الغائط واحدا. وهو بعيد ، لان بينهما حاجزا عريضا قويا.

اذا عرفت هذا فنقول : منشأ التردد : من النظر الى أن أرش البكارة والدية والمهر كل واحد منها وجب بمعنى مغاير لما وجب له الاخر ، والتداخل على خلاف الاصل ، فلا يصار إليه الا لدليل ، وحيث لادلالة فلا مصير ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والمتأخر.

والالتفات الى أصالة البراءة ، ترك العمل بها في ايجاب المهر والدية ، ويبقى الباقي على أصله ، ولان الافضاء تدخل فيه البكارة ، فتكون ديته كافية عنهما ، وهو قوي.

فرع :

قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لو كان البول مستمسكا ، فلا زيادة على الدية. وان كان مسترسلا ، ففيه الحكومة ، مدعيا للاجماع وهو حسن.

قالرحمه‌الله : ويلزم ذلك في ماله ، لان الجناية اما عمد أو شبيه بالعمد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بعد أن ذكر كيفية تصوير العمد والشبيه به في الافضاء وأحال بعضهم أن يتصور فيه خطأ محض.

وقال بعض المتأخرين : وهو جيد أنه يتصور الخطأ المحض ، وهو اذا كان له زوجة قد وطأها ويعلم أن وطأها لا يفضيها بعد هذا فأصاب على فراشه امرأة

١٩٢

فأفضاها معتقدا أنها زوجته ، فانه خطأ محض ، كما لو رمى حربيا فوقع على مسلم فقتله ، كان خطا محضا بلا اشكال.

اذا عرفت هذا ظهر عندك ضعف حصر الشيخ المصنف.

قالرحمه‌الله في المقصد الثالث في الشجاج والجراح : ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما واتصل الهشم باطنا ، قال في المبسوط هما هاشمتان ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن أصالة البراءة تنفي الوجوب مطلقا ، ترك العمل به في ايجاب دية هاشمة واحدة ، لانه مما لا بدّ منه ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، وهو قوي ، ولان أهل العرف يسمون ذلك هاشمة واحدة ، ولا معارض له من اللغة ، فيجب اتباعه في ذلك.

والالتفات الى أن طريقة الاحتياط قاضية بذلك ، اذ مع أداء دية هاشميين يحصل يقين البراءة ، بخلاف ما ذكرناه ، وهو ضعيف ، لان الاحتياط ليس بموجب.

قالرحمه‌الله : من لا ولي له ، فالامام ولي دمه ، يقتص له ان قتل عمدا ، وهل له العفو؟ الاصح لا.

أقول : ذهب أكثر الاصحاب الى المنع من ذلك ، ومستنده النقل المستفيض عن أهل البيتعليهم‌السلام . وذهب المتأخر الى جوازه ، تمسكا بأن الامام ولي المقتول ووارثه لو مات ، والدية يرثها من يرث المال الا كلالة الام ، واذا صح ميراثه لها جاز عفوه عن القصاص إليها. وقال : جنايته على الامام ، لانه عاقلته ، فيكون له ميراثه المستلزم لجواز العفو ، وادعى أن الشيخ رجع عن مقالته في بعض مصنفاته ولم يعين. والكل ضعيف.

قوله « الامام ولي المقتول » قلنا : ان عنيت به أن له أن يقتص عنه فمسلم ، لكن لا يلزم منه ثبوت المطلوب. وان عنيت به أعم من هذا ، بحيث أن له الصلح على

١٩٣

الدية والعفو عنها ممنوع ، اذ لا دليل عليه.

وقوله « والامام وارثه لو مات » قلنا : مسلم لكن لا نسلم أنهعليه‌السلام يرث من الدية ككلالة الام ، فان استندت فيها الى الرواية فكذا نحن هنا ، وان استندت فيها الى الاجماع ، فهو ممنوع لوجود الخلاف وقد قدمناه.

ومفهوم قوله « الدية يرثها من يرث المال » أن الدية لا يرثها الا من يرث ، الا ان كل من يرث المال يرث الدية.

وقوله « جنايته على الامام لانه عاقلته فيكون له ميراثه » قلنا : ما الملازمة؟. وأما دعوى النقل عن الشيخ ، فلا يصححا الا الوجود. هذا آخر كلام صاحب كشف الرموز. وفيه نظر.

قالرحمه‌الله في النظر الرابع في اللواحق : ولو عزل المجامع عن الحرة اختيارا ولم تأذن ، قيل : يلزمه عشرة دنانير ، وفيه تردد ، أشبهه أنه لا يجب.

أقول : ينشأ : من النظر الى الاصالة النافية للوجوب ، ولان الاصل براءة الذمة ، فلا يعلق عليها شي‌ء الا مع وجود الدليل الدال عليه قطعا أو ظاهرا ، وهما منتفيان هنا ، لان الدال على ذلك انما هو خبر واحد شاذ ، وأخبار الآحاد لا يقتضي علما ولا عملا خصوصا مع منافاتها الاصل ، وهو خيرة المتأخر محتجا بعين هذا الدليل ، ويؤيد قوله ما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن العزل ، فقال : الماء للرجل يصرفه حيث يشاء.

