ايضاح ترددات الشرائع الجزء ٢

ايضاح ترددات الشرائع30%

ايضاح ترددات الشرائع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 200

  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18345 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
ايضاح ترددات الشرائع

ايضاح ترددات الشرائع الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

هذا وإن كان في الجواب الأوّل للإمامعليه‌السلام دلالة على خلقه ، وأنّه ليس بقديم ، إذ أنّ كلام الله معناه غير الله ، وكُلّ ما كان غير الله فهو حادث مخلوق.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

قولنا : صدق الله العلي العظيم :

س : عندي سؤال وهو : نحن الشيعة عندما ننهي الآية أو السورة من القرآن الكريم نقول : صدق الله العلي العظيم ، ولا نقول : صدق الله العظيم ، فما هو السر في ذكر العلي؟ ودمتم موفّقين.

ج : من الطبيعي عدم ورود مثل هذه الأُمور في الروايات ، لذا فمن الناحية الأوّلية يمكن الإتيان بأيّهما شاء ، لكن لمّا كان في هذه الجملة « العلي العظيم » من زيادة في تعظيم الله تعالى أوّلاً ، وثانياً لأنّها وردت في القرآن الكريم بموردين :

١ ـ قوله تعالى :( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (١) .

٢ ـ قوله تعالى :( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٢) .

ولم نجد في القرآن اقتران العظيم بلفظ الجلالة لوحده فقط ، لذا كان الأفضل هو الجملة الأُولى ، أي : « العلي العظيم » ، ولهذا تمسّك بها أتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

( ـ المغرب ـ )

جواز قراءته بالقراءات المشهورة :

س : قرأت كلاماً للشيخ السبحاني مفاده : إنّ القراءة المعتمدة في القرآن الكريم هي القراءة المسندة إلى أمير المؤمنين علي أبي طالب عليه‌السلام دون باقي الروايات ، فهل هذا يعني أنّ القراءات الأُخرى لا تعتبرونها؟ وكيف يكون ذلك

__________________

١ ـ البقرة : ٢٥٥.

٢ ـ الشورى : ٤.

٢١

والقراءات الأُخرى مروية بالتواتر ، وتستند إلى أجلّة الصحابة ، كأُبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عباس.

ونحن في المغرب ، لا نعرف سوى رواية ورش عن نافع ، التي تنتهي إلى ابن عباس ، ثمّ إقرار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر بن الخطّاب والصحابي لمّا أختلفا في قراءة آية وغير ذلك ، أليس هذا أصلاً لاختلاف القراءات؟ وفّقكم الله لإصابة الحقّ ولشفاء الصدر.

ج : إنّ فقهاء الشيعة يفتون بجواز قراءة القرآن بالقراءات المشهورة ، وكون القراءات السبع مجزية عندهم ، ولكن الاختلاف بين الشيعة وأهل السنّة في كون القرآن نزل على سبعة أحرف ، حيث تنفي الشيعة هذا ، وذلك بالاعتماد على ما روي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

فعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد »(١) .

( ـ المغرب ـ سنّي )

نزل على حرف واحد :

س : أودّ من فضيلة العلماء أن يرشدوني في مسألة ما تزال غامضة إلى الآن ، خاصّة أنّ كثيراً ممّن تطرّق إليها لا يوفّي حقّها ، ويترك أمام القارئ سلسلة من الاحتمالات والمفاهيم الناقصة ، التي لا تشفي غليل الباحث عن الحقّ ، ذلك أنّي قرأت كتاباً للشيخ مناع القطان بعنوان : مباحث في علوم القرآن ، تطرّق فيه إلى مسألتين مهمّتين : الحروف السبع التي أنزل عليها القرآن الكريم ، والقراءات التي يقرأ بها.

فذكر أنّ القول الراجح هو : أنّ معنى الحروف السبع المذكورة في الأحاديث هي عدد لهجات العرب ، وهذا تخفيفاً على الناس كما ذكر ، ثمّ لمّا وقع

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢٢

الاختلاف والتنازع زمن عثمان بن عفّان ، تمّ جمع الناس على لغة قريش ، أمّا اختلاف القراءات يرجع إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك بأحد أمرين :

أمّا أن يكون الاختلاف في القراءة صادراً عن النبيّ الكريم ، كقراءة ملك ومالك ، وإقرار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان الفارسي ذلك : بأنّ منهم صدّيقين ورهباناً ، بدل قسّيسين ورهباناً الآية ، وغير ذلك ممّا هو كثير ، أو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّ من يقرأ على هذه القراءة.

إذاً ، فكُلّ قراءة توفّرت فيها الشروط ، ومنها التواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هي قراءة صحيحة ، كما أنّني كنت قرأت عن بعض علمائكم أنّكم لا تعتبرون إلاّ قراءة حفص عن عاصم ، فما مصير القراءات الأُخرى؟

ج : الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المجال تقول : أنّ القرآن نزل على حرف واحد ، لا على سبع حروف كما يدّعون ، فالقرآن واحد ، نزل من عند الواحد ، أنزله الواحد على الواحد ، فهذه هي عقيدة أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بالقرآن.

وأمّا سبب اختلاف في القراءة فله تأويلات ، وأسباب كثيرة ، وعلى كُلّ حال ، فالقرآن لم ينزل على أشكال وقراءات ، وإنّما الاختلاف حصل من البشر.

( عادل عبد الحسين العطّار ـ البحرين ـ )

جواز قراءته في أيّام الدورة الشهرية غيباً :

س : هل يجوز لمن هي في أيّام الدورة الشهرية قراءة القرآن غيباً؟ ولكم منّي جزيل الشكر والاحترام.

ج : جوّز فقهاؤنا قراءة القرآن الكريم على ظهر الغيب ـ لمن هي في أيّام الدورة الشهرية ـ وفي المصحف ، ولكن لا تمسّ المصحف ، ولا تقرأ آيات السجدة.

ونلفت انتباهك إلى أنّ الروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام وردت في جواز قراءة القرآن لمن هي في أيّام الدورة الشهرية ، إلاّ أنّها تنصّ على كراهة قراءة أكثر من سبع آيات.

٢٣

( يوسف العاملي ـ المغرب ـ )

تفسير( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) :

س : السلام على جميع العاملين في هذا المركز العظيم ، الذي نشر تعاليم آل محمّد وعلومهم ، جعلهم الله شفعاؤكم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلب سليم ، وهكذا فإنّنا نبارك لكم حلول أيّام العيد الفطر السعيد ، جعله الله عليكم خيراً وغفراناً من كُلّ ذنب.

لقد أرسلتم لنا في شهر رمضان المبارك هذا العام كتاب جميل جدّاً : عقائد الإمامية لكاتبه العلاّمة الشيخ محمّد رضا المظفّر ، فالشكر لكم على ما تخصصوه من العناية والرعاية لأتباع هذا المذهب في كُلّ أنحاء العالم.

لكنّني عندما قرأت هذا الكتاب الرائع استوقفتني جملة في ، وهي كالتالي : يقول العلاّمة : كما لا يجوز لمن كان على غير طهارة أن يمسّ كلماته أو حروفه( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) سواء كان محدثاً بالحدث الأكبر ، كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها

وبدوري أتساءل : هل يصحّ أن نفسّر هذه الآية بدلالتها اللفظية الظاهرية؟ ونحن نعلم جميعاً أنّ جلّ علماء الشيعة استدلّوا بهذه الآية على عمق علوم أهل البيتعليهم‌السلام فقالوا : إنّ تلك المعاني العميقة في القرآن لا يمكن لأحد غيرهم فهمها أو إدراكها؟ فكيف يمكن التوفيق بين ما جاء في هذا الكتاب وما قلناه نحن؟ لا تنسونا من خالص الدعاء.

ج : لا مانع من دلالة الآية الشريفة على المعنيين المذكورين بنظرتين مختلفتين في الرتبة ، فعندما ننظر إليها من زاوية الأخذ بظاهر الألفاظ ، تعطينا حكماً فقهياً يمكننا الاستدلال عليه بهذه الآية ، وحينما نريد أن نتأمّل فيها ونستنتج مفادها ، فسوف ترشدنا إلى حكم عقائدي في غاية الأهمّية ، وهو : الإشارة إلى عظمة مرتبة أهل البيتعليهم‌السلام العلمية ، وقد جاء هذان التفسيران للآية في مصادر الفريقين ، فلاحظ.

__________________

١ ـ الواقعة : ٧٩.

٢٤

ثمّ إنّ العلاّمة المظفرقدس‌سره لا يريد أن ينفي التفسير الثاني ، بل كان في مقام الاستدلال بالآية على المعنى الأوّل.

( محمّد الحلّي ـ البحرين ـ )

فائدة الآية المنسوخة :

س : ما الفائدة من الآية المنسوخة؟

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

الأُولى : ما معنى النسخ؟

أ ـ النسخ في اللغة : هو الاستكتاب ، كالاستنساخ والانتساخ ، وبمعنى النقل والتحويل ، ومنه تناسخ المواريث والدهور ، وبمعنى الإزالة ، ومنه نسخت الشمس الظلّ ، وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصحابة والتابعين ، فكانوا يطلقون على المخصّص والمقيّد لفظ الناسخ.