ومن الالتفات الى الروايتين المرويتين عن أهل البيتعليهم‌السلام الدالتين على الوجوب ، وهو خيرة شيخنا المفيد والشيخ في النهاية وأبي الصلاح في الكافي وعليه أتباع الشيخ.

قالرحمه‌الله : في الثالثة في كفارة القتل : ولو ظنه كافرا فلا دية وعليه الكفارة.

ولو كان أسيرا قال الشيخ : يضمن الدية والكفارة ، لانه لا قدرة للاسير على التخلص

١٩٤

وفيه تردد.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن أصالة البراءة تنفي وجوبها ، ترك العمل بها في ايجاب الكفارة للآية : فيبقى معمولا بها فيما عداها ، وهو أحد قولي الشافعي.

ومن الالتفات الى عموم قوله تعالى « ومن قتل مؤمنا خطا فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة » وهذا مؤمن فيجبان معا بقتله ، عملا بظاهر الآية ، ولقولهعليه‌السلام « في النفس المؤمنة مائة من الابل » وهذه نفس.

وهذان احتج بهما الشيخ في الخلاف ، واحتج في المبسوط بأن الاسير غير مختار في كونه هناك ، فتجب له الدية.

فرع :

لا فرق بين أن يقصده بعينه ، أو لم يقصده اذا لم يعلم كونه مؤمنا. وقال الشافعي : ان قصده بعينه فعليه الدية والكفارة على أحد القولين والاخر كفارة بلا دية. وان لم يقصد بعينه فالكفارة بلا دية.

قالرحمه‌الله : واذا قبل من العامد الدية ، وجبت الكفارة قطعا. ولو قتل قودا هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط : لا تجب ، وفيه اشكال ينشأ من كون الجناية سببا.

أقول : اعلم أن للشيخ في هذه قولين : الوجوب ، وهو ظاهر كلامه في الخلاف محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم ، وبأن طريقة الاحتياط تقتضي ذلك والثاني قاله في المبسوط. وهو الذي يقتضيه مذهبنا ولم يبد حجة سوى ذلك ، والمصنف استشكل القول بالسقوط من حيث أن الجناية سبب موجب للقود ، وهي حاصلة من جهته ، فلا يعد عذرا مسقطا للكفارة ، كما لو مات بعد أن أخذت منه الدية.

قالرحمه‌الله في الرابعة في العاقلة : ولا يعقل مولى المملوك جنايته ـ الى

١٩٥

قوله : أو مستولدة على الاشبه.

أقول : قد سبق هذا البحث فيما سلف.

قالرحمه‌الله : وضامن الجريرة يعقل ، ولا يعقل عنه المضمون ـ الى قوله : نعم لا يضمن الامام مع وجوده ويسره على الاشبه.

أقول : هذا هو المشهور بين الاصحاب ، وذكره شيخنا في نهايته ، وأتبعه المتأخر ، وكلام المصنف يدل على وجود مخالف فيه ، ولا يحضرني الآن ذلك وان كان فهو مدفوع بالشهرة.

قالرحمه‌الله : وأما كيفية ، التقسيط ، فان الدية تجب ابتداءً على العاقلة ولا يرجع بها على الجاني على الاصح.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية عن بعض الاصحاب جواز الرجوع على القاتل ، ثم قال في الاولين : ولا أعرف به قضاء ولا قولا ، واحتج في الخلاف بظواهر الاخبار الدالة على لزوم الدية للعاقلة ابتداءً وليس في شي‌ء منها ما يدل على الرجوع على القاتل.

ونسب الشيخ المصنف والمتأخر هذا القول الى شيخنا المفيد في المقنعة ولم يذكر المستند. وربما احتج بأن ذلك غرم لزم العاقلة بسببه ، فكان لها الرجوع عليه ويضعف بأن الجناية لم توجب عليه دركا للمجني عليه ، فأولى بأن لا توجب للعاقلة وفيه نظر.

قالرحمه‌الله : ولو قتل الأب ولده خطا ، فالدية على العاقلة ويرثها الوارث وفي توريث الأب هنا قولان ، ولو لم يكن وارث سوى العاقلة ، فان قلنا الأب لا يرث فلا دية ، وان قلنا يرث ففي أخذه من العاقلة تردد. وكذا البحث لو قتل الولد أباه خطا.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم الاخبار الدالة على لزوم العاقلة الدية ويسلمها

١٩٦

الى أولياء المقتول ، ولا شك أن الولي هنا الأب ، فيجب التسليم إليه ، عملا بالعموم والالتفات الى أن ذلك يستلزم ان القاتل يقتل ويأخذ ، وهو بعيد. أما أولا ، فلصيرورة الجناية وسيلة الى تحصيل الاموال. وأما ثانيا ، فلما في ذلك من توفر الدواعي على القتل الخطأ ، وهما ضعيفان ، أما الاول فلانه مجرد استبعاد وليس دليلا. وأما الثاني فلانا لا نوجب الاخذ من العاقلة الا عند تحقق كون القتل خطا.