ب ـ النسخ في الاصطلاح : هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه ، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها ، من الأُمور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنّه شارع ، وهذا الأخير كما في نسخ القرآن من حيث التلاوة فقط.

الثانية : هل وقع النسخ في الشريعة الإسلامية؟

لا خلاف بين المسلمين في وقوع النسخ ، فإنّ كثيراً من أحكام الشرائع السابقة قد نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية ، وإنّ جملة من أحكام هذه الشريعة قد نسخت بأحكام أُخرى من هذه الشريعة نفسها ، فقد صرّح القرآن الكريم بنسخ حكم التوجّه في الصلاة إلى القبلة الأُولى ، وهذا ممّا لا ريب فيه.

الثالثة : أقسام النسخ في القرآن :

١ ـ نسخ التلاوة دون الحكم :

٢٥

وقد مثّلوا لذلك بآية الرجم فقالوا : إنّ هذه الآية كانت من القرآن ، ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، والقول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف ، ومستند هذا القول أخبار آحاد ، وأخبار الآحاد لا أثر لها.

٢ ـ نسخ التلاوة والحكم :

ومثّلوا لنسخ التلاوة والحكم معاً ، بما روي عن عائشة أنّها قالت : « كان فيما أُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرّمن ، ثمّ نسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهن فيما يقرأ من القرآن »(١) .

والكلام في هذا القسم ، كالكلام على القسم الأوّل بعينه.

٣ ـ نسخ الحكم دون التلاوة :

وهذا القسم هو المشهور بين العلماء والمفسّرين ، وقد ألّف فيه جماعة من العلماء كتباً مستقلّة ، وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ ، وخالفهم في ذلك بعض المحقّقين ، فأنكروا وجود المنسوخ في القرآن ، وقد اتفق الجميع على إمكان ذلك ، وعلى وجود آيات في القرآن ناسخة لأحكام ثابتة في الشرائع السابقة ، ولأحكام ثابتة في صدر الإسلام.

الرابعة : ما الفائدة من الآية المنسوخة؟

سئل الإمام عليعليه‌السلام عن الناسخ والمنسوخ؟ فقال : « إنّ الله تبارك وتعالى بعث رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرأفة والرحمة ، فكان من رأفته ورحمته أنّه لم ينقل قومه في أوّل نبوّته عن عادتهم ، حتّى استحكم الإسلام في قلوبهم ، وحلّت الشريعة في صدورهم ، فكان من شريعتهم في الجاهلية أنّ المرأة إذا زنت حبست في بيت ، وأقيم بأودها حتّى يأتيها الموت ، وإذا زنى الرجل نفوه من مجالسهم وشتموه ، وآذوه وعيّروه ولم يكونوا يعرفون غير هذا.

فقال الله تعالى في أوّل الإسلام :( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانَ

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٤ / ١٦٧ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٠٩.

٢٦

يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١) .

فلمّا كثر المسلمون وقوي ، واستوحشوا أُمور الجاهلية ، أنزل الله تعالى :( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) (٢) ، فنسخت هذه الآية آية الحبس والأذى »(٣) .

يظهر من هذه الرواية أنّ هناك مصلحة إلهية اقتضت تغيير الحكم تدريجياً.

ومنها : بيان عظمة وقدرة الباري تعالى على تغيير الحكم ، مع وجود مصلحة مؤقّتة في كلا الحكمين ، ولكن في الحكم الأوّل كانت مصلحة مؤقّتة ، وفي الحكم الثاني كانت المصلحة دائمية ، وكلا المصلحتين كانتا بنفع المؤمنين.

ومنها : إظهار بلاغتها وإعجازها ، وغير ذلك.

( عبد الله ـ السعودية ـ )

تفصيل حول خلقه :

س : أُريد تفصيلاً عن مسألة خلق القرآن من عرض للروايات والأقوال ، مع جمع وتحليل ، وشكراً لكم.

ج : إنّ مسألة كون القرآن قديماً أو مخلوقاً ، والاختلاف في معنى المخلوق ، ونفي الإمامعليه‌السلام كونه مخلوقاً ، وإنّما كلام الله ، ويريد بذلك نفي ما ربما يتصوّر من كونه مخلوقاً أن يطرأ عليه الكذب ، أو احتمال أن يكون منحولاً ، وإلاّ فلا مجال للاختلاف من كون كلام الله حادثاً ، ومع هذا فهو غير مخلوق ، بمعنى غير مكذوب.

__________________

١ ـ النساء : ١٥ ـ ١٦.

٢ ـ النور : ٢.

٣ ـ بحار الأنوار ٩٠ / ٦.

٢٧

روي عن عبد الرحيم أنّه قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك أُختلف الناس في القرآن ، فزعم قوم أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام الله مخلوق؟

فكتبعليه‌السلام : « فإنّ القرآن كلام الله محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، كان الله عزّ وجلّ ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول ، كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد ، ولا متحرّك ولا فاعل ، جلّ وعزّ ربّنا.

فجميع هذه الصفات محدثة غير حدوث الفعل منه ، عزّ وجلّ ربّنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم ، وخبر ما يكون بعدكم ، أُنزل من عند الله على محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) .

قال الشيخ الصدوققدس‌سره : « كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن ، ومعنى ما فيه أنّه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنّه غير محدث ، لأنّه قال : محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره »(٢) .

وقال أيضاً : « قد جاء في الكتاب أنّ القرآن كلام الله ، ووحي الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ولم يجيء فيه أنّه مخلوق ، وإنّما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأنّ المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب ، قال الله تبارك وتعالى :( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ) (٣) أي كذباً ، وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد :( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ ) (٤) أي افتعال وكذب.

فمن زعم أنّ القرآن مخلوق بمعنى أنّه مكذوب فقد كذب ، ومن قال : أنّه غير مخلوق بمعنى أنّه غير مكذوب فقد صدق ، وقال الحقّ والصواب ، ومن

__________________

١ ـ التوحيد : ٢٢٧.

٢ ـ المصدر السابق : ٢٢٩.

٣ ـ العنكبوت : ٧.

٤ ـ ص : ٧.

٢٨

زعم أنّه غير مخلوق بمعنى أنّه غير محدث ، وغير منزل وغير محفوظ ، فقد أخطأ وقال غير الحقّ والصواب.

وقد أجمع أهل الإسلام على أنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ على الحقيقة دون المجاز ، وأنّ من قال غير ذلك فقد قال منكراً وزوراً ، ووجدنا القرآن مفصّلاً وموصلاً ، وبعضه غير بعض ، وبعضه قبل بعض ، كالناسخ الذي يتأخّر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثاً بطلت الدلالة على حدوث المحدثات ، وتعذّر إثبات محدثها ، بتناهيها وتفرّقها واجتماعها.

وشيء آخر : وهو أنّ العقول قد شهدت ، والأُمّة قد أجمعت : أنّ الله عزّ وجلّ صادق في أخباره ، وقد علم أنّ الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن ، وقد أخبر الله عزّ وجلّ عن فرعون وقوله :( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) (١) ، وعن نوح أنّه :( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .

فإن كان هذا القول وهذا الخبر قديماً ، فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه ، وهذا هو الكذب ، وإن لم يوجد إلاّ بعد أن قال فرعون ذلك ، فهو حادث ، لأنّه كان بعد أن لم يكن.

وأمر آخر وهو : أنّ الله عزّ وجلّ قال :( وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) (٣) ، وقوله :( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) (٤) ، وما له مثل ، أو جاز أن يعدم بعد وجوده ، فحادث لا محالة »(٥) .

وقال الشيخ الطوسي : « كلام الله تعالى فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنّه مخلوق ، لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً ، وقال

__________________

١ ـ النازعات : ٢٤.

٢ ـ هود : ٤٢.

٣ ـ الإسراء : ٨٦.

٤ ـ البقرة : ١٠٦.

٥ ـ التوحيد : ٢٢٥.

٢٩

أكثر المعتزلة : أنّه مخلوق ، وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : أنّه مخلوق ، قال محمّد : وبه قال أهل المدينة ، قال الساجي : ما قال به أحد من أهل المدينة ، قال أبو يوسف : أوّل من قال بأنّ القرآن مخلوق أبو حنيفة ، قال سعيد بن سالم : لقيت إسماعيل بن حماد ابن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : إنّ القرآن مخلوق ، هذا ديني ودين أبي وجدّي.

وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من تسميته بأنّه مخلوق ، وروي ذلك عن عليعليه‌السلام أنّه قال يوم الحكمين : «والله ما حكمت مخلوقاً ، ولكنّي حكمت كتاب الله » ، وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وبه قال جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ـ فإنّه سئل عن القرآن ـ فقال : «لا خالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله » ، وبه قال أهل الحجاز.

وقال سفيان بن عيينة : سمعت عمرو بن دينار وشيوخ مكّة منذ سبعين سنة يقولون : إنّ القرآن غير مخلوق ، وقال إسماعيل بن أبي أويس : قال مالك : القرآن غير مخلوق ، وبه قال أهل المدينة ، وهو قول الأوزاعي وأهل الشام ، وقول الليث بن سعد ، وأهل مصر ، وعبيد الله بن الحسن العنبري البصري ، وبه قال من أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وهو مذهب الشافعي ، إلاّ أنّه لم يرو عن واحد من هؤلاء أنّه قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم ، وأوّل من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه.

دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأُصول ليس هذا موضعها ، فمنها قوله :( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ ) (١) فسمّاه

__________________

١ ـ الأنبياء : ٢.

٣٠

محدثاً ، وقال :( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) (١) ، وقال :( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) (٢) فسمّاه عربياً ، والعربية محدثة ، وقال :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) (٣) ، وقال :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) (٤) فوصفه بالتنزيل.

وهذه كُلّها صفات المحدث ، وذلك ينافي وصفه بالقدم ، ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر ، وذلك خلاف ما أجمع عليه الأُمّة في عصر الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم إلى أيّام الأشعري ، وليس هذا موضع تقصّي هذه المسألة ، فإنّ الغرض هاهنا الكلام في الفروع.

وروي عن نافع قال : قلت لابن عمر : سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن شيئاً؟ قال : نعم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « القرآن كلام الله غير مخلوق ، ونور من نور الله » ، ولقد أقرّ أصحاب التوراة : أنّه كلام الله ، وأقرّ أصحاب الإنجيل : أنّه كلام الله.

وروى أبو الدرداء أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «القرآن كلام الله غير مخلوق ».

وقد مدح الصادقعليه‌السلام بما حكيناه عنه بالنظم ، فقال بعض الشعراء لاشتهاره عنه :

قد سأل عن ذا الناس من قبلكم

ابن النبيّ المرسل الصادق

فقال قولاً بيّناً واضحاً

ليس بقول المعجب المايق

كلام ربّي لا تمارونه

ليس بمخلوق ولا خالق

جعفر ذا الخيرات فافخر به

ابن الوصي المرتضى السابق(٥)

وفي الختام ننقل لكم عدّة روايات حول الموضوع ، وذلك لأهمّيته القصوى :

__________________

١ ـ الزخرف : ٣.

٢ ـ الشعراء : ١٩٤.

٣ ـ الحجر : ٩.

٤ ـ النحل : ٤٤.

٥ ـ الخلاف ٦ / ١١٨.

٣١

١ ـ عن ابن خالد قال : قلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال : «ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام الله عزّ وجلّ »(١) .

٢ ـ عن الريّان بن الصلت قال : قلت للرضاعليه‌السلام : ما تقول في القرآن؟ فقال : «كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا »(٢) .

٣ ـ عن علي بن سالم ، عن أبيه قال : سألت الصادقعليه‌السلام فقلت له : يا بن رسول الله ، ما تقول في القرآن؟ فقال : «هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد »(٣) .

٤ ـ عن اليقطيني قال : كتب علي الرضاعليه‌السلام إلى بعض شيعته ببغداد : « بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإيّاك من الفتنة ، فإن يفعل فأعظم بها نعمة ، وإلاّ يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلاّ الله ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسماً من عندك ، فتكون من الضالّين ، جعلنا الله وإيّاك من الذين يخشون ربّهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون »(٤) .

٥ ـ عن الجعفري قال : قلت لأبي الحسن موسىعليه‌السلام : يا بن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقد أُختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم : إنّه مخلوق ، وقال قوم : إنّه غير مخلوق ، فقالعليه‌السلام : «أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكنّي أقول : إنّه كلام الله عزّ وجلّ »(٥) .

__________________

١ ـ التوحيد : ٢٢٣.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٣٢

٦ ـ عن فضيل بن يسار قال : سألت الرضاعليه‌السلام عن القرآن ، فقال لي : «هو كلام الله »(١) .

٧ ـ عن زرارة قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن القرآن ، فقال لي : «لا خالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام الخالق »(٢) .

٨ ـ عن زرارة قال : سألته عن القرآن أخالق هو؟ قال : « لا » ، قلت : أمخلوق؟ قال : «لا ، ولكنّه كلام الخالق »(٣) .

٩ ـ عن ياسر الخادم عن الرضاعليه‌السلام أنّه سئل عن القرآن فقال : « لعن الله المرجئة ، ولعن الله أبا حنيفة ، إنّه كلام الله غير مخلوق ، حيث ما تكلّمت به ، وحيث ما قرأت ونطقت ، فهو كلام وخبر وقصص »(٤) .

١٠ ـ هشام المشرقي أنّه دخل على أبي الحسن الخراسانيعليه‌السلام ، فقال : إنّ أهل البصرة سألوا عن الكلام فقالوا : إنّ يونس يقول : إنّ الكلام ليس بمخلوق ، فقلت لهم : صدق يونس إنّ الكلام ليس بمخلوق ، أما بلغكم قول أبي جعفرعليه‌السلام حين سئل عن القرآن : أخالق هو أو مخلوق؟ فقال لهم : « ليس بخالق ولا مخلوق ، إنّما هو كلام الخالق » ، فقوّيت أمر يونس(٥) .

( أبو مهدي ـ ـ )

كيفية تصحيح الآراء المختلفة في تفسيره :

س : نسمع كثيراً عن اختلاف أصحاب المذاهب الأربعة في تفسير القرآن ، مثل محتوى التابوت الذي فيه آثار آل موسى وهارون ، والمفسّر يستشهد بهذه الآراء المختلفة على أنّها صحيحة.

__________________

١ ـ تفسير العيّاشي ١ / ٦.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٨٤.

٣٣

أرجو إعطاء بعض التفصيل ، ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ أصحاب المذاهب الأربعة يجتهدون بآرائهم ، واختلافهم يكون اختلاف بين مجتهدين ـ وهذا بخلاف أقوال الأئمّةعليهم‌السلام ، فإنّهم معصومون يستقون العلم من أصل أصيل ـ وعليه فإذا وجد اختلاف في رواياتهم في تفسير القرآن ، فهنا تجري عدّة مراحل :

١ ـ ملاحظة الأسانيد أوّلاً ، ليعمل بالصحيح المروي عنهم.

٢ ـ بعد التسليم بصحّة الأسانيد ، فإنّ الاختلاف في تفسير القرآن محمول على تعدّد معاني هذه الآيات ، وأنّ للقرآن عدّة بطون ، ولكُلّ بطن بطون

وأمّا التابوت الذي فيه آثار موسى ، فبعد التسليم بصحّة أسانيد كُلّ ما ورد من روايات في محتوى التابوت ، فلعلّ أنّ كُلّ رواية ناظرة إلى قسم من محتويات التابوت ، والجمع فيما بينها يعطينا نظرة عن محتويات التابوت.

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

مراحل نزوله :

س : تحية طيّبة وبعد : كيف نزل القرآن الكريم؟ وما هي المراحل التي استغرقها نزوله؟ وهل نزل جملة واحدة على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أم نزل على فترات متباعدة؟

وهل نحن الشيعة نعتقد كما يعتقد أهل السنّة ، بأنّ القرآن الكريم نزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفترات متباعدة ، ولم ينزل جملة واحدة؟

أتمنّى أنّي أجد منكم الإجابة الوافية مع الأدلّة القاطعة ، ومن كتب الطرفين ، إنّ كنا نختلف معهم بالرأي ، وأكون لكم من الشاكرين.

ج : لاشكّ أنّ القرآن نزل تدريجاً ، وأنّ آياته تتابعت طبق المناسبات والظروف ، التي كانت تمر بها الرسالة الإلهية في مسيرتها ، تحت قيادة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد لمّحت إلى هذا النزول التدريجي للقرآن الآية

٣٤

الكريمة :( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (١) ، وقوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) (٢) .

ومع ذلك فإنّ هناك نصوصاً قرآنية تشير إلى دفعية النزول القرآني على ما يفهم من ظاهرها ، وذلك كما في الآيات المباركة التالية : قال تعالى :( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (٣) ، وقال تعالى :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (٤) ، وقال تعالى :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (٥) .

وقد أختلف الباحثون في وجه الجمع بين الأمرين ، وقد ذكروا في ذلك آراء ونظريات ، نذكر فيما يلي أهمّها :

النظرية الأُولى : وهي التي تعتبر للقرآن نزولين.

النزول الأوّل إلى البيت المعمور ، أو بيت العزّة ـ حسب بعض التعابير ـ وهذا هو النزول الدفعي الذي أشارت إليه بعض الآيات السابقة ، والنزول الثاني على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتدريج ، وطيلة المدّة التي كان يمارس فيها مهمّته القيادية في المجتمع الإسلامي.

وقد خالف المحقّقون من علماء القرآن هذا الرأي ، ورفضوا النصوص التي وردت فيها ، ورموها بالضعف والوهن ، وأقاموا شواهد على بطلانه.

وأهمّ ما يرد على هذه النظرية يتلخّص في شيئين :

__________________

١ ـ الإسراء : ١٠٦.

٢ ـ الفرقان : ٣٢.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ الدخان : ٣.

٥ ـ القدر : ١.

٣٥

١ ـ ورود الآيات القرآنية في بعض المناسبات الخاصّة ، بحيث لا يعقل التكلّم بتلك الآية قبل تلك المناسبة المعيّنة.