واعلم أن هذا الاشكال انما يتأتى على قول من يورث القاتل خطا مطلقا. أما من يمنعه مطلقا أو من الدية ، فالاشكال ليس بوارد عليهما.

قالرحمه‌الله : وكذا لو رمى مسلم طائرا ثم ارتد فأصاب مسلما ، قال الشيخ : لم يعقل عنه المسلمون من عصبته ولا الكفار ، ولو قيل : يعقل عنه عصبته المسلمون كان حسنا ، لان ميراثه لهم على الاصح.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : انما لم يعقل عنه الكفار ، لانه أرسله وهو مسلم ، فتكون الدية في ماله. والشيخ المصنف أوجب الدية على عاقلة المسلم ، وهو حسن. أما أولا فلان مقتضى الاصل لزوم الدية للعاقلة المسلمين في الصورتين : أعني صورة ما لو رمى وهو ذمي ثم أسلم فقتل السهم مسلما ، وهذه الصورة لكون الميراث لهم فيهما معا ، ترك العمل بها في الصورة الاولى ، للاجماع فيبقى الباقي على أصله. وأما ثانيا فلان المرتد ميراثه لورثته المسلمين ، فتكون ديته عليهم.

وحيث أتينا بما قصدنا اثباته وذكره ، وأوردنا ما أردنا ايراده وسطره ، فلنحمد الله الذي جعلنا من المتمسكين بإهذاب مذهب الائمة الاطهار المنزهين عن الخطل والزيغ والآصار ، الاخذين علومهم عن النبي المختار محمد بن عبد الله ، من أكرم بيت وأشرف الابرار ، المؤيد بالمهاجرين والانصار ، صلى الله عليه وعليهم آناء الليل وأطراف النهار ، ونسأله أن يجعل ما كتبناه حجة لنا يوم القرار ، وعدة نستدفع بها أهوال تلك الدار ، انه هو الكريم الغفار المتطول بالانعم السنية الغزار.

١٩٧

قال في آخر نسخة « م » : تم كتاب إيضاح ترددات الشرائع ، تأليف الشيخ العالم الكامل نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي ، والحمد لله وحده وصلى الله على أكرم المرسلين وسيد الاولياء محمد بن النبي وآله وعترته الطاهرين ، وذلك في يوم ثامن الحرام من سنة خمس خمسين وسبعمائة الهلالية بالحلة ، عمرها الله بالصالحين من عباده ، على يد كاتبه مالكه أضعف الفقير الى رحمته وعفوه علي بن حسن بن أحمد بن ابراهيم بن مظاهر ، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات و رب اختم بالخيرات.

وقال في آخر نسخة « س » : تم الكتاب والحمد لله حق حمده ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا ، برحمتك يا أرحم الراحمين. فرغ من تعليقه أفقر عباد الله وأحوجهم الى مغفرته ورحمته ورضوانه علي بن حسن بن علي الحلي محتدا مسكنا ومولدا ، نصف نهار الاربعاء حادي وعشرين من شهر من شهور سنة ست وخمسين وسبعمائة ، وصلى الله على محمد وآله ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، الاحياء منهم والاموات ، ولجميع من قرأ فيه أو نظر فيه أو نسخ منه أو طالعه وترحم على المؤمنين والمسلمين ولوالديه ودعا له بالمغفرة ...

وقال في هامش « س » : اتفقت المقابلة والتصحيح من أوله الى آخره بنسخة بخط شيخنا العلامة جمال الدين أحمد بن فهد قدس الله روحه. والمفهوم من النسختين أنهما غير مقابلتين ، لكن بحسب ما أمكن وكتب الفقير علي بن قاسم المعروف بابن عدافة عفا الله عنهم.

وتم بحمد الله تعالى استنساخ الجزءين من الكتاب تصحيحا وتحقيقا وتعليقا عليه ، مع تحمل المشاق الشديدة في استنساخهما حيث أن النسختين كانتا بالخط الحلي وهو من أصعب الخطوط المتداولة قراءة ، وكان الفراغ منه في اليوم العاشر

١٩٨

من الرجب المرجب سنة ألف وأربعمائة وثمان هجرية على يد الفقير المحتاج السيد مهدي الرجائي عفي عن جرائمه في بلدة قم حرم أهل البيتعليهم‌السلام .

١٩٩

فهرس مطالب الكتاب

 ذكر ترددات كتاب النكاح ٣

 ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الخلع ٣٦

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب التدبير ٦٠

 فى ذكر الترددات المذكورة فى فصل المكاتبة ٦٥

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الاقرار ٧٠

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الأيمان ٧٧

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب النذر ٩١

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الصيد ٩٧

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الغصب ١٠٧

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الشفعة ١١٤

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب احياء الموات ١٢٢

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب اللقطة ١٢٦

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الفرائض ١٣٢

 فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب القضاء ١٤٠

فهرس مطالب الكتاب.. ٢٠٠

٢٠٠