٢ ـ عدم تعقّل فائدة النزول الأوّل للقرآن من حيث هداية البشر ، فلا وجه لهذه العناية به في القرآن والاهتمام به.

النظرية الثانية : إنّ المراد من إنزاله في شهر رمضان ، وفي ليلة ابتداء القدر منه ، ابتداء إنزاله في ذلك الوقت ، ثمّ استمر نزوله بعد ذلك على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتدريج ، ووفقاً للمناسبات والمقتضيات.

ويبدو أنّ هذا الرأي هو الذي استقطب أنظار الأغلبية من محققّي علوم القرآن والتفسير ، نظراً إلى كونه أقرب الآراء إلى طبيعة الأُمور ، وأوفقها مع القرائن ، وظواهر النصوص القرآنية ، فإنّ القرآن يطلق على القرآن كُلّه ، كما يطلق على جزء منه ، ولذلك كان للقليل من القرآن نفس الحرمة والشرف الثابتين للكثير منه.

وتأييداً لهذه الفكرة ، فإنّنا نحاول الاستفادة من التعابير الجارية بين عامّة الناس حين يقولون مثلاً : سافرنا إلى الحجّ في التاريخ الفلاني ، وهم لا يريدون بذلك إلاّ مبدأ السفر ، أو : نزل المطر في الساعة الفلانية ، ويقصد به ابتداء نزوله ، فإنّه قد يستمر إلى ساعات ، ومع ذلك يصحّ ذلك التعبير.

ولابدّ أن نضيف على هذا الرأي إضافة توضيحية وهي : أنّ المقصود من كون ابتداء النزول القرآني في ليلة القدر من شهر رمضان ليس ابتداء الوحي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه كان لسبع وعشرين خلون من رجب ـ على الرأي المشهور ـ وكانت الآيات التي شعّت من نافذة الوحي على قلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأوّل مرّة هي :( اقْرَأْ بِاسْمِ ) (١) .

ثمّ انقطع الوحي عنه لمدّة طويلة ، ثمّ ابتدأ الوحي من جديد في ليلة القدر من شهر رمضان ، وهذا الذي تشير إليه الآية المباركة ، واستمرّ الوحي عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

١ ـ العلق : ١.

٣٦

حتّى وفاته ، وبما أنّ هذا كان بداية استمرار النزول القرآني ، فقد صحّ اعتباره بداية لنزول القرآن.

النظرية الثالثة : وهي النظرية التي اختصّ بها العلاّمة الطباطبائي ، وهي تمثّل لوناً جديداً من ألوان الفكر التفسيري ، انطبعت بها مدرسة السيّد الطباطبائي في التفسير ، وهذه النظرية تعتمد على مقدّمات ثلاث ، تتلخّص فيما يلي :

١ ـ هناك فرق بين « الإنزال » و « التنزيل » ، والإنزال إنّما يستعمل فيما إذا كان المنزل أمراً وحدانياً نزل بدفعة واحدة ، والتنزيل إنّما يستعمل فيما إذا كان المنزل أمراً تدريجياً ، وقد ورد كلا التعبيرين حول نزول القرآن :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) ،( وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (١) .

والتعبير بـ « الإنزال » إنّما هو في الآيات التي يشار فيها إلى نزول القرآن في ليلة القدر ، أو شهر رمضان ، بخلاف الآيات الأُخرى التي يعبر فيها بـ « التنزيل ».

٢ ـ هناك آيات يستشعر منها أنّ القرآن كان على هيئة وحدانية ، لا أجزاء فيها ولا أبعاض ، ثمّ طرأ عليه التفصيل والتجزئة ، فجعل فصلاً فصلاً ، وقطعة قطعة ، قال تعالى :( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (٢) .

فهذه الآية ظاهرة في أنّ القرآن حقيقة محكمة ، ثمّ طرأ عليها التفصيل والتفريق بمشيئة الله تعالى ، والأحكام الذي يقابل التفصيل هو وحدانية الشيء وعدم تركّبه وتجزّئه.

٣ ـ هناك آيات قرآنية تشير إلى وجود حقيقة معنوية للقرآن غير هذه الحقيقة الخارجية اللقيطة ، وقد عبّر عنها في القرآن بـ « التأويل » في غير واحدة من الآيات ، قال تعالى :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ

__________________

١ ـ الإسراء : ١٠٦.

٢ ـ هود : ١.

٣٧

كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (١) ، وقال تعالى :( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ) (٢) .

فالتأويل على ضوء الاستعمال القرآني هو الوجود الحقيقي والمعنوي للقرآن ، وسوف يواجه المنكرون للتنزيل الإلهي تأويله وحقيقته المعنوية يوم القيامة.

واستنتاجاً من هذه المقدّمات الثلاث ، فللقرآن إذاً حقيقة معنوية وحدانية ليست من عالمنا هذا العالم المتغيّر المتبدّل ، وإنّما هي من عالم أسمى من هذا العالم ، لا ينفذ إليه التغيّر ، ولا يطرأ عليه التبديل.

وتلك الحقيقة هو الوجود القرآني المحكم ، الذي طرأ عليه التفصيل بإرادة من الله جلّت قدرته ، كما أنّه هو التأويل القرآني الذي تلمح إليه آيات الكتاب العزيز.

وإذا آمنا بهذه الحقيقة ، فلا مشكلة إطلاقاً في الآيات التي تتضمّن نزول القرآن نزولاً دفعياً في ليلة القدر ، وفي شهر رمضان ، فإنّ المقصود بذلك الإنزال هو هبوط الحقيقة المعنوية للوجود القرآني على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانكشاف ذلك الوجود التأويلي الحقيقي للقرآن أمام البصيرة الشفّافة النبوية ، فإنّ هذا الوجود المعنوي هو الذي يناسبه الإنزال الدفعي ، كما أنّ الوجود اللفظي التفصيلي للقرآن هو الذي يناسبه التنزيل التدريجي.

وليس المقصود ممّا ورد من روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام حول النزول الأوّل للقرآن في البيت المعمور إلاّ نزوله على قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه هو البيت المعمور الذي تطوف حوله الملائكة ، وقد رمز إليها الحديث بهذا التعبير الكنائي.

وهذه النظرية مع ما تتّصف به من جمال معنوي ، لا نجد داعياً يدعونا إلى تكلّفها ، كما لا نرى داعياً يدعونا إلى محاولة نقضه وتكلّف ردّه ، فليست النظرية هذه تتضمّن أمراً محالاً ، كما لا لزوم في الأخذ بها بعد أن وجدنا لحلّ المشكلة ما هو أيسر هضماً وأقرب إلى الذهن.

__________________

١ ـ يونس : ٣٨ ـ ٣٩.

٢ ـ الأعراف : ٥٢ ـ ٥٣.

٣٨

( إبراهيم ـ المغرب ـ )

معجزته غير البلاغية :

س : هل تضمّن القرآن جوانب أُخرى غير معجزة البلاغة والفصاحة ، تصلح مؤيّداً لنبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وأنّه المبعوث بحقّ من الله تعالى؟

ج : لقد تضمّن القرآن الكريم جملة مؤيّدات في هذا المجال ، نكتفي بذكر مؤيّدين فيها :

الأوّل : الإخبار عن الغيب.

إنّ في القرآن إشارات إلى وقوع بعض الحوادث ، والتي لم تكن قد وقعت بعد ، منها حادثة انتصار الروم على الفرس من بعد انكسارهم ، قال تعالى :( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (١) .

حيث انتصرت الإمبراطورية الفارسية على الإمبراطورية الرومانية عام ٦١٤ م ـ أي بعد أربع سنوات من ظهور الإسلام ـ وانتصرت الإمبراطورية الرومانية على الإمبراطورية الفارسية عام ٦٢٢ م ، الموافق للسنة الثانية للهجرة.

فتحقّق تنبّؤ القرآن الكريم ، وأثبت ما وعد الله تعالى من نصرة الروم على الفرس.

الثاني : الإخبار عن بعض الظواهر والقوانين الكونية.

لابدّ من التأكّد أوّلاً على أنّ القرآن ليس إلاّ كتاب هداية ، والهدف منه صنع الإنسان وسوقه إلى طريق الكمال والرقي ، ولا دخل له في ملاحظة ومتابعة الشؤون والمفردات المتعلّقة بالعلوم الأُخرى.

ومع هذا ، فقد أشار القرآن إلى بعض الظواهر والسنن الطبيعية ، ليجعلها دليلاً على وجود الله تعالى وعظمته ، وحقانية دعوة الأنبياء إلى ربّهم ، ومن تلك الظواهر العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم :

__________________

١ ـ الروم : ١ ـ ٣.

٣٩

١ ـ قانون الجاذبية : الذي اكتشفه نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي ، والذي أكّد عليه نيوتن في هذا القانون هو : أنّ الجاذبية قانون عام ، وحاكم على أرجاء الوجود المادّي كافّة ، بينما هذه الفكرة مسلّمة في منطق القرآن ، وقبل نيوتن بألف عام.

قال تعالى :( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (١) .

٢ ـ قانون الزوجية العام : الذي اكتشفه العالم السويدي شارك لينيه ، عام ١٧٣١ م ، والذي أكّد من خلاله على أنّ الأنوثة والذكورة حقيقة ثابتة في النبات ، وأنّ الأشجار لا يتمّ الحصول على ثمرها إلاّ من خلال تلقيح بذور النبات الذكري للنبات الأنثوي.

بينما القرآن الكريم أثبت وجود هذه الحقيقة لكُلّ الموجودات بقوله تعالى :( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٢) ، وأنّ تلقيح النباتات يتمّ عن طريق الرياح لقوله تعالى :( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) (٣) .

٣ ـ قد بيّن القرآن الكريم مسألة حركة الأرض ، والأجرام السماوية بقوله :( لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٤) ، في الوقت الذي تضارب فيه آراء علماء الهيئة في اليونان.

( رضا شريعتي ـ إيران ـ ٤٠ سنة ـ دكتور )

أُمّ الكتاب :

س : ما أُمّ الكتاب؟ هل هي بنفسها الإمام المبين؟ والكتاب المكنون؟ واللوح المحفوظ؟ والكتاب المبين؟ ومحكمات القرآن؟ وأمير المؤمنين؟ والأئمّة عليهم‌السلام ؟

__________________

١ ـ الرعد : ٣.

٢ ـ الذاريات : ٤٩.

٣ ـ الحجر : ٢٢.

٤ ـ يس : ٤٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وأما ثانيا ، فلانها مخالفة لاصول المذهب ، ولان التدبير في عرف الشرع عتق العبد بعد وفاة المولى ، والمجعول له غير المولى.

وأما ثالثا ، فلان الا باق يبطل التدبير اتفاقا منا ، والرواية تتضمن أنه غير مبطل له ، وهو اختيار المتأخر محتجا بعين ما ذكرناه.

وهو ضعيف ، أما الاول فلوجود الدليل الشرعي ، وهو التمسك بالاصل والرواية التي ذكرناها. قوله « الرواية من أخبار الآحاد » قلنا : مسلم.

قوله « فلا يجوز العمل بها لما ذكرناه في أصول الفقه » قلنا : قد استدللنا على وجوب العمل بأخبار الآحاد هناك ، وأبطلنا حجة المخالف في ذلك لما فيه مقنع.

قوله « ولانها مخالفة لاصول المذهب » قلنا : ممنوع.

قوله « لان التدبير في عرف الشرع عبارة عن عتق العبد بعد موت مولاه » قلنا : ذلك باطل ، أما أولا فلعدم دليل التخصيص ، وأما ثانيا فللرواية.

قوله « وأما ثالثا فلان الإباق يبطل التدبير » قلنا : التدبير المعلق بموت المولى أو غيره ، الاول مسلم والثاني ممنوع.

قالرحمه‌الله : وفي اشتراط نية القربة في التدبير تردد ، والوجه أنه غير شرط.

أقول : منشؤه : النظر الى أن التدبير نوع من العتق ، فاشترط فيه نية القربة كالعتق ، وهو اختيار المتأخر ، قال بعد هذا : تدبير الكافر غير جائز.

والالتفات الى أن التدبير بمنزلة الوصية ، فلا يشترط فيه القربة كالوصية ، ولعله الاشبه ، ويدل عليه الروايات بالتدبير.

قالرحمه‌الله : ولو دبر المسلم ثم ارتد لم يبطل تدبيره. ولو مات في حال ردته عتق المدبر ، هذا اذا كان ارتداده لا عن فطرة ، ولو كان عن فطرة لم ينعتق المدبر بوفاة المولى ، لخروج ملكه عنه ، وفيه تردد.

٦١

أقول : منشؤه : النظر الى أن السبب المقضي وهو موت المولى قد وجد ، فيوجد معلوله ، وهو العتق عملا بالعلية ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط(١) ، بناء على القول بأن ملكه باق عليه ، وأنه لا يزول عنه بمجرد ارتداده.

والالتفات الى أن التدبير وصية فلا ينفذ فيه شي‌ء وحيث لم يحصل شي‌ء لم ينفذ العتق. أما المقدمة الاولى فاجماعية ، وأما المقدمة الثانية ، فلزوال ملكه عن جميع أمواله حالة ارتداده ، وانتقالها الى وارثه في تلك الحالة ، وهو أقرب ، فيلزم على هذا القول انعتاق ثلثه.

قالرحمه‌الله : ولو ارتد لا عن فطرة ثم دبر ، صح على تردد.

أقول : منشأ التردد : الشك في اشتراط القربة في التدبير ، فان قلنا باشتراطه لم يصح لتعذرها في جنبه ، وان لم نقل به وهو الاقوى صح التدبير ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف(٢) ، وحكم في المبسوط(٣) بالبطلان ، لانه نوع تصرف ، والمرتد ممنوع من التصرف اذ هو محجور عليه.

قالرحمه‌الله : ولو كان على الميت دين يستوعب التركة ، بطل التدبير وبيع المدبرون فيه ، وإلا بيع منهم بقدر الدين وتحرر ثلث من بقي ، سواء كان التدبير سابقا على الدين أو لاحقا على الاصح.

أقول : قال الشيخرحمه‌الله في النهاية : واذا دبر عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثم مات ، كان التدبير باطلا ، وبيع العبد في الدين وان كان التدبير سابقا واقعا في حال صحة المولى ، لم يكن لصاحب الدين على المدبر سبيل ، عملا برواية وهب بن حفص عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٤) . ومثله رواية الحسن بن يقطين عن

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٧٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٦٦٩.

(٣) المبسوط ٦ / ١٧٣.

(٤) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٦١ ، ح ١٢.

٦٢

أبي الحسنعليه‌السلام (١) .

وقال المتأخر : هذا غير واضح ، لانه لا خلاف بيننا أن التدبير بمنزلة الوصية فيخرج من الثلث ، ولا يصح الا بعد قضاء الديون ، فعلى هذا التحرير والتقرير يباع العبد في الدين ويبطل التدبير على كل حال ، سواء دبره في حال السلامة أو فرارا من الدين وانما هذا خبر واحد ذكره وأورده شيخنا ايرادا لا اعتقادا. والحق ما قاله المتأخر ، وعليه الفتوى.

قالرحمه‌الله : ولو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما ، لم يقوم عليه حصة الاخر ، ولو قيل : يقوم كان وجها. ولو دبر أحدهما ثم أعتق ، وجب عليه فك حصة الاخر. ولو أعتق صاحب الحصة القن ، لم يجب عليه فك الحصة المدبرة ، على تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة البراءة ، ترك العمل بها في بعض الصور فيبقى معمولا بها فيما عداها ، ولان التقويم على خلاف مقتضى الدليل ، فلا يصار إليه الا بدليل ناقل ، ولان التقويم حكم شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي ، وحيث لا دلالة فلا حكم ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف(٢) ، وقواه في المبسوط(٣) . ويؤيده أن الحصة المدبرة معرضة للحرية ، فلا حاجة الى تقويمها اذ لا ثمرة مهمة فيه.

والالتفات الى عموم الاخبار الدالة على وجوب التقويم على من أعتق شركا له من عبد ، وقد تقدم بعضها ، وهو الاقوى عندي ، وهو القول الاخر للشافعي.

قالرحمه‌الله : ولو دبره ثم كاتبه كان نقضا للتدبير ، وفيه اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الاصل عدم النقض ، فلا يصار إليه الا عند وجود

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٦١ ، ح ١٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٦٧٠.

(٣) المبسوط ٦ / ١٧٩.

٦٣

اللفظ الدال عليه صريحا ، وهو غير موجود هنا ، ولانه لا فرق بين هذه المسألة والتي قبلها الا تقدم الكتابة على التدبير فى المسألة الاولى ، وتأخرها عنه في المسألة الثانية.

وليس ذلك صريحا في الرجوع في التدبير ، لانه كما يمكن الجمع بين الكتابة والتدبير مع تقدمها ، بأن يعتق بالكتابة مع أداء المال قبل موت المولى أو بالتدبير مع تأخر الاداء حتى يموت المولى ، فيكون عتقه متوقفا على أسبق الشيئين أداء المال أو موت المولى ، كذلك يمكن الجمع بين التدبير والكتابة مع تأخرها عنه بما ذكرناه حرفا حرفا ، فالحكم بأن احدى المسألتين مبطلة للتدبير والاخرى غير مبطلة له مع تساويهما في المنافاة له وامكان الاجتماع معه على الوجه الذي لخصناه تحكم محض.

واعلم أن الشيخ حكم في الخلاف بأن ذلك ابطال للتدبير ، ثم قال : دليلنا انا قد دللنا على أنه وصية ، واذا ثبت ذلك يثبت ما قلناه ، لان أحدا لا يخالف فيه مع ثبوته(١) .

وقال في المبسوط : اذا دبر عبده أولا ثم كاتبه ، فمن قال : التدبير وصية ، قال : يكون رجوعا لانه وصية ، فهو كما لو أوصي بعبده ثم كاتبه. ومن قال : عتق بصفة قال : هو عتق بصفة ، قال : يصير مكاتبا مدبرا ، والحكم فيه كما لو كاتبه أو لا ثم دبره ، وقد مضى حرفا بحرف(٢) .

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٦٩ ـ ٦٧٠.

(٢) المبسوط ٦ / ١٧٥.

٦٤

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى فصل المكاتبة )

قالرحمه‌الله . ويعتبر في الموجب البلوغ وكمال العقل والاختيار وجواز التصرف ، وهل يعتبر الاسلام؟ فيه تردد ، والوجه عدم الاشتراط.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله تعالى «فَكاتِبُوهُمْ »(١) ويؤيده أن الكتابة عقد معاوضة ، فيصح ايقاعها من المسلم وغيره ، كغيرها من عقود المعاوضات ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط(٢) .

والتفات الى أن الكتابة نوع ازالة رق ، فيشترط في موجبها الاسلام كالعتق ، ونمنع اشتراط الاسلام في العتق ، سلمنا لكن الذي ذكرتموه قياس ، وهو عندنا باطل ، سلمنا لكن الوصف الجامع بين المقيس عليه والمقيس وصف سلبي ، والاوصاف السلبية لا يوجب التماثل ، لما مر في هذا الكتاب.

قالرحمه‌الله : وفي كتابة الكافر تردد ، أظهره المنع ، لقوله تعالى « فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا ».

__________________

(١) سورة النور : ٣٣.

(٢) المبسوط ٦ / ١٣٠.

٦٥

أقول : منشؤه : اختلاف التفسير في قوله تعالى «فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً (١) » فقال الشيخ في المبسوط(٢) والخلاف(٣) : المراد بالخير هنا الامانة والكسب وبه قال الشافعي. وقال ابن عباس وصاحباه مجاهد وعطا : هو الفقه والامانة فقط.

وقال الحسن البصري والثوري : هو الاكتساب فحسب. فعلى هذه الاقوال جميعا تصح مكاتبة الكافر ، اللهم الا أن يقال : ان الكافر ليس محلا للامانة.

وقيل : هو الدين والايمان. واختاره الراوندي والمتأخر ، فعلى هذا لا تصح مكاتبة الكافر ، ولعله الاقرب ، اذ لا يقال للكافر عرفا وان كان مكتسبا أن فيه خير.

واعلم أن الشيخرحمه‌الله في المبسوط قوى القول بالبطلان للآية السابقة ، ولقوله تعالى «وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ »(٤) أمر الله تعالى باتيانهم من الصدقة الذي هو عبارة عن مال الله ، وليس الكافر من أهلها.

قالرحمه‌الله : وفي اعتبار اتصال الاجل بالعقد تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولان الكتابة نوع معاوضة ، فلا يشترط فيها الاتصال كغيرها ، وهو قوي.

والالتفات الى أنه عقد معاوضة ، فيشترط فيها اتصال الاجل بالعقد كالاجارة وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، ونمنع اشتراط الاتصال ، سلمنا لكنه قياس وهو باطل عندنا.

قالرحمه‌الله : ولو قال : علي خدمة شهر بعد هذا الشهر ، قيل : بطل على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد ، وفيه تردد.

__________________

(١) سورة النور : ٣٣.

(٢) المبسوط ٦ / ١٣٠.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٥٥ ـ ٦٥٦.

(٤) سورة النور : ٣٣.

٦٦

أقول : هذا الفرع مبني على هذه المسألة السابقة ، فكل من اعتبر الاتصال قال بالبطلان ، كما هو مذهب الشيخ في المبسوط(١) ، ومن لم يعتبر ذلك قال بالصحة.

قالرحمه‌الله : اذا مات المكاتب وكان مشروطا بطلت الكتابة ، وكان ما تركه لمولاه وأولاده رقا. وان لم يكن مشروطا ، تحرر منه بقدر ما أداه وكان الباقي رقا ولمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق ، ولورثته بقدر ما فيه من حرية ، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة.

وان لم يكن له مال سعى الاولاد فيما بقي على أبيهم ، ومع الاداء ينعتق الاولاد وهل للمولى اجبارهم على الاداء؟ فيه تردد ، وفيه رواية أخرى تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة ، وتحرر الاولاد وما يبقى فلهم ، والاول أشهر.

أقول : منشؤه النظر الى أصالة براءة الذمة من وجوب السعي ، فلا يصار إليه الا لدليل أقوى ، ولان ثبوت الاجبار على خلاف مقتضى الاصل ، فيقف ثبوته على الدليل الشرعي ، وهو قوي ، ويؤيده ما رواه ابن عطية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهو خيرة الشيخ في التهذيب(٢) .

والالتفات الى أن حكم ولد المكاتب حكم أبيه في أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه ، ويتحرر منه بقدر ما تحرر من أبيه ،

اذا تقرر هذا فنقول : هؤلاء الاولاد بعضهم حر لا سبيل للمولى عليه ، وبعضهم مملوك له فيثبت له الولاية عليه ، فيشرع له الاجبار على السعي ، دفعا للضرر الناشي من تشقيصهم المقتضي لنقصان الولاية الثابتة له عليهم والمانع من الانتفاع الكلي بهم ، وعليه دلت ظاهر الرواية المروية عن الصادقعليه‌السلام ، وهو ظاهر كلام المتأخر

قالرحمه‌الله : اذا كان للمكاتب على مولاه مال ـ الى قوله : واذا تراضيا

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٧٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٧٣ ، ح ٢٩.

٦٧

كفى ذلك ، ولو لم يقبض الذي له ثم يعيده عوضا ، سواء كان المال أثمانا أو أعواضا وفيه قول آخر بالتفصيل.

أقول : قال الشيخرحمه‌الله في المبسوط : لا يخلو مال الحقين من ثلاثة أحوال ، وعنى بذلك المال الذي للمكاتب على سيده والمال الذي للسيد على مكاتبه من ثلاثة أحوال : اما أن يكونا نقدين أو عرضين أو نقدا وعرضا ، فان كانا نقدين ، فلا يحتاج الى قبض الحقين معا ، بل يقبض أحدهما ماله من صاحبه ، ثم يرده عليه عوضا عماله في ذمته ، لان دفع العوض عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز.

وان كانا عوضين ، فلا بد أن يقبض أحدهما ثم يرد ما قبضه على الاخر عوضا عماله ، لان هذا العوض الذي في الذمة ثابت في أحد الحقين عن سلم ، فان المكاتب لا يجوز له أن يعوض ما في يده من المال وأخذ المال عن العوض الثابت في الذمة عن كتابه ، أو سلم غير جائز.

ثم قالرحمه‌الله : فاما اذا كان أحدهما نقدا والاخر عوضا ، فانه ان قبض صاحب النقد حقه ، لم يجز أن يدفعه عوضا عن العوض الذي في ذمته ، بل عليه تسليمه واقباضه. وان قبض صاحب العوض حقه ، جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه ، لما ذكرناه من التعليل(١) .

وأقول : معنى هذه الجملة أن المكاتب لا يجوز له أن يبيع بالثمن المؤجل لما فيه من التغرير بالمال ، ويجوز أن يبتاع بالمؤجل لانتفاء التغرير حينئذ.

اذا تقرر هذا فنقول : هذا العوض الثابت في ذمة مولاه لا يجوز أن يكون ثمن مبيع باعه اياه ، اذ هو بيع بمؤجل ، فتعين أن يكون مبيعا حالا لم يقبضه المكاتب من سيده ، وبيع ما لم يقبض غير جائز عند هذا الشيخرحمه‌الله ، ولهذا

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

٦٨

أوجب أن يقبض كل واحد منهما ماله قبل صاحبه.

قالرحمه‌الله : اذا جنى عبد المكاتب ، لم يكن له أن يفكه بالارش ، الا أن يكون فيه الغبطة له ، ولو كان المملوك أبا للمكاتب ، لم يكن له افتكاكه بالارش ولو قصر عن قيمة الأب ، لانه يتعجل باتلاف مال له التصرف فيه ، ويستبقى ما لا ينتفع به ، لانه لا يتصرف في أبيه ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن صحة تصرفات المكاتب مشروطة بوجود الغبطة في كل نوع منها ، ولا غبطة في هذا النوع من التصرف ، فيكون باطلا. أما المقدمة الاولى فاجماعية.

وأما المقدمة الثانية ، فلانه ممنوع من التصرف في أبيه لو جاء أن يؤدي مال الكتابة ، فينعتق أبوه مع عتقه ، فلو سوغتا له الفك تعجلنا باتلاف مال موجود صالح للتكسب بالتصرف فيه ، واستبقينا ما لا ينتفع به عاجلا ، وفي ذلك ضرر عظيم للمولى والمكاتب أيضا ، وهو اختيار الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) .

والالتفات الى أنه ربما حصل في ذلك غبطة للسيد بتقدير أن يعجز المكاتب عن أداء ما عليه ، فيسترق ويسترق أبوه معه ، فيكون له الافتكاك ، ترجيحا لهذه المصلحة الظاهرة ، ولانا انما نمنعه من بعض التصرفات لتضرر المولى بها ، ولا ضرر على المولى هنا ، ولانه ان عجز عن الاداء استرقهما ، وان أدى حصل المقصود وهذا أقرب من القول الاول.

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٣٦.

٦٩

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الاقرار )

قالرحمه‌الله : ولو قال : له درهم بل درهم ، لزمه واحد.

أقول : هذا القول ذكره الشيخ في المبسوط(١) ، واحتج عليه بأن الظاهر من حال المتكلم بذلك أنه أمسك ليستدرك ، ثم تذكر أنه ليس عليه الا ذلك فيثبت عليه.

أقول : والاقوى لزوم درهمين ، لاستدعاء الاضراب المغايرة ، وهو بنص من أهل العلم أقوالهم.

قالرحمه‌الله : ولو قال : له عندي مال عظيم قبل تفسيره ولو بالقليل. وكذا لو قال : عظيم جدا كان كقوله عظيم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن لفظة « جدا » موضوعة في اللغة للمبالغة في الكثرة ، فلا يقبل تفسيره لها الا بأقل ما يمكن حملها عليه لغة ، وللفقهاء في حد ذلك خلاف ، فبعضهم قال : أقل ذلك ثلاثة دراهم وبعضهم ستمائة درهم وبعضهم اثنان وسبعون درهما.

والالتفات الى أن الاصل براءة الذمة ، ولا دليل على قدر معين مقطوع به بحيث

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٧.

٧٠

يرجع إليه ، فلم يبق الا تفسيره ، وإلا لزم التحكم المنهي عنه شرعا ، وهو اختيار الشيخ في كتابه والمتأخر.

قالرحمه‌الله : ولو قال : غصبتك شيئا وقال : أردت نفسك لم يقبل.

أقول : انما لم يقبل تفسير المقر لكلامه في هذه الصورة لما فيه من المنافاة لاقراره ، لان ذلك ليس بغصب في الحقيقة ، اذ الحر لا يثبت عليه يد الغاصب ، فقد فسر الغصب بما ليس بغصب ، فلاجل ذلك لم يقبل منه.

قالرحمه‌الله : ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى كان اقرارا. ولو قال : نعم لم يكن اقرارا ، وفيه تردد من حيث يستعمل الامران استعمالا ظاهرا.

أقول : منشؤه : وضع أهل اللغة « نعم » مخففة للكلام السابق نفيا أو اثباتا ، فعلى هذا لا يكون الجواب بها هنا اقرارا بل انكارا ، لانها يفيد تحقيق النفي ، وتحقيق النفي انكار بالضرورة ، اذ معناه : نعم ليس لك علي شي‌ء.

ولهذا قيل في قوله تعالى « ألست بربكم قالوا بلى » انهم لو قالوا نعم لكفروا ، اذ معناه حينئذ نعم لست بربنا ، وهذا اختيار الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) .

والالتفات الى أن أهل العرف يستعملونها للايجاب في الحالين ، فيكون الجواب بها اقرارا ، اذ تقدير الكلام نعم لك عندي كذا ، فالشيخرحمه‌الله نظر الى الحقيقة اللغوية بأنها بعد « أليس » لا يقبل الاقرار بل تحقيق النفي ، والمصنفرحمه‌الله رجح الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية ، فحكم بافادتها الاقرار.

والحق ما قاله المصنفرحمه‌الله ، لان اللفظ اذا دار بين الحقيقة اللغوية والعرفية ، فالترجيح للعرفية ، اللهم الا أن يكون هناك قرينة حالية أو مقالية ، فيجب العمل بمقتضاها.

قالرحمه‌الله : الاستثناء من الجنس جائز ، ومن غير الجنس على تردد.

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٣.

٧١

أقول : منشؤه : النظر الى أن قبول الاستثناء في الاقرار على خلاف الاصل بمقتضى الدليل ، لما فيه من الانكار بعد الاقرار ، ترك العمل به في سماع الاستثناء من الجنس لدليل أقوى ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

ولان الاستثناء من غير الجنس لو صح ، لصح اما من اللفظ أو من المعنى ، والقسمان باطلان ، فالقول بصحة الاستثناء من غير الجنس باطل.

أما الاول ، فلان اللفظ الدال على شي‌ء بعينه غير دال على ما يخالف جنس مسماه ، واللفظ اذا لم يدل على مسماه لا يحتاج الى صارف يصرفه عنه ، لاستحالة تحصيل ما هو حاصل.

وأما الثاني ، فلانه لو جاز حمل اللفظ على المعنى المشترك بين مسماه وبين المستثنى ليصح الاستثناء ، لجاز استثناء كل شي‌ء من كل شي‌ء ، لان كل شيئين لا بدّ أن يشتركا من بعض الوجوه ، فاذا حمل المستثنى على ذلك المشترك صح الاستثناء.

ولما عرفنا أن العرب لم يجوزوا استثناء كل شي‌ء من كل شي‌ء علمنا بطلان هذا القسم ، وهو اختيار فخر الدين الرازي من الاصوليين وأكثر الفقهاء والنحاة.

والالتفات الى أن في القرآن والشعر والمعقول ما يدل على جواز ذلك.

أما الاول ، فآيات خمس :

الاول : «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّا خَطَأً »(١) .

الثاني : «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلّا إِبْلِيسَ »(٢) ولم يكن من الملائكة بل من الجن.

الثالث : «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ

__________________

(١) سورة النساء : ٩٢.

(٢) سورة الحجر : ٣٠.

٧٢

مِنْكُمْ »(١) .

الرابع : «ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ »(٢) والظن ليس من جنس العلم.

الخامس : «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً »(٣) والسلام ليس من جنس اللغو.

وأما الثاني ، فقول الشاعر وهو النابغة :

وبلدة ليس بها أنيس

الا اليعافير والا العيس

وقول الاخر :

وقفت بها اصلالا أسائلها

أعيت جوابا وما بالدار من أحد

وأما الثالث ، فلان الاستثناء تارة يقع عما يدل عليه اللفظ دلالة المطابقة والتضمن ، وتارة عما يدل عليه دلالة الالتزام ، فاذا قال : لفلان علي ألف دينار الا ثوبا ، فمعناه : قيمة الثوب. والحق الاول لما ذكرناه ، والآيات مؤولات.

واعلم أن المانعين اختلفوا على قولين ، منهم من منع من ذلك مطلقا ، وهو غلط ، لانه واقع ومنهم من منع من ذلك حقيقة وجوزه مجازا ، وهو الحق ، واختاره فخر الدين والشيخ أبو جعفر.

أما المجوزون حقيقة ، فمنهم من ذهب الى أن الاستثناء مقول بالتواطؤ على المتصل والمنفصل دفعا للاشتراك ، وذهب آخرون الى أنه مشترك بينهما اشتراكا لفظيا ، لان المتصل اخراج والمنقطع يختص بالمخالفة من غير اخراج ، فلا اشتراك معنوي هنا.

وانما طولنا الكلام في هذه المسألة هنا ، لكونها من المسائل المهمة ، وان كانت خارجة عن هذا العلم.

__________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

(٢) سورة النساء : ١٥٧.

(٣) سورة الواقعة : ٢٥.

٧٣

قالرحمه‌الله : اذا قال : له علي عشرة الا درهما ، كان اقرارا بتسعة ونفيا للدرهم ولو قال : إلا درهم ، كان اقرارا بالعشرة.

أقول : الفرق بين الصورتين أن « الا » في الصورة الاولى حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها منصوبا ، اذ الاستثناء من الموجب يجب أن يكون منصوبا في الاحوال الثلاث ، وان اختلف في ناصبه ، والاستثناء من الاثبات نفي كما قرره ، فيكون قد أقر بتسعة وأنفى درهما.

وأما في الصورة الثانية ، فانها وصف لا حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها مرفوعا ، فيكون قد أقر بعشرة ، اذ المعنى : له عندي عشرة غير درهم.

قالرحمه‌الله : ولو قال : ما له عندي شي‌ء ، كان اقرارا بدرهم. وكذا لو قال : ماله عندي عشرة الا درهم ، كان اقرارا بدرهم. ولو قال : الا درهما ، لم يكن اقرارا بشي‌ء.

أقول : اذا كان الاستثناء من بعد حرف النفي وأردت أن تقر بما بعد الا رفعته ، لانك اذا رفعته فانما رفعته ، بأن جعلته بدلا من العشرة ، فكانك قلت : ما له عندي الا درهم ، وان لم يرد الاقرار فانصبه ، ليصير تعبير الكلام : ما له علي تسعة ، وانما لم يكن ذلك اقرارا لان « عندي » لم يرفع شيئا ، فيثبت له عندك ، فكانك قلت : ما له عندي تسعة ، وهذا الفرق ذكره الشيخ في المبسوط(١) وأتبعه المتأخر.

قالرحمه‌الله : ويقبل اقرار المفلس ، وهل يشارك المقر له الغرماء أو يأخذ حقه من الاصل؟ فيه تردد.

أقول : ذهب الشيخرحمه‌الله الى أن اقرار المفلس مقبول ، سواء أقر بدين في ذمته أو بعين من أعيان ماله ، محتجا بعموم قولهعليه‌السلام « اقرار العقلاء على أنفسهم

__________________

(١) المبسوط ٤ / ١١.

٧٤

جائز »(١) وهذا عاقل ، فيسمع اقراره.

وقال المتأخر : الاولى عندي أنه لا يصح اقراره في أعيان ماله بعد الحجر عليه ويصح اقراره بدين في ذمته ، وهو حسن لتعلق حق الغرماء بأعيان أمواله.

اذا عرفت هذا فنقول : منشأ التردد النظر الى تعلق حق الغرماء بما هو وجود في يده ، فيعطى دينه من الفاضل عن دين غرمائه ، وهو أحد قولي الشافعي.

والالتفات الى أن المقر له قد صار غريما بظاهر اقراره ، فتكون له المشاركة عملا بظواهر الاخبار ، وهو اختيار الشيخ في كتابيه المبسوط(٢) والخلاف(٣) والمتأخر والقول الاخر الشافعي.

قالرحمه‌الله : لو شهد الاخوان وكانا عدلين بابن للميت ، ثبت نسبه وميراثه ولا يكون ذلك دورا.

أقول : قال الشيخرحمه‌الله في المبسوط : كل موضع يثبت النسب بالاقرار يثبت بالمال ، الا في موضع واحد ، وهو اذا كان اثبات الميراث يؤدي الى اسقاطه مثل أن يقر الاخوان بابن للموروث ، فان نسبه يثبت ، ولا يثبت الميراث ، لانه لو ورث حجب الاخوان وخرجا عن كونهما وارثين ، فيبطل الاقرار بالنسب ، اذ هو اقرار من غير وارث ، واذا بطل النسب بطل الميراث ، فلما أدى اثبات الميراث الى اسقاطه أسقط ، فيثبت النسب دونه.

ثم قالرحمه‌الله : ولو قلنا بثبوت الميراث أيضا كان قويا ، لانه قد ثبت نسبه بشهادتهما ، فتبعه الميراث لا بالاقرار. هذا في المقر الذي يثبت النسب باقراره ،

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٣ و ٢ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٤٢.

(٢) المبسوط ٣ / ٤.

(٣) الخلاف ١ / ٦٢٢.

٧٥

وهو اذا كانا عدلين(١) .

والمصنفرحمه‌الله اختار ما قواه الشيخ أخيرا ، وهو المعتمد ، واختاره المتأخر في الجزء الثالث من كتابه.

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٣٩.

٧٦

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الأيمان )

قالرحمه‌الله : ولو قال : وقدرة الله وعلم الله ، فان قصد المعاني الموجبة للحال لم ينعقد اليمين ، ولو قصد كونه قادرا عالما جرى مجرى القسم بالله القادر العالم. وكذا تنعقد بقوله : وجلال الله ، وعظمة الله ، وكبرياء الله ، وفي الكل تردد.

أقول : اعلم أن المتكلمين اختلفوا في صفات الله تعالى ، فذهب جمهورهم الى أن صفاته تعالى ذاتية ، فهو تعالى عالم لذاته قادر لذاته ، لا بمعنى قائم به ، وكذلك باقي الصفات ، والاشاعرة أنكرت ذلك وزعموا أنه عالم بالعلم قادر بالقدرة حي بالحياة ، الى غير ذلك من الصفات ، وتحقيق القولين مذكور في كتب الاصول.

فمن قال بالاول قال : اذا حلف بهذه الصفات لم ينعقد يمينه ، لان الله عالم بذاته ، فاذا قال. وعلم الله ، كان معناه ومعلوم الله ، فلا يكون يمينا بالله.

وقال الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) والخلاف(٢) : ان قصد الحالف المعاني التي أثبتها الاشعري لم ينعقد يمينه ، وان قصد به كونه قادرا عالما كان يمينا ، فان

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٩٦.

(٢) الخلاف ٢ / ٥٥٢ مسألة ١٠.

٧٧

ذلك قد يعبر به عن كونه عالما وقادرا ، وأتبعه المتأخر.

والمصنفرحمه‌الله تردد في ذلك ، ومنشأ تردده : النظر الى أن انعقاد اليمين حكم شرعي يقف ثبوته على اللفظ الذي وضعه الشارع دليلا على الانعقاد ، وليس الا الحلف به تعالى ، أو باسمائه المختصة به تعالى ، أو الذي ينصرف اطلاقها إليه وليس هنا شي‌ء منها بموجود.

والالتفات الى أن ذلك قد يعبر به عن كونه قادرا عالما ، ولو حلف بذلك انعقدت يمينه اجماعا ، وكذا بما هو في معناه ، ولقائل أن يمنع انعقاد اليمين مع الحلف بالقادر العالم.

قالرحمه‌الله : الاستثناء بالمشيئة يقف اليمين عن الانعقاد ، اذا اتصل باليمين أو انفصل ، بما جرت العادة أن الحالف لم يستوف غرضه ، ولو تراخى عن ذلك من غير عذر حكم باليمين ولغى الاستثناء ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : أشار بذلك الى ما رواه الحسين القلانسي أو بعض أصحابه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : للعبد أن يستثني في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما اذا نسي(١) .

وفي رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام في قوله تعالى «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ »(٢) قال : اذا حلف الرجل فنسي أن يستثني فليستثن اذا ذكر(٣) . وعمل الاصحاب على الاول.

قالرحمه‌الله : ولا يدخل الاستثناء في غير اليمين ، وهل يدخل في الاقرار؟ فيه تردد ، والاشبه أنه لا يدخل.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الاقرار اخبار عن حق واجب في الذمة ، فلا يقبل

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٨١ ح ٢٠.

(٢) سورة الكهف : ٢٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٨١ ، ح ١٩.

٧٨

التعليق على الشرط. أما الصغرى فاجماعية.

وأما الكبرى فلوجوب كون المشروط متوقع الوجود ، واستحالة كون الاقرار كذلك ، ولان قبول الاستثناء على خلاف مقتضى الاصل ، لما فيه من المناقضة للكلام السابق ، فلا نحكم بجوازه الا مع وجود الدليل الدال عليه ، وبه قال مالك من الجمهور ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف(١) محتجا بما ذكرناه أخيرا ، وهو خيرة المتأخر ، وهو غير موجود هنا.

والالتفات الى أن الاقرار ايقاع ، فيدخل فيه الاستثناء كاليمين ، وهو اختيار الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٢) وأبي حنيفة ، ولما كان هذا الدليل ضعيفا لكونه مجرد قياس وهو عندنا باطل ، لا جرم كان القول الاول أقوى.

فرع :

قال الشيخ في المبسوط : يدخل الاستثناء في العتق والنذور(٣) وهو مذهب أبي حنيفة ، والبحث فيه كما تقدم.

قالرحمه‌الله : والحروف التي يقسم بها الباء والتاء والواو ، وكذا لو خفض ونوى القسم من دون النطق بحروف القسم على تردد ، أشبهه الانعقاد :

أقول : منشؤه : النظر الى أن الانعقاد حكم شرعي ، فيقف ثبوته على اللفظ الذي وضعه الشارع دليلا عليه ، وليس الا هذه مع النطق بها ، اذ القسم لا يكون الا بحرف القسم ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف(٤) ، وحكاه عن جميع الفقهاء الا أبا جعفر الأسترآبادي.

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٥٥٨.

(٢) المبسوط ٦ / ١٩٩.

(٣) المبسوط ٦ / ٢٠٠.

(٤) الخلاف ٢ / ٥٥٦ مسألة ١٨.

٧٩

والالتفات الى أن أهل اللغة أجازوا ذلك واستعملوه اختصارا لكثرة الاستعمال ولعلم المحذوف هنا يقينا فيكون جائزا ومستعملا شرعا ، اذ الشرعي غالبا تابع للغوي.

فائدة :

اذا كان المقسوم به اسم الله تعالى جاز نصبه وجره مع حذف حرف القسم القسم ، فأما من نصب فانه يقول : انتصابه بفعل محذوف ، تقديره : ألزم يمين الله وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، أو يكون التقدير : أقسم الله ، أي بالله فلما حذف الحرف وصل الفعل إليه بنفسه فنصبه ، ولا يجوز الجر بعد الحذف الا في اسم الله خاصة لكثرة استعماله في القسم وقال الكوفيون : يجوز مطلقا ، واحتج كل من الفريقين بأدلة ليس هذا موضع ذكرها ، لكن القول الاول أقرب في المقامين.

قالرحمه‌الله : ولو قال : ها الله كان يمينا ، وفي أيمن الله تردد ، من حيث هو جمع يمين ، ولعل الانعقاد أشبه ، لانه موضوع للقسم بالعرف ، وكذا أيم الله وم الله.

أقول : منشؤه : اختلاف النحاة في هذه اللفظة ، فقال البصريون : هي مفردة واشتقاقها من اليمن أي البركة ، فعلى هذا يكون يمينا قطعا.

واحتج البصريون على صحة مذهبهم بأنها قد يكسر همزتها في بعض اللغات ، ولو كانت جمع يمين لما كسرت ، وبأن همزتها همزة وصل ، بدليل حذفها في قول الشاعر :

فقال فريق القوم لما نشدتهم

نعم وفريق أيمن الله لا ندري

وهمزة الجمع ليست بهمزة وصل.

وقال الكوفيون : هي جمع يمين ، فعلى هذا لا يكون قسما ، لان اليمين ليس

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200